لقد تبين فيما سبق وبالشرح المستفيض أن حديث الثقلين متواتر وصحيح
ولم نجد ـ خلال هذه القرون المتمادية ـ من يشك في صحته إلاّ رجلاً واحداً ... وهو
أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي ... حيث أودعه في روايةٍ واحدةٍ له كتاب ( العلل
المتناهية في الأحاديث الواهية ) . وقد خطّئه العلماء ، وحذّروا من الاغترار بفعله
، ومنهم من أحسن الظنَّ به فحمل ذلك منه على عدم استحضاره لسائر طرق الحديث ... لا
سيّما وأنّه في صحيح مسلم ... كما سترى ذلك كلّه في هذا الكتاب .
والحق معهم ...
فأنّه لو جاز رمي مثل هذا الحديث ـ الصحيحة أسانيده والكثيرة طرقه ـ بالضّعف لَما
بقي فيما بأيدينا من الأحاديث النبوية ما نثق بصدوره عن الرسّول الكريم إلاّ الشاذ
النادر ، وهذا يؤدّي إلى سقوط السنّة النبويّة وهدم أركان الشريعة المقدّسة .
. وإذْ لم يكن لأحدٍ مجال لأنْ يخدش في هذا الحديث من حيث السّند ، ترى بعضهم يحاول
تحريف نصّه والتصرّف في متنه كي يسقط الاستدلال به ومن هذه الروايات :
*
أخرج الخطيب البغدادي بإسناده عن مطيّن عن نصر بن عبد
الرحمن عن زيد بن الحسن الأنماطي ، عن معروف ، عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد : أن
رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم) قال : يا أيّها الناس إني فرط
لكم ، وأنتم واردون عليَّ الحوض ، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين ،
فانظروا كيف تخلفوني ، الثقل الأكبر كتاب الله ، سبب طرفه بيد الله ، وطرفه بايديكم
، فاستمسكوا به ولا تضلّوا ولا تبدّلوا » (تاريخ بغداد 8|442)
وسيأتي النصّ الكامل للحديث بترجمة « زيد بن الحسن الأنماطي »
* وأخرج أبو
جعفر العقيلي في كتابه ( الضعفاء الكبير ) بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر
: ان النبي (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم) خطب يوم عرفة فقال في خطبته :
قد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إنْ اعتصمتم به : كتاب الله . وأنتم مسؤلون عني فما
أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت . فقال بإصبعه السبّابة
يرفعها إلى السماء ويكبّها إلى الأرض : الهم اشهد » .
وهذا تحريف للحديث
الذي أخرجه الترمذي في كتابه وقد تقدّم لفظه 0
* وجاء ابن تيميّة الحراني فزعم أنّ قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « وعترتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » غير صحيح ، قال : « فهذا رواه الترمذي ، وقد سئل عنه أحمد فضعّفه ، وضعّفه غير واحدٍ منْ أهل العلم وقالوا : لا يصح »( منهاج السنّة 4|104).
أخي القارئ انه يكفي اخرج الترمذي وحده ولا سيما وانه غير منفرد به , فقد أخرجه
كثيرون قبله وبعده ، فمن المتقدّمين عليه الذين رووا هذا القول في حديث الثقلين :
1 ـ سليمان بن
مهران الأعمش .
2 ـ ومحمد بن إسحاق
.
3 ـ وأبو أحمد
الزبيري الحبّال .
4 ـ وأبو عامر
العقدي .
5 ـ ومحمّد بن سعد
الزهري .
6 ـ وابن بقيّة
الواسطي .
7 ـ وأحمد بن حنبل
.
8 ـ وعبّاد بن
يعقوب الرواجني .
9 ـ ونصر بن علي
الجهضمي .
10 ـ وعبد الملك بن محمد الرقاشي البصري .
ومن المتأخّرين عن
الترمذي الرّواة لهذه الفقرة من الحديث :
1 ـ الحكيم الترمذي
.
2 ـ عبدالله بن
أحمد بن حنبل .
3 ـ أبو بكر البزاز
.
4 ـ أبو نصر
القباني .
5 ـ أبو عبد الرحمن
النسائي .
6 ـ أبو يعلى
الموصلي .
7 ـ محمد بن جرير
الطبري .
8 ـ أبو القاسم
الطبراني .
9 ـ الحاكم
النيسابوري .
10 ـ شمس الدين
الذهبي .
أما القول
بأن أحمد أنه ضعّفه . لم نجد هذا النقل عن أحمد في شيء من كتب الحديث ، على أن أحمد
نفسه من أكبر واشهر رواته في مسنده.
أما القول بأن
ضعّفه غير واحدٍ من أهل العلم لا أساس له ، لأنّ القوم بين راوٍ ومصحّح للحديث كلّه
، وبين مضعّف للحديث كلّه ، ولم نجد مضعّفاً لهذه الفقرة ، كما لم نجد مضعّفاً له
من أصله غير ابن الجوزي وستعلم ما في ذلك ، وهلا ذكر ابن تيميّة واحداً من « غير واحد » !!
