4 ـ الشيخ جعفر كاشف الغطاء(رحمه الله): " ولا زيادة فيه من سورة ولا آية، من بسملة وغيرها، لا كلمة ولا حرف، وجميع ما بين الدفتين ممّا يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب، بل الدين وإجماع المسلمين، وأخبار النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الطاهرين(عليهم السلام)....
الثامن نقصه: لا ريب في أنّه محفوظ من النقصان، بحفظ ملك الديان، كما دلّ عليه صريح القرآن، وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر، وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العلم بظاهرها "(2).
5 ـ السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي(رحمه الله): " والقرآن الحكيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنّما هو ما بين الدفتين، وهو مافي أيدي الناس لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف، وكلّ حرف من حروفه متواتر في كلّ جيل تواتراً قطعياً... وهذا كلّه من الأُمور المعلومة لدى المحققين من علماء الإماميّة، ولا عبرة بالحشوية فإنّهم لا يفقهون"(3).
ولو رمنا استقصاء كلمات الأعاظم من علماء الشيعة في كلّ جيل لطال بنا الكلام(4)، فالمعروف اذن والمشهور بين الإماميّة هو القول بعدم تحريف
____________
1- أنظر: مقدّمة تفسير مجمع البيان (الفن الخامس منها): 1 / 83.
2- أنظر: كشف الغطاء للشيخ جعفر كاشف الغطاء: 2 / 298.
3- أنظر: الفصول المهمّة للعاملي، الفصل الحادي عشر: 241.
4- ومن هؤلاء الأعلام: الشريف الرضي، الشيخ المفيد، السيّد المرتضى، ابن شهر آشوب، العلاّمة الحلي، المحقّق الكركي، الشيخ بهاء الدين العاملي، الفيض الكاشاني، الحرّ العاملي، الشيخ المجلسي، السيّد بحر العلوم، الشيخ الكرباسي، الشيخ الاشتياني، الشيخ المامقاني، الشيخ محمّد جواد البلاغي، السيّد محسن الأمين، الشيخ الأميني، الشيخ الاوردبادي، الشيخ محمّد رضا المظفّر، العلاّمة الطباطبائي، الإمام الخميني، السيّد الخوئي. أنظر: كتاب صيانة القرآن من التحريف لمحمد هادي معرفة.
تحريف القرآن عند أبناء العامة:
إنّ الباحث عندما ينظر في كتب أبناء العامّة يجد أنّ أحاديث النقصان والزيادة في القرآن الكريم في كتبهم كثيرة العدد، صحيحة الإسناد عندهم، واضحة الدلالة، خصوصاً وأنّها في كتبهم المعتبرة (الصحاح) التي يذهب جمهورهم إلى أن جميع مافيها مقطوع بصدوره عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)! لا سيّما صحيحي مسلم والبخاري.
الزيادة في القرآن ـ في السور ـ:
ما اشتهر عن عبد الله بن مسعود وأتباعه من زيادة المعوذتين! حيث كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه، ويقول: " انّهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى "(1).
ويروي البخاري بسنده عن علقمة، قال: " دخلت في نفر من أصحاب عبد الله الشام، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا فقال: أفيكم من أقرأ؟ فقلنا: نعم. قال: فأيّكم أقرأ؟ فأشاروا إليّ، فقال: إقرأ، فقرأت: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى)، فقال: أنت سمعتها من فيّ صاحبك؟ قلت: نعم، قال: وأنا سمعتها من فيّ النبيّ، وهؤلاء يأبون علينا "(2).
وفي رواية مسلم والترمذي: " أنا والله هكذا سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو
____________
1- أنظر: مسند أحمد: 5 / 129 (21226).
2- صحيح البخاري: 4 / 1889 (4659).
النقصان في القرآن ـ في السور ـ:
إنّ أحاديث نقصان سور القرآن الكريم عندهم فكثيرة، منها:
إنّ أبا موسى الأشعري قال لقراء أهل البصرة: " وإنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها في الطول والشدّة ببراءة، فأنسيتها، غير أني حفظت منها: لو كان لإبن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوفه ابن آدم إلاّ التراب "(2).
