الصفحة 304

الصلب والقيامة:

إنّ قصة صلب المسيح في الأناجيل الأربعة فيها الكثير من الاختلاف، وكذلك قيامته.

وهنا يلاحظ الكاتب بعض النقاط:

1 ـ إنّ من الأمور المتيقنة في قصة القبض على المسيح(عليه السلام) والتي لا تختلف حولها الأناجيل هي أن التلاميذ كلهم هربوا وتركوه(1)، ويذكر بعض الاناجيل أنّ بطرس تبعه من بعيد(2)، ومع ذلك تفاصيل متابعته للمسيح متناقضة ومختلفة في هذه الاناجيل.

فيأتي السؤال هنا: كيف ينقل متي ويوحنا وهما من التلاميذ قصة حوار رئيس الكهنة مع المسيح(عليه السلام) وهما لم يكونا موجودين؟

2 ـ الاختلاف في كيفية موت يهوذا الاسخريوطي الذي خان المسيح ونهايته، فيكون التفسير الإسلامي بأنّ المسيح لم يصلب وأنّه شبه لهم هو الصحيح. ويؤيد ذلك ما ورد في انجيل برنابا أن يهوذا هو الذي صلب بدل عيسى(عليه السلام)، ويحتمل أنّ نهايته هذه قد ذكرت في الكتب الاخرى التي رفضتها الكنيسة.

3 ـ الأناجيل والأسفار كلها لم تذكر شيئاً واحداً عن رؤية مريم العذراء والدة السيد المسيح بعد قيامته ولم تحضر عند قبره، وهل يعقل أنّ المسيح(عليه السلام)يظهر لمريم المجدلية التي اخرج منها سبعة شياطين، ولا يظهر لأمه العذراء مريم(عليها السلام)ليهدىء ويخفف من الامها وحزنها؟ ألم تكن هي الأجدر بالظهور لها لأنّها أمه أولا ولمنزلتها الرفعية والمباركة ثانياً؟!

____________

1- مرقس: 14 / 51.

2- متي: 26 / 71 ـ 75.


الصفحة 305

الفداء والخطيئة الأصلية:

يعتقد المسيحيون أنّ آدم وحواء(عليهما السلام) وبسبب خطيئتهما منذ الزمن الأوّل فان الانسان قطع علاقته مع ربه وخالقه، وتخلّى عن الله سبحانه وآدم(عليه السلام) بهذه الخطيئة جعل ذريته كلّها في حال ابتعاد وانفصال عن الله، وكان نتيجة هذا الانفصال موت الانسان، وهكذا دخل الموت الى جميع الناس كعقاب للخطيئة.

ولكن بما أنّ آدم(عليه السلام) قد تاب من خطيئته وقبل الله توبته، لم يتخلَ الله عنه نهائياً، وذلك بسبب توبته الصادقة، بل وعده بالخلاص وبانتصاره على عدوه اللدود الشيطان، ووعد بارسال المخلص والمفدي الذي يفدي البشرية عن خطاياها، ويحمل هو تلك الخطايا عنهم، فتفتح أبواب الملكوت بمجيئة وتتم المصالحة بين الله والانسان من خلاله.

وعندما تم الزمان بعد طول انتظار أرسل الله سبحانه ابنه الحبيب ليفدي البشرية كلها عن خطاياها ويفتح عهداً جديداً بين الله والانسان، وبالآلام والصلب الذي يتحمله هذا الابن (الوحيد) ترفع الخطيئة عن كاهل الانسان ويتطهر منها.

ولاحظ الكاتب بعض الملاحظات على هذه العقيدة:

1 ـ لم ترد هذه العقيدة في الاناجيل الأربعة المهمة، وإنما ظهرت في رسائل بولس فهل يمكن القول أنّ المسيح(عليه السلام) تجاهلها أو نساها.

2 ـ ما هو ذنب الناس منذ القرون الأولى للبشرية، أي من زمن آدم(عليه السلام) حتى زمن المسيح، فهل كلّهم خطاة مع أنّ فيهم أنبياء وأولياء وأتقياء وشهداء كما يذكر الكتاب المقدس بعهديه؟!


