اعلن النبى بامر من ربه وامام المسلمين حيث خاطب عليا قائلا:

(انت منى بمنزله هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى) مما يعنى:

ان لعلى كافه المنازل التى كانت لهارون، ولم يستثن الا النبوه، ومن المعروف ان المنازل التى كانت يتمتع بها هارون مع موسى هى الوزاره، وشد الازر والمشاركه فى الامر، وخلافه موسى عند غيابه، بالاضافه الى نبوه هارون فعلى‏بن ابى طالب بموجب هذا النص يتمتع بكافه اختصاصات وصلاحيات هارون كلها سوى انه ليس نبيا.

وقد اجمعت الامه على صحه حديث المنزله، وعلى صدوره من رسول‏اللّه، وقد اعترف بصحته حتى معاويه بن ابى سفيان، المشهور بكراهيته للامام على واهل بيت النبوه وبحقده عليهم (811).

اليس على بن ابى طالب هو الاقرب للنبى والاحق بميراثه؟!!

على ضوء هذه النصوص التى سقناها، والتى وصلت اليها بالرغم من الخطر الشديد الذى فرضه قاده التحالف على كافه احاديث رسول‏اللّه، -روايه وكتابه- وعلى الرغم من ان الخليفتين ابو بكر وعمر قد حرقا بالنار كافه الاحاديث النبويه التى طالتها ايديهما.

وقد وصلتنا هذه النصوص على الرغم من ان سبه على بن ابى طالب واهل بيت النبوه كانت وردا يوميا، وواجبا مفروضا بقوه الدوله وجبروتها على كل مواطنى الدوله الامويه.

لكن هذه النصوص فرضت نفسها باحكام النبى، وقدرته العجيبه على تلقين الجموع بما يريده اقامه لحجه البيان على العباد، وقياما بواجبها.

على ضوئها يبدو واضحا بشكل قاطع بان:

على‏بن ابى طالب وذريه النبى الطاهره هم اولى بالنبى، واقرب اليه من قاده التحالف، ومن بطون قريش عامه، ومن بنى تيم وبنى عدى وبنى خاصه.

واننا امام سلطان اعطاه اللّه لمحمد وآل محمد، واقام الحجه على العباد باحقيتهم به.

وامام قوى اخرى تحالفت واخذت الحق من اصحابه الشرعيين، واستولت على السلطه بالقوه.

الفصل الرابع: النبى يعلن بان عليا وليا لعهده واماما من بعده بكل مصطلح معروف

عله توضيح الواضحات:

النبى يعلم بان قاده التحالف ماضون قدما بمخططهم الرامى الى الحيلوله بين على والامامه من بعد النبى، وبين اهل بيت النبوه، وبين اى دور مميز لهم بقياده الامه، حسدا من عند انفسهم، وحقدا على آل‏محمد، وبدعوى ان الهاشميين قد اخذوا النبوه وهى تكفيهم، ومن العدل ان تعط‏ى بطون قريش الخلافه او الملك، وامام اصرار النبى على تبليغ رساله ربه المتعلقه بقياده الامه من بعد النبى، شن قاده التحالف حمله سريه على النبى للتشكيك بقوله، وخلقه، وعقله وصدقه، وقد قدر النبى ان حمله قاده التحالف تلك محكوم عليها بالفشل، وان منفذهم الوحيد هو الغموض، لذلك اصر النبى على توضيح الامر الالهى باختيار على‏بن ابى طالب لقياده الامه من بعده بكل وسائل التوضيح، وتقديمه بكل مصطلح معروف، ليضع الامه بالصوره كامله، وليرسخ الامر الالهى بالاذهان، وليغطيه تغطيه اعلاميه كافيه، فيكون بهذه الحاله قد بلغ رسالات ربه كامله غير منقوصه.

الاصطلاحات المعروفه للامام او القائد او المرجع او رئيس الدوله:

لو درسنا تاريخ الدوله الاسلاميه التى استولت على السلطه عن طريق القوه والتغلب من بعد وفاه الرسول حتى سقوط آخر سلاطين الدوله العثمانيه، لوجدنا ان المسلمين قد اطلقوا على رئيس هذه الدوله سلسله من النعوت والالقاب والاصطلاحات لا تعدو ان تكون نعتا او لقبا من الالقاب التاليه:

1-خليفه، 2-وصى، 3-ولى، 4-ولى الامر، 5-امير المومنين، 6-سيد المسلمين، 7-سيد العرب، 8-وريث، 9-القائد، 10-امام، 11-المبين، 12-المنذر، 13-الهادى، 14-الحجه، 15-السلطان، 16-الملك (والسلطان والملك كنايه عن حوزه المنصب والتمكن منه، وطالما تحاشى الخلفاء التلقب بهذين المصطلحين).

خطه الرسول الكريم:

تاديه لرساله البلاغ، واحكاما بايصالها للامه، وتحصينا لها من الغموض قدم النبى ولى عهده اماما للامه، وقائدا لها، ومرجعا من بعده بكل الاصطلاحات المتعلقه برئيس الدوله الاسلاميه والتى عرفت او ستعرف فى ما بعد كما ساثبت ذلك فى البحوث التى تلى بما امكن من التركيز والايجاز.

على بن ابى طالب هو الخليفه من بعد النبى:

يوم اعلن الرسول انباء النبوه والرساله والكتاب اعلن نبا الخلافه من بعده، امام نفس الجمع وقال:

(ان هذا اخى وخليفتى ووصيى فيكم من بعدى فاسمعوا له واطيعوا) وكان آخذا برقبه على‏بن ابى طالب «وهذا الحديث صحيح‏»، وقد ذكر ابو جعفر الاسكافى، وابن جرير الطبرى، كما ذكر ذلك السيوط‏ى فى (جامع الجوامع) (812)، ورجاله كلهم ثقات، وقد ارسل ائمه الحديث هذا الحديث ارسال المسلمات وقد وثقنا ذلك فى البحوث السابقه (813).

وفى نفس الاجتماع الذى تم فيه اعلان النبوه، ضرب النبى بيده على يد على كنايه عن المبايعه (814)، وبايعه الرسول على ذلك فعلا (815)، هنالك قال الرسول امام الحاضرين لعلى‏بن ابى طالب:

(انت اخى، ووصيى وخليفتى من بعدى) (816).

حتى يتذكر الجميع قرار التعيين ولا يمحى من الذاكره:

هنالك قال النبى لعلى:

(ادن منى، فدنا على، ففتح النبى فاه ومج فيه من ريقه، وتفل بين كتفيه وثدييه) (817).

هل يجهل قاده التحالف معنى هذا القرار؟

قال الرسول لعلى:

انت خليفتى.. هل من الممكن ان قاده التحالف لا يعرفون المعنى الاصطلاحى لكلمه خليفه؟!

الواقع يوكد بان قاده التحالف يعرفون معنى خليفه، ومعنى الاستخلاف بدليل ان عمر قال لابنه عند موته:

(ان لم استخلف فان رسول‏اللّه لم يستخلف، وان استخلف فقد استخلف ابو بكر).