هذا بالإضافة إلى الأحاديث الواردة حول نقصان سورة الأحزاب(3)، وكذا سورة التوبة(4)، وسورة يشبّهونها بإحدى المسبحات(5)، وسورتي الخلع والحفد(6).
ماورد حول آيات القرآن من مرويات أبناء العامة:
آية الرجم:
أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب أنّه قال: " إنّ الله بعث محمّداً بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله... ثمّ إنّا كنا نقرأ ـ فيما نقرآ من كتاب الله ـ: (أن لا ترغبوا عن آبائكم فانّه كفر بكم أن ترغبوا
____________
1- صحيح الترمذي: 5 / 191، صحيح مسلم: 1 / 565 (824).
2- أنظر: صحيح مسلم: 2 / 726 (1050).
3- أنظر: الدر المنثور للسيوطي: 5 / 179 و 180، كنز العمّال: 2 / 567 (4743)، الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: 2 / 67 (4121).
4- أنظر: الدرّ المنثور للسيوطي: 3 / 208.
5- أنظر: صحيح مسلم: 2 / 726 (1050).
6- أنظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 2 / 68 (4132).
آية الشهادة:
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري: " وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها بإحدى المسبحات نسيتها غير أني حفظت منها: (يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا، تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم، فتسألون عنها يوم القيامة)"(2).
آية يا أيّها الرسول بلغ...:
قال الحافظ السيوطي: " أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود، قال: كنّا نقرأ على عهد رسول الله (يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك أنّ عليّاً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس) "(3).
آية إنّ الله اصطفى آدم...:
أخرج الثعلبي بسنده عن أبي وائل، قال: " قرأت في مصحف عبد الله بن مسعود: (إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمّد على العالمين) "(4).
____________
1- صحيح البخاري: 8 / 2504 (6442)، وأنظر: صحيح مسلم: 3 / 1317، مسند أحمد: 1 / 55 (391)، موطأ مالك: 2 / 268 / 10، سنن ابن ماجة: 1 / 609 / 1944.
2- صحيح مسلم: 2 / 726 (1050).
3- أنظر: الدر المنثور: 2 / 298.
4- أنظر: الكشف والبيان (تفسير الثعلبي): سورة آل عمران: 33.
روى الحافظ السيوطي في تفسير قوله تعالى: (كَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ)(1) عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر، " عن ابن مسعود: أنّه كان يقرأ الآية هكذا: (كفى الله المؤمنين القتال بعلي ابن أبي طالب) "(2).
هذا بالإضافة إلى أحاديث عديدة روتها كتب العامّة حول آيات: المتعة(3)، الصلاة على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)(4)، ولاية النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)(5)، الحميّة(6)، المحافظة على الصلوات(7).
فهذه كتب أبناء العامّة وروايات رجالاتهم بهذا الخصوص! فكان الأولى بالخطيب أن ينسب التحريف في القرآن إلى أهل نحلته الذين ألفوا كتباً كثيرة في اختلاف المصاحف، كابن عامر (ت 118 هـ)، والكسائي (ت 189 هـ)، والفراء البغدادي (ت 207 هـ)، وخلف بن هشام (ت 229 هـ)، والمدائني (ت 231 هـ)، وابن حاتم (ت 248 هـ)، ومحمّد بن عيسى الأصبهاني (ت 253هـ)، وابن أبي داود السجستاني (ت 316 هـ)، وغيرهم!.
ولم يصل إلينا من هذه الكتب إلاّ كتاب (المصاحف) لأحد المتقدمين الحافظ أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني، المطبوع في المطبعة الرحمانيّة بمصر عام 1355 هـ، وقد نقل فيه جملة من الآيات بروايات الصحابة التي ثبت
____________
1- الأحزاب: 25.
2- أنظر: الدرّ المنثور للسيوطي: 5 / 192.
3- أنظر: الدرّ المنثور للسيوطي: 2 / 139 وما بعدها.
4- أنظر: الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: 2 / 67 (4121).
5- أنظر: الدرّ المنثور للسيوطي: 5 / 183 في تفسير (وأزواجه أمهاتهم).
6- أنظر: الدرّ المنثور للسيوطي: 6 / 79.
7- أنظر: فتح الباري للعسقلاني، كتاب التفسير: 8 / 197، الدرّ المنثور للسيوطي: 1 / 302.
