الصفحة 108
الرسالة الإسلامية ومستقبلها المصيري".

ويخرج المؤلف في نهاية المطاف بهذه النتيجة: "إنّ الأصل في القيادة، هي الوصية، ولم تكن الشورى، سوى تبرير تاريخي لما وقع في سقيفة بني ساعدة. إذ أن التاريخ يفضح حقيقة الشورى التي اعتمدوها في السقيفة. بل أنّها ـ أي الشورى ـ اثبت "بؤسها" في انتخاب صيغة الحكم، وفي خلق الممانعة الشرعية والمطامع النفسية والقبلية التي كانت سائدة يومها وليس من السهولة التغاضي، عما وقع حول الخلافة من خلاف وتضارب!".

ثم يثبت المؤلف بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أقام عليّاً(عليه السلام) كمؤازر ووزير ووصي، ثم يستنطق التاريخ وليكشف عن اعماقه فيذكر عدّة مواقف نصّب فيها النبيّ(صلى الله عليه وآله) عليّاً كوصي وخليفه من بعده، منها: حديث الدار، والمؤاخاة، وحديث غدير خم و....

ثم يقول: "إن الرسول(صلى الله عليه وآله) لم يكن ـ حاشاه ـ غافلا عن قيمة الخلافة والاستخلاف، وكانت خطبة الوداع، برنامجاً لهم، يقيهم عثرات المستقبل، واكّد فيها على آل بيته(عليهم السلام) وولّى فيها الإمام عليّاً(عليه السلام)... وحذّرهم من مغبّة التجاوز للنص ابتغاء الرأي والباطل، كما حذّرهم من مغبة التضليل والردة والافتتان. ذكر اليعقوبي في تاريخه: "لا ترجعوا بعدي كفاراً مضللين يملك بعضكم رقاب بعض إني خلفت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي"، ثم أمر الناس بالالتزام بما أعلنه واودعه فيهم قائلا: "إنكم مسؤولون فليبلغ الشاهد الغائب"(1).

ملابسات وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله):

اشار الاستاذ إدريس الحسيني في هذا الخصوص إلى جملة من الأحداث التي وقعت اثناء مرض الرسول(صلى الله عليه وآله) واحتضاره وبعد وفاته، وخص

____________

1- تاريخ اليعقوبي: 3 / 90 ـ 93.


الصفحة 109
بالذكر الأحداث التي خلفت وراءها محناً سياسية واجتماعية رهيبة. منها: تجهيز الرسول لجيش أسامة بن زيد، وتخلّف بعض الصحابة عن تلبية أمره، ووقوف عمر موقفاً قمعياً حينما حال بين الرسول(صلى الله عليه وآله) في مرضه والكتابه، وقوله "حسبنا كتاب الله".

وأمّا بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله): "فبقى(صلى الله عليه وآله) جثة هامدة بين يدي آل البيت، يغسلونه، في الوقت الذي راح الآخرون يتطاحنون على حق محسوم بالنص واستغلالا للظرف، وركوباً لفرصة غياب الإمام عليّ(عليه السلام) وآل البيت".

وفيما يخص مقولة عمر بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله): "إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) توفي وإنه والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران..." يذكر المؤلف: إنّ عمر لم يكن يجهل وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)، ولم يكن يجهل الآية التي تلاها عليه أبو بكر بعد مجيئه وهي قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَئِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَـبِكُمْ)(1)، بل كان غرضه من اثارة هذا الموضوع، هو أن يصرف الناس عن التفكير بأمر الخلافة، حتى يربح الوقت لكي يأتي أبو بكر وتتم العملية.

ثم يذكر احداث السقيفة واللعبة التي لعبها أبو بكر وعمر وأبو عبيدة من أجل الوصول إلى مآربهم.

عصر ما بعد السقيفة:

يركّز المؤلف في هذا الخصوص على المحطات المهمة بعد السقيفة، ثم يورد المشاكل المعقدة التي افرزها واقع السقيفة، منها:

____________

1- آل عمران: 144.


الصفحة 110
1 ـ منع فاطمة الزهراء(عليها السلام) من ميراث ابيها لفدك وموقف الزهراء ازاء ذلك.

2 ـ دخول أبي بكر في معركة مع المسلمين واتهامهم بأهل الردة، ذلك لمنعهم اعطاء الزكاة له.

3 ـ استبداد أبي بكر في تنصيبه عمر بن الخطاب من بعده رغماً عن المسلمين وتحدياً لحرياتهم وتسفيهاً لمقاماتهم الكبرى.

ويقول: "الكل يحاول أن يرسم عمر بن الخطاب في صورة اسطورية كما شاءها له مناوئو بني هاشم، حتى يغطّوا بدخانها الكثيف فضائل البيت العلوي! بينما الواقع أن عمر بن الخطاب لم تكن له مؤهلات الخلافة النفسية والاجتماعية".

ثم يقول: "إن سلبيات عمر التاريخية، ونوادره في السلوك السياسي والاجتماعي والفقهي لم ينسها التاريخ، ومن تلك النوادر:

1 ـ سطحيته السياسية:

ـ ويسرد المؤلف اثباتاً لهذا الأمر شواهد كثيرة ثم يقول: فملخص القضية أن عمر راح ضحية قشريته السياسية، إذ ركز على عليّ(عليه السلام) وشيعته، وأرخى اللجام للزمرة الأموية ـ.

