مكتبة الإمام المهدي

فهرس الكتاب


 

 

الفصل السادس

علل الأحكام والتكاليف الإلهيَّة

 

إنَّ بني آدم وبعد خروجهم من ذلك النعيم المعنوي افتقروا إلى تكاليف ذات أبعاد مختلفة وجوانب شتَّى لكي تعالج جميع الثغرات التي حصلت لهم جراء تلك المشكلة أعنى الهبوط فالله سبحانه بحكمته ولطفه لم يترك آدم وبنوه بحالهم بعد الهبوط بل مادام قد تاب آدم ورجع فلا بد من التفضل عليه وعلى بنيه بالتكاليف المتنوعة من الصلاة والصوم والحج والجهاد ووو.. كي ينجوا أنفسهم من الهبوط في دار الدنيا ويرجعوا إلى دار كرامته، فإذاً الحل الوحيد لمثل هذا الإنسان الهابط هو العمل بالتكاليف الإلهية وإن كان الإنسان الهادي لا يفتقر إلى التكاليف للوصول إلى جوار الرب حيث أنه يعيش الجنة ولكن حيث إن التكاليف هي قوانين شاملة ومستوعبة فلا يجوز فيها الاستثناء أصلا فلا بد للكل أن يعملوا بها الهابطون والهداة من غير فرق بينهم.

والجدير بالذكر إن هناك علاقة بين الأكل من الشجرة المنهيَّة التي أدَّت إلى الهبوط وبين التكاليف الإلهيَّة، وهذه العلاقة قد وصلت إلى مستوى العليَّة والمعلوليَّة، وفي علم المعقول هناك أصل ثابت يقول: أنَّ العلَّة والمعلول بينهما سنخيَّة وانسجام كامل بحيث أنَّ المعلول هو الذي يعكس العلَّة تماماً وهو الذي يُظهره عيناً ومن هنا يقال للمعلول المَظهر.

 

علل الشرائع و الأحكام

وعلى هذا الأساس نتمكَّن من معرفة الفلسفة العملية للأحكام والتكاليف المتنوِّعة فكُلُّ الأحكام والتكاليف ترجع إلى ما حدث في تلك الجنَّة (أعني جنَّة آدم)، تلك الحوادث التِّي أدَّت إلى خروج آدم منها ومن ثمَّ ابتلائه بعالم الكثرة كما مرَّ، كما أنَّ العمل بتلك التكاليف هي التِّي تضمن رجوع الإنسان إلى جوار ربِّه.

 وقد اعتمد الإمام قدّس سرّه على هذا الأمر اعتماداً أساسياً وتحدَّث عنه في كتبه المختلفة قال إمامنا قدِّس سرُّه في كتاب الآداب المعنوية للصلاة بعد أن نقل الحديث التالي:

(عن معاوية بن عمار عن الحسن بن عبد الله عن أبيه عن جده الحسن بن على بن أبي طالب عليه السلام قال جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا محمد أنت الذي تزعم انك رسول الله وإنك الذي يوحى إليك كما أوحى إلى موسى بن عمران فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساعة ثم قال صدقت يا محمد فأخبرني لأي شئ توضأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أن وسوس الشيطان إلى آدم ودنا آدم من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ثم قام وهو أول قدم مشت إلى الخطيئة ثم تناول بيده ثم مسها فأكل منها فطار الحلى والحلل عن جسده ثم وضع يده على أم رأسه وبكى فلما تاب الله عز وجل عليه فرض الله عز وجل عليه وعلى ذريته الوضوء على هذه الجوارح الأربع وأمره أن يغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة وأمره بغسل الساعدين إلى المرفقين لما تناول منها وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على رأسه وأمره بمسح القدمين لما مشى إلى الخطيئة)(1)

(عن معاوية بن عمار عن الحسن بن عبد الله عن آبائه عن جده الحسن بن على بن أبي طالب عليه السلام قال جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أن قال لأي شئ فرض الله عز وجل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما وفرض على الأمم السالفة اكثر من ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله أن آدم لما أكل من الشجرة بقى في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش والذي يأكلونه تفضل من الله عز وجل عليهم .. قال اليهودي صدقت يا محمد)(2)

قال الإمام قدس سرُّه:

 فمن هذه الأحاديث لأهل الإشارات و أصحاب القلوب استفادات منها إن خطيئة آدم عليه السلام مع أنها ما كانت من قبيل خطايا غيره بل لعلها كانت خطيئة طبيعية أو أنها كانت خطيئة التوجه إلى الكثرة التي هي شجرة الطبيعة أو كانت خطيئة التوجه إلى الكثرة الأسمائية، بعد جاذبة الفناء الذاتي ولكنها ما كانت متوقعة من مثل آدم عليه السلام الذي كان صفيّ الله والمخصوص بالقرب والفناء الذاتي ولهذا أعلن الذات المقدسة وأذاع بمقتضى الغيرة الحبِّية عصيانَه وغوايته في جميع العوالم وعلى لسان الأنبياء عليهم السلام، وقال تعالى: وعصى آدم ربه فغوى.

 ومع ذلك، لابد من التطهير والتنبيه بهذه المثابة له ولذريته التي كانت مستكنة في صلبه ومشتركة في خطيئته بل اشتركوا في الخطيئة بعد الخروج من صلبه أيضا فكما أن لخطيئة آدم وأبنائه مراتب ومظاهر فأول مرتبتها التوجه إلى الكثرات الاسمائية و آخر مظهرها الأكل من الشجرة المنهية التي صورتها الملكوتية شجرة فيها أنواع الثمار والفواكه وصورتها الملكية هي الطبيعة و شؤونها، و إن حب الدنيا و النفس اللذين هما موجودين باستمرار في الذرية لمن شؤون هذا الميل إلى الشجرة والأكل منها كذلك لتطهيرهم وتنزيههم و طهارتهم و صلاتهم و صيامهم للخروج من خطيئة الأب الذي كان هو الأصل أيضا مراتب كثيرة مطابقة لمراتب الخطيئة. وقد علم من هذا البيان إن جميع أنواع المعاصي القالبية لابن آدم هي من شؤون أكل الشجرة، و تطهيرها على نحو خاص: وإن جميع أنواع المعاصي القلبية لهم أيضا من شؤون تلك الشجرة و تطهيرها بطور آخر.(3)

وفي موضعٍ آخر نقل الحديث التالي :