الصفحة 306
3 ـ إنّ هذه العقيدة مخالفة للكتاب المقدس أيضاً، إذ نجد عكس هذه المسألة تماماً في كتاب العهد القديم، مثلاً يقول حزقيل النبي (18:20): "من أخطأ فهو الذي يموت والابن لا يحمل خطيئة ابيه، وكذلك الأب لا يحمل خطيئة ابنه فالبار سيحاسب على بره، والشرير سيحاسب على شروره". وغيرها الكثير.

الثالوث الأقدس:

تعتبر هذه العقيدة السر الأوّل في العقيدة المسيحية، فهي الأساس الذي بنيت عليه المسيحية، كما أنّ التوحيد هو الأساس في الإسلام، وهي عقيدة يشكل فهمها فهي بعيدة عن متناول العقل البشري.

والمسيحيون يلخصون عقيدة التثليث في النقاط التالية:

1 ـ الكتاب المقدس يقدم لنا ثلاث شخصيات يعتبرهم شخص الله.

2 ـ هؤلاء الثلاثة لهم شخصيات متميزة.

3 ـ هذا التثليث في طبيعة الله أبدي وحقيقي.

4 ـ للشخصيات الثلاث جوهر واحد وهي متساوية.

5 ـ لا يوجد تناقض في هذه العقيدة(1).

وقد لاحظ الكاتب هنا عدة ملاحظات هي:

1 ـ اغلاق باب العقل وتعطيله بالقول بأن هذه العقيدة لا يدركها العقل البشري بينما الدين الحق يميز بالعقل، والعقل يرفض فكرة التثليث لأنّه لا يقبل أن يكون الواحد ثلاثة والثلاثة واحد.

2 ـ لم تظهر هذه العقيدة الى الوجود إلا في القرن الثاني وعلى لسان (ترتوليان) فالمسيح(عليه السلام) والرسل والتلاميذ لم يشيروا الى هذه العقيدة.

3 ـ هذه العقيدة تخالف ما جاء في العهد القديم الذى يعتبره المسيحيون

____________

1- قاموس الكتاب المقدس: 232.


الصفحة 307
كلام الله الموحى.

4 ـ كيف يصح أن نقول أنّ الابن (الاقنوم الثاني) هو مساو للأب في الجوهر والالوهية والقدرة والمجد، وهو في نفس الوقت خاضع له في كل شيء، فاين الوهيته؟.

5 ـ كان المسيح(عليه السلام) كثير العبادة كما يذكر العهد الجديد نفسه، إذ كان كثير الصلاة والصيام وله خلوات للعبادة، وهذا يعني كونه عبداً يؤدي هذه العبادات لمعبوده وخالقه، فهل يعقل أن يكون الله سبحانه يسجد ويصلي ويصوم لنفسه!!

الشريعة:

جاء المسيح مكملاً لشريعة موسى، وهذا ما كان يقوله في تعاليمه لتلاميذه والناس: "لا تظنوا أني جئت لاُبطلَ الشريعة وتعاليم الأنبياء، ما جئت لا بطل، بل لاكمل"(1)، وهو عملياً التزم بالشريعة الموسوية بالاختتان وتقديم الذبيحة ودفع ضريبة الهيكل.

ولكننا نرى الآن أنّ المسيحيين قد تخلوا عن الشريعة الموسوية، وهم ينظرون إلى الشريعة والديانة اليهودية بأنها شريعة وقتية وغير كاملة، بل اعدت استعداداً لمجيء المسيح(عليه السلام)(2).

والذي الغى الشريعة هو بولس حيث يقول: "إن الله لا يبرر الانسان لانّه يعمل بأحكام الشريعة، بل لأنّه يؤمن بيسوع المسيح(عليه السلام) ولذلك آمنّا بالمسيح يسوع ليبررنا الايمان بالمسيح لا العمل بأحكام الشريعة"(3).

