الصفحة 547
لأنّه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة، وكان المفروض أن يكون سراً".

بينما نجد الرسول(صلى الله عليه وآله) أمر علياً فنام على فراشه وخشى من أبي بكر أن يدلّهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار.

ثم إنّ ما ذكرت من شواهد في آية الغار لا تدل على أحقية أبي بكر بالخلافة، بل لقائل أن يقول: إنّ صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلا على البر والخير، فكم من كفار كان بصحبة بعض المؤمنين والأنبياء وخاصة في الأسفار(1).

وأما الاستدلال بقوله: (ان الله معنا)، فليس فيها فضيلة لأحد لأنّ الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب، بل يكون مع غير المؤمنين، كقوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَـثَة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لاَ خَمْسَة إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَ لاَ أَدْنَى مِن ذَ لِكَ وَ لاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ...)(2) فالله عزّ وجلّ بحكم هذه الآية يكون مع المؤمن والكافر والمنافق، ولو سلّمنا أنّها فضيلة فان الاُمور بعواقبها وهي ليست أكثر من عبادة ابليس لله سبحانه المستمرة لآلاف السنين التي ذهبت أدراج الرياح بعد رفضه أمر الله بالسجود لآدم، أو ذلك العالم الذي تذكره الآية: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى ءَاتَيْنَـهُ ءَايَـتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَـنُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ )(3).

ـ سؤال: فما تقولون في قوله تعالى: (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُو عَلَيْهِ)(4)والضمير في (عليه) يرجع لأبي بكر وهذا شرف من الله خصّه فيه؟

جواب: الضمير يرجع إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) وليس لأبي بكر بقرينة الجملة التالية في الآية: (وَأَيَّدَهُو بِجُنُود لَّمْ تَرَوْهَا)(5)، وقد صرّح جميع المفسّرين أن المؤيد

____________

1- انظر يوسف: 39، والكهف: 2.

2- المجادلة: 7.

3- الأعراف: 175.

4- التوبة: 40.

5- التوبة: 40.


الصفحة 548
بجنود الله سبحانه هو النبيّ(صلى الله عليه وآله)، ولا نستطيع القول أنّ السكينة نزلت على أبي بكر دون رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أما القول بأن أبا بكر يحتاج إلى السكينة فنزلت عليه أما الرسول فالسكينة معه دائماً فلا يحتاج إلى نزولها، فجوابه من القرآن بهذه الآية: (ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا)(1)وذلك في غزوة حنين، ويقول في آية اخرى: (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى)(2).

سؤال: بعد كل ما طرحناه من تساؤلات ومناقشات وردود من قبل سماحتكم إلى أين تريد أن توصلني؟

جواب: يا أخي نحن لسنا بحاجة إن تشيعت أم لم تتشيع; لدينا أكثر من 300 مليون شيعي في العالم، ولكن الواجب الشرعي يفرض عليَّ أن ابيّن لك بالأدلة والبراهين أين هوالحق، فالمسلم الواثق من عقيدته لا يهاب الحوار، ولا تخيفه المناقشات.

وأرجو منك أن تقرأ كتب الشيعة بدقة وتعمق الفكر في أدلتنا وبراهيننا، أقول هذا لأني فتشت أسواق القاهرة، والحجاز، والخليج، والاردن، وأسواق الشام، وأندونيسيا، وتنزانيا، وبومباي وغيرها من البلاد الاسلامية التي غالب سكانها من أهل السنة أو حكامها من أهل السنة والجماعة فما وجدت كتب الشيعة في مكتباتها، فكأنكم ـ مع الأسف ـ آليتم أن لا تطالعوا كتب الشيعة، فلا أدري هل حكمتم عليها بأنها كتب ضلال فحرمتم قراءتها؟!

وإني دخلت بيوت كثير من أخواننا أهل السنة علماء وغير علماء، وخاصة الذين يهوون مطالعة الكتب ويملكون مكتبات شخصية في بيوتهم، فوجدت فيها

____________

1- التوبة: 26.

2- الفتح: 26.


الصفحة 549
كتب مختلفة حتى كتب غير المسلمين من الشرقيين والغربيين، ولم أجد كتاباً واحداً من كتب الشيعة!!

ولا أجد مكتبة واحدة من مكتباتنا العامة والخاصة تخلو من صحاحكم وكتبكم ومسانيدكم وتواريخكم وتفاسيركم لا لحاجة منا إليها، لأن مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) غنية والأخبار المروية عن العترة الطاهرة تناولت جميع جوانب الحياة وكل ما يحتاجه الانسان في أمر الدين والدنيا.