(قال اليهودي صدقت يا محمد فأخبرني عن الخامسة لأي شئ أمر الله بالاغتسال من الجنابة و لم يأمر من البول و الغائط قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن آدم لما أكل من الشجرة دب ذلك في عروقه و شعره و بشره فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كل عرق وشعره فأوجب الله على ذريته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة)

ثمّ قال:

 وظاهر هذه الأحاديث و إن كان عند أهل الظاهر هو أن النطفة لما كانت تخرج من جميع البدن فوجب غسل جميعه. و هذا مطابق لرأي جمع من الأطباء و الحكماء الطبيعيين ولكن تعليله عليه السلام بأكل الشجرة كما في الحديث الأول ونسبة الجنابة إلى النفس كما في الحديث الثاني يفتح طريقا إلى المعارف لأهل المعرفة والإشارة لان قضية الشجرة وأكل آدم منها من أسرار علوم القرآن وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، وكثير من المعارف مرموز فيها، ولذا جعلوا عليهم السلام في الأحاديث الشريفة قضية آدم، و الأكل من الشجرة علة لتشريع كثير من العبادات ومن جملتها باب الوضوء والصلاة والغسل وصوم شهر رمضان وكونه ثلاثين يوما وكثير من مناسك الحج، وفي نيتي منذ سنين أن أفرد رسالة في هذا الباب ولكن الانشغالات الأخر منعتني عن ذلك، وأسأل الله تعالى التوفيق والسعادة لذلك.

 أقول : إنَّ الشجرة هي الأساس في التكاليف إلاّ أنَّ هناك كثير منها يرتبط بما حدث بعد الأكل أو حين الأكل فهناك أحاديث كثيرة تبيِّن أسرار العبادات تُربط هذه العبادات بتلك الحوادث فقد وردت في أسرار الحج أيضا أحاديث كثيرة تدلُّ على ذلك نذكر واحدة منها:

(عن عبد الله ابن سنان قال بينا نحن في الطواف إذ مر رجل من آل عمر فأخذ بيده رجل فاستلم الحجر فانتهره واغلظ له وقال له بطل حجك إن الذي تستلمه حجر لا يضر ولا ينفع فقلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك أما سمعت قول العمرى لهذا الذي استلم الحجر فأصابه ما أصابه فقال وما الذي قال قلت له قال يا عبد الله بطل حجك إنما هو حجر لا يضر ولا ينفع فقال أبو عبد الله عليه السلام كذب ثم كذب ثم كذب أن للحجر لسانا ذلقا يوم القيامة يشهد لمن وافاه بالموافاة ثم قال إن الله تبارك وتعالى لما خلق السماوات والأرض خلق بحرين بحرا عذبا وبحرا أجاجا فخلق تربه آدم من البحر العذب وشن عليها من البحر الأجاج ثم جبل آدم فعرك عرك الأديم فتركه ما شاء الله فلما أراد أن ينفخ فيه الروح أقامه شبحا فقبض قبضه من كتفه الأيمن فخرجوا كالذر فقال هؤلاء إلى الجنَّة وقبض قبضه من كتفه الأيسر وقال هؤلاء إلى النار فأنطق الله عز وجل أصحاب اليمين وأصحاب اليسار فقال أهل اليسار يا رب لما خلقت لنا النار ولم تبين لنا ولم تبعث إلينا رسولا فقال الله عز وجل لهم ذلك لعلمي بما أنتم صائرون إليه وإني سأبتليكم فأمر الله عز وجل النار فأسعرت ثم قال لهم تقحموا جميعا في النار فإني اجعلها عليكم بردا وسلاما فقالوا يا رب إنما سألناك لأي شئ جعلتها لنا هربا منها ولو أمرت أصحاب اليمين ما دخلوا فأمر الله عز و جل النار فأسعرت ثم قال لأصحاب اليمين تقحموا جميعا في النار فتقحموا جميعا فكانت عليهم بردا وسلاما فقال لهم ألست بربكم قال أصحاب اليمين بلى طوعاً وقال أصحاب الشمال بلى كرهاً فأخذ منهم جميعا ميثاقهم وأشهدهم على أنفسهم قال وكان الحجر في الجنَّة فأخرجه الله عز وجل فالتقم الميثاق من الخلق كلهم فذلك قوله عز وجل وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون فلما أسكن الله عز وجل آدم الجنَّة وعصى أهبط الله عز وجل الحجر وجعله في ركن بيته وأهبط آدم عليه السلام على الصفا فمكث ما شاء الله ثم رآه في البيت فعرفه وعرف ميثاقه وذكره فجاء إليه مسرعا فأكب عليه وبكى عليه أربعين صباحا تائبا من خطيئة ونادما على نقضه ميثاقه قال فمن أجل ذلك أمرتم أن تقولوا إذا استلمتم الحجر أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة يوم القيامة..)(البحار ج5 ص245 رواية35 باب10)

وقد ورد في خصوص فلسفة الطواف حول البيت حديثٌ يُربط هذا التكليف بموضوع خلق آدم إليك نصُّه:

(في علل ابن سنان عن الرضا عليه السلام عله الطواف بالبيت أن الله تبارك وتعالى قال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أ تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء فردوا على الله تبارك وتعالى هذا الجواب فعلموا أنهم أذنبوا فندموا فلاذوا بالعرش واستغفروا فأحب الله عز وجل أن يتعبد بمثل ذلك العباد فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش فسمى الضراح ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى المعمور بحذاء الضراح ثم وضع البيت بحذاء البيت المعمور ثم أمر آدم عليه السلام فطاف به فتاب الله عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة)(4)

واللطيف ما ورد في سهم الميراث وأنَّ للذكر مثل حظ الأنثيين:

(عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن على عليه السلام ...وسأله لم صار الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين فقال من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حواء فأكلت منها حبه و أطعمت آدم حبتين فمن اجل ذلك ورث الذكر مثل حظ الانثيين)(5)

