الصفحة 52

صيغة التشهد عند الشافعية:

التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله (1).

صيغة التشهد عند الحنابلة:

التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد ورسوله الله م صل على محمد (2).

الموالاة:

إتفق جميع فقهاء المذاهب الإسلامية على وجوب الموالاة والتتابع بين أجزاء الصلاة وأجزاء الأجزاء بقراءة فاتحة الكتاب بعد التكبير بلا فاصل وبالركوع بعد القراءة وهكذا إلى آخر الصلاة ولا يفصل أيضا بين الآيات والكلمات والحروف.

الترتيب:

إتفق جميع الفقهاء على وجوب الترتيب بين أجزاء الصلاة فيقدم تكبيرة الاحرام على القراءة وهي على الركوع وهو على السجود وهكذا إلى آخر الصلاة

التسليم:

وقع الخلاف بين فقهاء الإمامية في وجوب التسليم وعدمه:

____________

(1) الأم: ج 1، 117، والمجموع: ج 2، ص 455.

(2) الفتح الرباني: ج 4، ص 28، والمغني: ج 1، ص 541، والمجموع: ج 3 ص 467.


الصفحة 53
قال جماعة منهم بالوجوب وممن ذهب إلى وجوبه من القدماء السيد المرتضى في كتابه الناصريات في المسألة 82.

وقال جماعة منهم بالاستحباب: منهم الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والعلامة الحلي.

واستدل للأول بما رواه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي (ص) قال: مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم (1).

أيضا وقع الخلاف في ذلك بين فقهاء السنة:

ذهبت الشافعية والثورية إلى وجوب التسليم (2).

وذهبت الحنفية إلى عدم وجوبه (3).

وسبب الخلاف في هذا هو الأخبار.

صيغة التسليم عند المذاهب.

للتسليم عند الإمامية صيغتان: الأولى: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين والثانية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والواجب بنظرهم هو أحدهما فإن قرأ المصلي الأولى منها تكون الثانية مستحبة، وإن قرأ الثانية اقتصر عليها ووقف عندها.

أما صيغة السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فليست من التسليم في شئ وإنما يستحب بعد التشهد.

____________

(1) سنن أبي داود: ج 1، ص 16، وسنن الترمذي: ج 1، ص 8، وسنن ابن ماجة: ج 1، ص 101.

(2) المغني: ج 1 ص 551، وبدائع الصنائع: ج 1 ص 194، والمحلى: ج 3 ص 277.

(3) المجموع: ج 3 ص 481، والمغنى: ج 1 ص 551، وبدائع الصنائع: ج 1 ص 194


الصفحة 54
والتسليم عند بقية المذاهب صيغة واحدة وهي:

السلام عليكم ورحمة الله ولا خلاف بينهم في ذلك وإنما الخلاف بينهم في أنه يقال بها مرة أو مرتين.

قال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل وسفيان بن سعيد الثوري وإسحاق بن راهويه: إن الأفضل مرتان (1).

وللشافعي في مفروض المسألة قولان:

الأول: ما قال به في مذهبه القديم وهو إذا كان المسجد ضيقا واللفظ مرتفعا وكان الناس في حال السكوت فتسليمة واحدة وإن كثروا وإن كان المسجد واسعا فتسليمتان (2).

الثاني: ما قال به في مذهبه الجديد إن الأفضل تسليمتان (3).

وقال مالك بن أنس الأصبحي والأوزاعي والحسن البصري وابن سيرين: الأفضل أن يقتصر على تسليمة واحدة وبه قال ابن عمرو وأنس وسلمة بن الأكوع (4).

وقال الشيخ الطوسي: الإمام والمنفرد يسلمان تسليمة واحدة واستدل بما رواه سعد الساعدي أنه سمع رسول الله (ص) يسلم تسليمة واحدة ولا يزيد عليها.

وأيضا ما روته عائشة قالت: كان رسول الله (ص) يسلم في صلاته

____________

(1) الأم: ج 1، ص 122، والمبسوط: ج 1، ص 30.

(2) المجموع: ج 3، ص 473، والمغني: ج 1 ص 552.

(3) الأم: ج 1، ص 122.

(4) المحلى: ج 3، ص 378، والمجموع: ج 3، ص 482.


الصفحة 55
تسليمة واحدة (1).

وحديث محمد ابن الحنفية عن أبيه الإمام على ع قال: قال رسول الله (ص): (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) وحديث أبو سعيد الخدري قال: قال النبي (ص) (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) (3).

وجوب الصلاة على محمد وآل محمد في التشهد:

والدليل على وجوب الصلاة على النبي (ص) في التشهد الأول والأخير، الآية الكريمة من سورة الأحزاب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (4).

وهذا أمر من الله بالصلاة عليه يقتضي الوجوب ولا موضع أولى من موضعها في الصلاة.

وحديث عائشة ظاهر الوجوب قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول:

(لا يقبل الله صلاة إلا بطهور وبالصلاة علي) (5) وحديث أبو بصير عن أبي عبد الله ع أنه قال: (من صلى ولم يصلي على النبي وتركه متعمدا فلا صلاة له) (6).

لفظة الصلاة على النبي وعلى آله في التشهد هي:

عن كعب بن عجرة قال: كان رسول الله (ص) يقول في الصلاة: (اللهم

____________

(1) سنن الدار قطني: ج 1، ص 357.

(2 و 3) المصنف: ج 1، ص 260.

(4) سورة الأحزاب: آية 56.

(5) الدارقطني: ج 1، ص 355.

(6) التهذيب: ج 2، ص 59.


الصفحة 56
صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد) (1).

ولذلك فقد اشتهر التساؤل بين العلماء من شيعة وسنة حول وجه التشبيه في قوله: كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم لأن المقرر أن المشبه دون المشبه به والواقع هنا عكسه إذ أن محمد صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من إبراهيم عليه السلام وقضية كونه أفضل أن تكون الصلاة المطلوبة أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل.

لأن آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد (ص) نبي مثلهم فإذا طلب للنبي (ص) ولآله من الصلاة عليه مثل ما لإبراهيم وآله وفيهم الأنبياء حصل لآل محمد (ص) من ذلك ما يليق بهم من الصلاة والسلام فإنهم يبلغون مراتب الأنبياء من الصلاة والسلام التي للأنبياء وفيهم إبراهيم وآل إبراهيم من الأنبياء ومحمد (ص) من آل إبراهيم لأنه من ولد إسماعيل فيحصل لمحمد (ص) من المزية ما لا يحصل لغيره.

وأيضا داخل (ص) في العموم تحت لفظة وآل إبراهيم فيحصل على مزية عامة.

وأيضا لفظة وبارك على محمد وآل محمد (ص) خاصة له وآله عليه وعليهم الصلاة والسلام.

وحديث سعد بن أبي وقاص عن النبي (ص) أنه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) (2).

وحديث عائشة قالت: خرج النبي (ص) غداة وعليه مرط مرحل من

____________

(1) أخرجه مسلم في الصحيح: ج 1، ص 305.

(2) أخرجه مسلم في الصحيح: ج 7، ص 121.


الصفحة 57
شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (1).

وحديث عبد الله بن مسعود أنه قال: سئل رسول الله (ص) بشأن الخلفاء فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل (2).

والخلفاء الاثني عشر هم أئمة أهل البيت (ع) أولهم: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم المهدي المنتظر (ع) لذلك لا بد من لفظة اللهم صل على محمد وأل محمد في العالمين إنك حميد مجيد. والله أعلم.

تحريك الأصبع السبابة في التشهد:

تحريك السبابة في الصلاة هو سمة كل سلفي، وقد بالغوا فيها كثيرا حتى أن البعض منهم قد يحركها صعودا وهبوطا متواصلا بما يزيد في تشهده على الثلاثين مرة، بل إن البعض منهم تعالى بها أكثر من هذا بكثير يحركها صعودا وهبوطا ويمينا وشمالا بحيث يشغل القلب عن الخشوع ويحدث الغفلة عن معنى التشهد.

وهناك أحاديث تقول بالإشارة ولكن مختلفة السياق.

منها حديث عبد الله بن عمر قال: وكان رسول الله (ص) إذا جلس في الصلاة وضع يده على ركبته ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الابهام (3).

وأنت ترى لم تكن هناك حركة أو إشارة تستفاد من الحديث.

ومنها حديث وائل بن حجر قال: ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه يدعو بها في التشهد (4).

____________

(1) سورة الأحزاب: آية 33. أخرجه مسلم في الصحيح: ج 7 ص 130.

(2) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند: ج 1، ص 389.

(3) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند، ومسلم في الصحيح.

(4) أخرجه النسائي، وأبو داود، وأحمد بن حنبل.


الصفحة 58
أيضا لم تكن في هذا الحديث من حركه أو إشارة تستفاد منه.

ومنها حديث عبد الله بن عمر قال: إن النبي (ص) وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة (1).

قول المذاهب في الموضوع:

عن النووي قال: ويقبض من يمناه الخنصر والبنصر وكذا الوسطى في الأظهر ويرسل المسبحة ويرفعها عند قوله إلا الله ولا يحركها. وقيل: يحركها.

وقيل: التحريك يذهب الخشوع (2).

ويحلق الابهام مع الوسطى عند الحنابلة ويشير بالسبابة ويرفعها عند قولة: إلا الله ولا يحركها (3).

أما الحنفية فقالوا: يضع يمناه على فخذه اليمنى ويسراه على اليسرى ويبسط أصابعة كالجلسة بين السجدتين ويشير بسبابة يده اليمنى عند الشهادة يرفعها عند نفي الألوهية عما سوى الله تعالى بقولة: لا إله ويضعها عند إثبات الألوهية لله وحده بقوله: إلا الله ليكون الرفع إشارة إلى النفي والوضع إشارة إلى الإثبات ولا يعقد شيئا من أصابعة (4).

أما الشيعة لم تقل به بحال من الأحوال لاعتقادهم عدم ثبوته في الصلاة ولم يذكره أهل البيت (ع) عن النبي (ص).

وإن ذكرت فيه أحاديث فهي لم تتفق بل مختلفة السياق.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم.

____________

(1) أخرجه مسلم في الصحيح.

(2) منهاج الطالبين: ج 1، ص 164.

(3) المغني: ج 1، ص 534.

(4) الدر المختار: ج 1، ص 474، الفقه الإسلامي وأدلته، ج 1، ص 716.


الصفحة 59

المسألة السادسة
السهو والشك في الصلاة


الصفحة 60

الصفحة 61

السهو والشك في الصلاة

المبحث الأول - السهو

اتفق الجميع على أن من أخل بشئ من واجبات الصلاة عمدا بطلب صلاته وأما من أخل بها سهوا فلا يوجب بطلانها بل يجبر ما أخل به بسجود السهو ولكن اختلفوا في أن سجود السهو فرض أو سنة.

ذهب الشافعي إلى أنه سنة (1).

ولكن بقية المذاهب ذهبوا إلى وجوبه إلا أنه وقع الخلاف بينهم في أسباب سجود السهو حسب التفصيل الآتي:

قالت الحنفية: أما سبب سجود السهو فهو أن يترك المصلي واجبا أو يزيد ركنا كالركوع والسجود (2).

وقالت المالكية: فإن كان السهو في النقصان وكان المتروك مستحبا فيسجد له سجود السهو وإن كان المتروك فرضا من فرائض الصلاة فلا يجبره السجود بل لا بد من الإتيان به وإن كان السهو في الزيادة كما لو زاد ركوعا أو ركوعين أو سجدة أو سجدتين فيجبر بسجود السهو (3).

وقال ابن رشد: فرق مالك بين السجود للسهو في الأفعال وبين السجود للسهو في الأقوال وبين الزيادة والنقصان فقال سجود السهو الذي

____________

(1) بداية المجتهد: ج 1، ص 191.

(2) مجمع الأنهر: ج 1، باب السجود.

(3) المدونة الكبرى: ج 1، ص 135، وفتح الرحموت: ج 1، ص 76.


الصفحة 62
يكون الأفعال الناقصة واجب وهو عنده من شروط صحة الصلاة هذا هو المشهور. وعنه: إن سجود السهو للنقصان واجب وسجود السهو للزيادة مندوب (1).

وقالت الحنابلة: وسببه - أي سجود السهو - زيادة ونقصان وشك ومثال الزيادة أن يزيد قياما أو قعودا فمن قعد مكان القيام أو قام مكان القعود سجد للسهو.

أما النقصان فله عملية خاصة عندهم وهي إذا تذكر النقصان قبل الشروع بقراءة الركعة التالية يجب أن يأتي بما سهى عنه ويسجد للسهو وإن لم يتذكر حتى شروع بقراءة الركعة التالية ألغى وقامت الثانية مقامها، ويسجد للسهو مثال ذلك: إذا سهى عن الركوع وهو في الركعة الأولى وبعد السجود تذكر فيأتي بالركوع ثم يعيد السجود وإذا تذكر بعد أن دخل في الركعة الثانية وشرع بالقراءة تمهل الأولى كليه وتصبح الثانية هي الأولى.

أما الشك الموجوب لسجود السهو فمثاله أن يشك في أنه ترك الركوع أو يشك في عدد الركعات فإنه يبني على المتيقن ويأتي بما شك فيه ويتم الصلاة ثم يسجد للسهو.

راجع: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة باب السهو.

وقالت الشافعية: وسببه ترك سنة مؤكدة أو زيادة كلام قليل أو قراءة الفاتحة سهوا أو الاقتداء بمن في صلاته خلل أو شك في عدد الركعات أو ترك جزء معين (2).

وقالت بعض فقهاء الإمامية الاثني عشرية: أما سجود السهو فهو لكل زيادة ونقصان ما عدا الجهر في مكان الاخفات أو الاخفات في مكان الجهر.

____________

(1) بداية المجتهد: ج 1، ص 191.

(2) الأم: ج 1، ص 130، والمحلى: ج 4، ص 160.


الصفحة 63
فإنه لا يوجب شيئا.

وما عدا الأركان: النية وتكبيرة الاحرام والقيام والركوع ومجموع السجدتين في ركعة واحده فإن زيادتها أو نقصانها مبطل على كل حال سواء كان عن سهو أو عمد، وكل جزء ترك من الصلاة سهوا لا يجب تداركه بعد الصلاة إلا لسجدة والتشهد حيث يجب قضاؤهما دون سواهما من الأجزاء المنسية ويقضيها بعد الصلاة ثم يأتي بسجود السهو. ولكن ذهب معظمهم إلى أن سجدتي السهو. لا تجبان في الصلاة إلا في أربعة مواضع.

أحدهما: إذا تكلم في الصلاة ناسيا.

وثانيهما: إذا سلم في غير موضع التسليم ناسيا.

وثالثهما: إذا نسي سجدة واحدة ولم يتذكر حتى ركع في الركعة التي بعدها.

ورابعهما: إذا نسي التشهد الأول ولم يذكر حتى ركع في الثالثة وأما ما عداها فلا توجب سجدتا السهو فعلا كلن أو قولا زيادة كانت أو نقصانا وسبب الخلاف هو الأدلة.

ينبغي هنا الإشارة إلى أربعة موارد:

الأول - صورة سجود السهو:

قالت الحنفية: إن صورة سجود السهو هي أن يسجد سجدتين ويتشهد ويسلم ويأتي بالصلاة على النبي (ص) والدعاء (1).

وقالت المالكية: صورة سجود السهو هي سجدتان وتشهد بعدهما دون دعاء والصلاة على النبي (ص) (2).

____________

(1) مجمع الأنهر: ج 1، باب السجود.

(2) كتاب المذاهب الأربعة: كتاب الصلاة، باب السهو.


الصفحة 64
وقالت الشافعية: صورته صفة السجود للسهو كصورته عند المذاهب المتقدمة.

وقالت الحنابلة: صورة سجدتي السهو هو سجدتان وتشهد وتسليم (1).

وقالت الإمامية الاثني عشرية: صورة سجدتي السهو أن يسجد مرتين ويقال في سجوده بسم الله وبالله واللهم صل على محمد وآل محمد ثم يتشهد ويسلم.

الثاني - محل سجود السهم:

قالت الحنفية: ومحل هذا السجود بعد التسليم على شريطة أن يكون الوقت متسعا فمن كان عليه سهو لصلاة الفجر مثلا وطلعت الشمس قبل أن يسجد سقط عنه السجود. وقال به أبو ليلى وسفيان الثوري والنخعي وابن مسعود (2).

وقالت المالكية: أما محل هذا السجود فينظر فإن كان لنقص فقط فيأتي به قبل التسليم وإن كان للزيادة فقط أو للزيادة والنقصان أتى به بعد التسليم (3).

وقالت الشافعية: موضع سجود السهو بعد التشهد والصلاة على النبي (ص) وقبل التسليم. به قال أبو سعيد الخدري والزهري وسعيد بن المسيب والأوزاعي وليث بن سعد (4).

وقالت الحنابلة: يجوز سجود السهو قبل التسليم وبعده (5).

____________

(1) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصلاة، باب السهو.

(2) مجمع الأنهر: ج 1، باب السجود، والمبسوط: ج 1، ص 218، ونيل الأوطار: ج 3، ص 135.

(3) المبسوط: ج 1، ص 220، وبداية المجتهد: ج 1، ص 185، وبدائع الصنائع: ج 1، ص 172.

(4) الأم: ج 1، ص 130، وشرح فتح القدير: ج 1 ص 356، والهداية: ج 1، ص 74، ونيل الأوطار: ج 3 ص 135.

(5) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: باب سجود السهو.


الصفحة 65
وقالت الإمامية الاثني عشرية: يأتي بسجود السهو بعد الصلاة كما أشرنا إليه في صدر المسألة لما روي أن سجدتي السهو بعد التسليم وقبل الكلام وأن لكل سهو سجدتان بعد أن يسلم (1).

الثالث - حكم ما إذا سهى مرارا:

قالت الإمامية الاثني عشرية: ويجب تعدد السجود بتعداد السبب لأن تعدد السبب موجب لتعدد المسبب وبه قال الأوزاعية (2).

وقالت الحنفية: وإذا سهى مرارا يكفيه سجدتان لأن التكرار غير مشروع عندهم (3).

وقالت الحنابلة: ويكفيه سجدتان لجميع السهو وإن تعدد الموجب وكذا قالت به بقية المذاهب (4).

واستدل للقول الأول بما روي عن النبي (ص) أنه قال: (لكل سهو سجدتان) (5).

الرابع - حكم ما إذا سهى في سجود السهو:

قالت الحنفية: ولو سهى في سجود السهو لا سهو عليه (6).

وقالت الحنابلة: لا سهو لكثير السهو (7).

____________

(1) التهذيب: ج 2، ص 195، والإستبصار: ج 1، ص 380، وسنن ابن ماجة: ج، ص 385، ومسند أحمد بن حنبل: ج 5، ص 280.

(2) المجموع: ج 4، ص 143، والمحلى: ج 4، ص 166.

(3) مجمع الأنهر: ج 1، باب السجود.

(4) الأم ج 1: ص 131 /، ومختصر المزني: ص 17.

(5) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند: ج 5 ص 280.

(6) مجمع الأنهر: ج 1، باب السجود.

(7) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: باب السهو.


الصفحة 66
وقالت الإمامية الاثني عشرية: ولا سهو لمن كثر سهوه ولا على من سهى في السهو.

المبحث الثاني - الشك في عدد الركعات

وقع الخلاف بين فقهاء المذاهب الإسلامية في حكم ما إذا شك في عدد الركعات فلا يدري كم ركعة صلى:

قالت الإمامية الاثني عشرية: إذا كان الشك في الصلاة الثنائية - كصلاة الصبح -، أو في الصلاة الثلاثية - كصلاة المغرب -، أو في الركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية - كصلاة العشاء والظهر والعصر -، فالصلاة باطلة ويجب استئنافها من الأول ووافقهم في ذلك الأوزاعي فإنه قال: تبطل صلاته ويستأنف تأديبا له ليحتاط فيما بعد، وقال به أيضا ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص (1).

وأما إذا كان الشك في الصلاة الرباعية ولكن في الزائد من الاثنتين فعليه أن يصلي صلاة الاحتياط بعد أن يتم الصلاة وقبل إتيانه بالمنافي، ولا بأس بذكر نموذج لذلك.

وهو إذا شك بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين فيبني على الأكثر ويتم الصلاة ثم يحتاط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام.

وإذا شك بين الثلاث والأربع يبني على الأربع ويتم الصلاة ويحتاط بركعة قائما أو ركعتين جالسا وإذا شك بين الاثنتين والأربع يبني على الأربع ويأتي بركعتين قائما وإذا شك بين الاثنتين والثلاث والأربع يبني على الأربع

____________

(1) مجموع: ج 4، ص 111.


الصفحة 67
ويأتي بركعتين قائما وركعتين جالسا.

هذا الحكم عندهم مختص بالصلاة الواجبة أما في النافلة فيتخير المصلي بين البقاء على الأقل أو الأكثر إلا إذا كان مفسدا للصلاة كما لو شك بين الاثنتين والثلاث مع العلم أن النافلة ثنائية فعليه في هذه الصورة أن يبني على الأقل والأفضل البقاء على الأقل مطلقا في الصلوات المندوبة.

وأما يكون الأكثر مبطلا فيبني على الأقل.

وذهب بعض فقهائهم إلى أنه يتخير بين البناء على الأقل أو الأكثر.

وقالت الحنفية: إذا كان شكه في الصلاة لأول مرة أعاد الصلاة من أولها وإلا تأمل وعمل بغلبة ظنه فإن بقي على الشك بنى على الأقل أخذا باليقين (1).

وقالت المالكية: يبني على المتيقن وهو الأقل في المسألة المفروضة ويأتي بما يتم الصلاة (2).

وقالت الشافعية والحنابلة: بمثل ما قالت به المالكية وذلك قالت به الثورية واستدل للقول الأول بالأخبار كما أنه استدل بها لبقية الأقوال أيضا (3).

المبحث الثالث - الشك في أفعال الصلاة

قالت الإمامية الاثني عشرية: لا يعتني بالشك من أفعال الصلاة إذا حصل بعد الفراغ منها ولا يشك المأموم بعدد الركعات مع ضبط الإمام ولا

____________

(1) المجموع: ج 4، ص 111،. اللباب: ج 1، ص 99.

(2) المجموع: ج 4، 4، ص 111، وبداية المجتهد: ج 1، ص 191.

(3) المجموع: ج 4، ص 111.


الصفحة 68
يشك الإمام مع ضبط المأموم فيرجع كل منهما إلى ما تذكرة الآخر ولا عبرة بشك كثير الشك ولا بالشك في فعل من أفعال الصلاة بعد الدخول بالغير مما هو مترتب عليه.

فإذا شك في قراءة الفاتحة وقد شرع في قراءة السورة يمضي ولا يلتفت أما إذا شك قبل الدخول بالغير فيجب عليه التدارك فمن شك في قراءة الفاتحة قبل الشروع بالسورة أتى بها

الصفحة 69

المسألة السابعة
صلاة الجمعة


الصفحة 70

الصفحة 71

صلاة الجمعة

ينبغي هنا بيان سبعة أمور:

الأمر الأول - أدله وجوب صلاة الجمعة:

الدليل الأول: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) (1).

الدليل الثاني: الأخبار المتواترة من طريق الشيعة والسنة منها:

ما روي عن رسول الله (ص) أنه قال (الجمعة واجبة على كل مسلم إلا على أربعة عبد مملوك وامرأة وصبي ومريض) (2).

وروي عنه (ص) أنه قال: (لقد هممت أن آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم) (3).

وفي رواية ثالثة: من ترك جمعة تهاونا طبع الله على قلبة (4).

الدليل الدليل الثالث: الاجماع من جميع فقهاء المسلمين:

واختلفوا في أنه هل يشترط في وجوب صلاة الجمعة وجوب الإمام أو من يأمر الإمام بذلك أو أنها واجبة على كل حال:

ذهب إلى الأول أبو حنيفة والأوزاعي وبعض فقهاء الإمامية فمع عدم

____________

(1) سورة الجمعة: آية 9

(2) أخرجه أبو داود في السنة.