ـ سؤال: أليس الكلام والنقاش حول هذه المواضيع يزيد المسلمين تنافراً وحقداً وابتعاداً؟ كيفما كان الأمر فنحن ماكنا في ذلك الوقت حتى نلمس الأمر ونتحسس الأحداث، فأقول لك: (تلك أمة قد خلت) فنحن لا نحاسب عنهم إن أخطأوا.

جواب: هذا كلام من لا يملك الحجة والدليل الشرعي، فيقول: (تلك أمةٌ قد خلت)، يجب على كل مسلم أن يتبع الحق لا أنه يستسلم للأمر الواقع، فكم من ضلال وباطل قائم في الدنيا فهل يجوز للمسلم أن يتبعه ويتقبّله، ثم يقول: إنه أمر واقع وليس لنا إلاّ أن نستسلم للأمر الواقع! فالاسلام دين تحقيق لا دين تقليد.

قال سبحانه وتعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُو)(1) فهل يجوز للمسلم أن يترك هذه النصوص الجلية والأحاديث النبوية المروية عن صحاحكم وتاريخكم.

لا تحاور الشيعي:

يقول الاستاذ هشام: عندما بدأت بالبحث عن الحقيقة كان إمام المسجد عندنا في القرية يقول لي: إنّ الشيعة لسانهم كالسحر إياك والجلوس معهم أو المحاورة معهم فانه يقلبون الحقائق، ويقول لك راجع البخاري وراجع مسلم

____________

1- الزمر: 17 ـ 18.


الصفحة 550
وراجع الترمذي وراجع التواريخ... وليس فيها من كلامهم شيء.

فقلت له: شيخنا الجليل ما دمنا نحن على الحق... فلماذا نخاف من محاورة الشيعي؟ لماذا لا نرجع إلى البخاري ومسلم والتواريخ لكي نرى كلام الشيعي هل هو صحيح أم لا؟ أما أن نخاف من محاورتهم فذلك نقص عندنا والحق مع الشيعي.

وما دام عندنا القرآن وكتب الحديث والأسانيد فعلينا أن نحاورهم بالحسنى وبالدليل كما يقول تعالى: (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـدِقِينَ)(1).

وان كنا نحن على الحق فالواجب الشرعي يفرض علينا هدايتهم إذا كانوا على ضلال، وإلاّ الخوف من محاورتهم يعني العكس، فتركني الشيخ ولم يلق عليَّ السلام بعدها، فوجدت أنّ هذا الشيخ لا يقبل الحوار قد أثرت في نفسه الاشاعات والدعايات الكاذبة على التشيع، حيث أثير نقاش في جلسة من الجلسات في القرية، فحذّر الناس مني ومن أفكاري، وهاجمني هجوماً حاداً غير عقلاني أمام الناس وقال لي: أنتم الشيعة، تحرفون القرآن، وتستعملون التقية، وتقولون في الأذان أشهد أن علياً ولي الله وتقولون بالمتعة وتقولون في آخر الصلاة خان الأمين وتسبون الصحابة وتعملون على طمس الحقائق ونشر الأضاليل...

قلت: وعلى مر التاريخ هناك دعاة للحق ودعاة للباطل، وكثير من العلماء والمثقفين السنة الذين وقفوا ضد التشيّع وحاربوه كان ذلك منهم نتيجة تصديقهم لبعض هذه الاشاعات وهذه الأكاذيب بحق أهل البيت(عليهم السلام)...

وقد توالت الاشاعات بقوة عبر التاريخ ضد أهل البيت(عليهم السلام) منذ الأيام الأخيرة لحياة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومروراً بالتغطية الإعلامية على خلافة عليّ(عليه السلام)واغتصاب حقه ومظلوميته الفاضحة، ومظلومية زوجته الزهراء(عليها السلام) بحيث اغتصب حقها وارثها من أقرب المقرّبين لرسول الله(صلى الله عليه وآله) الذين يدّعون بأصحابه، ومروراً بمظلومية

____________

1- البقرة: 111.


الصفحة 551
أولاد الرسول(صلى الله عليه وآله) كسم الإمام الحسن(عليه السلام) من قبل معاوية وقتل الحسين(عليه السلام) وقطع عنقه وحمل رأسه الشريف من العراق إلى الشام وأي مظلومية كهذه؟! الذي يندى لها جبين الانسانية وجبين المروءة وجبين الكرامة وجبين العزة الإسلامية.