ويكمل بولس نظريته ويدّعي أن الشريعة وإن كان مصدرها الله ولكنها

____________

1- متي: 5 / 17.

2- قاموس الكتاب المقدس: 598.

3- غلو: 2 / 16.


الصفحة 308
اعطيت للبشر عن واسطة الملائكة وهذا دليل على ضعفها(1).

ويستمر بولس في بيان عقيدته فيقول: "إنّ الشريعة باعتبارها مؤدبا وحارساً لشعب الله في مرحلة الطفولة (غل 3:23 ـ 24) كانت تجعله يشتهي براً يستحيل تحقيقه، وذلك حتى يدرك بطريقة أفضل حاجته المطلقه الى مخلص العالم الأوحد، فالمسيح(عليه السلام) بمجيئه أنهى الشريعة فهو نهاية الشريعة وغايتها (رومة: 1 ـ 4)".

ولا ندري كيف يرفض المسيحيون وهم أتباع المسيح(عليه السلام) توصياته بحفظ الشريعة ويقبلون بأفكار رجل كان من أشد أعداء المسيح(عليه السلام) واتباعه ثم اعتنق المسيحية، ثم يدعون أنها تعاليم المسيح(عليه السلام).

الفصل الثاني:

يتحدث الكاتب في الفصل الثاني من الكتاب عن أبعاد شخصية النبيّ محمد(صلى الله عليه وآله)وسيرته، فيذكر ولادته ورضاعه وطفولته وشبابه وبعثته وهجرته وفتح مكّه ودلائل نبوته ومعاجزه.

دلائل نبوة النبيّ محمد(صلى الله عليه وآله):

1 ـ البشارة به في العهد الجديد: وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في عدة آيات(2)، فهو يؤكد ويصرح بمعرفة أهل الكتاب للنبيّ معرفة أبناءهم.

ويمكن اثبات هذه الحقيقة في الاناجيل (العهد الجديد) المتداولة الآن، وبالخصوص انجيل يوحنا، فهو يقول على لسان المسيح: "إذا كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الاب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم الى

____________

1- معجم اللاهوت الكتابي: 446.

2- انظر الاعراف: 157، البقرة: 146، المائدة: 83 ـ 84، الصف: 6.


الصفحة 309
الابد) (يوحنا 14:15 ـ 16).

وأيضاً: "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بامور آتية" يوحنا (16:13).

وهناك نصوص كثيرة اخرى وكلها تشير بالحقيقة الى الاسم الصريح للنبيّ محمد(صلى الله عليه وآله)، وقد استدل على ذلك مؤلف كتاب (انيس الأعلام في نصرة الاسلام)(1) واثبت أنّ النصوص في انجيل يوحنا تشير إلى النبيّ محمد(صلى الله عليه وآله)، ولكن علماء الكتاب المقدس ومفسريه هم الذين حرّفوا معنى كلمة المحمود الذي يرادف أحمد الى كلمة المعزّي والمسلي والمعين لتقارب الكلمتين باليونانية الذي ترجم إليها انجيل يوحنا من العبرية(2).

2 ـ معاجز النبي(صلى الله عليه وآله): للنبيّ محمد(صلى الله عليه وآله) معاجز كثيرة كرد الشمس وشق القمر واخباره بالمغيبات، لكن أهمها هو القرآن الكريم.

القرآن الكريم واعجازه:

للقرآن خصائص ذكر الكاتب منها:

1 ـ شموليته: اشتمل القرآن على معارف الهية حقيقية رفيعة واخلاق فاضلة وأحكام تشريعية وأخبار بالمغيبات وقصص وأمثال وحكم ومواعظ وعلوم لم تكن معروفة حتى بعد البعثة بقرون عديدة، ثم اكتشف بعضها العلم الحديث.

2 ـ لا اختلاف ولا تناقض فيه، فآياته تعاضد بعضا بعضاً رغم نزولها في ثلاثة وعشرين سنة وفي حالات وازمنة متفاوتة.

