الفصل الأول
القسم الأول: الغيبة (الصغرى - الكبرى) القسم الثاني: الظهور (الأصغر- الأكبر)
القسم الأول: الغيبة: (الصغرى- الكبرى) اعتاد المسلمون و المؤمنون منهم خاصة ، منذ بداية دعوة الرسول صلى الله عليه وآله على تلقي الأحكام الإسلامية و التعاليم الشرعية مباشرة من الرسول صلى الله عليه وآله ، ومن بعده على يد الأئمة المعصومين الأطهار ، ولم يكن هناك أي حاجز يمنعهم من تلقي تلك الأحكام مباشرة. وبالتالي لم يكن ينتاب المؤمنين أو القاعدة الشعبية المؤمنة أي شك بتلك الأحكام ، فهي صادرة من إمام معصوم ، وان بدأ لهم أي ارتياب بالحكم الشرعي فمن السهل التأكد من صحة الأمر بالاتصال بالمعصوم (عليه السلام) مباشرة حيث وجودهم عليهم السلام بين ظهرانيهم ، وحينها لا بدّ من تطبيق الحكم الشرعي من غير تردد.. هكذا كان الحال الذي اعتاده المؤمنون من زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وحتى زمن الإمام العسكري (عليه السلام) ، (260سنة). اختلف الحال في زمن إمامة المهدي (عليه السلام) ، فبعد أن كان متاحاً للمؤمنين أن يلتقوا بالإمام المعصوم مباشرة ، يتلقون على يديه الأحكام الشرعية ، أصبح من العسير رؤية الإمام المعصوم .. لذا بدا يدب الشك في نفوس كثير من المسلمين عندما يسمعون الحكم الشرعي من الفقيه وخاصة للأحكام التي ليس فيها نص صريح يدل عليها – كاجتهاد من قبل عالم الدين – وتلك المرحلة جديدة بالنسبة للمؤمنين ، لم يعتادوا عليها طوال مائتين وستين سنة ، وان كان الأئمة عليهم السلام يهيئون أصحابهم باستمرار للتأقلم مع مثل هذه الظروف في السفر و الغزوات ، إلا أن المعصوم يظل قريب المنال ، من السهل الرجوع إليه ولو في أحلك الظروف. وعلى إثر هذا الوضع الجديد في زمن إمامة المهدي (عليه السلام) ، ولكونها مرحلة جديدة ، لم يألفها الناس ولم يكونوا مهيئين نفسياً لها ، حيث لا يلتقون بالمعصوم ولا يستطيعون الرجوع إليه في المستجدات من الأحكام والمسائل الإسلامية .. لذا بدأ ترتيبات عصر الغيبة الصغرى ، عصر إمامة المهدي (عليه السلام) وقيادته للمجتمع بتعين سفراء ، وان لم يكن أمر السفارة غريبا على أذهان الموالين بعد أن كان نظام الإمامين العسكريين قائما على ذلك بشكل معتاد. لذا بدا تهيئة الناس تدريجياً لتقبل فكرة الغيبة الكبرى و احتجاب الإمام (عليه السلام) عن الأنظار ، من خلال ترتيبات ظروف الغيبة الصغرى ، وتعيين السفراء الأربعة: · السفير الأول : عثمان بن سعيد العمري - بداية عام (260هـ) ، ولمدة (5 سنوات). · السفير الثاني : ابنه محمد بن عثمان العمري ، ولمدة (40 سنة). · السفير الثالث : أبو القاسم حسين بن روح النوبختي ، ولمدة (21 سنة). · السفير الرابع : علي بن محمد السمري حتى عام (329هـ)، ولمدة (3 سنين). ففترة الغيبة الصغرى دامت على التحديد تسعا وستين عاما وستة أشهر وخمسة عشر يوما. (1) إن الهدف الأساسي من السفارة هو تهيئة الأذهان للغيبة الكبرى وتعويد الناس تدريجيا على احتجاب الإمام (عليه السلام) ، وفي نفس الوقت تهدف السفارة كذلك إلى القيام بمصالح المجتمع ، وخاصة القواعد الشعيبة الموالية للأئمة عليهم السلام تلك المصالح التي تقضي بطبيعة الحال بانعزال الإمام واختفائه عن مسرح