وبعد هذا كله نجد من يجعل عائشة مصداقاً لآية اذهاب الرجس والتطهير التي تفيد العصمة باعتبارها من أزواج النبيّ(صلى الله عليه وآله)، إنْ لم تكن أفضلهن وأحبهن كما يدعون زوراً وبهتانا وافتراءاً.
وقد قسمت الكاتبة حياة عائشة إلى فترتين: الأولى حياتها مع النبيّ(صلى الله عليه وآله)، والثانية حياتها بعد وفاته(صلى الله عليه وآله).
حياتها مع النبيّ(صلى الله عليه وآله):
أوضحت الكاتبة بالدليل والبرهان أنّ عائشة لم تكن الزوجة المفضلة للرسول(صلى الله عليه وآله) كما كانت تدعي، بل كانت أفضل زوجاته خديجة والتي كانت عائشة تغار من وفاء النبيّ(صلى الله عليه وآله) لها وذكره بالخير لها بعد موتها، فوصفتها بالعجوز حمراء الشدقين وأنّ الله أبدله خيراً منها، فغضب الرسول(صلى الله عليه وآله) وقال في حق خديجة: "لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها اذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً اذ حرمتني النساء"(2).
وأنها لم تكن صغيرة السن كما كانت تدعي لنفسها ويدعي لها الناصبين لأهل البيت(عليهم السلام) بالحد الذي جعلوا النبيّ(صلى الله عليه وآله) وهو ابن ثلاث وخمسين سنة يتزوج منها وهي بنت ست سنين، مما جعل علماء أهل السنة يتحيرون في جواب شبهات المستشرقين وقد كان هذا الجواب سهلاً لو أعترفوا بأنّه ليس كل ما ورد في
____________
1- التحريم: 10، وانظر الكشاف الزمخشري حيث يذكر آنها تعريض بعائشة وحفصة.
2- البخاري ج4 / باب تزويج النبي(صلى الله عليه وآله) من خديجة، الاستيعاب لابن عبد البر.
وأنّ كل ما ذكر عن جمالها وحظوتها عند النبيّ(صلى الله عليه وآله) فهو مروي عنها أو عن ابن اختها عروة، ولو سلم فكيف اشتهرت بالغيرة؟! ومن المسلّم أن لا يغار الجميل والمحظي بل العكس هو الصحيح.
وأنّ زواج النبيّ(صلى الله عليه وآله) منها كان زواجاً لتأليف القلوب ولتسود المحبة والرحمة بين القبائل بدلاً من التنافر والتباغض، وقد تزوج الرسول(صلى الله عليه وآله) بأمْ حبيبة بنت أبي سفيان وأخت معاوية وهما من هما في عداء الرسول وآله، كما صاهر الرسول اليهود والنصارى ليقرب أهل الأديان بعضهم من بعض.
حياتها بعد وفاة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله):
تشير الكاتبة إلى أن إيذائها لرسوله(صلى الله عليه وآله) انتقل بعد ذلك لوليه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فحاربته وركبت جمل الفتنة ونبحتها كلاب الحوأب، وإلى سبطه الحسن(عليه السلام)فركبت البغل وصدّت الجنازة أن تدفن قرب الجدّ الحنون، وخالفت صريح القرآن: (وَ قَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَ لاَ تَبَرَّجْنَ)(1) الذي نزل في نساء النبيّ أولا وأصالةً.
ولم تسلم الأمة من ايذائها باشعالها حرب الجمل، حيث قُتل في البصرة بأمر مباشر منها عثمان بن حنيف مع سبعين من أصحابة وقيل: أربعمائة، وهم أول من قتل صبراً في الإسلام.
وشمل أذاها أيضاً سنة الرسول(صلى الله عليه وآله) فغيرت فيها ما شاءت تبعاً لهواها وانقياداً لشيطانها الذي طالما حذرها الرسول الكريم منه.
فقالت ـ على سبيل المثال ـ باتمام صلاة السفر وجعلتها أربع ركعات بدلاً من ركعتين كما تأوّل عثمان وأبدع في الدين، وساندت معاوية على إحياء هذه
____________
1- الأحزاب: 33.