هذا ما اخرجه ابو نعيم فى حليته (818)، ومسلم فى صحيحه، والبيهقى فى سننه وابن الجوزى فى سيره عمر.

واخرج البلاذرى فى انساب الاشراف (819)، عن ابن عباس ان عمر قد قال:

لا ادرى ما اصنع بامه محمد؟ فقال له ابن عباس:

(ولم تهتم وانت تجد من تستخلفه)؟ وهذا يعنى ان عمر كان يعرف معنى كلمه (خليفه)، ومعنى الاستخلاف الذى نصه رسول‏اللّه.

ثم ان ام المومنين عائشه اوصت لعمر:

(ان استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا، ففهم عمر معنى رسالتها فقال عمر:

ومن تامرنى ان استخلف) (820).

ثم ان روايه عمر شهيره ومستفيضه فطالما روى الرواه قول عمر:

(لو كان ابو عبيده حيا وليته واستخلفته، ولو كان خالدبن الوليد حيا وليته واستخلفته، ولو كان سالم مولى ابى حذيفه حيا وليته واستخلفته، ولو كان معاذبن جبل حيا... الخ.

فعمر:

يعبر عن منصب رئاسه الدوله الاسلاميه بمصطلح (خليفه)، ويعبر عن التنصيب ب(الاستخلاف).

فليس فى كلمه خليفه اى غموض وتودى للمعنى المقصود، ولا يمكن تاويلها.

مما يفيد:

ان عمر بن الخطاب وقاده التحالف فهموا مغزى قول الرسول لعلى:

(وخليفتى من بعدى..) ولكنهم قدروا ان القرار الالهى بتعيين على‏بن ابى طالب خليفه للنبى، واعلان الرسول لهذا القرار غير مناسبين، لان القرار يعط‏ى الرئاسه للهاشميين مع النبوه ويحرم بقيه بطون قريش من هذين الشرفين!!

كما وثقنا اكثر من مره.

على هو الامام من بعد النبى بالنص:

لتفهم الامه امور دينها المتعلقه برئاسه الدوله الاسلاميه من بعد النبى، وحتى لا تنسى الامه هذه الامور، واداء لواجب البيان المفروض على رسول‏اللّه، وكشفا لموامره التحالف التى كانت تحاك اثناء حياته المباركه، وتوعيه للمسلمين، لم يترك رسول‏اللّه (ص) لقبا او مصطلحا يدل على رئاسه الدوله من بعده الا وقدم للامه على‏بن ابى طالب، على اساس انه الخليفه من بعده، وانه ولى المسلمين من بعده، وها هو صلى اللّه عليه وآله وسلم يقدمه للامه على اساس انه الامام من بعده.

النص الاول:

قال رسول‏اللّهصلى اللّه عليه وآله وسلم:

(لما عرج بى الى السماء انتهى بى الى قصر من لولو منه فراش من ذهب يتلالا، فاوحى الى او امر بى «كذا» فى على بثلاث خصال:

انه سيد المسلمين، وامام المتقين، وقائد الغر المحجلين) (821).

النص الثانى:

اتى على بن ابى طالب يوما على الرسول وهو جالس بين اصحابه فقال الرسول لعلى:

(مرحبا بسيد المسلمين، وامام المتقين) (822).

النص الثالث:

عن انس بن مالك قال:

... ثم قال:

(يا انس اول من يدخل من هذا الباب امير المومنين، وقائد الغر المحجلين «و» سيد المومنين على) (823)، ولا احد يعرف من سيكون اول الداخلين من ذلك الباب وبعد فتره دخل على بن ابى طالب، فنهض رسول‏اللّه وعانقه تلك واللّه آيه، ودليل قاطع بان الرسول لا يلقى الكلام على عواهنه كما يزعمون، انما يتبع ما يوحى اليه.

النص الرابع:

قال الرسول يوما لاصحابه:

(ان اللّه تعالى عهد الى فى على عهدا، قلت رب بينه لى، قال اسمع يا محمد.

قال:

«قلت:

سمعت.

قال:

» ان عليا رايه الهدى بعدى وامام اوليائى ونور من اطاعنى) (824).

على سيد المسلمين:

لقد اعلن رسول‏اللّه بخمس مناسبات بان عليا بن ابى طالب هو سيد المسلمين بعده، وان الرسول لم يقل ذلك من تلقاء نفسه انما هو وحى اللّه اليه، لانه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، وانه يتبع ما يوحى، وما هو الا عبد مامور يومر فيتبع.

مثل قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم (اوحى اللّه الى فى على ثلاثا انه سيد المسلمين) (825).

ومثل قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم (اوحى الى فى على انه سيد المسلمين) (826).

وكقوله لعلى امام الصحابه (مرحبا بسيد المسلمين) (827).

وكان الرسول جالسا بين اصحابه فقال لهم اول من يدخل علينا هذا الباب هو امام المتقين وسيد المسلمين.. وبعد فتره دخل على‏بن ابى طالب فنهض الرسول وعانقه (828).

على قائد الامه من بعد النبى:

لقد اعلن رسول‏اللّه (ص) بمناسبات متعدده ان على بن ابى طالب هو السيد، وهو الامام وهو القائد، وركز على هذه المصطلحات الثلاثه وعلى الرغم من ان التاريخ قد كتب بجو معاد تماما لعلى ولاهل بيت النبوه وموال لقاده التحالف، وعلى الرغم من ان الكذب على رسول‏اللّه صار امرا ميسورا الا انه لم يرد ان الرسول قال لاى واحد من قاده التحالف (انت الامام، والسيد، والقائد من بعدى) بينما الثابت وبهذا المناخ ان الرسول قد قال كل هذا لعلى‏بن ابى طالب، فبين انه سيد المسلمين وامام المتقين، وانه القائد.

مثل قوله(ص):

(اوحى اللّه الى فى على ثلاثه.. وقائد الغر المحجلين) (829).

وكقوله(ص):

(اوحى اللّه الى فى على انه... وقائد الغر المحجلين) (830).

على هو وصى النبى:

مع اعلان النبى لنبا النبوه والرساله والكتاب اعلن نبا ولايه عهده والخلافه والوصايه من بعده، وامام سادات بنى هاشم وبنى عبد المطلب اعلن النبى، ان خليفته من بعده ووصيه على امره وامته هو على‏بن ابى طالب، فاخذ برقبه على وقال امام الجمع كله:

(ان هذا اخى وحبيبى وخليفتى فيكم فاسمعوا له واطيعوا) وهذا الحديث صحيح وقد صححه ابو جعفر الاسكافى وابن جرير الطبرى كما ذكر ذلك السيوط‏ى فى جامع الجوامع (831)، ورجاله كلهم ثقاه، وقد ارسل -ائمه الحديث- هذا الحديث ارسال المسلمات (832).

