مكتبة الإمام المهدي

فهرس الكتاب

 

الفصل الثاني

 

القسم الأول: ارهاصات عامة للظهور.

 القسم الثاني: تنبؤات متحققة تاريخيا.

 

القسم الأول:

ارهاصات عامة للظهور

 إن البشرية عامة والأمة الإسلامية خاصة ، لابدّ أن تمر بظروف صعبة وقاسية من الظلم والجور والانحراف حتى يبدا ظهور الفجر المقدس ، واستنتاجاً من فكرة الحديث النبوي المتواتر القائل: إن المهدي  (عليه السلام)يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً .. وبالرجوع إلى الروايات الشريفة ، نجد أن هناك أخباراً دالة على صعوبة الزمان وفساده بشكل مطلق ، فضلا عن الإشارة إلى حوادث معينة .. ومن هذا المنطلق يمكن أن نستلخص عدة أمور:

 1-الأخبار الدالة على امتلاء الأرض ظلماً وجوراً:

وهو مضمون مستفيض بل متواتر من الروايات (1) وعلى شكل نص صريح وواضح بامتلاء الأرض جوراً وظلماً قبل ظهور المهدي (عليه السلام) في اليوم الموعود.

 2-الأخبار الدالة على وجود الفتن وازدياد تيارها وتكاثرها إلى حد مروع:

 عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في حديث طويل يتحدث فيه عن (الفتن المضلة المهولة) (2) وما روى أيضا عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنه قال: (لا يقوم القائم (عليه السلام) إلا على خوف شديد من الناس وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون ، قبل ذلك وسيف قاطع بين العرب ، واختلاف شديد في الناس وتشتت في دينهم وتغيير من حالهم .. الحديث). (3)

 وللفتنة عدة معان نوجزها في الآتي:

·      الامتحان والابتلاء والاختبار

·      الكفر والضلال والإثم

·      اختلاف الناس بالآراء

·      القتل وما يقع بين الناس من حروب.

 3- الأخبار الدالة على الجزع من صعوبة الزمن وضيق النفس الشديد منه:

 عن أبى عبد الله الصادق (عليه السلام): أنه يعاني المؤمنون في زمـان

الغيبة من (ضنك شديد وبلاء طويل وجزع وخوف)(4)  فمن ذلك أن الرجل يمر بقبر أخيه فيقول يا ليتني مكانه .. ومن الواضح أن الجزع وتمني الموت يكون نتيجة للشعور بالمشاكل والمصائب التي يمر بها الفرد في المجتمع المنحرف.

4- الأخبار الدالة على وجود الحيرة والبلبلة في الأفكار والاعتقاد:

 كالخبر الذي روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال عن المهدي (عليه السلام) فيما قال : (يكون حيرة وغيبة تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون) (5) والحيرة هنا يراد بها عدة وجوه.. كالحيرة في العقائد الدينية ، نتيجة للتيارات الباطلة التي تواجه جهلا وفراغا فكريا في الأمة ، مما يحمل الفرد الاعتيادي على الانحراف .. أو الحيرة في الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه (6) بمعنى أن طول غيبته توجب وقوع الناس في الشك والاختلاف في شانه أو الحيرة بالجهاد الواجب في زمن الغيبة من دون قائد وموجه و رائد.

  5- الأخبار الدالة على الحروب  والقتل:

 تصف الأحاديث الشريفة الوضع السياسي في عصر الظهـور

بفقدان الاستقرار وكثرة الحروب والاقتتال : (قبل هذا الأمر قتل بيوح .. قيل وما البيوح؟ قال: دائم لا يفتر )(7) .. بل إن بعض الروايات تصف الحروب والاقتتال بذهاب ثلثي سكان الأرض ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (لا يخرج المهدي حتى يقتل الثلث ويموت الثلث ويبقى الثلث). (8)

      ويمكن إعادة عنونة هذه الأخبار بحسب ما يتلائم مع معطيات ومصطلحات هذه الأيام وليس حسب مصطلح الرواية: فمثلاً بالإمكان تشبيه الصورة بالآتي : الانحراف الفكري ، الانحراف الاجتماعي ، الانحراف الأخلاقي ، الانحراف الاقتصادي ، الانحراف السياسي ، .. وهكذا ، ولعل أفضل ما يشير إلى ذلك بشيء من التفصيل حديث الرسول صلى الله عليه وآله: عن ابن عباس، قال: (حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، ثم أقبل علينا بوجهه.