(على بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن يزيد عن على بن أبي حمزه عن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله عز وجل لما أهبط آدم عليه السلام أمره بالحرث والزرع وطرح إليه غرسا من غروس الجنَّة فأعطاه النخل والعنب والزيتون والرمان فغرسها ليكون لعقبه وذريته فأكل هو من ثمارها فقال له إبليس لعنه الله يا آدم ما هذا الغرس الذي لم أكن أعرفه في الأرض وقد كنت فيها قبلك ائذن لي آكل منها شيئا فأبى آدم عليه السلام أن يدعه فجاء إبليس عند آخر عمر آدم عليه السلام وقال لحواء انه قد أجهدني الجوع والعطش فقالت له حواء فما الذي تريد قال أريد أن تذيقيني من هذه الثمار فقالت حواء إن آدم عليه السلام عهد إلي أن لا أطعمك شيئا من هذا الغرس لأنَّه من الجنَّة ولا ينبغي لك أن تأكل منه شيئا فقال لها فاعصري في كفى شيئا منه فأبت عليه فقال ذرينى أمصه ولا آكله فأخذت عنقودا من عنب فأعطته فمصه ولم يأكل منه لما كانت حواء قد أكدت عليه فلما ذهب يعض عليه جذبته حواء من فيه فأوحى الله تبارك وتعالى إلى آدم عليه السلام أن العنب قد مصه عدوى وعدوك إبليس وقد حرمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس إبليس فحرمت الخمر لأن عدو الله إبليس مكر بحواء حتى مص العنب ولو أكلها لحرمت الكرمة من أولها إلى آخرها وجميع ثمرها وما يخرج منها ثم إنه قال لحواء فلو أمصصتني شيئا من هذا التمر كما أمصصتنى من العنب فأعطته تمره فمصها وكانت العنب والتمرة أشد رائحة وأزكى من المسك الأذفر وأحلى من العسل فلما مصهما عدو الله إبليس لعنه الله ذهبت رائحتهما وانتقصت حلاوتهما قال أبو عبد الله عليه السلام ثم إن إبليس لعنه الله ذهب بعد وفاه آدم عليه السلام فبال في أصل الكرمة والنخلة فجرى الماء على عروقهما من بول عدو الله فمن ثم يختمر العنب والتمر فحرم الله عز وجل على ذريه آدم عليه السلام كل مسكر لأن الماء جرى ببول عدو الله في النخلة والعنب وصار كل مختمر خمرا لأن الماء اختمر في النخلة والكرمة من رائحة بول عدو الله إبليس لعنه الله)(الكافي ج6 ص393 رواية2).

هذا :

 

فلسـفة بعث الرّسـل

ولم يكتف سبحانه بالتكاليف بل أرسل الأنبياء وبعث الرسل بالهدى ودين الحق كي يرشدوا الناس إلى الله ويحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه، قال تعالى:

(كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)(6)

 إلى أن انتهى أمر الرسالة إلى نبيِّنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَم فرسول الله كان ذلك النور في عالم الأنوار فمنَّ الله علينا به وجعله في بيت النبوّة وذلك لأجل هداية البشريّة وإخراجهم من الظلمات إلى النور وإرجاعهم إلى الجنَّة التي اخرجوا منه وهو الرجوع إلى الله سبحانه المشار إليه في قوله تعالى:

(إنا لله وإنّا اليه راجعون)(7)

وهو في الواقع:

الغاية من الخلق؟

قد صرَّح القرآن الكريم في موارد كثيرة أنَّ الموجودات الأخر من الجمادات والنباتات والحيوانات وحتَّى الملائكة لم تخلق إلاّ لأجل الإنسان، والقرآن مليء بالآيات الدالَّة على ذلك(8) نكتفي هاهنا ببعض النماذج فقط:

قال تعالى:

(الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم)(9)(هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا..)(10)(فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون)(11) (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)(12)(والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون)(13)(وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون)(14)(الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار)(15)(وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حليه تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)(16)

 

خـلق الإنسان

وأمّا بخصوص الإنسان هناك حديث بين المتكلمين:

فقال المعتزلة أنَّ الغاية في إيجاد العباد هو إيصال النفع إليهم وهذا باطلٌ لأنَّه يعني أنَّ الله قد استفاد بفعله واستكمل وهو الكامل فتعالى عن ذلك.

وأمّا الأشاعرة فقد أنكروا الغاية بالمرة وهذا يعني أنَّ الله ليس بحكيم في فعله كيف وكل فعل لا غاية له يكون ناقصا معطَّلا وعبثاً والله سبحانه أجلُّ من أن يصدر منه فعلٌ بلا حكمة.

وأمّا الحكماء الإلهيين يقولون أنَّه لا بدّ من غاية في صنعه تعالى ولكن لا غاية في صنعه وفعله وراء ذاته وذلك لأنَّه هو أجمل من كلِّ جميل وأجل من كل جليل وكل جمال وجلال وكمال ليس هو إلاّ انعكاس من بهاء جماله وظلّ من شمس جلاله ورشحة من بحر كماله فمنظوره ومعشوقه لا يكون إلا ذاته تعالى ولذلك قالوا: العالي لا يلتفت إلى السافل بالذات إلا بالعرض.

 ونعم ما قال الشيخ الرئيس أبو على بن سينا:

(لو إن إنسانا عرف الكمال الذي هو واجب الوجود الذي هو فوق التمام ثم فرض أنه منظم العوالم على مثاله، كان غرضه الواجب الوجود فإذا كان الواجب هو الفاعل فهو الغرض لذاته في فعله).

شرحه:

 لو أنَّ الإنسان عرف الله سبحانه وتعالى بأنَّه هو الكمال المطلق الذي ليس فيه نقصٌ أصلاً والجمال الحقيقي الذي ليس فيه عيبٌ مطلقاً وكذا سائر الصفات فمن الطبيعي أنَّه لا يطلب غيرَه ولا يرغب إلاّ إليه حيث أنَّ الإنسان يعشق الأكمل والأجمل.

وهذا الكلام بعينه يجري بالنسبة إلى الله تبارك وتعالى فهو الفاعل لجميع الأشياء فماذا ترى يكون الغرض من فعله؟ ليس هناك أي غرضٍ وغاية وراء فعله إلاّ ذاته المُقدَّسة فغايته نفسُه لا شيء خارج عن نفسه تأمَّل.

أقـول:

من هذا المنطلق يمكننا أن نصل إلى فلسفة الخلق فلم يخلق الله الإنسان إلاّ لنفسه لا لشيء آخر لأنَّه مهما تصورنا من غايات فهي ناقصة لا يمكن أن يتوجَّه إليها الله أصلاً فكيف تكون هي غاية لفعله يستكمل بها نفسه!!

