فهرس الكتاب

مكتبة الإمام المهدي


 

الباب الرابع

الفصل الاول

الغيبة الكبرى للإمام المهدي(عليه السلام) وأسبابها

الاطار العام لتحرك الامام (عليه السلام)

إنّ الهدف العام لتحرك الإمام المهدي(عليه السلام) في فترة الغيبة الكبرى، هو رعاية مسيرة الأمة الإسلامية وتأهيلها لظهوره والقيام بالمهمة الكبرى المتمثلة بإنهاء الظلم والجور وإقامة الدولة الإلهية العادلة في كل أرجاء الأرض وتأسيس المجتمع التوحيدي الخالص كما سنفصل الحديث عن ذلك في الفصل الخاص بسيرته بعد ظهوره(عليه السلام).

وبعبارة أخرى فإن الإطار العام لسيرته ـ عجل الله فرجه ـ في هذه الفترة هو التمهيد لظهوره بما يشتمل عليه ذلك من رعاية الوجود الإيماني وحفظه وتسديد نشاطاته وتطويره عبر الأجيال المتعاقبة التي يعاصرها، وحفظ الرسالة الخاتمة من التحريف إضافة الى القيام بالميسور من مهام الإمامة الأخرى وإن كان ذلك بأساليب أكثر خفاءً مما كان عليه الحال في الغيبة الصغرى، وبذلك يتحقق الانتفاع من وجوده(عليه السلام) كما ينتفع بالشمس إذا غيّبها السحاب.

وهذا الهدف العام لسيرته في هذه الغيبة الكبرى نلاحظه بوضوح فيما ورد بشأن تحركه في هذه الغيبة.

وقبل التطرق لنماذج من هذا التحرك، نلقي نظرة عامة على بعض ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة بشأن علة الغيبة وأسرارها، إذ إن من الواضح أن التمهيد للظهور يكون بإزالة الأسباب التي أدت للغيبة، لذا فإن التعرف على أسباب الغيبة يلقي الأضواء على طبيعة تحرك الإمام المهدي (عليه السلام) خلالها.

علل الغيبة في الأحاديث الشريفة

لقد تناولت مجموعة من الأحاديث الشريفة علل وقوع الغيبة. نذكر أولاً نماذج منها استناداً الى العلل التي تذكرها: مشيرين الى أن لكل نموذج نظائر عديدة رواها المحدثون بأسانيد متعددة:

1 ـ روى سدير عن أبيه عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «ان للقائم منّا غيبة يطول أمدها فقلت له: يابن رسول الله ولم ذاك قال: لأن الله عز وجل أبى إلاّ أن يجعل فيه سنن الأنبياء(عليهم السلام) في غيبا تهم، وانه لابدّ له يا سدير من استيفاء مدة غيباتهم، قال الله تعالى: (لتركبنّ طبقاً عن طبق)، أي سنن مَن كان قبلكم [1].

وروى عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)يقول: «إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت له: ولم جُعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدم من حجج الله تعالى ذكره، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) إلاّ بعد افتراقهما، يابن الفضل ان هذا الأمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا ان الله عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وان كان وجهها غير منكشف»[2].

2 ـ ومنها مارواه زرارة عن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: «إن للقائم غيبة قبل ظهوره، قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف ـ وأومى بيده الى بطنه، قال زرارة يعني: القتل»[3].

ومنها ماروي عن عبد الله بن عطا، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «قلت له إن شيعتك بالعراق كثيرة والله مافي أهل بيتك مثلك; فكيف لا تخرج؟ قال: فقال: يا عبد الله بن عطاء! قد اخذت تفرش اذنيك للنوكى، إي والله ما أنا بصاحبكم، قال: قلت له: فمن صاحبنا؟ قال: انظروا من عمى على الناس ولادته; فذاك صاحبكم; إنّه ليس منا احد يشار إليه بالاصبع ويمضغ بالالسن إلاّ مات غيظاً أو رغم أنفه»[4].

3 ـ ومنها ما روي عن الحسن بن محبوب بن ابراهيم الكرخي قال:

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أو قال له رجل: أصلحك الله ألم يكن علي قوياً في دين الله؟ قال: بلى قال: فكيف ظهر عليه القوم وكيف لم يمنعهم ومامنعه من ذلك؟ قال: آية في كتاب الله عز وجل منعته، قال: قلت؟ وأيّ آية هي؟ قال: قول الله عز وجل: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً اليماً). انه كان لله عز وجل ودائع مؤمنون في اصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن عليّ ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع، فلما خرجت الودائع ظهر على مَن ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتى تظهر ودائع الله عز وجل فاذا ظهرت ظهر على مَن ظهر فقاتله»[5].

4 ـ ومنها ماروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «والله لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميّزوا وتمحّصوا، ثم يذهب من كل عشرة شيء ولا يبقى منكم إلاّ الأندر، ثم تلا هذه الآية: أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين»[6].

5 ـ ومنها ماروي عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال:

«دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا  سيرتنا، إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عز وجل: (والعاقبة للمتقين)»[7].

6 ـ ومنها ما روي عن الإمام الرضا(عليه السلام) أنّه قال ـ في جواب من سأله عن علة الغيبة ـ : «لئلا يكون في عنقه بيعة اذا قام بالسيف»[8].

وهذا المعنى مروي عن كثير من الأئمة بألفاظ متقاربة، منها ما روي عن المهدي(عليه السلام) نفسه أنه قال في توقيعه الى اسحق بن يعقوب في جواب أسئلته: «... وأما علة ما وقع من الغيبة، فإن الله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم). إنه لم يكن أحد من آبائي(عليهم السلام) إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي»[9].

7 ـ ويقول ـ عجل الله فرجه ـ في رسالته الأولى للشيخ المفيد: «نحن، وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أرانا الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك، مادامت دولة الدنيا للفاسقين»[10].

8 ـ ويقول(عليه السلام) في رسالته الثانية للشيخ المفيد: «ولو أن أشياعنا ـ وفقهم الله لطاعته ـ على اجتماع من القلوب في الوفاء بالحمد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم...»[11].

هذه نماذج لابرز الأحاديث الشريفة المروية بشأن علل الغيبة، والأسباب التي تذكرها فيها بعض التداخل، نشير إليها ضمن النقاط الثمانية التالية:

[1] اثبات الهداة: 3 / 486 ـ 487.

[2] كمال الدين: 481، علل الشرائع: 1/ 245.

[3] علل الشرائع: 1 / 246، غيبة النعماني: 176، غيبة الطوسي: 201.

[4] الكافي: 1 / 342، غيبة النعماني: 167 ـ 168.

[5] علل الشرائع: 147، كمال الدين: 641.

[6] قرب الأسناد للحميري: 162 وعنه في بحار الانوار: 52/ 113.

[7] الآية في سورة الاعراف: 128، والحديث في غيبة الطوسي: 282.

[8] علل الشرائع: 1/ 245، عيون الأخبار الرضا: 1 / 273.

[9] كمال الدين: 483، غيبة الطوسي: 176.

[10] معادن الحكمة: 2/ 303، بحار الانوار: 53/ 174.

[11] الاحتجاج: 2/325 وعنه في معادن الحكمة: 2/ 306 وبحار الأنوار: 35/ 176.