نخلص من هذه الوقفة القصيرة ـ التي قد لا يكون لذكرها هنا معنىً سوى الإثارة، ويا لها من إثارة دقيقة جدّاً كثيرة المفارقات غزيرة النتاج عميقة المداليل!! ـ إلى قول الزيدية في النصّ على من بعد الحسين(عليه السلام).
فالزيديّة ـ بشكل عام ـ(1) لاترى النصَّ على من بعد الحسين تخصيصاً، ولكنها تراهُ عاماً في العترة(2)!!
ولكنّ المشكلة ستكون حينها في نفس متمسك الزيدية على "إمامة" العترة أو قُل: أحد مستمسكاتها وهو: حديث الثقلين.
فإنّ هذا الحديث ـ بحد ذاته ـ يُلحُّ علينا أن نطالب بالمنصوص عليه، وإلاّ فكيف يوكل أمر الأُمة إلى "عترة" لا نعرف من هم وبأي حق هم أئمة؟
أضف إلى ذلك أن الأحاديث التي قد "خصصت" العترة في "اثني عشر إماماً" أو "خليفةً" قد كفتنا عناءَ البحث والتكلّف وتجشم "الالتواء" على "النصوص" وعرقلة مسيرتها الطبيعية التكوينية(3)!!
وأمّا الاثنا عشرية فقد قالت: أن الأئمة من بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) اثنا عشر إماماً(4).
____________
1- لأنّ لهم كلاماً في الوصية إلى زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام) راجع: التحف: 42.
2- عدة الأكياس: 2 / 188.
3- تاريخ الخلفاء: 10 ـ 12، أنوار التمام (تتمة الاعتصام للقاسم بن محمد): 5 / 400 ـ 402.
4- وليست الاثنا عشرية وحدها هي التي قالت هكذا; بل أنَّ أكثر محدِّثي المذاهب الإسلامية أوردوا في صحاحهم ومسانيدهم حديث الأئمة الاثني عشر، إما إجمالاً أو تفصيلاً. انظر: صحيح البخاري: 9 / 147 / 79، صحيح مسلم: 3/ 1452 / 5 (1821)، مسند أحمد ابن حنبل: 1 / 398 / 406، ينابيع المودة: 3 / 281، للتوسّع انظر: إعلام الورى: 2 / 157 ـ 208، نفحات الأزهار: 2 / 337، دلائل الصدق: 2 / 485، بحار الأنوار: 36 / 192 ـ 418، الإلهيّات: 4 / 109 ـ 115، وراجع: إثبات الهداة للحرِّ العاملي.
يقول "الشريف المرتضى":
"الذي يدلّ على إمامة الأئمة(عليهم السلام) من لدن حسن بن علي بن أبي طالب إلى الحجة ابن الحسن المنتظر صلوات الله عليهم نقل الإمامية وفيهم شروط الخبر المتواتر المنصوص عليهم بالإمامة وأن كل إمام منهم لم يمض حتّى ينصَّ على من يليه باسمه عنه، وينقلون عن النبي(صلى الله عليه وآله) نصوصاً في إمامة الاثني عشر صلوات الله عليهم، وينقلون زمان غييبة المنتظر صلوات الله عليه وصفة هذه الغيبة عن كل من تقدّم من آبائه، وكل شيء دللنا به على صحة نقلهم لما انفردوا به من النصّ الجلّي على أمير المؤمنين(عليه السلام) يدلّ على صحة نقلهم، فالطريقة واحدة.
الطريق إلى الإمام:
وجولتنا الأخيرة ـ في هذا الطواف السريع على الأسس الهرمية لنظرية الإمامة عند الزيديّة والاثني عشرية ـ هي في نظرية القيام والدعوة عند الزيدية:
وفي البداية نقول: إنه قد أصبح من شبه البديهي أن الزيدية تقول بقيام الإمام ودعوته، خصوصاً لمن عرف تاريخها ودرسه ابتداءاً بزيد بن علي... وانتهاءاً بآخر إمام لهم في اليمن على اختلاف لهم فيه!! هل هو هو أم أبوه(1)؟!
ولندع صاحبة النظرية نفسها تُرينا تعريف القيام والدعوة وكيف صارت طريقاً لتعيين الإمام ومعرفته بعد الحسين(عليه السلام).
يقول الشرفي:
"قال أئمتنا(عليهم السلام) وشيعتهم: وطريقها ـ أي الإمامة ـ أي الطريق إلى كون
____________
1- ومع التسليم ـ فرضاً ـ بأنّ زيد بن علي يُعتبَر محوراً لتلك الدائرة او ابتداءاً لخطّ الزيدية الذي نمىـ من بعده ـ مذهباً وفكراً حركةً وسلطةً.