إذ يقول في أوّل كتابه: " إنّما قلنا مصحف فلان لما خالف مصحفنا هذا من الخطّ أو الزيادة أو النقصان أخذته عن أبي(رحمه الله) ـ صاحب السنن ـ هكذا فعل في كتاب التنزيل "(1).
ومن المتأخرين ابن الخطيب في كتابه (الفرقان) الذي طبع في مطبعة الكتب المصرية بالقاهرة عام 1367 هـ.
والجدير ذكره أنّ القرآن الموجود الآن في أيدي المسلمين والذي يتلوه الملايين في أقطار الدنيا على طول القرون إنّما هو بقراءة حفص عن عاصم بن أبي النجود(2)، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، من دون اختلاف كما صرح به العلماء(3)، وعلى هذا مات السلف وعاش الخلف بكلّ فخر وتقدير، ومن دون أدنى ريب ونكير.
حقيقة الإمام المهدي(عليه السلام):
من افتراءات صاحب الخطوط العريضة، قوله: "... ثاني عشرهم فإنّه
____________
1- كتاب المصاحف للسجستاني: 50.
2- هذه القراءة هي المشهورة بين المسلمين، وقد ألّف حولها العلماء مؤلفات منها: ما كتبه أبو المواهب الحنبلي محمّد بن عبد الباقي البعلي (1014 ـ 1126) فله كتابان: الأول: رسالة في قراءة حفص عن عاصم، نسخته في مكتبة الأسد ـ دمشق. الثاني: فيض الودود بقراءة حفص عن عاصم بن أبي النجود، بخط المؤلف في مكتبة الأسد ـ دمشق.
وألف عثمان بن عمر بن أبي بكر الناشري الزبيدي (ت 848) كتاب در الناظم لرواية حفص من قراءة عاصم، منه نسخة مصورة في معهد المخطوطات في جامعة الدول العربيّة بالقاهرة في 22 ورقة، وقد طبع بتقديم السيّد محمّد حسين الجلالي في " شيكاغو " عام 1418 عن مخطوطة يمنية.
3- أنظر: مشكل الآثار للطحاوي: 1 / 114 وسير أعلام النبلاء للذهبي: 5 / 258 (119).
فقد أخرج جمع من أعلام أبناء العامة روايات كثيرة، في أنّ المهدي(عليه السلام) من عترة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ولد فاطمة(عليها السلام) ومن ولد الحسين(عليه السلام)، وأنّه الخليفة الثاني عشر من الخلفاء الذين أخبر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّهم يملكون أمر هذه الأُمة، وكان منهم:
1 ـ الحافظ أبي نعيم الإصبهاني في كتابه (الأربعين).
2 ـ المتقي الهندي (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان).
3 ـ السيوطي (العرف الوردي في أخبار المهدي).
4 ـ ابن حجر (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر).
5 ـ جمال الدين يوسف الدمشقي (عقد الدرر في أخبار المنتظر).
6 ـ الشوكاني (التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح).
فضلا عن الروايات الكثيرة الواردة في أخبار المهدي(عليه السلام) التي أخرجها أكابر المحدثين من أبناء العامة(2).
____________
1- الخطوط العريضة: 55.
2- كالترمذي، وأحمد، وأبي داود، وابن ماجة، والنسائي، والبيهقي، والماوردي، والبخاري في تاريخه الكبير، ومسلم، والطبراني، والسمعاني، وابن عساكر، والدارقطني، والبغوي، وابن الأثير، والحاكم النيسابوري، والشبلنجي، وللمزيد يراجع كتاب (المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة) د. عبد العليم عبد العظيم البستوي / طبع دار ابن حزم ـ المكتبة المكية.
ومن علماء السنة المعاصرين ناصر الدين الآلباني في مقال نشر بمجلة المجمع العلمي العربي بدمشق تحت رقم 22 / 643 بعنوان (التمدن الإسلامي).
وكذلك عبد العزيز بن باز في مقال نشرته مجلة الجامعة الإسلاميّة في عددها الصادر في ذي القعدة 1389 هـ ص 162 تحت عنوان (ذيل عقيدة أهل السنة).