2 ـ القمع الاجتماعي:

ـ إنّ عمر بن الخطاب لم يكن رجلا مذكوراً، عند العرب، ولم يكن له وزن قبلي يثبته ولا سند من الأنساب يسنده. لذلك كان يحاول الانتقام من خلال الخلافة، ليس من أجل كسب ما ضاع منه، وإنما من أجل الانتقام من الأمراء واصحاب الرفعة والشرف ـ.

3 ـ الشذوذ الفقهي:

يؤخذ على عمر بن الخطاب، أنه خلافاً لما يدعي مؤرخو البلاط، رجل

الصفحة 111
عديم الملكة الفقهية، وليس هذا فحسب، بل متجرىء على الفتوى فكان يأتي بالنوادر، متجاوزاً كل النصوص. يقول ابن أبي الحديد: "وكان عمر يفتي كثيراً بالحكم ثم ينقضه، ويفتي بضدّه وخلافه..."(1).

كما اعترف عمر غير مرة بقصوره الفقهي أمام جمهور المسلمين، وشاع عنه قوله: "كل الناس افقه من عمر"".

الخلافة بعد وفاة عمر:

يقول الاستاذ إدريس في هذا الصدد: "دخلت الخلافة في المشهد الثالث من لعبتها، لتفضي ويفضي معها الاختيار الأرعن إلى اسوأ وضع عرفته الأمة وإلى أول اهتزاز سياسي شهده المجتمع الاسلامي".

ويرى المؤلف أنّ الاطروحة التي قدمها عمر لتعيين الخليفة من بعده، كانت لعبه متقنة، ثمّ يتساءل: هل إن عمر هو الذي رأى أن الأمر بعد الرسول متروك للمسلمين ينظرون فيه؟ إذن لماذا لم يترك للناس حرية النظر في شؤون الأمة؟ ثم لماذا يلزم المرشحين الستة بمخططه ويقضى بقتل من خالف؟

ويجيب على هذه التساؤلات: إنّ عمر بن الخطاب كان يمهد منذ البداية لخلافة عثمان، ولكن الحرص على إحضار الستة له أسبابه التكتيكية. لقد حاول عمر من خلال هذا الترتيب أن يظهر للناس من بعده، أن عليّاً(عليه السلام) على الرغم من حضوره، فإنه لم يستطيع الفوز بها لعدم جدارته، ورفض الناس له، وبهذا سيسلب منه ورقة الخلافة ويسقطه سياسياً، كما أنه أراد أن يسقط معه مناوئيه القدامى وهما طلحة والزبير، وما وجود سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف سوى لتحقيق التوازن في المخطط، ليفضي الأمر في نهاية الجولة إلى عثمان بن عفان".

____________

1- شرح النهج لابن ابي الحديد: 3 / 181.


الصفحة 112

عثمان أو الفتنة الكبرى:

يرى المؤلف أن الخليفة الثالث عثمان صنيعة وضع هو في حدّ ذاته مسلسل لواقع التآمر التاريخي على عصبة بني هاشم، وأن عثمان كان ضعيف الشخصية، لا يقوى على اتخاذ القرار ولا على الصمود في العدل بين العامة والأقرباء.

ولهذا استفز عثمان بسياسته المسلمين جميعاً، لأنه سلك منذ البداية نمطاً من الخلافة العشائرية حيث حمل بني أمية على رقاب الناس، فادى ذلك إلى انفجار ثورة شعبية عامة أدت إلى مقتله.

ويصف الاستاذ إدريس هذه الثورة: "لقد كانت حقاً ثورة من أجل تثبيت العدالة الاجتماعية من جديد، ثورة شاركت فيها كل فصائل المعارضة في المجتمع، بكل همومها وأهدافها، فكل الناس قتل عثمان وما من صغير وكبير إلاّ ونقم عليه.

ثم يتساءل: لكن هل استطاعوا ارجاع الأمور إلى نصابها، هل قضوا فعلا على النفوذ الأموي؟

فيجيب: إنهم لم يفعلوا سوى أن صنعوا المنعطف الآخر، ليدخل التاريخ الإسلامي، إلى حقبة الاضطرابات الكبرى، فنفوذ بني أمية أوسع وأعمق وأقوى من أن تزيحه ثورة فقراء، وسنين من الخلافة مضت كان فيها بنو امية على يقظة في بناء قدراتهم.

ثم يضيف: إنّ قتل عثمان قوّاهم بدلا من أن يضعفهم، وما أن قتل عثمان، حتى اكفهَّر التاريخ عن وجوه ذميمة، طالما بيّتت النفاق، مقتل عثمان كان مدخلا لفهم حقيقة التاريخ الاسلامي!".

بيعة الامام علي(عليه السلام):

يرى المؤلف أنّ المؤامرة ضد الإمام عليّ(عليه السلام) اصطدمت مع التاريخ، ولم

الصفحة 113
يبق أمام الناس سوى الرجوع إليه، وكان لابد أن يكون للمؤامرة سقف تقف عنده، وكان هذا السقف هو يقظة الجماهير المسلمة على اثر مقتل عثمان.