3 ـ ذكره للمغيبات كاخباره بقصص الأنبياء السابقين بشكل يختلف في

____________

1- مؤلف الكتاب هو أحد القساوسة، وألف كتابه هذا بعد اسلامه، طبع هذا الكتاب في إيران باللغة الفارسية.

2- انيس الاعلام في نصرة الاسلام: 1 / 6 ـ 19، بالفارسية.


الصفحة 310
تفاصيله مع الكتاب المقدس، والأخبار عن الحوادث المستقبلية كالأخبار عن انتصار الروم بعد هزيمتهم(1).

4 ـ بلاغته وفصاحته التي تحدى بها الانس والجن فى أن يأتوا بسورة واحدة من سوره، مع نزوله في زمن كان العرب يشتهرون بالفصاحة والبلاغة وكمال البيان لكنهم وقفوا متحيرين ازاء القرآن، وقد مضى على تحدي القرآن أكثر من اربعة عشر قرنا ولم يجرء أحد على معارضته، مما يدل على اعجاز هذا القرآن الذي جاء به رجل أُمي لا يحسن القراءة والكتابة.

كيف وصف القرآن الكريم المسيح وأمه(عليهما السلام):

القاريء للقرآن الكريم يجد أن هذا الكتاب الالهي ذكر صفات للمسيح(عليه السلام)وأمه قل ما ذكرها لأحد الأنبياء أو احدى النساء، يشير الكاتب الى بعضها ويذكر أولاً ما ورد في القرآن الكريم عن الصديقة مريم العذراء:

ـ إن الله اصطفاها وطهرها، واصطفاها على نساء العالمين، كما في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَـمَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ )(2).

ـ كانت مقبولة عند الله وقد تكفل الله سبحانه تربيتها وانباتها، كما في قوله تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُول حَسَن وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً...)(3).

ـ كانت محدثة حدثتها الملائكة (وهي الوحيدة من النساء اللاتي ذكر القرآن أن الملائكة قد حدثتها)، كما في قوله تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَـمَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ...)(4).

____________

1- الروم: 1 ـ 6.

2- آل عمران: 42.

3- آل عمران: 37.

4- آل عمران: 45.


الصفحة 311
ـ كانت من آيات الله للعالمين، كما في قوله تعالى: (وَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَـهَا وَ ابْنَهَآ ءَايَةً لِّلْعَــلَمِينَ)(1).

أما ما جاء في القرآن عن السيد المسيح:

ـ كان (عليه السلام) عبداً لله وكان نبياً، كما في قوله تعالى: (قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَـبَ وَ جَعَلَنِى نَبِيّاً )(2).

ـ كان واحداً من الخمسة أُولي العزم صاحب شرع وكتاب وهو الانجيل، كما في قوله تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى)(3)، وقوله تعالى: (وَقَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَـرِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَءَاتَيْنَـهُ الاِْنجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ...)(4).

ـ كان (عليه السلام) كلمة لله وروحاً منه، كما في قوله تعالى: (يَـأَهْلَ الْكِتَـبِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَـلـهَآ إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ...)(5).

ـ كان (عليه السلام) مباركاً أينما كان وكان زكياً باراً بوالدته، كما في قوله تعالى: (وَ جَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَ أَوْصَـنِى بِالصَّلَوةِ وَ الزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَ بَرَّاً بِوَ لِدَتِى وَ لَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً)(6).

ـ كان (عليه السلام) ممّن علمه الله الكتاب والحكمة، كما في قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ

____________

1- الانبياء: 91.

2- مريم: 30.

3- الشورى: 13.

4- المائدة: 46.

5- النساء: 171.

6- مريم: 31 ـ 32.


الصفحة 312
الْكِتَـبَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالاِْنجِيلَ )(1).

ـ كان (عليه السلام) مبشراً برسول الله(صلى الله عليه وآله)، كما في قوله تعالى: (وَ إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَـبَنِى إِسْرَ ائِيلَ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَ مُبَشِّرَاً بِرَسُول يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ)(2). وهناك آيات اخرى.

هكذا يتكلم القرآن عن المسيح ووالدته.