اسطورة عبدالله بن سبأ:

يورد الاستاذ هشام في كتابه هذا الموضوع بما يلي:

لقد كتب الكثير حول اسطورة عبدالله بن سبأ من خصوم الشيعة، وأنّ عبدالله بن سبأ هو الذي روج للشيعة مذهبهم الذي يعتمد على الوصاية وأن الوصاية مأخوذة من أصل يهودي، وبالتالي خرجوا بنتيجة أن التشيع يهودي مصدره هذا الشيخ المسمّى عبدالله بن سبأ، وأن ابن سبأ هو الذي دفع الناس وألبها على عثمان بن عفان عندما قتل. وأن ابن سبأ استطاع بحنكته أن يشوش على عدد كبير من الصحابة ليثيروا الفتنة والشغب كما يريد، هذا وما جاء به بعض أصحاب الاقلام المأجورة قديماً وحاضراً...

والحقيقة أنّ عبدالله بن سبأ شخصية وهمية مخترعة لا حقيقة لها.

وقد ذكر الدكتور طه حسين الأسطورة السبأية، حيث استعرض أولا الصورة التي رسمت لابن سبأ، ثم مزّقها بعد تحليل دقيق، ودعم رأيه بالامور التالية:

1 ـ إنّ كل المؤرخين والثقات لم يشيروا إلى قصة عبدالله بن سبأ، ولم يذكروا عنها شيئاً.

2 ـ إنّ المصدر الوحيد لرواياته التي نقلها الطبري هو سيف بن عمر وهو رجل معلوم الكذب ومقطوع بانه وضاع.

3 ـ إنّ الاُمور التي اسندت إلى عبدالله بن سبأ تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبد الله بن سبأ وسخّرهم لمآربه، وهم ينفذون أهدافه بدون اعتراض في منتهى البلاهة والسخف.


الصفحة 552
4 ـ عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعماله عنه مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر وعمار وغيرهم.

5 ـ عدم جود أثر لابن سبأ ولجماعته في واقعة صفين وفي حرب النهروان، وقد انتهى طه حسين إلى القول: إن عبدالله بن سبأ شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة، ولا وجود له في الخارج(1).

وما قاله الباحث المصري المتشيع (سعيد أيوب) يكشف عن الحقيقة: لماذا عبدالله بن سبأ لم يمزق وحدة المسلمين في الشام!!

"ومن الثابت والذي لا خلاف عليه أن القصص وسرد الحكايات كان وجبة أساسية على امتداد العهد الأموي، وتحت ظلاله سبوا أمير المؤمنين عليّاً في البيوت والحارات وفي المساجد.

ولا ندري إذا كان عبدالله بن سبأ معروفاً لأهل الشام حتى انهم أخرجوه فلماذا لم يقتله معاوية وهو الذي قتل حجر بن عدي بعد ذلك تحت دعوى أنه خطر على النظام؟!

ثم لماذا لم يبحث عنه معاوية يوم أن جلس على رقبة الأمة؟

وهو الذي كان يبحث عن المعارضين تحت كل حجر، وأتى بعمرو بن الحمق؟ وقطع رأسه وأهداه إلى زوجته فكان أول رأس اهدي في الاسلام"(2).

____________

1- راجع كتاب الفتنة الكبرى: 1 / 131، فصل ابن سبأ، عنوان ابن السوداء.

2- معالم الفتن: 1 / 424 ـ 425.


الصفحة 553

(25) ياسين المعيوف البدراني
(شافعي / سوريا)




ولد في سوريا بمدينة دير الزور، نشأ في أسرة تعتنق المذهب الشافعي، وببلوغه سن الرشد أدرك بأن الاسلام لا يرى التقليد كافياً في ممارسة الأصول العقائدية، بل أنه يوجب على كل فرد البحث عن صحة هذه العقائد.

وتبادر هذا التساؤل في ذهنه: "في مثل هذه الحالة العقيمة التي نعيشها وسط مذاهب متعددة وطرق اسلامية شتى، لم لا نحاول البحث عن المذهب الحقيقي، كي نتمسك به، ولماذا نأخذ الاسلام من موقع واحد، بينما هناك طرق ومشارب عديدة".

فوصل الأخ ياسين إلى هذه النتيجة: "نحن جميعاً وكل مسلم بحاجة إلى دراسة التاريخ دراسة علمية وإلى دراسة المذاهب الفقهية والسياسية دراسة عميقة، لكي نستطيع أن نتبين مواطن الخطأ ونقول يا فلان أنت مخطىء، ولكي نتبين مواطن الحق ونقول يا فلان أنت محق، وذلك بعد البحث العلمي والتمحيص".

