فهرس الكتاب

مكتبة الإمام المهدي


 

دلالاتها على وجود الإمام المهدي(عليه السلام)

هذه هي النصوص المروية في المصادر المعتبرة عند أهل السنة، وبعد عرضها نثبت الدلالات المستفادة منها كما يلي:

1 ـ المستفاد من روايات الحديث الشريف أنه جاء ضمن خطبة مهمة ألقاها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) على المسلمين وفي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة، وتصرح مجموعة من رواياته أنها كانت في عرفات في حجة الوداع الشهيرة وهي الخطبة نفسها التي أعلن فيها وصيته الشهيرة بالتمسك بالقرآن وعترته في حديث الثقلين المتواتر الذي دل ـ كما عرفنا ـ على حتمية وجود متأهل من أهل البيت (عليهم السلام) للتمسك به الى جانب القرآن والى يوم القيامة. وهي الحجة نفسها التي بلغ في طريق عودته منها الأمر القرآني بتنصيب الإمام علي ولياً ومرجعاً للمسلمين من بعده يخلفه في ذلك.

وهذا التقارن بين هذه الأحاديث الثلاثة وجمع تبليغها في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وإحاطتها بكثير من الأهمية يكشف عن أهمية مضامينها فيما يرتبط بهداية المسلمين الى ما يضمن لهم النجاة على المستويين الفردي والاجتماعي واستمرار تحرك المسيرة الإسلامية من بعده على الصراط المستقيم والمحجة البيضاء.

فهي تشترك في الموضوع المستقبلي الذي تدور عليه مضامينها، لذلك لا يمكن القول بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اراد من أحاديث الائمة الاثني عشر مجرد الإخبار عن واقع تأريخي سيجري بعد وفاته، فهذا ما لا يمكنه تفسير الأهمية القصوى التي أحاط بها تبليغه لمضمون هذا الحديث، بل واضحٌ أن تبليغ هذا الحديث في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة يأتي في ضمن مساعيه لهداية المسلمين الى ماينقذهم من الضلالة والانحراف بعده وهو الهدف الذي صرح به في حديث الثقلين، لذا فذكر الأئمة أو الخلفاء الاثني عشر والإخبار عن مجيئهم بعده هو لهداية المسلمين وصوناً لمستقبل مسيرتهم من بعده وإتماماً للحجة عليهم. وهذه نقطة محورية مهمة يجب أخذها بنظر الاعتبار لدراسة هذا الحديث ولمعرفة مصداقه.

ترابط أحاديث حجة الوداع

2 ـ وعلى ضوء اشتراك الأحاديث الثلاثة في موضوع واحد، فإن مما يعين على فهم هذا الحديث الشريف مورد البحث، ملاحظة ارتباطه بالحديثين الآخرين اللذين بلغهما الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع نفسها أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة . وحقيقة الأمر أن الأحاديث الثلاثة ترسم صورة متكاملة لطريق اهتداء المسلمين لما يضمن مستقبل مسيرتهم من بعده (صلى الله عليه وآله) .

فحديث الثقلين يصرح ـ كما بيّنا سابقاً ـ بأن النجاة من الضلالة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) تكون بالتمسك بالقرآن والعترة وأن لكل زمان رجلاً من أهل بيته وعترته جديراً بأن يكون التمسك به الى جانب القرآن منجاة من الضلالة.

 أما حديث الغدير فإنه يصرح باسم الإمام علي (عليه السلام) كولي للامة بعده (صلى الله عليه وآله) يجب عليهم التمسك بولايته كما وجب التمسك بولاية خاتم المرسلين، وهذا ما يدل عليه أخذه (صلى الله عليه وآله) إلا قرار من المسلمين بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم قوله : « مَن كنتُ مولاه فهذا علي مولاه »[1].

أما حديث الأئمة الاثني عشر فإنه يصرح بأن الدين يبقى قائماً الى يوم القيامة بوجود هؤلاء الأئمة وبهذا العدد لا يزيد ولا ينقص، ويهدي الى التمسك بهم.