الحياة .. منها: أولا: أخذ الأحكام مباشرة من المعصوم بلقائه مباشرة (في زمن عصر الأئمة عليهم السلام). ثانيا: لقاء مباشر بفقيه أو سفير للمعصوم (عليه السلام) (الفقيه أو السفير يلتقي بالمعصوم (عليه السلام)) - الغيبة الصغرى -. ثالثا: لقاء أو أخذ الأحكام من فقيه (الفقيه لا يلتقي بالمعصوم (عليه السلام)) - الغيبة الكبرى - . فلولا هذا التدرج إذاً لاختلف الحال أو قد يؤدي الوضع إلى نتيجة سيئة ، فمثلا قد يؤدي إلى الإنكار المطلق لوجود المهدي (عليه السلام) ولكن هنا تنبع حكمة الأئمة عليهم السلام في هذا التدرج. بعد هذا التمهيد البسيط عن الغيبة الصغرى وبداية الغيبة الكبرى ، بخروج توقيع مقدس من الإمام المهدي (عليه السلام) يقول فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد السمري: أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فانك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة. فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة ، إلا فمن أدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة ، فهو كذاب مفتر. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)(2) نصل إلى آخر جزء من المخطط الذي سار عليه الإمام المهدي (عليه السلام) للوصول إلى الغيبة الكبرى ، ليكون الإمام المهدي (عليه السلام) مذخوراً لليوم الموعود .. فقد كانت الغيبة الصغرى كافية لاثبات وجود المهدي (عليه السلام) بما يصل إلى الناس عن طريق سفرائه ، كما أوجبت بكل وضوح أن يعتاد الناس على غيبة الإمام ويستسيغون فكرة اختفائه ، بعد أن كانوا يعاصرون عهد ظهور الأئمة عليهم السلام ، وإمكان الوصول إلى مقابلة الإمام. وللعلم فان الإمام المهدي (عليه السلام) كان متدرجا في الاحتجاب ، فهو أقل احتجاباً في أول هذه الفترة ، وكلما مشى الزمان زاد احتجابه ، حتى لا يكاد ينقل عنه المشاهدة في زمن السفير الرابع لغير السفير نفسه ، وحينما كانت هذه الفترة مشارفة على الانتهاء، كان الجيل المعاصر لزمن ظهور الأئمة (عليه السلام) قد انتهى ، وبدأت تظهر أجيال جديدة اعتادت غيبة الإمام (عليه السلام) وفكرة القيادة وراء حجاب ، وأصبحت معدة ذهنيا بشكل كامل لتقبل فكرة الغيبة الكبرى واحتجاب الإمام عن قواعده الشعبية تماما. وهذا واضح جدا في التسلسل الطبيعي لتطور الأحداث ، والتدرج في الاحتجاب ، ومع ذلك يواصل الإمام (عليه السلام) في مسيرة المخطط العام وذلك بمساندة إنجاح مرجعية الشيخ المفيــد (336هـ - 413هـ) باعتبارها أول مرجعية موالية للإمام (عليه السلام) بعد فترة الغيبة الصغرى ، وفي بداية عهد الغيبة الكبرى ، حتى يصبح للقواعد الشعبية المؤمنة ثقة في المراجع وعلماء الدين. فمن الحكايات المعروفة المشهورة(3): حكاية فتوى الشيخ المفيد في قضية (المرأة المتوفاة وفي بطنها جنين حي) ثم إصلاح الفتوى من قبل الإمام (عليه السلام): يذكر أن أحد القرويين - في العراق - وفد إلى مجلس الشيخ المفيد و سأله عن امرأة حامل ماتت وجنينها حيّ في بطنها ، هل تدفن هكذا ، أم تشق بطنها و يستخرج الطفل منها؟ فأجاب الشيخ: ادفنوها هكذا ، فخرج الرجل عائداً أدراجه وفي أثناء الطريق ، رأى فارساً مسرعاً يتبعه ، وحين وصل إليه ترجل وقال له: يا رجل ، الشيخ المفيد يقول: شقوا بطن هذه المتوفاة واخرجوا الطفل ثم ادفنوها. والتزم القروي بهذا التصحيح. وبعد مدة أخبر الشيخ المفيد بما جرى ، فقال: إنه لم يرسل أحداً ولاشك إن الفارس هو صاحب الزمان (عليه السلام) وبالفعل التزم بيته لا يغادر حتى جاءه التوقيع من صاحب الأمر (عليه السلام): {عليكم الإفتاء وعلينا تسديدكم وعصمكم من الخطأ} فما كان من الشيخ المفيد إلا إن عاود الجلوس على منبر الفتيا. وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن جل هدفنا من هذه الحادثة هو إثبات إن مراجع التقليد الأتقياء والعلماء العظام الزاهدين ، كانوا على الدوام موضعا للعناية الخاصة من قبل إمام العصر (عليه السلام) سواء كانت هذه العناية والرعاية على شكل لقاء أو إظهار للتقدير أو تقديم للشكر أو الدعاء بالخير أو الإرشاد والتوجيه أو تصحيح الاشتباهات والأخطاء إلى غير ذلك .. كما أشار الإمام (عليه السلام) في تصريح الكتاب الصادر عنه إلى الشيخ المفيد - قدس سره- حينما قال: {إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم البلاء واصطلمكم الأعداء} (4)
القسم الثاني الظهور (الأصغر- الأكبر) كما إن غيبة الإمام ولي العصر (عليه السلام) تنقسم إلى قسمين: · الغيبة الصغرى. · الغيبة الكبرى. فان ظهور الإمام (عليه السلام) ينقسم كذلك إلى قسمين: · الظهور الأصغر. · الظهور الأكبر (الفجر المقدس).
ولإيضاح هذه الفكرة بشيء من التفصيل نؤكد: إن الغيبة الصغرى وقعت والشيعة آنذاك كانت لهم صلة مباشرة بإمامهم المعصوم (عليه السلام) ، ولم يكونوا مهيئين للانقطاع التام عن الإمام (عليه السلام) .. ذلك أنهم لم يكونوا يستوعبون كيف يأتلفون ويجتمعون دونما رابطة مباشرة بإمامهم المعصوم (عليه السلام) ، ولا كيف يستنبطون الأحكام الإسلامية والتعاليم الشرعية وغيرها من عشرات الموضوعات التي يرجعون فيها إلى الإمام (عليه السلام) في زمان حضوره ، وهي موضوعات عليهم أن يتعهدوها بأنفسهم في زمن الغيبة. إن أحداً لا يصل إلى الإمام (عليه السلام) في غيبته الصغرى ، ولكن ارتباط الشيعة بالإمام (عليه السلام) كان بواسطة السفراء الأربعة ، ولئلا يقع الناس في حيرة. فمن خلال مدة الغيبة الصغرى - سبعين سنة تقريبا - يكونون قد وطنوا أنفسهم على ذلك ، وولد جيل يكون مهيأ ذهنيا للدخول في عصر الغيبة الكبرى. والعكس صحيح من ناحية أخرى ، فكما حدث لتدرج موضوع الغيبة من صغرى إلى كبرى ليعتادها الناس ويألفوها ، كذلك الأمر بالنسبة للظهور ، من ظهور أصغر إلى الظهور الأكبر (الفجر المقدس) ، ومعنى هذا إن الظهور الأصغر - رغم أن الناس لا يلتقون خلاله بالإمام بقية الله (أرواحنا فداه) مباشرة - يشهد ظهور أحداث منطقية متتابعة تعد مقدمة للظهور الأكبر (5) .. ويمكن تشبيه ذلك كما جاء في بعض الروايات – وقد ذكرنا إحداها في صدر الكتاب– بالشمس المنيرة ، ونحن نعلم بأن الشمس وقبل غروبها تماماً تبقى أشعتها لمدة معينة حتى تغيب تماماً ويحل الظلام الدامس ، وكذلك طلوع الشمس فانه لا يكون مباشرة بل يبدأ الخيط الأبيض ثم الفجر ثم نور باهت يزداد تدريجياً حتى طلوع الشمس ساطعة في السماء. وهكذا فان ظهور الحجة بن الحسن (عليه السلام) وهو كالشمس المنيرة في سماء الولاية ، لابدّ أن يسبقه ظهور أصغر يهيئ الأرضية للظهور الكامل لوجوده المقدس ، وهذا ما حصل فعلا في غيبته ، إذ سبقت غيبته الكبرى ، غيبة صغرى ، ولا شك فان طريقة الغيبة الصغرى تختلف حتماً عن طريقة الظهور الأصغر ، حيث يشع نور الأفق بظهوره الأصغر متمثلاً بالقضايا التالية (6):
