( وأما
المضاف فهو كالمعتصر من الاجسام او الممتزج بها مزجا يسلبه
الاطلاق كماء الورد والمرق
ونحوهما ، وهو ينجس بكل ما يقع فيه النجاسة سواء
كان الماء قليلا او كثيرا ) اجماعا
منقولا من جماعة منهم المصنف ره والشهيدان لعموم
خبر الساباطي الاتي الدال على
تنجس كل شئ بملاقاة النجاسة ، واطلاق النصوص
الواردة ( 1 ) في نجاسة المرق
ونحوه بملاقاة النجاسة ، اذ مقتضى اطلاقها عدم الفرق
بين القليل والكثير .
...........................................................
( 1 ) الوسائل - باب 5 - من
ابواب الماء المضاف .
[ ولايجوز رفع الحدث به ]
ولكن الحكم بعدم تنجس المضاف
كله إذا كان كثيرا بان كان مقدار ألف كر
مثلا ولاقى احد اطرافه مع
النجاسة ، لايخلو من قوة ، لان ثبوت الاجماع في الفرض
ممنوع ، والخبر انما يدل على
نجاسة خصوص موضع الملاقاة وما تسري إليه النجاسة ،
والسراية في الفرض غير ظاهرة ،
بل عدمها ثابت عرفا .
وما ورد ( 1 ) في المرق إذا
وقعت فيها نجاسة كالفأرة لايشمل الكثير الملاقي مع
النجاسة باحد اطرافه .
( ولايجوز رفع الحدث به ) كما هو
المشهور ، وتشهد له الآية الشريفة * ( وان
لم تجدوا ماء فيتمموا صعيدا
طيبا ) * ( 2 ) وجملة من النصوص : كخبر أبي بصير عن
الامام الصادق ( عليه السلام )
: في الرجل معه اللبن ايتوضأ منها للصلاة ؟ قال ( عليه
السلام ) : لا انما هو الماء
الصيعد ( 3 ) . ونحوه غيره ، مضافا إلى انه مما يقتضيه الاصل كما
لايخفى .
وعن الصدوق : جواز الوضوء
والغسل بماء الورد ، واستدل له بخبر يونس عن
أبي الحسن ( عليه السلام ) قلت
له : الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة ؟ قال
( عليه السلام ) : لا بأس بذلك
( 4 ) . ولكن يرد عليه : ان الخبر لو سلم صحة سنده
لايعتمد عليه لاعراض الاصحاب
عنه ، وقد ادعى الاجماع على خلافه جملة من
الاعاظم ، مضافا إلى انه من
المحتمل ان يكون الورد ( بكسر الواو ) أي ما يورد منه
الدواب ، وعليه فهو اجنبي عن
المقام .
............................................................
( 1 ) الوسائل - باب 5 - من
ابواب الماء المضاف .
( 2 ) المائدة آية 9 .
( 3 ) الوسائل - باب 1 - من
ابواب الماء المضاف حديث 1 .
( 4 ) الوسائل - باب 3 - من
ابوب الماء المضاف حديث 1 .
[ . . . ]
وعن ابن أبي عقيل : مطهريته من
الحدث في حال الاضطرار ، والذي يمكن ان
يستدل به له امور :
الاول : قاعدة الميسور ، وفيه
مضافا إلى ما حققناه في محله من عدم جريانها في
امثال المقام ، انها انما تكون
حجة إذا لم يعين الشارع الوظيفة عند عدم القدرة على
اتيان المأمور به ، وفي المقام بحسب
تعيين الشارع تكون الوظيفة عند فقد الماء التيمم .
الثاني : الرواية ( 1 ) الواردة
في الورد تنزيلا لها على صورة الاضطرار ، وهو كما
ترى .
الثالث : ما في ذيل رواية ( 2 )
ابن المغيرة المروية عن بعض الصادقين في التوضي
باللبن ان لم يقدر على الماء
وكان نبيذ : فأني سمعت حريزا يذكر في حديث ان النبي
( صلى الله عليه وآله ) قد توضأ
بنبيذ ولم يقدر على الماء .
وفيه : مضافا إلى ان ظاهر نسبة
المعصوم إلى حديث ذكره حريز أنه ( عليه
السلام ) لم يكن يراه جائزا أو
انه ( عليه السلام ) اشار بذلك إلى ما رواه بعض عنه
( عليه السلام ) ، وإلى ما
سيأتي في محله من نجاسة النبيذ أنه يحتمل ان يكون المراد من
النبيذ الماء الذي نبذ فيه بعض
التمرات غير المغيرة لاسمه كما ورد ( 3 ) في الحديث انه
بهذا المعنى حلال وطهور ، وهو
الذي كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتوضأ منه .
وبما ذكرناه ظهر فساد ما عن أبي
حنيفة من جواز الوضوء بنبيذ التمر عند
عدم الماء ، كما ظهر فساد ما عن
الاوزاعي من جواز التوضي بسائر الانبذة .
......................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 3 - من
ابواب الماء المضاف حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 2 - من
ابواب الماء المضاف حديث 1 .
