ولا يقال أن ظروف الحياة على الأرض العائدة للشمس هي شمس، ولذا قد تشتم أرض دون أرض من حيث أصباخها وإنباتها وطبيعتها ولا تشتم الشمس من حيث نورها وحرارتها إلاّ اعتداء، وهكذا الصحابة وآل محمد(صلى الله عليه وآله) فافهم.
ولكن أصحاب الرأي والقياس قالوا ـ وبلا حساب ومنهم العالم الجليل الطحاوي ـ بتكفير المؤمنين بحجة انتقاص بعض الصحابة، ومن الغريب جدا أن السرخسي والطحاوي وغيرهم ـ من أتباع أبي حنفية وإن كان الطحاوي لا يقلده في كثير من المسائل ـ يكفرون المؤمنين.
ويا ليت شعري بأي عذر يعتذرون لو قلنا لهم أنّ أبا حنيفة طعن في بعض الصحابة كما روى محمد بن الحسن عنه قال: (أقلد جميع الصحابة... إلاّ ثلاثة نفر "أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة"... أما أبو هريرة فكان يروي كل ما سمع من غير أن يتأمل في المعنى ومن غير أن يعرف الناسخ والمنسوخ)(1)، وكأن أبا حنيفة يشير إلى الحديث الذي رواه مسلم في ما بعد عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة نفسه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (كفى بالمرء كذبا ان يحدث بكل ما سمع)(2).
وهكذا حالنا مع الطحاوي والسرخسي وغيرهما، وهكذا حال أبي حنيفة مع أبي هريرة ـ على مبدأ من فمك أدينك ـ حال المضطر للأخذ بالقياس والرأي واسقاط بعض مرويات أبي هريرة المجروح على لسان كبار الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب.
وروى الخطيب في تاريخه عن أبي صالح الفراء قال سمعت يوسف بن أسباط يقول (رد أبو حنيفة على رسول الله(صلى الله عليه وآله) أربعمائة حديث أو أكثر)(3).
____________
1- أبو هريرة لمحمود أبو رية: 146 نقلا عن مرآة الاصول شرح مرقاة الوصول للملا خسرو الحنفي: 115.
2- صحيح مسلم بشرح النووي ج1 جزء1 ص73.
3- الكنى والالقاب للشيخ عباس القمي: 1 / 54 نقلا عن تاريخ الخطيب ج13.
بربك ما الفرق اخبرني؟!! كلا الفعلين صدرا من غير صحابي، وكلا الفعلين تنازعا مفعولا واحدا، فكيف يكون ـ من هذه الحيثية ـ أحدهما في النار والآخر في الجنة مع اتحاد السبب والموجب، فبأي مسوغ يستسيغ به الطحاوي والسرخسي وأكثر الاحناف أن أبا حنيفة ينتقد أبا هريرة فيعذر ولو أن مسلما صنع مثل صنيعه فهو ضال ومبتدع وله النار يوم القيامة!
والصحيح أن رحمة الله التي وسعت أبا حنيفة حتى وإن طعن ببعض الصحابة ووضعت كل شيء أعتقد أن الطحاوي والسرخسي لا يخصصان عمومها.
أقسام الصحابة:
المؤمنون:
ونقصد هنا الصحابة الذين احتوت قلوبهم شرف التصديق برسول الله والإذعان بالإيمان، إلاّ أنّه لما كان إيمان الملائكة لا يزيد ولا ينقص وإيمان الأنبياء يزيد ولا ينقص وإيمان المؤمن بهم يزيد وينقص كما هو رأي الكثير من الأشاعرة، وعليه فأصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) المؤمنون منهم على مراتب حيث نعتهم الله بنعوت كثيرة من خلال آيات كثيرة متفرقة من القرآن الحكيم.