ولكن الإمام عليّ(عليه السلام) واجه في حكومته بيئة تحكمها الامتيازات الطبقية، فتقدّم ليرفع صخوراً ثقال، إلى سماء الروح ليعطي للجميع حقه، فلهذا سخط عليه من الذين اعتادوا على الاستئثار، فانحاز هؤلاء في النهاية إلى معسكر الآخر: معسكر بني امية، حيث يجدون فيه تحقيقاً لأطماعهم.

ولذلك دخل الامام عليّ(عليه السلام) في معركة تاريخية مع فئتين احداهما إقطاعية والاخرى فقيرة انتهازية.

ومن هذا المنطلق وقعت حرب الجمل وهي الحرب التي كانت تلقائية، تخططها عقول ارتجالية وتقودهم امرأة ضعيفة العقل، ثم تلتها حرب صفين نتيجة محاولة الإمام عليّ(عليه السلام) لعزل معاوية من الحكم مهما كانت مضاعفات هذا الاجراء، ثم وقعت حرب النهروان نتيجة سذاجة البعض ومخالفتهم لما ارتآه الإمام عليّ(عليه السلام)من موقف ازاء معاوية في الظروف الحرجة التي كانت تحيطه والتي دفعته للتمسك بجعل الحكمين فيما بين جماعته وفئة معاوية.

ثمّ يستمر المؤلف بسرد أهم الأحداث التاريخية التي صاغتها ايدي المخالفين للوقوف بوجه الحق، فيذكر ما حدث في خلافة الحسن(عليه السلام) والمؤامرة الكبرى لقتله(عليه السلام)، ثم مبادرة معاوية لتغيير الخلافة إلى ملك، ثم دخول يزيد إلى معمعة السلطة مما أدى إلى وقوع ملحمة كربلاء، ويذكر المؤلف عموميات مختصرة حول المشهد الدراماتيكي لملحة كربلاء كما اتفقت عليها تواريخ المسلمين، ثم يبين استنتاجاته التي ادت به إلى التشيع والانتماء إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام).


الصفحة 114

الفصل الخامس: مفاهيم كُشف عنها الغطاء

يختار المؤلف في هذا الفصل مفهومي الصحابي والإمامة، فيكشف في الأول عن السلوك السياسي والاخلاقي للجماعة التي سميت بالصحابة، فيذكر نماذج منهم: أبو بكر، وعائشة، فيجعلهم في الميزان.

ثم يخرج بهذه النتيجة: ليس كل الصحابة عدول، ويبين أن الرسول(صلى الله عليه وآله) ذكر بأن بعض الصحابة سيرتدّون على اعقابهم.

وأما بالنسبة إلى مفهوم الإمامة، فيورد بحثاً كاملا حوله وحول ضرورته وصفات الإمام وافضليته وعصمته و...

الفصل السادس: في عقائد الإمامية

يبين المؤلف في هذا الفصل كيفية ظهور علم الكلام، فيقول: "لقد ظهر علم الكلام على أثر الأحداث التي تلت وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) إذ أن أمواجاً من التحديات الفكرية والفلسفية التي وردت على المسلمين من البلدان المفتوحة، كانت تفرض على المسلمين الاهتمام بالكلام، لإثبات عقيدتهم اثباتاً عقلياً يلزم حتى الخارجين عن الاسلام".

ثم يركّز الاستاذ إدريس على بعض مباحث علم الكلام، منها: التوحيد والصفات، العدل الالهي، الرؤية والتجسيم، في كلام الله والبداء، فيستعرض في كل من هذه الخصائص بايجاز وجهة نظر كل من الفرق الثلاثة: الشيعة، المعتزلة، الاشاعرة، ويذكر الأدلّة التي دفعته للاقتناع بآراء مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

ويلخّص الاستاذ إدريس الحسيني في نهاية الكتاب رحلته السريعة في رحاب المعتقد قائلا: "نعلن أهمية الرجوع إلى أصل المعتقدات لإعادة بناء

الصفحة 115
القناعة، على أسس علمية دقيقه، بعيداً عن ذوي التقليد".

ثم يضيف: "إنني لم أتذوق حلاوة العقيدة إلاّ في ظل هذه الجولة وفي ضوء تلك الرحلة".


الصفحة 116

وقفة مع كتابه الآخر: "محنة التراث الآخر"

إنّ من أهم القضايا التي قد أولاها المسلمون الأهمية الكبرى في زماننا المعاصر، هي السعي من أجل تشييد منهج متكامل لحلّ الأزمة الفكرية التي يعاني منها المجتمع في يومنا هذا.

وكان من جملة الأبحاث التي طرحت في هذا المجال على طاولة البحث هي صياغة رؤية واضحة ومتكاملة للتراث الذي واجه على مرّ العصور مختلف أشكال النفي والالغاء.

وقد خصّص الأستاذ إدريس هاني جزء من وقته للبحث في هذا المجال من أجل غربلة التراث وفرز الصحيح والنقي منه وطرح الباطل الذي تراكم عليه بمرور الزمان.