 وهناك شواهدُ كثيرةٌ من القرآن الكريم كذلك الأحاديث الشريفة تدلُّ على ذلك نكتفي هاهنا على سورة الانشقاق الآيات 6-8 ومن ثمَّ نشير إلى بعض النماذج الأخر من الآيات والروايات لنعطي هذا البحث المهم حقَّه إنشاء الله تعالى:

 

الرجوع إلى الربّ

القرآن الكريم في هذه السورة يؤكِّد على أنَّ الإنسان سوف يرجع إلى الله قطعاً لأنَّه خلق للبقاء ورجوعه هذا يتحقق بسعي وسرعة فيقول:

(يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا)

وهذا الخطاب عام يستوعب كافَّة الناس على مختلف أديانهم ومذاهبهم حيث أنَّ الكدح إلى الربّ من مقتضيات إنسانية الإنسان لا غير فلم يقل يا أيُّها الذين آمنوا بل قال يا أيُّها الإنسان وهذا الكدح ينطلق من العشق إلى الكمال المطلق الكامن في وجود أيّ إنسان كان، والكمال المطلق يعني الله سبحانه كما أشرنا إليه وشرحناه في مقالاتنا الأخرى(17). ومن ناحية أخرى الكلُّ بلا استثناء سوف يصل إلى الغاية والمقصد (فملاقيه) فالنتيجة والغاية واضحة وهي لقاء الرب.

ومن هذا المنطلق نعرف السرّ في خلق الإنسان حيث أنَّه خلق لأجل الوصول إلى أسمى مرتبة وأعلى مستوى وهو الوصول إلى الله والرجوع إليه، وأيَّةُ غاية أخرى غير الرجوع إلى الله مهما كانت فهي غير هادفة ويكون الخلق حينئذٍ عبثاً لا حكمة فيه يقول تعالى:

(أفحسبتم أنمَّا خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)(18)

فعدم الرجوع إليه تعالى يعني العبث وتعالى الله عن ذلك فهو المبدأ وهو المنتهى:

(وهو الأول والآخر والظاهر والباطن)(19) (..الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء أول كل شئ ومصيره ومبدأ كل شئ ومعيده..)(20)

 

ملاقاة الجمال وملاقاة الجلال

ثمَّ إنَّ هناك تمايزا رئيسيا بين الملاقِين ربَّهم وذلك التمايز يرجَع إلى كيفيَّة اللقاء فالموحد المؤمن يلاقي ربَّه سبحانه بجماله ورحمته ورأفته وحنانه ولطفه وعفوه وصفحه كما قال تعالى:

(فأما من أوتي كتابه بيمينه*فسوف يحاسب حسابا يسيرا*وينقلب إلى أهله مسرورا)

فيصل في البداية إلى الجنات التي تجري من تحتها الأنهار ثمَّ يترقى إلى جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه وبالأخير يصل إلى الجنَّة التي جاء ذكرها في أواخر سورة الفجر قال سبحانه:

(يا أيتها النفس المطمئنة*ارجعي إلى ربك راضية مرضية*فادخلي في عبادي*وادخلي جنتي)

وهذه الجنَّة التّي أضافها سبحانه وتعالى إلى نفسه هي جنّة لقاء الله على حدّ تعبير الإمام قدس سرُّه.

وأمّا الكافر والمُلحد والمنافق فهو يلاقي ربَّه أيضاً ولكن بجلاله وعذابه وسخطه وغضبه وانتقامه لا بعفوه وصفحه كما قال سبحانه وتعالى:

(وأما من أوتي كتابه وراء ظهره*فسوف يدعو ثبورا*ويصلى سعيراً)

 فهم يلاقون ربهم حيث يقرُّون بذلك كما قال تعالى:

(ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون)

 فهم يرون جهنَّم ويرون النار الملتهبة وهم في محضر جلال الله وغضبه وانتقامه كما قال :

(ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون)

فالنتيجة أنَّ الغاية ترجع إلى الربِّ لا غيره.

(ألا إلى الله تصير الأمور)(21) (إنا لله وإنّا اليه راجعون)(22) (وإنَّ إلى ربك المنتهى)(23)

ومن هنا نشاهد أنَّه تعالى يقول لموسى

(واصطنعتك لنفسي)(24)

ولو مررنا على الأدعية المأثورة لأذعنّا بهذه الحقيقة فإليك بعض النماذج المختصرة التِّي صدرت عنهم عليهم السلام:

(لأنَّك غاية أمنيتي ومنتهى بلوغ طلبتي فيا فرحه لقلوب الواصلين ويا حياة لنفوس العارفين ويا نهاية شوق المحبين أنت الذي بفنائك حطت الرحال وإليك قصدت الآمال)(25) (يا رباه يا سيداه يا غاية رغبتاه)(26) (يا غاية أمل الآملين)(27)(يا غاية الطالبين)(28)(يا غاية الراغبين ومنتهى أمل الراجين)(29)

 

خُلقنـا للبـقاء

ولو تدبَّرنا النفس وحالاتها وتجرُّدها لعرفنا أنَّه تعالى لم يخلقها لأن تعيش سنوات ثمَّ تهلك بالمرَّة لأنَّ ذلك خلاف الحكمة الإلهيَّة وخلاف عدالته ومن هنا نشاهد الكثير من الأحاديث تؤكِّد على ذلك:

(عن الحميري عن هارون عن ابن زياد قال قال رجل لجعفر بن محمد عليه السلام يا أبا عبد الله انا خلقنا للعجب قال: وما ذاك؟ اللّه أنت! قال:خلقنا للفناء. فقال: مَه يا بن أخ خلقنا للبقاء وكيف تفنى جنةٌ لا تبيد ونار لا تخمد ولكن قل إنما نتحول من دار إلى دار)(30)

أقول: الباقي ليس هو إلاّ وجه الله سبحانه لصريح قوله تعالى:

(كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)(31)

فكيف يمكن أن يبقى الإنسان وتبقى الجنَّة والنار؟ وليس ذلك إلاّ لأنَّ الآخرة إنَّما هو وجه الربِّ سواء كان ذلك جلال الرب وغضبه أو جماله ورحمته وإكرامه ومن هنا ذكرت الصفتان (ذو الجلال والإكرام) فالنار والجنَّة منطلقهما هو الصفتان أعني الجلال والإكرام، فجلاله تعالى ظهر في النار كما أنَّ إكرامه ظهر في الجنَّة حيث أنَّها ليست هي إلاّ دار كرامته تعالى وجميع نعمها أيضاً تنطلق من تلك الصفة العظيمة، لا كنعم الدنيا فليست النعم تلك إلاّ ظهوراً لرحمانيته تعالى ومن هنا نلاحظ البونٌ البعيد بين فواكه الدنيا وفواكه الآخرة حيث قال تعالى :

(أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم على سرر متقابلين)(32)

 فالرزق المعلوم المختصّ للمخلصين من العباد ليس هو الفاكهة بما هي فاكهة حيث لا قيمة لها مادام قد سخَّرها الله ومنحها للخلق أجمعين في الدنيا الدنيَّة فتأكلها الحيوانات بل حتَّى الكفّار والمشركين،بل الأهميَّة لتلك الصفة الإلهيَّة أعني الإكرام التِّي صبغت تلك الفاكهة صبغةً روحانيَّة فهي ليست متاع كما هو المشاهد في فواكه الدنيا.

ثمَّ إنَّ الآية التالية أيضاً تدلُّ على ما نحن بصدد إثباته

(ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلاّ وجهه له الحكم وإليه ترجعون)(33)

وهاهنا يجب التأمُّل في قوله وإليه تُرجعون لنعلم معنى بقاء الإنسان وعدم فنائه بالمرَّة لأنَّه سوف يرجع إليه تعالى:

(إنَّ إلى ربك الرجعى)(34)

ولو لم نقل برجوع الإنسان إلى ربِّه لما أمكننا أن نتصوَّر بقائه في الجنَّة أو النار خالداً وقد شرحنا هذا الأمر فلا نكرر.

ثمَّ إنَّه من المفروض أن يبقي الإنسان خالداً في جوار رحمة الله لا غضبه ولأجل ذلك خُلق الإنسان وقد صرَّحت الآية التالية بذلك:

(إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين)(35)

والرحمة لها مراتب عديدة من أعلى مراتبها رضوان الله تعالى كما في الحديث التالي:

(علل الشرايع الطالقانى عن عبد العزيز بن يحيى الجلودى عن محمد بن زكريا الجوهرى عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال سألت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له لم خلق الله الخلق فقال إن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى بل خلقهم لإظهار قدرته وليكلفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرة بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد)(36)(يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم)(37)(وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم)(38)

فالرضوان الإلهي أكبر بنحو مطلق وليست هناك منزلة أعلى وأرقى منه وذلك هو الفوز العظيم.

 

الرؤية الكونية ورحمة الربّ:

ولا يخفى أنَّ رحمة الله لا تختص بالآخرة بل هي في الدنيا أيضاً فالإنسان الذي لا يعيش الاختلاف والنزاع ولا يعيش كثرات المادة فهو بالفعل مشمول لرحمة الله تعالى لأنَّ حالته النورانيَّة والمعنوية التي اكتسبها تجعله يعيش الذكر الدائم والاطمئنان المستمر

(ألا بذكر الله تطمئن القلوب)

 والسعادة الحقيقية، وذلك لأنه رغم تواجده في الدنيا يعيش عالم والملكوت بل الجبروت وينزجر من عالم الملك كما قال أمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً  همّام :

(لولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفه عين شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب عظما)(39)

 ومن هنا نراه يستغفر الله بمجرد توجهه إلى عالم الملك والمادة وإن كان هذا التوجه من غير قصدٍ أو أن التكليف فرض عليه ذلك، كما كان علي عليه السلام حيث كان يحكم بين الناس وهو على كرسيِّ الخلافة والقضاء فالحكم بين الناس أمر لا بد منه ولكن رغم ذلك كان يجعله يعيش في عالم الملك ولو ساعات ومن أجل هذا الأمر كان في قيام الليل وأوقات السحر يبكي حتى يغمى عليه ويتوب كما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

(ليران على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة)

ثم إنه ليس هناك أي انفصال بين هذه الحالة النورانية ونورانية البرزخ والقيامة بل كلها أمر واحد حيث أن عالم التجرد لا تعتريه الكثرة والتفرق فلا زمان يحكمه ولا مكان يحدُّه فالجنة الحقيقية يعيشها المؤمن وهو على الأرض والنار يعيشها الكافر وهو على الأرض.

 

العبودية = الرجوع إلى الله =الرحمة الإلهية

ومن خلال ما ذكرنا اتَّضح لك أن العبودية المنصوصة في قوله تعالى:

(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

تعنى الرجوع إلى الله والعيش في ظل كرامته المستفادة من قوله تعالى

(أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)

 وهي بنفسها الرحمة الإلهية المذكورة في قوله تعالى :

(ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)

وقال إمامنا سيِّد الساجدين زين العابدين عليه السلام:

(.. ولم تترك عبادك هملا ولا سدى ولم تدعهم بغير بيان ولا هدى ولم تدعهم إلا إلى الطاعة ولم ترض منهم بالجهالة والإضاعة بل خلقتهم ليعبدوك..)

 

العبودية الاجتماعية

و ما ذكرناه إنما كان على صعيد الفرد لا المجتمع.

(الكافي عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن حماد بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء قال سالت أبا جعفر عليه السلام عن الاستطاعة و قول الناس فقال و تلا هذه الآية و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم يا أبا عبيده الناس مختلفون في أصابه القول و كلهم هالك قال قلت قوله إلا من رحم ربك قال هم شيعتنا و لرحمه خلقهم و هو قوله و لذلك خلقهم يقول لطاعة الإمام)(40)

وسيتضح لك هذا إنشاء الله تعالى

 

كلام الإمام قدِّس سرُّه حول الغاية من الخلق

وللإمام قدِّس سرُّه الشريف كلامٌ لطيف حول غاية أفعال الله تعالى نكتفي بخلاصة ما ذكره في كتابه القيِّم الأربعون حديثاً

قال الإمام رضوان الله تعالى عليه:

(يقول المحققون من الفلاسفة أنَّه لا توجد غاية لأفعال الله سوى ذاته وتجلِّياتها، ولا يمكن أن يكون لذاته المقدَّسة في إيجاد الأشياء هدف آخر وراء ذاته وظهوره وتجليه المقدَّس،لأنَّ أيَّ فاعلٍ لو أوجد شيئاً بغايةٍ غير ذاته(ما وراء ذاته) مهما كانت تلك الغاية، وإن كانت إيصال الفائدة والمثوبة للغير، أو كانت الغاية العبادة والمعرفة أو الثناء والحمد، كان هذا الفاعل مستكملاً بهذه الغاية وكان وجودها بالنسبة إليه أولى من عدمها، وهذا يستلزم النقص والقصور والانتفاع، وهذا محال على الذات المقدس الكامل على الإطلاق، الغني بالذات والواجب من جميع الجهات، فإذاً لا يُستفسَر عن أفعاله ولا يُوجَّه إليه لِمَ (لا يُسأل عمّا يفعل) وأمّا الموجودات الأخرى فإنَّ لها غايات ومقاصد أخرى غير ذاتها (وذلك لأنَّها ناقصة ذاتاً وفعلاً)(وهم يُسألون))(41)

 

المطلوب من الإنسان

وقد حان طرح السؤال الرئيسي الذي هو في الواقع الحلقة التِّي تربط أبحاثنا السابقة بما سنتحدَّث عنه فيما بعدُ وهذا السؤال هو:ما هو المطلوب من الإنسان؟ قد ذكر سبحانه وتعالى بصريح القول أنَّه:

(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)(42)

فالمطلوب منه إذاً هو العبادة لا شئٍ آخر والسؤال الذي يطرح نفسه هو:

ماذا تعني العبادة ….هل هي الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها من الأفعال ؟ أم هي شئٌ آخر ما وراء هذه الأفعال والأقوال ؟

أقـول:

عندما نلاحظ كلّ هذه الأفعال نشاهد أنَّ هناك أمراً مُشترك يحكمها جميعاً وذلك الأمر المشترك هو النيَّة وينبغي أن تكون تقرُّباً إلى الله ولولا القربة لما أطلق على العمل عبادة أصلاً فإذاً قوام العبادة بالنيَّة ومن الواضح أنَّ النيَّة ليست من الأعمال الجوارحيَّة بل هي حالةٌ قلبيَّة كامنة في نفس الإنسان فإذاً أساس العبادة أمرٌ نفسيٌّ باطنيّ.

 

ماذا تعني قربةً إلى الله

ولا يخفى معنى هذه الكلمة فهي تعني الوصول إلى الله نفسِه والاستقرار في جواره والابتهاج بلقائه، فهذا الأمر ممكنٌ للإنسان ولولا إمكانه لما طلب منه ذلك ولما ذُمَّ تاركه كما تدلُّ على ذلك الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة ولأهميَّة هذا البحث نجعله في عنوانٍ مستقل فنقول:

 

لقـاء الله:

بعد أن اتَّضح لنا بأنَّ النفس هي نفحة من نفحات الرحمن ومظهر من مظاهره الذي قد تجلَّى فيه الجمال والجلال كما شرحنا سابقاً في تفسير قوله تعالى:

(ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)

وبعد أن عرفنا حقيقة خليفةَ الله، يمكننا أن نعرف المقصود من لقاء الله الذي يتحدَّث عنه سبحانه في كتابه العزيز،وليس هو إلاّ معرفة الله سبحانه بالقلب الذي يتبع معرفة الإنسان لنفسه، ولا ينبغي لنا أن نَصرف جميع هذه الآيات الصريحة عن ظاهرها اعتمادا على فهمنا القاصر وأذهاننا المحدودة المؤطَّرة بأفكار ربَّما هي ليست إلاّ أوهام متلبِّسة بلباس الحقائق تلك الأفكار التِّي جعلت الكثير يحرِّف الكلم عن مواضعه ويُفسِّر القرآن برأيه.

 

اللقاء في القرآن والسنَّة

ولا يمكننا الوصول إلى هذا المستوى إلاّ بعد أن عرفنا بأنَّه تعالى:

(مع كلِّ شئٍ لا بمقارنة وغير كلّ شئٍ لا بمفارقة)

فحينئذٍ سوف نعلم أنَّه تعالى هو أوضح من كلِّ شيء حيث أنَّ قوام جميع الأشياء به لأنَّه هو الوجود المطلق الغنيّ بالذات وجميع الوجودات الأخرى فقيرةٌ بالذات إليه (أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني) وبالأحرى ليس هناك إلاّ وجود واحد ظهر في الأشياء والكلُّ تجلِّياته تعالى ومظاهره، والعبد بمقدار معرفته نفسَه وإحساسه فقرَه ومسكنته وأنَّه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حيوةً ولا نشوراً، بنفس المستوى سوف يعرف ربَّه ويصلُ إليه حيث يغفل حينئذٍ عن مشخصاته الفردية وماهيته المحدودة ويعرف أنَّ تلك المشخصات لم تكن إلاّ أوهام فليس وراء الوجود شيءٌ آخر فلا يعشق إلاّ الله ولا يعبد إلاّ الله ولا يريد إلاّ الله فحينئذٍ سوف لا يكون ممن قال تعالى عنهم (..ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط)(43) لأنَّه بالفعل قد عرف بأنَّ الله سبحانه بكلِّ شئٍ محيط فلا يكون في مريةٍ من لقاء ربِّه بل يكون مصداقاً لقوله تعالى (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون)(44) وهذا سيُّد الشهداء أبوعبدالله الحسين عليه السلام ينادي (تركت الخلق طرّاً في هواكا وأيتمت العيال لكي أراكا)

 

لذَة الوصال ونار الفراق

إنَّ جميع اللذات الدنيوية إنَّما هي ترجع إلى نفس الإنسان فهي التِّي تلتذ وهي التي تبتهج ولكن حيث أنَّ النفس مسجونة في الجسم نراها بواسطة الحواس الخمسة تتعامل مع الأشياء فتنظر إلى الوردة الجميلة فتلتذ من تلك الرؤية فهي في الواقع لا تلتذ من الوردة ولا تريدها كوردة بل النفس تلتذ بالجمال وتحبُّ الجمال فلو فقدت الوردة جمالَها فلا تحبُّها أصلاً، وهكذا بالنسبة إلى كلِّ هالك وآفل ،فالمطلوب إذاً هو الجمال والكمال غير المحدود وغير المؤطَّر، وهو الله سبحانه ومن هنا نشاهد النبي إبراهيم ينفي كلَّ آفل وبالأخير يصل إلى الربّ

(وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكوننَّ من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين)(45)