ومعنى ذلك أن ينصب نفسه لمحاربة الظالمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويشهر سيفه وينصب رايته ويبث الدعاة للناس إلى إجابته ومعاونته وعلى هذا إجماع العترة(عليهم السلام) وشيعتهم..."(1).
وجاء في كتاب شرح الأزهار:
"واعلم أنّه لابدّ من طريق إلى اختصاص الشخص بالإمامة، وقد اختلف الناس في الطريق إلى ثبوت الإمامة، فعند الزيدية أن طريقها الدعوة فيما عدا علياً(عليه السلام)والحسن والحسين، ومعنى الدعوة أن يدعو الناس إلى جهاد الظالمين وإقامة الحدود والجُمع وغزو الكفّار والبغاة ومباينة الظالمين حسب الإمكان"(2).
إذن فقد عَرَّفَنا هذان النصّان على "لُبّ لباب" في مسألة القيام والدعوة. ولكن ما هو دليل القول بهذه المسألة؟!
هذا ما يحدّثنا به الإمام يحيى بن حمزة في هذا النصّ التالي:
"اتفقت الأمة على أنّ الرجل لا يصير إماماً بمجرد صلاحيته للإمامة، واتفقوا على أنّه لا مقتضى لثبوتها إلاّ أحد أمور ثلاثة: النص والاختيار والدعوة، وهي أن يباين الظلمة من هو أهل للإمامة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى اتِّباعه، واتفقوا على كون النص من جهة الرسول طريقاً إلى إمامة المنصوص عليه، واختلفوا في الطريقين الآخرين، فالإماميّة اتفقت على بطلانهما، وذهبت المعتزلة والأشعريّة والخوارج والزيدية الصالحية إلى أن الاختيار طريق إلى ثبوتها، وذهبت الزيدية غير الصالحية إلى أن الاختيار طريق إلى ثبوتها،
____________
1- عدة الأكياس: 2 / 192.
2- شرح الأزهار: 4 / 522.
ومن هذا النصّ الجامع لعقيدة الزيدية في مسألة القيام والدعوة قد تتضح لنا أمورٌ عدّة يهمّنا منها الآن:
1 ـ ان بعض الزيدية لم يقولوا بالقيام والدعوة، بل قالوا بالاختيار كإخوان لهم من اهل السنة.
2 ـ أن دليل القيام والدعوة يبتني في البداية على عدم صلاحية العقد والإختيار والنصّ كطريق لمعرفة الإمام، وحينها لا يبقى لدينا إلاّ القيام والدعوة كطريق أخير للإمامة فنعتقده.
3 ـ إنّ "يحيى بن حمزة" لا يرى الإجماع على مسألة القيام والدعوة ويخالف بذلك بعض أئمة الزيدية، إن لم يكن كلّهم، أو أنّ أئمة الزيدية لهم نظريات متعددّة في الدليل على القيام والدعوة!!
4 ـ وهكذا يتركنا يحيى بن حمزة حيارى بعده دون أن يعطينا دليلاً قاطعاً على "القيام والدعوة"!!
وأما "الإثنا عشرية" فالمسألة محلولة عندهم سلفاً وذلك بقولهم بالنصّ من
____________
1- المعالم الدينية: 130، 131.
ولكن لا بأس بذكر نموذج من استدلالاتهم العقلية والموضوعية على القول هذا وردّ آراء مخالفيهم:
"فأمّا الطريق إلى تعيين الإمام فعندنا إنّما هو النصُّ من جهته تعالى عليه أو ما يقوم مقامه من المعجز، وعند أكثر مخالفينا طريقة الاختيار والعقد، وعند الزيدية طريقه النصّ او الخروج أو الدعوة، ونحن ندلّ على صحّة ما ذهبنا إليه نفي صحّة بطلان قول جميع من خالفنا في ذلك.
والذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه هو ما قد دللنا عليه من وجوب عصمة الإمام، والعصمة لا طريق إلى معرفتها إلاّ إعلام الله تعالى بالنصّ على لسان نبي صادق أو بإظهار معجزة على الإمام نفسه، فأمّا اختيار الأمّة وعقدهم وبيعتهم فلا يصلح أن يكون طريقاً إلى معرفة المعصوم، فبطل أن يكون الاختيار طريقاً إلى تعيين الإمام، وكذلك الخروج والدعوة لا يكونان طريقاً إلى العصمة، لجواز حصولهما في غير المعصوم، فلا يكونان طريقاً إلى تعيين الإمام"(1).