كما تفردت بنقل روايات رضاعة الكبير، وأنها كانت تبعث بالرجال إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر لترضعهم لتستحل عائشة مجالستهم بدون حجاب(1).
ولا نقول شيئاً سوى أنها روايات مخزية تنسب إلى أعظم شخص عرفته البشرية، وصارت هي وأمثالها كروايات سماع النبيّ للمغنيات في بيته(2) وغيرها مادة دسمة لامثال سلمان رشدي في محاربة الإسلام في الصميم بتشويه صورة الرسول(صلى الله عليه وآله)إستناداً إلى كلام أقرب الناس إليه.
____________
1- صحيح مسلم: 4 / 167 (باب رضاعة الكبير) موطأ مالك: 2 / 116 (باب ما جاء في الرضاعة بعد الكبر).
2- مسند أحمد بن حنبل: 6 / 84، الطحاوي في مشكل الآثار: 1 / 117.
(8) محمد بيومي مهران
(سني / مصر)
ولد في مصر بالبيصلية ـ مركز ادفو ـ محافظة أسوان.
حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بمعهد المعلمين بقنا، حيث تخرج منه عام 1949م.
عمل مدرساً بوزارة التربية والتعليم (1949 ـ 1960)، حصل على ليسانس الآداب بمرتبة الشرف من قسم التاريخ بكلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية عام 1960م.
عين معيداً لتاريخ مصر والشرق الأدنى القديم بكلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية عام 1961. حصل على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف في التاريخ القديم من كلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية عام 1969م.
أعير إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في الفترة 1973 ـ 1977م.
عين مدرساً لتاريخ مصر والشرق الأدنى القديم في كلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية عام 1974م. عين استاذاً مساعد لتاريخ مصر والشرق الأدنى القديم في كلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية عام 1974م. عين أستاذاً لتاريخ مصر
عين عضواً بلجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة في عام 1981م. عين عضواً في مجلس إدارة هيئة الآثار المصرية في عام 1982م.
أعير إلى جامعة أم القرى بمكة المكرمة في الفترة 1983 ـ 1987م.
عين رئيساً لقسم التاريخ والآثار المصرية والإسلامية في كلية الآداب جامع الاسكندرية (1987 ـ 1988م).
أختير مقرراً للجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة المساعدين في الآثار الفرعونية وتاريخ مصر والشرق الأدنى القديم (1988 ـ 1989م).
عين أستاذاً متفرغاً في كلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية في عام 1988م.
عضو لجنة التراث الحضاري والأثري بالمجالس القومية المتخصصة. عضو اللجنة الدائمة للآثار المصرية في هيئة الآثار. عضو اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة المساعدين في الآثار الفرعونية وتاريخ مصر والشرق الأدنى القديم. عضو اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة في الآثار الفرعونية وتاريخ مصر والشرق الأدنى القديم. عضو اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة المساعدين في التاريخ. عضو اتحاد المؤرخين العرب.
أشرف وشارك في مناقشة أكثر من 45 رسالة دكتوراه وماجستير في تاريخ وآثار وحضارة مصر والشرق الأدنى القديم في الجامعات المصرية والعربية.
أسس وأشرف على شعبة الآثار المصرية بكلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية منذ عام 1982.
شارك في حفائر كلية الآداب ـ جامع الإسكندرية في الوقف ـ مركز دشنا ـ محافظة قنا، (في عام 1980 ـ 1981م)، وفي "تل الفراعين" مركز دسوق ـ
مؤلفاته:
في التاريخ المصري القديم:
1 ـ الثورة الاجتماعية الأولى في مصر الفرعونية ـ الإسكندرية 1966م.
2 ـ مصر والعالم الخارجي في عصر رعمسيس الثالث ـ الإسكندرية 1969م.
3 ـ حركات التحرير في مصر القديمة ـ القاهرة 1976م.
4 ـ اخناتون: عصره ودعوته ـ القاهرة 1979م.