فتكون الصورة التي ترسمها الأحاديث الثلاثة معاً ـ وقد صدرت في حجة واحدة أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وضمن مسعى واحد هو هداية المسلمين الى سبيل النجاة من الانحراف والضلالة بعده وهي: أن النجاة من الضلالة وحفظ قيام الدين تكون بالتمسك بالقرآن الكريم وبأئمة العترة الطاهرة الذين لا يخلو زمانٌ من أحدهم وأن أولهم الإمام علي (عليه السلام) وعددهم إثنا عشر إماماً لا يزيد ولا ينقص.

مصداق الخلفاء الاثني عشر

وعندما نرجع للواقع التأريخي الاسلامي لا نجد مصداقاً للنتيجة المتحصلة سوى أئمة أهل البيت الاثني عشر بدءً بالإمام علي وانتهاءً بالمهدي المنتظر ـ سلام الله عليهم ـ لا يزيد عددهم عن الأثني عشر ولا ينقص فجاؤا المصداق الوحيد لما أخبر به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إذْ لم يدّع غيرهم ذلك، تحقيقاً للنبوة المحمدية الثابتة عند المسلمين جميعاً.

وحيث قد ثبتت عند المسلمين كافة وفاة الأئمة الأحد عشر من هؤلاء الأئمة الاثني عشر، وثبت عند الإمامية عدموفاة الثاني عشر منهم، في حين أن الحديث المتقدم ينص على استمرار وجودهم الى يوم القيامة; لذا فلا مناص من القول بوجود الإمام الثاني عشر وغيبته ـ إذ من الثابت للجميع عدم ظهوره ـ وقيام الدين بوجوده في غيبته ايضاً تصديقاً لما نص عليه الحديث المتقدم . فيكون هذا الحديث الشريف دليلاً على وجود المهدي الإمامي وغيبته.

دراسة الأحاديث مستقلة

3 ـ الدلالة نفسها يمكن التوصل إليها من خلال دراسة الحديث المتقدم بصورة مستقلة وبغض النظر عن ارتباطه بحديثي الثقلين والغدير، واستناداً الى الدلالات المستفادة من الحديث نفسه وطبقاً للمروي في كتب أهل السنة. فنصوصه تجمع على أن موضوعه الأول إخبارُ المسلمين بأن إثني عشر شخصاً سيخلفون النبي (صلى الله عليه وآله) لقوله: « يكون من بعدي »، أي في الفاصلة الزمنية بين رحيله والى يوم القيامة كما هو المستفاد من قوله في مقدمة الحديث : « إن هذا الأمر لا ينقضي » كما في صحيح مسلم وغيره والصيغ الاخرى دالة على الأمر نفسه.

وعليه فالصفات والدلالات التي يشتمل عليها الحديث الشريف لا تنطبق على أكثر من إثني عشر شخصاً بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والى يوم القيامة، وإلا لما حصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأمر بهم. فمَنْ هم هؤلاء ؟

وللإجابة على هذا السؤال نرجع الى نصوص الحديث الشريف نفسه لمعرفة الصفات التي تحددها لهم ثم نلاحظ على مَن تنطبق .

إنّ الصفات التي تذكرها النصوص هي: امراءٌ، قرشيون، كونهم خلفاء، بقاء الإسلام عزيزاً بهم، قيام الدين بهم، قيّمون على الأمة، خذلان البعض لهم وتعريضهم للمعاداة. فلندرس كل واحدة من هذه الصفات.

إنّ معنى الإنتماء لقريش واضح، وقد أجمعت معظم المذاهب الإسلامية على اشتراطه في الإمام . أما صفة «الخليفة» أو «الأمير» فالمعنى المتبادر منها هو مَن يخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قيادة المسلمين أو مَن يلي أمرهم، فهل الوصف هذا يراد به من تولّى حكم المسلمين السياسي بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) ؟! .