ودعت شمولية البحث واتباع الموضوعية أن يوسع الاستاذ دائرة بحثه ولا يقتصر على التراث الرسمي الذي نال مشروعيته من الحكومات ورجال السياسة، فتناول في هذا المجال التراث الآخر غير الرسمي.

وقد ارتأى البحث عن الموروث الإمامي الذي تعرّض على مرّ العصور لأشدّ ألوان الاضطهاد والمحاربة.

الدافع للنظر في دفائن التراث:

يذكر المؤلف أنّ من أهم الأسباب التي دفعته للخوض في مغامرة استكشاف التراث هي مفاجئته بالكم الهائل من القراءات التي اجتاحت حقل التراث، والتي شرعت في اقامة الحدّ عليه بسوط الحداثة كما استضعفته تحت

الصفحة 117
سلطة خطاب مناهج شتى.

فيقول الاستاذ: "آنئذ عزمنا على اقتحام هذا المعترك، عنوة ـ لا خلسة ـ، كي نساهم قدر الوسع، بجهدنا الذي لا يسمح لنفسه بأكثر من العمل في إطار مشروع محاولة للفهم، وتقريب ما تعذّر استيعابه من قبل الناظرين في دفائن التراث، أو ما استنكفوا عن مقاربته، لأسباب، ما زلنا نصرّ على أنها غير موضوعية وغير نزيهة، البته!".

ثم يعترف المؤلف: "إننا لا ننكر أنّ الحداثة، بغض النظر عن انشقاقاتها وخلافاتها، ظلت قضية فارضة نفسها على عالمنا العربي بمنظومته الفكرية والقيمية".

ثم يضيف المؤلف: "أمام هذا الوضع، كيف نستطيع الظفر بفهم شمولي وتكاملي للتراث؟ وما هو السبيل إلى بلورة وعي تاريخ عربي، ينزهنا عن هذه النزعات المؤثرة على البحث التاريخي وآليات النظر في وقائعه؟".

ثم يذكر المؤلف نماذج متعددة من اطروحات قراءة التراث لجملة من الشخصيات، منهم: حسين مروة، حسن حنفي، اركون، الجابري، وصرّح بأنّ هذه النماذج تمثل الخيارات البارزة على صعيد التفكير العربي المعاصر.

مشروع المؤلِّف في الكتاب:

يذكر المؤلف في صدد ما يريد العمل على ابرازه في هذه المناسبة، فيقول: "تأتي محاولتنا هذه، من أجل تقديم صورة عن الآخر المقصي، في صميم موروثنا الثقافي والتاريخي، وقد اخترنا نموذجاً من التراث ـ كتأطير اجرائي للبحث ـ: الموروث الإمامي".

واختار المؤلف المجال الأول هو "الكتابة التاريخية"، ثم انتقل إلى مجال "علم الكلام، فاستحضر أهم الاشكاليات المطروحة، فأوضح ما به امتيازها وما

الصفحة 118
هو من مختصات النظر في الخطاب الكلامي الامامي، وفي الحقل الثالث، يتطرّق المؤلف إلى مجال الحكمة، فيقدّم نموذجاً لهذه الحكمة من خلال الفيلسوف الشيرازي صدر المتألهين. وأمّا الحقل الرابع فيتعلق بمجال اصول التشريع، حيث تتبع المؤلف تاريخية التأصيل وآليات الاشتغال الفقهي وبيّن مواقع الخصوصية والتمييز في مسار النظر الفقهي الإمامي.

الفصل الأول: الكتابة التاريخية

ذكر المؤلف في بدء هذا الفصل اشكالين يرتبطان بنقد الخطاب التاريخي العربي وهما: أولا: كيف نقدّم فهماً معقولا وواقعياً لأحداث الماضي، والثاني: كيف يمكن تخطّي أزمة العقل العربي وتخلّفه التاريخي.

ثم ألحق المؤلف بهذين الاشكالين سؤالا آخر وهو: هل أزمة الخطاب التاريخي العربي، ظاهرة لازمة لهذا الخطاب من حيث هو عربي، أم أنها تتعلّق بالخطاب التاريخي بصورة عامة.

ومن هنا بدأ المؤلف بحثه فقال حول استطاعة التاريخ الظفر بعلميته: "إنّ الخطاب التاريخي العربي يشكو أكثر من أي قطاع معرفي آخر شدة الفقر العلمي، لأنّه صورة عن الماضي قد تمّ تبينها على هوى المؤرخ".

ثم ميّز المؤلف بين التاريخ والاسطورة، ويذكر أنّ التاريخ هو علم حقيقي بالماضي، وأن الاسطورة هي تأمل تخييلي لا زماني ولا مكاني.

وأمّا ما يخص العرب والمسلمين في مجال الكتابة التاريخية، قال المؤلف: "إنّ مشكلتهم تكمن في كونهم حوّلوا هذه الممارسة الموضوعية إلى وظيفة لتركيز ايديولوجيا ما أو اثبات الشرعية لكيانات سياسية مختلفة".