____________
1- المنقذ من التقليد: 2 / 296.
(16) محمد الكثيري
(مالكي / المغرب)
ولد في دولة المغرب، وترعرع في أجواء أسرة مالكية المذهب، فاتبع هذا المذهب تقليداً للآباء، كباقي ابناء مجتمعه.
كان للسيد الكثيري مجموعة اصدقاء تجمعهم هواية البحث عن الصحوة والفكر الجديد، وبمرور الزمان ومن خلال مفاجئتهم بوجود التناقضات في الصعيد العقائدي والفقهي بدأوا يعانون من القلق الفكري.
يقول الكثيري في هذا المجال: "هذا التخبط والاختلاف العقائدي الذي كان سبباً في انتشار موجه من القلق الفكري والروحي داخل صفوف أبناء الصحوة، دفع البعض إلى التحرر تدريجياً من الالتزام الديني والتوجه نحو الانشغالات الدنيوية والنظر إلى الإسلام بنوع من الحذر والريبة. ومنهم من هرب قاصداً الطرق الصوفية على اعتبار أن التعبد هو الحقيقة الوحيدة... وبقيت فئات عريضة داخل هذه البؤرة تتخبط في الاختلاف والتناقض وتتوزعها كيانات فكرية وحركية لا تتوقف عن الانقسام والتكاثر، كل كيان يسفه احلام خصومه، بل يكفرهم ويرمي بهم بعيداً عن جماعة المسلمين".
ويضيف السيد الكثيري: "الواقع أنني كنت ممن أكتوي بنار هذا الاختلاف
لكن العناية الالهية أدركتني في الوقت المناسب، فانتشلتني من هذا التخبط الذي حشرت فيه، وأمدتني بالقوة والعزم الكافيين لمواصلة مسيرة البحث والدراسة لمعرفة اسباب الخلاف وعوامله ومن يقف وراءه.
فعقدت العزم لدراسة المذاهب الإسلامية المتعددة والتعرف على رجالاتها وكتبهم والبحث عن الدراسات المهمة التي تعالج القضية المذهبية وتاريخ المذاهب.
ولما لم يكن ذلك متيسراً في وطني لقلة المراجع والمصادر الخاصة بالمذاهب الإسلامية المختلفة قررت السفر إلى الشرق لتحقيق هذا الغرض".
وفي الشرق بدأ الكثيري بدراسة التاريخ وسلط الضوء على الخلفيات التاريخية، لأنه كان يرى بأن هذه الخلفيات تعطى للفكرة الأبعاد العميقه، فتظهر الحقيقة من خلال هذا العمق، وهذا هو الذي يساعد الانسان على حسن الاختيار والتمييز بين الحق والباطل.
ومن هنا اكتشف الكثيري: "أن السلطات السياسية الحاكمة للمجتمع الإسلامي خصوصاً مع بداية القرن الرابع قد اضفت الشرعية المطلوبة على بعض المدارس الأصولية والفقهية. وتلقاها عامة الجمهور بالقبول وأضفوا عليها مع مرور الزمن القداسة والاحترام حتى اضحت تمثل الإسلام في شكله ومضمونه، وغد الخارج عنها مارقاً عن الإسلام، كافراً ضالا وفي أحسن الظروف مبتدعاً، لذلك أحلّوا دمه وماله.
في المقابل عاشت فرق ومذاهب أخرى في الظل، ليس فقط لشذوذها الفكري أو العقائدي، وركوبها الغلو الذي تنفر منه فطرة اغلبية الناس ولكن
فإذا كانت هذه الفرق لم تعترف بشرعية اغلب السلطات السياسية التي قامت على طول التاريخ الإسلامي، فإن رد فعل تلك السلطات كان مماثلا وزيادة بعض الشيء، فشُوهت أفكار الفرق المعارضة وحُرفّت عقائدها وقُتل دعاتها ورجالات دعوتها وأرباب مدارسها، ولم يسمح لها بنشر مذاهبها إلا بطرق سرية وحفية.
لذلك لم تعرف حقيقة الكثير من المدارس الكلامية إلاّ بعد فترة طويلة من انتهاء هذا الصراع.
ولكن هذا النمو في الظل والخفاء لبعض الفرق، قد جعل قطاعات واسعة لا تعرف عنها شيئاً".
وتبيّن للكثيري أن المذاهب الاربعة لم تستطع الانتشار إلاّ في ظل عناية الخلفاء والولاة وذلك لأن عناية السلطة تكسب الشيء لونا من الاعتبار والعظمة، كما أن السلطات الحاكمة حصرت المذاهب في أربعة ومنعت العامة من تقليد غيرها، ثم منعت الاجتهاد واغلقت بابه وجعلته حكراً على من مضى من السلف وفرضت على الخلف التقليد والامتثال.