ومما نلحظه في كلام الله العلي العظيم أنه كما يذكر لهم صفات حميدة تستحق الوعد كذلك يثبت عليهم في مقابله صفات مذمومة تستحق الوعيد في
ضعفاء الإيمان:
قال العلامة صاحب الميزان: "إن من مراتب الإيمان ما هو اعتقاد وإذعان غير آب عن الزوال كإيمان الذين في قلوبهم مرض فقد عدهم الله من المؤمنين وذكرهم مع المنافقين"(2).
بدليل قول الله: (وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنَـفِقُونَ وَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُو إِلاَّ غُرُوراً)(3).
وفي تفسير الجلالين قوله: (فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ)(4) أي ضعف اعتقاد وقال ابن كثير: (والذي في قلبه شبهة أو حسكة لضعف حاله فتنفس بما يجده من الوسواس في نفسه لضعف إيمانه) وكذلك عدهم الله من المؤمنين قال تعالى: (وَفِيكُمْ سَمَّـعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمُم بِالظَّــلِمِينَ )(5).
هؤلاء هم ضعفاء الإيمان يسمعون ما يقول المنافقون ـ سماع قبول ـ كما في الجلالين وقال ابن كثير: أي مطيعون لهم ومستجيبون لحديثهم وكلامهم يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير.
ومع أن الله ثبط المنافقين عن الخروج مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك لئلا يضعوا بين المؤمنين خبالا عن طريق ضعفاء الإيمان السماعون للمنافقين، فعلى
____________
1- انظر الآيات: التوبة: 2 ـ 4، الحديد: 16، الأحزاب 23، الفتح: 10، التوبة: 25. التوبة 18، النساء 77، النور: 37، الجمعة:11، فاطر: 32.
2- تفسير الميزان للطباطبائي: 9 / 333.
3- الأحزاب: 12.
4- البقرة: 10.
5- التوبة: 47.
قال ابن كثير: "أي عن الحق ويشك في دين الرسول ويرتاب للذي نالهم من المشقة في سفرهم وغزوهم".
قلت: اعتذار ابن كثير عنهم بالمشقة والشدة في السفر غير مرضي ولا يلوي على شيء لأن الإيمان إذا استولى على القلب لا تنتزعه مشقات السفر، والصحيح أن كلا من المشقة والشدة كاشف عن عيب القلب وأمارة على ضعف الإيمان، وإلاّ فما علاقة المشقة الجسدية بالإيمان الذي يستكن في القلوب، ولو صح ذلك لكانت المشقة والراحة من اكبر العوامل المساعدة على الكفر والإيمان ولألغيت أدوار القناعات الاعتقادية ولا قائل به.
وبكلمة أنّ الله تعالى تداركهم بلطفه فحال بين قلوبهم وبين الزيغ فتاب عليهم قال تعالى: (لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِىِّ وَ الْمُهَـجِرِينَ وَ الاَْنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنم بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيق مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُو بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)(2).
وذكر الواحدي: (أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لما خرج عسكر على ثنية الوداع وحزب عبد الله بن أبي عسكره على ذي حدة أسفل من ثنية الوداع ولم يكن بأقل العسكرين فلما سار رسول الله تخلف عنه عبد الله بن أبي بمن تخلف من المنافقين وأهل الريب فأنزل الله يعزي نبيه (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّخَبَالا)(3))(4).
____________
1- التوبة: 117.
2- التوبة: 117.
3- التوبة: 47.
4- أسباب النزول للواحدي: 142.
الشكاكون:
هناك طائفة من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) منافقون، غير أنهم لم يقطعوا بكذبه أو صدقه(صلى الله عليه وآله) وهم يشكون، ومصداق ذلك قوله تعالى: (وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِى رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)(1) إلاّ أنهم أقل خطراً على المؤمنين من أهل الطراز الرابع وإليك أخي المسلم مثالا على ذلك:
ثعلبة:
قال الله تعالى: (وَمِنْهُم مَّنْ عَـهَدَ اللَّهَ لَئنْ أتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّــلِحِينَ * فَلَمَّآ أتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ)(2).