وبعد ذلك ضرب النبى بيده على يد على كنايه عن المبايعه على الخلافه والوصيه (833)، وبايعه الرسول على الخلافه والوصيه فعلا (834)، هنالك اعلن الرسول امام الحاضرين وابلغ عليا رسميا بهذا القرار فقال لعلى (فانت اخى ووزيرى ووصيى وخليفتى من بعدى) (835).

مراسم الخلافه والوصايه حتى لا تنسى:

بعد هذا الاعلان وتبليغ على بن ابى طالب رسميا باختيار اللّه سبحانه وتعالى له ليكون خليفه ووصيا للنبى ووزيره على امره، قال الرسول لعلى‏بن ابى طالب:

(ادن منى، فدنا على، ففتح الرسول فاه، ومج فيه من ريقه، وتفل بين كتفيه وثدييه) (836).

وتلك حاله لم تحدث لاى مسلم قط، ومن الطبيعى ان الرسول لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه، انما هو عبد مامور للّه، امر فاطاع، واوحى اليه فاتبع، وهذا القرار الالهى القاضى باختيار على‏بن ابى طالب خليفه للنبى، ووحيا له لم ينسخ، ولم يلغ انما بقى سارى المفعول.

لم يكتف النبى الكريم بذلك، انما اعلن وصايه على، بصيغ مختلفه وباوقات متعدده فقال مره امام اصحابه:

(لكل نبى وصى ووارث وان عليا وصيى ووارثى) (837).

الوصى والوارث والوزير:

واعلن امام اصحابه مره بقوله:

(لكل نبى وصى ووارث، وان وصيى ووارثى على‏بن ابى طالب) (838).

الوصى وموضع السر والصفوه:

وقال النبى لاصحابه يوما:

(ان وصيى موضع سرى وخير من اترك بعدى ينجز عدتى، ويقضى دينى على‏بن ابى طالب) (839).

خاتم الوصيين:

وكان النبى يجلس مع نفر من اصحابه فقال لخادمه انس بن مالك:

(يا انس اول من يدخل عليك من هذا الباب امير المومنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين.. فدخل على) (840).

اختيار اللّه للوصى:

وقال النبى يوما لفاطمه الزهراء:

(يا فاطمه اما علمت ان اللّه عز وجل اطلع على اهل الارض فاختار منهم اباك فبعثه نبيا، ثم اطلع ثانيه فاختار بعلك فاوصى الى فانكحته واتخذته وصيا) (841).

ابن الوصى:

وبعد استشهاد على بن ابى طالب، وانتقال الخلافه لابنه الحسن وقف الحسن خطيبا امام وجوه العرب وبقيه الصحابه فقال:

(انا ابن النبى انا ابن الوصى) (842) ولم ينكر على الامام الحسن اى واحد من الناس، وقد شاعت الوصيه فى الادب العربى شعره ونثره (843)، وانظر الى قول جابربن عبداللّه حدثنى وصى الاوصياء (يعنى عليا) (844).

انكار الوصيه والتناقض:

انكر البخارى ومسلم ان يكون الرسول قد اوصى، وقد استندوا الى الحديث المنسوب لام المومنين عائشه ومفاده (ان الرسول مات بين سحرها ونحرها وعلى فخذها ولم يوصى).

مع ان البخارى نفسه قد روى عن ابن عباس بان الرسول قد اوصاهم حيث قال:

(اخرجوا المشركين من جزيره العرب، واجيزوا الوفد بنحو ما كنت اجيزه، وقلت عن الثالثه:

وقال نسيتها) كتاب النبى الى كسرى وقيصر باب مرض النبى ووفاته (845).

ولعل البخارى ومسلم بانكارهما للوصيه قد استندا على ثبوت الواقعه التى رواها البخارى ست مرات، ورواها مسلم والتى تتلخص بان عمربن الخطاب وحزبه قد حالا بين رسول‏اللّه وكتابه ما اراد وهو على فراش المرض وقالوا للرسول -حاشا له- انت تهجر (846).

ومع هذا فان البخارى نفسه قد روى بان الرسول قد اوصى، ونصوص الوصيه التى سقناها تدل دلاله قاطعه، بان رسول‏اللّه اوصى وذكر بوصيته مرات متعدده.

والطريقه التى مات بها رسول‏اللّه ورواها البخارى ليست مقبوله ولا معقوله ولا تليق بسيد المرسلين، فموت الرسول بين سحر ونحر عائشه وعلى فخذها لا يتناسب اطلاقا مع جلال الرسول ومكانته عند اللّه، ولعل القصد من روايه هذه الطريقه بالموت هو اثبات قرب عائشه من النبى، واثبات بطلان ادعاء الامام بانه الوصى.

والحقيقه التى اقرها الخليفه عمربن الخطاب تناقض روايه البخارى عن السيده عائشه، ففى زمان عمر كان الصحابه يجلسون فى احدى الايام فسال كعب، ما كان آخر ما تكلم به رسول‏اللّه؟ فقال عمر:

سل عليا، فروى على كيف مات رسول‏اللّه وماذا قال.

ولو ان الامور كما روى البخارى عن عائشه لكان من دواعى سرور عمر ان لا يسلم بهذا الشرف لعلى، ولاحال الناس يومها لنسال ام المومنين.

والثابت ان رسول‏اللّه لما دنا اجله، واوشكت ان تحضره الوفاه قال:

ادعو لى اخى، فدعو عليا، فقال ادن منى، فدنا منه على ولم يزل يكلمه حتى فاضت نفس الرسول الزكيه، فاصابه بعض ريقه (847).

وقد روى هذا الحديث على وابن عباس، وام سلمه، وعبداللّهبن عمر، وعلى‏بن الحسين وسائر ائمه اهل البيت الكرام (848).

الفصل الخامس: على بن ابى طالب هو الموهل الهيا لخلافه النبى

كما اهل اللّه تعالى نبيه للنبوه والرساله، اهل الامام من بعده للامامه، لان الامام من بعد النبى هو قائد الامه ومرجعها، والقائم مقام رسولها، وبالتالى يجب ان يكون موهلا ومعدا اعدادا الهيا، ليتولى بيان القرآن الكريم من بعد النبى بيانا متفقا مع المقصود الالهى من كل نص وقائما على الجزم واليقين، بحيث يكون هذا البيان هو عين ما اراد اللّه لا زياده ولا نقصان، ويجب ان يكون الامام من بعد النبى محيطا احاطه كامله بالسنه النبويه بفروعها الثلاثه:

(القول، والفعل، والتقرير).

لان الدعوه الى دين الاسلام لا ينبغى ان تتوقف بوفاه النبى، لان الدين الاسلامى آخر الاديان، ورسوله خاتم الرسل، وهذا رسول الى الجنس البشرى كله والغايه هى دخول هذا الجنس كله فى دين اللّه، وطالما ان الدعوه الى الاسلام لا تتوقف بوفاه النبى، ودخول الناس فى دين اللّه مستمر، فلا بد من وجود الامام الموهل الهيا لينوب عن النبى فى بيان القرآن لهولاء الناس، وتقديم سنه الرسول لهم كما هى دون زياده ولا نقصان، وتوضيح الاحكام الشرعيه، والقدره على تطبيق هذه الاحكام تطبيقا دقيقا بحيث تكيف هذه الحادثه على هذا النص او ذاك تكييفا دقيقا.