ثم واصل الكثيري بحثه، بعيداً عن كل تعصب أو انحياز مسبق لجهة ما على اعتبار أنها الحق أو أنها الميزان الذي يوزن به غيره، وكان هدفه من بحثه الموضوعي هو حب الوصول للحقيقة.
واكتشف الكثيري خلال مطالعته للتاريخ حقائق مهمة وخطيرة، غيرت من حياته الكثير لأنّها انتزعته من مذهبه السابق وأخذت بيده إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
ثم واصل الكثيري بحثه حتى لم يبق له أدنى شك في تغيير انتمائه المذهبي لأنه اكتشف أن من قوة مذهب التشيع أنه قادر على اثبات احقيته من كتب أهل
فاعلن استبصاره، ثم جند نفسه لنشر علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) فاختار القلم وسيلة لتحقيق هذه الغاية، فتوجه إلى التأليف والكتابة ونشر المقالات في الصحف والمجلات الاسلامية من أجل انارة بصائر... الذين لا يعرفون عن التشيع شيئاً وارشادهم إلى الحقائق التاريخية التي وقفت السلطات الجائرة فيما سبق دون وصولها إلى الناس.
مؤلفاته:
(1) "السلفية بين أهل السنة والامامية":
صدر سنة 1418 عن مركز الغدير ـ بيروت.
يقول المؤلف في المقدمة: "أما هذا الكتاب وفصوله الستة فيأتي كمساهمة في ايجاد إجابات لمئات التساؤلات التي تطرحها مسيرة الصحوة الإسلامية اليوم على المستوى العقائدي والمذهبي، ومحاولة لتسليط الضوء على أسباب وعلل الاختلاف الديني، ومن يقف وراء الفتن المذهبية والحروب الطائفية التي تمزق وحدة المسلمين في الوقت الراهن. كل ذلك من خلال متابعة تاريخية شاملة لنشوء المذهب الحنبلي في الفقه والعقائد، ورصد ليومياته في الدعوة والانتشار وعلاقته بخصومه ومخالفيه من المذاهب الإسلامية الاخرى، مع عرض لبعض خصوصياته العقائدية والفقهية".
ويتألف الكتاب من الأبواب والفصول التالية:
الباب الأول: السلفية: الخليفات التاريخية والمذهبية.
الفصل الأول: التعاريف، السلفية، الحشوية، أهل السنة والجماعة، الشيعة الإمامية.
الفصل الثاني: المذهب الحنبلي رحم الحشوية.
الفصل الرابع: محمد بن عبد الوهاب وقيام الدعوة السلفية.
الباب الثاني: أهل السنة والإمامية في مواجهة السلفية.
الفصل الأول: مع أهل السنة.
الفصل الثاني: مع الشيعة الإمامية.
ومن آثاره أيضاً التي نشرها في مجلة المنهاج كمقالات تحت عنوان: "قراءة في كتاب".
(1) "كتاب "تاريخ الاسلام الثقافي والسياسي" (للاستاذ صائب عبد الحميد) "نحو قراءة واعية للتاريخ الاسلامي".
نشرته مجلة المنهاج ـ العدد السابع ـ خريف 1418 هـ ـ 1997م.
مما جاء في هذه القراءة: "التاريخ الاسلامي وبحكم أصالته وبفعل العوامل الخاصة التي ساهمت في تكوينه قد اصبح شريكاً للقرآن والسنة في تكوين الرؤى والمواقف وصياغة كثير من المعتقدات والمعارف...
هذه الحقيقة... دفعت مجموعة من المؤرخين والمفكرين الاسلاميين منذ مطلع القرن العشرين إلى التفكير والدعوة إلى اعادة النظر في هذا الموروث التاريخي الضخم...
من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي لم يتحسس مؤلفه فقط عمق المشكلة وخطورتها، ولم يقنع بترديد الدعوة إلى كتابة التاريخ الاسلامي، بل حاول ان يقدم مساهمة عملية وموضوعية لاعادة كتابة هذا التاريخ وتصحيحه".
(2) "إعادة تحريف التاريخ الإسلامي، قراءة في كتاب "أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري" للدكتور السَّلفي عبد العزيز
مما جاء في هذه القراءة: "هناك العشرات من الدراسات الجامعية تتنوع بين بحوث تمهيدية لنيل درجة الماجستير في العلوم الإسلامية، ورسائل ماجستير واطروحات دكتوراه، انجزت خلال السنوات الماضية داخل الجامعات السعودية، كان الغرض منها أولا واخيراً، الانتصار لمذهب الحنابلة في الاصول والفروع، بالاضافة إلى تزييف الحقائق التاريخية وتحريفها، دفاعاً عن ظلم بني أمية، والتستر عما ارتكبوه من جرائم في حق الاسلام والمسلمين والانسانية جمعاء".