وقد وافق الشيعة جمع كثير من أعلام العامّة من أنّ المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) هو ابن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) وأنّه غائب، ومنهم:
1 ـ أبو سالم كمال الدين محمّد بن طلحة بن محمّد بن الحسن القرشي العدوي النصيبي والشافعي (ت 702 هـ)، الممدوح بأنّه أحد الصدور والرؤساء والمعظمين في كتابة (مطالب السؤول)(1).
2 ـ أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي (ت 858 هـ)، الملقب بالإمام الحافظ في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان)(2).
3 ـ نور الدين عليّ بن محمّد بن الصباغ المالكي (ت 755 هـ)، في كتابه (الفصول المهمّة)(3)، حيث ذكر كلام محمد بن يوسف الكنجي مستشهداً
____________
1- مطالب السؤول لابن طلحة: الجزء الثاني، الباب الثاني عشر.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي: الباب 24.
3- الفصول المهمّة: الفصل الثاني عشر: 291.
4 ـ محي الدين أو عبد الله محمّد بن عليّ بن محمّد بن عربي (ت 638 هـ)، الملقب بالشيخ الأكبر في كتابه (الفتوحات المكية)(1).
والجدير بالذكر أن المطبوع من الكتاب قد طالته أيدي التحريف والحذف!، ولكن نقل الشعراني في (اليواقيت)(2) لكلام ابن العربي لهو شاهد على أنّه ذكر أنّ المهدي ابن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)، وأنّه سيختفي ويظهر بعد حين.
5 ـ عبد الوهاب بن أحمد بن عليّ الشعراني (ت 973 هـ) الملقب بالشيخ العارف الخبير في كتابة (اليواقيت والجواهر)(3)، المعظم والممدوح عند علماء العامة، حيث قالوا: أنّه لا يقدح في معاني هذا الكتاب إلاّ معاند أو جاحد كذّاب.
وغير هؤلاء كالبيهقي، وابن روزبهان، وشهاب الدين دولت آبادي، والقندوزي...
ويرى جمع آخر منهم أنّه ولد ـ لا سيولد فيما بعد كما ادعى البعض ـ ومنهم:
1 ـ ابن خلكان في (وفيات الأعيان).
2 ـ ابن طولون في (الشذرات الذهبيّة).
3 ـ السويدي مؤلف (سبائك الذهب).
4 ـ ابن الأثير في (الكامل في التاريخ).
5 ـ أبو الفداء في (المختصر).
6 ـ الشبراوي الشافعي في (الإتحاف).
____________
1- الفتوحات المكية: المجلد الثاني، الباب السادس الستون وثلثمائة.
2- اليواقيت والجواهر: الجزء الثاني، المبحث الخامس والستون في اشراط الساعة، وقد نقل كلام ابن عربي وفية: (فاختفى إلى أنّ يجىء الوقت الموعود فشهداؤه...). 3- اليواقيت والجواهر: الجزء الثاني، المبحث الخامس والستون.
ومع كلّ هذا يدّعي الخطيب أنّ الشيعة ينفردون بهذه المقالة!!، ومما يبعث على الاستغراب! أن يصرّ هذا الرجل على عناده فينكر ما ليس له به علم، وإنْ دلّ هذا على شئ فإنّما يدلّ على التحامل والعصبية القائمة على عدم التتبع.
الإذعان لنداء الحقّ:
يقول السيد العسيري: " وبعد الأخذ والردّ بيني وبين قريبي تبيّن لي أنّ الشيعة براء ممّا وجّه إليهم، وعرفت أنّهم لا يعتقدون بفضيلة أو منقبة لأئمتهم إلاّ ويعتقدون لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تلك الفضيلة على النحو الأتم والأكمل، فهو(صلى الله عليه وآله وسلم)لايعدله أحد عندهم، وأنّ الأئمة مأمورون بإتباعه وطاعته كما أطاعه من قبل جدّهم عليّ(عليه السلام)، وهم الذين اختصهم الله تعالى بعنايته واختارهم ليكونوا حججه على خلقه، ولذلك تمسكوا بهم ".