( 3 ) الوسائل - باب 2 - من
ابواب الماء المضاف حديث 2 .
[ ولا الخبث وان كان طاهرا ]
( ولا ) يجوز ازالة ( الخبث )
به ايضا ( وان كان طاهرا ) ، أما طهارته فللاصل ،
وأما عدم مطهريته من الخبث فهو
المشهور بين الاصحاب .
ويدل عليه مضافا إلى انه مما
يقتضيه الاصل ، النصوص الكثيرة الواردة في
الموارد المتفرقة مثل قوله (
عليه السلام ) ( 1 ) : لايجزي من البول إلا الماء . ونحوه غيره .
وبالجملة : التتبع في الاخبار
يوجب القطع بان الغسل لابد وان يكون بالماء ،
وان ذلك كان مغروسا في إذهان
السائلين عنهم ( عليهم السلام ) مفروغا عنه عندهم ،
مضافا إلى انصراف المطلقات
الامرة بالغسل إليه كما لايخفى .
وعن المفيد قدس سره والمرتضى
رحمه الله : جواز رفع الخبث به ، واحتج السيد
على ما نقل عنه بوجوه : منها :
ان الغرض من الطهارة ازالة عين النجاسة وهي تحصل
بالمايعات .
وفيه : انه بعد فرض تسليم تأثير
النجاسة في الملاقي ، وحصول الاثر فيه سواء
كان واقعيا أو اعتباريا ، بما
انه لايعلم انه بأي شئ يزول فلابد من اتباع الدليل ، وقد
عرفت انه لادليل على زواله بغير
الماء ، بل الدليل يدل على عدمه ، وان رجع كلامه
قدس سره إلى عدم تأثير النجاسة
في الملاقي فستعرف ما فيه .
ومنها : دعوى الاجماع ، وهو كما
ترى .
ومنها : خبر غياث بن ابراهيم عن
الامام الصادق ( عليه السلام ) عن أبيه عن
علي ( عليه السلام ) قال :
لابأس ان يغسل الدم بالبصاق ( 2 ) .
....................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب احكام الخلوة حديث 6 .
( 2 ) الوسائل - باب 4 - من
ابواب الماء المضاف حديث 2 .
[ . . . ]
وفيه : مضافا إلى ما ذكره
المحقق رحمه الله في المعتبر من ان غياثا تبري ضعيف
الرواية ولايعمل على ما يتفرد
به ، ان الاصحاب اعرضوا عنه ولم يعملوا به ، مع ان مفاده
اخص من المدعي .
ودعوى عدم الفصل ، مندفعة بما
رواه الكليني مرسلا من انه لايغسل بالريق
شئ إلا الدم ( 1 ) .
ومنها : خبر حكم بن حكيم الصيرفي
قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : ابول
فلا اصيب الماء وقد اصاب يدي شئ
من البول فامسحه بالحائط والتراب ثم تعرق
يدي فامسح وجهي او بعض جسدي او
يصيب ثوبي ، قال : لا بأس ( 2 ) .
وفيه أولا : انه اجنبي عن
المقام ، لان مورد السؤال والجواب فيه ليس هو موضع
اصابة البول ، بل مالاقاه بعد
ازالة العين ، فهو مما يدل على عدم المتنجس ، وثانيا : لو
سلم ان السؤال انما يكون عن ذلك
الموضع ، فيتعين طرحه لان التراب لايكون مطهرا
باتفاق منا ومن الخصم .
ومنها : اطلاق الامر بالغسل من
النجاسة في كثير من الاخبار .
وفيه : اولا : انه لو لم يكن
الغسل بالماء مأخوذا في مفهوم الغسل ، فلا ريب في
انصرافه إليه ، وثانيا : انه لو
سلم الاطلاق يقيد بما عرفت من الاخبار الدالة على
اعتبار ذلك في حصول الطهارة
فتدبر .
وعن صاحب المفاتيح رحمه الله :
التفصيل بين الموارد التي فيها الامر بالغسل ،
فيعتبر أن يكون بالماء وغيرها ،
فيكفي زوال العين ولو بالغسل بالماء المضاف ، والذي
يظهر من كلامه : ان مراده عدم
كون النجاسات منجسة لجميع الاشياء ، وأما على
........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 6 - من
ابواب الماء المضاف حديث 3 .
(
2 ) الوسائل - باب 6 - من ابواب النجاسات حديث 1 .
[ . . . ]
فرض التنجيس فيعترف بلزوم ان
يكون بالماء .