في تاريخ اليهود القديم:
5 ـ قصة أرض الميعاد بين الحقيقة والأسطورة ـ مجلة الأسطول ـ العدد 66 ـ الإسكندرية 1971م.
6 ـ النقاوة الجنسية عند اليهود ـ مجلة الأسطول ـ العدد 67 ـ الإسكندرية 1971م.
7 ـ النقاوة الجنسية عند اليهود ـ مجلة الأسطول ـ العدد 68 ـ الإسكندرية 1971م.
8 ـ أخلاقيات الحرب عند اليهود ـ مجلة الأسطول ـ العدد 69 ـ الإسكندرية 1971م.
9 ـ إسرائيل ـ أربعة أجزاء ـ التاريخ، الحضارة ـ الإسكندرية 1978م ـ 1979م.
10 ـ النبوة والأنبياء عند بني إسرائيل ـ الإسكندرية 1979م.
في تاريخ العرب القديم:
11 ـ الساميون والآراء التي دارت حول موطنهم الأصلي ـ الرياض 1974م.
13 ـ مركز المرأة في الحضارة العربية القديمة ـ الرياض 1977م.
14 ـ الديانة العربية القديمة ـ الإسكندرية 1978م.
15 ـ العرب والفرس في العصور القديمة ـ الإسكندرية 1979م.
16 ـ الفكر الجاهلي ـ القاهرة 1982م.
في تاريخ العراق القديم:
17 ـ قصة الطوفان بين الآثار والكتب المقدسة ـ الرياض 1976م.
18 ـ قانون حمورابي وأثره في تشريعات التوراة ـ الإسكندرية 1979م.
سلسلة دراسات تاريخية من القرآن الكريم:
19 ـ الجزء الأول ـ في بلاد العرب ـ بيروت 1988م.
20 ـ الجزء الثاني ـ في مصر ـ بيروت 1988م.
21 ـ الجزء الثالث ـ في بلاد الشام ـ بيروت 1988م.
22 ـ الجزء الرابع ـ في العراق ـ بيروت 1988م.
سلسلة مصر والشرق الأدنى القديم:
23 ـ مصر ـ ثلاثة أجزاء ـ الإسكندرية 1988م.
24 ـ الحضارة العربية القديمة ـ الإسكندرية 1988م.
25 ـ بلاد الشام ـ الإسكندرية 1990م.
26 ـ المغرب القديم ـ الإسكندرية 1990م.
27 ـ العراق القديم ـ الإسكندرية 1990م.
28 ـ التاريخ والتاريخ ـ الإسكندرية 1991م.
سلسلة: في رحاب النبي وآله بيته الطاهرين:
29 ـ السيرة النبوية الشريفة ـ ثلاثة أجزاء ـ بيروت 1990م.
31 ـ الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) ـ جزءين ـ بيروت 1990م.
32 ـ الإمام الحسن بن علي(عليه السلام) ـ بيروت 1990م.
33 ـ الإمام الحسين بن علي7 ـ بيروت 1990.
34 ـ الإمام علي زين العابدين(عليه السلام) ـ بيروت 1990.
35 ـ الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) ـ تحت الطبع.
معجم البلدان الكبرى في مصر والشرق الأدنى القديم:
36 ـ مصر ـ الجزيرة العربية ـ بلاد الشام الجزء الأول ـ بيروت 1993م.
37 ـ العراق ـ المغرب ـ السودان ـ الجزء الثاني ـ بيروت 1993م.
الإمامة وأهل البيت(عليهم السلام):
38 ـ الإمامة وأهل البيت(عليهم السلام) ـ ثلاثة أجزاء ـ بيروت 1993م.
39 ـ دراسة حول التاريخ للأنبياء(عليهم السلام). مجلة كلية الآداب ـ جامعة الإسكندرية العدد 39 لعام 1992م.
40 ـ تاريخ القرآن ـ جزءين ـ تحت الطبع.