أولا: نضج الأفكار وتقدم العلم والتكنلوجيا. ظهرت مواهب علمية عظيمة للبشرية واكتشافات محيرة ، حيث كان الإنسان من قبل سبعين عاماً تقريباً يركب الدواب في أسفاره بينما الآن يستعمل السيارة والقطار والطائرة ، وفي تلك الأيام لم يكن لديه هاتف أو مذياع أو تلفاز أو لاقط أو نقال أو الحاسوب (الكمبيوتر) ، ولكنه اليوم يمتلك كل تلك الأجهزة ، ولم يكن لدى الإنسان هذه المنتجات النفطية العظيمة كذلك استخدامه للفلزات والمعادن ، بينما يعيش الآن مستخدما النفط والمعادن على احسن وجه ، بل إن ما حققه الإنسان في هذه المدة القصيرة من القرن التاسع عشر لا يمكن مقارنتها بجميع اكتشافاته وعلومه وانتاجاته خلال عمر الحضارة كلها. ولهذا نقول إن هذه الإختراعات والتطور الهائل في عقلية البشر هي مقدمة لظهور الحجة (عليه السلام) حيث أن الناس الذين يريدون بيعة صاحب الزمان (عليه السلام) لابدّ وأن تكون لهم المواهب والإمكانات العلمية حتى يقتنعوا أو يفهموا المواضيع التي سيطرحها بقية الله (عليه السلام) ، حيث أنه ينتقل من المشرق إلى المغرب في طرفة عين ، كما جاء في الروايات ( عن محمد بن علي (عليه السلام) انه قال: الفقداء قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكة وهو قول الله (عليه السلام) ]أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا[ (7) وهم أصحاب القائم (عليه السلام)) (8) . وكما هو معروف بأن معجزات الأنبياء والرسل و الأئمة عليهم السلام يجب أن تكون مطابقة للفنون والعلوم في زمانهم .. لذا فان الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) الذي سيظهر في زمن تقدمت فيه العلوم التكنولوجية والفنية والتسليحية ، حيث تجوب الفضاء الأقمار الصناعية ، ووصول اختراعات الإنسان لكوكب المريخ ووسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية والإنترنت.. ستكون له (عليه السلام) معجزة من الباري (عليه السلام) ، حيث ذكرت الروايات بأنه إذا تكلم في مكان ما فان الجميع من سكان الأرض يسمعونه وبدون استخدام الأجهزة الحديثة. (عن أبى جعفر محمد بن علي (عليه السلام) انه قال: الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان لأن شهر رمضان شهر الله وهي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق ، ثم قال (عليه السلام) ينادي مناد من السماء باسم القائم فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب لا يبقى راقدا إلا استيقظ ولا قائم إلا قعد ولا قاعدا إلا قام على رجليه فزعا من ذلك الصوت فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب فان الصوت صوت جبرائيل الروح الأمين.) (9) . إن العلماء والمثقفين الذين يستعملون العقول الإلكترونية والأجهزة المتطورة والأقمار الصناعية وغيرها من أجل إيصال الصوت والصورة إلى بقاع العالم ، سيستسلمون إلى امكانيات صاحب الزمان (عليه السلام) الذي ينقل الصوت بدون أجهزة أو أقمار صناعية ويجدونه إنسانا خارقا للعادة فيؤمنون به ويتبعهم الآخرون حتماً . وذكرت الروايات بان الحجة (عليه السلام) سيمتطى السحاب للتنقل بين الأماكن والقارات: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : (إذا أذن الإمام دعى الله باسمه العبراني ، فأتيحت له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر قزع كقزع الخريف ، فهم أصحاب الأولوية ، منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة ، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً يعرف باسمه وأسم أبيه وحليته ونسبه ، قلت : جعلت فداك أيهم أعظم أيماناً ، قال: الذي يسير في السحاب نهاراً وهم المفقودون وفيهم نزلت هذه الآيه: ]أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا[ )(10). ومن الطبيعي أن أصحاب العقول والعلماء الذين صنعوا الطائرات والأقمار الفضائية والصواريخ سيخرون صاغرين مستسلمين للإمام (عليه السلام) إثر مشاهدتهم إياه يركب السحاب مع أصحابه متنقلاً بين الأماكن. وتأسيساً على هذا ، فان مثل هذه الأفكار والمكتشفات العلمية تمكن البشر من الوصول إلى إدراك معجزات الإمام بقية الله كما لو إنها عمل طبيعي ، أو أن الله سبحانه وتعالى قد رشد هذه الأفكار العلمية في هذا الزمان تمهيدا لاستقبال الظهور الأكبر (الفجر المقدس ).
ثانيا : تعلق الناس بالإمام (عليه السلام) وتداول اسمه. من الأمور التي أصبحت مألوفة لنا هذه الأيام - ونؤكد على هذه الفترة الزمنية – أن نجد الكثير من الناس حين يواجهون الأزمات ، ويجدون أنفسهم وجها لوجه مع الأحداث الكبيرة والخطيرة - تراهم – يظهرون اهتماماً متزايداً بقضية الإمام المهدي (عليه السلام) وبعلائم الظهور ، ويبحثون عن المزيد مما يمنحهم بصيص أمل ، ويلقى لهم بعض الضوء على ما سيحدث في المستقبل القريب أو البعيد. كما نجد عدداً من الكتّاب والمؤلفين - في هذه الفترة - يحاولون الاستجابة لهذه الرغبة الظاهرة ويبذلون جهوداً كبيرة لترسيم مستقبل الأحداث وفق ما تيسر لهم فهمه من النصوص الحاضرة لديهم. هذا ، ونلاحظ أن الكتب والأبواب الخاصة بالإمام المهدي (عليه السلام) كانت تقتصر في القرون الإسلامية الأولى على نقل الأحاديث بأسانيدها فقط ، ثم أضيف إليها في القرون التي تلتها عنصر المناظرة الكلامية ، ثم أضيف عنصر العرفان والتصوف .. وفي الفترة الأخيرة صدرت في الموضوع عشرات الكتب والمقالات في معظم البلاد الإسلامية ، وحاول عدد غير قليل منها إن يتخطى أسلوب السرد والمناظرة ويعتمد أسلوب التحليل والفهم والإدراك، وهذا هو المطلوب.. ولا يقتصر الأمر على الشيعة فقط ، بل حتى الطوائف والمذاهب الأخرى. (11) وبالقياس فإن الشيعة في هذا العصر أكثر اهتماماً وذكراً لصاحب الزمان (عليه السلام) من الجيل السابق ، ففي إيران – وقبل عقود قليلة – لم تكن هناك جلسة واحدة من أجل دعاء الندبة (12) ، أما اليوم فقد غدت مجالس الدعاء عامرة ، وصارت المجالس كبيرة تنوّه باسمه المقدّس ، وألفت الكتب في إثبات وجوده (عليه السلام) ، إلى جوار مظاهر أخرى يذكر فيها اسم الإمام (عليه السلام) كالاحتفال بيوم مولده الشريف ، قد صارت لافتة لأنظار الناس