نزلت هذه الآية الكريمة في شأن ثعلبة بن حاطب الأنصاري بعد أن امتنع عن إخراج الزكاة وكان بدريا، والعامة يسمونه حمامة المسجد، وروى قصته جمع من المحدثين ذكرناهم في الدليل الثامن تحت عنوان الأنصار فراجع.
وملخص الحادثة أن ثعلبة سأل رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يدعو له بالرزق فدعا له واتخذ غنما نمت وتكاثرت فتشاغل بها فترك بعض الصلوات جماعة ثم تركها إلا يوم الجمعة ثم ترك الجمعة وارتحل عن المدينة ولما جاءه السعاة من قبل رسول الله امتنع عن دفع الزكاة فأنزل الله في شأنه الآية الكريمة.
وفي آخر الرواية التي يوردها ابن كثير في تفسيره عن ابن جرير وابن أبي حاتم تجد ما يلي:
____________
1- التوبة: 45.
2- التوبة: 75 ـ 77.
ومن الغريب المبهت أن اخوتنا أهل السنة حكموا لأهل موقعة بدر في الجنة وأن النار لا تمس جلودهم حتى وإن غيروا وبدلوا وفعلوا ما شاءوا، وصححوا أحاديث في هذا الشأن كما في صحيحي البخاري ومسلم واللفظ للأول قال: رسول الله(صلى الله عليه وآله) في شأن جناية حاطب بن أبي بلتعة: "أليس من أهل بدر؟ قال: لعل الله إطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم"(2)، ومعنى فتوى رسول الله هذه أن أهل بدر لا تثريب عليهم وإن خانوا الله ورسوله فسيان إن صدقوا وإن كذبوا، هذا هو مؤدى الحديث سواء اعترف به أخوتنا أم لا وحاشا رسول الله من ذلك.
فيا ليت شعري فعلى أي قاعدة ارتكز هذا الحديث؟ وعلى أي أساس قام عليه هذا الحكم؟ وهذا ثعلبة، ألم يكن من أهل بدر؟ فلم لم يتجاوز الله ورسوله عنه عندما امتنع من دفع الزكاة؟ بل أخبر عنه في القرآن الحكيم أن قلبه تورث نفاقا قال تعالى: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُو بِمَآ أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ)(3).
____________
1- تفسير ابن كثير: 2 / 374.
2- البخاري ج3 ت د بغا ح 3762 ص1357 مسلم بشرح النووي ج8 جزء 2 ص 56.
3- التوبة: 77.
المنافقون:
كان المنافقون مبثوثين بين المؤمنين ولهم أعداد هائلة هي على مقربة من نصف الصحابة والمعروف منهم بالاسم في عصر النبي(صلى الله عليه وآله) لا يتجاوز نسبة 1% ولك أن تتعرف أشخاصهم بالوصف ـ إذا حدث كذب ـ إذا وعد أخلف ـ إذا أتمن خان ـ إذا عاهد غدر ـ إذا شاجر فجر ـ وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يعرف بعض أشخاصهم بالاسم وبعضهم بسيماهم وبعضهم بلحن القول وبعضهم ببغض علي بن أبي طالب(عليه السلام) كما أخرج مسلم في أبواب الإيمان عنه قال: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد الأمي(صلى الله عليه وآله) الي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق)(1)ومما يدل على كثرة المنافقين ما يلي:
1 ـ استنفر رسول الله(صلى الله عليه وآله) الأعراب من قبائل جهينة ومزينة وغفار أشجع واسلم ودئل فلم ينفروا وذلك في عام ست للهجرة في غزوة الحديبية وبعد أن قفل رسول الله راجعا أنزل الله تعالى سورة الفتح وأنزل فيها: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الاَْعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَ لُنَا وَ أَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ... وَ ظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ كُنتُمْ قَوْمَام بُوراً)(2).
لا مناص من دلالة الآيات الكريمة على نفاق ستة قبائل من الأعراب وإن كانوا صحابة ينطقون بالشهادتين ويؤدون الصلوات الخمس إلاّ ما شاء الله.