ثم ان الرسول خلال حياته كان مثلا اعلى وقدوه للمسلمين، وكذلك بعد مماته، فلا بد من وجود قدوه ومثلا اعلى حيا للمسلمين ليقتدوا به، والامام من بعد النبى ينبغى ان يكون القدوه.

التاهيل الالهى:

كان الرسول بالضروره هو الاعلم، والافهم بالدين، فليس فى زمان النبى من هو اعلم ولا افهم منه، وكان الرسول هو الاقرب للّه، والاتقى له، فليس فى زمانه من هو اقرب للّه ولا اتقى منه، وكان اصلح وافضل ابناء الجنس البشرى فى زمانه، فليس فى الكون الانسانى من هو اصلح ولا افضل منه، تلك حقائق دينيه وعقليه لا يجادل فيها عاقل، والصفات التى الصقت بالنبى محمد من كونه الاعلم والافهم بالدين، والاتقى والاقرب الى اللّه وافضل الموجودين هى ثمره تاهيل واعداد الهى ليبلغ الرساله وليقود الدعوه والدوله معا فيكون قائدا للجماعه المسلمه، واماما ومرجعا للناس.

وتلك صفات خفيه لا يعلمها علما يقينيا الا اللّه، ومن هنا اختص تعالى نفسه باختيار الرسل وتعيينهم بعد ان اهلهم واعدهم لذلك.

الائمه او الخلفاء الشرعيين للرسول:

اقتضت حكمه اللّه ان يبلغ الرسل اماناتهم ورسالات اللّه الى نبى البشر، وبعد ذلك يحكم على الرسل بالموت، ويختار لهم ما عنده، ومحمد كخاتم للرسل لم يستثن من الموت، فبعد ان بلغ الرسول رسالات ربه، وقاد الدعوه وبنى الدوله، وبين ما طلب منه بيانه، اعلن للناس، انه قد خير فاختار ما عند اللّه، وانه تعالى قد اوصى اليه بان يرتب عصر ما بعد النبوه حسب المشيئه الالهيه، وانه قد رتب هذا العصر بالصوره التى اوصاها اللّه تعالى له.

وكما اختار اللّه محمدا للنبوه والرساله واعده واهله لذلك فانه تعالى قد اختار على‏بن ابى طالب ليكون وليا لعهد النبى خلال حياته، وخليفه واماما للامه بعد وفاته وقد اهل اللّه عليا لهذا المنصب الرفيع، فالهم نبيه محمدا ان يكفله صغيرا ليتربى فى كنف النبى، وليصنع على عينه، وبعد ان كلف النبى بالرساله اعلن رسول‏اللّه نبا الرساله مع نبا الخلافه او الامامه من بعده ليربط النبئين معا برباط عقائدى، ثم اوصى اللّه الى نبيه ان يزوج عليا سيده نساء العالمين فاطمه، ليخرج الائمه من بعد النبى من هذه الشجره المباركه محمد وعلى وفاطمه، ثم اعلن النبى بامر من ربه بان اولئك هم اهل بيته الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهم الابناء والنساء والانفس كما اوضحت ذلك آيه المباهله مثلما اعلن النبى ان التمسك بهم، وبالقرآن معا هو درب الهدايه، وان تجاهلهم وتجاهل القرآن معا هو جرف الضلاله، وطوال حياه النبى المباركه وهو يعد عليا ليتولى الامامه من بعده، ويزقه بالعلم زقا، ويغرس فيه وفى ذريته افضل الصفات والاخلاق ليكونوا موهلين لقياده الامه ولينقلوا علم النبوه الموثوق من جيل الى جيل.

وما انتقل الرسول الى جوار ربه، الا بعد ان تيقن من العلم الالهى بان على‏بن ابى طالب هو الاعلم والافهم بعده بالدين، وهو الاقرب الى اللّه ورسوله، وهو الاتقى، وانه افضل واصلح اهل زمانه.

وتلك صفات خفيه لا يعلمها علم اليقين الا اللّه.

ومن هنا اختص اللّه تعالى نفسه باختيار الرسل، واختيار الائمه من بعده.

اما الحق او الدمار:

لو جارينا الذين قدموا وقائع التاريخ على نصوص الشرع، وقدموا التابعين لمحمد على محمد المتبوع لتوصلنا الى النتيجه المدمره التى توصلوا اليها وهى ان محمدا ترك الامه بدون راع، وترك الدوله التى بناها بالعرق والدم نهبا لاطماع الطامعين، او تركها لقمه سائغه لمن غلب، ياكلها من يتغلب ويقهر، وترك الامه بدون قياده ولا مرجعيه ولا امامه!!

فاذا سالتهم من هو قائد الامه ومرجعها وامامها الموهل ليقوم مقام الرسول؟ اجابوك بلسان طلق الخليفه؟!

هذا الخليفه قد وصل الى منصبه بالقوه والتغلب وهو غير موهل لقياده الامه وامامتها ومرجعيتها، وهو اعمى من جميع الوجوه، فكيف يقود الاعمى عميانا او مبصرين!!

فيتفلسفون ويقولون هكذا قال ابو بكر وقال عمر!!

فاذا قلت لهم يا قوم ان للمسلمين برسول‏اللّه اسوه حسنه لا بابى بكر ولا بعمر، ولا يعدو الرجلان ان يكونا صحابيان جليلان وحاكمان عادلان، ولا يملكا صلاحيه التشريع وهما لا يضفيان على نفسيهما هذه الهاله المقدسه التى تضفى عليهما!!

عندئذ يتهمونك بالتشيع لاهل البيت الكرام وبالتشنيع على الصحابه، هذا شانهم!!

الاعداد الالهى للامام من بعد النبى:

نظرنا عقليا وشرعيا فكره الاعداد الالهى للرسل والائمه عموما، وبينا ان اللّه تعالى قد اختار على‏بن ابى طالب ليكون امام الامه وقائدها ومرجعها من بعد النبى، واعده واهله لذلك:

وبادناه طائفه من النصوص الشرعيه التى توكد تنظيرنا العقلى والشرعى:

على باب دار الحكمه:

قال النبى (ص) لاصحابه:

(انا دار الحكمه وعلى بابها) (849).

وعن احمد فى مناقبه، وفى روايه ان الرسول قال:

(انا مدينه الحكمه وعلى بابها).

على باب مدينه العلم اللدنى:

اعلن النبى امام اصحابه عن علم على فقال:

(انا مدينه العلم وعلى بابها).