 فقال: ألا أخبركم بأشراط الساعة!

فكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان t فقال : بلى يا رسول الله.

فقال صلى الله عليه وآله: إن من أشراط القيامة ، إضاعة الصلوات واتباع الشهوات ، والميل مع الأهواء وتعظيم أصحاب المال وبيع الدين بالدنيا. فعندها يذاب قلب المؤمن في جوفه ، كما يذاب الملح في الماء ، مما يرى من المنكر فلا يستطيع إن يغيره.

قال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله؟

 فقال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، إن عندها يليهم أمراء جورة ، ووزراء فسقه ، وعرفاء ظلمة ، وأمناء  خونة.

 فقال سلمان: وان هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، إنّ عندها يكون المنكر معروفاً ، والمعروف منكراً ، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين ، ويصدق الكاذب ويكذب الصادق.

 قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، فعندها إمارة النساء ، ومشاورة الإماء ، وقعود الصبيان على المنابر ، ويكون الكذب طرفا ، والزكاة مغرما والفيء مغنما ، ويجفو الرجل والديه ويبر صديقه ، ويطلع الكوكب المذنب.

 قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة ، ويكون المطر فيضا ويغيض الكرام غيضا ، ويحتقر الرجل المعسر ، فعندها تقارب الأسواق ، إذ قال هذا: لم أبع شيئاً ، وقال هذا: لم أربح شيئا ، فلا ترى إلا ذاما لله.

 قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، فعندها تليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم وان سكتوا استباحوهم ، ليستأثرون بفيئهم ، وليطأون حرمتهم وليسفكنَّ دمائهم ، وليملأنَّ قلوبهم دغلاً ورعبا ، فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين.

قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 فقال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، إن عندها يؤتى بشيء من المشرق وبشيء من المغرب يلون أمتي ، فالويل لضعفاء أمتي منهم ، والويل لهم من الله ، لا يرحمون صغيراً ولا يوقرون كبيراً  ولا يتجافون عن مسيء ، جثثهم جثث الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين.

 قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها ، وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، وتركبن ذوات الفروج السروج ، فعليهن من أمتي لعنة الله.

 قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها تزخرف المساجد ، كما تزخرف البيع والكنائس وتحلى المصاحف وتطول المنارات وتكثر الصفوف ، قلوب متباغضة والسن مختلفة.

 فقال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها تحلى ذكور أمتي بالذهب ويلبسون الحرير والديباج ويتخذون جلود النمور صفافا.

 قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها يظهر الربا ، ويتعاملون بالعينة والرشا ، ويوضع الدين وترفع الدنيا.

قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها يكثر الطلاق فلا يقام حد ، ولن يضروا الله شيئا.

 قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها تظهر القينات والمعازف ، وتليهم شرار أمتي.

 قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها يحج أغنياء أمتي للنزهة ، ويحج أوساطها للتجارة ، ويحج فقراؤهم للريا والسمعة، فعندها يكون أقوام يتفقهون لغير الله ، ويكثر أولاد الزنا ، ويتغنون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا.

 قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، ذاك إذا انتهكت المحارم ، واكتسبت المآثم وسلط الأشرار على الأخيار ، ويفشو الكذب وتظهر اللجاجة ، وتفشو الفاقة ، ويتباهون في اللباس ، ويمطرون في غير أوان المطر ، ويستحسنون الكوبة والمعازف ، وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذل من الأَمة ، ويظهر قراؤهم وعبادهم فيما بينهم التلاوم ، فأولئك يدعون في ملكوت السماوات: الأرجاس الأنجاس.

 قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، فعندها لا يخشى الغني على الفقير ، حتى أن السائل يسأل في الناس فيما بين الجمعتين لا يصيب أحداً يضع في كفه شيئاً.