وشائعة حتى للعوام ومذكرة باسمه المقدس .. أليس انتشار صفات وأسماء الحجة (عليه السلام) بهذا الشكل في المدارس والمساجد والشوارع والجلسات وعند عموم الناس دليلاً لبزوغ فجر نور بقية الله في الأرض ، و على هذا فإننا فرحون و مسرورون لأننا نعيش في زمان بدا فيه ضياء الفجر المقدس يشع على العالم ، آملين أن تتمتع عيوننا بجمال ظهوره النوراني. ثالثا : العالم يبحث عن حكومة عالمية موحده. لو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا أن تشكيل منظمة الأمم المتحدة أعقبت الحربين العالميتين الأولى والثانية .. فبعد أن رأى العالم الخسائر الهائلة بالأرواح البشرية التي تجاوزت الملايين ، فكر الزعماء بتشكيل مثل هذه المنظمة ، حتى إذا ظهرت مشاكل عالمية تنذر بحرب بين الدول والشعوب ، تتدخل الجمعية وتعقد جلستها لتتدارس هذه الحالة لتحول دون نشوب الحرب. كذلك على صعيد المسلمين لم يمر عليهم زمن مثل عصرنا تتشكل فيه رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة ، حيث يجتمع العلماء مرة واحدة كل عام .. بالإضافة إلى منظمات عالمية كثيرة كجامعة الدول العربية ، منظمة عدم الانحياز ، و.. الخ. إن هذه الأفكار وتشكيل المنظمات الدولية ، تشير إلى حاجة العالم إلى حكومة عالمية واحدة حتى يستتب الأمن والاستقرار والعدل. ان وجود مثل هذه الجمعيات والإحساس بالحاجة إلى هذه المنظمات ألا يعني هذا العمل وهذه الأفكار بالحاجة الماسة إلى حكومة الإمام المهدي (عليه السلام) العالمية.. وهذا دليل واضح على طلوع الفجر المقدس للظهور الأصغر .. إننا ننادي بأعلى أصواتنا يا صاحب الزمان – إن العالم في انتظار حكومتك العالمية. تنويه: عندما نقول: الظهور الأصغر ، لا نعني تعيين وقت لظهوره المقدس - والعياذ بالله – لأن ذلك لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ولكننا نقول بأن هذه التجليات والظواهر ربما تكون بداية لظهوره المقدس ، وقد لاتكون كذلك ، وربما يعقبها ظلام دامس ، ذلك أن الأمر كله تحت الإرادة الإلهية وان الله سبحانه وتعالى فعّال لما يريد
1 - موسوعة الإمام المهدي – تاريخ الغيبة الصغرى – محمد الصدر ص416 2 - تاريخ الغيبة الصغرى – محمد الصدر ص415 ، إعلام الورى ص417 ، جنة المأوى ص318 3 - رعاية الإمام المهدي u للمراجع والعلماء الأعلام – علي الجهرمي ص61 4 - الإحتجاج للطبرسي ، بحار الأنوار ج53 ص175 5 - معراج الروح – السيد حسن الأبطحي ص57 6 - المصلح الغيبي – السيد حسن الأبطحي ص144 7 - سورة البقرة (148) 8 - الغيبة للنعماني ص213 ، كمال الدين وتمام النعمة ص654 9 - الغيبة للنعماني ص170 ، غيبة الطوسي ص274 10 - الغيبة للنعماني ص213 ، كمال الدين وتمام النعمة ص672 ، منتخب الأثر ص476 11 - وآخر ما وجدت من كتب في هذا المجال لواحد من الجمهور: دراسة لـ: عبدالعليم عبدالعظيم البستوني – وهو عبارة عن مجلدين: أحدهما بعنوان (المهدي المنتظر) والآخر بعنوان (الموسوعة في أحاديث المهدي) .. وإن كان بالدراسة كثير من الأخطاء والمغالطات وبعض الأفكار المتعصبة .. وهي من إصدار دار ابن حزم بمكة – وتوزيع مكتبة تهامة – الطبعة الأولى عام 1420هـ – 1999م. 12 - المصلح الغيبي – السيد حسن الأبطحي ص147 |