2 ـ قال تعالى: (قَالَتِ الاَْعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَ لَـكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا
____________
1- مسلم بشرح النووي ج1 جزء2 ص64.
2- الفتح: 11 ـ 12.
دلت الآية الكريمة على أن بني أسد ينافقون ويفاخرون باستسلامهم خوف القتل كما يقول البخاري ويفترون على رسول الله الكذب بأنهم مؤمنون ولما يمارس الإيمان أي قلب من قلوبهم والله العالم هل تذوقوه بعد ام لا.
3 ـ قال تعالى: (الاَْعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفَاقاً)(2) هذه الآية الكريمة عامة في الأعراب يخصِّصها قول الله تعالى: (وَ مِمَّنْ حَوْلَكُم مِّـنَ الاَْعْرَابِ مُنَـفِقُونَ)(3) وفي مقابل ذلك قوله تعالى: (وَ مِنَ الاَْعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ)(4).
فالآية الأولى دلت على الشمول والثانية شهدت على البعض بالنفاق والثالثة شهدت للبعض الآخر بالإيمان مما يدل على أن النفاق استكن في قلوب بعض الأعراب.
4 ـ قال تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)(5).
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ) أي مرنوا واستمروا عليه ومنه يقال شيطان مريد ومارد، وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقاً، وإن كان يراه صباحاً ومساءً، وشاهد هذا ما رواه
____________
1- الحجرات: 14.
2- التوبة: 97.
3- التوبة: 101.
4- التوبة: 99.
5- التوبة: 101.
أمعن النظر ـ يرحمك الله ـ في الآية الكريمة وما بعدها من النصوص النبوية تجد أن المنافقين كثرة كثيرة وأن المدينة تعج بهم عجاً وأنه لا يُعْرَف منهم إلا القلة القليلة وأنهم تمرنوا على النفاق حتى استولى على قلوبهم وجرى فيها مجرى الدم من العروق وأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يريد أن يهتك على أحد ستراً إلاّ إذا خان أو غدر وأنه لو كشف الستر عنهم لاَنْفَض من حوله مئات بل الوف الناس وأن الذين مردوا على النفاق هم غير عبد الله بن أبي بن سلول لأن النبي يعلمه والآية الكريمة تقول: (لا تعلمهم) هذا كله يدل على أن اعدادهم في المدينة لا تقل عن نسبة النصف والله اعلم.
1 ـ في عام ثمانية للهجرة غزا رسول الله(صلى الله عليه وآله) مكة المكرمة ففتحها بلا قتال ودخل مشركوا قريش في دين الله استسلاما للواقع المفروض فعاشوا منافقين
____________
1- مسند أحمد ج5 رقم ح 16323 ص40.
2- تفسير ابن كثير: 2 / 384.
هذا كله يدل على أن أكثر أهل مكة ـ تباعا لزعيمهم أبي سفيان ـ منافقون.
2 ـ قال الله تعالى إخبارا عن سيد المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من مردة النفاق: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاَْعَزُّ مِنْهَا الاَْذَلَّ)(2).
في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق قال ابن اسحق... فبينا رسول الله(صلى الله عليه وآله)مقيم هناك اقتتل على الماء جهجاه بن جعيد الغفاري وكان اجيرا لعمر بن الخطاب وسنان بن يزيد... ازدحما على الماء فاقتتلا فقال: سنان يا معشر الأنصار وقال جهجاه يا معشر المهاجرين... قال: "أي عبد الله بن أبي بن سلول" قد ثاورونا في بلادنا والله ما مثلنا وجلابيب قريش إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم اقبل على من عنده وقال: هذا ما صنعتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم من بلادكم إلى غيرها فسمعها زيد بن أرقم... فذهب بها إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو غليم وهو عنده عمر بن الخطاب... فقال عمر... يا رسول الله مر عباد بن بشر بضرب عنقه فقال رسول الله: "فكيف إذا تحدث
____________
1- نور اليقين للخضري: 138 ـ 139.