(3) أخرجه مسلم في الصحيح.

(4) أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي.


الصفحة 72
وجود أحدهما أي الإمام أو نائبه يسقط الوجوب.

وذهب إلى الثاني: أي واجبة على كل حال، مالك بن أنس الأصبحي والشافعي وأحمد بن حنبل، حيث إنهم لم يعتبروا في وجوبه وجود الإمام أو من يأمر بذلك (1).

وقال به كثير من فقهاء الإمامية لذهابهم إلى أنه لم يكن الإمام أو نائبه ووجد فقيه عادل يتخير المكلف بينها وبين الظهر.

وقال الشهيد الثاني: إن وجوب الجمعة حال غيبة الإمام ظاهر عند أكثر العلماء ولولا دعوى الاجماع على عدم الوجوب العيني لكان القول به في غاية القول فلا أقل من التخيير بينها وبين الظهر مع رجحان الجمعة (2).

فرع:

اشترطت الإمامية عدالة إمام الجمعة وإلا كان وجوده كعدمه واستدل لذلك بالأخبار التالية:

الأول: عن أبي ذر قال: إن إمامك شفيعك إلى الله فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا (3).

الثاني: عن إسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي جعفر (ع) رجل يجب أمير المؤمنين (ع) ولا يبرأ من عدوه ويقول: هو أحب إلى ممن خالفه فقال:

هذا مخلط، وهو عدو لا تصل خلفه ولا كرامة إلا أن تتقيه (4).

وخالف في ذلك الشافعي وقال: يجوز أن يكون إمام الجمعة فاسقا

____________

(1) الأم: ج 1، ص 192، والمجموع: ج 4، ص 583.

(2) شرح اللمعة: ج 1، باب الصلاة، الفصل السادس.

(3) التهذيب: ج 3، ص 30.

(4) التهذيب: ج 3، ص 28.


الصفحة 73
وقال به الحنفية حيث إنه اكتفى بوجود السلطان ولو كان غير عادل.

الأمر الثاني - شرائط صلاة الجمعة:.

الأول الجماعة: فلا تنعقد بدونها، هذا الشرط متفق عليه ولكن وقع الخلاف في العدد الذي تنعقد به الجماعة. قالت الإمامية الاثني عشرية: أقله خمسة أشخاص أحدهم الإمام (1).

وقالت المالكية: أقلة اثنا عشر نفرا ما عدا الإمام ونقل أيضا عن مالك أنه اعتبر في انعقادها أربعين نفرا (2).

وقالت الشافعية: بأربعين نفرا مع الإمام (3).

وقالت الحنابلة وإسحاق بن راهويه: بأن الجمعة لا تنعقد بأقل من أربعين، ونقل أيضا عن أحمد بن حنبل أنه اعتبر في انعقادها خمسين نفرا (4).

وقال الليث بن سعد وأبو يوسف القاضي: أقله ثلاثة نفرات أحدهم الإمام لأن ذلك أقل الجمع. وقال الحسن بن صالح: أقلة اثنان (5).

الثاني: الطهارة. وهو متفق عليه بين فقهاء المذاهب عدا أبي حنيفة والشافعي في مذهبه القديم لا في مذهبه الجديد فإنهم قالوا: تجوز الخطبة بغير طهارة (6).

الثالث: الستر والقبلة. وغيرهما من الشرائط المعتبرة في غير صلاة الجمعة.

____________

(1) الاستذكار: ج 2، ص 324.

(2) كفاية الأخبار: ج 1، ص 91.

(3) الأم: ج 1، ص 190، المجموع: ج 4، ص 502، والمبسوط: ج 2، ص 25.

(4) الاقناع: ج 1، ص 192، كفاية الأخيار: ج 1، ص 91.

(5) المجموع: ج 4، ص 50، والهداية: ج 1، ص 83.

(6) المبسوط: ج 2، ص 26، واللباس: ج 1، ص 112.