وقال المؤلف في هذا الصدد: "التاريخ العربي قتلته السياسة، لذا جاء مجزءاً ومتلبّساً، بناء على تجزئة الخريطة السياسية والمذهبية التاريخية للعرب

الصفحة 119
والمسلمين. فالمؤرخ، بالدرجة الأولى رجل منخرط في الصراع السياسي، لأن قطاع المعرفة كلّه بيد البلاط، ولا حديث حينئذ عن استقلال المؤرخ! وحينما لا يستقل المؤرخ لا يستقل التاريخ، هكذا ورثنا تاريخاً عربياً متناقضاً ومتمذهباً ومنمطاً.

ومن هنا تطلب الموقف أمام التاريخ هو ضبط الرجال وابتكار علم جديد يُعني بأحوال الراوي فقال المؤلف في هذا المجال: "غير أن التجربة الاسلامية انتهت إلى نوع من التجزئة السياسية والمذهبية، جعل مفهوم الثقة ذاته يخضع لمعايير ذلك التشطير المذهبي".

نماذج الكتابة التاريخية العربية:

يعرض المؤلف في هذا الخصوص أولا ابن جرير الطبري، ويذكر أن السبب الذي مكّنه من الاستئثار بالريادة على صعيد الكتابة التاريخية العربية هي أن الطبري لم يكن مؤرخاً خالصاً، بل هو قبل كل شيء فقيه ومحدّث وقاضي، وهذا ما ساعده على انجاز مدوّنته الأخبارية الشاملة على أساس اسلوب "الاسناد" الذي ظل يمثل المنهج الأكثر أهمية لدى المحدّثين.

ثم يذكر المؤلف ابن كثير ويقول عنه أنه مارس التاريخ بدافع اعادة بناء الحقيقة القدسانية كما يتصوّرها السلفي، وهي التي تجعل من الانتصار للمذهب غايتها القصوى.

ثم يقارن المؤلف بين الطبري وابن كثير فيقول: "الطبري قد يضحي بالنص من أجل الوصول إلى الوفاق، في حين نجد ابن كثير يضحي بالوفاق من أجل تحديد موقف السلف".

ثمّ يقول: "وكلاهما قد يضحي بالحقيقة من أجل بلوغ غاية ايديولوجية ما!".


الصفحة 120
ثم يذكر المؤلف نموذج آخر، وهو ابن خلدون، ويصف نمط كتابته للتاريخ بـ: "التاريخ المتسيس"، وهو نوع من الكتابة التاريخية، تنطلق من داخل الظروف والملابسات السياسية.

الآخر الامامي، في ضوء الرؤية "المللية":

يستعرض المؤلف في هذا المقطع رؤية معظم الفرق الاسلامية حول التشيع، فيقول: "إن معظم أصحاب الملل والنحل تعتقد بأن التشيع ظل محلا للبدع ومأوى للضلالات الوافدة عبر الترجمة أو بواسطة الاحتكاك بالفلسفات الإغريقية والتيار الغنوصي والهرمسي.

ثم يقول المؤلف: لكن وعلى الرغم من الهجمة الواسعة التي ساهم في تعميقها جمهرة من العلماء، وأيضاً الخلفاء، الذين احتفظوا بعدائهم الشديد للشيعة، نجد الشيعة تمكّنوا من الاستمرار في الوجود باصرار نادر وعزيمة فذّة".

الإمامية في المقروئيات الاستشراقية:

يذكر المؤلف تحت هذا العنوان نماذج من المستشرقين من قبيل: فلهوزن، ودوزي، وجولد زهير، ولوي ماسينيون، وكوربان، ثم يورد آراءهم حول الشيعة والتشيع، ويقوم بعد ذلك بتحليل سرد الأسباب التي دعت هؤلاء إلى اتخاذ هذه الرؤية حول الشيعة والتشيع، ويبين كيف أنّ جملة منهم اكتفوا بملامسات سطحية كان لها أثر على تحليلهم في هذا المجال، ويذكر اسماء من توجهوا إلى البحث الموضوعي والانصاف في كتاباتهم حول الشيعة والتشيع.

الجابري واللامعقول الشيعي:

يورد المؤلف تحت هذا العنوان بحثاً موجزاً حول موقف الجابري من الفكر الشيعي، فيقول: لم تكن محاولة الجابري سوى عملية لتحيين ذلك الصراع

الصفحة 121
التقليدي، الذي يتم فيه الانتصار لعقلانية فانتازية، تجد إطارها في ظاهرية ابن حزم وسلفية ابن تيمية".

ثم يذكر المؤلف حول السبب الذي دفع الجابري لاتخاذ هذا الموقف قائلا: "وحينما نعود إلى جملة المصادر التي اعتمدها الجابري في تناوله للفكر الشيعي، وهي العملية التي ستكشف، ليس فقط، عن عجز في الاستيعاب، بل، وهو الأخطر من ذلك، عن عجز في الفرز بين مختلف الفرق الشيعية".

ثم قام المؤلف بالرد على جملة من وجهات نظر الجابري الحادة بالنسبة للفكر الشيعي، وبادر إلى تفنيد مزاعمه التي ذكرها في جملة من كتبه.

الفصل الثاني: علم الكلام

يذكر المؤلف في بدء هذا الفصل أن معرفة أصول الاعتقاد عند الإمامية، مقدمات ضرورية ـ عقلانية وعرفانية ـ ممّا يجعلنا نؤكد على أن التشيع في كليته ينطوي على رصيد فلسفي وعرفاني كامن في ثنايا أكثر نصوصه وتعاليمه!