أوصاف المسيح في العهد الجديد:

يقول الأخ علي الشيخ: عند مطالعة العهد الجديد يرى الانسان أوصافاً لا يقبلها العقل ولا الذوق السليم.

ـ المسيح(عليه السلام) صانع الخمر (الجيدة). انظر (يوحنا 2/12).

ـ المسيح (والعياذ بالله) عاق لامه. أنظر متى 12:46 ـ 50، و15:4.

ـ المسيح (والعياذ بالله) صار ملعوناً. أنظر غلاطية 3:13.

ـ المسيح تقبل قدميه (الخاطئات). أنظر لوقا 7:36.

ـ المسيح(عليه السلام) مفرق للرحم والاقارب. انظر متي 10: 34 ـ 36 ولوقا 12: 49 ـ 53.

ـ المسيح(عليه السلام) يجزع من الموت ويعاتب الله سبحانه. أنظر متي 26: 37 ـ 40.

الشريعة في الاسلام:

يقول الأخ علي الشيخ في هذا الموضوع:

يتصور كثير من المسيحيين أنّ في الدين الإسلامي أحكاماً وتكاليفاً لا تطاق أبداً، ويتساءلون عن الغرض من كل هذه التكاليف الشاقة كالصلاة خمس

____________

1- آل عمران: 48.

2- الصف: 6.


الصفحة 313
مرات يوميا والصيام شهراً في السنة ودفع الزكاة وأداء الحج وغيرها.

وهذه الشبهة ناتجة عن عدم فهم حقيقي وواقعي للشريعة ودورها في تكامل الانسان وارتقاءه مدارج الكمال المنشود له، ولا سيما من قبل المسيحيين الذين طرحوا الشريعة جانباً واكتفوا بالايمان وحده سبيلاً للنجاة.

ومن خصائص الشريعة الإسلامية السمحاء هي شموليتها لكل مجالات الحياة الفردية والاجتماعية، وعدم مخالفتها لفطرة الانسان أبداً فهي رفضت الرهبانية والانزواء عن المجتمع، وكذلك نهت عن الانغماس كلياً في الحياة الدنيا، وتعتبر تعاليمها حداً وسطاً بين هذا وذلك، وفيها جنبة عبادية توجه الانسان إلى الله وجنبة اجتماعية تنظم الأمور الحياتية في المجتمع بشكل يؤدي إلى نشر العدالة والالفة والمحبة بين افراده، ومراعاة المصالح العامة التي تؤدي إلى استقرار النظام في المجتمع.

ورغم أن الشريعة الإسلامية قد جاءت قبل أربعة عشر قرناً، لكنها إلى يومنا هذا تعتبر من أرقى القوانين التي طبقت في المجتمع البشري، وهذا دليل آخر على أن مصدر هذه الشريعة هو السماء والوحي لا فكر وخيال رجل عاش وترعرع في الجزيرة العربية الذي كانت تعيش في ظلمات الجهل.


الصفحة 314

الصفحة 315

(14) الدمرداش بن زكي العقالي
(حنفي / مصر)




من مواليد دولة مصر، نشأ في أواسط صعيد مصر في اقليم أسيوط قرية العقال، واصل دراسته الأكاديمية حتى تخرّج عام 1954 م من كلية الحقوق ـ جامعة القاهرة.

تصديه للمهام المختلفة:

اشتغل فترة بالمحاماة، ثم عُيّن قاضياً في وزارة العدل المصرية، وتدرج في سلك القضاء إلى درجه مستشار بمحكمة استئناف القاهرة.

عُيّن حوالي عام 1975م مستشاراً لوزارة الداخلية في السعودية ومعاون فيها من قبل القضاء المصري.

ثم عاد إلى مصر فلم تمض فترة حتى استقل من القضاء لأجل الاشتغال بالعمل السياسي، فانتمى لحزب العمل المصري حتى انتخب عام 1984 م باجماع قواعد هذا الحزب نائباً لرئيس الحزب.

وفي عام 1986 م صدر قرار من قبل رئيس جمهورية مصر العربية بتعيينه عضواً في مجلس الشورى المصري.