ومن هذه الرسائل رسالة الدكتوراه للمؤلف السلفي المذكور من الجامعة الاسلامية.
وجاء في القراءة أيضاً: "يمكن أن نجزم بأن ما قام به الباحث السلفي، في بحثه هذا، ليس سوى تطبيق وفي منهج ابن تيمية وتلامذته في تحريف التاريخ والتراث الاسلامي بشكل عام. لذلك سنعرض لهذا المنهج باختصار شديد لأنّ هذه الدراسة لا تتحمل التفصيل، لكن المهم هو تنبيه أبناء الصحوة الإسلامية والباحثين في مجال التاريخ الإسلامي، لهذه الطرق والوسائل التي يتبعها السلفيون لقلب حقائق التاريخ الإسلامي لغاية وحيدة ونهائية، وهي الدفاع عن بني أمية وتبرئتهم من كل ظلم وطغيان، أو كفر ونفاق".
وله مقالات اخرى في مجلة المنهاج نشرها باسم "محمد دكير"، منها:
1 ـ الفكر التربوي عند الشهيد الثاني (المنهاج ـ العدد العاشر).
2 ـ حقوق الانسان في الاسلام (المنهاج ـ العدد الحادي عشر).
3 ـ الامامة والسلفية (المنهاج ـ العدد الخامس عشر).
4 ـ الاصابة بوباء الغرب (المنهاج ـ العدد التاسع عشر).
5 ـ الفسلفة المتعالية (المنهاج ـ العدد العشرون).
وقفة مع كتابه: "السلفية بين أهل السنة والامامية"
يتناول الكاتب في كتابه هذا عنوان السلفية كحركة دينية ظهرت على الساحة الإسلامية، فيعرّفها ويبحث عن جذورها وكيفية نشؤها وعلاقاتها مع الطوائف الإسلامية، ويبيّن أهم عقائدها التي تضادت عموماً مع عقائد معظم المسلمين والذي حدا بها إلى تكفير معظم أهل القبلة، وردود المسلمين عليها ووقوفهم في وجهها.
من هم السلفية:
المقصود بالسلفية هم أولئك الذين ظهروا في القرن الرابع الهجرى. وكانوا من الحنابلة، وزعموا أن جملة آرائهم تنتهي إلى الإمام أحمد بن حنبل الذي أحيى عقيدة السلف، وحارب دونها، ثم تجدد ظهورهم في القرن السابع الهجري، أحياه (ابن تيمية) وشدد فى الدعوة إليه، وأضاف إليه أموراً أخرى قد بعثت إلى التفكير فيها أحوال عصره، ثم ظهرت تلك الآراء في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري، أحياها "محمد بن عبد الوهاب" ـ في الجزيرة العربية ـ وما زال الوهابيون ينادون بها(1).
ويطلق على السلفية الذين ظهروا في القرن الرابع: الحشوية.
الحشوية:
الحشو لغة ما يملأ به الوسادة أو الحشية أو الخضر وغير ذلك. و "الحشوية"
____________
1- محمد أبو زهرة، المذاهب الاسلامية: 311.
لأنهم قبلوا التفاسير المنطوية على التجسيم، وإن كانوا تحفظوا في التجسيم فقالوا "بلا كيف" ولم يفسد ذوقهم كما فسد ذوق الحشوية الخلص(1).
وقالوا: إنّ الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وجوز قوم منهم على الأنبياء الكبائر كالزنى واللواط وغيرهما. إلى غيره من الأقوال الواضحة البطلان(2).
أما ابن رشد الفيلسوف، فيقول: "الحشوية فإنهم قالوا ان طريقة معرفة وجود الله تعالى هو السمع لا العقل: أعني أن الإيمان بوجوده الذي كلف الناس التصديق به يكفي فيه أن يتلقى من صاحب الشرع ويؤمن به إيماناً كما تتلقى منه أحوال المعاد، وغير ذلك مما لا مدخل للعقل فيه، وهذه الفرقة الضالة، الظاهر من أمرها أنها مقصرة عن مقصود الشارع في الطريق التي نصبها للجميع مفضية إلى معرفة وجود الله تعالى... وذلك يظهر من غيرما آية من كتاب الله تعالى أنه دعى الناس إلى التصديق بوجود الباري سبحانه بأدلة عقلية منصوص عليها"(3).