2- المنافقون: 8.
واخرج البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري يقول (كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فسمعها الله رسوله(صلى الله عليه وآله) قال: "ما هذا" فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فقال النبي(صلى الله عليه وآله): "دعوها فإنها منتنة" قال جابر: وكانت الأنصار حين قدم النبي(صلى الله عليه وآله) اكثر ثم كثر المهاجرون بعد فقال عبد الله بن أبي: أوقد فعلوا والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر بن الخطاب... دعني يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق فقال النبي(صلى الله عليه وآله): "دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"(2).
نستخلص من هذه الحادثة ـ التي أثبتها القرآن الكريم وذكرتها السنة المطهرة ـ أن سيد المنافقين وأصحابه هموا بما لم ينالوا وإن دلت الحادثة على شيء فإنما تدل على أن أصحاب ابن سلول كانوا في جيش رسول الله وفي المدينة كثرة كثيرة غير أن الوحي افتضح سيدهم على الطريق ومن ناحية أخرى أنه مهما كثر المنافقون من أصحابه وجأر بوق الإرجاف سقط من فوره تحت الأقدام لأن عشيرته الأقربون منهم السابقون الأولون رضي الله عنهم، فلا يفيده منافقوا القبائل من الأعراب.
وعليه لو لم يكن المنافقون يناهزون المؤمنين عددا لما همّ ابن سلول بإخراج الرسول(صلى الله عليه وآله).
____________
1- تفسير ابن كثير: 4 / 370.
2- البخاري ج3 ت د بغا ح4624 ص1756.
(11) حسينة حسن الدريب
(زيدي / اليمن)
ولدَت في اليمن، ونشأت في أسرة متدينة تنتمي إلى المذهب الزيدي، لكنها بفعل الأجواء المناسبة التي توفّرت لها توجهت إلى البحث الجاد حول الأمور الدينية والمذهبية، فكانت النتيجة أن عرفت أنّ الحق مع المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري، فتركت انتماءها السابق وتوجّهت بكل شوق إلى اعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
تقول الأخت حسينة: "إن اعتناقي للمذهب الجعفري كان بعد زواجي برجل كان قد اعتنق من قبل هذا المذهب، وقد يظن البعض أنني انتميت للمذهب الجعفري تقليداً لزوجي فحسب، ولكن يشهد الله أنني لم اختر هذا المذهب إلاّ بعد اقتناعي به وبعد معرفتي بالأدلة والبراهين الدالة على أحقّيته وصوابيته".
لمحة مختصرة عن نشأتها:
تقول الأخت حسينة حول نشأتها: "نشأت في اسرة مديتنة والحمد لله تعالى، هي على المذهب الزيدي الشيعي، وكان والدي حفظه الله تعالى يحب هذا المذهب حباً شديداً، وكان دائماً ومنذ صغرنا يعلّمنا الصلاة والأحكام على ضوء المذهب الزيدي لكي لا نتأثر بالمعلومات والمجتمع الذي حولنا، والحمد لله
وكنت لا أجد فرقاً بين مذهب وآخر، وكان أكثر ما يهمني من الأشخاص حسن خلقهم وحسن تعاملهم وصدقهم وأمانتهم والتزامهم الأخلاق الفاضلة".
موقفها من التيار الوهابي:
تقول الأخت حسينة: "ومرت الأيام وبدأ الوهابية ينتشرون بشكل كبير في منطقتنا، وكان والدي حفظه الله تعالى يحذّرنا دائماً منهم ويبيّن لنا حقائقهم، ويغرس في قلوبنا حب الخمسة من أهل الكساء(عليهم السلام) وأئمة الزيدية والإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) وثورته المباركة وخليفته (حفظه الله)، فنشأنا على ذلك، حتى دخلنا المدرسة فكنا فيها عندما يقول لنا الاستاذ: معاوية رضي الله عنه، فكنا نرفض الترضي عنه ونقول له: ان والدنا قال لنا انه حارب علياً(عليه السلام)وأنه لا يستحق الترضي.