روى الحاكم بسنده عن مجاهد عن ابن عباس انه قال:

قال رسول‏اللّه:

(انا مدينه العلم وعلى بابها، فمن اراد المدينه فليات الباب)، قال الحاكم:

«هذا حديث صحيح الاسناد» (850).

والخطيب البغدادى فى تاريخه، قال:

قال القاسم:

سالت يحيى‏بن معين عن هذا الحديث فقال:

«هو صحيح‏» (851).

على هو المبين للامه من بعد النبى:

قال الرسول (ص) لعلى امام اصحابه:

(انت تبين لامتى ما اختلفوا فيه من بعدى) (852).

قال الحاكم:

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

قال الرسول لسيده نساء العالمين فاطمه الزهراء:

(اما ترضين انى زوجتك اقدم امتى سلما، واكثرهم علما واعظمهم حلما) (853).

على هو الاكثر علما:

جاء النبى الى فاطمه فوجدها تبكى فقال لها مالك تبكين لقد انكحتك اكثرهم علما، وافضلهم حلما (854)..

على اعلم الامه:

قال الرسول (ص) لاصحابه:

(اعلم امتى من بعدى على بن ابى طالب) (855).

على اعلم الناس:

قال الرسول (ص) لاصحابه:

(على بن ابى طالب اعلم الناس باللّه وبالناس) (856).

وعن سلمان الفارسى قال:

قلت يا رسول‏اللّه، ان لكل نبى وصيا فمن وصيك؟ فسكت عنى، فلما كان بعد رآنى فقال:

يا سلمان فاسرعت اليه فقلت لبيك قال:

تعلم من وصى موسى؟ قلت نعم:

يوشع‏بن نون قال لم؟ قلت لانه كان اعلمهم يومئذ، قال النبى:

(ان وصيى وموضع سرى وخير من اترك بعدى، ينجز عدتى ويقضى دينى على‏بن ابى طالب) (857).

على باب علم النبى والمبين لامته:

قال النبى امام اصحابه يوما (على باب علمى، ومبين من بعدى لامتى ما ارسلت به، حبه ايمان وبغضه نفاق) (858).

على هو الاقضى:

قال النبى (ص):

(واقضاهم على بن ابى طالب) (859) وقال (ص):

(واقضاها على) (860) اى واقضى الامه على بن ابى طالب.

وروى ان الرسول قال (على اقضى امتى)، وقال(ص) لاصحابه:

(كفى وكف على فى العدل سواء) (861).

على هو الابصر والاعدل:

قال الرسول لعلى امام الصحابه:

(يا على اخصمك بالنبوه ولا نبوه بعدى وتخصم الناس بسبع لا يحاجك فيها احد من قريش.. انت اولهم ايمانا باللّه، واوفاهم بعهد اللّه، واقومهم بامر اللّه، واقسمهم بالسويه واعدلهم فى الرعيه، وابصرهم فى القضيه).

بعلى يهتدى المهتدون:

قال الرسول امام اصحابه:

(انا المنذر وهذا -يعنى عليا- هو الهادى وبك يا على يهتدى المهتدون من بعدى) (862).

علم على بالقرآن الكريم:

خطب على بن ابى طالب فقال فى خطبته:

(سلونى فواللّه لا تسالونى عن شى‏ء يكون الى يوم القيامه الا حدثتكم، سلونى عن كتاب اللّه، فواللّه ما من آيه الا انا اعلم بليل نزلت ام بنهار، ام فى سهل نزلت ام فى جبل) (863).

كان على بن ابى طالب يقول:

(انى واطايب وابرار عترتى احلم الناس صغارا، واعلم الناس كبارا، بنا ينفى اللّه الكذب) (864).

قال على بن ابى طالب لاحدهم:

(يا اخا بنى عامر، سلنى عما قال اللّه ورسوله فانما نحن اهل البيت اعلم بما قال اللّه ورسوله) (865).

بعد وفاه الامام على خطب الامام الحسن‏بن على فقال:

(لقد فارقكم رجل بالامس، لم يسبقه الاولون بعلم، ولا يدركه الاخرون، وكان رسول‏اللّه يبعثه بالرايه جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يفتح اللّه عليه) (866).

قال على بن ابى طالب:

(ان ربى وهب لى قلبا عقولا ولسانا صادقا ناطقا) (867).

آراء بعض الصحابه فى علم على:

قال عمر بن الخطاب:

(ولقد فاز على بصهر رسول‏اللّه.. وعلما بالتنزيل، وفقها للتاويل) (868).

قال سعد بن ابى وقاص:

(يا هذا على ما تشتم على بن ابى طالب؟ الم يكن اول من اسلم؟ الم يكن اول من صلى؟، الم يكن اعلم الناس؟..) (869).

روى يحيى بن معين، قال:

(قلت لعطاء:

اكان فى اصحاب محمد اعلم من على؟ قال:

لا واللّه لا اعلم) (870).

قالت عائشه ام المومنين:

(من افتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا على عليه السلام، قالت عائشه:

انه لاعلم الناس بالسنه) (871).

واخرج ابن عبد البر فى ج‏2 ص‏462 عن عبد اللّه قوله:

(اعلم اهل المدينه بالفرائض على بن ابى طالب) (872).

(لما راى عمر بن الخطاب عبد اللّه بن جعفر يلبس ثوبين مضرجين خال ان هذا اللباس حرام فقال عمر ما هذه الثياب؟ فقال له على‏بن ابى طالب:

ما اخال احدا يعلمنا السنه، فسكت عمر) (873).

كان ابو بكر يقول الشعر، وكان عمر يقول الشعر، وكان على اشعر الثلاثه (874).

قال عمر بن الخطاب:

(اقضانا على بن ابى طالب) (875).

حتى الحجاج‏بن يوسف الثقفى قال:

(اننا لم ننغم على على قضاءه فقد علمنا ان عليا كان اقضاهم) (876).

قال عمر بن الخطاب (على اقضانا) (877).

عن ابن مسعود قال (كنا نتحدث ان اقضى اهل المدينه على بن ابى طالب) (878).

فى رجوع ابى بكر وعمر الى على:

كان ابو بكر يرجع الى على فى الامور التى لا يعرفها، او المشتبهه عليه، ولطالما ردد عمر:

(لولا على لهلك عمر)، ورجوعه الى على امر مسلم مشهور (879).

الفصل السادس: على بن ابى طالب هو المجاهد الاعظم

الجهاد فى سبيل اللّه:

لقد رتبت العنايه الالهيه اوضاع على بن ابى طالب ليكون الاول فى كل ميدان، ففى ميدان الجهاد فى سبيل اللّه كان على‏بن ابى طالب هو الاول ايضا، فكل جهاد يقصر عن جهاده، وكل تضحيه تهون وتقل امام تضحيته، وكل بطوله تتضاءل وتقف هزيله امام بطوله على، ويمكنك ان تقول وبكل ارتياح، بانه لم يسبق الامام على بجهاده المميز، اى مهاجر، او انصارى، او مسلم قط، لقد تقدم الامام على بجهاده وبطولاته وشجاعته على الجميع فهو المجاهد الاعظم حقا.