اعادة النظر في القراءات السابقة:

يقول الأخ ياسين حول ما لاقاه في طريقه إلى البحث: "التقيت بعينات من أهل القرى والمدن (المجاورة) مما جعل بيني وبينهم بعض المناقشات

الصفحة 554
والمحاورات التي ولدت عندي حافزاً جديداً لأن أعيد النظر في قراءاتي السابقة وأن أقارن بينها وبين كتب أخرى وما تحمل في طياتها من قضايا التاريخ ومجرياته، ولقد وجدت عند الكثير ممن كنت أحاورهم وآخذ منهم تقاعساً عن اقتحام الحقيقة وصمتاً أمام الدليل الواضح متمشين في ذلك مع ما يطلب الواقع، ومع ما هو موروث عن الآباء والأجداد لكنني عزمت على العمل الدؤوب والاستمرار في تقصى الحقيقة ومعرفتها".

عقبات دون ادراك الواقع:

اندفع الأخ ياسين للبحث وحين بحثه في كتب التاريخ تفاجأ بأنّ المصالح السياسية والأهواء الشخصية لعبت دوراً هاماً في تشويه الحقيقة وأن السلطة حاولت أن تسيطر على نظام التاريخ وأن تصوغ محتواه وفق ما يتلاءم مع مصالحها الشخصية.

وبما أن الشيعة كان لهم موقفاً صلباً أمام السلطان منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، أدى ذلك إلى تشويه صورتهم والصاق التهم المختلفة بهم.

أهمية إعمال العقل حين البحث التاريخي:

ومن هنا ادرك الأخ ياسين أهمية إعمال العقل حين البحث وحين تقصى الحقيقة، فيقول في هذا المجال: "قد ينشأ من اهمال العقل ورفضه حالة قشرية تدفع الفرد إلى التمسك بالتقاليد والاعراف الماضية أياً كانت".

وبذلك توجه الأخ ياسين إلى غربلة التاريخ والبحث عن الحقيقة من خلال التعرّف على الأمور المتناقضة الموجودة فيه، فأخذ هذا الأمر بيده إلى الاستبصار ومعرفة الخط الإسلامي الصحيح الذي حاولت السلطات بشتى السبل أن تبعد الناس عنه.

فيقول الأخ ياسين في هذا المجال: "إنّ الناس غرقوا مرغمين في متاهات

الصفحة 555
واسعة ولدتها السيطرات السلطوية والمصالح الدنيوية الخاصة أيام الأمويين والعباسيين، فطمسوا الطريق الحقة ونكلوا بأهلها وجعلوا من انفسهم خلفاء الله في الأرض وقادة للدين، فكانوا ـ والحال هذه ـ لا يدعمون إلاّ المذهب الذي يؤيد نظامهم ويبرر اخطاءهم، فيرفعون من شأنه ويحيطونه بهالة من التقديس والعظمة، ويطلبون من الناس ولاءً مطلقاً واتباعاً أعمى لأي إمام صاحب مذهب يقوم بالباطل بين أيديهم"... وقد ذكرنا هذا، ليتوضح عند المثقفين والواعين (هذا) الأمر، وليعرفوا أن هذه المذاهب هي من صنع السياسات الحاكمة".

أهمية البحث لانقاذ النفس من الانحراف:

يقول الأخ ياسين حول أهمية التوجه إلى البحث لابراء الذمة وانقاذ النفس من الوقوع في شباك الضلال: "ومع مرور الزمن السيء والصعب بلياليه الحالكة السوداء وظروفه الخانقة صار الناس يرون رؤية مشوهة، فيحسبون الحق باطلا، والباطل حقا، وعم الخلط والتشويه في سيرة الأئمة الاطهار، وبمرور الزمن ايضاً سوف تنعدم النعمة الالهية عن هؤلاء الناس المشوهين... حتى يأتي يوم يصبح فيه المسلم مقولباً مصنوعاً في مصانع الافتراءات، وفريسة سهلة للأخطاء والضلالات، وهو ـ المسكين المغرور ـ ما يزال يظن أنه هو المؤمن الحقيقي وهو التقى النقي الطاهر، بينما في واقعة بعيد كل البعد عن الخط الرسالي وطهره ونقائه".

قاتل الله العناد الطائفي:

يرى الأخ ياسين أن من أهم الموانع التي تقف بوجه العلماء وتدفعهم ليكونوا سداً مانعاً لتعرف الآخرين على الحقائق هو العناد الطائفي والتعصب الأعمى، فيقول: "قاتل الله العناد الطائفي، والتعصب الأعمى الذي طال ليله وكثر

الصفحة 556
عشاقه المتعلقون بقشور الاشياء والذين سببوا نكسات وجروا جنايات على المسلمين لا تغتفر".

