فهرس الكتاب

مكتبة الإمام المهدي


 

3 ـ حديث الاُمة الظاهرة القائمة بأمر الله

وهو من الأحاديث المشهورة المروية في الكتب الستة وغيرها من المجاميع الروائية المعتبرة عند إخواننا أهل السنّة من طرق كثيرة فقد رواه مثلاً أحمد بن حنبل وحده من سبعة وعشرين طريقاً[1].

فقد رواه البخاري في صحيحه بلفظ « لا يزال ناس من اُمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون »[2].

ورواه البخاري في تأريخه ومسلم وأبو داود وابن ماجة والترمذي وأحمد بن حنبل والحاكم وغيرهم بلفظ : «لا تزال طائفة من أُمتي على الحق حتى يأتي أمر الله عز وجل »[3].

ورواه البخاري في صحيحه ومسلم وأحمد وابن ماجة بلفظ : « مَن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ولن تزال ] من [ هذه الاُمة اُمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس »[4].

 ورواه مسلم وأحمد والحاكم وغيرهم عن جابر بن سمرة : « لا يزال هذا الدين قائماً تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة »[5]. وفيه أنه(صلى الله عليه وآله) قال ذلك في حجة الوداع، وجابر هو نفسه راوي حديث الائمة الإثني عشر من قريش.

وفي رواية لمسلم : « لا تزال عصابة من اُمتي يُقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك »[6].

وفي رواية لأبي داود وأحمد والحاكم وغيرهم بلفظ : « لا تبرح عصابةٌ من اُمتي ظاهرين على الحقّ لا يبالون من خالفهم حتى يخرج المسيح الدجال فيقاتلونه»[7].

وفي رواية للبخاري في تأريخه وأحمد في مسنده ورجاله كلهم ثقات كما قال الكشميري في تصريحه بلفظ: « لا تزال طائفة من اُمتي على الحق ظاهرين على مَن ناواهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، وينزل عيسى بن مريم »[8].

وفي رواية لمسلم وأحمد : « لا تزال طائفةٌ من اُمتي على الحق ظاهرين الى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم (عليه السلام)، فيقول أميرهم : تعال صلّ بنا، فيقول : لا، إن بعضكم على بعض أمير ليكرم الله هذه الاُمة »[9].

والحديث الشريف جاء في حجة الوداع كما يصرح بذلك جابر بن سمرة فيما رواه عنه مسلم وأحمد والحاكم كما تقدم، وهذه الحجة هي نفسها التي بلّغ فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحاديث الثقلين والغدير والائمة الإثني عشر، لذا فهو يأتي في إطار التخطيط النبوي لهداية المسلمين الى ما يحفظ مسيرتهم بعده أو ما ينقذهم من الضلالة وميتة الجاهلية، فهو غير بعيد عن أجواء الأحاديث السابقة.

على أن من الواضح للمتدبر في هذا الحديث الشريف وحديث الائمة الإثني عشر أن كليهما يتحدثان عن مصداق واحد لا أكثر، كما هو مشهود في اشتراكهما في ذكر صفات تتحدث وتهدي الى مصداق واحد، خاصة ما يصرح بربط قيام الدين وحفظه بوجود هذه الاُمة الظاهرة القائمة بأمر الله في الحديث الثاني وبوجود الأئمة الاثني عشر في الحديث الأول . لأن ذلك يعني امتلاك هذه الجهة للقيمومة على الدين ومرجعيتها في معرفة حقائق الدين الحق وتعريضها بسبب ذلك للمعاداة والخذلان وهذا ما يشترك الحديثان في ذكره وفي التصريح بعدم إضراره في أصل مهمة هذه العصابة وهي الدفاع عن الدين الحق وحفظه .

ويؤكد حديث الأمة الظاهرة صراحة ـ فيما تقدم من نصوصه ـ مادل عليه حديث الائمة الإثني عشر ضمنياً من استمرار وجود هؤلاء الأئمة الى يوم القيامة وكذلك من أن مهمتهم الأساسية خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الدفاع عن الدين الحق وحفظه دون أن يؤثر في إنجاز أصل هذه المهمة استلامهم الفعلي للحكم أو عدم استلامه وإن كانوا هم الأجدر بذلك.

كما أنه يصرح بأن خاتم أمراء هذه الأمة الظاهرة هو الإمام المهدي الموعود ـ كما دل على ذلك ضمنياً حديث الائمة الإثني عشر ـ، فهو يصرح باستمرار وجودها الى نزول عيسى (عليه السلام) ومناصرته لأميرها وصلاته خلفه وهذه الحادثة ترتبط بالإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ باتفاق المسلمين.

ويصرح حديث الأمة الظاهرة بلزوم أن يكون هؤلاء الائمة الإثنا عشر ائمة حق قائمين بأمر الله كما تصرح بذلك النصوص المتقدمة، فهم يمثلون خطاً واحداً منسجماً في خلافة رسول الله الحقيقيّة والوصاية على شريعته، خطّاً متصلاً دون انقطاع الى يوم القيامة، وهذا ما لا ينسجم بحال من الأحوال مع تأريخ خلفاء الدولة الاسلامية الذين حكموها فعلاً. لذلك فإنّ جميع الذين غفلوا عن هذه الدلالات في الحديثين المتقدمين وسعوا للعثور على مصاديق الائمة الإثني عشر في الذين وصلوا للحكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأي طريقة كانت، تاهوا في متاهات غريبة ولم يستطيعوا تقديم مصداق معقول ينسجم مع دلالات هذه الأحاديث الشريفة ولا مع الواقع التأريخي. فتعددت آراؤهم وعمدوا الى تأويلات باردة لما صرحت به الأحاديث الشريفة الأمر الذي يتعارض بالكامل مع هدف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) من إخبار المسلمين بهؤلاء القائمين بأمر الله وهو الهداية إليهم وإرجاعهم ودعوتهم للتمسك بهم.