ثم يذكر المؤلف مبحث الحسن والقبح العقليين، ويعتبر هذا المبحث في علم الكلام من أكثر المباحث أهمية وأغناها مضموناً، فطرحه على طاولة البحث مع ذكره لآراء الاشاعرة والمعتزلة في هذا المجال، ثم اتبعه بمبحث التوحيد، ثم العدل الالهي، ثم القضاء والقدر، ثم عقيدة الجبر والاختيار، ثم البداء وقدم القرآن.

وذكر في كل من هذا المباحث العقيدة الإمامية واقوال فقهاء ومتكلّمي الشيعة فيها، وموقف أهل السنة منها وردود فعل باقي الفرق منها، والفهم الخاطىء الذي تلتقه بعض الفرق من الطرح الشيعي، وقد ألحق بكل من هذه الأبحاث الأدلة التي دفعت الشيعة لما ذهبوا إليه، كما قام في بعض المباحث بدرء بعض الشبهات المطروحة حول تلك المواضيع.


الصفحة 122

الفصل الثالث: الحكمة

يطرح المؤلف في بداية هذا الفصل موضوع، التفكير الفلسفي عند الإمامية، فيقول: "إنّ الامامية ظلوا ـ على الرغم من النبوغ الفلسفي لعدد من أبنائهم ـ المدرسة الشيعية الوحيدة التي لم تقطع صلتها بموروثها الإمامي، الشيء الذي جعلها حقّاً، رائدة فلسفة إسلامية، خالصة".

ثم يقول المؤلف: "لم تكن معالم الفلسفة الامامية قد انتظمت قبل مجيء نصير الدين الطوسي خارج اطار علم الكلام; الذي وجد فيه الإمامية مجالا خصباً لبلورة معقولهم، وقد ظل موقفهم من الفلسفة محكوماً بنوع من التردّد والحذر... غير أن الإمامية سرعان ما اقتحموا مجال الفلسفة من أوسع أبوابه".

ثم ذكر المؤلف جملة من الأسماء الشيعية اللامعة في سماء الفلسفة، منها: نصير الدين الطوسي، السهروردي، حيدر آملي، الشيخ زين الدين الأحسائي، ميرداماد، ملا صدرا الشيرازي، وملا هادي السبزواري.

ويقول المؤلف: "إنّ الفيلسوف الإمامي قبل كل شيء أو بعد كل شيء، هو فقيه ومتشرّع مهما بلغ مقدار تخصصه الفلسفي".

ثم يصرح المؤلف: "لقد نجح الإمامية في أن يزاوجوا ـ فعلياً ـ بين الفلسفة والشريعة... كما أن الفقه ظل عنصراً أساسياً حتى لدى أولئك الذين غاصوا في الفلسفة إلى الاعماق".

ثم يسلط المؤلف الضوء على الموقف الإمامي الآخر قبال الفلسفة، فيقول: "غير أننا سرعان ما نفاجأ بموقف إمامي آخر، يستدعي منا وقفة خاصة، وهو موقف خصوم الفلسفة، تلك الظاهرة التي لا يخلو منها مذهب من المذاهب الدينية والفكرية".

ويعتبر المؤلف أنّ الموقف الإمامي المعادي للفلسفة يمثّله فريق من

الصفحة 123
الأخبارية، لكنه يقول: "إنّ الذين حاربوا الفلسفة من الإمامية، لم يتنكّروا للعقل الذي ناصرته الفلسفة، بل أنّهم وضعوا جملة من المحاذير حول الفلسفة، لكي لا تكون بديلا عقدياً، يغني عن تعاليم الوحي، فضلا عمّا كان يروجه الفلاسفة من أفكار تناقض في ظاهرها ـ وربما ايضاً في حقيقتها ـ مفهوم التوحيد ومصير النفس الانسانية".

ويرى المؤلف أن موقف خصوم الفلسفة الإمامية: "لم يكن موقفاً جذرياً من النظر الفلسفي، إلاّ من حيث كونه ظل مأوى للوافد الأجنبي من الثقافات والأفكار اليونانية والفارسية القديمة، لقد حاربوا ـ إذن ـ موقفاً ايديولوجياً داخل الفلسفة، وليس جوهرها من حيث هي موقف متسائل من العالم".

صدر المتألهين الشيرازي:

يحاول المؤلف بعد ذلك أن يتعرّض بصورة موجزة إلى معالم الفلسفة الإمامية، فيما يتعلّق بمباحث الوجود ونظرية المعرفة، من خلال اسم بارز، هو الفيلسوف الشيرازي المعروف بصدر المتألهين.

فيقوم المؤلف في البدء بذكر نبذة من حياته، والفترة التي قضاها في تحصيل العلوم، ثم المضايقات التي لاقاها من قبل الفقهاء والعداوة التي كان كثيراً ما يقدحها الكيان السياسي ويؤججها صخب العامة.