ويقول أيضاً: "من المؤسف ومن المؤلم أن الجاهل وضعيف الإيمان كلّما مرّ به الزمن يزداد تعصباً وضعفاً، فلا ينطق بقول الحق وهذا ما يؤلمنا ويحز في نفوسنا أسفاً وحزناً على أمتنا".

ويرى الأخ ياسين أيضاً أن الميل إلى المصالح الدنيوية، يعد أحد الدوافع لتشويه الحقيقة وكتمانها على الآخرين، فيقول في هذا المجال: "تعودت بعض الاقلام المأجورة أن تعيش في النفاق وعلى النفاق مقدمة نتاجها الفكري للمجتمع الذي تعيش فيه مزيفاً ومغلوطاً. وذلك بدافع من مصلحة دنيوية تافهه".

التصدي للدعوة بعد الاستبصار:

جند الأخ ياسين نفسه بعد الاستبصار والانتماء إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)للعمل الجاد في سبيل انقاذ أبناء مجتمعه ودعوتهم للعودة إلى سبيل الرشاد والركوب في سفينة أهل البيت(عليهم السلام)، لكنه واجهته عقبات كثيرة في هذا المجال.

فيقول حول ما لاقاه من عقبات في سبيل نشره لمذهب أهل البيت: "إنّ الطريق شائك وطويل واجتيازه مجهد، عبر مجتمع لم يعقل ولم يعرف البحث عن الحقيقة، الأمر الذي لا يتيح للداعية أن يوضح ما يريد أو أن يمد بصره حتى نهاية الطريق ذلك، لأن الأمة انحدرت وانحرفت في اتجاه مظلم خطه لها المستعمرون والطامعون الغاشمون الذين يقفون لأمتنا الاسلامية بالمرصاد ويضعون في سبيل الداعية من الحواجز والعراقيل ما يصعب عليه تجاوزها والتغلب عليها".

ويضيف الأخ ياسين حول تجربته في الدعوة: "لقد أجهدنا أنفسنا لأكثر من عشرين عاماً، كي نتلاحم مع أبناء بلدنا في حوار دؤوب، إلاّ أننا وجدنا الاعذار والاجابات التي كانت بالأمس هي نفسها اعذار اليوم لا تختلف في جوهرها ولا

الصفحة 557
مضامينها الخاوية من الحقيقة ويتعلل البعض بطول الطريق لكن الله سبحانه وتعالى يقول:

(لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِنم بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَـذِبُونَ)(1).

مؤلفاته:

(1) "يا ليت قومي يعلمون":

صدر عن مؤسسة المعارف للطباعة والنشر ـ بيروت ـ لبنان.

يعرض المؤلف في هذا الكتاب تجربته الشخصية في التحول من المذهب السني إلى المذهب الشيعي، ويذكر أهم الأدلة التي أخذت بيده فنقلته إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

ويحتوى الكتاب على عدة مواضيع منها: شرعية الإمامة، حب أهل البيت(عليهم السلام)، لماذا نكره كلمة شيعة، نظرية عدالة الصحابة، نشوء المذاهب، الاختلافات الهامشية بين السنة والشيعة، العرفان ونشأته، التعريف بالأئمة الأطهار.

____________

1- التوبة: 42.


الصفحة 558

وقفة مع كتابه: "يا ليت قومي يعلمون"

يقدم الكاتب في هذا الكتاب خلاصة ما حصل عليه من معارف وعلوم ـ في تجربته الطويلة في الانتقال إلى مذهب آل البيت(عليهم السلام) ـ إلى الناس وخصوصاً أهل بلده أداءاً للواجب الديني والاخلاقي الذي امتزج عنده بمحبة قومه، فسعى في هدايتهم إلى المعارف الحقة التي حصل عليها بعد جهد طويل مخلصاً في ذلك لدين الله ورسوله وأهل بيته رغم صدود الناس وغفلتهم وعناد المعاندين منهم.

يتحدث الكاتب عن كتابه فيقول: "لقد بذلت قصارى جهدي في هذا الكتاب الصغير بحجمه، والكبير العظيم في موضوعه ومحتواه، مدفوعاً إلى ذلك ليس بمحبتي وحدها وتقديسي لرسول الله الكريم، ولأخيه ووزيره ووليه من بعده، بطل التاريخ الاسلامي علي بن أبي طالب، ولآل بيته الائمة الاطهار الأبرار من بعده، لكنني كنت مدفوعاً في عملي أيضاً بأمر الرسول الكريم: "من رأى منكم منكراً فليقومه بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان"".