وفي عام 1987م رشّح نفسه في انتخابات مجلس الشعب المصري،

الصفحة 316
فانتخب عضواً بعد حصوله على 127 ألف صوت وهي أعلى نسبة حصل عليها عضو بمجلس الشعب المصري أنذاك، فقام بعدها بممارسة دوره في هذا المجال لتحقيق السلام الاجتماعي للأمة.

رحلته الفكرية:

واجه خلال عمله في شتى الأصعدة جملة من القضايا دعته لأن يعيد النظر في عقائده الموروثة، فتوجه إلى البحث ملتمساً سبيل الحق، حتى انار الله سبحانه وتعالى قلبه، فوجد الحق عند أهل البيت(عليهم السلام)، فاسرع بعد ذلك إلى اتباع نهجهم والسير على خطاهم.

أول محطة جادة دفعته للاستبصار:

يقول المستشار الدمرداش: "لقد مرّ عليّ زمن استغرق عقدين من السنين حاولت خلالها أن أتعرف على وجه الحق في الاعتقاد بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وكان منطلقي في بداية البحث ريفيٌ حيث جُبلت على حب أهل البيت(عليهم السلام)واعطائهم الولاء القلبي الكامل.

ثم اتفق لي لما شغلت منصب القضاء في مصر أن وُكِل إليّ في الأعوام 65 ـ 1967م الفصل في قضايا الاحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين في احدى مدن الصعيد وهي مدينة "كومومبو" في محافظة "اسوان" حيث يتعايش المسلمون والمسيحيون في سلام اجتماعي واحترام متبادل.

فاتفق لي أن عرضت عليّ قضية تطليق بين مسيحي ومسيحية، وكان مبنى الدعوة التي اقامها الزوج على الزوجة هو الزنا، وهو السبب الوحيد لفصل العروة الزوجية عند الاقباط الارثوذكس.

وكان القانون ينص على أن القاضي عند نظره الدعاوي بين المسيحيين

الصفحة 317
يحضر معه رجل الدين المسيحي، وكان القسيس الذي حضر معي الجلسة يبدو عليه التوتر والازعاج مما يرمي به المدعى الزوج زوجته المدعى عليها، فاشفقت عليه مما يعانيه واردت أن اداعبه، فقلت له: هلا استطعتم أن تبحثوا عن طريق لتخفيف الانفلاق في مسألة الطلاق بحيث يستطيع الزوج عندكم أن يطلق من غير حاجة إلى اتهام زوجته بالزنا؟!

فجاء رد الرجل سريعاً منفعلاً قائلا: أتريد أن تجعل الطلاق عندنا مثل ما عند المسلمين حيث تطلَّق المرأة من غير ضوابط؟!

فتركت هذه العبارة أثرها العميق في نفس الدمرداش واورثته صدمه لم يكن متوقعاً لها.

وعي أفضلية الفقه الجعفري:

ذهب المستشار الدمرداش بعد تلقيه هذه الصدمة إلى فضيلة المرحوم الشيخ أبو زهرة وكان استاذاً له في كلية الحقوق وشكى اليه قواعد الطلاق في مذهب أبي حنيفة، فكان جواب الشيخ أبو زهرة: يا ولدي لو كان الأمر بيدي ما جاوزت في القضاء والفتيا مذهب الإمام الصادق(عليه السلام)، ثم وجهه الى أن يعود إلى أحكام الطلاق عند مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

فراجع الدمرداش مصادر المذهب الإمامي الجعفري فتبين له أنّ الطلاق عندهم لا يقع إلاّ بشروط وضوابط، فقال في نفسه: "سبحان الله كيف غاب هذا عن فقهاء خلفوا مذاهب يدين بها الناس وتتأثر بها العلاقات ويصبح بها الحلال حراماً والحرام حلالاً".