ولشدة حبي للعلم وميلي لأهل العلم والأخلاق ومجالستهم كنت احضر لاستمع محاضرات استاذة وهابية بجوار منزلنا، وكنت ألاحظ في محاضراتها أشياء كثيرة وفق مذهب الوهابية، فكنت اقف ضدها ولكن للأسف لم يكن عندي علم اناقشها به، وكنت اعتمد على حبي لأهل البيت وكره أعدائهم الذي غرسه والدي (حفظه الله تعالى) في قلبي، ولم يكن عندي علم للرد على الشبهات ونحوها، لهذا قلت لنفسي: ان كنت واثقة من نفسي انني لا أتأثر بها، فسوف يتأثر بها غيري، فقررت البحث عن حل لهذه المشكلة، فجمعت معي مجموعة ثم طلبت بصورة غير مباشرة من الاستاذ علي الداهوق (حفظه الله تعالى) الذي كان معلم الدين في المذهب الزيدي في منطقتنا آنذاك أن يقوم بتدريسنا في مجال العلوم الدينية.
ثم واصلت التدريس بكل جهد واخلاص لمدة أربع سنوات تقريباً، وكنا في دراستنا نتعلم النحو والفقه والقرآن ونبحث في التوحيد والعدل والامامة وغيرها، كما كنا نبحث حول التشبيه والقضاء والقدر في عقائد الوهابية والرد عليهم، أما الجعفرية فلم نتطرق إليهم وكذلك أهل السنة من غير الوهابية كنا نسمع عنهم ولكن لا نقرأ ادلتهم والرد عليها".
جملة من نشاطاتها التبليغية:
تقول الأخت حسينة: "كان لنا بعض النشاطات التبليغة بالاضافة إلى التدريس، منها كنا نقوم ببعض المحاضرات والمجالس الدينية كمواليد الخمسة من أهل الكساء(عليهم السلام) والامام زيد وكذا وفاتهم، ولكن بطريقة تختلف عن أسلوب الشيعة الامامية، إذ لم يكن هناك فرق بين مجالس الولادة والعزاء إذ كان من كليهما يتم الحديث عن حياة ذلك الامام، وقصة ولادته أو وفاته، مع برامج اضافية اخرى كالحديث عن الوهابية وبطلان مذهبهم، لكن للاسف كنا لا نمتلك المعرفة الحقيقة بأهل البيت(عليهم السلام).
وكذا قمنا بالتعاون لنشر مجلة اسميناها مجلة الزهراء، وكنت مديرة التحرير باشراف معلمنا القدير، ومعاونة السيد يحيى طالب مشاري (وكان أكثر اهتماماً من غيره بنشر وتوزيع المجلة) والاستاذ علي وحير وغيرهم ممن كانوا يوجّهوننا. وقبل تأسيس المجلة كنا آنذاك قد عملنا جمعية خيرية باسم (جمعية النساء
موقفها من المذهب الجعفري:
تقول الاخت حسينه: "طبعاً في خلال دراستي لم أكن اسب الجعفرية، وكنت لا أشعر بوجود فارق يفصل أحدنا عن الآخر. كنت احس ان المذهب الجعفري أخو المذهب الزيدي، ولا يصح أن نفرق بينهما (وهذا ما سأضل اعتقده لأن المذهبين كلاهما شيعي والتفاهم بينهما ممكن ومتحدان في الولاء لأصحاب الكساء).
وكانت ترد على ذهني بعض الاسئلة، ولم أكن أجد لها جواباً، بل لم يكن هناك من اتباحث معه في هذا المجال.