وللإمام في كتابه القيِّم شرح دعاء السحر بيان حول الآية نحيل القرّاء الكرام إلى مراجعة الكتاب(46)

فالله سبحانه هو الذي يكون مطلوباً للإنسان وهو الذي يأنس به العارف لا غيره (يا من اسمه دواء وذكره شفاء)(47)

ولا يمكن أن يسرَّ العارف إلاّ الله نفسه كما في دعاء الجوشن الكبير:

(يا سرور العارفين يا منى المحبين يا أنيس المريدين يا حبيب التوابين يا رازق المقلين يا رجاء المذنبين يا قره عين العابدين)(48) (يا سرور الأرواح و يا منتهى غاية الأفراح)(49)

وعلى ضوء ذلك يمكننا معرفة الأحاديث الكثيرة التِّي تؤكِّد على عبادة الأحرار التي تنبع عن الحبِّ والعشق بالله:

(الطالقانى عن عمر بن يوسف بن سليمان عن القاسم بن إبراهيم الرقى عن محمد بن احمد بن مهدى الرقى عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بكى شعيب عليه السلام من حب الله عز و جل حتى عمى فرد الله عز و جل عليه بصره ثم بكى حتى عمى فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمى فرد الله عليه بصره فلما كانت الرابعة أوحى الله إليه يا شعيب إلى متى يكون هذا أبدا منك إن يكن هذا خوفا من النار فقد آجرتك و إن يكن شوقا إلى الجنَّة فقد أبحتك فقال إلهي وسيدي أنت تعلم إني ما بكيت خوفا من نارك و لا شوقا إلى جنتك و لكن عقد حبك على قلبي فلست أصبر أو أراك فأوحي الله جل جلاله إليه أما إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران) (بحار الأنوار ج12 ص380 رواية1 باب11).

{وقال أمير المؤمنين و سيد الموحدين صلوات الله عليه ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك}(50)

وفي قبال لذَّة الوصال هناك نار الفراق الذي لا يمكن تصوُّر شدته ذكره أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء الكميل.

قال الإمام قدِّس سرُّه (إنَّ دعاء الكميل دعاء عجيب للغاية، بعض فقراته لا يمكن أن تصدر من البشر العادي (إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك) فمن يمكنه أن يقول هذا الكلام؟ من يمتلك هذا العشق للجمال الإلهي بحيث لا يخاف من النار، لكنَّه يخاف أنَّه إذا دخل النار ينزل من مقامه ويصل إلى مرتبة يُحرم من عشقه؟ إنَّه يصرخ من فراق ذلك العشق بالله المجمر في قلبه الذي لا يعمل عملاً إلا من منطلق ذلك العشق)(51)

وقال في كلمة أخرى:

(إنَّ نار جهنَّم مضافاً إلى أنَّها تُحرق الجسم تُحرق القلب (القلب المعنوي)أيضاً فهي تدخل القلب ، مع ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام (فهبني صبرت على عذابك..)!)(52)

 

لقاء الله في القصيدة العرفانيَّة للإمام

ومن هنا يمكننا أن نصل إلى محتوى القصيدة العرفانية التِّي أنشدها الإمام قدّس سرُّه، تلك القصيدة التِّي أهداها إلى الأمَّة الإسلاميَّة نجله السيد أحمد رضوان الله تعالى عليه وذلك بعد وفات الإمام ونحن نحاول أن نشرح البيتَ الأوَّل والثاني منها فحسب قال إمامنا:

(من بخال لبت أي دوست كرفتار شدم جشم بيمار تورا ديدم وبيمار شدم)

يقول الإمام: أنا ابتليت بخال شفتك يا محبوب وقد شرحنا معنى الخال سابقاً فراجع(53).ونظرت إلى عينك الخمول والعين الخمولة هي التي نوصفها بالغض فهي لا تتصف بالغمض ولا بالفتح وهذه الحالة للعين تُبرِز جمال المحبوب وتضفي من جماله وإنَّما يقصد الإمام من ذلك الجذبات الإلهيَّة وأسرارها التِّي تصل إلى العاشق وتُفهمُه أنَّ معشوقه ومحبوبه مع علمه الكامل بحاله ومعرفته بعبده، مع ذلك فهو يستر على ذنوبه ويتغاضى عن زلاّته.

(غافل از خود شدم وكوس أنا الحق بزدم همجو منصور خريدار سر دار شدم)

ثمَّ يقول الإمام قدِّس سرُّه:

إنِّي قد غفلت عن نفسي وهذه مرتبة راقية جدّاً لا يصل إليها إلاّ الأوحدي والمقصود من كلامه هو أنَّني قد انفصلت عن كلِّ شئٍ يرجع إلى شخصيتي الموهومة وتباعدت عن كلِّ أمر يمسُّ أنا والأنانيَّةُ رأس كلِّ خطيئة حيث أنَّها تبعدُ الإنسان عن الله وتغمسُه في متاهات الدنيا وآثارها الدنيَّة وزخرفها وزبرجها،فبمقدار إبتعاد الإنسان عن الجانب السفليِّ من نفسه سوف يتقرَّب إلى الجانب العلويِّ منه وهذا يعني تقرُّبه إلى الحقّ المطلق وهو الله سبحانه وتعالى ، فحينئذٍ برى نفسَه مظهر تامّ من مظاهر الحق وآية من آياته جلَّ وعلا فينادي أنا الحق ولكن عندما يرجع إلى هويَّته يرى أنَّ هذا النداء والصراخ لم يكن في محلِّه لأنَّه لا زال فقيراً ولا زال ناقصاً فماذا يطلب بعد ذلك؟

يقول إمامنا قدِّس سرُّه: (همجو منصور خريدار سر دار شدم) فحينئذٍ تمنِّيت الموت كما تمنَّي ذلك منصور الحلاج وكنت من المشترين الطالبين للمشنقة لأنَّه رأيت مادام أنَّني محبوس في هذا البدن المادِّي فمن المستحيل أن أصل إلى اللقاء الإلهي وأستقرَّ تحت ولايته إلاّ أن أموت (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)(54)

ومن هنا نصل إلى أمر آخر وهو أنَّ العارف لا يمكنه أن يصل إلى لقاء الله الأتَّم إلاّ بعد انفصاله عن الجسم المادِّي ورجوعه إليه تعالى إمّا بالقتل في سبيل الله والوصول إلى الشهادة وإمّا بالموت المتداول حيث الانفصال من عالم الطبيعة (وفى الحديث القدسي من عشقته فقد قتلته ومن قتلته فعلى ديته ومن علي ديته فأنا ديته)(55)وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نعرف معنى الآيتين