ضمن ترتيب الهى، كفل النبى ابن عمه على‏بن ابى طالب وضمه اليه ليعيش فى بيته وليصنع على عينه، وكان على فى السادسه من عمره وبقى على مع النبى حتى اختار النبى ما عند اللّه (880).

ومن تاريخ كفاله النبى لعلى وحتى انتقل رسول‏اللّه الى جوار ربه، وعلى يتبع الرسول اتباع الفصيل لاثر امه «على حد تعبير الامام‏»، فهو ابن عمه، وهو اخوه وهو ناصره، وهو ولى عهده، وهو خادمه، فما تحرك الرسول خطوه الا وعلى عن يمينه، وما امر الرسول امرا الا وتلقى الطاعه من على قبل ان يرتد الى الرسول طرفه.

ولما شرف اللّه نبيه بالوحى والرساله، كان على بن ابى طالب اول من صدقه فاسلم وآمن، تلك حقيقه لا يمارى فيها الا شيعه قاده التاريخ، وقد سقنا عشرات المراجع التى توكد بان عليا هو اول المومنين (881).

فمحمد هو الذى جاء بالصدق، وعلى هو الذى صدق به (882).

ومن هنا وصفه الرسول الاعظم بانه هو الصديق الاكبر والفاروق الاعظم وقد وثقنا ذلك فى البحوث السابقه (883).

ولما صمم النبى على الهجره امر على‏بن ابى طالب ان ينام فى فراشه ليوهم المت‏آمرين على قتل النبى ان النائم هو محمد وليس عليا، حتى يتمكن النبى من شق طريقه نحو المدينه (884)، وبهذه المناسبه نزل قوله تعالى:

(ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاه اللّه واللّه رووف بالعباد) (885).

وبعد ان ادى الامانات التى كانت عند رسول‏اللّه لاصحابها جهز على اهل النبى والفواطم والعواتك، وحركهم علنا مهاجرا الى المدينه دون ان يجرو احد على التعرض له، او لمن معه، ومن يجرو على الاقتراب من حمى سيف اللّه واسد اللّه واسد رسوله بالنص الشرعى كما وثقنا.

وبوصول النبى الى المدينه، وترتيب اوضاعها الداخليه بدا النبى تحركاته العسكريه، تلك التحركات التى قادت الى مرحله المواجهه المسلحه بينه وبين خصمه اللدود قاده بطون قريش.

وكانت بدر اولى معارك تلك المرحله وفى بدر تالق نجم الامام عسكريا، فعرفه القريب والبعيد، واعترف بقدراته الخارقه العدو قبل الصديق، هذه القدرات التى لفتت انظار اهل الارض واهل السماء اذ نادى منادى من السماء:

(لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا على) (886).

تجد بعض فن على بالقتال، لقد قتل على وحمزه نصف ما قتل من المشركين يوم بدر، وقتل المسلمون كلهم النصف الاخر.

وكان على وحمزه وعبيد اللّه او لثلاثه خرجوا لمبارزه صناديد الشرك لما يروى البيهقى فى سننه (887)، وابن ماجه فى صحيحه باب الجهاد، والبخارى فى صحيحه كتاب بدء الخلق، وقد اجمع على ذلك المفسرون والمورخون واصحاب السير.. ويوم احد فر المسلمون، وفر ابو بكر وعمر وعثمان وغيرهم وثبت على وقاتل قتال الابطال، فقتل اصحاب الويه الشرك (888)، واصيب على فى سته عشر ضربه، ومع هذا بقى يقاتل حتى امر الرسول بوقف القتال (889).

ويوم الخندق لما برز عمرو بن عبد ود وهو اقوى محارب فى جيش الاحزاب واخذ يتبجح من يبارز، ومن الطبيعى ان لا يجيبه احد من الصحابه، فقام على وهو مقنع فى الحديد فقال:

انا له يا نبى اللّه، فقال النبى انه عمرو بن عبد ود اجلس فنادى عمرو الا رجل؟ وتبجح عمرو بن عبد ود قائلا:

فولقد بححت من الندا لجمعكم هل من مبارز فووقفت اذ وقف الشجاع مواقف القرن المناجز لم يجبه ابو بكر ولم يجبه عمر، ولم يجبه اى مسلم قط، امام هذا الصمت قرر على ان يواجه عمروبن عبد ود، وان يحطم الروح المعنويه لتجمع الاحزاب بقتل عمرو، فاستاذن على رسول‏اللّه فاذن له الرسول، فمشى على عليه السلام ليبارزه وهو يقول:

فلا تعجلن فقد اتاك مجيب صوتك غير عاجز فذو نبهه وبصيره والصدق منجى كل فائز فانى لارجو ان اقيم عليك نائحه الجنائز فمن ضربه نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز لقد كان عمرو بن عبد ود جبلا حقيقيا لا قدره لاحد به، ولكن هذا الجبل تصدع امام عظمه على، وقدرته الخارقه التى من اللّه تعالى بها عليه، لقد تمكن الامام على من قتل عمرو بسهوله، لان قوه عمرو وشجاعته لا تكاد تذكر امام قوه على وشجاعته (890).

وقد فهمت هذه الحقيقه اخت عمرو يوم رثته فقالت:

فلو كان قاتل عمرو غير قاتله بكيته ما اقام الروح فى جسدى فلكن قاتله من لا يعاب به وكان يدعى قديما بيضه البلد راجع المستدرك على الصحيحين:

وبعد ان قتل على عمرو بن عبد ود وعاد منتصرا ساله الرسول الاعظم كيف وجدت نفسك يا على؟ قال:

(وجدتها لو كان كل اهل المدينه فى جانب لقدرت عليهم) (891).

وكفى اللّه المومنين القتال بعلى بن ابى طالب:

صعق المشركون من نتيجه المبارزه، فعمرو بن ود هو اقوى رجل فى تجمع الاحزاب، وبدقائق معدوده، جندله على‏بن ابى طالب!!

وقدرت الاحزاب بان هذا امر عجاب فتحطمت روحها المعنويه، وكان مقتل عمروبن عبد ود من اهم الاسباب التى عجلت برحيلها، وغيرت موازين المعركه نهائيا لصالح الذين آمنوا، وهذا معنى قوله تعالى:

(ورد اللّه الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى اللّه المومنين القتال) (892) وفى تفسير هذه الايه قال السيوط‏ى (واخرج ابن ابى حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود رضى اللّه عنه انه كان يقرا هذا بالحرف (وكفى اللّه المومنين القتال) بعلى بن ابى طالب.

وفى ميزان الاعتدال للذهبى (893) ذكر حديثا مسندا عن ابن مسعود انه كان يقرا:

(وكفى اللّه المومنين القتال) بعلى (894).

تثمين هذا العمل البطولى:

قال الرسول امام اصحابه:

(لمبارزه على بن ابى طالب عليه السلام لعمروبن عبد ود يوم الخندق افضل من اعمال امتى الى يوم القيامه) (895).