وتحدثت مع أحدهم مرة حول أهل البيت(عليهم السلام)، وذكرت انني من شيعتهم فقال لي: أنتم أهل البيت، انتم سادة (اشراف) ونحن شيعتكم. فتعجبت وتساءلت أنحن الأمان لأهل الأرض؟ أنحن أهل السفينة؟ أنحن..؟؟؟ فسكت في حيرة، لكني لم اناقش حتى نفسي لاذهب هذه الحيرة، وكأن الله قد قدّر لي اني سأبحث في المستقبل كل ما اخزنه في نفسي، ولم أجد من اناقشه، أو على الأقل لم اجد شخصاً يقول لي ان كلامي هذا مستحيل وينهي الموضوع.
ومرة كنا في مجلس عزاء فتطرّقت للآية (فَسْـَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(1) فقالت إحدى الأخوات الداعيات من الحركة الزيدية: نعم اسألوا أهل الذكر هذه هي أهل الذكر (تقصدني)، لقد هزني ذلك إذ لم يكن العلماء أهلا لذلك فكيف بي؟؟؟ طبعاً انا لم أكن أشك في المذهب انما صرت متحيرة لا أدري
____________
1- النحل: 43.
زواجها من رجل جعفري:
تقول الأخت حسينة: "بعد أربع سنوات من درسي وتدريسي في تلك الفترة تقدم لخطبتي أحد أقاربي، وهو الأخ يحيى طالب قد شاع الخبر انه جعفري، وبعد فترة تزوجنا في 12 ذي الحجة سنة 1418هـ الموافق 6 / 4 / 1998م، وبعد خمسة أشهر تقريباً سافرنا إلى ايران الاسلامية تلك الدولة التي طالما حدثني والدي (حفظه الله) عنها، وطالما اشتقت ان اشم رائحة ترابها، وطالما استمعت إلى اذاعتها وراسلتها بالبريد وكنت انتظر جوابها فيأتيني فأرتاح لهديتهم البسيطه كمجله أو كتاب ونحوهما، وقد احببت ايران حباً شديداً لما كان يبث في اذاعتها من معارف وعلوم دينية لا توجد في أي دولة اسلامية اخرى وبرامجها كلها دينية وثقافية وعلمية.
جئت إلى ايران وأنا لا أصدق نفسي من الفرح صحيح اني حزنت لفراق أهلي ووطني، فالوطن عزيز ومحبوب، وتراب الوطن ذهب كما يقال ألا انني تغربت في بلاد الاهل من ناحية الدين والعقيدة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(1).
وبعد وصولي إلى ايران عرفت بوجود فارق بين المذهب الزيدي والمذهب الجعفري، واستأت من زواجي من شخص جعفري، ولكن زوجي تعامل معي بكل صبر وتأن وحلم وعقل وهدوء مقابل انفعالي، وحلف لي يميناً انه لم يتبع المذهب الجعفري إلاّ لأدلة وجدها أقنعته، وحلف لي أنني إذا رددت عليه بأدلة ثابتة صحيحة فسيرجع إلى المذهب الزيدي فصرت على أمل أن أُرجعه إلى الزيدية لاني عرفت انه جاد في كلامه، وهو انسان مؤمن، وليس من أهل الدنيا، وهذا ما
____________
1- الحجرات: 10.
فقال: بل آتيك بمصادر لا مصدر واحد. فأتى بصحيحي البخاري ومسلم وغيره من الصحاح الستة. وعندما قرأتها تحيرت فلأول مرة اعرف ان هذا الحديث موجود في صحاح أهل السنة، لكني كابرت في البداية وقلت اريد مصادر زيدية لا حاجة لي بمصادر أهل السنة، وما كان منه إلاّ أن أتى بكتب أئمة الزيدية وكبار علمائهم مثل: (التحف شرف الزلف) و(لوامع الانوار) للسيد مجدالدين المؤيدي وسير بعض ائمة الزيدية مثل (سيرة الامام المرتضى) وكتاب (الحدائق الوردية في مناقب ائمة الزيدية) و(الشافي) و(البحر الزخار) وغيرها".
قناعتها بأحقية المذهب الجعفري:
تقول الاخت حسينة: "واستمرت فترة بحثي وحيرتي مدة ثلاث سنوات حتى وصلت إلى القناعة التامة بأحقية المذهب الجعفري.