فأي انسجام في الخط والمنهج وتمثيل الدين الحق والصدق في التعبير عن خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الإمام علي (عليه السلام) ومعاوية، أو بين الإمام الحسين (عليه السلام) ويزيد بن معاوية لكي يعتبروهم جميعاً من هؤلاء من الخلفاء الإثني عشر الذين يقوم بهم الدين ؟ ! وكيف يمكن القول بأن أمثال يزيد بن معاوية أو الوليد بن عبدالملك يمكن أن يصدق عليهم الوصف النبوي للأمة الظاهرة والائمة الاثني عشر بأنهم على الحق وقائمين بأمر الله وخلفاء رسوله وكيف ذاك وسيرتهم شاهدة بأنهم أبعد الناس عن العلم بالدين وممثلي نهج رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

هذا بعض ما يُقال بشأن المصاديق التي عرضها للائمة الإثني عشر العلماء الذين راعوا دلالة الأحاديث على اتصال سلسلة هؤلاء الائمة وأغفلوا عدم انطباق الصفات الأخرى عليهم كما لاحظنا. يُضاف الى ذلك إغفالهم لتصريح الأحاديث باستمرار وجود هؤلاء الائمة الى يوم القيامة; إذ إنّ المصاديق التي عرضوها تنتهي بإنتهاء العصر الأموي[10] !

أما الذين سعوا لمراعاة الصفات الأخرى فيمن حكموا المسلمين فقد أغفلوا دلالة الحديث على استمرار وجودهم دون انقطاع إذْ تركوا الخلفاء الذين أعقبوا معاوية الى عمر بن عبدالعزيز ليجعلوه خامس أو سادس الإثني عشر وتركوا ما بعده الى هذا أو ذاك من الخلفاء العباسيين ممن رأوهم أقرب الى الصفات التي يذكرها الحديث ورغم ذلك لم يكتمل العدد حتى قال السيوطي بأن المتبقي اثنان منتظران أحدهما المهدي الموعود والثاني لم يعرفه هو ولا غيره[11]!!

وما كانوا بحاجة الى كل هذه التأويلات الباردة والمتاهات المحيرة لو تدبروا بموضوعية في تلك الأحاديث الشريفة واستندوا الى مدلولاتها الواضحة التي تنطبق بالكامل على الائمة الإثني عشر من عترة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلى القول بعدم انقطاع سلسلتهم الى يوم القيامة في ظل القول بوجود الإمام الثاني عشر المهدي الموعود(عليه السلام) وغيبته وقيامه حتى في ظل غيبته عن الأبصار بمهام حفظ الدين ولو بأساليب خفية لكنها كاملة في إتمام حجة الله على خلقه كما دلت على ذلك الأحاديث المتقدمة وتدل عليه أيضاً الأحاديث اللاحقة.

[1] راجع كتاب «احاديث المهدي (عليه السلام) من مسند احمد بن حنبل»، اعداد السيد محمد جواد الجلالي: 68  ـ 76 .

[2] صحيح البخاري: 4/252.

[3] تاريخ البخاري: 4/12 حديث 1797، صحيح مسلم:3/1523، حديث 1920، وسنن أبي داود: 4/97، حديث 4202 و ابن ماجة: 1/5 باب1 حديث 10، والترمذي: 4/504 حديث 2229 و احمد بن حنبل في مسنده: 2/321 .

[4] صحيح البخاري: 9/167، وصحيح مسلم: 3/1524 حديث 1037، ومسند أحمد: 4/101، وابن ماجة: 1/5 باب 1 حديث 7 .

[5] صحيح مسلم: 1524 حديث 1922، مسند أحمد: 5/92، 94، ومستدرك الحاكم: 4/449.

[6] صحيح مسلم: 3/1524، 1525 باب 53، حديث 1924 .

[7] مسند أحمد: 4/434، سنن أبي داود: 3/4، حديث 2484، ومستدرك الحاكم: 2/71.

[8] تاريخ البخاري: 5/451 حديث 1468، مسند أحمد: 4/429.

[9] معجم أحاديث الإمام المهدي: 1/ 51 ـ 68، وقد ذكر لكل حديث الكثير من المصادر من المجاميع الروائية المعتبرة عند أهل السنة وقد اخترنا بعضها من المتن والبعض الآخر من الهوامش.

[10] وهذا أضعف الآراء وأبعدها عن دلالات الحديث الشريف ورغم ذلك رجحه ابن باز في تعليقه على محاضرة الشيخ عبدالمحسن العباد عن المهدي الموعود، راجع مجلة الجامعة الاسلامية العدد الثالث، السنة الاُولى، ذو القعدة 1388 هـ .

[11] وهذا من أطرف الآراء، راجع أضواء على السنة المحمدية للشيخ محمود أبو ريّة : 212، وراجع أيضاً في مناقشة هذه الآراء ما ذكره الشيخ لطف الله الصافي في كتابه منتخب الأثر: في الهامش، ودلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر، 2: 315 وما بعدها، وما أورده الحكيم صدر الدين الشيرازي في شرح أصول الكافي : 463 ـ 470 من الطبعة الحجرية.