منزلة أهل البيت عليهم السلام في الإسلام


إلى من لقبهم المولى في محكم تنزيله بالأبرار، وسماهم بأهل الذكر، ووصفهم بالصادقين، إلى هداة هذه الأمة، أهل الشهادة فيها، ورجال الأعراف منها، إلى دعائم الاسلام، وولائج الاعتصام إلى حبل الله المتين، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها، والصراط المستقيم منذ توفي سيدهم امام المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا، إلى يوم الدين، الى من مرت صفحتهم بيضاء ناصعة نقية، الى الأمثلة الحية في هذه الأمة، الى عناوين الهداية، ومواطن الولاية، أهدي هذا العمل المتواضع سائلا المولى العلي القدير أن يتقبله خالصا مخلصا لوجهه الكريم، معتذرا عن التقصير، لأنني مهما فعلت فانني سوف لن أفيهم حقهم وأسأله تعالى أن يوفقني لأداء خير منه، انه على كل شيء قدير وبالاجابة جدير.


بسم الله الرحمان الرحيم

ما فتئ الوحي الالهي يولي أصحاب الكساء عليهم السلام اهتماما بالغا، ويخصهم بعنايته منذ فجر النبوة، فأنزلهم منزلة رفيعة مطابقة لما ابدوه من تجانس، لما تنزل على سيدهم صلى الله عليه وسلم وعليهم من الآيات والأحكام، وكيف لا يكونون السابقين إلى الخيرات، وهم أهل بيت النبوة ومنزل الوحي ومختلف الملائكة، وأول من عاين الأمر، وأول من تلقاه وأول من بادر إليه يقول في ذلك أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين علي ابن أبي طالب عليه السلام:

" وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكفنني فراشه ويمسني جسده ويشممني عرفه وكان يمضغ الشيء ويطعمني ويلقمنيه. وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله وسلم من لدن أن كان فطيما، أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفيصل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به، ولقد يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام، غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة، وأشم رائحة النبوة. لقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله، فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال هذا الشيطان أيس من عبادته، انك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، الا أنك لست بنبي ولكنك وزير وانك لعلى خير".(1)

لم يفقه كثير من المسلمين منزلة أهل البيت عليهم السلام، ولم ينالوا من ذلك الصرح حظا لأسباب مختلفة هي:

1ـ تجاهل الجبل الأول من المسلمين لمكانة أهل البيت عليهم السلام، الأمر الذي سهل عملية دفعهم عن قيادة الأمة، وصرفهم عن هدايتها.

2ـ سياسة الترهيب المتبعة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله لاخضاع الناس للحكومة التسلطة

3ـ حملة الدعاية المغرضة التي شنت عليهم، والتي وقف وراءها دهاة العرب كالمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص وغيرهما، ممن كان يغذيهما معاوية بن أبي سفيان بالأموال، لنشر المفتريات على أهل البيت عليهم السلام، وتصغير صورتهم التي منحها اله تعالى لهم مقابل تظخيم صور أناس ما كان التاريخ ليذكر لهم فضلا لولا دعايات هؤلاء.، مما غيب الصورة الناصعة للطاهرين من آل محمد عليهم السلام من أذهان أكثر الناس، الذين كان همهم الدنيا، كما هو شأن الناس الآن.. افتعلت الفضائل لتشزيش عقيدة العامة، بخصوص الصحابة، وتلك الفضائل التي ضعتهم على صعيد واحد مع أهل البيت عليهم السلام بل وبديلا لهم، حتى أتى زمن اصبح فيه المعرفة نكرة والنكرة معرفة، وانقلبت الموازين.

ان الذي ألبس على المسلمين دينهم معاوية بن أبي سفيان، الذي بعد أن استتب له الأمر كتب إلى عماله في جميع الآفاق: أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب (يقصد به الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام) وأهل بيته.

فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليه ويبرئون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته...

وكتب أيضا: ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم أن: أنظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم وأكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته.

ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا.

ثم كتب إلى عماله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين (مثنى وليس جمعا بنصب اللام وجزم الياء، فمعاوية لا يعترف بأبي الحسن أصلا)، فلا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فان هذا أحب إلي وأقر إلى عيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، واشد إليهم من مناقب عثمان وفضله.

فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية، القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحضوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل.

حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها، ولا تدينوا بها.(2)

4ـ ضياع الأحاديث الصحيحة بسبب أو بآخر كاحراق ما كتب منها أو محوه فهذا الخليفة الأول أبو بكر ابن أبي قحافة، قد أحرق 500 حديث كانت عنده، وكذلك فعل الخليفة الثاني عمر، وما كتبه إلى عماله: من كان عنده شيء من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليمحه.(3) أو بموت الرواة، أو الاعراض عن رواة معينين منهم، أو تعمد اهمال الأحاديث وعدم جمعها ما زاد عن قرن ونيف من الزمن.

5ـ جهل جانب من الصحابة بالقيمة التشريعية للأحاديث النبوية، مما دفع بفريق منهم إلى النهي عن كتابة ما يقوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بدعوى أنه بشر يتكلم في الغضب والرضا(4) ودفع آخرين للدعوة إلى الغاء أقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، عندما تصدوا له يوم الخميس في أخريات أيامه ليكتب اليهم وصية من الأهمية بما كانت، لقوله هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا.

ومن كان متصديا للنبي صلى الله عليه وآله، مجترئا عليه مثلما فعل من قبل في صلح الحديبية، هو نفسه الذي قاد حملة التشكيك في حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ولعل ما كشفه القران الكريم من ممارستهم تجاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يغني عن اللجوء إلى الآثار والأخبار الأخرى فقد صرحت الآيات القرانية العديدة بحالهم قائلة: "ان الذين ينادوك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون".(5) " يقولون هو أذن "(6) " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"(7) وما حصل في قصة الافك، من تنازع وشجارعلى مرأى ومسمع من رسول الله (ص) إلى التصدي لذلك مما لو استقصينا آثاره لتطلب افراد بحث كامل بخصوصه وقد دفع الحقد بكثير من الصحابة مناوئة أهل البيت عليهم اللام والتخريب ضدهم والقسوة عليهم مما دفع برسول الله (ص) إلى التصدي لذلك كما فعل مع بريدة عندما جاءه بسعاية في علي عليه السلام، وعلم منه بغضه له قائلا: " لا تفعل فانه لا يحب عليا الا مؤمن ولا يبغضه الا منافق".(8).

وان عجبت من شيء فأعجب من عبد الله بن الزبير الذي لبث فترة استيلائه على مكة أربعين جمعة لا يصلي على النبي (ص)(9) ومنها ما عبر عنه عمر الخليفة الثاني كناية عن قريش عندما قال للعباس: ً لقد كرهت قريش أن تكون فيكم النبوة والخلافة(10) فأنظر أصلح الله حالك وحال المسلمين كيف يجوزون لأنفسهم الامتناع من الصلاة على النبي (ص) ويرضى المصلون وراءهم بذلك.

ومن قريش هذه التي تنهى عن الكتابة عن الرسول (ص) كما في حديث عبد الله بن عمرو، وتكره أن تكون النبوة والامامة في أهل البيت عليهم السلام كما في قول عمر؟ أفوضها المولى سبحانه وتعالى على دينه؟ أم اختصها رسول الله (ص) بما لم يخص به غيرها؟ أم ان المسلمين قد أوكلوا لها التعبير عن آرائهم في الدين وجعلها حجة وقانونا؟.

ثم أي دين هذا الذي تكون فيه قريش وهي كل من هب ودب من مكة ثقلا في الدين وعدلا لله ولرسوله، تأمر وتنهي وتحب وتكره، وتصير ذلك حكما فوق حكم الله؟

ولا أخالني مجانبا الحق، اذا ما قلت أن قريشا هذه التي يعلق عليها الرواة والمحدثون والحفاظ أقوالهم لا تتعدى كونها حقيقة واحدة، وهي كناية لحزب الشرك الذي حارب الله ورسوله 20 سنة ثم أبطن الشرك وأظهر الاسلام، فأصبح الحزب حزب النفاق، أما الاستعارة فقد بقيت هي.. هي.. قريش.

ونحن اليوم بعد مرور أربعة عشر قرنا كاملة نرى أنه من الواجب بل من ضرورات الدين أن ننفض كل التراكمات التي غيبت أهل البيت عليهم السلام عن الحضور الفاعل في وجدان الأمة وعقيدتها، وأن نعيد لهم حقهم المغتصب اعادة نهائية وتامة، بعيدة عن كل عصبية أموية موروثة، ليست من الدين في شيء، وأن نسلم لله تعالى بعيدا عن الاصرار على أخطاء لا يمكنها أن تستمر، مقابل حقائق وبراهين يقينية واردة في القران الكريم والسنة المطهرة، على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تسليم وعلى آله المصطفين الأخيار، تقول أن للدين أئمة ربانيون، اصطفاهم الله تعالى ليكونوا حفظة دينه، ورعاة شريعته، والقائمين بالقسط عنه، الأمثلة التي تضرب، والآيات التي تظهر لكل جيل من الناس.

البداية تحملنا إلى نقطة جوهرية، عليها مدار البحث ومنها تستمد نتيجته، وهي الاصطفاء أو الاختيار الالهي، ما حقيقته؟ وما أهميته؟ ولماذا؟ قال تعالى: " ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ".(11)

وقال أيضا: " ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم "(12)

وقال أيضا: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا "(13)

وقال أيضا: " يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين".

واصطفى، اصطفاء: اختار اختيارا، والمصطفى هو المختار.(14)

واختيار المولى سبحانه وتعالى لأحد من خلقه، لا يكون عبثا وانما لحكمة ولسبب، واذا كان هو خالق الخلق ومنشئ الموجودات من عدم، فهوأعلم بمكنوناتهم وأدرى بما يسرون وما يعلنون، واصطفاءه لمن يرتضي من الرسل للتبليغ عنه، وتجسيم ذلك البلاغ في شخصه عملا وسلوكا جار في القائمين على الدين بعد الرسل، لحاجة البشر دائما إلى مثال ونموذج يكون نصب أعينهم، يقتدون به ويتبعون هداه قال الله تعالى:

" أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده "(15)

لذلك فان اختيارات البشر فيما يتعلق بأمور الدين، كاختيار قائم عليه لايستقيم لأن الله تعالى اختص به ذاته المقدسة، ولم يشأ أن يشرك فيه حتى رسله. فما ظنك بعموم الناس الذين يفتقدون مقومات الاختيار وقوانين التعيين.

واذا تأملنا في مسيرة البشرية منذ أن بدأت تقطع خط الرجعة على أداة الملك والوراثة كاختيار بشري في الحكم، واعتبروها سببا رئيسيا من أسباب التخلف، نرى أن تلك التجارب لم تخلف في معظمها غير الظلم والقهر، مما أدى إلى تنافر طبيعي بين عامة الناس وخاصتهم، فتولدت من ذلك رؤى ونظريات جديدة في حكم البشري كالاشتراكية والشيوعية والديمقراطية الراسمالية للوصول بالبشر إلى حالات أفضل من العدل والأمن والرخاء والحرية، الا أنه وبعد تجربة طالت القرن من الزمن، تبين أن العلة التي نفرت الناس من الملك البشري ظلت قائمة في النظم الجديدة، ولم تكن حال البشرية اليوم أفضل من حالها بالأمس، وبقي الظلم والحيف الاجتماعي، وكبت الحريات وابتزاز ثروات الشعوب، سمات قائمة في نظم الحكم الجديدة، ولم يتغير من أدوات الحكم سوى الاسم والصفة، وعوضا عن الحكم الوراثي المتعارف عليه قديما، جاء الملك الجمهوري، وبدل تسلط الواحد، أصبح تسلط الفئة التي ترتبط فيما بينها بمجموعة مصالح، عنوانا لنظم الحكم الحديثة، كل ذلك مرجعه أن البشرية قد عدلت عن الخط الالهي كأداة للحكم، وانتهجت سبلا أخرى غير سبيله لجهلها بمقومات ذلك الخط أو لعدائها له.

ومهما بلغت البشرية من معارف وعلوم فانها ستبقى قاصرة عن بلوغ النظام الأمثل للحكم بينها، لأن علاقاتها محكومة بالنعرات والمصالح، ولم يمتدح المولى سبحانه وتعالى رأي أغلبية الناس ولا نوّه بجمعهم الغفير، بل كانت الأيات النازلة في شانهم تتالى ذامة ومبينة خطأ دعوة حرية اختيار الناس لمن يقودهم بعد النبي (ص) فقد قال عز من قائل:

"وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الظن وان هم الا يخرصون "(16)

-" وان كثيرا من الناس لفاسقون "(17)

ومقابل ذلك امتداح القلة ونوه بخصالها، وزكى أعمالها وباركها فقال تعالى:

- " وقليل من عبادي الشكور "(18)

- " وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله "(19)

- " وقليل ماهم".(20)

مبينا أن مسالة الاختيار أمام هذه المعادلة راجعة له بالنظر قال تعالى: " وربك يخلق ما يشاء ويختار من كان لهم الخيرة".(21)

ولجسامة تلك المسؤولية فقد أعفى المولى منها نبيه الأكرم (ص) بقوله " ليس لك من الأمر شيء "(22) فكيف لا يكون أمر الاختيار لنبي الله (ص) وقد اصطفاه المولى سبحانه وتعالى، وجعل ولايته وطاعته مستمدة منه، ويكون للناس وقد نبذهم الا قليل منهم؟

ولنا أن نتساءل هل جاءنا الدين الاسلامي، الذي هو خاتم الرسالات السماوية، ليقودنا في الدنيا ونستنير بهدي احكامه، ونستظل بعدالة حكومة نعطيها من أنفسنا الولاء والطاعة، ولا ندخر جهدا من أجلها، لأنها حامية الدين وقائمة عليه؟ أم أن الدين مجرد طقوس فردية، وما زاد على ذلك فللناس فيه رأي وتصريف؟ وبمعنى آخر، هل تحديد نوعية الحكومة بعد النبي (ص) ضرورة من ضرورات الدين؟

أم أن ذلك ليس من الدين في شيء والأمة هي المرجع في الاختيار؟

انقسم المسلمون في ذلك إلى قسمين: واحد يقول بأن النبي لم يستخلف أحدا قبل مماته وأن الأمة لها حرية الاختيار لقائم عليها بعده (ص)، وآخر يقول بأن أمر الاستخلاف أمر طبيعي يقبله العقل وتقره شريعة الاسلام وشرائع من قبلنا، واستدلوا على ذلك من بنصوص عديدة نحن في صددها.

أما القسم الأول فقد نسب لدين الله القصور، وفصل الدين عن الحياة بنفيه لخصوصية الهية وركيزة من ركائز الدين، عليها مدار الشريعة ومنها تستمد البقاء.

وكيف سيكون حال الأمة من دون امام وقد رحل امامهم الأكبر؟ والأمة مقبلة على تحولات كبيرة كانتشار للدين وتوسع البلاد.

وان الخطر الذي كان يتهدد الدين في عهد النبوة لم يتغير، بل سيزداد في غياب النبي (ص).

فالمنافقون وحزبهم لم يهدأ لهم بال في سبيل الاجهاز على رسالة الاسلام مضافا إلى ذلك خطر الوم والفرس.

وجيل الصحابة كما صرح به القران الكريم ثلاث طبقات: المؤمنون ومن في قلوبهم مرض والمنافقون.

قال تعالى: " هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا".(23)

والمنافقون ليسوا بالحزب الصغير ولا بالعدد الهين، مضافا اليهم من في قلوبهم مرض وهم المرتابون والمتشككون الذين وقفوا بين الايمان والنفاق، لا يدرون ما يفعلون ولمن يميلون.

ولعل قوة حزب النفاق تكمن في طبيعة أفراده المبطنة للعداء للدين والمظهرة للولاء له.

قال تعالى: " يقولون طاعة فاذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول".(24) وقال أيضا: " لقد ابتغوا الفتنة وقلبوا لك الأمور".(25)

حتى بلغ بهم الأمر إلى تحريض اليهود والنصارى على المسلمين. قال تعالى: " ألم ترى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن خرجتم لنخرجن معكم".(26)

ولم يتسن لرسول الله (ص) معرفة الكثير منهم رغم أنهم من صحابته، قال تعالى: " واذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم".(27)

وقال أيضا: " وممن حولك من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم ونحن نعلمهم".(28)

هم هؤلاء الوحيد هدم الدين بكل وسيلة كالسعي لاثارة الفتن بين المسلمين وقلب الأمور على الرسول الأكرم (ص) وان كانت جرأتهم قد بلغت ذلك الحد فليس من قلة.

واذا حاولوا قتل النبي (ص) أكثر من مرة فانهم سيقتحمون بعد وفاته ما فاتهم من ميادين في حياته (ص)، وستكون شوكتهم أقوى وسطوهم أشد، والذي بني مسجد ضرارا لمحاربة الله ورسوله سيعيد الكرة بأسلوب آخر وبشكل آخر، ولا مخبر عن حالهم بعد ذلك. (هذا طبعا في تصور الذين يعتقدون أن الألطاف الالهية تنتهي بوفاة الرسول صلى الله عليه وآله) لذلك أولاهم القران الكريم عناية خاصة فتحدث عنهم وفضح مؤمراتهم وكشف زيفهم ونفاقهم في أكثر من 13 سورة قرانية وأفرد لهم سورة خاصة بهم، سماها باسمهم.

لقد كانت الوسيلة الوحيدة لمعرفة المنافقين والتأكد من مكنونات صدورهم اظهار بغضهم لعلي وعدائهم له، والسعي ضده والوقعية فيه كلما سنحت لهم الفرصة بذلك.

فأصبحت تلك الميزة شعارهم حتى قال بعض الصحابة " كنا نعرف المنافقين ببغضهم لعلي " رغم ذلك لم يردنا من أسماءهم ولا أخبارهم شيئا رغم أنهم سعوا إلى قتل رسول الله (ص) وكانت أسماءهم عند حذيفة ابن اليمان، ومع ذلك محيت تلك الأسماء من التاريخ، وطمست ولم يعد لها أثر. لسبب واحد لا ثاني له وهو أن في حزب النفاق صحابة عدة ضخم من شانهم معاوية وبنو أمية ورفع أسهمهم في أعين المسلمين. بهم أزيح الأئمة الهاة والقادة البرار للأمة، وفصل الدين عن الحياة وبهم عادت الجاهلية الاولى، وعلى أيديهم افتتح مضمار الردة عن الدين.

ولا يفوتني أن أشير هنا إلى أن المولى سبحانه وتعالى قد أنبانا بانقلاب الصحابة بعد النبي (ص) بقوله: " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم".(29) وألم يخبرنا الرسول الأكرم (ص) في أحاديث الحوض بقوله: " ليردن علي أناس من أصحابي الحوض حتى عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصحابي فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك".(30)

وفي حديث آخر: " فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم".(31) وفي حديث آخر: فأقول سحقا لمن غير بعدي".(32) مضافا إلى ذلك النظام القبلي والعشائري الذي كان سمة ميزت المجتمع العربي في الحجاز حيث كان للعادات القبلية أكبر دور في حياة الفرد، وعلى تلك الوتيرة كانت تجري المشاحانات الكلامية والعسكرية بين القبائل، وكانت تستمر فترات طويلة من الزمن لأتفه الأسباب، كحرب البسوس وداحس والغبراء، ويوم بعاث وغيرها، ذلك النظام القبلي المتجذر والمتغلغل في النفوس لم يكن ليزول بمجرد دخول تلك القبائل في الاسلام، وكان مرشحا للظهور بمساويه وترسباته كلما وقعت مذاكرة لأحداثه، أو جرت مشاحنة بين بعض المنتسبين اليه أو سعى ساع لغاية ما إلى اذكاء روحه التي لم تغادر صدورهم.

وظلت باقية كالنار تحت الرماد، كما فعل اليهودي شاس بالأوس والخزرج(33) وكما وقع بين المهاجرين والأنصاربعد عودتهم من غزوة بني المصطلق(34) والقصتان معروفتان.

فقدم هؤلاء في ما كانوا عليه وتوارثهم له أجيالا متعاقبة وحداثة عهدهم بالدين الجديد لا يمكن أن تلغي عقلية النظام القبلي، ولا تركيبته في حياتهم بمجرد دخولهم في الاسلام، ومكثهم فيه فترة لا تكفي لمحو تلك الآثار، والتي كانت تطفو على السطح كلما حركها مغرض أو جاهل.

بل ان منهم من كان دخوله للدين ليأكل به دنياه كما يظهر من كلام سيد بني عامر الذي قال لرسول الله (ص): أرايت ان نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال له النبيء (ص): " الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء "(35) فتراهم يفكرون في أمر الحكومة بعد النبي (ص) ويطمعون في أن يكون لهم نصيب فيها، وفيهم من اتخذ الدين مطية للوصول اليها، ولا يحسب لله ولا لرسوله حسابا- أفترى هؤلاء وهم على تلك الحال سيقدرون الحاكمية الشرعية بعد النبي.

مضافا إلى ذلك عامل الجهل الذي كان متفشيا بشكل مطلق في تلك القبائل على وجه العموم، وصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه الخصوص، والعارف فيهم لا يتعدى كونه نسابة أو شاعر وحتى أولئك لا تجد فيهم من يحسن القراءة والكتابة الا الشاذ.

وقد أثرت محدودية معارفهم وضحالة علومهم في سرعة استيعابهم للدين الجديد، والمتتبع لكتب التاريخ والسيرة يلاحظ قصورهم عن ادراك وفهم أجلي المعاني القرانية المفسرة ككلمة " أبا "(36).

مع ما كانوا يعانونه من قساوة المناخ ومحدودية التكسب، دفعت بأكثر هؤلاء إلى الضرب في الأرض، والبحث عن مورد رزق يقتاتون منه، أخذ جل وأقاتهم وحال بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يسمعوا منه الا القليل، وذلك القليل ليس حكما من الأحكام المتعارف عليها بفعل كثرة تطبيقه، كالوضوء أو صلاة الجماعة أوصلاة الجنازة،، ولا ماأشكل عليهم فهمه كاقامة بعض الحدود، كحد قطع يد السارق وحد شارب الخمر.

فقد أتت عليها سرعة النسيان، وعفت على ما كانوا يتعاهدونه يوميا من عبادات، فعلى سبيل المثال اختلف الصحابة في عدد تكبيرات صلاة الجنازة ولم تمض على وفاة النبي ثلاث سنوات، وهي التي كانت تتكرر على عهده صلى الله عيه وآله وسلم، أناس لم يستطيعوا عقل تكبيرات بعدد أصابع اليد الواحدة، أفتراهم يحفظون معالم حكومتهم بعد النبي (ص) وهي لا تزال نظرية غير مطبقة؟ أو يفهمون مقصد الشارع المقدس من معنى الامامة بعد النبوة؟ مضافا إلى ذلك انشغال جانب آخر من الصحابة فيما لا يعني ولا يفيد، واستعاضتهم بالصفق في الأسواق عن مجالسة رسول الله (ص)(37).

يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة " وكان أصحاب النبي أقساما، فمنهم من كان يهاب أن يسأله، وهم الذين يحبون أن يجىء الأعرابي أو الطارئ فيسأله وهم يسمعون، ومهنم من كان بليدا في الفهم قليل الهمة والنظر والبحث، ومنهم من كان مشغولا عن طلب العلم وفهم المعاني اما بعبادة أو دنيا، ومنهم المقلد يرى أن فرضه السكوت وترك السؤال، ومنهم المبغض الشانئ الذي ليس للدين عنده من موقع ما يضيع وقته وزمانه بالسؤال عن دقائقه وغوامضه..."(38)

ولعل أفضل ما قيل في الرواة عن النبي (ص) قول باب مدينة علمه الامام علي عليه السلام حيث يقول: " ان بين أيدي الناس حقا وباطلا صدقا وكذبا ناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما.

ولقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عهده حتىقام خطيبا فقال: " من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"". انما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجل منافق مظهر للايمان متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمدا فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله، ولكنهم قالوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، رآى وسمع منه ولقف عنه، فيأخذون بقوله وقد خبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووضعهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده عليه وآله السلام فتقربوا الى أئمة الضلالة والدعاة الى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال وجعلوهم حكاما على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا وانما الناس مع الملوك والدنيا، الا من عصم الله فهو أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحفظه على وجهه فوهم فيه ولم يتعمد كذبا، فهو يرويه ويعمل به ويقول أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوا منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه، ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا يأمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ فلو علم أنه منسوخ لرفضه ولو علم المسلمون اذ سمعوه أنه منسوخ لرفضه، وآخر رابع لم يكذب على الله وعلى رسوله مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله ولم يهم، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به على ما سمعه ولم يزد فيه ولم ينقص منه، فحفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعام فوضع كل شيئ موضعه وعرف المتشابه ومحكمه.

وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان يسأله ويستفهمه حتى انهم كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي والطارئ فيسأله عليه السلام حتى يسمعوا، وكان لا يمر بي من ذلك شيء الا سألت عنه فحفظته.

فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم".(39)

ويشير صاحب شرح نهج البلاغة لتلك الخاصية بقوله: " واعلم أن أمير المؤمنين عليه السلام كان مخصوصا من دون الصحابة بخلوات كان يخلو بها مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، لا يطلع أحدا من الناس على ما يدور بينهما، وكان كثير السؤال للنبي (ص) عن معاني القران وعن معاني كلامه (ص) واذا لم يسأل ابتدأه النبي (ص) بالتعليم والتثقيف، ولم يكن أحد من أصحاب النبي (ص) كذلك..."(40)

ويتضح اذا من خلال ما سردناه أن معاوية وبني امية من بعده قد جعلوا للصحابة حضا وحضوة عند المسلمين بما ابتدعوه في خصوصهم من أحاديث تشيد بهم وتقدسهم ليعدلوا بهم الهداة من آل محمد عليهم السلام وليلبسوا عليهم وجهتهم الصحيحة.

وهم ان لم يفعلوا ذلك فان غصبهم للامامة العامة للمسلمين ستكون جريمة مكشوفة وحقا واضحا منزوعا من أهله، تؤكده سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وافتعال الأحاديث المشار اليها في الصحابة قد تراوحت بين سذاجة مفتعليها ودهائهم، كحديث مزمار الشيطان الذي يسمعه الرسول ولا يحب سماعه عمر ابن الخطاب، وكحديث عثمان الذي تستحي منه الملائكة ولا يستحي رسول الله منها، وجبريل الذي سجد هيبة من اسم ابن أبي قحافة، وأحاديث لو كان الله معذبنا ما نجا الا عمر، ولو لم أبعث لبعث عمر، وكحديث " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم واهتديتم". الذي أقر بوضعه أحمد بن حنبل والبزار وابن حزم وغيرهم، من أتباع خط الصحابة، نعوذ بالله من الكذب على الله ورسوله. لذلك وجب علينا كمسلمين الموازنة بين الخطين لأن صراط الله المستقيم واحد.

ان ما بثه فينا الظلمة خدع وأكاذيب ليوردونا موردهم، قال تعالى: "وقالوا ربنا انا أطعنا ساتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا *ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا"..(41)

أما القسم الثاني من المسلمين الذي قال بوجوب الاصطفاء الالهي في مسالة الامامة في الأمة بعد النبي (ص)، فقد بينوا ذلك عقلا ونقلا وقالوا بأن الوحي حذر الأمة من الانحراف عن مسارها الصحيح، وأؤكد على ضرورة الالتزام بالخط الالهي، والتمسك بهديه والاذعان لأحكامه محذرا من مغبة التنكب عنه أو التشكيك فيه، قال تعالى: " وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل اليك فان تولوا فأعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وان كثيرا من الناس لفاسقون".(42) وقال أيضا: " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن حكما لقوم يوقنون".(43)

ولم يول المولى سبحانه وتعالى من العناية لمسألة حساسة بقدر ما أولى الحاكمية، فقد وردت الكلمة واشتقاقاتها في 83 آية من القرآن الكريم وتكررت في 7 آيات منها فيكون ورودها 90 مرة باختلاف اللفظ دلالة على أهميتها عنده، باعتبارها راجعة له ومستمدة منه قال تعالى: " ان الحكم الا لله "(44) وقال أيضا " ألا له الحكم "(45) يقول العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي في تفسيره لقوله تعالى: " ألا له الحكم ": لما بين تعالى اختصاصه بمفاتح الغيب، وعلمه بالكتاب المبين الذي أحصى فيه كل شيء، وتدبيره لأمر خلقه من لدن وجدوا، الى أن يرجعوا اليه، بين أن الحكم اليه لا إلى غيره، وهو الذي ذكره فيما مر من قوله: " ان الحكم الا لله " أعلن نتيجة بيانه فقال "ألا له الحكم " ليكون منبها لما غفلوا عنه".

ويضيف الشيخ جعفر السحباني: فاذا لم تكن الحاكمية الا لله تعالى كان اليه وحده التنصيص والتعيين للحاكم الأعلى، اما على الاسم والشخص كما اذا اقتضت المصالح أن يكون على هذا النمط، أو على الصفات والشروط اللازمة فيه، كلما اقتضت المصلحة أن يكون لون الحكومة على هذا الطراز".

وكان هذا أيضا قول السيد محمد باقر الصدر قد سره الشريف.(46) لقد صرح القران الكريم بولاية النبي (ص) وحكومته على الأنفس فضلا عن الأموال، بقوله سبحانه وتعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم".(47) وولايته وحكومته قائمة بعده لولي الأمرالمنصوص عليه بالاسم والشخص لما تقتضيه المرحلة.

قال تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا "(*) كما قال في محكم تنزيله: " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون".(48) وتفسيرها في الآية التالية من سورة المائدة، قال تعالى: " انا نحن نزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء".

ان تنزل الذكر يستدعي نزول الوحي عن طريق جبريل عليه السلام على النبي (ص)، وحفظه يستدعي أيضا رعاية الرباني (الامام) له واقامته في الناس وهو المعبرعنه بالتعيين الالهي للحكومة على ساس الاسم والشخص.

وهو ما كانت تتطلبه الفترة الأولى من حياة المسلمين أو غيرهم من الموحدين بعد غياب النبي (ص) لأن هذا التعيين كان جار في الرسالات السابقة، ولم يكن خاصا بالاسلام، كما في استخلاف آدم لهبة الله شيث، وسليمان لآصف عليهما السلام عليه السلام واستخلاف موسى ليوشع بن نون عليهما السلام وكما في استخلاف طالوت عليه السلام من قبل أحد أنبياء بني اسرائيل فان رسالة الاسلام الخاتمة لكل الرسالات السابقة أولى.

أما التعيين الالهي على أساس الصفات والشروط اللازمة لحسن القيادة، فهي المرحلة التي تقتضيها غيبة الامام عليه السلام والمعبر عنها بقيادة أو ولاية الفقيه الجامع لشرائط العلم والعدالة. والمشار اليها في الآية بالأحبار والحبر هو العالم بكتاب الله. قال تعالى: " انما يخشى الله من عباده العلماء".(49). فمن ربانيوا أمة الاسلام؟

أشار المولى سبحانه وتعالى في محكم تنزيله إلى أهل البيت عليهم السلام في عدد من الآيات القرآنية، ووضعهم موضعا كان على المسلمين أن يضعوهم فيه، وبين رسوله الكريم (ص) مكانتهم ولم تكن اشاراته سبحانه وتعالى، وبيانات رسوله (ص) خالية من الأمر لهم بالسمع والطاعة، بل كانت كلها منصرفة إلى ذلك المعنى لكن الأمة أبت غير ذلك، وسلكت في البداية مسلك التجاهل لهم ثم التنكر لأياديهم ثم انحازت لحكومات الظلم في محاربتهم والتنكيل بهم، فورث المتاخرون عقيدتهم في أهل البيت عليهم السلام متحاملة متحرفة من الذين أسسوا أساس الظلم لهم، وبرروا أفعالهم بشتى الأعذار غافلين عن نصوص ربت لتصل عنان السماء رغم اجتهاد المناوئين بشتى الطرق في وأدها، كمنع كتابة الأحاديث في فضائلهم وخصائصهم عليهم السلام وحرق عدد منها، وارهاب رواتها كما فعل بالنسائي (رعغم أنه من أتباع خط الصحابة الذي أسسه معاوية بن ابي سفيان)، وتقتيل عدد منهم واختلاق روايات في فضائل مزعومة لغيرهم لتضليل الامة، وصرفها عن قيادتها الربانية.

وتأويل ما خلص من صحيحها وحمله على غير محمله، ومع ذلك فقد فاضت فضائلهم وتسامت مكانتهم، لأنها ربانية وليست أوسمة من صنع البشر، في حين تضاءلت منازل غيرهم حتى كادت تندرس، وستصير إلى ذلك لأنها أوهام وأكاذيب " كسراب بقيعة يحسبه الضمان ماء حتى اذا جاءه لم يجد شيئا".(50)

وفي ذلك يقول الامام علي عليه السلام متسائلا عن الذين يدعون مضاهات أهل ابيت عليهم السلام: "أين الذين يزعمون أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا؟ أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم.

بنا يستعصي الهدى ويستجلي العمى ان الائمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم".(51)

ولو كانت اختيارات البشر صائبة، لما انحرفت الأمة عن مسارها بالتنكب عنهم، ولما سقطت في دركات الظلم والشرك والتخلف.

ويا عجبا كيف يألف المسلمون لأحاديث وروايات، وعقيدة انبنت عليهما، مرت بين مشرحة الطاهرين في كربلاء، واستباحة مدينة الرسول الاعظم (ص)، وهدم بيت الله الحرام، وتقتيل الأنفس المؤمنة وترويعها وتشريدها في الأمصار، وبعد مرور أكثر من قرن بعد وفاة الرسول (ص) لبدا كتابتها، وينعتون مجاميعها التي ظهرت بعد بدا الدوين بقرنين آخرين، بالصحاح وفيها ما فيها من الكذب والبهتان والكفر والهذيان، كتجسيم المولى سبحانه وتعالى بالنزول والطلوع، وأنه يرى يوم القيامة كالقمر ليلة البدر، وان له رجلا يضعها في النار، وان له أصابع يضع عليها مخلوقاته، وان له جلوسا خاصا، وانه يتنكر ويضحك، ونسبة ما لا يليق بالأنبياء كالكفر والكذب، وحب الباطل والعبث واللهو والركض مع الجواري أمام الناس، والتطاول على الملائكة ومن شاء المزيد فليراجع ما نعتوه بالصحاح.

اباتنهاك حرم آل محمد (ص) استقام دينهم وصح؟ أم بسفك الدمائهم الطاهرة ارتفعت أعلامه؟ أحفظ الأوائل رسول الله (ص) في عترته حتى يحفظوا دينه؟ واذا كانت جرأتهم على الله سبحانه وتعالى قد بلغت سفك الدماء، وأي دماء؟ أفلا يكون ما دون ذلك من تخريب للدين وهدم لعراه، عملا لا يكتسي غضاضة عندهم؟ وكيف يكون للدين عندهم حرمة وقد قتلوا أهله وفعلوا بهم الأفاعيل، رغم الوصية الالهية بحبهم ومودتهم قال تعالى: " قل لا أسالكم عليه أجرا الا المودة في القربى.(52)

وحث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله على حبهم وتقديمهم، بمقالة في غاية الوضوح، ليس هذا فقط وانما تدفع سامعها وواعيها إلى أن يخوض من أجل نيل رضاهم، والامتثال لأمرالله تعلى فيهم، وحبا لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: " ألا ومن مات على حب آل محمد ومات شهيدا، ألا ومن مات على حب آل محمد مغفورا له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الايمان.

منزلة أهل البيت هي من التنوع واشمول بحيث لا يمكنني أن أقف لها على ساحل، ولا أن آتي على ذكرها، يكفي أن من حارب تلك الصفوة من معسكر النفاق طيلة قرون عديدة، مانعا بكل الوسائل ظهور خصائصهم، صار في الغابرين وانطمس ذكره، ولم يذكره التاريخ الا بالخزي والعار، ليستسلم للنسيان، وفاض ما كان يمنعه بالحديد والنار، فأتى على باطله ومحق مؤامراته التي جند لها شياطينه، لأن الله يأبى الا أن يتم نورهولو كره المشركون.

سنقتصر من منازل أهل البيت عليهم السلام ما اتفق عليه أهل القبلة من روايات وان اختلفوا في بعضها من حيث التأويل والمعنى.

وذاك الاختلاف هو من موروثاتنا التي يجب علينا تصفيتها وتنقيتها مما علق بها من شوائب.

أولا: آية التطهير:

كثيرة هي الآيات القرآنية الواردة في فضل ومنزلة أهل البيت عليهم السلام، وعديدة هي أحاديث الرسول الأكرم (ص) في بيان مكانتهم عند الله سبحانه وتعالى وعند رسوله (ص)، وفي هذه الدراسة مجمل لأهم ما جاء في خصوصهم ومتعلق بولايتهم، قوله تعالى: " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا".(53) نزلت هذه الآية في حق خمسة هم رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ص).

فقد أجمعت الأحاديث الواردة في خصوص تفسير الآية على نزولها في هؤلاء ذكر ذلك جميع المفسرين كالطبري الذي أخرج في جامع البيان 16 طريقا من أحاديث الرسول (ص)، ولم يذكر ما يعارض ذلك سوى ما تفرد به عكرمة من مناداته في السوق بأن الآية خاصة بنساء النبي (ص) دون بينة منه، ولا عجب فيما صدر عن الرجل اذا علمنا أنه خارجي المذهب وقد استغل علائقه بابن عباس للكذب عليه وانتشر كذبه حتى أصبح مضرب الأمثال، فذاك سعيد بن المسيب قد قال لمولى له اسمه برد: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس.

وقد كان ابن عبد الله بن عباس يوثقه على الكنيف ليردعه عن الكذب، ولا أراه الا مانعا اياه من تفتين الناس ومناداته في السوق كذبا وتحريفا عكس ما كان رائجا وقتها.

وما حال مقاتل - الذي عده ابن كثير مع عكرمة في تفسيره، القائلين الوحيدين بأن آية التطهير نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله - بافضل من حال صاحبه، فقد عده النسائي من الكذابين وقال الجوزجاني في ترجمة مقاتل من الميزان للذهبي، كان مقاتل كذابا جسورا.

وكان يأتي بني العباس عارضاعليهم خدماته في وضع الأحاديث في فضائلهم(54) وان عجبت فأعجب ممن تعمم بعمامة العلم وتجلبب بجلباب التقوى، ثم جلس مجلس العارفين ليخرج للناس بأوهام الحاقدين وزبد الكذابين ليصد به عن الحق المبين.

في وسط ذلك الخضم ظهر من يقول بوحدة السياق في الآية، لعله بذلك يقطع حجة من احتج بأن الآية خاصة في الخمسة المعصومين: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

وبالتالي فهي منصرفة لنساء النبي (ص) في حين أنه ليس بينهم وحدة لا في خطاب ولا في معنى ولا تسلسل زمني.

أما الخطاب فان تذكير ضميري آية التطهير وتانيث بقية الضمائر في باقي الآيات دليل واضح على بطلان وحدة السياق.

أما المعنى فسلسلة الآيات في سورة الأحزاب (من الآية 28 إلى الآية 34) جاءت مخيرة نساء النبي (ص) بين متاع الدنيا وجزاء الآخرة وهو قوله تعالى: " يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما *" مهددا اياهن بقوله تعالى: " يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا".

ومرغبا اياهن بقوله: " ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما *".

ومنبها اياهن بثقل وجسامة موقعهن من النبي (ص) والذي اشترط سبحانه وتعالى تزكيته لهن بتقواهن بقوله: " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء اتفيتن...."

وناصحا ومرشدا وآمرا في باقي الآيات بقوله: " فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله * وأذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ان الله كان لطيفا خبيرا. *"

ولأن حصر الآية عما سبقها بأقوى أدوات الحصر (انما) ولاستحالة تخلف مراده عن ارادته لقوله تعالى: "انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون".(55) دليل على عصمة المعنيين بآية التطهير. فانحاز بذلك معناها عن معنى بقية الآيات.

يقول السيد محمد تقي الحكيم: " بناء على هذه النظرية يكون مفاد الآية أن الله عز وجل لما علم أن ارادتهم دائما وفق ما شرعه لهم من أحكام، ما زودوا به من امكانات ذاتية ومواهب مكتسبة نتيجة تربيتهم وفق مبادئ الاسلام تربية حولتهم في سلوكهم إلى اسلام متجسد، ثم بحكم ما كانت لديهم من القدرات على اعمال ارادتهم وفق أحكامه التي استوعبها علما وخبرة فقد صح له الاخبار عن ذاته المقدسة بأنه لا يريد لهم بارادتهم التكوينية الا اذهاب الرجس عنهم(56) ولو كان لآية التطهير مدعى لأحد غير أصحاب الكساء عليهم السلام لادعته نساء النبي (ص) لكنهن اذعن لمشيئة الاصطفاء الالهي فروته عائشة وأم سلمة، وأقرتا بخروجهن من المدعى الذي يحاول بعض المنتسبين لتفسير القرآن رده لهن.

متجاهلين لمعاني اللغة العربية وأي حجة أقطع من أن يأتي أحد الطرفين ليقول بأن الحق مع الطرف الآخر.

فقد روت أم سلمة قالت: " نزلت هذه الآية في بيتي وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم رسول الله (ص) بكساء كان عليه ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا".(57)

ومقابل عصمة أهل البيت عليهم السلام كما في هذه الآية وغيرها مما سنعرض له، وما تطابق مع سيرتهم التي أقر بطهرها ونقائها ورفعتها الموالي لهم والمخالف، لم تدع نساء النبي (ص) عصمتهن، ولا ظهر من سيرهن ما يفيد ذلك.

وما كانت العرب تطلق على الزوجات لفظ الأهل الا بضرب من التجوز.

وقد سأل زيد ابن أرقم عن المراد بأهل البيت هل هم النساء؟ فقال: " لا وأيم الله ان المرأة لتكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها " (ص) والمتتبع لرواية أم سلمة يلاحظ ما فعله النبي (ص) من حصرهم بكساءه زيادة على حصر البيت لدفع شمولية أم سلمة لهم لوجودها على باب البيت وتاكيد ذلك عندما تساءلت متمنية: " الست من أهل البيت؟ " بدفعه (ص) قائلا انك إلى خير انك من أزواج النبي (ص)(58) واذا نزلت هذه الاية في بيت أم سلمة وأقرت بلسانها خروجها عن مفادها فكيف يستقيم انصرافها إلى بقية أزواجه (ص).

ثم ان النبي (ص) أقواله وتقريراته وافعاله غير منفكة عن الوحي تراه كلما دعت حاجة أو سنحت فرصة يقوم بالتعريف بأهل البيت عليهم السلام ففي رواية عائشة قالت: " خرج النبي (ص) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فادخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا".(59)

وبما أن الأية قد نزلت في بيت أم سلمة فان تكرار التجليل بالكساء (المربط) يفيد اعلام عموم الصحابة بنزول الآية وبتلك الخاصية وبأولئك الخاصة.

لأن المولى سبحانه وتعالى أعلم بمكونات خلقه وأدرى بسرائرهم.

واستمر فيضه يرشدنا ويدلنا على من المراد بأهل البيت عليهم السلام؟ فقد أخرج الحفاظ والمفسرون أنه لما نزلت الآية: " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها".(60) كما في رواية ابن عباس قال: " شهدنا رسول الله (ص) تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن طالب عند وقت كل صلاة فيقول: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". وقريب منها رواية أبي الحمراء(61) كل ذلك للتاكيد على أن المراد بأهل البيت لا يمكن أن ينصرف إلى غير هؤلاء وزيادة في تعميم تلك المعلومة وبثها في الصحابة ما يزيد على 1350 مرة (30 x 5x 9) وخصهم المولى زيادة على ذلك بتعهد الصلاة دون الأمة كما خصهم بالدعوة في أول الوحي بقوله تعالى: " وأنذر عشيرتك الأقربين "(62).

وفي قصة وفد النصارى نجران ومقدمهم إلى المدينة لمحاججة رسول الله (ص)، دليل آخر يساق لزيادة التعريف بأهل البيت عليهم السلام.

فقد جاء ذلك الوفد للنبي (ص) وقالوا له: هل رايت ولدا من غير ذكرفأنزل لله تعالى قوله: " ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعدك ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين".(63) فقرأها عليهم ودعاهم إلى المباهلة فاستنظروه إلى صبيحة الغد.

فلما كان الغد جاء النبي (ص) آخذ بيد علي بن أبي طالب والحسن والحسين يمشيان بين يديه وفاطمة تمشي خلفهم، وخرج النصارى يتقدمهم أسقفهم، فلما رأى منهم ما رأى، أحجم عن مباهلتهم قائلا اني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تباهلوهم فتهلكوا.

فقال النبي (ص) والذي نفسي بيده لولاعنوني لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم الوادي عليهم نارا،، وصالحوه..(64)

والمراد في الآية بأبنائنا: الحسن والحسين عليهما السلام وقد أخرجهما معه.

وبالنساء: فاطمة عليها السلام وقد أخرجها معه دون سائر أزواجه.

والمراد بالأنفس علي عليه السلام، وهو مقام لا يعرفه الا من امتحن الله قلبه للايمان، وقد قال فيه من قبل،، أنت مني وأنا منك،،(65) لما في هؤلاء الصفوة من خاصيات لم تكن في غيرهم، ليقدمهم بدلا عنهم، وما تقديمه لهم الا لأمر أراده الله تعالى لهم خاصة، واستثنى فيه غيرهم، فهل بعد هذا البيان توضيح وبرهان فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

ثانيا: حديث الثقلين

قال رسول الله (ص): " اني أوشك أن أدعي فأجيب واني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تظلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما،،(66) ولحديث الثقلين طرق عديدة وصلت الى39حديث عند العامة و82 حدبث من طرق الخاصة باختلاف اللفظ عائد إلى تكرار النبي (ص) له في أكثر من موضع فقد نقل عنه الحديث في خطبته بعرفة، وعند منصرفه من حجة الوداع بغدير خم، وأخرى في مرضه بالمدينة، وأخرى عند رجوعه من الطائف، ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن ذلك التكرار مرجعه التاكيد على أهمية أهل البيت عليهم السلام ودورهم في القيام على شريعة الاسلام وتذكيرا المسلمين بأن لا يغفلوا عن مكانتهم.

وقد قرنهم رسول الله (ص) بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل، لتجسد القرآن فيهم فكرا وعملا. فهو الصامت وهم الناطقون به صدقا وعدلا، وهو البيت وهم بابه، وهو الجسد وهم روحه، وهو الزهر وهم رحيقه.

وفي ذلك يقول أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام: " فيهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمان ان نطقوا صدقوا وان صمتوا لم يسبقوا".(67)

ويقول أيضا: " هم عيش العلم وموت الجهل يخبركم حلمهم عن عملهم وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه.

هم دعائم الاسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق الى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته.

عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية، فان رواة العلم كثير ووعاته قليل".(68)

وتصريح رسول الله (ص) بعدم افتراقهم عن الكتاب دليل آخر على عصمتهم لأن صدور أي مخالفة للقران افتراق عنه.

واعتبر التمسك بهما معا عاصما من الضلالة لعدم استقامة التمسك بالكتاب وحده لأنه لا يمكنه أن يدفع عن نفسه شيئا فضلا عن تطبيق أحكامه وانزال شريعته منزلتها المثلى في المجتمع.

تماما مثلما نصح به الامام علي عليه السلام عبد الله بن عباس عندما أرسله مجاججا الخوارج قائلا: "يابن عباس لا تحاججهم بالقرآن فان القرآن حمال ذو وجوه تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة فانهم لن يجدوا عنها محيصا".

يقول ابن حجر في صواعقه وهو من علماء الجمهور: " لذا حث النبي (ص) على الاقتداء والتمسك بهم، والتعلم منهم.

قال: " الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت".

وقيل سميا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما، ثم ان الذين وقع الحث عليهم هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، اذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض، ويؤيده الخبر السابق ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وشرفهم بالكرمات الباهرة والمزايا المتكاثرة "(69).

وحذا حذوه عديد العلماء والفقهاء والمحدثين الذين أذعنوا للحق وصدعوا بالصدق واعترفوا بفضل العترة الطاهرة على الاسلام، حيث لا فضل لغيرهم.

على أن لحديث الثقلين مع ما فيه من اثبات ودلالة وتعدد في طرقه من الفريقين وصلت الى 121 طريقا، معارضون له بحديث أخرجه مالك، وهو من أقدم رواته عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي "(70) وبغض النظر عما في سند الحديث من وهن حيث روي مرسلا مقبل الجم الغفير لطرق حديث الثقلين، فانه لا يتعارض في متنه معه لأن السنة الصحيحة في أصفى مواردها، لا تكون الا عند الطاهرين والصادقين، وليس هناك أصدق ممن لقبهم الله تعالى بالصادقين، ولا أولى ممن اصطفاهم وطهرهم تطهيرا، كما أن الحديث المعارض لم يحلنا على بديل لأهل البيت عليهم السلام في الاقتداء والموالاة وأخذ الشريعة عنه، كأن يكون الحديث المعارض مثلا: كتاب الله وصحابتي، للزم علينا ترجيح أحدهما على الآخر.

أما والحديث منصرف إلى السنة النبوية فهو تابع لحديث الثقلين، لأن السنة لابد لها من وعاء صائن لها حافظ لجملتها ومجسد لمعانيها، ومن دون مستحفظ يقع التحريف والتعطيل والاهمال، كما وقع لكل من تمسك بغير الهداة من أهل البيت عليهم السلام، على أنه لا يفوتني أن أشير إلى أن من المسلمين من يعتقد بأن الرسول الأعظم (ص) لم يوص بشيء، رغم تضارب الروايات عندهم بأن الرسول (ص) أوصى في احداها بثلاث، فنقلوا اثنين وأسقطوا الثالثة.

وحث في أخرى على الوصية بقوله (ص): " ماحق امرئ مسلم له شيء يوص فيه يبيت ثلاث ليال الا وصيته عنده مكتوبة.

وقد حث المولى سبحانه وتعالى على الوصية بقوله: " كتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية".

والنبي (ص) باعتباره أول المنفذين لأوامر الله سبحانه وتعالى لابد من أن يعطي المثل حتى يقتدي به المسلمون.

وقد فعل ذلك أواخر حياته، وحديث الثقلين احدى وصاياه، حيث أخبرهم في مستهله بقرب رحيله عن الدنيا بقوله: اني أوشك أن أدعي فأجيب.

ومضمون الوصية يشتمل على التركة التي خلفها في الأمة بقوله". اني تارك فيكم الثقلين كتاب لله وعترتي أهل البيت.." مختتما حديثه (ص) بنصيحته للأمة بقوله (ص).. فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

وفي رواية الطبراني: "لاتقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم".

أما وصيته التي أراد أن يكتبها على الملا من الصحابة يوم الخميس السابق لوفاته فقد منع منها كما في حديث سعيد بن جيير عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص) "ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا".

فقالوا ان رسول الله (ص) يهجر(71) وهجر يهجر لغة: خلط وهذى. وقد تسالم المسلمون على صحة هذا الحديث.

وجريان تلك الحادثة الأليمة على سيد المرسلين (ص) لكنهم وقفوا منها موقف المتجاهل رغم ما انطوت عليه من جرأة على مقام النبوة الخاتمة وقداسة الدين والخالق.

لم يكتف هؤلاء وهم من الصحابة. اقتحام بيت النبي (ص) وتنازعهم وارتفاع أصواتهم فيه بين راغب لكتابة ذلك الأمر الجلل العظيم، وأي شيء أعظم منه طالما انه عاصم من الظلالة أبدا، وبين مانع لذلك بعذر هو أقبح من ذنب.

أفترى هؤلاء يقرءون القرآن، أم يعرفون لامام المرسلين حرمة؟ وقد ملأوا عليه بيته وانتهكوا حرمته وألقوا بكلام الله فيه عرض الحائط، مع تعذرهم بأن كتاب الله يكفيهم ألم يقل جل من قائل: " وما أتاكم الرسول فخذوه " ألم يقل: " وما ينطق عن الهوى " ألم يقل: " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم "(72) ألم يقل: " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي "(73) وحتى اذا سلمنا بعدم وجود هذه الآيات فان مقام النبوة العالى لا يمكن الاجتراء عليه بهذا الشكل السافر من كل حياء، والمنقطع من كل خلق، والمنبت عن كل دين، لكني لا أقول في أولئك المارقين من الصحابة الا ما قاله المولى سبحانه وتعالى فيهم: " فان كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم * أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون * ومنهم من يستمع اليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون * ومنهم من ينظر اليك أفانت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون * ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون".(74)

وانك لترى كتاب الله بين أيدي هؤلاء القوم ورسول الله (ص) ينطق عنه، فلا يحسبون له ولكتابه حسابا وهو حي، فهل تراهم يعبؤون به بعد موته من دون ناطق، وقد ثبت عنهم ما شوهوا به صفة النبي من خلال ما ادعوه عليه من دعاوى، زادتهم بعدا عن الله تعلى، وعن نبيه الأكرم وعن دينه العظيم.

ثالثا: آية الولاية العظمى

قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول "(75) الخطاب في الآية الكريمة موجه للمؤمنين يأمرهم فيه المولى سبحانه وتعالى بطاعته وطاعة رسوله وأولياء أمورهم، ثم يعود لمخاطبة المؤمنين بقوله: " فان تنازعتم في شيء". بينكم دون طبقات الطاعة الثلاث: الله ورسوله (ص) وأولي الأمر، باعتبار عصمتهم.

ويفسر هذه الآية قوله تعالى: " واذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم(76) فدل على أن الآيتين منصرفتين إلى خصوصية ولاة الأمور المذكورين فيهما لما كانت تقتضيه المصلحة من تعيين أشخاص معينين من قبل المولى ليملأوا الفراغ الذي سيتركه النبي (ص) بعد وفاته.

وما معرفتهم بكل ما يتعلق بالسلم والحرب (الأمن والخوف) أي بكل أوجه الحياة.

وما اقتران تلك المعرفة بمعرفة الرسول (ص) الا دليل على خصوصية ليست موجودة الا في أفراد معينين ومحددين، لم تظهر في غيرهم حتى يقع ترجيح أحد على الآخر.

رابعا: آية البلاغ وحديث الغدير:

قال تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس..،،(77)

في أواخر السنة العاشرة للهجرة وعند منصرف رسول الله (ص) من حجة الوداع نزل عليه جبريل عند غدير خم بقوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك". الآية " فقام خطيبا في جموع الناس وقت الظهيرة في رمضاء شديدة الحر.

وقال فيما قال: " الست بأولى بكم من أنفسكم". قالوا بلى يا رسول الله.

فقال (ص): فمن كنت مولاه فهذاعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار".(78)

ثم أمر الناس بالبيعة لعلي بامرة المؤمنين فأنزل المولى سبحانه وتعالى قوله: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا".(79)

فقال النبي (ص): " الحمد لله على اكمال الدين واتمام النعمة ورضا الرب بولاية علي بن أبي طالب من بعدي".(80)

وحديث الغدير مما اتفق عليه أهل القبلة ولم يعرف حديث غيره بلغ من التواتر والشهرة مبلغه.

وقد روي من طرق العامة عن 120 صحابيا وأكثر من ثمانين تابعيا وتطرق اليه في كتبه 360 عالما ومحدثا ومفسرا ومؤرخا وصاحب سيرة، زيادة على الشعراء الذين تدافعت قصائدهم، وعانق معظمها الابداع(81).

ولا عجب في كثرة طرقه، لأن من رجع مع النبي (ص) يربو على مائة ألف صحابي ولو قدر لكل من سمع خطبة النبي (ص) تلك أن يرويها دون منع مانع لما استوعبتها الكتب.

يقول امام الحرمين أبو المعالي الجويني: شاهدت مجلدا ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرف " من كنت مولاه فعلي مولاه ". ويتلوه المجلد التاسع والعشرون.(82)

وعند ذكر أحوال محمد بن جرير الطبري الشافعي قال: رايت كتابا جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين.

ومع ذلك فقد ظهر من يقول بأن المعنى من المولى لا يشتمل على ولاية الأمر وانما هو حث من رسول الله (ص) على حب علي عليه السلام. لأن أصحاب هذا الرأي بنوا دينهم على الأمر الواقع وولايتهم على سقيفة بني ساعدة. ولم يأخذوا بجميع الحادثة وتمام الحديث الذي قال فيه (ص): " ألست بأولى بكم من أنفسكم".

ولو لم يكن الأمر بمنتهى الجسامة والخطورة لما أوقف (ص) ركبان الحجيج، في صحراء شديدة الحر بلا غطاء ولا وطاء.

ويوم الثامن عشر من ذي الحجة اتخذته طائفة من الأمة الاسلامية عيدا من أعظم الأعياد امتثالا لأمر الله في اكمال الدين واتمام النعمة ورضى الرب.

وقد قال فيه رسول الله (ص): "الحمد لله على اكمال الدين واتمام النعمة ورضى الرب بولاية علي".

وقد قال فيهم رسول الله (ص): " تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالقهم حتى أمر الله".(83) وظهورهم هو تمكنهم من البروز على الساحة بتميزهم عن غيرهم، وقيامهم بدينهم على أكمل وجه، وتصديهم لكل أوجه الشريعة ومعالم الدين.

خامسا: أية الولاية الثانية

قال تعالى: " انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون".(84)

نزلت هذه الآية في حق الامام علي عليه السلام لما تصدق بخاتمه وهو راكع في احدى صلوات الظهيرة وقد خاف أن يفوته السائل الذي لم يعطه أحد من الصحابة شيئا فهذه خصوصية ان دلت على شيء فانها تدل على أن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام هي امتداد لولاية الله ورسوله وتاكيد آخر على تطابقها مع آية الولاية العظمى(85).

سادسا: حديث المنزلة

قال رسول الله (ص) لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي".(86) وقد حدث ذلك عند خروج رسول الله (ص) لغزوة تبوك عندما خلف عليا عليه السلام أميرا على المدينة تحسبا لمؤامرات المنافقين وتربصهم بالمسلمين ليستولوا على المدينة اذا خرجوا منها، فبقي بها حاميا لظهور المسلمين وحريمهم تماما كما بقي على فراش الرسول الاعظم ليلة هجرته يفديه بروحه وسط نخبة من فتية المشركين ليتمكن (ص) من الخروج والابتعاد مسافة أكبر.

ومنزلة هارون من موسى واضحة تماما في القرآن، ولا التفات لمن يريد تقزيمها والحط منها فقد قال تعالى: " واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به ازري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا".(87)

وقال أيضا: " اذ قال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين".(88) فلعلي عليه السلام الوزارة، ومن الذي آزر النبي (ص) وواساه بنفسه واستبسل دونه في أحد وحنين؟ ومن الذي كانت له الكلمة الفصل في غزواته كلها غيره؟ وهو الذي وله أخوة الرسول الأعظم حيث آخى بينهما في المؤاخاة الأولى بمكة والثانية بالمدينة حيث قال له (ص): " أنت أخي في الدنيا والآخرة "(89) وهو شريك رسول الله (ص) في أمره باستثناء النبوة كما هو مشار في آخر الحديث وفي اغتقادي اذا غاب الشريك الأول أخذ مكانه الشريك الثاني، هذا حكم المنطق والعقل.

وفي الآية الثانية دليل على أن الحديث نص باستخلافه عليه السلام في مقام الامامة وولاية الأمر بقوله: " أخلفني في وقومي".

وقد دأب رسول الله (ص) على استخلاف من يرى فيهم كفاءة القيادة وحسن التدبير كلما خرج في غزو أو سفر أو حج فلا يترك المدينة وهي عاصمة الدولة الاسلامية الفتية بلا أمير وقائد لفترة قصيرة من الزمني يترك المسلمين وهو يجود بنفسه في سفرة أطول بكثير دون أمير أو قائد. تعالى الله ورسوله عن التقصير وقلة التدبير.

سابعا: حديث السفينة

قال رسول الله (ص)". ألا ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك".(90)

وأي مثل معبر لهذه الأمة على منزلة أهل البيت عليهم السلام من الدين كمثل هذا الحديث، فتأمل معي ولا تغيب فكرك عن القصد منه.

فنوح عليه السلام عندما استنفذ دوره الرسالي وعلم انه لن يؤمن له أكثر ممن آمن أوحى اليه صنع السفينة لنجاته ونجاة من آمن معه، ولما جاء الطوفان، وجرت بهم سفينة النجاة ولا سفينة غيرها على ذلك الماء، حتى ان بن نوح لم تشفع فيه قرابته من أبيه لينجو من الطوفان، وهو الذي رفض ركوب السفينة.

كذلك أهل البيت عليهم السلام هم سفينة نجاة هذه الأمة، لمن اعتصم بحبلهم والذي هو حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به، وهم العروة الوثقى التي لا انفصام لها، وهم نعمة الله ولطفه الذي سنسأل عنهما يوم القيامة.

ان رعيناهما أم ضيعناهما. فلا عاصم اذا من أمر الله بعد النبي (ص) غير أهل بيته والمتخلف عنهم حاله حال قوم نوح المغرقين.

ثامنا: بعض الدلالات الأخرى

قال الله تعالى: " انما انت منذر ولكل قوم هاد "(91) أخرج ابن كثير في تفسيره للآية.

قال رسول الله (ص). أنا المنذر وعلي الهادي وبك يا علي يهتدي المهتدون(92) وقال أيضا: " واني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى "(93) ولا يخفى عليك أن الهداية تتطلب هاديا لقول الله تعالى: " أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتداه "(94) واذا كنا عرفنا من هداة أصحاب الكساء الخمسة عليهم الصلاة والسلام، والذين ذكرناهم في معرض حديثنا عن آية التطهير، فانه يتعين علينا معرفة بقيتهم خاصة اذا علمنا أن الرسول الأكرم (ص) قد نص على اثني عشر خليفة " (اماما) يأتون من بعده.

كما جاء عنه في كتب الحديث التي أجمعت على نقل الحديث الذي حدث به ابن سمرة العدوي عن رسول الله (ص) قال: "لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنى عشر خليفة كلهم من قريش".(95)

والمتتبع لطرق الحديث يلاحظ أن الراوي لم يسمع غير لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة.

و الزيادة الأخيرة لم تكن من رسول الله إنما كانت تحريفا لمنشا وأصل الاثنى عشر خليفة وتوسعة لها لتشمل غير أهل البيت عليهم السلام.

وسترى حرج العامة في تفسير الحديث وتاويله غير وجهه فقد ذهبوا به كل مذهب دون ان يصلوا إلى حل.

وما اورده السيوطي مثلا في شرح الحديث لا يستساغ من أبسط العقلاء ناهيك عن عالم مثله، حيث خلط وخبط حتى نعت بحاطب ليل: فقال: " وعلى هذا فقد وجد من الاثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وهؤلاء ثمانية ويحتمل أن يضم اليهم المهدي من العباسيين لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني امية، وكذلك الظاهر لما أوتيه من العدل، وبقي الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه منأاهل بيت محمد (ص)(96) والذي عليه المسلمون الشيعة الامامية الاثني عشرية من معتقد في الامامة، ينطبق على هذا الحديث من حيث عدد الائمة أولا، ومن حيث الحيز الزمني ثانيا " لا يزال الدين قائما ".

فاذا اكتمل العدد وذهب الائمة الاثني عشر ذهب الدين واندرست معالمه لأن الساعة لا تقوم الا على شرار الخلق.

وكما اسلفنا الذكر فقد كانت سنة الاصطفاء جارية في الامم السابقة كما في قوله تعالى: " وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب "(97) وقوله أيضا: " فلقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما".(98)

وقد جاءت الآيات متعددة لتؤكد على توارث القيادة خلفا عن سلف وصالحا عن صالح.

والمتأمل لتاريخ الأنبياء والأمم السابقة يتعرف على حقيقة أن الأنبياء كانوا ينصون على من يقوم في الامة بعدهم كما روى ذلك المسعودي في كتاب اثبات الوصية ولمن شاء أن يتثبت فليراجع.

فتعيين من يقوم مقام النبي (ص) بعده وهو لطف من المولى سبحانه وتعالى وعلى كل أمة أن تمتثل أو تنحرف، كما حصل في استخلاف طالوت عليه السلام واستنكار بني اسرائيل لذلك، وتعذرهم بأعذار واهية.

قال تعالى: " اذ قال نبي لهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يوت سعة من المال.

قال ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم "(99) وكما حصل في استخلاف موسى عليه السلام لأخيه هارون في بني اسرائيل واستضعافهم اياه حتى كادوا يقتلونه واتبعوا السامري والعجل.

وكما في قصة آصف عليه السلام وصي سيدنا سليمان عليه السلام عندما أرد نبي الله أن يظهره على الملا، بسؤاله عمن يأتي بعرش ملكة اليمن، وهو يعلم أن وصيه هو الوحيد القادر على ذلك، ولما كانت الامامة مشروطة بالاصطفاء اعدادا واختيارا، وهي جارية في طينة من الخلق مطيعة لله لم تشرك به طرفة العين، فان ما دون تلك الطينة ممن أشرك بالله فترة من عمره، لايحق له من الامامة شيء، وفي قصة ابراهيم عليه السلام دليل واضح على ذلك قال تعالى: " اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين".(100) وقال أيضا: " ان الشرك لظلم عظيم".(101)

فكان دليلا على بطلان امامة الغاصبين من أصحاب سقيفة الأمة الاسلامية وأصحاب سقائف الأمم السابقة، وجريان تلك الخاصية في الطاهرين، رغم عنت المعارضين، وحسد الشانئين، وبغض المنافقين، قال تعالى: " أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله".(102)

والمتتبع لآثار أهل البيت عليهم السلام يلاحظ من خلال ما حصلته الكتب عنهم تاكيدا على أن قيادة الأمة الاسلامية فيهم دون غيرهم، ووصية الله ورسوله (ص) كانت لهم، هم على مر الزمن من كان يتصدى للذب عن الدين بالسيف والقلم وهم من كانت الأمة بمواليها ومخالفها ترجع اليهم وتبوء لهم بالعجز والحاجة، فذاك عمر بن الخطاب كان يقول في كل معضلة يحلها له علي بن أبي طالب: " لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبا الحسن ".

وذاك أبو حنيفة النعمان الذي قال لولا السنتان لهلك النعمان ومالك المتتلمذين على الامام السادس أبي عبد الله جعفر بن محمد الملقب بالصادق.

ولم يخرج عن تلك الدائرة لا الشافعي ولاأاحمد ابن حنبل ولا غيرهم من الفقهاء، ومن لم يتتلمذ على يدي امام من أئمة أهل البيت عليهم السلام مباشرة تتلمذ على تلاميذهم.

وأبلغ ما قيل في شان الامامة ما نقل عن الخليل بن أحمد الفراهيدي في شان امامة أمير المؤمنين علي عليه السلام حيث قال عندما سئل: " ما الدليل على امامة علي بن أبي طالب عليه السلام".

فلم يورد في أي نص من النصوص التي نحن في بصددها بل لخصها كلها في جملتين أغنتا عن كل بيان، قال: " استغناؤه عن الكل واحتياج الكل اليه دليل على امامته".(103)

ويقول صاحب لواء الحمد في الدنيا والآخرة جعلنا الله واياكم من أتباعه وشيعته في الدارين، في احدى خطبه مبرزا مكانة أهل البيت عليهم السلام في الأمة: " هم موضع سره وملجأ أمره وعيبة علمه وموئل حكمه وكهوف كتبه، هم أساس الدين وعماد اليقين، اليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي، لهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية".(104)

وقال في شأن انحياز الأمة عنه بعد وفاة الرسول (ص): " فوالله مازلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه (ص) حتى يوم الناس هذا".(105)

ثم اذا نحن تأملنا في قوله تعالى: " يوم ندعوا كل الناس بامامهم".(106)

وقوله: " وكل شيء أحصيناه في امام مبين".(107)

تبين لنا ان الامامة امامتين أولى بارة عادلة شرعية قال تعالى: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين "(108) وثانية فاجرة ظالمة مغتصبة قال تعالى: " وجعلنا منهم أئمة يدعون الى النار".(109)

تاسعا: الصلاة على النبي:

قوله تعالى: " ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".

سأل من حضر نزول هذه الآية على الرسول الأعظم (ص): " قد علمنا السلام عليك يا رسول الله فما الصلاة عليك؟ فقال (ص): " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد".

ولم يكتف رسول الله (ص) بهذا القدر من الحث على تعظيم مقام آله الكرام كما قال تعالى: " ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب".

بل أكد على أداء الصلاة الكاملة بقوله: " لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء".

قالوا وما الصلاة البتراء؟ قال (ص) ان تصلوا علي وتمسكوا".

وانك ترى العامة من المسلمين اليوم أينما حللت في مساجدهم ومجالسهم الدينية لا يصلون على آل محمد الا اذا أدخلوا صحابة رسول الله (ص) جميعا برهم وفاجرهم وتقيهم ومنافقهم.

ولا غرابة فيما يفعلون لأنهم ورثوه ممن ناصب العداء لآل محمد الطاهرين كمعاوية وبني أمية وابن الزبير ومن شاكلهم، تثاقلت أيدهم عن دفعه وألسنتهم عن تصحيحه فصلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا.

هذا مقام خاص بأهل البيت عليهم السلام لم يرق لمبغضيهم فطفقوا به دفعا وتحريفا ولو علموا ما فيه من الخير والرحمة للأمة لما اجترؤوا عليه.

يقول الامام الصادق سلام الله عليه في خصوص هذه الصلاة: " اللهم ان محمدا صلى الله عليه وآله كما وصفته في كتابك حيث تقول لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " فأشهد أنه لكذلك وانك لم تأمرنا بالصلاة عليه الا بعد أن صليت عليه أنت وملائكتك وأنزلت في محكم قرآنك: " ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا علي وسلموا تسليما لا حاجة الى صلاة أحد من المخلوقين بعد صلواتك عليه ولا الى تزكيتهم بعد تزكيتك بل الخلق جميعا هم المحتاجون الى ذلك لأنك جعلته بابك الذي لا تقبل ممن أتاك الا منه وجعلت الصلاة عليه قربة منك ووسيلة اليك وزلفة عندك ودللت المؤمنين عليه وأمرتهم بالصلاة عليه ليزدادوا بها أثرة لديك وكرامة عليك........"

ولو اننا أطلقنا العنان للفكر والقلم في سرد النصوص الواردة في أحقية أهل البيت عليهم السلام في قيادة الأمة الاسلامية لما أمكنناالاتيان على كل الحجج ولا الايجاز في مقام يتطلب ذلك، وعلى من أراد المزيد أن يرجع الى أمهات كتب علماء الأمة، فانه حتما اذا كان توجهه خالصا لله تعالى أن يدرك الحقيقة، وحسب اطلاعي ليست هناك حقيقة في هذا الوجود بأسره غير تلك الانوار الربانية والصفاة الملكوتية، من أراد أهل البيت عليهم السلام فليقصد بيوتهم لعله يجد هدى، ولا يبحث عن هدى من غيرهم لانه لن يظفر بشيء، انما سيتابعد عنهم بما يدسه غيرهم من التلفيق والتشكيك والظن الذي لا يغني عن الحق شيئا.

والمتأمل في النصوص التي أوردها الحفاظ والمفسرون والمؤرخون بأحقية الائمة من أهل بيت النبوةعليهم السلام في حكومة المسلمين وقيادتهم.، سواء كانت تلك النصوص آيات قرانية أو أحاديث نبوية أو خطب بيانية يرى اجماعا من كل الفرق الاسلامية على صحة تلك النسبة لهم، مع أن مذاهبهم في الولاية العامة تكرس مبدأ الأمر الواقع، وتخضع لسلطة من هو مستول عليها كائنا من كان ما دام يصلي، ووضعوا أحاديث نسبوها لرسول الله صلى الله عليه وعلىآله وسلم في ذلك الشأن وهو منها براء. ولاية المفضول عندهم جائزة مع وجود الفاضل، والبيعة تنعقد بواحد أو باثنين لأن عمر وأبا عبيدة عقدا بيعة ابن أبي قحافة.

والقرابة القريبة من رسول الله (ص) والتي لا أعني بها قرابة الدم وان كانت بذاتها فضلا وأي فضل وانما عنيت مكانة أمير المؤمنين علي عليه السلام من رسول الله (ص) قربه الفعلي والعملي منه، وخطبته التي ذكرتها في هذا البحث دالة على شدة اهتمام الرسول الأعظم به وعنايته الخاصة له ليس عبثا وانما كان اعدادا وتهيئة له ليتولى قيادة الأمة بعده، وعلاوة على طريقه الخاص لرسول الله (ص) كان يشترك مع بقية الناس في طريقهم النهاري بل ويستاثر عليهم بالنصيب الأكبر منه لأن همته في تحصيل العلم أعلى من هممهم، ومداركه العقلية واستعداداته الفكرية غير خافية على كل ذي بصيرة، فتلك خطبه البليغة وحكمه الشهيرة وأدعيته اللاهوتية بين أيدي الناس تنهل من بلاغتها عقولهم وتستشرف من سموها ورفعتها أفئدتهم وقلوبهم، وكيف لا يكون كلامه كذلك وهو باب مدينة علم رسول الله (ص).

أما استعداداته البدنية فجبريل عليه السلام أحد شهودها عندما قال في بدر: "لا سيف الا ذو القفار ولا فتى الا علي " وأحد وحنين عندما فر من فر من الصحابة والرسول يناديهم، وهم لا يلوون على شيئ، وكيف بذل الامام عليه السلام مهجته دونه حتى قال أمين الوحي لرسول الله (ص) ان هذه لهي المواساة فقال له رسول الله (ص): "كيف لا وهو مني وأنا منه."

فقال جبريل عليه السلام وأنا منكما". وغزوة الخندق ومبارزة عمرو ابن ود الباهلي له وقتله حتى قال فيه رسول الله (ص): " لقد برز الايمان كله للشرك كله".

وقال أيضا: "ضربة علي لعمر بن ود يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين".

وخيبر اليهود وقتل رأسهم مرحب وقلع باب المدينة بيديه الكريمتين وفتحها مقابل فشل من سبقه عليها ولو أطلقت العنان لقلمي لجانبت الاختصار ولما أديت حق السادة الأخيار في سرد فضائلهم واظهار مناقبهم، ولكني أقول ما قاله الخليل بن أحمد عندما سئل عن مدح علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: " ما أقوله في مدح امرئ كتمت أحباؤه فضائله خوفا وأعداءه حسدا ثم ظهر ما بين الكتمين ما ملا الخافقين.

أما شيعة آل محمد من المسلمين الامامية الاثني عشرية فقد أخذوا بأكناف الحديث واستمسكوا بعراه امتثالا لأمر الله عز وجل وتطبيقا لوصية رسوله الأكرم (ص) متبعين خطى الهداة، مقتفين أثر الائمة التقاة قادة الأمة ودعاتها الى الله تعالى، ولم يتركوا نصا دون بيان، وآية دون دليل وبرهان، فجاءت نصوصهم شافية وافية، لا لبس فيها ولا تحريف، لم يسقط منها ماأراد الظالمون والحاسدون اسقاطه، كما فعل غيرهم بحديث الاثني عشر خليفة (اماما)، وقالوا لقد نص رسول الله (ص) بأمر من الباري تعالى ولطف منه، على الائمة من آل محمد وهم على التوالي:

  الامام الأول: أبو الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام.

  الامام الثاني: أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام.

  الامام الثالث: أبو عبد الله الحسين بن علي عليه السلام.

  الامام الرابع: أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام

  الامام الخامس: أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام.

  الامام السادس: أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.

  الامام السابع: أبو ابراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام.

  الامام الثامن: أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام.

  الامام التاسع: أبو جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام.

  الامام العاشر: أبو الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام

  الامام الحادي عشر: أبو محمد الحسن بن علي الزكي عليه السلام

  الامام الثاني عشر: أبو القاسم محمد بن الحسن المهدي المنتظر عليه السلام عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه وجعلنا من جنده

ولم يكتفوا بايراد النصوص الصحيحة والصريحة على امامة الأئمة الاثني عشر فأردفوها بأدلة عقلية وأجوبة منطقية نختصرها كالآتي:

1. ان ما ذكره العلماء في الحاجة الى الرسل جار في أوصياهم. وبقاء الكتب والشرائع من دون قيم لها جعل أصحاب المذاهب يستدلون على مذاهبهم بكتاب الله حسب أهوائهم ولم يدفع الكتاب ولا الشريعة عن نفسيهما شيئا من ذلك.

2. ان اللطف واجب على المولى سبحانه وتعالى ووجود امام في كل زمان لطف منه بعباده

3. أنه يجب على الله أن يفعل بعباده ما هو الأصلح لهم، ولا يتم ذلك الا بعقد أمر الأمة بعد نبيها (ص)

4. ان العقل السليم يرفض قول النافين للوصية لأن فيها اهمال للدين والأمة واذا كانت عائشة قد فطنت لخطورة ترك الامة بلا راع، عندما أرسلت عائشة الى عمر وهو يجود بنفسه قائلة لا تترك أمة الاسلام بلا راع، وكذلك فعل ابن عمر فالمولى ونبيه الاكرم (ص) أولى وأحق بالنصح للأمة.

5. اعتراف المخالفين للنص على الامام بجريان عادة التنصيص منذ آدم وقد أقرت بذلك كتب تواريخهم وسير الأنبياء عندهم.

6. الامامة كالنبوة ليس للخلق فيها تعيين واختيار بل سمع وطاعة، فهما وظيفتان الهيتان تتكاملان في أداء القانون الالهي، وتطبيقه وحفظه، وخلو الامامة من الأمة تفريط في الدين، كما حصل للذين تنكبوا عن الامامة ففرطوا في دينهم واستغنوا بقلة العلم واتباع الظن عن علماء الكتاب، وأرباب فصل الخطاب وبطاعة الظالمين وأعداء الدين عن طاعة أولياء رب العالمين.

واذا ما تظافرت النصوص واستحكمت متونها حول دائرة واحدة ووجهت في علاماتها باصبع الاشارة الى طريق واحد، سبيل رشاد وصراط مستقيم، وتاكد لدينا ذلك كمسلمين من خلال تجربة ناهزت أربعة عشر قرنا لم نجد بين طياتها غير الانحراف عن رسم القران ومعاني الاسلام، ومن قيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، انحرف مسار القيادة في الأمة حتى لقفها شاربوا الخمور ولاعبوا الفهود والقرود، المعلنون للفكر والفجور كيزيد والوليد، وغيرهم مما لا يسعنا في هذا المقام الحديث عنهم، والا فاننا سنكون كمن هيأ باقة من الورود والزهور شذى عطرها يأخذ بأجنة الصدور ثم يأتي في نهاية المطاف ليضعها في غيرموضعها.

لقد قمت بهذا البحث منذ سنوات خلت، وكان هدفي منه لفت نظر اخوتي ممن ينتسب الى المذهب الأشعري (أهل السنة والجماعة)، لأنهم بالفعل أتباع أبي الحسن الشعري في الأصول والفقهاء الأربعة في الفروع، وتسميتهم بالسنة جاءت عن طريق السلطان الظاهر بيبرس، لأنهم قبل ذلك كان معاوية قد سمى العام الذي استشهد في الامام علي عليه السلام بعام الجماعة، وهو لعمري اجتماع على باطل بني أمية، وتفرق عن الحق الذي فيه الامام عليه السلام، ثم بعد ذلك بأكثر من قرن انقسموا الى فرقتين رئيسيتين، أهل الحديث، الذين كانت لهم اليد الطولى في التمهيد للاسرائيليات، وأهل الرأي والقياس، لذا فانه من باب أولى ان تكون السنة عند أصحابها، ألم يكف هؤلاء أنهم غصبوا الحكومة من الأولى بها والأقرب الى تقلدها دينا وعلما وعملا وقرابة واصطفاء، بدعوى السبق والقرابة، كما جاء في تاريخ وأحداث السقيفة، ثم انقلبوا ثانية على تراث رسول الله لينسبوه اليهم، وكل منصف للحق يقول ان أهل البيت عليهم السلام اولى بسنة جدهم، لاستحالة صدور الكذب عنهم.

ومع ذلك يستمر هذا السيل الجارف من المسلمين يمشي في منحدر الظالمين الذين مهدوه لهم، دون الالتفات الى الحقائق الدامغة التي تحويها مراجعهم ومصنفات أسلافهم.

هذه هي الحقيقة التي أدركتها دونما عناء ولا مشقة، أحمد الله تعالى على أن هداني اليها، واثني عليه كلما أطل علي متدين أو مثقف من الذين مازالوا لم يتبينوا سبيل الرشاد مع ما بلغوه من مكانة علمية ومعرفة.

وأسأله سبحانه وتعالى أن يجمع شتات هذه الأمة، ويرشدها الى الهدى ودين الحق، انه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

____________

1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 ص 43 – 48

2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 56 - ج 11 ص 44

3- تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 3 و5 مستدرك الصحيحين للحاكم - طبقات ابن سعد ج 1 ص 264

4- صحيح مسلم

5- سورة الحجرات الآية 4

6- سورة التوبة الآية 62

7– سورة النافقون الآية 8

8- الترمذي ج 5 ص 306 ح 3819 –سنن النسائي ج 8 ص 116 وغيرها مسلم ج 1 ص 61 البداية والنهاية لابن كثير باب سرية علي بن بي طالب إلى اليمن

9- راجع أحداث السقيفة في كتب التاريخ والسيرة

10- شرح النهج لابن أبي الحديد ج 11 ص 44 - 48

11- سورة آل عمران الآية 33 و34

12- سورة البقرة آخر الآية 247

13- سورة آل عمران الآية 42

14- القاموس فعل صفى

15- سورة الأنعام الآية 90

16– سورة الانعام الآية 116

17- سورة المائدة الآية 62

18- سورة سبا الآية 13

19- سورة البقرة الآية 249

20- سورة ص الآية 24

21- القصص الآية 68

22- سورة آل عمران الآية 128

23- سورة الأحزاب الآية 11- 12

24- سورة النساء الآية80

25- سورة التوبة الآية 49

26- سورة الحشر الآية 11

27- سورة المنافقون الآية 4

28- سورة التوبة الآية 101

29- سورة آل عمران الآية 144

30- مسلم ج 8 ص البخاري ج8 ص 120 أحاديث الحوض.

31- صحيح مسلم ج 8 ص أحاديث الحوض البخاري ج 8 ص 121

32- صحيح مسلم ج8 ص البخاري ج 8 ص 120

33- سيرة ابن هشام ج 1 ص 555 و557

34- البخاري ج 5 ص 117 سيرة ابن هشام ج 2 ص 270 221

35- السيرة النبوية لابن هشام ج ص 421 425

36- سورة عبس الآية 31

37- مسلم ج 6 ص 179 باب الاستئذان

38- شرح النهج الابن أبي الحديد

39- نهج البلاغة ج 2 ص 188 – 191

40- شرح النهج لابن أبي الحديد

41- سورة الأحزاب الآية 67

42- سورة المائدة الآية 50 – الشورى الآية 15

43- سورة الأنعام الآية 57 – سورة المائدة الآية 53

44- سورة الأنعام الآية 57 - يوسف الآية 40

45- سورة الأنعام الآية 62.

46- معالم الحمومة الاسلامية للسبحاني ص 81 – بحث حول الامامة للشهيد باقر الصدر.

47- سورة الأحزاب الآية 6.

(*) سورة فاطر الآية 32.

48- سورة الحجر الآية 9

49- سورة فاطر الآية 28

50- سورة النور الآية 39

51- نهج البلاغة

52- سورة الشورى الآية 23 - تفسير الثعلبي الآية – تفسير الكشاف للزمخشري الآية

53- سورة الأحزاب الآية 33

54- ميزان الاعتدال للذهبي ترجمة مقاتل بن سليمان.

55- سورة يس الآية 82

56- الأصول العامة للفقه المقارن ص 151

57- مسند أحمد بن حنبل - الدر المنثور للسيوطي ج 5 ص 198

58- صحيح مسلم ج 7 ص 121 باب فضائل أهل البيت

59- مسند احمد بن حنبل والدر المنثور للسيوطي ج 8 ص 198

60- سورة طه الآية132

61- تفسيرالدر المنثور للسوطي الآية – تفسير الطبري الآية.

62- سورة الشعراء الآية 214

63- تفسير بن كثير والطبري والدر المنثور السيوطي وغيرهم الآية

64- سورة آل عمران الآاية 61

65- مجمع البيان في تفسير القران للطبرسي الآية.

66- أخرجه الترمذي ج 5 ص 329 ح 3867 – مسلم باب فضائل اهل البيت والامام علي. فتح الباري في شرح البخاري لابن حجر فضائل الإمام علي... وغيرهم

67- نهج البلاغة

68- نهج البلاغة

69- الصواعق المحرقة لابن حجر ص 149

70- موطأ مالك

71- ابن حجر في الصواعق ص 148 كنز العمال للكتقي الهندي ج 1 ص 168 – أسد الغابة ج 3 ص 137- مسلم ج 5 ص 74 باب الوصية. - مسلم كتاب الوصية ج 2 ص 16 –أحمد بن حنبل في مسنده ج 1 ص 355 – البخاري كتاب العلم ج 1 ص 37 – تاريخ الطبري. وغيرهم..

72- سورة الحشر الآية 7

73- سورة الحجرات الآية 1

74- سورة يونس الآية 41 / 45

75- سورة النساء الآية 58

76- سورة النساء الآية 82

77- سورة المائدة الآية 70

78- مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 84 وص 281 وج 5 ص 347 والترمذي في سننه ج 5 ص 292 ح3797 –سنن ابن ماجة ج 1 ص 45 – أسد الغابة لابن الأثير-تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الامام علي-مستدرك الصحيحين للحاكم ج 7 ص 110 حلية الأولياء لأبي نعيم. —وغيرهم...

79- سورة المائدة الآية 4

80- ينابيع المودة للقندوزي الحنفي –تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 175 – الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 259 الآية.

81- الغدير للاميني ج 1

82- الغدير للاميني ج 1

83- أخرجه البخاري باب المناقب والاعتصام بالكتاب والسنة- ومسلم باب الإيمان

84- سورة المائدة الآية 55

85- الكشاف للزمخشري ج 1 ص 649 – أسباب النزول للواحدي ص 113...

86- البخاري كتاب المغازي باب غزوة تبوك وكتاب بدءباب مناقب علي بن أبي طالب الخلق – سلم باب فضائل الإمام علي –مسند أحمد ج 3 ص 50 ح 1490 وح 1505 وح 1509 وح 1532 وح 1547 وح 1583 وح 1600 وح 1608 وح 3062 –ابن ماجة ج 1 ص42 ح 115 و121... وغيرهم

87- سورة طه الآية 29 – 34

88- سورة الأعراف الآية 142

89- الترمذي ج 5 ص 300 – الصواعق ص 120 – أسد الغابة ج 4 ص 29

90- الصواعق ص 184 – تلخيص المستدرك للذهبي بذيل مستدرك الحاكم – تاريخ الخلفاء للسيوطي.

91- سورة الرعد الآية 8

92- تفسير الطبري ج 13 ص 108 – تفسير الفخر الرازي ج 5 ص 271 – تفسير الشوكاني ج 3 ص 70 - تفسير ابن كثير الآية

93- سورة طه الآية 82

94- سورة الأنعام الآية 90

95- البخاري - مسلم باب الإمارة ج 6 ص 3

96- الأصول العامة للفقه المفارن.

97- سورة العنكبوت الآية 27

98- سورة الجاثية الآية 15

99- سورة البقرة الآية 247

100- سورة البقرة الآية 124

101- سورة لقمان الآية 13

102- سورة النساء الآية 53

103- الأصول العامة للفقه المقارن ص 189

104- نهج البلاغة - الخطبة 2

105- نهج البلاغة – الخطبة 59

106- سورة الإسراء الآية 71

107- سورة يس الآية 12

108- سورة الأنبياء الآية 73

109- سورة القصص الآية41