ويمكن أن نستخلص عناصر الموقف الحشوي كما يفهم من النص السابق وغيره على النحو التالي:
1 ـ الإعتماد على النص وحده طريقاً إلى المعرفة الإعتقادية خاصة والدينية بصفة عامة، ورفض العقل وأدلته.
____________
1- دائرة المعارف الإسلامية، مادة الحشو، دار المعرفة، بيروت: 7 / 439.
2- معجم الفرق الإسلامية: 49.
3- ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة: 134، بتوسط المدخل إلى دراسة علم الكلام.
3 ـ النزوع إلى الفهم الحرفي لتلك النصوص مما يؤدي إلى التجسيم والتشبيه. أي تشبيه صفات المخلوقات والأشياء المادية الجسمية إلى الله سبحانه(1).
إن فرقة (السلفية المعاصرة) اليوم هي تيار حشوي له جذور عميقة في التاريخ الفكري للحشو وعقائده.
وأنه مذهب إنتقائي تكاد ترجع أغلب آرائه في العقائد إلى الإسرائيليات، التي حشا بها الرواة من الأعراب ومتأسلمة اليهود والنصارى أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله).
على أن مصطلح "الحشوية الحنبلية" ليس من مبتكرات خصوم "السلفية" اليوم، وإنما ورد في كثير من كتب التاريخ وكان يقصد به سلف "السلفية الوهابية المعاصرة". فقد ذكر إبن عساكر في كتابه "تبيين كذب المفتري عن الإمام أبى الحسن الأشعري" قوله: "وفي منتصف القرن الخامس استفحل أمر هؤلاء الحشوية ببغداد حتى (أخطر) أمثال أبي إسحاق الشيرازي وأبي بكر الشاشي وغيرهما من أئمة الشافعية أن يكتبوا محضراً عليه خطوطهم ورفعوه إلى نظام الملك، ومن جملة ما فيه. "إن جماعة الحشوية والأوباش الرعاع المتسمين
____________
1- د. حسن محمود الشافعي، المدخل إلى دراسة علم الكلام، مكتبة وهبة، والقاهرة ط2 1991م، ص 76.
ومن خلال تتبعنا للجذور التاريخية لمصطلح "السلفية" تبين واضحا أن أتباع هذه المدرسة اليوم، ليسوا سوى "خلف حشوية أهل الحديث" المتوسمين بالحنابلة. وأن مصطلح "السلفية" سيضيق مفهومه ليصبح علما متميزاً لما توصل إليه ابن تيمية الحراني... من آراء في العقائد خصوصاً، بعدما تصدى للكم الهائل من أحاديث التشبيه والتجسيم ورام الدفاع عنها، وسلك منهجا وطريقة في اثباتها وجعلها أساساً لعقائد السلف.
والسلفية أو الوهابية اليوم هي دعوة متميزة لبعث هذه العقائد، مدعومة بمخزون أهل الحشو من أحاديث وروايات. لذلك كثرت الطبعات والتحقيقات لكتب مثل "السنة" لعبد الله بن الإمام أحمد، و "التوحيد" لإبن خزيمة، وغيرهما من المصادر المعتمدة لدى الحشوية الأوائل.
علماء أهل السنة وابن تيمية:
إن المتتبع لمجمل آراء علماء أهل السنة والجماعة وغيرهم في ابن تيمية يمكن ان يستنتج التالي:
1 ـ لم يكن ابن تيمية إلا حشوياً متستراً بتبعيته للسلف الذين جعل لهم مذهباً موحداً يرجع إليه.
2 ـ سقط في أخطاء عقائدية وأصولية نتيجة دراسته للفلسفة، خالف بها ما أجمعت عليه الأمة وخصوصاً علماء أهل السنة والجماعة من أشاعرة وما تريدية.
3 ـ كان كثير الكذب على السلف في نقله أقوالهم وآرائهم وإجماعهم في
____________
1- هذه عقيدة السلف: 89، أنظر دفع شبه التشبيه والرد على المجسمة ممن ينتحل مذهب الإمام أحمد، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي، المتوفي سنة 597هـ.
4 ـ لم يكن أتباعه من عقلاء الأمة أو علمائها وانما جلهم من العوام الجهلة، وقد انتصر بهم وبالسلطان فحقن دمه واكتفي فقط بسجنه إلى أن مات فيه.
5 ـ عدم الإعتراف له بالأعلمية التي تؤهله للإجتهاد، فقد كان سطحياً في فهمه للنصوص، مؤمنا بظواهرها الإبتدائية. وهذا خلاف ما عليه المحققون من رجال الشريعة.
