آية التبليغ
آيتان في القرآن : الأولى : قوله تعالى : ( يا أيها
الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس
) (المائدة 67 ) .
فقد روى الواحدي من طريق الأعمش ، بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال
: نزلت هذه الآية : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) يوم غدير خم ، في
علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( أسباب النزول 115 ) .
وفي الدر المنثور ، وفتح القدير ، كليهما عن ابن مسعود ، قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) أن عليا مولى المؤمنين ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) (الدر المنثور 3 : 117 ، فتح القدير للشوكاني 2 : 60 . ) .
وفي فتح القدير (للشوكاني 2 : 60 .) ، وتفسير المنار (للشوكاني 2 : 60 . ) : أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية ( يا أيها الرسول بلغ . . . ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
أما الحاكم الحسكاني ، فقد ذكر لهذا الحديث طرقا عديدة ، بأسانيد متصلة (شواهد التنزيل1 : 188 عن عبد الله بن عباس ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وأبي إسحاق الحميدي ، وأبي هريرة ، وأبي جعفر محمد بن علي ) ، ثم قال : وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب ( دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة ) من تصنيفي ، في عشرة أجزاء (شواهد التنزيل 1: 190) .
وممن ذكر ذلك : الآلوسي ، إلا أنه - كعادته - نسبه إلى الإمامية وحدهم ! - نعم ، قد ذكروا حكايات أخرى كثيرة في سبب نزول هذه الآية ، لكنها - والحق يقال - حكايات متضاربة ، متباينة ، بل ومضطربة ، توحي نظرة إليها أنها صنعت من النص الشريف ، ولم تكن سببا في نزوله ، إما على عادة بعضهم في ابتكار أسباب لنزول الآيات مما توحي به الآيات نفسها ! وإما عن قصد يرجى من ورائه تقليل أهمية السبب الصحيح والمباشر لنزولها ! وكلاهما ليس ببعيد ، فانظر فيما قالوا : قالوا : إن أبا طالب كان يرسل مع النبي رجالا من بني هاشم يحرسونه ، حتى نزلت هذه الآية : ( والله يعصمك من الناس ) ، فأخبرهم بذلك ، فتركوا حراسته (أنظر تفسير الطبري ، وابن كثير ، والآلوسي ، والزمخشري . ) .
.
وقالوا : عن عائشة أم المؤمنين : أنه كان يحرس ، وكان معها - أي في بيتها - يسهر
حتى يأتي من يحرسه ، فينام حتى تسمع غطيطه ، فلما نزلت الآية أخرج رأسه من الطاقة ،
فصرفه (أنظر
تفسير الطبري
، وابن
كثير
، والآلوسي
، والزمخشري .
) .
ألا ترى - إلى هنا - أن أحد القولين يكذب الآخر ؟ - فعلى القول الأول أنها نزلت في
مكة قبل الهجرة ، في حياة أبي طالب . وعلى الثاني أنها نزلت بعد الهجرة ، وبعد
زواجه صلى الله عليه وآله وسلم من عائشة !
ثم انظر إلى ما في تفسير المنار (تفسير المراغي 6: 467) ، إذ يقول : وأما المتبادر من الآية ، فالظاهر أنه الأمر بالتبليغ في أول الإسلام ، ولولاه لاحتمل أن يكون المراد به تبليغ أهل الكتاب ما بعد هذه الآية . انتهى .
لاحظ فيه هذه العبارات : ( أما المتبادر ) ( فالظاهر ) ( ولولاه ) ( لاحتمل ) !
وأغرب من هذا التردد ، ما قطع به المراغي من كون هذه الآية مكية ! إذ قال : وقد
وضعت هذه الآية - وهي مكية - في سياق تبليغ أهل الكتاب - وهو مدني - لتدل على أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عرضة لإيذائهم أيضا ، وأن الله تعالى عصمه من
كيدهم ( تفسير المراغي 6: 160 ) .
واقرأ بعده قول الثعالبي ( في تفسيره 1: 659 ) : ولعلمائنا في الآية تأويلات ،
أصحها : أن العصمة عامة في كل مكروه ، وأن الآية نزلت بعد أن شج وجهه ، وكسرت
رباعيته صلى الله عليه وآله وسلم . ومثل هذا تماما ما قاله الزمخشري (من تفسيره 1:
476 ) .