 قال سلمان: وانّ هذا لكائن يا رسول الله؟

 قال صلى الله عليه وآله: أي والذي نفسي بيده يا سلمان ، فعندها يتكلم الروبيضه.

 قال سلمان: ما الروبيضه؟ يا رسول الله ، فداك أبى وأمي.

 قال صلى الله عليه وآله: يتكلم في أمر العامة من لم يكن يتكلم ، فلم يلبثوا إلا قليلا..) الحديث. (9)

 هذا لعمري ما كنا ولا زلنا نشاهده في عصور الفسق والضلالة التي نعيشها ونطلع عليها بالحس والعيان ، فصلى الله عليك يا رسول الله إذ أخبرتنا بذلك .. وسلام الله تعالى عليك يا مهدي الإسلام إذ تزيل كل ذلك وتبدله إلى القسط والعدل.

إن هذه الأخبار التي ذكرناها هي دالة على فساد الزمان بنحو مطلق ، من دون الإشارة إلى حوادث بعينها ، علماً بأن تقدم عصر الفتن على الظهور ، أو عصر الظلم على العدل من واضحات الأحاديث والروايات ... ولابدّ من الإشارة والتنويه إلى أن اقتران بعض هذه الأخبار بما قبل قيام الساعة ، لا يكون مضراً بما فهمناه ، باعتبار أن السابق على ظهور المهدي (عليه السلام) سابق على قيام الساعة ، وليس من الضروري أن تكون أشراط الساعة واقعة قبلها مباشرة.

 

القسم الثاني:

تنبؤات متحققة تاريخيا

إن كل علامات الظهور تتضمن اخباراً بالمستقبل! .. ولا يمكن الإخبار بالمستقبل إلا عن طريق التعليم من قبل علام الغيوب جل شأنه ، إما بالوحي أو بالإلهام أو بما يمت إليه بصلة بواسطة أو بوسائط ، كما كانت عليه صفة النبي صلى الله عليه وآله و الأئمة المعصومين عليهم السلام من بعده ، وهذا هو الثابت في عقيدة الإسلام ، قال تعالى في كتابه الكريم (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ! إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ).(10)

 إذاً ، فما دام المعصوم (عليه السلام) عارفاً بحوادث المستقبل ، أمكنه الإخبار بها بطبيعة الحال .. أما بالنسبة إلى الحوادث أو العلامات التي بشرت الروايات بوقوعها قبل الظهور ولو بزمن طويل ، فالسر في مصداقيتها على الظهور وكونها علامة عليه ، هو إن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام يختارون بعض الحوادث الكبرى الملفتة للنظر مما يعلمون وقوعه في المستقبل ، بالوحي أو بالإلهام ، فيخبرون به مرتبطاً بالظهور ، حتى إذا ما وقعت الحادثة في الأزمان ثبت عند الجيل المعاصر لها والأجيال المتأخرة عنها صدق هذه الأخبار .. إما بالنسبة إلى الحوادث القريبة من الظهور ، بحسب أخبار الروايات فالسر في دلالتها على الظهور هو إن الله تعالى يوجد بعض الحوادث ، خصيصاً من أجل أن تصبح علامة على الظهور ، وإلفات نظر الناس إليه ، وخاصة أولئك المؤمنين المخلصين المنتظرين بفارغ الصبر الفجر المقدس. إذاً ، فبعض العلامات المذكورة في الروايات متضمنة بعض الأخبار المحددة الدالة على الظهور.

 من الطريف أن بعض الأخبار التي قالها النبي صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة عليهم السلام وسجلها أهل الحديث في مصادرهم ، قبل حدوث الحادثة المطلوبة ، ثم وقعت الحادثة فعلا في التاريخ بحيث نعلم جزماً أنها لم تسجل في المصادر بعد حدوثها .. وهو لأكبر القرائن على صدق هذه الروايات نفسها فضلا عن إثبات المهدي (عليه السلام).

 وما أثبت التاريخ على حدوثه مما ورد الأخبار به في الروايات عدة أمثلة نذكر بعضاً منها:

 

 التنبؤ الأول:

 أخبار النبي صلى الله عليه وآله و الأئمة عليهم السلام عن شؤون دولة بني

العباس من حيث انحرافهم وفسادهم وخروجهم عن جادة الحق:

(عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي: يا عباس ويل لولدي من ولدك وويل لولدك من ولدي فقال: يا رسول الله ، أفلا اجتنب النساء. قال إن علم الله قد مضى والأمور بيده وان الأمر سيكون في ولدي)(11) . فدولة بني العباس واضحة في التاريخ ، وما وقع بينها وبين الأئمة عليهم السلام أحفاد رسول الله صلى الله عليه وآله من ولد علي وفاطمة عليهم السلام من الخلاف وماذاقوه من بني العباس من التشريد والمطارده والتعسف ، أوضح من أن يذكر وأشهر من أن يسطر .. ويمكن الرجوع إلى كتاب (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الأصفهاني للإيضاح اكثر .. وكذلك بعض الروايات دلت عن الاخبار بهلاك بني العباس وزوال ملكهم كالخبر الذي ورد (عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث انه قال: ثم يملك بنو العباس فلا يزالون في عنفوان من الملك وغضارة من العيش ، حتى يختلفوا فيما بينهم ، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم) (12).

 

 التنبؤ الثاني:

 ما ورد في الروايات من زوال دولة بني أمية ، قبل زوالها بطبيعة الحال: كالحديث الذي ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال: (يقوم القائم (عليه السلام) في وتر من السنين تسع واحده ثلاث خمس ، وقال: إذا اختلفت بنوا أمية وذهب ملكهم ، ثم يملك بنو العباس فلا يزالون .. الحديث)(13) .  علما بأن الإمام الباقر (عليه السلام) قد توفى قبل زوال ملك بني أمية وقيام دولة العباسيين بثمانية عشر سنة.

 

التنبؤ الثالث:

 ما ورد في الروايات من اختلاف أهل المشرق والمغرب :

كالحديث الذي ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضا ، حيث قال: (واختلف أهل المشرق والمغرب) (14).. ولهذا الاختلاف شواهد كثيرة في التاريخ كاختلاف أهل المشرق والمغرب في حدود البلاد الإسلامية ، وهذا ما حدث فعلا في التاريخ الإسلامي طويلا ، حيث كان الشرق يحكمه العباسيين والغرب – بمعنى الأندلس الإسلامية - يحكمه الأمويون ، أو إن الغرب بمعنى الفاطميون في الشمال الأفريقي حيث أسسوا الدولة الفاطمية ، وفي كلا الحالين ، كانوا منفصلين عن خلافة الشرق العباسية.

 أو ما حدث ويحدث في العصر الحديث ، منذ الحرب العالمية الثانية إلى ألآن .. من وجود الدولتين الكبيرتين في العالم ، التي تمثل إحداهما زعامة ما يسمى بالكتلة الشرقية ، وتمثل الأخرى زعامة ما يسمى بالغرب. وعلى أية حال ، فقد جعل هذا الاختلاف بين أهل الشرق وأهل الغرب من علائم الظهور .. وهذا لعمري لإحدى المعجزات التي تشارك في الدلالة على صدق الرواية نفسها ، فضلاً عن إثبات صاحب البيعة (عليه السلام) في الرواية .. فكما جاء في الحديث الذي نقله النعماني في غيبته (حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسين الجعفي قال: حدثني إسماعيل بن مهران قال: حدثنا الحسن بن علي ابن أبى حمزة ، عن أبيه ووهب عن أبى بصير عن أبى جعفر (عليه السلام) قال: يقوم القائم (عليه السلام) في وتر من السنين تسع واحده ثلاث خمس ، وقال: إذا اختلفت بنو أميه وذهب ملكهم ، ثم يملك بنو العباس فلا يزالون في عنفوان من الملك ، وغضاره من العيش حتى يختلفوا فيما بينهم ، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم ، واختلف أهل المشرق وأهل المغرب ، نعم وأهل القبلة ، ويلقى الناس جهد شديد مما يمر بهم من الخوف ، فلا يزالون بتلك الحال حتى ينادي مناد من السماء ، فإذا نادى فالنفير النفير ، فو الله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس ... الحديث ).(15)

 والتنبؤات الثلاث السابقة ووقوعها فعلاً في التاريخ الطويل ، بعد صدور الرواية وتسجيل أهل الحديث لها في مصادرهم أكبر دليل على صدقها .

 

 التنبؤ الرابع :

 أخبار النبي صلى الله عليه وآله بانحراف القيادة الإسلامية في المجتمع بعده: فمن ذلك: (ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله عن الله  (عليه السلام) في بعض كلامه مع رسوله في المعراج حيث جعل ذلك من علامات الظهور فقال: وصارت الأمراء كفرة وأوليائهم فجرة وأعوانهم ظلمه وذوي الرأي منهم فسقه ، فعند ذلك ثلاث خسوف ، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، وخراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج ... الحديث) (16) .

 وعنه صلى الله عليه وآله: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال ، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس)(17) وهذا ما حدث بالفعل بعد النبي صلى الله عليه وآله حين قام الحكم في العالم الإسلامي على المصلحة والإرث ، وتفاصيل ذلك أشهر من أن يذكر ، واستعمال الخمور في بلاط الخلفاء يكاد يكون من الواضحات ، ويذكر في كثير من مصادر التاريخ ، ولعل خير شاهد على ذلك ، موقف المتوكل العباسي من الإمام الهادي (عليه السلام) حيث أرسل جماعة من الأتراك لمداهمة بيت الإمام (عليه السلام) والقبض عليه في جوف الليل ، فألقوا عليه القبض وهو يقرأ القرآن ، وحُمل إلى المتوكل ، فمثل بين يديه ، والمتوكل يشرب وفي يده كأس. فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جانبه ، وناوله الكأس الذي في يده ، فقال: يا أمير ، ما خامر لحمي ودمي قط ، فاعفني ، فأعفاه..  الخ الحادثة.(18)

 

 التنبؤ الخامس:

 ما ورد الأخبار عنه بثورة صاحب الزنج:

فمن ذلك ما جاء في الحديث السابق عن ابن عباس .. وهذا ما حدث بالفعل على يد صاحب الزنج ، وهو الرجل الذي ثار في البصرة عام 255هـ – سنة ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) – واسمه علي بن محمد ، وزعم انه علوي – وان كان يختلف عن أهل البيت عقائديا وفكريا – استمر يعيث في المجتمع فساداً خمسة عشر عاماً إلى أن قتل عام 270هـ ، وعمدة ما ارتكز عليه في ثورته – مضافاً إلى دعواه الانتساب بالنسب العلوي - أنه وجه دعوته بشكل رئيسي إلى العمال والطبقة الكادحة من الشعب ، وخاصة العبيد المماليك منهم ، ومن ثم سمي صاحب الزنج ، أي قائد العبيد (19).. وكيف انه عاث في المجتمع المسلم فساداً وكلف الدولة العباسية كثيراً ، وكبد البصرة وكثيراً من المدن الأعاجيب من القتل والنهب والتشريد.

 وهذا الحدث التاريخي من أكبر الأدلة على صدق الرواية وصدق محدثها عليه أفضل الصلاة والسلام.

 

 التنبؤ السادس:

 ما ورد الأخبار عن ظهور العلم ببلدة يقال لها قم :

فمن ذلك ما جاء عن الأمام الصادق (عليه السلام) : (ستخلو الكوفة من المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحيّة في جحرها ، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم ، وتصير معدناً للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرّات في الحجال ، وذلك عند قرب ظهور قائمنا .. الحديث) (20)

 وهذا ما حدث بالفعل في العقدين الأخيرين ، وعظمة هذه الرواية عندما نعرف أن أمامنا يتكلم عن ظهور العلم الديني في بلدة قم المجهولة المكان في ذلك الزمان ، حيث كان أهلها عبده أوثان ونيران ، ثم تكون هذه البلدة بعد حديثه بألف ومئتي عام تقريبا مدينة علم الشيعه ومركز دراستهم ... وقد ذكرنا حديث الأمام الصادق (عليه السلام) عن بلدة قم لاحتواه تصريحا بذهاب العلم قبل قيام القائم (عليه السلام) من الكوفة (النجف الأشرف ) بسبب ظلم السلطان وتشريد علماء الدين وقتلهم وطردهم .

هناك الكثير من العلامات والتنبؤات التي ذكرتها الروايات تحققت في التاريخ :-

فمن ذلك ما جاء في الرواية عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام): (يا جابر الزم الأرض ، ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أولها اختلاف بنى العباس ، وما أراك تدرك ذلك ، ولكن به حدث من بعدي عني ، ومنادياً ينادي في السماء ، ويجيئكم صوت من ناحية دمشق بالفتح ، وتخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية ، وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن ، ومارقة تمرق من ناحية الترك ، ويعقبها مرج الروم ، وسيقبل أخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة ، وسيقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة ، فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب ، فأول أرض المغرب أرض الشام .. الحديث)(21) .

 بالأضافه إلى ان هناك علامات عدة ذكرها الشيخ المفيد في الإرشاد مختصراً : ( قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (عليه السلام) وحوادث تكون أمام قيامه ، وآيات ودلالات: فمنها خروج السفياني ، وقتل الحسني ، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي ، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان ، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات ، وخسف بالبيداء ، وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب ، وركود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر ، وطلوعها من المغرب ، وقتل نفسٍ زكيةٍ بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام ، وهدم حائط مسجد الكوفة ، وإقبال رايات سود من قِبَلِ خرا سان ، وخروج اليماني ، وظهور المغربي بمصر وتملُّكه للشامات ، ونزول الترك الجزيرة ، ونزول الروم الرملة ، وطلوع نجم المشرق يضيء كما يضيء القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه ، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها ، ونار تظهر بالمشرق طُولاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام ، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم ، وقتل أهل مصر أميرهم ، وخراب الشام واختلاف ثلاث رايات فيه ، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ، ورايات كندة إلى خرا سان ، و ورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة ، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها ، وبشق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة ، وخروج ستين كذاباً كلهم يدّعي النبوة ، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه ، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولاء وخانقين ، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام ببغداد ، وارتفاع ريح سوداء بها أول النهار وزلزلة حتى ينخسف كثير منها ، وخوف يشمل أهل العراق وبغداد وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وجراد يظهر في أوانه وغير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات وقلة ريع لما يزرعه الناس ، واختلاف صنفين من العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم ، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم ، ومسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير ، وغلبة العبيد على بلاد السادات ، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم ، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس ، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون ، ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتّصل فتحيي به الأرض من بعد موتها وتعرف بركاتها وتزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي (عليه السلام) فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته) (22) .

 من هاتين الروايتين نجد أن عدداً من العلامات والأخبار قد تحقق في التاريخ – نذكر بعضاً منها بشكل مختصر - وللاطلاع على روايات أكثر يفضل مراجعة:

 1- كتاب: (الغيبة) للشيخ الأجل محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني المعروف بابن أبي زينب ، من علماء القرن الثالث الهجري ، وهو تلميذ ثقة الإسلام الكليني ، وهذا الكتاب من نفائس الكتب المدونة في هذا الباب ، وقد مدحه الشيخ المفيد في الإرشاد ، ويظهر من ذلك عدم وجود مصنف قبله أفضل منه.

2- كتاب: كمال الدين وتمام النعمة ، للشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن با بويه القمي (المعروف بالصدوق) ، من علماء القرن الرابع الهجري المتوفى سنة 381هـ .

3- كتاب: (الغيبة) للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف (بشيخ الطائفة) ، المتوفى سنة 460هـ .

 

 تنبؤات أخرى متحققة تاريخياً:

 فمن التنبؤات التي تحققت في التاريخ نذكر بالإضافة إلى ما أشرنا إليه سابقاً بعضاً منها باختصار:

 أولا: إقبال رايات سود من قبل خراسان: وينطبق ذلك على ثورة أبي مسلم الخراساني.

 ثانيا: ظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات: وينطبق ذلك على المعز الفاطمي عندما نشر دعوته عام 396هـ ، في الشمال الأفريقي عندما غزا الشام واستولى عليها.

 ثالثا: نزول الترك الجزيرة: عندما بقيت أرض الجزيرة تحت الحكم العثماني التركي فترة طويلة من الزمن ، يبدأ من عام 941هـ وحتى سقوط حكمهم عام 1335هـ بالاحتلال البريطاني أثناء الحرب العالمية الأولى.

 رابعا: نزول الروم الرملة: والروم في لغة عصر المعصومين عليهم السلام هم الأوربيون بشكل عام ، والرملة منطقة في مصر ومنطقة في الشام ، وينطبق هذا التنبؤ على الاستعمار الفرنسي لمصر بقيادة نابليون بونابرت ، أو الاحتلال الفرنسي لسوريا بعد الحرب العالمية الأولى وإخراج العثمانيين منها.

 خامسا: خلع العرب أعنتها وتملكها البلاد ، وخروجها عن سلطان العجم: وهذا ما عشناه في العصر الحديث .. عصر الثورات العربية بقصد التحرر من الاستعمار الأجنبي ، وسيطرة أشخاص من أهل البلاد على الحكم.

 سادسا: قتل اهل مصر أميرهم: وينطبق ذلك على الرئيس أنور السادات عندما قتلته جماعة خالد الاسلامبولي.

 سابعا: اختلاف صنفين من العجم ، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم: وينطبق ذلك على حروب الدول الأوربية فيما بينها ، مثل الحرب بين فرنسا وألمانيا أو بين بريطانيا وألمانيا أو بين تركيا و اليونان .. ويكفينا النظر إلى الحربين العالميتين الواقعتين في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي.

 نكتفي بهذا القدر من التنبؤات المتحققة تاريخياً ، وهي بمجموعها تشكل دليلاً قطعياً على صدق قائليها المعصومين عليهم السلام ، ذلك الصدق الدال على صدق سائر أقوالهم بما فيه أخبارهم عن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) .. ولابدّ من زيادة الارتباط العاطفي والشعوري بقضية الإمام  (عليه السلام)، ليست كمرتكز عقائدي فقط ، بل لأنها قضية مصيرية ملحة ، فالمطلوب أذن: أن يسهم ما وقع في بعث الأمل ورفع درجة الارتباط بالإمام (عليه السلام) إلى مستوى أعلى وأكثر حيوية وفاعلية وجدية ، ويعمق في الفرد المؤمن الشعور بالمسؤولية ، ليعيش في كنف الإمامة بكل ما تمثله من عطاء في مجال العمل والسلوك والموقف وفي جميع مفردات الحياة.

 


1 - انظر بشارة الإسلام ص18

2 - موسوعة المهدي تاريخ الغيبة الكبرى ص242

3 - غيبة النعماني ص170 ، بحار الأنوار ج52 ص231

4 - موسوعة المهدي تاريخ الغيبة الكبرى ص245 ، منتخب الأثر ص434

5 - غيبة النعماني ص104 ، الموسوعة ص246

6 - انظر بشارة الإسلام ص86 ، بحار الأنوار ج52 ص228

7 - الممهدون للمهدي ص49 ، بحار الأنوار ج52 ص182

8 - المهدي – آية الله الصدر ص198 ، يوم الخلاص ص564

9 - بشارة الإسلام ص25 ، منتخب الأثر ص432

10 - سورة الجن (26-27)

11 - بشارة الإسلام ص11

12 - غيبة النعماني ص175

13 - غيبة النعماني ص175

14 - غيبة النعماني ص175

15 - غيبة النعماني ص175

16 - بشارة الإسلام ص5

17 - تاريخ  الغيبة الكبرى ص450

18 - تاريخ الغيبة الكبرى ص59

19 - تاريخ الغيبة الصغرى ص72

20 - منتخب الأثر ص443 ، حوارات حول المنقذ ص296 ، يوم الخلاص ص480

21 - غيبة النعماني ص187 ، بحار الأنوار ج52 ص237

22 - الإرشاد للمفيد ج2 ص368 ، بحار الأنوار ج52 ص220 ، بشارة الإسلام ص175