وقد تناول الكاتب مواضيع مختلفة، فبحث في إمامة أهل البيت المعصومين(عليهم السلام)وشفع ذلك في الثقل الآخر فتحدث عن هجر القرآن، وأورد أيضاً بعض المسائل الخلافية ووضح موقف أهل البيت(عليهم السلام) منها ونفي الشبهات التي أوردها خصومهم جهلاً أو عناداً، وكان في كل ذلك يدعو إلى الوحدة والتآلف واتباع الحق والعقل وعدم الخضوع لارباب المذاهب إن كانوا على باطل بيّن مخالف للقرآن وما صح من السنة الشريفة.


الصفحة 559

شرعية الإمامة:

شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أن ينظم هذا الكون تنظيماً ربانياً يسير بدقة متناهية بلا خلل ولا نقص ومن حكمته جل وعلا أن جعل البشرية تسير بنظم سماوية وتشريع رباني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ثم جعل لهذه الامة ولهذا التشريع قادةً وقيادةً من صفوة الخلق طهرهم الله من حب الدنيا وأرجاسها ومنحهم العلم والمعرفة، فمنهم الأنبياء، ومنهم الأئمة(عليهم السلام)هؤلاء هم الذين يستحقون أن يكونوا خلفاء على الخلق وأمناء على الشرع ومنهم نبي الله إبراهيم(عليه السلام) الذي خصه الله بالنبوة والإمامة يقول تعالى: (إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَ مِن ذُرِّيَّتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّــلِمِينَ)(1).

لقد جعل الله سبحانه وتعالى إبراهيم(عليه السلام) نبياً ثم خليلاً، ثم أعطاه مرتبة ثالثة، تشريفاً له وهي الإمامة لتكون في ذريته من بعده فكانت في الرسول الكريم محمد(صلى الله عليه وآله) وفي آله، بدليل قولنا في كل صلاة اللهم صلى وسلم وبارك على محمد، وآل محمد، كما صليت، وباركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

لقد ربط الله الآل بالآل، آل إبراهيم بآل محمد، والحكم دائماً يبدأ بالأهم فالخليفة أهم من الخليقة لأن كل مجتمع وكل أمة تحتاج إلى مرشد فلابد وأن يكون ذلك المرشد أكمل وأشرف الخلائق في الطهارة والصفاء ورجحان العقل وقوة الإيمان ولن يتسنى ذلك إلا للمعصوم من عند الله ويبطل اختيار من هو أدنى

____________

1- البقرة: 124.


الصفحة 560
منه مرتبةً في الناس. قال تعالى: (يَـدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـكَ خَلِيفَةً فِى الاَْرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)(1).

وهذا دليل واضح على أن الله سبحانه هو الذي يختار النبي والخليفة والإمام لأنه أعلم الناس من أنفسهم، ولما كانت الأمة بعد رسول الله في حاجة ماسة إلى إمام وقائد، فهل نضع هذه الإمامة والقيادة في غير الذين اختارهم الله ورسوله؟، هل ننتزع هذا الحق منهم وندع للناس اختيارهم؟ إن ذلك لعبثّ وجهل، والناس لن يستطيعوا اختيار المعصوم وليس من حقهم تبديله لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي اختاره.

قال الله تعالى: (وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)(2).

ويقول تعالى: (وَ جَعَلْنَـهُمْ أَئمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ تِ)(3).

بيان آية (وشاورهم في الأمر):

يقول الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَة مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الاَْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )(4).

هذا من خُلق القرآن ترابط اجتماعي كامل وواضح بين الرعية والقائد بالمشورة والاستئناس برأي ذوي الرأي ليتحسس الناس بمسؤولياتهم، وليفكروا بجدية أكثر في أمور الدين والدنيا وقد يضطر القائد خلال المشاورة إلى تبيان

____________

1- ص: 26.

2- القصص: 68.

3- الانبياء: 73.

4- آل عمران: 159.


الصفحة 561
مختلف وجوه الأمر للناس مما يعمق في نفوسهم ابعاد المعرفة لكن من واجب القائد المعصوم إذا رأى في الناس ضعفاً في الارادة أو تحيزاً للمصالح أقول من واجبه اتخاذ القرار المناسب الحازم وهم مأمورون باتباعه لأن قرار القائد يتجاوز الخلافات في الرأي ويعطي للأمة ما تحتاجه من الحيوية لتجاوز العقبات التي يرونها ضخمة بسبب ما بينهم من خلاف في الأهواء والآراء فالمشاورة اذاً وجدت لتحقيق الترابط ولإصابة الهدف بحثاً عن الحق والحقيقة ولكن إذا دخل الضعف والتراجع في الأمة عندها يتحتم على القائد أن يتخذ قراراً لا رجعة فيه لأنه إنما يسير على الهدى وبحكم الله فيكون بهذا العمل مربياً وموجهاً للأمة زارعاً فيها الرؤية الصالحة، وكيف تكون المشورة والمشاورة أو تصح في صدر الإسلام بين قلة من الصحابة يتفقون على اتخاذ قرار لتنصيب وكيل الله وخليفته على الناس في الأرض،ترى هل كان هذا هو الحق والصواب أم أنه استعجال في الأمر دفعهم إليه التعلق بالدنيا وهم يفتقرون إلى الدليل وإلى القدرة على الاختيار، حتى ولو سلمنا جدلاً وقلنا بأنهم تشاوروا فليسوا جميعاً معصومين بل إنهم تركوا المعصوم مشغولاً بتجهيز جنازة النبي وكان عملهم غير متطابق مع احكام القرآن لأن القرآن أمر الرسول الكريم بإعلان الخليفة والإمام عند وفاته قائلا:

"آتوني بكتف ودواة أكتب لكم ما ان تمسكتم به لم تضلوا من بعدي".

وكثر الخلاف واللغط حول النبي حتى اضطر أن يقول للناس اخرجوا عني لا ينبغي أن يكون خلافاً عند نبي.

ويقول(صلى الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعلي بابها).

وقد قال(صلى الله عليه وآله): (الحق يدور مع علي حيث دار).

يقول تعالى: (أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن

الصفحة 562
يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )(1).

هجر القرآن:

قال الله تعالى: (يَـأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُم بُرْهَـنٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً)(2).

وقال سبحانه: (كِتَـبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَـتُهُو ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيم خَبِير )(3).

يتأثر الإنسان ويهتز ويشعر بالقشعريرة والإعجاب المعجز عند قراءته لهذه الآيات الكريمة ثم يعتريه العجب وتصيبه الحيرة والذهول والأسى عندما يرى القسم الكبير من المسلمين على بعد ساشع من هذا الكتاب العظيم مع أنهم يقرأونه آناء الليل وأطراف النهار ولا يقدرونه حق قدره.

قال تعالى: (وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)(4).

لقد أودع الله في كتابه الكريم من المنافع والخيرات والعظات والعبر ما لا يحيط به الواصفون ولا يبلغ بعضه العادّون الذين يحاولون إدراك أسراره ومعجزاته. ففيه شفاء للصدور وبيان يزيل عمى الجهل وحيرة الشك، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه وإن من جعله إماماً وخُلقاً له قاده إلى الجنة ومن رمى به خلف ظهره ساقه إلى النار.

قال سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ ى ءَايَـتِم بَيِّنَـت لِّيُخْرِجَكُم

____________

1- يونس: 35.

2- النساء: 174.

3- هود: 1.

4- الاسراء: 83.


الصفحة 563
مِّنَ الظُّـلُمَـتِ إِلَى النُّورِ وَ إِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ)(1).

في هذا الكتاب الكريم من الأدلة الواضحة ما يلزم البشرية بالمتابعة لينقذهم من الجهل ومن العقائد الفاسدة والتقاليد الذميمة وليهديهم إلى ينبوع الحق (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً)(2).

إن هذا القرآن الكريم هو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم الذي يدفع الأهواء والشبهات عن العلماء الذين يدركون محاسن أنواره التي لا يفقهها إلاّ ذووا البصائر الجليلة ولا تقطف لطيف ثماره إلاّ الأيدي الزكية ومنافع شفائه تنالها إن شاء الله الأنفس التقية.

قالت فاطمة الزهراء(عليها السلام) بنت رسول الله في مسجد أبيها رسول الله(صلى الله عليه وآله):

(أنتم عباد الله نُصب أمره ونهيه وحملة دينه ووحيه وأمناء الله على أنفسكم وبلغائه إلى الأمم زعيم حق له فيكم وعهد قدمه إليكم وبقيةٌ استخلفها عليكم كتاب الله الناطق والقرآن الصادق والنور الساطع والضياء اللامع بصائره منكشفة وسرائره متجلية. تغتبط به أشياعه قائداً إلى الرضوان اتباعه مؤدياً إلى النجاة استماعه).

أخي الكريم ـ رعاك الله وهداك ـ إن هذا لنداءٌ من القرآن الكريم إلى العالم أجمع على اختلاف المشارب والمذاهب يلزمهم بهذا النداء ولا سيما في عصر العلم والتحرر، والحذار الحذار من أن يتعلق بك الشيطان فتتمسك بدين الآباء وتشقى شقاءً أبدياً ثم تكون من الخالدين في النار.

إذاً القرآن الكريم هو القانون الإلهي الذي يعالج كل أبعاد القضايا في الحياة والذي يخلص البشرية من ألغام الدنيا ومن ظلماتها وإن من قرأه وتدبره وعمل

____________

1- الحديد: 9.

2- الاسراء: 89.


الصفحة 564
بمضمونه ينال شرف الدنيا والآخرة لأنه الرسالة التي لا يأتيها الباطل ولا يعتريها التحريف والزيف وهي رابطة الإنسان بربه وهي آخر وأعظم اطروحة سماوية ومنهج رباني.

إن كل من لم يدرس القرآن الكريم دراسة صحيحة على يد علماء عارفين بحقائقه ومضامينه فإنه سيقع في الكثير من الشبهات التي تغير المفاهيم الحقيقية لتحل محلها مفاهيم مغلوطة تنمو في عقول البسطاء الذين ينعقون عن جهل خلف كل ناعق ويميلون مع كل ريح منحرفين عن القرآن ومبدعين بدعاً محرمةً.

يقول تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَآ)(1).

ويشكو الرسول الكريم من بعض قومه فيعبر الحق سبحانه وتعالى من هذه الشكوى بقوله: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَـرَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُواْ هَـذَا الْقُرْءَانَ مَهْجُوراً)(2).

أو ليست هذه الشكوى من الرسول الكريم من الذين يقرأوون القرآن على المنابر بأصوات جميلة وهذرمة خاوية ويتخذونه للتحنث والمكاسب المادية بعد أن هجروا معاني القرآن الحقيقية وأهدافه الرسالية ووجدوه ثقيلا عليهم فكان مثلهم مثل من يبر والديه بالجلوس إليهم فقط ثم لا يحترمهما ولا يعاملهما بإحسان ومعروف، فهل هكذا يكون البر للوالدين.

مثل هؤلاء الناس إذا كانوا يريدون أن يجعلوا الإسلام مرحلةً تاريخية أو تحفةً أثرية يتواءمون معه بما يحقق مصالحهم فنحن نرفض ذلك لأننا نريد أن يكون هذا الكتاب الكريم هو بداية حياتنا بالأمس وقضية جهادنا اليوم ونظام وهدف مسيرتنا غداً، نريده شعلةً من النور تضيء الطريق لكل الشعوب المؤمنة.

____________

1- محمد: 24.

2- الفرقان: 30.


الصفحة 565
وإذا كان هدف العلماء القشريين هو تمزيق المسلمين فرقاً وأحزاباً بدافع من قصر نظرهم وعدم فهمهم لمعاني القرآن الكريم فنحن سنبقى مصرين على الاعتصام بحبل الله المتين ولن نعمد أبداً إلى سماعهم والرجوع إلى جاهليتنا لنكون رهباناً في المساجد بعيدين عن الفكر الحركي البناء لن نقرأ القرآن بظاهره، طربين على أنغامه الصوتية راقصين عليها متخذين منها وجداً مع الله سبحانه وتعالى لأننا نرى أن الإسلام الحق هو غير ذلك وهو فهم القرآن الكريم والعمل به كما نرى أن الإسلام هو وعي بناء نحتمي بأسواره وحصونه المنيعة من الغزوات الثقافية الكافرة ومن الحضارة العصرية المدمرة لكل القيم والأخلاق.

إننا نريد أن تهاجر النفوس إلى الله لتعبده عن إيمان ولتخشاه عن بينة، نريد أن نكون كما يريد الله تعالى لنا أن نكون.

يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَ أَمْوَ لَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَـتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَاةِ وَ الاِْنجِيلِ وَ الْقُرْءَانِ وَ مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَ ذَ لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَـبِدُونَ الْحَـمِدُونَ السَّـائِحُونَ الرَّ كِعُونَ السَّـجِدُونَ الاَْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَ الْحَـفِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(1).

يجب أن نكون واعين لإسلامنا العظيم حق الوعي وأن نرتبط بالقرآن الكريم ارتباطاً روحياً فنعمل لأوامره ولا نكون متنسكين وخانعين نكتفي بالتعبد الطقسي القشري الخاوي من الروح ونمشي في الشوارع مطأطئي الرؤوس مرتدين خرق التذلل لأن الإسلام الحنيف والقرآن الكريم يرفضان هذا ولا يقبلان به.

____________

1- التوبة: 111 ـ 112.