وقفة مع كتابه: "الإمامة وأهل البيت(عليهم السلام)"
أهل البيت(عليهم السلام):
يحدد الكاتب المعنى المقصود بأهل البيت(عليهم السلام)، ويستعرض الآراء الأخرى الواردة في هذا المعنى ثم يناقشها فيقول:
يتفق المؤرخون والمحدثون ـ أو يكادون ـ على أن أهل البيت(عليهم السلام) إنما هو الكرام الخمسة البررة:
1 ـ سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله(صلى الله عليه وآله).
2 ـ سيدنا ومولانا وجدنا الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام).
3 ـ سيدة نساء العالمين جدتنا السيد فاطمة الزهراء(عليها السلام).
4 ـ سيدنا الإمام الحسن بن علي(عليه السلام).
5 ـ سيدنا وجدنا ومولانا الإمام الحسين بن علي(عليه السلام).
على أن هناك من يرى غير ذلك، ومن ثم فلعل من الأفضل أن نتعرض لهذه الآراء الأخرى:
الرأي الأول: أهل البيت أزواج النبي
روى السيوطي في الدر المنثور أن عكرمة كان يقول عن آية الأحزاب 33 (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )(1) من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي(صلى الله عليه وآله). غير أن هناك من يعترض على ذلك لأسباب
____________
1- الأحزاب: 33.
أولا: أن الحافظ ابن كثير يقول في تفسيره: إذا كان المراد أنهن سبب النزول فهذا صحيح، وأما إن أريد أنهن المراد دون غيرهن، فهذا غير صحيح(1).
روى ابن أبي حاتم عن العوام بن حوشب عن ابن عم له قال: دخلت مع أبي على عائشة رضي الله عنها، فسألتها عن علي(رضي الله عنه)، فقالت...: تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكانت تحته ابنته، وأحب الناس إليه، لقد رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي الله عنهم، فألقى عليهم ثوباً، فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي، فاذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا"، قالت: فدنوت منهم، فقلت: يا رسول الله، وأنا من أهل بيتك، فقال(صلى الله عليه وآله): تنحي، فإنك على خير".
قال: أخرجه الحافظ البزار والترمذي وابن كثير في تفسيره(2).
ثانياً: أن أهل البيت في آية الأحزاب 33 (آية التطهير)، إنما يراد به أهل بيت النبوة، المنحصر في بيت واحد، تسكنه سيدة نساء العالمين، السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، ابنة النبي(صلى الله عليه وآله)، وزوجها الإمام علي(رضي الله عنه)، وكرم الله وجهه في الجنة ـ وابناهما، الإمام الحسن والإمام الحسين، رضي الله عنهما، وأما بيت الزوجية، فلم يكن بيتاً واحداً، وإنما كان بيوتاً متعددة تسكنها زوجات النبي(صلى الله عليه وآله)، لقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن)، وفي هذه الآية الأخيرة الخطاب موجه لمن في بيوت النبي(صلى الله عليه وآله)، جميعاً.
ثالثاً: ما قيل من أن آية الأحزاب 33 وما بعدها، إنما جاءت في حق أزواج
____________
1- تفسير ابن كثير: 3 / 769، (دار الكتب العلمية ـ بيروت 1406هـ، 1986).
2- تفسير ابن كثير: 3 / 772 ـ 773 (بيروت 1986).
والقرآن الكريم ـ وكذا كلام العرب وشعرهم ـ مملوء بذلك، ذلك لأن الكلام العربي، إنما يدخله الاستطراد والاعتراض، وهو تخلل الجملة الأجنبية بين الكلام المنتظم المناسب، كقول الله تعالى: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَ جَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَ كَذَ لِكَ يَفْعَلُونَ * وَ إِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّة)(1). فقوله: (وكذلك يفعلون)، جملة معترضة من جهة الله تعالى، بين كلام ملكة سبأ.
وقول الله تعالى: (فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَ قِعِ النُّجُومِ * وَ إِنَّهُو لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُو لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ)(2)، أي فلا أقسم بمواقع النجوم، إنه لقرآن كريم، وما بينهما اعتراض.