وخلال عدة مرات وانا اذهب وارجع إلى اليمن، التقيت باستاذي وخالي ووالدي وحاولت أن استفيد منهم، إلاّ أنّهم كانوا يتعصّبون ويتهمونني بأني جعفرية فالتزمت امامهم الصمت.
وسألت استاذي بعض الاسئلة حول الجعفرية، ولكنه للأسف لم يجبني بصورة علمية.
وأيضاً كنت افكر في والدتي وبقية الاقارب والصديقات والزميلات وطالباتي الذين طالما حدثتهم عن الزيدية ـ ولو اني ما كنت اناقش المسائل مناقشة علمية انما كانت اطروحات، من قبيل ان عقيدتنا هي الحق لوجود الأحاديث الواردة في وجوب التمسك بأهل البيت ولكن من دون تطبيق
لقد فكرت في هؤلاء جميعاً ماذا سيقولون عني، ولكن قلت لنفسي إن كنت انتقد الوهابية وغيرهم من أهل السنة إذ لم يتبعوا الحق ويبحثوا عنه، فها أنذا ارى الحق ولكني اخشى الناس وتذكرت الآية الكريمة (وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)(1).
نعم لابد ان أعلن الحق ولعل الله يهديهم فيصلوا للحق كما وصلت إليه، وكاتم الحق شيطان اخرس".
مؤلفاتها:
(1) "وعرفت من هم أهل البيت(عليهم السلام)": مخطوط.
سيصدر عن مركز الأبحاث العقائدية، ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين.
وهو كتاب يشمل على قصة استبصارها والأدلة التي دفعتها إلى اعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ويحتوي هذا الكتاب على العديد من المواضيع العقائدية، منها: مصادر علوم أئمة الزيدية، بعض التهم ضد الشيعة، البكاء على مصائب أهل البيت، الشفاعة، التوسل، زيارة القبور، عدم القول بتحريف القرآن الكريم، علم الأئمة، البداء، التقية والرجعة.
____________
1- الاحزاب: 37.
وقفة مع كتابها: "وعرفت من هم أهل البيت(عليهم السلام)"
وهو كتاب تعرض فيه صاحبته قصة استبصارها، وانتقالها من المذهب الزيدي إلى المذهب الامامي الاثنا عشري، فهي كانت تعرف أهل البيت(عليهم السلام) على سبيل الاجمال، ودعوة النبي(صلى الله عليه وآله) إلى التمسّك بهم، ولكنها لم تكن تعرفهم على سبيل التفصيل والتحديد الاثنى عشري الذي ورد في حديث الائمة الاثنى عشر.
تقوله المؤلفة عن المطالب المهمة التي دعتها إلى الشك بالمذهب الزيدي بالطبع أكثر ما دعاني للشك والبحث هو التناقض بين ائمة الزيدية حول الامامة إذ البعض يقول بإمامة السجاد والبعض لا يقول بذلك وكذا الوصية والنص وغيرها.
ومن المهم ذكر الأحاديث الاخرى كحديث السفينة والثقلين والنجوم وغيرها الكثير، فإن الزيدية تؤمن بها وتعتقدها وتحتجّ بها على أهل السنة ولكن عندما فكرت في تطبيقها وجدت انه لا يمكن انطباقها إلاّ على اناس معصومين، وهذا ما جعلني اصمم على البحث والمناقشة.
حديث الأئمة الاثنى عشر في كتب الزيدية:
تنقل المؤلفة بعض ما ورد في كتب الزيدية من روايات حديث الأئمة الاثنى عشر، فتقول:
في (التحف شرح الزلف) قال: (واعلم ان الله عزوجل جعل خلف النبوة من ابناء نبيه في اثنى عشر سبطاً، قال الإمام الرضا(عليه السلام): ان الله عزوجل اخرج من بني إسرائيل يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم اثنى عشر سبطاً، ثم عد الاثنى عشر من