وأما ابن كثير ، فقد ذكر الروايات التي ترجع إلى التبليغ أول الإسلام ،
ثم أنكرها بقوله : وهذه الآية مدنية ، والحديث يقتضي كونها مكية . ثم قال :
والصحيح أن هذه الآية مدنية ، بل هي من أواخر ما نزل ، والله أعلم . ثم ذكر قصصا
أخرى - ذكرها غيره أيضا - فقال : وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا نزل منزلا ،
اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها ، فأتاه أعرابي - في بعض تلك المنازل -
فاخترط سيفه ، ثم قال : من يمنعك مني ؟ فقال : " الله عز وجل " فرعدت يد الأعرابي ،
وسقط السيف منه ، وضرب برأسه الشجرة ، حتى انتشر دماغه . وفي رواية أخرى ، أن هذا
الأعرابي لما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " الله يمنعني منك " وضع
السيف . قال : وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة ذات الرقاع انفرد عن الجيش
، وجلس على رأس بئر ، قد دلى رجليه ، قال الحارث بن النجار : لأقتلن محمدا . فقال
له أصحابه : كيف تقتله ؟ قال : أقول له اعطني سيفك ، فإذا أعطانيه قتلته به . قال :
فأتاه ، فقال : يا محمد ، أعطني سيفك أشيمه . فأعطاه إياه ، فرعدت يده ، حتى سقط
السيف من يده ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : " حال الله بينك وبين ما تريد " .
فأنزل الله : ( والله يعصمك من الناس ) (تفسير
ابن كثير 2 : 81)
.
أما في تفسير ( روح البيان ) (للشيخ إسماعيل حقي البروسوي ، الجزء الثاني : 417 ) فقد جاء : أن هذه الآية أمان من الله
للنبي عليه السلام كيلا يخاف ، ولا يحذر ، كما روي في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما دخل المدينة ، قال اليهود : يا محمد ، إنا ذوو عدد وبأس ، فإن لم ترجع قتلناك ، وإن رجعت ذودناك ، وأكرمناك .
فكان عليه السلام يحرسه مائة من المهاجرين والأنصار ، يبيتون عنده ، ويخرجون معه ، خوفا من اليهود . فلما نزل قوله تعالى : ( والله يعصمك من الناس ) علم أن الله يحفظه من كيد اليهود وغيرهم ، فقال للمهاجرين والأنصار : " انصرفوا إلى رحالكم ، فإن الله قد عصمني من اليهود "
في الحقيقة كنت في حيرة وأنا أقرأ هذه التفسيرات , وأخذت أسأل نفسي بعض الاسئلة ورجوت أن أجد من هذه التفسيرات جوابا لها , وها هي الاسئلة :
1 - الرواية الأخيرة تشير إلى بداية العهد المدني ، وبهذا تتفق مع ما روي عن أم المؤمنين عائشة ، ولكن الذي جاء عنها ، وفي كل الروايات التي أسندت إليها ، أنه كان يحرسه رجل واحد ، ورد في بعضها أنه سعد بن أبي وقاص ، وفي بعضها غيره ، أما روايتنا الأخيرة ففيها مائة من المهاجرين والأنصار ، يبيتون عنده ، ويخرجون معه ! فأيها نختار ؟ نعم ربما وجدنا مخرجا لهذا فنقول : إنه كان يحرسه مائة بادئ الأمر ، فلما تزوج من السيدة عائشة استغنى عن تسع وتسعين منهم ، واكتفى بحارس واحد ! ولكن حتى هذا لا تقبله الرواية الأخيرة ، فهي تشير إلى بقائهم على حالهم من الحراسة حتى نزول الآية ، بدليل قوله في آخرها : فلما نزلت الآية ، قال للمهاجرين والأنصار : " انصرفوا إلى رحالكم " فهو حديث مع جماعة ، وهم في حالة الحراسة ، وإلا لماذا قال : " انصرفوا إلى رحالكم " ؟
2 - الروايتان تفيدان أن الآية في المدينة ، وهذا يناقض ما في الروايات الأخرى من أنها نزلت في المغازي . هذا إذا تركنا قول من قال أنها نزلت في مكة ، وأسقطنا الروايات التي تشير إليه .