فكانت هذه أول محطة جادة وضعته مع نفسه، ثم اتفق له أن قرأ كتاباً مطبوعاً على نفقه وزارة الأوقاف المصرية في عهد وزيرها الشيخ أحمد حسن الباقوري عام 1955 عن الفقه الإمامي الشيعي عنوانه "المختصر النافع في فقه

الصفحة 318
الإمامية" للمحقق الحلي، فايقن بمقولة الشيخ الباقوري بأن الأهواء هي التي باعدتنا أهل السنة عن فقه الإمامية رغم ما فيه من العلاج الأمثل لكثير من العلل الاجتماعية.

يقول المستشار الدمرداش: "كانت قراءتي لهذا الكتاب متعاصرة مع قراءتي لفتوى أصدرها فضيلة الشيخ محمود شلتوت ـ شيخ الازهر الاسبق ـ حيث أفتى: "إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعاً" فلهذا من يومها بدأتْ رحلتي في التعبد بمذهب الامامية مؤملاً أن يزيدني الله اطلاعاً واستبصاراً على كتب أخرى".

طلب الاستنارة من القرآن الكريم:

عكف المستشار الدمرداش بعدها على القرآن الكريم الذي كان قد حفظ الكثير منه في صغره، فجعل يتأمل في آياته البينات معالم أهل البيت، وبدأ يراجع التفاسير المعتمدة عند العامة، فهاله ما وجد من مواقف قرآنية قطعية تبيّن أن هذا القرآن الذي أنزله الله بين محكم ومتشابه لابد لفهمه من أن يكون هناك دليل هاد يقود العقل بين آياته قيادة مبرأة من الجهل والهوى.

ومن هذا المنطلق أدرك المستشار الدمرداش أنّ الأمامة تحتل مركزاً متميزاً في القرآن، وبدونها يصبح القرآن عرضة للتحريف في الفهم والخطأ في التأويل، ويظل القرآن كتاباً مستشكلاً فيه بدون وجود الإمام المعصوم الذي يدل على الحقيقة.

ثم واصل المستشار بحثه حتى تبيّنت له حقائق اطمأن اليها من مصادر السنة قبل مصادر الشيعة، فاستعان بالله عزوجل طالباً المزيد من البيان والأدلة والمزيد من الاطلاع على فقه أهل البيت(عليهم السلام).


الصفحة 319

ثاني محطة جادة دفعته للاستبصار:

بعد مباشرة المستشار الدمرداش مهمة المستشارية لوزارة الداخلية في السعودية وبعد تعيينه ومعاوناً فيها من قبل القضاء المصري، تم تعينه عضواً ضمن لجنة مهمتها الاطلاع على بعض الكتب التي يتم ضبطها من قبل الشرطة السعودية من وفد الحجيج الايراني واصدار حكم مصادرتها فيما لو كانت تستحق ذلك.

وكان غرض الحكومة السعودية من تعيين هذه اللجنة هو التظاهر حين مصادرتها للكتب الشيعية بأن هذا الأمر يتم عبر لجنة علمية وقانونية مشرفة عليه بحيث لا يتم أمر المصادرة إلاّ عن وعي بضرر دخول هذه الكتب إلى البلد وكونها من كتب الضلال التي يجب مصادرتها.

فصادف ذات يوم بعد تكوين هذه اللجنة وقبل مباشرتها لعملها أن تم ضبط كمية كبيرة من الكتب من وفد الحجاج الايرانيين، فارتأت الحكومة السعودية أن يتم أمر مصادرة هذه الكتب من قبل هذه اللجنة التي فيها الدمرداش.

فلم تمض فترة بعد قرار الحكومة السعودية، جاء رئيس اللجنة السعودي إلى المستشار الدمرداش وقدّم له كتاباً ينص على اطلاع اللجنة على الكتب ووجوب مصادرتها ثم طلب منه أن يوقّع أسفل هذا التقرير كأحد اعضاء اللجنة.

فيقول المستشار الدمرداش: "قلت له: أخي العزيز كيف يأتي لي أن اصدر حكماً بمصادرة كتب لم اطلع على أي شيء منها؟!".