(من كان يرجو لقاء الله فان أجل الله لآتٍ وهو السميع العليم)(56) (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربِّهم وأنَّهم إليه راجعون)(57)

فتأمَّل فيهما وتدبَّر محتواهما لتعرف أنَّ كلام الإمام إنَّما هو نابع من القرآن الكريم. وفي قبال هؤلاء هناك من لا يرجو لقاء الله وذلك لانغماره في الدنيا التي تُبعده عن تمنِّي الموت كما قال تعالى:

(إن الذين لا يرجون لقاءنا و رضوا بالحياة الدنيا و اطمأنوا بها و الذين هم عن آياتنا غافلون)(58)

والمهمُّ هو العمل طبقاً للشريعة المقدَّسة فهو الذي يجعل المؤمن بالفعل من مصاديق الراجين لقاء الله وقد بيَّن سبحانه ذلك في قوله تعالى:

(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)(59)

 

الرجوع إلى الله

إنَّ المقامات التِّي يصل إليها الإنسان سواء في عالم الملك والدنيا أو الملكوت والبرزخ أو الجبروت والآخرة ليس بينها أيّ اختلاف وتعدُّد بل هي حقيقة واحدة راجعة إلى النفس الإنسانيَّة، ولا يخفي أنَّ النفس لبساطتها وتجرُّدها هي التِّي تُدرك تلك المراتب فالدنيا ليست هي إلاّ إدراك النفس وموقفها بالنسبة إلى المادة كما أنَّ البرزخ ليس هو إلاّ وصول النفس إلى مستوى من الرُقيِّ أو النزول بحيث يمكنها أن تُدرك اللذات أو الآفات ونفس الكلام بالنسبة إلى الجنَّة فلولا النفس وحالاتها لما كانت الدنيا ولا البرزخ ولا الآخرة ولهذا نرى أنَّه تعالى يقول (هم درجات) فالدرجات ترجع إلى الإنسان نفسه وقد ثبت هذا الأمر في محلِّه وليس هنا مجال لشرحه بالتفصيل .

ثُمَّ :

 مستوى الفرد فأيضاً كان يعيش القرب الإلهي كما شرحنا فلا بدَّ له من الرجوع

إنَّه كما أن الإنسان على مستوى الفرد كان يعيش القرب الإلهي ولا بدَّ له من الرجوع إلى الله فكذلك على مستوى المجتمع، فغاية المجتمع هي الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، توضيحاً لهذا الأمر ينبغي أن نتحدَّث عن:

  

1 ـ  بحار الأنوار ج 9 ص 294 رواية 5 باب 2

2 ـ  بحار الأنوار96 ص 368 رواية 49 باب 46

3 ـ  الآداب المعنوية للصلاة136-138

4 ـ  بحار الأنوار ج 99 ص 33 رواية 10 باب 4

5 ـ  بحار الأنوار ج 10 ص 75 رواية 1 باب 5

6 ـ  البقرة 213

7 ـ  البقرة 156

8 ـ  راجع بحار الأنوار ج 2 ص 270 رواية 28 باب 33 و ج 3 ص 17 رواية 2 باب 3

9 ـ  البقرة22

10 ـ  البقرة 29

11 ـ  المؤمنون 19

12 ـ  فاطر 8

13 ـ  لقمان 19

14 ـ  إبراهيم 32

15 ـ  النحل 14

16 ـ النحل 14

17 ـ  راجع الأربعون حديثاً

18 ـ  المؤمنون 115

19 ـ  الحديد3

20 ـ  بحار الأنوار ج 95 ص 423 رواية 43 باب 129

21 ـ  الشورى 53

22 ـ  البقرة 156

23 ـ  النجم 42

24 ـ  طه 41

25 ـ  بحار الأنوار ج 94 ص 111 رواية 16 باب 32

26 ـ  بحار الأنوار ج 86 ص 75 رواية 10 باب 39

27 ـ  بحار الأنوار ج 90 ص 171 رواية 19 باب 9

28 ـ  بحار الأنوار ج 95 ص 281 رواية 4 باب 108

29 ـ  بحار الأنوار ج 98 ص 223 رواية 3 باب 2

30 ـ  بحار الأنوار ج 5 ص 313 رواية 3 باب 15

31 ـ  الرحمن 26-27

32 ـ  الصافات 41-44

33 ـ  القصص 89

34 ـ  العلق8

35 ـ  هود 119

36 ـ  بحار الأنوار ج 5 ص 313 رواية 2 باب 15

37 ـ  التوبة 21

38 ـ  التوبة 72

39 ـ  بحار الأنوار ج 67 ص 315 رواية 50 باب 14

40 ـ  بحار الأنوار ج 5 ص 195 رواية 1 باب 7

41 ـ  الأربعون حديثاً الحديث 35

42 ـ  الذاريات 56

43 ـ  فصلت 53-54

44 ـ  البقرة 46

45 ـ  الأنعام75 -79

46 ـ  شرح دعاء السحر 26-29

47 ـ  دعاء الكميل

48 ـ  بحار الأنوار ج 94 ص 389 رواية 3 باب 52

49 ـ  بحار الأنوار ج 94 ص 111 رواية 16 باب 32

50 ـ  بحار الأنوار ج 70 ص 186 رواية 1 باب 53

51 ـ  صحيفة النور ج19ص61

52 ـ  صحيفة النور ج19ص286

53 ـ  الصفحة 9

54 ـ  الجمعة 6

55 ـ  شرح الأسماء الحسنى للسبزواري ج ص وأيضاً الحديث المنقول من مجالس الشيخ عن ابن عبدون عن ابن الزبير عن ابن فضال عن فضل بن محمد الاموى عن ربعى بن عبد الله عن الفضيل بن يسار عن ابى جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله عز و جل الصوم لى و انا أُجزى به دليل على ذلك فجزاء الصوم إنِّما هو الله كما أكَّد على ذلك الإمام قدس سرُّه أيضاً. راجع بحار الأنوار ج 96 ص 255 رواية 35 باب 30

56 ـ  العنكبوت 5

57 ـ  البقرة 46

58 ـ  يونس 7

59 ـ  الكهف 110