6 ـ إن آراءه العقائدية الشاذة ترمي به بعيداً عن الجماعة، واذا أضفنا ما ابتدعه من فتاوي ضالة في الفقه وآرائه في الصحابة فهو إن لم يحكم عليه بالكفر الصراح فلا شك في زندقته ونفاقه(1).
ابن تيمية، حدّة في الطبع وغلظة في التعامل:
كان ابن تيمية حدة في الطبع وجفاء وغلظة في التعامل مع من جعلهم خصوماً له. وقد حاول البعض أن يُرجع هذه الحدة والمزاج الصعب والمتقلب إلى كون الشيخ لم يتزوج طيلة حياته. ولا شك أن الكبت الجنسي كما اثبت العلم المعاصر، يضغط على الأعصاب ويؤثر عليها، فيتعرض الإنسان على أثر ذلك لموجات عصبية حادة. وهذا القول لا شك أن فيه بعضاً من الصحة ويمكن أن يكون مفتاحاً لحل لغز التناقض الحاد في أفكار الشيخ وأحكامه.
فقد عثر الباحثون على أحكام وآراء متناقضة له في المسألة الواحدة. فهو حينا يعالج القضية بهدوء وتفهم وكأنه تلميذ يشرح كلام أستاذه بصدق وأمانة، وتراه حينا آخر مندفعاً لا يلوي على شيء مجرداً خصومه من كل فضيلة أو علم
____________
1- رد العلاء البخاري الحنفي على ابن تيمية، وقال في حقه: "ان من سمى إبن تيمية "شيخ الاسلام فهو كافر"، وقال به غيره، انظر كتاب "الرد الوافر للامام ابن ناصر الدين الدمشقي: 60 و 21، كما اعترض الشيخ زاهد الكوثري على التسمية.
ونحن نقول بعد متابعة شاملة لحياة الشيخ ومذهبه وسيرة أصحابه، بأن الحدة والمزاج الصعب والجاف الذى يتكلم عنه الباحثون، يجدون تفسيره في مسألتين مهمتين بالإضافة إلى الكبت الجنسي أو كونه عاش وحيداً دون أهل أو زوجة.
المسألة الأولى: تتمثل في البيئة الجغرافية التي فتح الشيخ فيها عينيه وتربى ونشأ، وهي مدينة حران التي وصفها الرحالة ابن جبير بقوله: "ولا تزال تتقد بلفح الهجير ساحاته وأرجاؤه ـ أي بلد حران ـ ولا تجد فيها مقيلا، ولا تتنفس فيها إلاّ نفساً ثقيلاً، قد نبذ بالعراء، ووضع في وسط الصحراء فعدم رونق الحضارة، وتعرت أعطافه من ملابس النضارة"(1). فلا شك أن هذه البيئة الصحراوية الجافة كان لها تأثير على نفسية الصبي، وهذا معلوم بالضرورة فأخلاق وسلوكيات البدو الذين يعيشون في الصحاري والقفار تكون جافة غليظة، بخلاف سكان الحواضر والبوادي الخصبة حيث الأنهار والبساتين والأشجار الكثيفة. وهذا من تأثير الطبيعة والجغرافية على الإنسان، وهي مسلمة علمية وعرفية.
المسألة الثانية: ترجع إلى المذهب الحنبلي فقد ولد الشيخ إبن تيمية في بيت المشيخة الحنبلية واستمر يرتع وينمو في أحضان هذا المذهب إلى أن تولى رئاسته. والصفة المميزة والخاصة لأتباع هذا المذهب كانت وما زالت تتمثل في الجفاء والغلظة، وقد وصفهم إبن عقيل الحنبلي قائلا: "قوم خشن تقلصت أخلاقهم عن المخالطة وغلظت طباعهم عن المداخلة...(2).
____________
1- ابن تيمية حياته عقائده: 25.
2- إسلام بلا مذاهب، ص431.
ابن تيمية وأهل البيت:
أما موقف إبن تيمية من أهل البيت فكان غريباً جداً، فعندما ستصادفه عشرات الأحاديث الصحيحة ومن في حكمها، وكلها تشهد لأهل البيت، علي وفاطمة والحسن والحسين، بالأفضلية، وتدعو لاحترامهم ومحبتهم وتقديمهم على غيرهم. وهذه الأحاديث تملأ الصحاح وكتب الحديث المختلفة، فإن شيخ الحنابلة، سيقول: "ان فكرة تقديم آل الرسول هي من أثر الجاهلية، فى تقديم أهل بيت الرؤساء"(2)!؟
إذن هذا الإجتباء الإلهي لآل الأنبياء هو من أثر الجاهلية، وكل هذا الذي في القرآن هو من أثر الجاهلية؟!