ثم طلب منه الدمرداش أن يتيح له فرصة الاطلاع على هذه الكتب ليسعه بعد ذلك أن يوقع مؤيداً مفاد هذا التقرير.


الصفحة 320
فلم يقتنع مسؤول اللجنة بذلك فوقع هو وزميله السعودي، ثم رفع التقرير إلى وكيل الوزارة طالباً بأن يكتفي بتوقيعها ويُستغني عن توقيع المستشار القانوني المصري.

ويقول المستشار الدمرداش: "كان وكيل الوزارة الذي رُفع إليه التقرير منصفاً، فاستدعاني وطيب خاطري وقال لي: أنت حرّ في أن تقرأ الكتب كما تشاء.

فأعاد أعضاء اللجنة القول بأنّهم لن يقرؤوا شيئاً من هذه الكتب، لأنهم يعلمون ما فيها!".

ويضيف المستشار الدمرداش: "فزاد الله من فضل وكيل الوزارة عليّ، فاجازني عن العمل لمدة شهرين، لمراجعة هذه الكتب، لأنه كان رجلاً مثقفا، أدرك أن البحث في هذه الكتب يستغرق كل هذه الفترة، فأخذت الكتب وعكفت على قراءتها، فوجدت نفسي عند كل سطر اقرأه يولد في أعماقي انسان جديد! وكانت آخر قراءة لي حول حديث الثقلين، فقلبت فيه النظر سواءً فيما هو وارد بشأنه في مذهب أهل البيت أو مرويات العامة. فاودعني ربي أن لا أعجل إلى اتخاذ قرار هو مصيري إلى الجنة أو النار!".

نهاية مطاف البحث:

بعد ذلك توجه المستشار الدمرداش حول البحث الجاد من أجل تحديد مصيره العقائدي، وكان معظم اهتمامه استنباط العقيدة من القرآن الكريم، وبالتدريج اكتسب الرؤية الواضحة حتى أسفر الصبح وظهرت له شمس الحقيقة ساطعة، فلم يجد مجالاً للبقاء على الموروث العقائدي، فنبذ التقليد والاتباع الأعمى واختار عن وعي اتباع مذهب أهل البيت والتمسك بهديهم وملازمة سمتهم(عليهم السلام).


الصفحة 321

مؤلفاته:

(1) "دعائم المنهج الاسلامي":

الناشر: دار الصفوة / بيروت سنة 1417هـ ـ 1996 م.

جاء في تعريف مجلة المنهاج ـ العدد الرابع ـ شتاء 1417 هـ ـ 1996 م: "يرى المؤلف ان دعائم المنهج الاسلامي تكمن في بيان الطريقة الموصلة الى معرفة النفس وصولاً إلى معرفة الرب.

وتحقيقاً لمقام العبودية. وعلى ذلك حصر بحثه هذا في فصلين هما: المعرفة والعبودية في حديثه عن المعرفة يتحدث عن مصادرها موضحاً التباين بين الباحثين ـ في مصادر المعرفة بحسب تباين مدارسهم الفكرية ليعالج بعد ذلك الفطرة والحس والعقل والالهام والوحي وختم المؤلف كتابه ببحث عن دور العقل من حيث الاطمئنان لصدور الوحي. ولم يعالج موضوع العبودية كما أشار لذلك في مقدمة الكتاب.

(2) "محاضرات عقائدية":

صدر عن مركز الأبحاث العقائدية، ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين.

مجموعة محاضرات ألقاها في إيران عند زيارته لها عام 1421هـ وغيره، وذلك بدعوة خاصّة له من مركز الأبحاث العقائدية، وهي:

1 ـ "الرحلة إلى الثقلين"، يذكر فيها شيئاً من حياته وكيفية انتقاله إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) وبيان علو شأنهم وأنهم أحد الثقلين الذي يفسر الثقل الآخر.

2 ـ "الإمامة في القرآن"، استدلال رائع ومتسلسل بآيات من القرآن الكريم في اثبات امامة أهل البيت(عليهم السلام) واجاب في نهاية المحاضرة على استفسارات واسئلة الحاضرين.