ومن ثم فلم لا يجوز أن يكون قول الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(3). جملة معترضة متخللة لخطاب نساء النبي(صلى الله عليه وآله)، على هذا النهج؟
وعلى أيه حال، فلا أهمية لمن قال: بأن أزواج النبي(صلى الله عليه وآله)، من أهل البيت، فلا توجد فرقة من المسلمين تدين بالولاء لإحدى أزواج النبي(صلى الله عليه وآله)، وتوجب الاقتداء بها.
رابعاً: أنه حتى الذين يجعلون أزواج النبي(صلى الله عليه وآله)، من أهل البيت، وأن آية الأحزاب 33 نزلت فيهن، إنما يذهبون ـ في نفس الوقت ـ إلى أن الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء والإمامين ـ الحسن والحسين ـ عليهم السلام، إنما هم
____________
1- النمل: 34 ـ 35.
2- الواقعة: 75 ـ 77.
3- الأحزاب: 33.
يقول "ابن تيمية" في "رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم"، روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أم سلمة: ان هذه الآية (آية الأحزاب 33) لما نزلت: أدار النبي(صلى الله عليه وآله)، كساءه على عَليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً".
ثم يقول ابن تيمية: وسنته(صلى الله عليه وآله)، تفسر كتاب الله وتبيّنه، وتدل عليه وتعبر عنه، فلما قال: "هؤلاء أهل بيتي"، مع أن سياق القرآن يدل على أن الخطاب مع أزواجه، علمنا أن أزواجه ـ وإن كن من أهل بيته، كما دل عليه القرآن ـ، فإن هؤلاء ـ أي الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء والحسن والحسين ـ أحق بأن يكونوا أهل بيته، لأن صلة النسب، أقوى من صلة الصهر، والعرب تطلق هذا البيان للاختصاص بالكمال لا للاختصاص بأصل الحكم(1).
هذا فضلا عما رواه البخاري في صحيحه من حديث عائشة: أن فاطمة بنت النبي(صلى الله عليه وآله)، قالت: سارني النبي(صلى الله عليه وآله)، فأخبرني أنه يقبض في وجعه، الذي توفي فيه، فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه، فضحكت"(2).
خامساً: ما أجاب به "زيد بن أرقم" في الحديث المشهور، حين سئل: من أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال: أهل بيته من حرم الصدقة بعده.
روى مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم، قال: قام رسول الله(صلى الله عليه وآله)، يوماً فينا خطيباً بماء يدعي خُمّاً بين مكة والمدينة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول
____________
1- ابن تيمية: رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم ـ تعليق أبي تراب الظاهري ـ جدة 1405هـ /1985م، ص20 ـ 21.
2- صحيح البخاري: 5 / 26 (دار الجيل ـ بيروت).
وفي رواية أخرى عن زيد بن أرقم، أنه ذكر الحديث بنحو ما تقدم، وفيه: فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا، وايم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها، فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته، الذين حرموا الصدقة بعده"(3).
سادساً: أن قول الله تعالى: (لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ...). بالميم، يدل على أن الآية نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، ولو كان الخطاب خاصاً بنساء النبي(صلى الله عليه وآله)، لقال "عنكن" و"يطهركن".
سابعاً: أن تحريم الصدقة على أزواج النبي(صلى الله عليه وآله)، ليس بطريق الأصالة ـ كبني هاشم ـ وإنما هو تبع لتحريمها على النبي(صلى الله عليه وآله)، وإلاّ فالصدقة عليهن حلال، قبل اتصالهن به(صلى الله عليه وآله)، فهن فرع من هذا التحريم.
ومن المعروف أن التحريم على "المولى" فرع التحريم على سيده، ولما
____________
1- قال الإمام النووي: قوله(صلى الله عليه وآله): ثقلين، فذكر كتاب الله وأهل بيته، قال العلماء، سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل لثقل العمل بهما (صحيح مسلم: 15 / 180، وانظر روايات أخرى للحديث الشريف: 15 / 179 ـ 181).
2- صحيح مسلم: 15 / 179 ـ 180، دار الكتب العلمية بيروت 1401هـ ـ 1981م.