ثم يطرح المؤلف جملة من آراء ووجهات نظر ملا صدرا، فيقول: "يعتبر ملا صدرا تحصيل المعارف والمباحث الفلسفية، لا فائدة منه على صعيد تملك الحقائق، فهي ليست سوى أدواة لشحذ الذهن وتقويته، لإذكاء الانتباه وحصول الشوق إلى الوصول، إنها بالتالي مما يعد الطالب لسلوك سبيل المعرفة، والوصول إلى الأسرار إن كان مقتدياً بطريقة الأبرار".

ويضيف المؤلف: "لقد استطاع الشيرازي حقاً أن يقحم عنصراً أساسياً، لا

الصفحة 124
نكاد نجد له نظيراً عند اسلافه، ألا وهو "المنهج" الذي حاول بواسطته، ايجاد تخطيط جديد للمباحث الفلسفية، وخلق صيغ ناظمة للمعقول تتميز عن الطرق المتعارف عليها.

إن المحور الأساس لهذا المنهج، يخضع لثنائية طرائقية في مجال البحث الفلسفي، مسلك الفلاسفة البحثي والبرهاني، ومسلك العرفاء الالهامي; بمعنى آخر، يجمع بين طريقة المشائية والطريقة الاشراقية، وينتقد بشدة الفصل بين الطريقتين أو سلوك أحدهما بمعزل عن الآخر".

ثم يذكر المؤلف نظرية ملا صدرا في وحدة الوجود والتي تعرف بـ "الوحدة في عين الكثرة"، ثم اتبعها بذكر أهم ابتكاراته التي جعلت الفلاسفة الإمامية ـ حقاً ـ جديرين بلقب آباء المشائية والمتيافيزقا الإسلامية خلال القرن الحادي عشر الهجري.

فيقول المؤلف: "هذه الابتكارات التي أكسبت الفلسفة الاسلامية مزيداً من النضج والأهمية ووضعت خطواتها على طريق التفكير الايجابي للعالم".

ثم يعرض المؤلف المعالم الكبرى لهذه النظرية بالقدر المتوخّى من الاقتضاب، فيبحث حول الحركة، ثم يبحث حول الجوهر ثم يقارن نظرية ملا صدرا حول الحركة الجوهرية مع تفاسير باقي العلماء في هذا المجال من قبيل ابن سينا والرازي والسهروردي.

ثم قال المؤلف في نهاية الفصل: "لقد اشتغل الامامية داخل حقل الفلسفة مثلما اشتغلوا داخل حقول اُخرى، برؤية نقدية، ما كانوا ليرتادوها، لولا هذه النزعة العقلانية التي اتحفهم بها تراثهم النظري، من حيث تفتحه على عالم المعرفة من أوسع أبوابه، ألا وهو: أهمية التفكير، وحجية العقل، وبالتالي الاجتهاد المستدام والنظر المبدع".


الصفحة 125

الفصل الرابع: أصول التشريع

ذكر المؤلف في بداية هذا الفصل سبب نشوء الاجتهاد، وذكر أن وفاة المعصوم ـ بشكل عام ـ أدى إلى نشوء حيرة في موقف المكلفين، ازاء التراكمات المتدفقة للحالات والموضوعات المتجددة في يوميات المكلفين.

وذكر أنّ لهذا العامل دور كبير في نشأة الاجتهاد وقيام القياس مقام نصوص محنطة فاقدة لديناميكيتها الدلالية، حيث انتهت إلى صيغ لفظية جامدة، تتأطر داخل سياج المعنى الوحيد، بالاحاطة الوحيدة ـ الممكنة ـ إلى أسباب النزول، وخصوصية المورد الأول.

عصر التدوين:

ذكر المؤلف السنة كمصدر للتشريع، ثم اشار إلى عصر التدوين والملابسات التاريخية والنزاعات الايديولوجية التي واكبت أحداث مشروع التدوين، فقال المؤلف: "فقد لعبت ظروف تاريخية وسياسية دوراً حاسماً في تحديد ضوابط النظر الفقهي وآلياته، وهي ظروف فجرّتها أزمة النظام السياسي التاريخي للمسلمين".

وأضاف المؤلف: "على هامش تلك الصراعات الطاحنة بين مختلف الفرقاء في المجال السياسي، ظهرت عدّة انعكاسات في صميم الموقف الفكري الذي بلغ أوجه في الخلافات الكلامية واستمر الجدال على أشده في مجالات أخرى، كالفقه وأصوله وعلم اللغة وآدابه".

ثم ذكر المؤلف: "إنّ تراث عصر التدوين لم يتحرر بصورة جذرية من تلك الملابسات، بل ظل مرهوناً بالأيديولوجيا السياسية السائدة، ولا شك أن أمراً كهذا، يبدو طبيعاً، خصوصاً لما نعلم أن الغموض والالتباس والتردد، الذي واكب مجمل حركة التدوين، ينبع من صميم الأيديولوجيا التلفيقية التي ظلت رهاناً

الصفحة 126
تاريخياً للكيان السياسي العربي".

تدوين القرآن:

أشار المؤلّف إلى القرآن كمصدر للتشريع، ثم ساق الحديث حول تدوين القرآن وما يتعلّق بكتابة الوحي وما يتصل بقرار جمع القرآن في عهد الخليفة الأول، وما يتعلّق بمحنة توحيد القراءات في عصر عثمان.

