مقدمة المحقق |
الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر عليه السلام قضية أساسية في عقيدة المسلمين و قد شغلتهم و ما تزال منذ بشّر خاتم المرسلين (ص) به و أكّد ظهوره في آخر الزمان في أحاديث جمّةٍ ، و في موارد و مناسبات لا تحصى كثرة بلغت حد التواتر ، فصار الاعتقاد به من الضروريات الإسلام ، و مع ذلك كله فقد نجم في القرون الماضية و في قرننا الحالي من أنكر و شكّك فيه إمّا تأثراً بمناهج مادية أو بسبب عصبيةٍ مذهبية أو لجهلٍ بما أودع في الصحاح و المسانيد و السنن من مئات الروايات[1] عن طريق الفريقين السنة و الشيعة ، و لقد ألّف العلماء المتقدمون و المتأخرون عشرات الكتب ، كما كُتبت فصول أو دراسات تضمنت أدلة معتبرة و احتجاجات سليمة و قوية على وجود المهدي(ع) و صدق القضية بما لا ينبغي معه أن يرتاب فيه مسلم صحيح العقيدة يؤمن بما يُخبر به الرسول (ص) . و لقد بلغ رسوخ هذه العقيدة في الأمة المسلمة أن استغلها بعض الأدعياء ، و ادعوا المهدوية ، و لكن سرعان ما انكشفوا و افتضحوا ، كما افتضح أدعياء النبوة ، و قد حاول الدكتور أحمد أمين في كتابه ( المهدوية في الإسلام ) أن يجعل من ادعاء المهدوية سبباً للطعن على فكرة المهدي و أصالتها ، و لكن العكس هو الصحيح . فالادّعاء يدل على أن المدعين يستغلون حقيقيةُ موضوعية ً ، و اعتقاداً راسخاً عند الناس ، ثم لو صح أن الادعاء مُبطل لأصل القضية ، فلازم ذلك إبطال النبوات لكثرة المدعين. و الأمر المثير للعجب أن يتصدى بعض أدعياء العلم و المعرفة قديماً و حديثاً للتشكيك و التشويش على الأمة المسلمة ، لا لشيءٍ إلا بسبب قصور فهمهم عن إدراك أسرار هذه العقيدة ، و مقاصدها السامية ، أو بسبب غرض أخر ، و من هؤلاء في عصرنا الحديث المستشرقون و تلامذتهم من أمثال كولدزيهر ، و فلهاوزن ، و فان فلوتن ، و مكدونالد ، و برنارد لويس ، و مونتغمري وات ، و ماسنيون و غيرهم ممن تبعهم من تلامذتهم من أبناء الإسلام ، و سار على منهجهم في إثارة الشبهات و التشكيك بعقائد الإسلام و مقولاته و في القرآن الكريم و السُنة المطهرة ، ثم سلك هذا المسلك الوهابية و من سار في ركابهم من أبناء الشيعة و السنة في التشكيك بعقيدة المهدي المنتظر (ع)، و ليس لدى جميع هؤلاء ما يدعم إنكارهم من الأدلة و المستمسكات الموثوقة ، بل الدليل قائم على خلاف مذاهبهم و البرهان ساطع و قاطع على صحة العقيدة في المهدي (ع) ، لثبوت التواتر كما حكاه غير واحدٍ ، و منهم البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة ، و الشوكاني في التوضيح كما سيأتي . والغريب أن هؤلاء يتوسلون بنفس الذرائع ، و يتعللون بنفس التعلّلات التي توسل بها منكرو ما جاء من أنباء الغيب التي احتواها القرآن الكريم ، أو التي نطق بها الرسول الكريم نبينا محمد (ص) كإنكارهم الإسراء و المعراج[2] . إن قراءة متأنية لما أثاره المشككون من إشكالات ، و ما يطرحونه هذه الأيام من تشويشات ، كما في مزاعم و ادعاءات السائح ، و القصيمي ، و غيرهم من المشوشين – و هي لا تختلف عما طرحه الخصوم قبلهم – الذين هم عن العلم بعيدون ، و بعرفة علم الحديث روايةً و درايةً أبعد ما يكونون ، و بحقائق التاريخ و وثائقه على أتم الجهل أو العناد ، إن هذه القراءة ستوقفنا على سذاجة تفكيرهم و سُقم و اختلال مناهجهم في التعامل مع هذه القضية الخطيرة[3] . و من هنا كان التصدي الإمام الشهيد الصدر (رض) لها بالبحث و الدراسة وفق منهج علمي جديد ، يعتمد النقل الصحيح ، و الدليل العقلي السليم ، و مناقشة القضية مناقشةً هادئة رصينة متعرضاً لكل الإشكالات المثارة في المقام ، و الواقع أننا إزاء ما أثاره الخصوم قديماً و حديثاً لم نجد – في حدود تتبعنا القاصر – مَن درسَها و ناقشها بمثل هذا المنهج و الأسلوب الذي اتبعه الإمام الشهيد الصدر (رض) ، كما سيتضح للقارئ العزيز . و لعل من المناسب في هذه المقدمة أن نتعرف على جملة حقائق أو ملاحظات يمكن أن تشكل مدخلاً مناسباً لبحث السيد الشهيد (رض) الذي وُفقنا و الحمد لله إلى تحقيقه تحقيقاً علمياً حديثاً . و يتضمن المدخل الإلمام بالأمور الأتية : أولاً: منهج المشككين قديماً و حديثاً . ثانيا: منهج المثبتين : 1-المنهج الروائي . 2-المنهج العقلي ( منهج الشهيد الصدر (رض)) .
|
[1] راجع : المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة و الإمامية / الشيخ نجم الدين العسكري ، و فيه أكثر من أربعمئة حديث من كتب أهل السنة . منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر (ع) / العلامة الشيخ لطف الله الصافي ، و فيه ما مجموعه (6000) ستة آلاف حديث عن طريق الفريقين . [2] راجع : تفسير ابن كثير 3 : 9 و ما بعدها تفسير أول سورة الإسراء . [3] راجع مناقشة السائح و أمثاله في ( نقد الحديث بين الاجتهاد و التقليد ) للسيد محمد رضا الجلالي المنشور في مجلة تراثنا / العددان 32 و 33 – السنة الثانية 1413 هـ - إصدار مؤسسة آل البيت عليهم السلام . |
![]() |