فلو لم يقتل على بن ابى طالب عمرو بن عبد ود لبقيت الروح المعنويه فى الاحزاب ولسهل عليها اجتياز الخندق، لكن اللّه تعالى رتب الامور فى كل وقعه ليكون على‏بن ابى طالب هو البطل تعميما لذكره الشريف، وتثبيتا لمنصبه، واعلاء لشانه.

اين كان التسعه المبشرون بالجنه عند التحدى؟

نعم، كان التسعه الذين اشيع بانهم مبشرون بالجنه هنالك، وقد سمعوا نداء عمرو بن ود مرارا ولكن لم يجبه احد منهم، كان عمربن الخطاب وكان ابو بكر وكان عثمان، وكان طلحه، وكان الزبير..

وفى خيبر:

اعط‏ى رسول‏اللّه الرايه الى ابى بكر فخرج ابو بكر ورجع ولم يفعل شيئا، ثم اعط‏ى الرايه لعمر فخرج عمر ورجع ولم يفعل شيئا (896).

وفى كنز العمال (897) ان رسول‏اللّه بعث ابا بكر فى الناس فانهزم حتى رجع، ثم بعث عمر فانهزم بالناس حتى رجع، وقال المتقى الهندى اخرج هذا الحديث ابن ابى شيبه، واحمدبن حنبل، وابن ماجه، والبزار وابن جرير، وصححه والطبرانى فى الاوسط والحاكم والبيهقى فى الدلائل، والضياء المقدسى فى المختار، والى هذا اشار الهيثمى فى مجمعه (898).

اما الواقدى فقد اشفق ان يقرن اسم ابى بكر وعمر بالهزيمه والرجوع دون فعل شى‏ء لذلك روى الخبر على الصوره التاليه (دفع رسول‏اللّه لواءه الى رجل من اصحابه المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا ثم دفعه الى رجل آخر فرجع ولم يصنع شيئا) (899).. ولاح للواقدى انه بهذا العمل قد برا ابو بكر وعمر من تهمه الهزيمه، وانه قد تقرب الى اللّه باخفاء الحقيقه!!

امام تراجع المسلمين سالت كتائب اليهود ورجحت كفتهم، واقبل الليل وحجز بين المتقاتلين، وعرف المسلمون انفسهم على حقيقتها بدون محمد وآل‏محمد، بهذا المناخ قال النبى (لاعطين الرايه غدا رجلا يحبه اللّه ورسوله يفتح اللّه على يديه كرار ليس بفرار) (900).. وفى الصباح نادى على بن ابى طالب وكان ارمدا لا يرى فتفل بعينيه واعطاه الرايه (901)، كما نقله عن ابن شبه وابن حنبل وابن ماجه والبزار وابن جرير وصححه والطبرانى فى الاوسط والبيهقى فى الدلائل، ومستدرك الصحيحين (902)، ولا ينكر احد من اهل المله قول الرسول هذا، ولا ينكر احد واقعه اعطاء الرايه لعلى وبالرغم من كراهيه القوم وحقدهم على على، وبراعتهم بتحريف الواقعات التاريخيه وتظهيرها مجانا لصالح قاده التاريخ الا انهم عجزوا عن اخفاء تلك الحقيقه او تحريفها.

اخذ على الرايه واندفع كالاعصار بقوه ربانيه كما يقول الفخر الرازى، وتلقاهم اليهود، فانكشف المسلمون وثبت على وحده، وتمكن من قتل الحارث قائد اليهود، فرجع اصحاب الحارث الى الحصن، وتمكن على من قهر يهود خيبر لاول مره، ودنا الامام من الحصن فضربه يهودى فطرح ترس الامام من يده، فتناول الامام بابا وتترس به، وبقى الامام على يقاتل بقوه لم تالفها البشر حتى سقطت حصون خيبر حصنا بعد حصن، وايقن من تبقى من اليهود بالهلكه فنزل ابن ابى الحقيق واعلن استسلامه بالتفصيل الذى ذكرناه فى الفصول السابقه، ان ثمانيه نفر عجزوا عن قلب الباب الذى تترس به الامام (903).

فى حنين:

قال الهيثمى فى مجمعه (904) عن انس:

(لما كان يوم حنين انهزم الناس عن رسول‏اللّه الا العباس‏بن عبد المطلب وابو سفيان بن الحارث ابن عم النبى وعلى‏بن ابى طالب، وكان على يومئذ اشد الناس قتالا بين يديه)، وقال:

رواه ابو يعلى والطبرانى فى الاوسط.

وكان على هو الذى ناول رسول‏اللّه التراب فرمى به وجوه المشركين يوم حنين وقال:

رواه البزار (905).

هل من قاده التاريخ من فعل مثل هذا؟

بهدوء وبدون ضجه لا، وهم لا يمارون فى ذلك؟ فان كان موقفهم كذلك فما لهم كيف يحكمون!!

الهم الغنم وعلى آل محمد الغرم!!

ابن المجاهد:

لم يكن على بن ابى طالب هو المجاهد الاعظم فى سبيل اللّه فحسب، انما كان ابن مجاهد عظيم، ونعنى به والد الامام على وهو عبد مناف بن عبد المطلب المكنى بابى طالب، وعلى الرغم من ان اعلام قاده التاريخ قد شوه سمعه ابى طالب، ووصمه بالشرك، وزجه فى ضحضاح من النار على حد تعبير المغيره بن شعبه، الا ان اعلام قاده التاريخ اقل من ان يطمس الحقيقه فى موازين العدل الالهى، وحتى فى موازين العقل البشرى المحايد الذى يحترم نفسه.

كفاله النبى وتربيته:

يكفى ابو طالب شرفا انه قد كفل النبى وعمره ثمانى سنين، وبقى النبى فى بيت عمه ابى طالب وتحت اشرافه حتى بلغ الخامسه والعشرين، حيث تزوج النبى واستقل فى بيته الخاص، خلال هذه المده التى امتدت سبع عشره سنه كان الرسول بمثابه الابن لابى طالب وزوجته، وكان اولاد ابى طالب بمثابه اخوه الرسول، ولما شرف اللّه نبيه بالرساله كان ابو طالب من اول المومنين به، والمدافعين عنه، وقد عبر رسول‏اللّه عن امتنانه لابى طالب، ورضاه عن مواقفه النبيله عندما وقف امام جثمانه الطاهر فقال الرسول والحزن يملا قلبه:

(يا عم، ربيت صغيرا، وكفلت يتيما، ونصرت كبيرا فجزاك اللّه خيرا) (906)، واعتبر الرسول فقدان ابى طالب مصيبه على الامه فقال:

(لقد اجتمعت على هذه الامه مصيبتان لا ادرى بايهما انا اشد جزعا) (907)، وعبر النبى بدقه عن هول المصيبه بفقدان عمه، وعن الفراغ الهائل الذى تركه بوفاته فقال:

(ما نالت منى قريش حتى مات ابو طالب) (908).