ويضيف العسيري: " وبعد مناقشة مواضيع أخرى، كالسقيفة والإمامة وغيرها أهداني قريبي كتاب (المراجعات)، فكان هذا الكتاب بمثابة الضربة القاضية لكلّ معتقداتي ـ الوهابيّة ـ السابقة! وهكذا لم يبق لي مندوحة في السلوك غير انتهاج طريق أهل البيت(عليهم السلام) ".
(31) عبـد الله دوسـو
(وهابي / ساحل العاج)
ولد عام 1970م بمدينة " طوبا " في ساحل العاج(1)، كان في بداية أمره من أهل العامة، ثم تحول إلى الوهابية.
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1994م في بلاده.
التعرّف على التشيّع:
يقول الأخ عبد الله: " تعرّفت على الشيعة في المرحلة الابتدائية للدراسة، وذلك عن طريق بعض أساتذتنا الشيعة اللبنانيين.
وحيث كان لهؤلاء المعلمين أخلاق رفيعة وشخصيات متينة وأساليب جذّابة في إلقاء الدروس، أثروا بسلوكهم على التلاميذ وجعلوهم متفاعلين معهم عقلياً ونفسياً، وكان من الملاحظ فيهم أمرين ملفتين للنظر:
الأوّل: انّهم كانوا ذو ثقافة عالية وإطلاع واسع لا سيما في الجوانب التاريخية والعقائدية والفقهية.
الثاني: كانت هوية التشيع ظاهرة وبارزة عليهم، بحيث كان معظم كلامهم
____________
1- ساحل العاج: أنظر: الترجمة رقم (3).
غزو التيار الوهابي:
حينما تعرّفت على الشيعة كان قد توغل المدّ الوهابي وتسلل إلى القارة الأفريقية، وكان لهؤلاء أساليب متنوعة مدعومة بأموال طائلة، فسحت لهم المجال للتحرّك في الأوساط بشكل واسع، وقد كان لهم تحرك مكثف في المدارس، لعلمهم بأنّ هذه الأماكن منفذ السهل لزرع أفكارهم في نفوس الجيل اليافع، وبما أنني كنت طالباً في إحدى هذه المدارس التي شملها المدّ الوهابي انجرفت كغيري بهذا التيار، وخصوصاً بعد فقدنا الأساتذة السابقين، حيث كان هذا سبباً لفقداننا الجانب المعنوي وضعف مبتيناتي العقائدية، حتى آل الأمر بي أن أنتمي إلى الوهابية نتيجة أنجرافي مع هذا التيّار الذي غزى أوساطنا.
وبعد إتمامي للمرحلة المتوسطة في عام 1988م، شجعني وحثني الوهابيون على السفر إلى السعودية لمواصلة الدراسة في مدارسها الدينية، ولكنني لم أُقبل في أي مدرسة بشكل رسمي فعدت أدراجي إلى ساحل العاج، ولكن الوهابية لم يتركوني وشأني فالحقوني ببعض المشايخ لأتلقّى على أيديهم الدروس والأبحاث الدينية.
أسئلة حائرة تحتاج إلى جواب مقنع:
كنت أطرح في ذلك الحين جملة من الأسئلة والاستفسارات على مشايخنا بعد الانتهاء من الدرس، وكانت أغلب أسئلتي منطلقة من الأحاديث التي سمعتها
كما أنني كنت أشاهد في أوساطنا حملة مسعورة من قبل الوهابيين ضدّ الشيعة والتشيّع لاسيما في مجال الإصدارات، حيث أغرقوا المكتبات والمدارس وحلقات المشايخ بالكتب التي تشنّع على الشيعة وتحط من شأنهم، لتتشبع بها أفكارنا وتمتليء صدورنا بالحقد والغيظ عليهم، ومن هذه الكتب كان كتاب (وجاء دور المجوس) الذي سطّر فيه المؤلف ما شاء من التهم والافتراءات على مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ".
ملاحظات على كتاب (وجاء دور المجوس):
في الحقيقة أنّ المطالع لهذا الكتاب يدرك بوضوح أنّ مؤلفه " عبدالله محمد الغريب " قد جانب الموضوعية في بحثه، والإنصاف في حكمه، بل أنّه انطوي على ذهنية طائفية ونفسية منفعلة لمواجهة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)!