ثم يخرج المؤلف بهذه النتيجة: بأن القرآن قد جمع ودون كاملا، على عهد الرسول(صلى الله عليه وآله)، وأن ما شاع من أن عملية كتابة القرآن، كانت غير منتظمة، وتعتمد وسائل بدائية مثل عظام الحيوانات وسعف النخل لا تقوم على دليل واضح.

وأمّا فيما يخص محنة توحيد القراءات في عهد عثمان "فيقول المؤلف: تحيلنا العديد من الأخبار، إلى أن القرآن، نزل بأكثر من حرف، وأنه كان يحتمل اكثر من قراءة وكانت كلها قراءات تحظى بتقدير المسلمين واقرار من النبيّ(صلى الله عليه وآله)، بل وأكثر من ذلك اعتبر نزول القرآن على سبعة أحرف رحمة للناس...

وأن توحيد القراءات وحرق كل المصاحف وحمل الناس على قراءة واحدة في عهد عثمان أدّى إلى حدوث اضطرابات كثيرة في شأن حقيقة الأحرف السبعة التي وردت في مختلف الأخبار".

التأويل:

طرح المؤلّف مفهوم التأويل وثنائية الظاهر والباطن، وذكر أنّ جملة من النصوص التي وردت عن الإمامية تؤكد على أهمية الباطن وضرورته في اغناء المعرفة.

ثم ذكر المؤلف: "إنّ تحميل النصوص، بعضاً من المعاني المحددة، وهو من باب التعاصر الذي تفرضه ديناميكية النص، التي هي ديناميكية متصلة بحركة

الصفحة 127
الواقع ومتغيرات الظروف، أي أن النص يقدم نفسه كفعالية تاريخانية، لا جرم أن يكون خاضعاً لتوجيه ما تقتضيه متطلبات المرحلة التاريخية على أن يتم ذلك وفق آلية محددة، وفي اطار من الاحتمال".

تاريخية الاجتهاد عند الإمامية:

ذكر المؤلف في هذا الخصوص: على الرغم من أن أئمة أهل البيت ظلوا يمثّلون رافداً تربوياً وتعليمياً مهماً في العصور المبكرة من التاريخ العربي والاسلامي، إلاّ أن المعالم الكبرى لمذهبيتهم لم تظهر إلاّ في عهود متأخرة جدّاً، وتحديداً إبان العصر العباسي، هاهنا برز اسم الإمام السادس، جعفر الصادق، حيث اصطبغ المذهب الفقهي الإمامي بتراثه التعليمي وأخذ بعد ذلك اسم "المذهب الجعفري"... وقد ظل الإمامية يعتبرون تعاليم جعفر بن محمد الصادق، بمثابة "النص" في حين اعتبروا غيرها من التعاليم، ضرباً من الاجتهاد مقابل النص".

المدرسة الصادقية:

ذكر المؤلف أنّ المعارك والمؤامرات السياسية التي كانت تهدف إلى زعزعة الكيان الأموي البائد مثلت منعطفاً جديداً في المسار الفكري عند الإمامية، فقد قدر للإمام الصادق(عليه السلام) أن يعيش هذه الفترة وأن يستغلها في سبيل تفعيل الساحة الثقافية وخلق واقع تعليمي وتربوي في المجتمع.

وفي هذه الفترة استطاع هشام بن الحكم أن يشكل تراثاً نظرياً من خلال عدد من المناظرات، وأيضاً بعضاً من مصنفاته، كما قد دافع اتباع الإمام الصادق عن مدرستهم الفقهية التي يعود إليهم الفضل في نشر تعاليمها.


الصفحة 128

عصر الغيبة، وبداية التأصيل الإمامي:

ذكر المؤلف في هذا المجال: أنه كانت الفترة الممتدة من الإمام عليّ بن أبي طالب إلى الغيبة الكبرى، تمثّل مرحلة سيادة النص وحضوره المكثّف، فإن ما جاء بعدها، يمثّل مرحلة تأصيل العلوم الإسلامية، بما يحفظ للتراث الإمامي فرادته واستقلاله النسبي من تراث عصر التدوين.

ثم ذكر أنه يمكننا أن نعتبر الاجتهاد الإمامي بعد عصر الغيبة، يتأطّر ضمن أربع مراحل:

1 ـ المرحلة الممتدة ما بين الغيبة الكبرى، حتى القرن السابع الهجري.

2 ـ مرحلة القطيعة وتكامل النظرية الاجتهادية.

3 ـ مرحلة الاصطدام بالتيار الاخباري.

4 ـ عودة المدرسة الأصولية، ونهوض مدرسة الوحيد البهباني.

ثم شرع بتوضيح كل من هذه المراحل الأربعة، وذكر ما لاقاه التراث الإمامي من تغيّر خلال هذه المراحل.

ثم ذكر المؤلف في نهاية الكتاب: "وقد كانت هذه المحاولة التي بين أيدينا، مقاربة عملية في إطار المشروع، الذي يهدف إلى معالجة منصفة في إعادة بناء الرؤية المعاصرة للممنوع والمهمش بلغة ديمقراطية أليق بوعينا المعاصر، كخطوة لإعادة بناء الصرح المعرفي العربي الإسلامي على أسس حوارية متينة، ولحمل ما لم يقو على حملة الأسلاف".