3 - إذا كان يحرسه وهو في المدينة مائة رجل من المهاجرين والأنصار ، أو قل رجل واحد ، فأين ذهبوا عنه وهو بين الجيشين ، في ساحة القتال ؟ وهل يصح أن يختار القائد محل استراحته في ( الأرض الحرام ) بين جيشه والجيش المعادي ، بحيث يكون ممكنا بكل تلك السهولة أن يتسلل إليه من يشتهي قتله ، حتى يشهر السيف على رأسه ، وهو نائم ؟ ! ثم لاحظ أن الرواية تقول : اختار له أصحابه ظلا يقيل فيه . فهل يختار له أصحابه ظلا كهذا ؟ وأي ظل هذا ، وأي قيلولة ؟ سل من رأى الحروب ، أو سمع بها . ثم إن كان هذا مما تقبله العقول ، فأين غفلوا عن حراسته في مثل هذا المكان ، وقد اعتادوا أن يحرسوه وهو في المدينة ؟
4 - في أية غزوة كان ذلك ؟ أكثر الروايات تقول : في بعض المغازي ، ولا تعين واحدة منها ، فهل نسي الرواة تلك الغزوة ؟ وهل يرتضي ذلك أحدنا ، مع غزوة كهذه ، تحدث فيها تلك المعجزة المثيرة ، ثم ينزل فيها قرآن يتلى ، يزيدها ثباتا في الأذهان ، ثم تلك الصورة المثيرة ، والرجل يضرب برأسه الشجرة ، حتى انتشر دماغه ، كل هذا ينساه جميع من شهده ، فلا يدري متى حصل ؟ فإن جاز ذلك ، فليس أقل أن يذكروا تلك الغزوة التي تركوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا حراسة حتى تسلل إليه من تسلل ، وشهر السيف على رأسه الشريف ! وإن حصل ذلك ، فأين أهل العلم بالقرآن ، ونزوله ، وناسخه ، ومنسوخه ، ومحكمه ، ومتشابهه ، ومكيه ، ومدنيه ؟ نعم إن هناك رواية واحدة تقول : إنها كانت غزوة ذات الرقاع . ولا تخلو هذه أيضا مما يثير الاستغراب ، إذ يتسلل المشرك مجردا من السلاح إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يأمل بكل ثقة أن يأخذ منه سيفه بمجرد أن يقول له : اعطني سيفك أشيمه ! فهل كان الرجل مجنونا ؟ لم تشر الرواية إلى شئ من ذلك ! ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذكى من ذلك وأكثر حذرا . دع عنك كل هذا ، ولنقل بأنها هي غزوة الرقاع ، وإنما اختلفت الروايات في تفصيل الحادثة ، وهذا جائز ، فتعال معي إذن أخبرك بغزوة الرقاع متى وقعت . وقعت هذه الغزوة في السنة الرابعة من الهجرة المباركة على مهاجرها المختار ، وآله الأطهار أفضل صلاة وأتم سلام . وبالتحديد الدقيق ، وقعت غزوة الرقاع في الشهر السابع والأربعين من الهجرة المباركة (راجع كتاب المغازي للواقدي1: 395، والكامل لابن الأثير 2 : 174 ، تاريخ الطبري 3: 39. ( ) . أي إنه كان يفصلها عن وفاته صلى الله عليه وآله وسلم قرابة سبع سنين ، فهل يتفق هذا مع قول ابن كثير في هذه الآية : بل هي من آخر ما نزل ؟ علما أن قوله الأخير هذا هو الموافق لما هو مشهور جدا بين المسلمين من كون سورة المائدة هي آخر ما نزل من القرآن ، ما خلا سورة النصر ، وآية أو آيتين ، سيأتي ذكرها إن شاء الله . وبغض النظر عن هذا فهي لا تصمد أمام الأسئلة المتقدمة ، وقد مرت روايات تنقضها أيضا .
ذلك هو حجم الاضطراب والتناقض في تلك الروايات . ولعله هو السبب الأساس وراء عدم اتفاقهم على شئ منها ، بل عدم اعتماد أحدهم واحدة منها . كما يعد ثاني سببين -
أولهما : العلم بأن الآية من آخر ما نزل من القرآن - كانا وراء تعريج ابن كثير ، والطبري ، وآخرين على حجة الوداع ، وخطبته صلى الله عليه وآله وسلم هناك ، ومطابقتهم نص الآية مع ما جاء على لسانه الشريف في مواقفه هناك ، بقوله : " هل بلغت ، اللهم اشهد " . لكنهم يقفون عند مجرد التعريج ، دون أن يشير أحدهم إلى نزولها في هذا التاريخ . هذا ولما نتعرض بعد لما أورده الرازي في هذا المقام ، فقد ذكر عشرة وجوه في سبب نزول هذه الآية ، من بينها بعض ما سبق الكلام فيه ، ومنها ما ينفرد به وحده ، وقد تناول البغوي في تفسيره نصفها ، وأعرض عن نصف ، وتلك الوجوه هي بالترتيب كما يلي :
الأول : أنها نزلت في قصة الرجم والقصاص ، على ما تقدم في قصة اليهود . وقصة الرجم
هذه قد تقدم كلامه فيها في نفس السورة (معالم التنزيل
,)
تفسير الرازي ()
، وخلاصتها أن رجلا وامرأة زنيا ، فأتى بهما قومهما إلى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ليحكم فيهما ، ولو تتبعتها لا تجد فيها على الاطلاق ما يشير إلى احتمال نزول
هذه الآية هناك ، ولن تجد ما يشير إلى ما يمكن اعتباره مبررا لوجود مثل هذا
الاحتمال ! ولم يرد في ذلك خبر يعتمد
فهو يسرد القصة سردا متسلسلا حتى ينتهي إلى قوله : فأمر بهما صلى الله عليه وآله
وسلم فرجما عند باب مسجده . ولو تتبعت القصة في كل ما تجده من كتب التفسير لما وجدت
إشارة واحدة إلى وجود صلة بين الآية موضوع البحث وبين تلك القصة . ولعل الرازي
ذكرها لمجرد الإحصاء لا غير ، ولعله ابتدعها .
الثاني : نزلت في عيب اليهود واستهزائهم . . . وقد تقدم الكلام في مثله .
الثالث : لما نزلت آية التخيير ، هي قوله ، ( يا أيها النبي قل لأزواجك ) فلم يعرضها عليهن خوفا من اختيارهن الدنيا ، فنزلت .
الرابع : نزلت في أمر زيد وزينب بنت جحش . نقول : وكلا القصتين - الثالثة والرابعة - قد نزلت فيها آيات مفصلة يتلوها المسلمون من قبل أن تنزل سورة المائدة .
الخامس : نزلت في الجهاد ، فإن المنافقين كانوا يكرهونه ، فكان يمسك أحيانا عن حثهم على الجهاد . وهذا كلام مرسل تماما ، ولم يذكره أحد ممن سبق الرازي ، ولن تجد حتى في كتب السيرة المفصلة من جعل تقاعس المنافقين سببا في نزول هذه الآية .
السادس : لما نزل قوله تعالى : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا ) (الأنعام 108) سكت الرسول عن عيب آلهتهم ، فنزلت هذه الآية .
والصحيح أن أحدا لم يقل بنسخ آية الأنعام هذه بل اتفقوا على ضده ، قال القرطبي : ( قال العلماء : حكمها باق في هذه الأمة على كل حال ) .
وقال الشوكاني : ( ذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذه الآية محكمة ثابتة غير منسوخة )
(تفسير القرطبي
7: 61، فتح القدير 2 : 150
) .
السابع : نزلت في حقوق المسلمين ، وذلك لأنه قال في حجة الوداع ، لما بين الشرائع
والمناسك : " هل بلغت " قالوا نعم قال عليه الصلاة والسلام : " اللهم فاشهد " .