كما يلحظ أنّ المؤلف اعتبر في هذا الكتاب، أن خصمه الأوّل والأخير هم الشيعة، بل عبّر بصراحة عما يجيش في صدره بخصوص حلقات دروسهم وحوزاتهم وحسينياتهم!(1).
والجدير بالذكر أنّ المؤلف لم يأت بشيء جديد، بل كرّر نفس التهم والأباطيل التي عزف عليها الماضون، كتحريف القرآن، وجهلهم بعلم الحديث،
____________
1- أنظر: وجاء دور المجوس: 5.
من قال بتحريف القرآن؟!:
إنّ من أقدم القائلين بتحريف القرآن ووقوع الزيادة والنقصان فيه، هم أئمة أهل العامة!، فإنّ أمّهات مصادرهم تشير إلى ذلك! وإنّ الذين قالوا بالتحريف كان مرجعهم ومستندهم الروايات الواردة في كتب أهل العامة عن أئمتهم كعمر، وعبد الله بن عمر، وعبدالرحمن بن عوف، وعائشة و...
فقد روى المتقي الهندي عن ابن مردويه من مسند عمر، عن حذيفة قال: " قال لي عمر بن الخطاب: كم تعدّون سورة الأحزاب؟ قلت: إثنتين أو ثلاث وسبعين، قال: ان كانت لتقارب سورة البقرة، وان كان فيها لآية الرجم "(1).
وروى البخاري بسنده عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب في أيام خلافته أنّه قال: " إنّ الله بعث محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله: والرجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان من الحبل أو الإعتراف، ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: (أن لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن
____________
1- كنز العمال: 2 / 480 (4550)، ونحوه في مسند أحمد بن حنبل، عن أبي بن كعب: 5 / 132 (21244)، وأنظر: الأحاديث المختارة للمقدسي: 3 / 370 (1164)، مستدرك الحاكم: 2 / 450 (3554)، السنن الكبرى للبيهقي: 8 / 366.
وروى المتقي الهندي أيضاً، عن عدي بن عدي بن عميرة بن فروة، عن أبيه، عن جدّه: " إنّ عمر بن الخطاب قال لأُبيّ: أوليس كنّا نقرأ من كتاب الله: أنّ انتفاءكم من آبائكم كفر بكم؟ فقال: بلى. ثم قال: أوليست كنّا نقرأ: الولد للفراش وللعاهر الحجر؟! فُقد فيما فقدنا من كتاب الله، قال: بلى "(2).
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف، قال: " قال لي عمر: ألسنا كنّا نقرأ فيما نقرأ: وجاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم أوله؟ قلت: بلى، فمتى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كانت بنو أميّة الأمراء، وبنو المغيرة الوزراء!! "(3).
وروى مسلم بسنده عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة، أنّها قالت: " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهن فيما يقرأ من القرآن "(4).
وروى نافع عن ابن عمر أنّه قال: " لا يقولنّ أحدكم قد أخذت القرآن كلّه، وما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر "(5).
____________
1- صحيح البخاري، كتاب المحاربين من أهل الردة، باب رجم الحبلى إذا احصنت: 8 / 2504 (6442).
2- كنز العمال: 6 / 208 (10372)، وأنظر: التمهيد لابن عبد البر: 4 / 276، الإتقان للسويطي: 2 / 68 (4126).
3- أنظر: الدر المنثور للسيوطي: 4 / 371، كما أخرجه البيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة.
4- صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب بالتحريم بخمس رضعات: 2 / 1075 (1452)، وأنظر: سنن الدارمي، كتاب النكاح: 2 / 209 (2203).
5- أنظر: الاتقان للسيوطي: 2 / 66 (4117).
هذا فضلاً عن عشرات الروايات التي تذكر جملة من الصحابة الذين قالوا بوقوع الزيادة والنقصان في كتاب الله تعالى، وأنّ من إئتم بهم يعتبره صحيحاً ويروي في صحاحه(2).
والأشد من هذا مازال جمع من علماء أبناء العامة يقولون بالتحريف من حيث لا يشعرون!، فيقول محمّد محمّد عبد اللطيف المعروف بأبن الخطيب صاحب كتاب (الفرقان): " ومن أعجب العجب ادعاؤهم أن بعض الآيات قد نسخت تلاوتها وبقي حكمها، وهو قول لا يقول به عاقل.