وهذه الصلاة على آل محمد وآل إبراهيم التي ترددها في صلاتك هي من أثر الجاهلية!! أتدري لماذا جدع قصير أنفه؟! لأنه لا يستريح حين يذكر لآل محمد(صلى الله عليه وآله)حق في ذلك الإصطفاء(3). أما عندما يصطدم بحديث غدير خم الواضح في ولاية علي وأهل بيته، فإنه يحذف أوله ويثبت آخره. وهذا تحريف ليس جديداً على الشيخ، وقد تكلمنا في فصله عن إتهام أهل السنة له بالتحريف لأقوال الفرق الإسلامية والكذب على أصحابها.
____________
1- النهج الأحمد في تراجم أصحاب أحمد، مجير الدين العليمي: 1 / 21.
2- منهاج السنة: 3 / 269.
3- أنظر صائب عبد الحميد، م س: 293 ـ 294.
ويبلغ التهافت والتجني على الحقيقة منتهاه، عندما يرفض هذا الحنبلي حديث الطير(1). لأنه يصرح بأفضلية الإمام علي(عليه السلام) على جميع الناس ما عدا الرسول(صلى الله عليه وآله). يقول إبن تيمية "إن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل" وقال: "وقد سئل الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصح"(2).
أما إذا رجعنا إلى أهل العلم لنعرف مصداق كلام الشيخ فسنجد أن هذا الحديث، قد رواه الترمذي من طريق السدي ووثقه، ورواه النسائي، وصححه الحاكم في المستدرك وقال: رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا، وصححه الذهبي وألف جزءاً في ما صح عنده من طرقه، ورواه البغوي أيضاً وآخرون. وقال الخوارزمي اخرج إبن مردويه هذا الحديث بمئة وعشرين إسناداً... وقال سبط إبن الجوزي: قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: حديث الطائر صحيح، يلزم البخاري ومسلم إخراجه في صحيحيهما لأن رجاله ثقات، وهو على شرطهما(3).
ماذا يقول علماء السلفية عندما يكذب شيخهم السلفي على علماء الحديث
____________
1- عن أنس بن مالك قال: كان عند النبي(صلى الله عليه وآله) طير أهدي إليه فقال: "اللهم إئتني بأحب الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير، فدخل علي(عليه السلام) فأكله معه".
2- منهاج السنة: 4 / 99. ونقلا عن صائب عبد الحميد. م س: 303.
3- صائب عبد الحميد، م س: 303 ـ 304.
وكذا فعل مع حديث الإنذار، الذي ذكره أهل التفسير عندما، شرحوا قوله تعالى: (وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ)(1). وهذا الحديث يعلن صراحة وبوضوح كون الإمام علي هو الوصي والخليفة. بل إن الشيخ الحنبلي سيتنكر لبعض الحقائق الواضحة والتي لا تحتاج إلى عناء لتحقق منها. فهو يقول عن سورة الدهر أنها "مكية باتفاق العلماء"(2). وسورة الدهر أو الإنسان مدنية، باتفاق الأمة وهذه المصاحف بين أيدينا تشهد على ذلك؟! ولا ندري، ألم يكتف الشيخ بضرب السنة وتجريحها، فهل انتقل إلى القرآن لتغيير حقائقه. نقول هذا الكلام للسلفية، ليسرعوا إلى تصحيح عثرات شيخهم، لأنها عثرات قاتلة؟!.
إن كذب الشيخ على علماء الحديث والمفسرين، وتحريف أقوالهم، كثير جداً في منهاجه، وقد جئنا بهذه الأمثلة لمعرفة منهجه وطريقة رده على الشيعة الإمامية، ولو كان المقام يسع لجئنا بعشرات الأمثلة على هذا التحريف والكذب الصريح على علماء الإسلام وتراثهم.
الوهابية أو السلفية الجديدة:
كان إبن قيم الجوزية من تلامذة الشيخ إبن تيمية ومن أكثر الناس التصاقا به لدرجة أنه أُدخل معه السجن في القلعة. ولما توفي الشيخ تحمل التلميذ المخلص مهمة جمع تراث أستاذه والحفاظ عليه، بل تنقيحه وترتيبه وتبويب مسائله وإغناء مواضيعها بالشرح والتفصيل والتأليف. كل ذلك، ضم إلى تراث الحنابلة بشكل عام
____________
1- الشعراء: 214.
2- منهاج السنة: 2 / 117، أنظر المرجع السابق: 307.