3- صحيح مسلم: 1 / 181.
ثامناً: ما ذهب إليه صاحب تفسير "مجمع البيان" من أن ثبوت عصمة المعنيين بالآية 33 من الأحزاب، إنما يدل على أنها مختصة بهؤلاء الخمسة الكرام البررة، النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، لأن من عداهم غير مقطوع بعصمته.
الرأي الثاني: أهل البيت: من حرمت عليهم الصدقة:
يذهب فريق من العلماء إلى أن أهل البيت هم من حرمت عليهم الصدقة من بني هاشم، وهم: آل علي بن أبي طالب، وآل جعفر بن أبي طالب، ثم آل العباس بن عبدالمطلب، يعنون بذلك بني هاشم جميعاً، وأن البيت هو بيت النسب، ومن ثم يكون: أعمام النبي(صلى الله عليه وآله)، وبنو اعمامه منهم.
روى "القاضي عياض" في "الشفاء" عن الشعبي: أن زيد بن ثابت الأنصاري، صلى على جنازة أمه، ثم قربت له بغلته ليركبها، فجاء عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب، فأخذ بركابه، فقال زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله، فقال ابن عباس: هكذا نفعل بالعلماء، فَقَبَّل زيد يَدَ ابن عباس، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا(2).
هذا فضلا عن حديث زيد بن أرقم ـ والذي رواه مسلم في صحيحه ـ وفيه
____________
1- ابن قيم الجوزية، جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ـ تحقيق طه يوسف شاهين ـ القاهرة 1972، ص122 ـ 124.
2- القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي: الشفا بتعريف حقوق المصطفى ـ الجزء الثاني ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت 1399هـ ـ 1979م، ص50.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى نقطتين، (اولا): أن هناك من قسم أهل بيت النبي إلى ثلاثة دوائر، الدائرة الخاصة: وهم ذرية فاطمة وعلي إلى يوم القيامة من الحسن والحسين، وهم أهل الكساء والمباهلة، ويسمون كذلك خاصة الخاصة، والدائرة الثانية: هم بنو هاشم والمطلب، ومن ألحق بهم نصاً، وهم الذين يحرم عليهم الزكاة، والدائرة الثالثة: هم الزوجات الطاهرات، أمهات المؤمنين،....
و(ثانياً) أنه مهما اختلف المسلمون في فرقهم، فإن كلمتهم واحدة في أن شجرة النسب النبوي الشريف إنما تنحصر في أبناء فاطمة الزهراء، لأن النبي(صلى الله عليه وآله)، لم يعقب إلاّ من ولدها.
وأما بنو علي ـ من غير السيدة فاطمة ـ وبنو عقيل وجعفر والعباس، فإنهم من بني هاشم، جدهم وجد النبي معاً، لكنهم ليسوا من آل النبي(صلى الله عليه وآله)، لأن نسبهم لا ينتهي إليه(صلى الله عليه وآله).
الإمامة:
يوضّح الكاتب معنى الامامة لغة، واصطلاحاً من مصادر أهل السنة، فيقول:
الإمامة لغة: التقدم، تقول: أمّ القوم: تقدمهم، ومنه: "أممت القوم، فأنا أؤمُهُم أمَّاً وإمامة، إذا كنت إمامهم، ومنه قول الله تعالى لإبراهيم(عليه السلام): (إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)(2)، إني مصيرك تؤم من بعدك، من أهل الإيمان بي وبرسلي، تتقدمهم أنت، ويتبعون هديك، ويستنون بسنتك التي تعمل بها، بأمري إياك، ووحيي إليك(3).
والإمام: القدوة، وهو ما ائتم به الناس من رئيس أو غيره، هادياً
____________
1- صحيح مسلم: 15 / 180 ـ 181 (دار الكتب العلمية بيروت).
2- البقرة: 124.
3- تفسير الطبري: 3 / 18 (ط. دار المعارف).