من الواضح أنه لا يمكن حمل الوصف المذكور على هذا المعنى، إذ إنّ هذا تنفيه أحاديث اُخرى صحت حتى عند إخواننا أهل السنة وهي المصرحة بأن الخلافة بهذا المعنى لن تستمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأكثر من ثلاثين عاماً ثم تصبح ملكاً كما في صحيحي البخاري ومسلم[2] . في حين أن الحديث الشريف يصرح باستمرار وجود هؤلاء الاثني عشر الى يوم القيامة. فلا معنى لحصر البحث عن مصاديق الحديث الشريف فيمن تولى حكم المسلمين بالفعل.

دلالة الواقع التأريخي

يُضاف الى ذلك أن الواقع التأريخي الاسلامي ينفي أن يكون المقصود بالخليفة هذا المعنى، إذْ انّ عدد مَن وصل للحكم من المسلمين بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتسمى بهذا الاسم يفوق الإثني عشر بكثير.

أجل يمكن القول بأن الإثني عشر المقصودين في الحديث الشريف قد يكون بعضهم من هؤلاء الذين وصلوا الى الحكم وهم الجامعون للأوصاف الواردة في النصوص وليس مجرد تسلم حكم المسلمين بطريقة أو بأخرى يجعلهم مصداقاً للخلفاء والاُمراء في هذا الحديث الشريف.

فإنّ الخلافة والإمرة بالمعنى المعروف والمتداول بين المسلمين هو أمر منقوض ومردود بتصريح الأحاديث الشريفة بسرعة زوال الخلافة بهذا المعنى كما تقدم، ولأنه يستلزم أن يكونوا متفرقين على مدى التاريخ الإسلامي وهذا ما تنقضه الدلالات الأخرى المستفادة من الحديث الشريف، لأن مصاديق هذا المفهوم قد انقطعت منذ مدة طويلة في حين أن الحديث ينص على استمرار وجود هؤلاء الخلفاء الإثني عشر الى يوم القيامة دونما انقطاع كما سنرى لاحقاً.

ولذلك لا بد من حمل معنى «الخليفة» في هذا الحديث على ماهو أعم من التولي المباشر للحكم السياسي، أي أن يكون المقصود خلافته (صلى الله عليه وآله) في الوصاية على الدين والولاية على الأمة وهدايتها الى الصراط المستقيم سواء استلم الخليفة الحكم عملياً أو لم يستلمه، فالرسول (صلى الله عليه وآله) كان يقوم بهذه المهمة عندما كان في مكة يتابع نشر دعوته بسرية وعندما أعلنها وتعرض للأذى من المشركين وعندما هاجر الى المدينة وأقام دولته وتولى حكومتها. فقد كان(صلى الله عليه وآله) قيّماً على الدين الحق حافظاً له وداعياً إليه في كل الأحوال، دون أن يكون لاستلامه الفعلي للحكم علاقة بإنجاز هذه المهمة وإن كان هو الأجدر باستلام الحكم في كل الأحوال.

وهذا ما يشير إليه تشبيهه (صلى الله عليه وآله) لهؤلاء الإثني عشر بنقباء بني اسرائيل وأوصياء موسى (عليه السلام) كما في حديث ابن مسعود المروي في مسند أحمد بن حنبل وغيره[3] . وهذا ما يدل عليه الحديث الشريف نفسه عندما يربط ـ في بعض نصوصه ـ بين وجودهم وبين قيام الدين أي حفظه، فهم أوصياء رسول الله(صلى الله عليه وآله) وخلفاؤه في الوصاية على دينه والهداية إليه.

[1] عن دلالات حديث الغدير وتواتره وطرقه راجع موسوعة الغدير للعلامة الأميني(رحمه الله)، والجزء الخاص به من عبقات الأنوار وغيرها.

[2] راجع في ذلك معجم أحاديث الإمام المهدي، 1: 16 ـ 38.

[3] مسند أحمد: 1/ 398، المعجم الكبير للطبراني: 10/ 195، المستدرك للحاكم: 4/ 501.