وهذا ليس أكثر من توفيق بين الألفاظ المشتركة التي وردت في الآية الكريمة والخطبة
الشريفة ، أما أن يكون التبليغ بتلك الأحكام الشرعية والمناسك سببا في نزول الآية
فهو شئ آخر تماما ، كما أنه لم يقل به أحد . فلأي شئ يخفي النبي صلى الله عليه وآله
وسلم تبليغ مناسك الحج التي كان يعدهم بها حتى قبل صلح الحديبية في السنة السادسة
من الهجرة ، وعند نزول قوله تعالى : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن
المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون ) ( الفتح 27 )
كما هو معروف جدا ؟ بل إن المسلمين جميعا كانوا يتلهفون بشدة إلى تلك المناسك وإلى
الحج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . والأمر كذلك مع سائر الأحكام الشرعية
، فمتى أخفى النبي شيئا من تلك الأحكام التي لم يبعث إلا لأجل إحياء البشرية بها ،
لكي ينزل إليه مثل هذا الإنذار ! نعم ، أخفى النبي في نفسه الأمر في قضية زينب كما
صرح القرآن بذلك ، والسبب ظاهر جدا ، وهو خشيته من تسرب الشك إلى بعضهم من أنه صلى
الله عليه وآله وسلم قد آثر نفسه ، أو شئ من هذا القبيل . وهذا أشبه شئ بقضية
التبليغ بالولاية لعلي بن أبي طالب ، فهو لا يأمن تسرب الشك لدى بعضهم بأنه قد آثر
ابن عمه ، وفضله عليهم ، وربما أكثر من مجرد الشك عند أمر كهذا مما لم يكن مستبعدا
أبدا ، بل قد حصل تماما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما في حياته
فقد عصمه الله تعالى من كل كيد ، أو تآمر ، أو غيره .
الثامن : روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم نزل تحت شجرة في بعض أسفاره . . . وقد تقدم .
التاسع : كان يهاب قريشا ، واليهود ، والنصارى . . . وقد تقدم أيضا .
العاشر : نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولما نزلت هذه الآية ، أخذ بيده ، وقال " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه " فلقيه عمر رضي الله عنه ، فقال : هنيئا لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ، ومولى كل مؤمن ومؤمنة . وهو قول ابن عباس ، والبراء بن عازب ، ومحمد بن علي . انتهى .
وهكذا تأتي هذه الرواية وحدها مسندة من بين الوجوه العشرة . وهكذا تبقى هي الرواية
الوحيدة التي تحظى بكل نقاط القوة ، ودواعي القبول ، والتي أبرزها :
1 - إسنادها : فهي الرواية المسندة ، المتصلة الإسناد ، في عدة طرق تنتهي إلى عدد كبير من الصحابة .
2 - صحة الإسناد : فرجالها ثقات ، ورواياتهم معتمدة لدى سائر المسلمين .
3 - اتحادها الزماني والمكاني مع الآية .
4 - مطابقتها تماما لنص الآية الكريمة ودلالاتها .
5 - سلامتها تماما من كل ما وقعت فيه الروايات الأخرى من الاضطرابات والتناقضات .
هذا ، وقد روي نزولها في أمر ولاية علي عليه السلام غير من ذكرنا كثير (الملل
والنحل
للشهرستاني 1 : 145 ، وهامش الفصل في
الملل والنحل
لابن حزم 1 : 220 ،
الترجمة عن ابن عساكر
2: 86/589 ،
فرائد السمطين1: 158 ، والفصول
المهمة
لابن الصباغ المالكي : 42 ، والنور
المشتعل :86
،
ينابيع المودة :
120: 249، هذا
ما وقفنا عليه بأنفسنا ، وقد ذكر لها مصادر أخرى لم يتيسر لنا الوقوف عليها) ،
والحمد لله رب العالمين .
واليك أخي الحبيب روايات حديث من كنت مولاه من المصادر السنية وهو جزء من خطبة الغدير التي اشتملت على أمرين عظيمين ورد بشأنهما حديثين جليلين , الأول هو حديث الثقلين وقد تحدثنا عنه في المبحث السابق وحديث آخر يسمى بحديث الالولاية ( من كنت مولاه ) وهو الذي تحدثنا بشأنه من خلال الآيتين الكريمتين الساتبقتين وبقي لنا الوقوف على رواياته من مصادره السنية , تعالى اليها :