وإمام: من أمّ ومعناها في الأصل: الرئيس، وخاصة الدليل الذي يقود القافلة، وهي ترادف الهادي، ومنها كل شخص أو شيء يتخذ دليلا أو قدوة، مثل ذلك إمام الغلام في الكُتاب (المكتب)، وهو ما يتعلم منه كل يوم(2).
وترد في القرآن الكريم بمعنى المثل والدليل والقدوة والمشابه(3)، ومنذ ظهور الإسلام تطلق هذه الكلمة على الرجل الذي يصلي بالناس، وكان الإمام ـ أول الأمر ـ هو النبي(صلى الله عليه وآله)، أو من ينيبه عنه في غيبته، وبعد وفاته(صلى الله عليه وآله)، حل في الإمامة أحد الخلفاء، أو عمالهم، وأصبحت الإمامة في الصلاة إحدى المهام الأساسية للحاكم، وإسناد السلطة إلى عمال الأقاليم يظهر في صورة واضحة للجميع، عندما يؤم نائب الخليفة الناس في الصلاة.
هذا ويخلع فقهاء المسلمين لقب "الإمام" على رأس الجماعة الإسلامية، وهو زعيم الأمة في الدين والدنيا، ويسمى عادة "الخليفة" لأنه يخلف النبي(صلى الله عليه وآله)، ويتزعم الإمام المسلمين في أمور الدين، وبيده أزمة الجماعة التي يرأسها، ويطلق على هذا المنصب "الإمامة الكبرى" تمييزاً له عن "الإمامة الصغرى"، وهي وظيفة من يؤم الناس في الصلاة(4).
فالإمامة أو الخلافة إذن: هي النظام الذي جعله الإسلام أساساً للحكم بين الناس، بهدف اختيار الأصلح من المسلمين ـ قدر الطاقة ـ لتجتمع حوله كلمة الأمة، وتتحد به صفوفها، وتقام به أحكام الشريعة، وفي ذلك يقول البيضاوي
____________
1- علي أحمد السالوس: عقيدة الإمامة عند الشيعة الاثنى عشرية ـ القاهرة 1987 ص8.
2- دائرة المعارف الإسلامية: 4 / 391 (كتاب الشعب ـ القاهرة 1970)، لسان العرب: 14 / 291، القاموس المحيط: 4 / 77 ـ 78 (القاهرة 1952).
3- انظر: البقرة: 124، الحجر: 79، الفرقان: 74، يس: 12.
4- دائرة المعارف الإسلامية: 4 / 391.
اختيار الامام:
يستعرض الكاتب آراء الفرق الاسلامية في من يستحق الإمامة وكيفية اختياره، فيقول:
اختلفت المذاهب الإسلامية فيمن يشغل منصب الخلافة، فذهب فريق من العلماء إلى أن الأمة إنما تختار من تشاء، متى رأوا فيه القدرة على حراسة الدين، وسياسة الدنيا، لا فرق بين قريشي وغيره، وهذا كان رأي غالبية الأنصار، حين رأوا في اجتماع السقيفة أن يبايعوا "سعد بن عبادة"، قبل بيعة أبي بكر الصديق...، وقد أخذ بهذا الرأي ـ فيما بعد ـ المعتزلة، وأكثر الخوارج، وجماعة من الزيدية.
وقد احتج هذا الفريق بحديث النبي(صلى الله عليه وآله)، الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله)، قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير، فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني"(1).
وروى مسلم أيضاً في صحيحه بسنده عن شعبة عن أبي عمران عن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر قال: "إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبداً مجدع الأطراف"(2).
ومن ثم فقد أجاز الخوارج أن يكون الإمام من غير قريش(3)، وأن من
____________
1- صحيح مسلم: 12 / 223 (دار الكتب العلمية ـ بيروت 1403هـ ـ 1983).
2- صحيح مسلم: 12 / 225.
3- قال السيوطي: وأخرج عبدالرحمن بن أبزي عن عمر بن الخطاب أنه قال: هذا الأمر (أي الخلافة) في أهل بدر، ما بقي منهم أحد، ثم في أهل أُحد، ما بقي منهم أحد، وفي كذا وكذا.