فهرس الكتاب

مكتبة الإمام المهدي

 

3- مستقر المسيرات الانحرافيه
يبعث اللّه-تعالى- الانبياء والرسل ليذكروا الناس بالمخزون الفطرى الذى وضعه اللّه فى النفس البشريه عندما بدا الخلق، وهذا المخزون هو توحيده تعالى، ويقوم الانبياء والرسل -على امتداد عهد البعثه- بسوق الناس الى طريق الهدى ببيانهم ما انزل اليهم من ربهم، وبعد ان يقيم رسل اللّه الحجه على الناس، ينسى بعض هولاء ما ذكروا به، ويقومون باعمال تعارض الفطره ووصايا اللّه، واخبرت الدعوه الخاتمه ان اللّه-تعالى- يستدرج هذه المسيرات الانحرافيه على امتداد المسيره البشريه، وعلى امتداد الاستدراج ينال الذين ظلموا عذاب الخزى فى الحياه الدنيا، قال تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شى‏ء حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغته فاذا هم مبلسون× فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد للّه رب العالمين) «الانعام: 44-45».
وعذاب الاستدراج فى الحياه الدنيا ابوابه مفتوحه، يدخل فيها الحاضر اذا اخذ باسباب الانحراف من الماضى، واذا انطلق الحاضر الى المستقبل ولم تحدثه نفسه بتوبه، انتهت به خطاه الى المسيح الدجال، وفى دائره الدجال تنال جميع رايات الانحراف والشذوذ عذاب الخزى، ويقطع اللّه دابرهم بعذاب الاستئصال. والنبى الخاتم(ص) اخبر بان جميع الانبياء حذروا اممهم من الدجال، وقال: (ان اللّه لم يبعث نبيا الا حذر امته الدجال)(242)، وحذر النبى(ص) من الدجال ومن كل عمل ينتهى اليه، ومن ذلك قوله: (وما صنعت فتنه منذ كانت الدنيا صغيره ولا كبيره الا لفتنه الدجال)(243).

وطريق الدجال يبدا بانحراف دقيق عند البدايه، ثم يتسع شيئا فشيئا على امتداد المسيره، وفى مناطق الاتساع ترفع للشذوذ رايات بعد ان الفه الناس، وهذه الرايات بينها النبى الخاتم(ص) وهو يخبر باشراط الساعه، ومن ذلك قوله: (من اشراط الساعه ان يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا)(244)، وقال: (ان بين يدى الساعه اياما يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل)(245)، فهذه العلامات تظهر على طريق الفتن والانحراف، وبينها النبى الخاتم ليراجع الناس انفسهم على امتداد المسيره، ويشهدوا له بالنبوه بعد ان راوا احداثا اخبر بها يوم ان كانت
غيبا، فالاحداث فى عالم المشاهده المنظور دعوه للتوبه، وتحذير من العقاب الذى يودى اليه الاستدراج.

وآخر الزمان يقف تحت اعلام الدجال جميع المسيرات التىانحرفت عن ميثاق الفطره واشركت باللّه، ويقف تحتها صناع الفتن واصحاب الاهواء وتجار الشذوذ وجلادو الشعوب، وجميع الذين ظلموا وصدوا عن سبيل اللّه العزيز الحكيم، فهولاء وغيرهم سينتظمون وراء قياده الدجال آخر الزمان، ويطيعون اوامره، وسيدخلون معه لقتال المهدى المنتظر والمسيح عيسى بن مريم(ع): (واللّه غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون) «يوسف: 21».


ثانيا: القسط والعدل
كما ان لطريق الشذوذ علامات، فان لطائفه الحق علامات، وكما ان اللّه-تعالى- حذر من شر مخبوء فى بطن الغيب، ومنه الدجال، فانه -تعالى- بشر بخير مخبوء فى بطن الغيب، ومنه المهدى المنتظر، ونزول عيسى بن مريم آخر الزمان.