وذلك لأنّ نسخ أحكام بعض الآيات مع بقاء تلاوتها ; أمر معقول مقبول، حيث أنّ بعض الأحكام لم ينزل دفعة واحدة، بل نزل تدريجياً لتألفه النفوس، وتستسيغه العقول، وهنا كانت الحكمة جلية ظاهرة في نسخ أحكام بعض الآيات مع بقاء تلاوتها.
أمّا ما يدّعونه من نسخ تلاوة بعض الآيات مع بقاء حكمها ; فأمر لا يقبله إنسان يحترم نفسه، ويقدّر ما وهبه الله تعالى من نعمة العقل، إذ ما هي الحكمة في نسخ تلاوة آية مع بقاء حكمها؟!"(3).
____________
1- المصدر نفسه: 2 / 67 (4121).
2- تم ذكر بعض مصادر القوم فيما سبق، فراجع.
3- الفرقان: 156 ـ 157.
الشيعة وعلم الحديث:
مما يلاحظ على أقوال الغريب، قوله: " والرافضة جهلة بعلم الحديث، وما يدرّس في جامعاتهم هزيل جداً، وإذا سألتهم عن سند حديث قالوا: رواه الحسين أو محمّد الباقر أو موسى الكاظم... "(1).
وبهذا نجد أنّه ينكر دور شيعة آل البيت(عليهم السلام) في تشييد أركان الحضارة الإسلامية برمتها، ومساهمتهم في إغناء علم الحديث، وهو أمر لا يشك به عاقل مطّلع على تراث المسلمين، فقد بادر أئمة الشيعة(عليهم السلام) وعلماؤهم إلى تدوين سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وحفظها في الوقت الذي منع غيرهم ذلك!.
ولقد أدرك أتباع أهل البيت(عليهم السلام) شرف السنة النبوية ودورها في تبيين ما أنزل الله في كتابه العزيز، في حين جعل غيرهم سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وراء ظهورهم ورفع شعار " حسبنا كتاب الله "!.
وقد انبرى الشيعة الإمامية لصيانة السنة النبوية الشريفة من الدسّ والتزوير من خلال تدوينهم وتنقيحهم لها، وقد أنجبت مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في القرون الثلاثة الأولى محدثين كبار لهم ثقلهم في العالم الإسلامي، فكان منهم:
1 ـ يونس بن عبد الرحمن: وهو من تلامذة الإمام موسى الكاظم والإمام عليّ الرضا(عليهما السلام)، وقد وصفه ابن النديم في فهرسته بعلاّمة زمانه، له جوامع الآثار، والجامع الكبير، وكتاب الشرائع.
____________
1- وجاء دور المجوس: 120.
3 ـ الحسن والحسين إبنا سعيد الأهوازي: صنفا ثلاثين كتاباً.
4 ـ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 274 هـ): صاحب كتاب (المحاسن).
5 ـ محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي (ت 293 هـ): صاحب الجامع المعروف.
6 ـ محمّد بن أبي نصر البزنطي (ت 221 هـ): صاحب الجامع المعروف.
وقد ألّف رجالات الشيعة جوامع حديثية في القرنين الرابع والخامس، منها:
1 ـ الكافي، لثقة الإسلام الكليني (ت 329 هـ).
2 ـ من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق (ت 381 هـ).
3 ـ كتابي التهذيب والاستبصار، للشيخ الطوسي (ت 460 هـ).
كما أضيفت جوامع حديثية أخرى في القرن الحادي عشر، منها:
1 ـ وسائل الشيعة للحر العاملي (ت 1104 هـ).
2 ـ بحار الأنوار، للشيخ المجلسي (ت 1110 هـ).
3 ـ الوافي، للمحدّث الكاشاني (ت 1019 هـ).
وهذا أدلّ دليل على إعتناء الشيعة بسنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم تضييعهم لها، وكذا على خبرتهم في الآثار المروية عن الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق الائمة الطاهرين(عليهم السلام) من آله.
ومع هذا كلّه يدّعي الغريب جهل الشيعة بعلم الحديث، ثم يستهزأ بهم لإسنادهم الأحاديث إلى أئمتهم! وكأنّه لم يراجع تراجم هؤلاء الأعاظم في كتب