صفحات من جهاد ابى طالب:

كان ابو طالب شيخ البطاح بلا كلام، وكان سيد قريش وحكيمها تدين له بطون قريش بالطاعه، وتكن له اعمق التقدير والاحترام، وابو طالب من القله القليله التى سادت رغم ضيق ذات اليد، لقد استغل ابو طالب موقعه ومكانته فى مكه، وحاول جاهدا ان يكون همزه الوصل بين ابن اخيه الرسول وبين بطون قريش ليسحب فتيل التوتر ما امكنه، وليخفف حده الصراع، ويجعله دائما تحت السيطره، فقد فاوضته بطون قريش، واشتكت له من ابن اخيه، ونقل وجهه نظر البطون الى ابن اخيه الرسول، وجمع بينه وبين سادات البطون، وفاوضهم النبى فى بيت ابى طالب وتحت اشرافه، ثم وصلت المفاوضات بين الطرفين الى طريق مسدود (909)، وليتمكن ابو طالب من حمايه ابن اخيه الرسول ودعمه، وحد البطن الهاشمى خلف قيادته، وضم اليهم بطن بنى المطلب وجعل من البطنين قوه واحده، تاتمر بامره، ومهمتها الاولى والاخيره المحافظه على حياه الداعيه محمد ودعوته الاسلام.

ابو طالب يرد على بطون قريش ردا حاسما:

لما وصلت المفاوضات بين محمد وبين بطون قريش الى طريق مسدود، وراى سادات البطون ان الناس بداوا بالدخول فى الاسلام، راى سادات البطون ان الحل الامثل لخلاصهم من محمد ودعوته يتمثل بقتل محمد، ولكن سادات البطون خشوا من رده فعل ابى طالب، فاشاعت البطون ان محمدا قد قتل وكان محمد غائبا، فجمع ابو طالب فتيه بنى هاشم وبنى المطلب فى منزله، واعط‏ى لكل واحد منهم حديده صارمه، وقال لهم اذا دخلت المسجد اتبعونى، فلينظر كل فتى منكم فليجلس الى عظيم من عظمائهم وكانت خطه ابى طالب ان يقتل كل عظماء بطون قريش، وفى هذه الاثناء حضر الرسول، فاخذ بيده ومعه الفتيه الهاشميون والمطلبيون ودار به على انديه قريش فقال:

يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به؟ قالوا لا، فاخبرهم وقال للفتيان اكشفوا عما فى ايديكم، فكشفوا فاذا كل رجل منهم معه حديده صارمه فقال ابو طالب واللّه لو قتلتموه ما ابقيت منكم احدا حتى نتفانى واياكم، عندئذ ادرك سادات البطون مخاطر التفكير فى قتل النبى، واقلعوا عن فكره قتله (910).

الدعم المطلق:

عندما اعلن النبى رسالته فى الاجتماع الذى عقد فى بيته قال ابو طالب:

(واللّه لننصرنه ثم لنعيننه) (911)، وخاطب النبى قائلا (يا ابن اخى اذا اردت ان تدعو الى ربك فاعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح) (912)، وحث ابو طالب اولاده ليكونوا الى جانب ابن عمهم الرسول فقال لعلى:

الزم ابن عمك (913)، وروى بن ابى الحديد عن على قال:

قال ابى:

يا بنى الزم ابن عمك، فانك تسلم به من كل باس عاجل ام آجل ثم قال لى:

(ان الوثيقه فى لزوم محمد فاشدد بصحبته على يديكا) (914).

وقال يوما لاولاده:

فان عليا وجعفرا ثقتى عند ملم الزمان والنوب فلا تخذلا وانصرا ابن عمكما اخى لامى من بينهم وابى فواللّه لا اخذل النبى ولا يخذله من بنى ذو حسب (915) وشاهد ابو طالب النبى وعلى يصليان معا، فقال لابنه جعفر اذهب وصل الى جانب ابن عمك (916).

الدعم بالقول والفعل:

كان الرسول واقفا يصلى، وسادات البطون يتفرجون عليه، ويعجبون منه فعز عليهم ذلك، فامروا غلاما ان يلقى الفرث والسلى على ظهر محمد وعندما سجد النبى القى الغلام الفرث والسلى على ظهره، فذهب النبى الى عمه وشاهد ابو طالب الفرث والسلى فقال مستغربا:

(ما ذاك يا بن اخى) فاخبره النبى الخبر فاستشاط غيظا فتقلد سيفه وخرج ومعه غلام له، ولما راى سادات البطون مجتمعين خاطبهم قائلا:

(واللّه لا تكلم منكم رجل الا ضربته) ثم امر غلامه بان يفعل بسادات البطون ما امروا بفعله بمحمد وهكذا كان (917).

ومره اخرى القى ابن الزبعرى الفرث على النبى، وعلم ابو طالب فمشى الى القوم ومعه النبى حتى اذا وصلهم قال:

(يا بنى محمد الفاعل بك هذا؟ فقال:

عبداللّهبن الزبعرى، فاخذ ابو طالب فرثا ودما فلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم) (918).

وهذا يفسر معنى قول الرسول (ما نالت منى قريش حتى مات ابو طالب) (919).

البطن المجاهد:

لقد عمم ابو طالب فكره الجهاد لحمايه النبى ودينه على البطن الهاشمى، الذى وقف مع بطن بنى عبد المطلب متحدين خلف ابى طالب، مستعدين للدفاع عن محمد ودينه وحتى آخر رمق، وللانتقام ممن يمس شعره واحده من محمد، وهذا ما دفع البطون لتاجيل التفكير بقتل محمد خوفا من رده فعل هذين البطنين واتخاذ قرار بمحاصره بنى هاشم ومقاطعتهم فى شعب ابى طالب، وتمت المحاصره والمقاطعه التى استمرت -ثلاث سنين- ثم فشلت فشلا ذريعا بفضل اللّه وحكمه نبيه، ووفاء ابى طالب وقد عالجنا هذا الموضوع بالتفصيل فى بحثونا السابقه.

وصيه ابى طالب لقريش:

لما حضرت ابو طالب الوفاه جمع وجوه قريش واوصاهم وصيه طويله جاء فيها:

(اوصيكم بمحمد خيرا فانه الامين فى قريش والصديق فى العرب وهو الجامع لكل ما اوصيتكم به.. واللّه لا يسلك احد سبيله الا رشد، ولا يوخذ احد بهديه الا سعد) (920)..

وصيه ابى طالب الى رهطه:

اخرج ابن سعد فى طبقاته، ان ابا طالب لما حضرته الوفاه دعا بنى عبد المطلب وقال لهم:

(لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد، وما اتبعتم امره، فاتبعوه واعينوه ترشدوا).

وفى لفظ يا معشر بنى هاشم:

(اطيعوا محمدا وصدقوه تفلحوا وترشدوا) (921).

ايمان ابى طالب: