الصفحة 81

والصحيح منها يحمل على التأويل لا التنـزيل.

وممن تصدّى لهذه الحركة التضليلية محمّد بن بابويه القمي الملقّب بالصدوق صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه ، أحد كتب الحديث الأربعة المعتمدة عند الشيعة ، والسيد الشريف المرتضى ، وتلميذه الشيخ الطوسي صاحب كتاب التبيان وكتابين من كتب الحديث الأربعة ، وشيخ المفسرين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي .

ومما ذكره السيد المرتضى ونقله الطبرسي في تفسيره قوله : " القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بالغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتّى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه من إعرابه ، وقراءته ، وحروفه ، وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد .

وذكر أيضاً " أنّ القرآن كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن . واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتّى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنّه كان يعرض على النبي (صلى الله عليه وآله) ، ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصحابة ، مثل عبد الله بن مسعود ، وأُبي بن كعب ، وغيرهما ، ختموا القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله) عدّة ختمات .


الصفحة 82

كلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث .

وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته (1) .

وأمّا محمّد حسين آل كاشف الغطاء فقال : إنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ، ولتعليم الأحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة (2) .

هذا هو إجماع الشيعة في القرآن ، واعتبر فضيلته أنّ الأخبار الواردة في نقصه أو تحريفه ، سواء كانت من طريق الشيعة أو طريق غيرهم ، ضعيفة شاذة ، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً ، فإمّا أن تؤوّل بنحو من الاعتبار أو يضرب بها الجدار .

هذا هو موقف الشيعة في ما أنزل على محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وأنّ القرآن الكريم المتداول بين أيديهم ليس فيه تحريف بزيادة أو

____________

1- أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، مجمع البيان في تفسير القرآن ، ج1 ص 15 .

2- محمّد الحسين آل كاشف الغطاء ، أصل الشيعة وأصولها ، ص 66 .


الصفحة 83

نقصان ، وما ذكر في بعض الروايات بأنّ فيه تحريف ونقصان فهو مخالف لعقيدتهم في القرآن ، ومناقض للوعد الإلهي الصريح بحفظه من أيّ تلاعب أو تحريف أو إضافة .

فما يمكن أن ينسب إلى المذهب إنّما هو الرأي الذي يلتزمه الجمهور الغالب ، لا الفرد ولا الجماعة الشاذّة ، إنّ رأي هؤلاء لا يحسب على الكلّ وإن اتفقوا في جوامع المذهب وأصول العقيدة ، بعد رفض الأكثرية لعمل الشاذين ، لوضوح فساد ما يلتزمون باعتبار ضعف أدلتهم .

وإذا لاحظنا قول السيد المرتضى في أنّ القرآن كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن ، وهذا اعتقاد الشيعة في القرآن ، فلا سبيل إذن لإلصاق تهمة تحريف القرآن إليهم .

ورواية جمع القرآن لها ارتباط وثيق مع أصالته ، ولكون عملية الجمع قد ابتدأت برقابة مباشرة ممن أنزل إليه ، فمن المستحيل أن يأتيه باطل أو زيغ أو يخلو مما عساه أن يكون من القرآن وليس منه .

وإذا سلّمنا بالروايات التي تتعلّق بجمع القرآن ، وأنّه ابتدأ في عهد أبي بكر ، ومن ثمّ ملاحظتها ومقارنتها مع ما جاء في الصحاح ، فطريقة الجمع بمثل ما رويت في تلك الكتب عرضة


الصفحة 84

للتحريف والتبديل ، إمّا بالنقصان أو الزيادة .

والغريب من أولئك الذين نسبوا تحريف القرآن إلى الشيعة غيابهم عن ما جاء في رواية مسلم المتعلّقة بآية الرجم الدالّة على وقوع التحريف في القرآن . وقيل : إنها منسوخة الرسم وإن بقي حكمها في الدين .

أقول : فما هي الحكمة في رفع تلاوتها ؟ مع أنّ الهدف من نزول الآية هو الحكم ، والمفروض أنّ النزول قد تحقق ، الحكم باق ، فليس هناك أي معنىً في رفع التلاوة المزعوم .

وقد عبّر بعضهم عن هذا الاعتراض بأنّ القرآن يقصد منه إفادة الحكم ، فما هي المصلحة في رفع آية منه مع بقاء حكمها ؟

إنّ ذلك غير مفهوم ، وليس ما يدعو إلى القول به .

وفي الختام أودّ أن أقول لمن ينسب تحريف القرآن إلى الشيعة : أهذا ، يكشف عن حب القرآن ، أم عن عداء وتصدّ وتشهير بهذا الكتاب الإلهي المقدّس ؟ بالله ، لو بلغته تهمة في عرضه أكان يبحث عنها هكذا ، ويكشفها على الملأ ، وينشرها في الكتب والمجلات لإثبات الجريمة على المتهم ؟ الذي ينادي ببراءته ؟ أم كان يكذّبها ، ويغطيها ، ويدفنها ، حفاظاً على سمعته وشرفه ، وصيانة لكرامة عرضه . فليكن القرآن الكريم أعزّ عليه


الصفحة 85

من عرضه ، فليكذّب كلّ من يحاول إثارة التهمة إلى هذا الكتاب المقدّس ، وليضرب التهمة في وجه زاعهما ومثيرها ، وليصدّق الطائفة المعارضة بأنّها بريئة عن تهمة التحريف .


الصفحة 86

الصفحة 87

الفصل الثاني : السنّة النبوية

تعريف السنّة

السنّة في اللغة الطريقة ، وهي هدي النبي (صلى الله عليه وآله) .

قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن في مادة السنن ما نصّه : فالسنن جمع سنّة ، وسنّة الوجه طريقته ، وسنّة النبي طريقته التي كان يتحرّاها .

فمعنى السنّة هي أنّها ما صدر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قول أو فعل أو تقرير .

تاريخ تدوين السنّة

من المعروف أنّ العرب قبل الإسلام لم يعرفوا الكتابة والقراءة ، وعليه ذهب علي السايس على اتكال الصحابة في السنّة على حفظهم ، فلم يكتبوها ، ولم يأمروهم النبي بكتابتها كما كان يأمر بكتابة القرآن ، بل على العكس من ذلك ينهاهم عن الكتابة كما جاء في رواية مسلم " لا تكتبوا عنّي شيئاً إلا القرآن ، فمن


الصفحة 88

كتب عنّي شيئاً غير القرآن فليمحه " (1) .

ولذا ذهب أكثر علماء السنّة على أنّ السنّة لم تدوّن إلا في أوائل المائة الثانية من الهجرة بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على المدينة أبي بكر محمّد بن عمرو بن حزم بقوله : " انظر ما كان من حديث رسول الله فاكتبه ، فإنّي خفت دروس العلم وذهاب العلماء " (2) .

وقد أجاب الأعلام - كالشيخ عبد الخالق عبد الغني في حجية السنّة والعجاج الخطيب في السنّة قبل التدوين - عن هذه الشبهة : أنّ جملة " لا تكتبوا عنّي شيئاً إلا القرآن " بنفسها دالة على وجود المؤهل للكتابة عند العرب ، بل وجود الكتبة عندهم ، إذ لا يعقل أن يخاطب الرسول جمعاً ليس لهم قدرة الكتابة بقوله : " لا تكتبوا " .

وقد ثبت في التاريخ وجود كتّاب ، كزيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي بكر بن عمرو بن حزم وغيرهم . وعليه فالكتابة كانت موجودة عند العرب ، ويضاف إليه وجود نيف وثلاثين كاتباً للرسول يحسنون الكتابة ،

____________

1- صحيح مسلم ، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم ح 8510 ص 1297 .

2- صحيح البخاري 1 : 33 ، كتاب العلم .


الصفحة 89

وقد كتبوا إلى الرؤساء والملوك ، وأنّ الإسلام كان يدعو إلى الكتابة وتعلّمها (1) .

هذا مضافاً إلى المناقشة السندية فإنّ هذا الحديث لم يروه مرفوعاً إلى النبي (صلى الله عليه وآله) إلا همام بن يحيى . وقال الخطيب : تفرّد همام بروايته هذا الحديث عن زيد بن أسلم هكذا مرفوعاً (2) .

مع أنّه مناقض مع بعض الروايات الدالّة على إذن الرسول لبعض أصحابه في كتابة كل ما سمعه من النبي . فقد ورد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال قلت : يا رسول الله أكتب كلّ ما أسمع منك . قال : نعم . قلت : في الرضا والغضب ؟ قال : نعم ، فإنّي لا أقول في ذلك كلّه إلا حقّاً (3) .

وجاء أيضاً عن طارق بن شهاب قال : شهدت علياً وهو يقول على المنبر : والله ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم إلا كتاب الله تعالى وهذه الصحيفة معلّقة بسيفه ، أخذتها من رسول فيها فرائض الصدقة معلّقة بسيف له حليته حديد (4) .

____________

1- منع تدوين الحديث : 29 .

2- تدوين السنّة النبوية : 290.

3- جامع بيان العلم وفضله ، لابن عبد البر 1 : 71 ، دار الكتب العلمية ، بيروت .

4- مسند أحمد بن حنبل ح 962 ص 117 ، أيضاً حديث رقم 798 ، 874 ، 782 .


الصفحة 90

ولوجود هذه الروايات تعددت آراء علماء السنّة فيما يراد بـ" النهي عن الكتابة " . فرأى البعض أنّ حديث النهي منسوخ ، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن ، فلمّا أمن من ذلك أذن في الكتابة .

وأمّا مناع القطان فنقلاً عن أقوال بعض العلماء رأى إنّما النهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة .(1)

ومهما يكن من الأمر فإنّ القائل بأنّ السنّة دوّنت في القرن الثاني للهجرة نفى بدء كتابتها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؛ وذلك لشيوع الأمية ، وخوفهم من اختلاط السنّة بالقرآن ، ولئلا ينصرف الناس بحفظ السنة عن حفظ القرآن .

أقول : إنّ القول بأنّ كتابة السنّة قد ابتدأت منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهو الأقرب إلى الواقع . وحجّة النافي بأنّ النهي كان لشيوع الأمية مرفوض بالقول بأنّ الأمية ليست سمة المسلمين على وجه العموم ، ويشهد على ذلك أنّ الرسول أذن لأسرى بدر بأن يفدي كلّ كاتب منهم نفسه بتعليم عشرة من سكان المدينة الكتابة والقراءة . وهذا يدلّ على أنّ المسلمين يجيدون الكتابة والقراءة . فكيف يقال بعد ذلك لكون شيوع الأمية نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)

____________

1- مناع القطان ، مباحث في علوم القرآن ، ص 95 .


الصفحة 91

كتابة السنّة ؟! وأيضاً حجة النافي لئلا تختلط السنّة بالقرآن مردودة بسمة إعجاز القرآن ، وحرص المسلمين على العناية إلى أن بلغوا في حفظه والعناية به الغاية من الدقّة والشدّة حتّى عرفوا كلّ شيء من إعرابه وقراءته وحروفه فمن البعيد أن يختلط مع غيره من كلام المخلوق .

السنة النبوية عند الشيعة

كغيرهم من المذاهب الإسلامية فإنّ الشيعة يعتمدون على السنة النبوية في أخذ معالم الدين أصولاً وفروعاً ، ويجعلونها المصدر الثاني بعد كتاب الله في أخذ أحكام الله .

ولأهمية السنّة النبوية في تشريع الأحكام ، فقد اهتمّوا بها اهتماماً بالغاً لتنقيب الأحاديث التي اعتمدوا عليها ، ودوّنوا الحديث في كتبهم ، وأشهرها الكتب الأربعة ، وهي : الكافي لمحمّد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة 328 هـ فيه 16099 حديثاً ، وكتاب من لا يحضره الفقيه لمحمّد بن بابويه القمي المتوفى سنة 381 هـ فيه 9044 حديثاً ، وكتابي التهذيب وفيه 13095 حديثاً والاستبصار وفيه 5511 حديثاً لصاحبها الشيخ محمّد بن الحسين الطوسي المتوفى سنة 461 هـ. وهذه الكتب


الصفحة 92

مبوّبة مرتّبة يذكر في كلّ باب جميع ما يتصل به من الأحاديث .(1)

ولصيانة التراث النبوي وحمايته من الأوهام ، وضع علماؤهم الأسس والقواعد التي يمكن التوصّل بها إلى معرفة الأحاديث الصحيحة وتمييزها عن غيرها . فالسنة المعتبرة عندهم ما صحّ لهم من طريق أهل البيت عن جدّهم ، يعني : ما رواه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن أمير المؤمنين عن رسول الله سلام الله عليهم جميعاً ، كما وضعوا أيضاً علم الدراية والرجال ، وألّفوا فيها عشرات الكتب لتصفية الأحاديث ، وبيان ما يجوز الاعتماد عليها وما لا يجوز .

والحديث عندهم ينقسم إلى المتواتر والآحاد ، ويعنون بالمتواتر أن ينقله جماعة بلغوا من الكثرة حدّاً يمنع من اتفاقهم على الكذب ، ولا إشكال في حجّية هذا النوع من الأخبار . وأمّا الآحاد : هو الذي لا ينتهي إلى حدّ التواتر ، سواء أكان الراوي واحداً أو أكثر . فقد اتفق أكثرهم على جواز العمل بأخبار الآحاد في الأحكام ، وينقسم هذا النوع من الخبر إلى أربعة أقسام(2) وهي كالتالي :

____________

1- محمّد جواد مغنية ، الشيعة في الميزان ، ص 317-318 .

2- هاشم معروف الحسني ، أصول التشيّع عرض ودراسة ، ص 206 .


الصفحة 93

1- الصحيح ما إذا كان الراوي إمامياً ثبتت عدالته بالطريق الصحيح .

2- الحسن ما إذا كان الراوي إماميا ممدوحا ولم ينص أحد على ذمّه أو عدالته .

3- الموثق ما إذا كان الراوي مسلماً غير شيعي ولكنه ثقة أمين في النقل .

4- الضعيف ما لا يستوفي الشروط المتقدّمة كأن يكون الراوي فاسقاً .

تلك هي جهود الشيعة في تنقيح السنّة النبوية ، وإن بلغ جهدهم إلى أقصاه في إحقاق الحق وإبطال الباطل ، وصيانة السنة النبوية وحمايتها من الأوهام والإسرائيليات ، ولكنّهم لم ينجوا من التهم في أنّهم لا يعترفون بالسنّة النبوية ، وأنكروا كل الأحاديث الواردة عن طريق الصحابة ، بل أنّ الشيعة شنّوا هجوماً عنيفاً على رواة الحديث الذين عند حدّ مناقضيهم من أهل الثقة ، أمثال : أبي هريرة وعمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير والمغيرة ابن شعبة وغيرهم ، وعلى ذلك فهم إذن من الملحدين ؛ لأنّ الأحاديث تصل إلينا عن طريقهم ، وهي تمثّل التراث الهائل ، وتكون نصف الدين ومفسرة لمبهم القرآن ومجمله ، فمن أنكرها فقد كفر . هذا قول خصوم الشيعة .


الصفحة 94

والضرورة تملي علينا أن نسرد أقوال علمائهم فيها ؛ لأنّه ليس من الإنصاف إلصاق التهم إليهم من غير إعطاء علمائهم الفرصة الكافية للدفاع عن أنفسهم . فإنّ الشيعة اعتمدوا على الأحاديث النبوية في إثبات الأحكام الشرعية . وتقسيمهم للأحاديث إلى أربعة أقسام نوع من احتياطهم لقبول ما جاء عن الرسول وأئمتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . وهذا لا يعني أنّهم يرفضون كلّ ما جاء عن طريق غيرهم ، فإن كانوا معروفين بالوثاقة قبلوا الرواية ، ولهذا قال الصدوق في من لا يحضره الفقيه : إنّ كلّ ما أذكره في هذا الكتاب هو أفتي به ، وأحكم بصحّته ، وأعتقد أنّه الحجّة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره . وما يرويه في الكتاب المذكور فيه الإمامي وغيره (1) .

وكفى بهذا القول ردّاً على عدوان بعض القائلين بأنّ الشيعة لا يقبلون أحاديث إخوانهم أهل السنّة ، فهم لا ينفوا ما جاء عن طريق غيرهم لكن وضعوا الشروط المتشدّدة في قبول صحّة الحديث ، وكان ذلك من النتائج الطبيعية للظروف القاسية التي اجتاحت بهم في عهد الدولتين الأموية والعباسية ، وصدور آلاف الأحاديث المكذوبة على أهل البيت (عليهم السلام) .

____________

1- هاشم معروف الحسني ، أصول التشيّع عرض ودراسة ، ص 25 .


الصفحة 95

وأمّا رفضهم لصحيح البخاري ، في حين أنّه عند معارضي الشيعة من أصحّ الكتب بعد كتاب الله ، فذهب السيّد شرف الدين العاملي إلى القول بأنّ البخاري لم يستوف الشروط المتفقة عندهم في نقل الأخبار (1) . فقد كتم البخاري كثيراً من النصوص المتعلّقة ببيان خصائص أهل البيت بالإضافة إلى أنّه اعتمد على أبي هريرة ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص الذين عند الشيعة ليس لهم من الاعتبار مقدار جناح بعوضة بدلاً من أن يروي من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) (2)، مع أنّ أقوال أئمة أهل البيت حجّة لهم ؛ وذلك لأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) أمر الأمّة بالأخذ بأقوالهم ، كما صرّح في حديث العترة ، فالتمسك بأحاديث الأئمة عندهم امتثال لقوله (صلى الله عليه وآله) ، فمن أخذ بالثقلين فقد تمسّك بما ينقذه من الضلال ، وأنّ النبي شبّه العترة بسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، وهذه كلّها تدلّ على حجّية أقوال أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام) (3) .

ورفض الشيعة لصحيح البخاري لا يقدح في إسلامهم شيئاً ، وإخراجهم عن حظيرة الإسلام ، ماداموا متمسّكين بالسنة النبوية

____________

1- عبد الحسين شرف الدين الموسوي ، المراجعات ، ص 127 .

2- محمّد الحسين آل كاشف الغطاء ، أصل الشيعة وأصولها ، ص 79 .

3- جعفر السبحاني ، الاعتصام بالكتاب والسنة ، مؤسسة الإمام الصادق ، قم 1987 ، ص 344 .


الصفحة 96

الواردة عن طريق غيره ، ويستمدّون منها أحكام الدين . وهذا الرفض ليس الرفض للسنة النبوية ، وإنّما الرفض للرجال الذين اعتمد عليهم البخاري . ومثل هذا الرفض ليس بغريب عند المحدّثين ، فقد قال الذهبي : إنّ الاثنين من علماء هذا الشأن لم يجتمع على توثيق الضعيف ولا على تضعيف الثقّة .

وعلى هذا أنفي شبهة القائلين بأنّ الشيعة ينكرون حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) ، ولا يعملون بأخبار إخوانهم أهل السنّة ، ومن ثمّ يلصقون بهم التهم ، وينسبون إليهم الأراجيف والأكاذيب ، وهم منها براء . أمّا موقفهم اتجاه بعض الصحابة ، فبيانه في الموضوع اللاحق إن شاء الله تعالى .

الشيعة والصحابة

الضرورة تملي علينا إفراد بحث خاص عن حياة الصحابة وشؤونهم وما فعلوه وما اعتقدوه ؛ لكونهم جزءاً لا يتجزّأ من السنّة النبوية ، منهم أخذنا ديننا ، وبهم تصل إلينا سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) لنستضيء بها في الظلمات في معرفة أحكام الدين .

هذا ، وقبل معرفة آراء الشيعة في الصحابة حريّ بنا معرفة المراد من الصحابة في عرف المحدّثين .

قال البخاري : من صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه . يلاحظ أصل تعريفه من أستاذه علي بن المديني حيث


الصفحة 97

قال : من صحب النبي أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) (1) . يشمل هذا التعريف أولئك الذين ارتدّوا في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) أو بعده . ومن البديهي أنّ هذا التعريف مرفوض ؛ لأنّ الردّة تنفي العمل إذ لا يمكن ضمّ المرتدّين إلى جماعة الصحابة .

وأمّا سعيد بن المسيب فقال : إنّهم من أقام مع النبي سنة أو سنتين ، وغزا معه غزوة أو غزوتين (2) . هذا التعريف لا يقبله عامّة المسلمين ؛ لأنّه يخرج عدداً غفيراً من أولئك الذين أقاموا مدّة قصيرة مع النبي (صلى الله عليه وآله) ، فلذلك نفى ابن حجر التعريف المذكور ؛ لأنّ المسلمين اتّفقوا على عدّ جمع كثير في الصحابة لم يجتمع مع النبي إلا في حجة الوداع .

وإن اختلفت الآراء حول تعريف الصحابة ، فإنّ هذا اللقب يخصّص إلى من لقي النبي ، طالت مجالسته أو قصرت ، وروى عنه أم لم يرو . وأنّ أولئك كلّهم عدول ، وما صدر عنهم من الأحكام أو الأفعال إنّما يندرج في الاجتهاد فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد . هذا هو اعتقاد أكثرية المسلمين في

____________

1- ناصر علي عائض حسن الشيخ ، عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة، مكتبة الرشيد ، الرياض ، ص 33 .

2- ناصر عائض ، المصدر السابق ، ص 34 .


الصفحة 98

الصحابة ، فصار حدّاً فاصلاً يفرّق بين الشيعة وإخوانهم أهل السنّة . والشيعة تنفي عدالة جميع الصحابة فعدالة كلّ الصحابة عندهم ما لا أساس لها . وعلى ذلك قسّموا الصحابة إلى ثلاثة أقسام بقدر صدقهم وإخلاصهم لله ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) (1) .

القسم الأوّل : وهم من الصحابة الأخيار الذين بايعوا الله ورسوله حقّ البيعة ، وصاحبوه بالصدق في القول والإخلاص في العمل ، فقد امتدحهم الله في كتابه . والشيعة يذكرونهم باحترام وتقديس ويترضّون عليهم كما يذكرهم أهل السنّة باحترام وتقديس أيضاً .

القسم الثاني : هم الصحابة الذين اعتنقوا الإسلام إمّا رهبة أو رغبة ، وكانوا يؤذون رسول الله في بعض الأوقات ، ولا يمتثلون لأوامره ونواهيه ، بل يجعلون لآرائهم مجالاً في مقابل النصوص حتّى نزل القرآن بعتابهم مرّة وتهديدهم مرّة أُخرى . والشيعة لا يذكرونهم إلا بأفعالهم بدون تقديس .

القسم الثالث : هم المنافقون الذين صحبوا رسول الله للكيد له ، وقد أظهروا الإسلام وانطوت سرائرهم على الكفر ، وهؤلاء اتفق الشيعة وأهل السنّة على لعنهم والبراءة منهم .

____________

1- محمّد التيجاني السماوي ، ثمّ اهتديت ، ص 77-79


الصفحة 99

وهناك قسم خاصّ من الصحابة يتميّزون عليهم بالقرابة القريبة ، وبفضائل خلقية ونفسية وخصوصيات اختصّهم الله ورسوله بها لا يلحقهم فيها غيرهم ، وهؤلاء هم أهل بيته الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً . والشيعة يقتدون بهم ويقدّمونهم على كلّ الصحابة لوجود النصوص الصريحة الدالّة على ذلك ، كما سبق ذكره .

وأمّا أهل السنّة والجماعة مع احترامهم لأهل البيت وتعظيمهم إلا أنّهم لا يعترفون بهذا التقسيم للصحابة ، ولا يعدّون المنافقين في الصحابة ، بل الصحابة في نظرهم من خير الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأنّ كلّهم عدول ، وكلّ ما صدر عنهم من الأفعال لابدّ من تفسيره من باب اجتهادهم . وإذا كان هناك تقسيم فهو من باب فضيلة السبق للإسلام والبلاء الحسن فيه ، فيفضّلون الخلفاء الراشدين في الدرجة الأولى ، ثمّ الستة الباقين من العشرة المبشّرين بالجنة على ما يروونه .

ويرى الشيعة أنّ إطلاق لفظ الصحابة إلى من أقام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يضمن على من انضمّ إليه الأمانة والصدق على الإطلاق ، فهم متفاوتون في الصدق والإخلاص بقدر ماصدر عنهم من خير أو شرّ وما يترتب من أفعالهم ، فالصحابي مهما ارتقى في درجات الإيمان فإنّه إن لم يكن معصوماً من قبل الله


الصفحة 100

جاز عليه العصيان والانقلاب ، كما أنّ الصحابة عندهم أيضاً تشمل المتآمرين والمتربّصين الذين تقرّبوا ليكيدوا بالإسلام والمسلمين وراء ستار الدين حتّى أن فضح الله كيدهم .

هذا وليُرى مصداق قول الشيعة نذكر فيما يلي نماذج من أفعال الصحابة .

الصحابة في صلح الحديبية

مجمل القصّة ، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج في السنة السادسة للهجرة يريد العمرة مع ألف وأربعمائة من أصحابه فأمرهم أن يضعوا سيوفهم في القرب ، وأحرم هو وأصحابه بذي الحليفة وقلّدوا الهدي ليعلم قريشاً أنّه إنّما جاء زائراً معتمراً وليس محارباً ، ولكن قريشاً بكبريائها خافت أن يسمع العرب بأنّ محمّداً دخل مكّة عنوة وكسر شوكتها ، فبعثوا إليه بوفد ، وطلبوا منه أن يرجع في هذه المرّة من حيث أتى على أن يتركوا له مكّة في العام القادم ثلاثة أيام ، وقد اشترطوا عليه شروطاً قاسية قبلها رسول الله لاقتضاء المصلحة التي أوحى بها إليه ربّه عزّ وجل .

ولكن بعض الصحابة عارضوه في ذلك معارضة شديدة ، وجاءه عمر بن الخطاب قائلاً : ألست نبي الله حقّا ؟ قال : بلى ، قال عمر : ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل ؟ قال : بلى ، قال عمر : فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال رسول الله : إنّي رسول


الصفحة 101

الله ، ولست أعصيه وهو ناصري .

ثمّ أتى عمر إلى أبي بكر فقال : يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقّاً ؟ قال : بلى ، ثمّ سأله عمر نفس الأسئلة التي سألها رسول الله ، فأجابه أبو بكر بنفس الأجوبة قائلاً : أيها الرجل إنّه لرسول الله ، وليس يعصي ربّه وهو ناصره فاستمسك بغرزه . ولمّا فرغ رسول الله من كتابة الصلح قال لأصحابه : قوموا فانحروا ثمّ احلقوا ، فوالله ما قام أحد حتّى قال ذلك ثلاث مرّات ، فلمّا لم يمتثل لأمره منهم أحد ، فدخل خباءه ، ثمّ خرج فلم يكلم أحداً منهم بشيء حتّى نحر بُدنة بيده ، ودعا حالقه فحلق رأسه ، فلمّا رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً ، حتّى كاد بعضهم يقتل بعضاً (1) .

بناءً على هذا الموقف من بعض الصحابة وغيره رفض الشيعة قول القائلين بأنّ الصحابة جميعهم كانوا يمتثلون أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) . فماذا عساه أن يقال لهؤلاء الصحابة الذين يشاهدون المعجزات ، وأنوار النبوّة ، والقرآن يعلّمهم كيف يتأدّبون مع حضرة الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وعليه فالشيعة لا يتصوّرون بأنّ هذا

____________

1- صحيح البخاري ، كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد ، ج 2 ص 221 .


الصفحة 102

التصرّف في مواجهة النبي أمر هيّن أم معذور ؛ لقوله تعالى { فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليما } (1) .

وهذا نزر قليل ممّا يدلّ على تخلّف الصحابة عن أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) . ومن يريد الإلمام فليراجع أمّهات الكتب ، وسوف يجد فيها كثيراً ما يساند موقف الشيعة اتجاه الصحابة ، مثل : الصحابة في رزية يوم الخميس(2). والصحابة في سريّة أسامة وغيرها (3).

أم المؤمنين عائشة

تُعدّ من المكثرين في رواية الحديث ، فمن أنكر عدالتها فقد أسقط كثيراً من الأحاديث المروية عنها ؛ ولذلك حاول بعض العلماء الدفاع عنها بكلّ السبل حتّى ولو خالفوا في ذلك نصّاً صريحاً متّفقاً عليه بين علماء المسلمين . فهي وإن كانت زوجة الرسول غير أنها ليست بأفضل أزواج النبي وأمّا سبب إعراض الشيعة عن حديثها فلكونه ليس بحجّة ؛ وذلك لأسباب منها :

____________

1- النساء 65 .

2- ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ج 2 ص 325 . ورواه البخاري في باب قول المريض الجز الثاني من صحيحه

3- ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ج 2 ص 317 .


الصفحة 103

1- إنكارها وجود وصيّة النبي لعلي بالرواية المكذوبة بأنّه مات على صدرها ولم يوص شيئاً (1) ، وهذا تعارضه أحاديث صحيحة أُخرى فقد روى ابن سعد عن الشعبي قال : توفي رسول الله ورأسه في صدر علي وغسّله علي (2) . كما جاء أيضاً في نهج البلاغة أنّه قضي ورأسه مستند إلى صدر علي .

2- مواقفها العدائية للإمام علي وأولاده ، فقد كانت راجعة من مكّة عندما علمت أنّ عثمان قتل ففرحت فرحاً شديداً ، ولكنها عندما علمت بأنّ الناس بايعوا عليّاً غضبت وقالت : وددت أنّ السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب . وبدأت تشعل نار الفتنة للثورة على علي الذي لا تريد ذكر اسمه كما سجّله التاريخ(3) . وحاربت أولاده من بعده حتّى اعترضت جنازة الحسن سيّد شباب أهل الجنة ، ومنعت أن يدفن بحانب جدّه رسول الله قائلة : لا تدخلوا بيتي من لا أحبّه . ونسيت أو تجاهلت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه وفي أخيه : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة . وقوله : أحب الله من أحبهما ، وأبغض الله من أبغضهما .

____________

1- صحيح البخاري ، ج 5 ص 143 .

2- عبد الحسين شرف الدين الموسوي ، المراجعات ، المراجعة رقم 76 .

3- صحيح البخاري ، ج 5 ص 140


الصفحة 104

فعُلِمَ أنّ التاريخ يسند موقف الشيعة في الصحابة وأنّ منهم من تخلّف عن أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ففتنة عائشة أجمع عليها الأمّة ، فلذلك قال عمّار بن ياسر : إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة ، ووالله أنّها لزوجة نبيّكم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي (1) .

هذا نزر قليل من استدلالات الشيعة لنفي عدالة كلّ الصحابة ، كما تنفي أيضاً الاجتهاد في مقابل النص ، فلا يحكم الشيعة باجتهاد معاوية إمام الفئة الباغية وكونه مأجوراً على قتله المؤمنين الأبرياء ، وسبّ الإمام علي على المنابر ، ودسّ السمّ إلى حسن ابن علي سيّد شباب أهل الجنة ، وقتله وارتكابه الجرائم والآثام التي لا يحصي عددها إلا الله .

والسؤال يعود دائماً ويتكرر : أيّ الفريقين على الحقّ ، وأيّهما على الباطل ؟ فإمّا أن يكون علي وشيعته ظالمين وعلى غير الحقّ ، وإمّا أن يكون معاوية وأتباعه ظالمين ويستحيل أن يكونا معاً على الحقّ . وأيضاً في قضيّة خلاف فاطمة الزهراء (عليها السلام) مع أبي بكر ، إماّ أن يكون هو على الحقّ أو هي (عليها السلام) (2)، وفي كلا

____________

1- ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 105 .

2- جعفر السبحاني ، الاعتصام بالكتاب والسنة ، ص 111 .


الصفحة 105

الحالين فإنّ عدالة الصحابة كلّهم من غير استثناء أمر مستحيل لا ينسجم مع المنطق السليم .

هذا ، ولو تعمّقنا في بطون كتب التاريخ لوجدنا الأمثلة الكثيرة التي لا يحصي عددها إلا الله ، وهي تسند موقف الشيعة ، وتفنّد مزاعم معارضيهم ، بشرط تحليلها ووضعها على ميزان العقل والمقاييس الشرعية لا على التقليد الأعمى للأجداد ، والتعصّب المذهبي .


الصفحة 106

الصفحة 107

الباب الرابع

النتيجة

تستند الشيعة إلى القرآن في استنباط الأحكام الشرعية وغيرها من الأحكام والمعارف ، والقرآن عندهم هو القرآن الموجود بين أيدي المسلمين ، وكان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مجموعاً ومؤلّفاً على ما هو عليه الآن . وكلّ من اتّهم الشيعة بتحريف القرآن يصطدم بعقبة كبيرة وهي أنّ الرأي السائد لدى علماء الشيعة هو عدم التحريف .

وتنفي الشيعة نسبة جمع القرآن إلى الصحابة إذ إنّ المنطق السلم يرفض أن يدع رسول الله أمّته والقرآن الذي يعصمهم من الضلال متشتّت في عدّة من الرقاع والأكتاف .

كما أنّ الروايات المتعلّقة بجمع القرآن الموجودة في كتب الصحّاح نوع من خبر الآحاد ، ولا يترتّب على رافضه مسؤولية مّا ، ولذلك رفض الشيعة هذه الروايات للحيلولة دون الطعن في أصالة القرآن من خلال الروايات المتناقضة والمتعارضة .


الصفحة 108

وكاعتمادهم على كتاب الله ، فإنّهم أيضاً يعتمدون على سنّة رسوله الكريم في أخذ معالم الدين أصولاً وفروعاً . والسنة المعتبرة عندهم هي ما جاء عن طريق أئمتهم الطاهرين مع عدم نفي ما جاء عن طريق غيرهم إن ثبتت وثاقته .

ورفضهم لكثير من الروايات الواردة في الصحّاح الستّة لا يقصد به رفض حديث الرسول كمصدر للتشريع بعد القرآن ، ورفضهم ذلك نوع من احتياطهم لتنقية حديث الرسول من كلّ ما قد يشوبه من الافتراءات الكاذبة التي نسبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) . ولا تعتقد الشيعة بعدالة كلّ الصحابة ، وتتفاوت درجاتهم بقدر صدقهم وإخلاصهم لله ورسوله ؛ ولذلك لا يأخذوا ما جاء به الصحابي إلا إذا كان ثقة عندهم ، وعلى هذا فلا تكون الشيعة من السبّابين لأصحاب رسول الله ، وإنّما تصف وتقرأ أعمالهم وفق الأخبار الواردة في كتب التاريخ الإسلامي .

إنّ الشيعة ليسوا من القبائل البائدة التي خيّم الظلام عليها وعلى آثارها ، فعلماؤهم لا يبلغهم الإحصاء ، وامتلأت المكتبات الإسلامية بمؤلّفاتهم شرقاً وغرباً فيتسنى لطالب الحقيقة التعرّف على عقيدة الشيعة من علمائهم ومن كتبهم ، لا من قول كاتب أو مؤلّف بعيد عنها ديناً وعقيدةً ، بل لا يصح الاعتماد على أقوال


الصفحة 109

كاتب من أبناء الطائفة نفسها ؛ إذ لم تجتمع كلمتها على الثقة بعلمه ، فينبغي الرجوع إلى الكتب المعتمدة عندهم ، والأخذ بما هو المشهور عندهم .

وأيضاً ثبت إنّ الشيعة لا يعتقدون بعقيدة مّا إلا ويسندوها للبراهين القطعية في المصادر الإسلامية ، وعليه لا سبيل إلى طعنهم وإخراجهم عن حظيرة الإسلام ما داموا متمسّكين بالكتاب المصون من التحريف والسنّة المعتبرة عندهم . وليس من المبالغة إن قلنا إنّ التشيّع هو جوهرة الإسلام ، وليس له نزعة فارسية أو يهودية .

الاقتراحات

وبما أنّ هذا البحث أثبت على أنّ اعتقاد الشيعة له مصدر متسالم من كتب إخوانهم أهل السنّة فأقترح فيما يلي :

1- على علماء المسلمين أينما كانوا القيام بعقد مؤتمر عالمي إسلامي ، يضمّ علماء المسلمين من كافّة الطوائف ، وعلى اختلاف مذاهبهم ، لتناول المسائل المختلفة فيما بينهم على مائدة البحث ، وفي ضوء الكتاب والسنة ، ومن ثمّ نشر نتيجة ذلك المؤتمر إلى العالم الإسلامي حتّى يتبيّن الحق بأجلى مظاهره ويتّبع ، والحق أحقّ أن يتّبع . فعسى أن تضيّق شقّة الخلاف بين


الصفحة 110

المسلمين ، وتجتمع القلوب المتنافرة من أجل عزّة الإسلام والمسلمين .

2- على من يطعن ويتّهم الشيعة ، فعليه الرّد على علمائهم ردّاً علميّاً منطقيّاً لا مفتريات عوجاء ، والتحرّر ممّا وجدوا عليه آباءهم وأجدادهم ، والاعتماد على الكتب المعتبرة عند الشيعة .

الاختتام

لا أحتكر الحقّ ، ولا أدّعي التحرّر ، وإنما أتمنىّ على كلّ مسلم ذي قلب سليم وعقل حرّ التخلّص من كبت الأغلال الماضي ، وأن ينظر إلى إخوانه الشيعة بعين الرضا ، ومن خلال الإسلام ، وأن يعلم أنّ الاختلاف في الرأي ضرورة يفرضه واقع الإنسان بما هو إنسان لا بما هو سنّي أو شيعي ، وكلّ ما يستطيع صنعه في هذا الأمر هو إصلاح ما أفسده الماضي ، والتخلّص من تعصّباته ، والنظر إلى المستقبل اللامع بالحبّ والإخاء الإنساني . وعسى أن أكون قد بلّغت ما يجب أن أبلّغ ، ودائماً أكون في انتظار الملاحظات للوصول إلى ما هو أحسن ممّا وصلت إليه الآن .

والله المستعان على ما يصفون ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .


الصفحة 111

مصادر البحث

1ـ أدلّة أهل السنة والجماعة - يوسف السيد هاشم الرفاعي - الكويت - الطبعة الأولى 1984م .

2ـ إسلام بلا مذاهب - مصطفى الشكعة - الدار المصرية اللبنانية - 1987 .

3ـ أصل الشيعة وأصولها - محمّد الحسين آل كاشف الغطاء - تحقيق : علاء آل جعفر - مؤسسة الإمام علي - الطبعة الأولى 1415هـ .

4ـ أصول التشيّع عرض ودراسة - هاشم معروف الحسني - دار القلم ، بيروت - 1987م .

5ـ الاعتصام بالكتاب والسنة - جعفر السبحاني - مؤسسة الإمام جعفر الصادق - قم - الطبعة الأولى 1414 هـ .

6ـ الأنوار الباهرة - أبو الفتوح التليدي - دار ابن حزم ، بيروت .

7ـ أوائل المقالات - الشيخ المفيد ت 413هـ - تحقيق : إبراهيم


الصفحة 112

الأنصاري - دار المفيد ، بيروت - الطبعة الثانية 1414هـ .

8ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار - الشيخ محمّد باقر المجلسي ت 1111هـ - دار الكتب الإسلامية ، إيران .

9ـ البداية والنهاية - أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي- دار الفكر ، بيروت .

10ـ تاريخ الفقه الإسلامي- علي السايس - دار الكتب العلمية ، بيروت .

11ـ التبيان في علوم القرآن - علي الصابوني - عالم الكتب ، بيروت .

12ـ تدوين السنّة الشريفة - السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي - مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، قم - الطبعة الثانية 1418هـ .

13ـ التفسير الكبير - الفخر الرازي - دار الفكر ، بيروت .

14ـ ثم اهتديت - محمّد التيجاني السماوي - مؤسسة الفجر ، بيروت - 1987م .

15ـ جامع بيان العلم وفضله - ابن عبد البر - دار الكتب العلمية ، بيروت .


الصفحة 113

16ـ جامع الترمذي - الترمذي - مطبعة دار السلام ، الرياض - الطبعة الأولى محرم 1999م .

17ـ جواهر العقدين - السمهودي - دار الكتب العلمية ، بيروت .

18ـ الحقيقة الضائعة ( رحلتي إلى مذهب أهل البيت ) - مؤسسة المعارف الإسلامية ، قم - الطبعة الأولى 1418 هـ.

19ـ دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين (الخوارج والشيعة ) - مركز مالك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الطبعة الأولى 1987م .

20ـ الدر المنثور في التفسير المأثور - جلال الدين السيوطي - دار الفكر ، بيروت 1983م .

21ـ الزهرة العطرة في حديث العترة - الشيخ أبو المنذر - دار الفقيه ، مصر .

22ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة - محمّد ناصر الدين الألباني - مكتب المعارف ، الرياض 1315 هـ.

23ـ السنة النبوية بين أهل الحديث وأهل الرأي - محمّد الغزالي - دار الشروق - 1989م .


الصفحة 114

24ـ السنن الكبرى - النسائي - دار الكتب العلمية ، بيروت .

25ـ السيرة النبوية - ابن هشام - دار إحياء التراث العربي ، بيروت - 1995م .

26ـ الشيعة في الميزان - محمّد جواد مغنية - دار الجواد .

27ـ صحيح البخاري - أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري - دار الفكر ، بيروت - 1401 هـ .

28ـ صحيح الجامع الصغير - محمّد ناصر الدين الألباني - المكتب الإسلامي ، بيروت .

29ـ صحيح مسلم - مسلم بن الحجاج النيسابوري - دار السلام ، الرياض 1998م .

30ـ الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة - ابن حجر الهيتمي ت 973هـ - دار الكتب العلمية، بيروت .

31ـ عفواً صحيح البخاري - الدكتور عبد الأمير الغول - دار المحجة البيضاء - الطبعة الأولى 1420 هـ .

32ـ عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام - ناصر ابن علي عائض - مكتبة الرشيد ، الرياض - 1993م .

33ـ الكامل في التاريخ - ابن الأثير - دار الفكر ، بيروت - 1985م.


الصفحة 115

34ـ كنز العمال في سنن الأفعال والأقوال - المتقي الهندي ت975هـ - تحقيق : الشيخ بكري حياني ، الشيخ صفوة السقا - مؤسسة الرسالة ، بيروت - 1409هـ .

35ـ لسان العرب - جمال الدين محمّد بن مكرم ابن منظور الأنصاري - الدار المصرية للتأليف والترجمة.

36ـ مباحث في علوم القرآن - منّاع القطّان - مؤسسة الرسالة - 1980م .

37ـ مجمع البيان في تفسير القرآن - الفضل بن الحسن الطبرسي - دار الفكر ، بيروت - 1987م.

38ـ المراجعات ، عبد الحسين شرف الدين الموسوي .

39ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل ت 241.

40ـ مفاهيم يجب أن تصحّح - محمّد بن علوي المالكي الحسني - وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف ، دولة الإمارات العربية المتّحدة - 1991م .

41ـ مقالات الإسلاميين - أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري.

42ـ ملحقات إحقاق الحق - السيد شهاب الدين المرعشي النجفي - منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم .


الصفحة 116

43ـ منع تدوين الحديث - علي الشهرستاني - مركز الأبحاث العقائدية ، قم - الطبعة الأولى 1420هـ .

44ـ منهاج السنة النبوية - أبو عباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم - تحقيق : الدكتور محمّد سالم رشاد - الطبعة الأولى 1986م .

45ـ المهدي الدروز تاريخ ووثائق - عبد المنعم النمر - دار الحرّية ، القاهرة - الطبعة الثانية 1988م .

46ـ نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام - علي سامي النشار - دار المعارف ، بيروت .