 

اقوال العلماء فى ظهور المهدى ونزول عيسى آخر
الزمان قال الشوكانى: (ان الاحاديث الوارده فى المهدى متواتره، والاحاديث الوارده فى الدجال متواتره، والاحاديث الوارده فى نزول عيسى متواتره)(246)، وقال صاحب عون المعبود شرح سنن ابى داود: (اعلم ان المشهود بين الكافه من اهل الاسلام على ممر الاعصار، انه لا بد فى آخر الزمان من ظهور رجل من اهل البيت، يويد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولى على الممالك الاسلاميه، ويسمى بالمهدى، ويكون خروج الدجال بعده، وان عيسى-(ع) ينزل بعد المهدى، او ينزل معه فيساعده على قتل الدجال، وياتم بالمهدى فى صلاته. وخرج احاديث المهدى جماعه من الائمه، منهم: ابو داود، والترمذى، وابن ماجه، والبزار، والحاكم، والطبرانى، وابو يعلى، واسناد احاديث هولاء بين الصحيح والحسن والضعيف.

وقد بالغ المورخ عبد الرحم-ن بن خلدون فى تاريخه فى تضعيف احاديث المهدى كلها، فلم يصب، بل اخطا)(247)، وقال صاحب التاج الجامع للاصول: (اشتهر بين العلماء -سلفا وخلفا- انه فى آخر الزمان لا بد من ظهور رجل من اهل البيت يسمى بالمهدى، يستولى على الممالك الاسلاميه، ويتبعه المسلمون، ويعدل بينهم، ويويد الدين، ولقد اخطا من ضعف احاديث المهدى كلها، وما روى من حديث: لا مهدى الا عيسى، فضعيف كما قال البيهقى والحاكم وغيرهما)(248).

وقال ابن كثير فى البدايه والنهايه: (لا شك ان المهدى الذى هو ابن المنصور ثالث خلفاء بنى العباس ليس هو المهدى الذى وردت الاحاديث المستفيضه بذكره، وانه يكون فى آخر الزمان يملا الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، وقد افردنا للاحاديث الوارده فيه جزءا على حده، كما افرد له ابو داود كتابا فى سننه)(249).
وقال الحافظ الكتانى: (الاحاديث الوارده فى المهدى على اختلاف رواياتها كثيره جدا، تبلغ حد التواتر، وهى عند الامام احمد والترمذى وابى داود وابن ماجه والحاكم والطبرانى وابى يعلى والبزار، وغيرهم من دواوين الاسلام من السفن والمعاجم والمسانيد، واسندوها الى جماعه من الصحابه، وبعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف، والاحاديث تشد بعضها بعضا، وامر المهدى مشهور بين الكافه من اهل الاسلام على ممر الاعصار، وانه لا بد فى آخر الزمان من ظهور رجل من اهل البيت النبوى يويد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويسمى بالمهدى)(250)، وقال الكتانى: (وفى شرح عقيده السفارينى الحنبلى ما نصه: وقد كثرت بخروج المهدى الروايات حتى بلغت حد التواتر، وشاع ذلك بين علماء السنه حتى عد من معتقداتهم، وقد رويت احاديث المهدى عن الصحابه بروايات متعدده، وعن التابعين من بعدهم، مما يفيد مجموعه العلم القطعى، فالايمان بخروج المهدى واجب، كما هو مقرر عند اهل العلم، ومدون فى عقائد اهل السنه والجماعه)(251).


2- فجر الضمير
قال النبى(ص) بعد ان اقام الحجه على المسيره: (وايم اللّه، لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها)(252)، وزاد فى روايه: (لا يزيغ عنها الا هالك)(253)، فالطريق واضح وضوح النهار، واللّه-تعالى- ينظر الى عباده كيف يعملون، واخبر النبى(ص) بان المسيره ستشهد انماطا بشريه يترتب على حركتها غربه الدين، وهذه النتيجه ترى فى قوله(ص): (ان الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا، فطوبى للغرباء)(254)، قال النووى: (ظاهر الحديث، ان الاسلام بدا فى آحاد من الناس وقله، ثم انتشر وظهر، ثم سيلحقه النقص والاخلال حتى لا يبقى الا فى آحاد وقله ايضا كما بدا)(255).