واخيرا وبحمد الله لقد توصلت الى الاجابة عن السؤالين اللذين احترت في البحث عن اجابة لهما والسبب في ذلك هذا الحديث العملاق الي يسمى بحديث الثقلين الذي يوصينا فيه النبي بالاعتصام بالكتاب والعترة ولا سيما وانه ثبت لدينا ضعف حديث( الكتاب والسنة )
والان ادعوك اخي القارئ الى استرجاع طرف رواية الرزية وهي العبارة الاولى التي خرجت من فم الحبيب ( ص ) اذ قال :
( ائتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا )
وقارنها برواية حديث الثقلين وهي :( اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي )
أنظرجيدا الى هاتين العبارتين في الروايتين (لن تضلوا بعدي ) ( لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ ) انها عبارتين متشابهتين وكأن النبي ( ص ) قال يوم الرزية حديث الثقلين وحصل من قبل عمر وشيعته ما حدث , عرفت بعد ذلك تفسير حديث الثقلين وعرفت ايضا مراد النبي منه وتبينت لي الحقيقة كاملة , واليك أخي القارئ الحكاية من أولها والى آخرها واضحة جلية , احمدك ربي حمدا كثيرا على هدايتي الى الحق :
لقد توصلنا الى ما هية الوصية وهي الوصية بالكتاب والعترة كما جاء في حديث الثقلين
ولاجل ذلك قال عمر حسبنا كتاب الله اذ ان معنى هذا القول انه النبي ( ص ) أوصاهم
بالاعتصام بالكتاب والعترة فقال عمر لا نريد عترة وحسبنا كتاب الله فهو يكفي , وليس
هناك تفسير معقول غير هذا , بالنسبة إلى
هذه الحادثة اللهم إلا إذا كان المراد هو القول بإطاعة الله دون إطاعة رسوله , وهذا
أيضاً باطل وغير معقول....
وكنت دائما أحدث نفسي قائلا : من المعلوم لدى النبي أنه يعلم مدى رفض عمروشيعته لخلافة الامام علي اذ كان اغلبية قريش لا يرضون بعلي لأنه أصغر القوم ولأنه حطم كبرياءهم وهشم أنوفهم وقتل أبطالهم , ولكنهم لا يجرئون على رسول الله مثل عمر فقد كان جريئاً على النحو الذي حصل في صلح الحديبية وفي المعارضة الشديدة للنبي عندما صل على عبدالله بن ابي , المنافق , وفي عدة مواقف أخرى سجلها التاريخ , وهذا الموقف منها , وأنت ترى أن المعارضة لكتابة الكتاب في مرض النبي شجعت بعض الآخرين من الحاضرين على الجرأة ومن ثم الإكثار من اللغط في حضرة الرسول ص , فاذن لم يدعوه النبي الى بيته ولا سيما وان عمر من المأمورين بالخروج في جيش أسامه ولعن النبي من تخلف عنه , اذن فمن الذي أخبره بأن النبي سيكتب وصيته للامام على والخلفاء من بعده الاحد عشر يوم الخميس ؟ من الذي دعاه للمجئ الى بيت النبي بدون استئذان مخالفا بذلك لكتاب لله اذ يقول تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً }الأحزاب53
من هذا الشخص الذي أبلغ عمر ؟ انه بالتأكيد شخص معادي للامام علي ؟
أخذت ابحث عنه طويلا ووفقني الله اليه فوجدته زوج النبي عائشة , قد يقول قائل وما هو الدليل على انها عائشة ؟ أجيب قائلا ان الادلة كثيرة جدا وسآتيك بكل الروايات التي تؤكد انها عائشة ولا سيما وان النبي تمرض في بيتها :
( حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة قالت : لما ثقل النبي (ص) واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج النبي (ص) بين رجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس ورجل آخر . قال عبيد الله فأخبرت عبد الله بن عباس فقال : أتدري من الرجل الآخر قلت لا قال هو علي بن أبي طالب ( ر ) وكانت عائشة ( ر ) تحدث أن النبي (ص) قال بعدما دخل بيته واشتد وجعه هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس وأجلس في مخضب لحفصة زوج النبي (ص) ثم طفقنا نصب عليه تلك حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن ثم خرج إلى الناس).
صحيح البخاري – الوضوء – الغسل والوضوء في المخضب والقدح والحجارة رقم 191
حتى مجرد ذكر اسم الامام علي حرمت عائشة على نفسها النطق به , ان سبب بغض عائشة للامام علي قد بدأ من حادثة الافك اذ استشاره النبي فأجاب قائلا : ( يا رسول الله ان النساء لكثير وانك لقادر على أن تستخلف , وسل الجارية تصدقك ) ولان الامام علي قال للنبي ( النساء اكثير وانك لقادر على أن تستخلف ) ظلت السيدة عائشة طوال عمرها مبغضة للامام على وال بيته والتاريخ شاهد على ذلك 0
اذن فأصابع الاتهام تشير الى أن الشخص الذي أخبر عمر بموعد كتابة الوصية للامام على والأئمة من بعده هو السيدة عائشة وهذا ما يفسر لنا مجئ عمر وشيعته والمفترض أن يكونوا في جيش أسامة الى بيت النبي بهذه العصبية التي ألجأته الى فعل المنكرات ضد خير خلق الله سيدنا محمد ( ص ) 0
والآن ننتقل أخي الكريم الى بحث آخر لم أكن أدري عن مسماه شئ ألا, وهو عن خطبة غدير خم 0