وغربه الدين ترى فى قول النبى(ص): (الاسلام والسلطان اخوان توامان، لا يصلح واحد منهما الا بصاحبه، فالاسلام اس (اى: اصل البناء)، والسلطان حارث، وما لا حارث له يهدم، وما لا حارث له ضائع)(256)، ولذلك كان النبى(ص) يقول: (ان رحى الاسلام دائره، وان الكتاب والسلطان سيفترقان، فدوروا مع الكتاب حيث دار)(257).
والنجاه فى عالم الغربه بين النبى(ص) دائرتها، عن ابى هريره قال: (قالوا: يا رسول اللّه، اى الناس خير؟ قال: انا ومنمعى، قالوا: ثم من؟ قال: الذى على الاثر، قالوا: ثم من؟ فرفضهم رسول اللّه)(258).
وطائفه الحق على امتداد المسيره لها اعلامها، ولا يضرها من خذلها او عاداها، لانها حجه بمنهجها وحركتها على الناس، واخبر النبى(ص) بان هذه الطائفه تستقر اعلامها آخر الزمان، تحت قياده المهدى المنتظر، وعيسى بن مريم‏4-، يقول النبى(ص): (لا تزال طائفه من امتى ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى ياتى امر اللّه، وهم كذلك)(259)، وقال: (لا تزال طائفه من امتى قائمه بامر اللّه، لا يضرهم من خذلهم، او خالفهم، حتى ياتى امر اللّه وهم ظاهرون على الناس)(260)، وقال: (لا تزال طائفه من امتى يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم، حتى يقاتل آخرهم الدجال)(261)، وقال: (لا تزال طائفه من امتى تقاتل على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل على المهدى)(262)، وفى روايه: (لا تزال طائفه من امتى ظاهرين على من ناواهم حتى ياتى امر اللّه، وينزل عيسى-(ع)(263).

فمن هذه الاحاديث نرى ان طائفه الحق على امتداد المسيره،  تاخذ باسباب الهدى، وتنطلق من الماضى الى الحاضر الى المستقبل، لا يضرها من عاداها او من خذلها، حتى تستقر نهايه المطاف امام فسطاط المهدى المنتظر.والمهدى من اهل البيت، من اولاد على وفاطمه رضى اللّه عنهما، قال النبى(ص): (المهدى منا اهل البيت)(264)، وقال: (المهدى من عترتى من ولد فاطمه)(265)، و-(اسمه يواط‏ى اسم النبى(ص)(266).

والمهدى يخوض معارك آخر الزمان، وسيفتح الصين(267) والهند(268) وجبل الديلم(269)، وسيقصم ظهر الروم، ويفتح القسطنطينيه(270)، ويقاتل اليهود واميرهم الدجال حتى ينتهى امرهم بالاستئصال، وقال النبى(ص): (يظهر على كل جبار وابن جبار ويظهر العدل)(271).

وفى منهج المهدى يقول النبى(ص): (هو رجل من عترتى يقاتل على سنتى، كما قاتلت انا على الوحى)(272)، وقال: (يعمل بسنتى)(273)، وقال(ص): (يبعث على اختلاف من الناس وزلازل، فيملا الارض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما)(274)، وقال: (لو لم يبق من الدنيا الا يوم، لبعث اللّه -عز وجل- رجل منا يملاها عدلا كما ملئت جورا)(275).

وعن حذيفه قال: قال النبى(ص): (ويح هذه الامه من ملوك جبابره، يقتلون ويخيفون المطيعين الا من اظهر طاعتهم، فالمومن التقى يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه، فاذا اراد اللّه -عز وجل- ان يعيد الاسلام عزيزا، فصم كل جبار، وهو القادر على ما يشاء، ان يصلح امه بعد فسادها، ثم قال رسول اللّه(ص): يا حذيفه، لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول اللّه ذلك اليوم، حتى يملك رجل من اهل بيتى تجرى الملاحم على يديه، ويظهر الاسلام، لا يخلف اللّه وعده، وهو سريع الحساب)(276).
وعن ابن مسعود قال: (قال رسول اللّه(ص): ان اهل بيتى سيلقون بعدى بلاء وتشريدا وتطريدا، حتى ياتى قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسالون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سالوا فلا يقبلونه، حتى يدفعوها الى رجل من اهل بيتى، فيملوها قسطا كما ملووها جورا، فمن ادرك ذلك منكم، فلياتهم ولو حبوا على الثلج)(277).
وآخر الزمان يلتقى ابن على بن ابى طالب، مع ابن مريم اخت هارون، يلتقى آخر اهل البيت فى المسيره الاسلاميه، مع المسيح عيسى بن مريم آخر نبى فى المسيره الاسرائيليه، وكلاهما ظلمته مسيره قومه، ولكن للعدل رداء على الوجود كله، ومن حكمه اللّه-تعالى- ان لا تنقضى الدنيا قبل ان يهيمن العدل على المسيره البشريه، ليعلم الناس، وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء، ان الحق سينتصر فى النهايه، لانه اصيل فى الوجود، اما الباطل فطارى لا اصاله فيه، الباطل زبد لا يمكث فى الارض، والباطل يطارده اللّه على امتداد المسيره ولا بقاء لشى‏ء يطارده اللّه. قال تعالى: (واللّه غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون) «يوسف: 21»، وقال: (ويقولون متى هذا الفتح ان كنتم صادقين× قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا ايمانهم ولا هم ينظرون× فاعرض عنهم وانتظر انهم منتظرون) «السجده: 28-30».
صدق اللّه العظيم وآخر دعوانا ان الحمد للّه رب العالمين، وسلام على المرسلين.

242-رواه الامام احمد، الفتح الربانى: 24/69.
243-
رواه احمد والبزار، ورجاله رجال الصحيح، المصدر نفسه.
244-
رواه مسلم، الصحيح: 8/58.
245-
المصدر نفسه.
246-
عون المعبود: 11/458.
247-
عون المعبود: 11/362.
248-
التاج الجامع للاصول: 5/341.
249-
البدايه والنهايه: 6/281.
250-
نظم المتناثر فى الحديث المتواتر، ص: 226.
251-
المصدر نفسه.
252-
رواه ابن ماجه، كنز العمال: 11/370.
253-
رواه ابن ابى عاصم، كتاب السنه: 1/27.
254-
رواه مسلم، الصحيح: 2/177.
255-
رواه مسلم، شرح النووى: 2/177.
256-
رواه الديلمى، كنز العمال: 6/10.
257-
رواه الطبرانى وابن عساكر، كنز العمال: 1/216.
258-
رواه احمد، وقال فى الفتح: رواه مسلم، الفتح الربانى: ، 23/219.
259-
رواه مسلم، الصحيح: 13/65.
260-
المصدر نفسه: 13/97.
261-
رواه الحاكم وصححه، المستدرك: 4/450.
262-
رواه ابو عمر الدانى، عقد الدرر، ص: 220.
263-
رواه احمد، والحاكم وصححه، وابو داود، الفتح الربانى: 23/210.
264-
رواه ابو نعيم والحاكم وصححه، عقد الدرر، ص: 21،المستدرك: 4/557،عون المعبود: 11/375.
265-
رواه ابو داود، السنن: 2/422،والحاكم وابن ماجه، المستدرك: 4/557،التاج الجامع للاصول: 5/343،كنز العمال: 14/264،الحاوى، للسيوط‏ى: 2/224.
266-
رواه احمد والترمذى وابو داود والحاكم، الفتح الربانى: 24/49،جامع الترمذى: 4/505.
267-
انظر: عقد الدرر، ص: 224.
268-
انظر: التاج الجامع للاصول: 5/325،عقد الدرر، ص: 219.
269-
انظر: عقد الدرر، ص: 224.
270-
المصدر نفسه، ص: 211.
271-
رواه الطبرانى، الزوائد: 7/315،الحاوى: 2/218.
272-
رواه نعيم بن حماد، الحاوى: 2/233،عقد الدرر، ص: 17.
273-
رواه ابو نعيم، عقد الدرر، ص: 156.
274-
قال الهيثمى: رواه الترمذى وغيره واحمد وابو يعلى، ورجال هما ثقات، الزوائد: 7/314،الفتح الربانى: 24/50.
275-
رواه احمد وابو داود، الفتح الربانى: 24/49،عون المعبود: 11/373.
276-
رواه نعيم بن حماد وابو نعيم، عقد الدرر، ص:
63،الحاوى: 2/221.
277-
رواه ابن ماجه، حديث رقم 4082،والحاكم، المستدرك:
4/464،كنز العمال: 14/268.