وفيه : ان ذلك مخالف للقاعدة
المسلمة المغروسة في اذهان المتشرعة وهي : ان
النجس يوجب تنجس ملاقيه ،
الثابتة بالاجماع والاخبار ، حيث ان المتتبع للنصوص
الواردة في الموارد الخاصة
كالبول والمني وغيرهما لايشك في ان نجاسة ملاقي
النجاسات كانت من الامور
المفروغ عنها عند السائلين والائمة ( عليهم
السلام ) ، ويشهد لثبوتها مضافا
إلى ذلك خبر عمار الساباطي عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) : عن رجل يجد في انائه
فارة وقد توضأ من ذلك الاناء مرارا أو اغتسل منه
أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة
متسلخة ، فقال : ان كان رآها - إلى ان قال - فعليه ان
يغسل ثيابه ويغسل كل ما اصابه
ذلك الماء ( 1 ) . ودلالة قوله : ويغسل كل ما اصابه على
تنجس كل شئ بملاقاة النجاسة
واضحة .
وما عن معاوية بن شريح : انه
سأل عذافر أبا عبد الله ( عليه السلام ) وأنا
عنده عن سؤر السنور - إلى ان
قال - قلت له : الكلب ؟ قال : لا ، قلت : اليس هو
سبع ؟ قال : لا والله انه نجس (
2 ) . حيث ان تعليل الحكم بالاجتناب عن سؤر الكلب
بانه نجس يدل بعمومه على تنجس
كل شئ به كما لايخفى .
إذا
شك في مايع انه مضاف أو مطلق
فروع ، الاول إذا شك في مائع
انه مضاف أو مطلق ، فتارة يعلم الحالة السابقة
واخرى لايعلم ، فان علم حالته
السابقة اخذ بها كانت هي الاطلاق او الاضافة
...................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 4 - من
ابواب الماء المطلق حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 3 - من
ابواب الاسئار حديث 6 .
[ . . . ]
للاستصحاب ، من غير فرق بين ان
يكون الشك بنحو الشبهة الموضوعية أو بنحو
الشبهة المفهومية ، كان شك في
حدود المفهوم على نحو يوجب الشك في صدقه على
المورد بناء على ما هو الحق من
جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية ، وأما بناء
على عدم جريانه فيها فحكمه حكم
مالم يعلم حالته السابقة .
وما ذكره بعض الاعاظم من جريان
استصحاب الحكم السابق كاستصحاب
كونه مطهرا إذا كان مطلقا ، أو
استصحاب انفعاله بالملاقاة إذا علم انه كان مضافا ،
مخدوش لعدم جريان استصحاب الحكم
في مثله للشك في بقاء الموضوع .
وان لم يعلم الحالة السابقة
لايحكم عليه بالاطلاق ، فلا يرفع الحدث والخبث
لاستصحاب بقائها بعد استعماله ،
فهل ينجس بملاقاة النجاسة ان كان بقدر الكر أم
لا ؟ وجهان : اقواهما الاول
لاستصحاب العدم الازلي ( أي اصالة عدم اتصاف المايع
الخارجي بالمائية ) فان الصحيح
جريان هذا الاصل ، فيترتب عليه نجاسته بملاقاة
النجس ولو كان بقدر الكر . ثم
أنه قد استدل للمختار بوجوه اخر :
منها : ان المستفاد من الادلة
اقتضاء الملاقاة للانفعال ، وان الكر من الماء مانع
عنه ، فمع الشك في المانع يرجع
إلى اصالة عدم .
وفيه : ان ذلك يتوقف على تمامية
قاعدة المقتضى والمانع ، ولانقول بها ، مضافا إلى
انه لو تمت القاعدة فانما هي
فيما لو كان الشك في وجود المانع لافي ما شك في مانعية
الموجود كما في المقام .
ومنها : ما عن المحقق النائيني
رحمه الله من ان تعليق الحكم الترخيصي سواء
كان تكليفيا أو وضعيا على امر
وجودي بالالتزام العرفي يدل على اناطته باحراز ذلك
الامر ودخالة الاحراز في
الموضوع ، فاذا لم يحرز المائية لايشمله قوله ( عليه السلام ) :
الماء إذا بلغ قدر كر لاينجسه
شئ . فيكون مشمولا لما دل على تنجس كل شئ
[ . . . ]
بالملاقاة .
وفيه : انه لم يثبت لنا ان تكون
هناك قاعدة عقلائية ظاهرية تقتضي ذلك ، نعم
قد يقتضي الاصل انتفاء الامر
المنوط به الجواز ، وهذا غير ما ادعاه رحمه الله .
وبالجملة : إذا لم يؤخذ العلم
في لسان الدليل دخيلا في الموضوع ، لايكون الحكم
منوطا به ، من غير فرق بين
الحكم الترخيصي والالزامي .
ومنها : ان مقتضى العمومات تنجس
كل شئ بالملاقاة إلا الماء الكر ، فمع
الشك في المائية يشك في المصداق
، والمرجع في الشبهة المصداقية هو العموم .
وفيه ان المحقق في محله عدم
جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، نعم
من يقول بالجواز كبعض الاساطين
رحمهم الله على ما يظهر من فتاويه لابد له من
القول في المقام بالنجاسة ،
فحكمه قدس سره بالطهارة اشتباه منه .
الثاني : إذا القى المضاف في كر
فخرج من الاطلاق إلى الاضافة تنجس ان
صار مضافا قبل الاستهلاك ، لانه
يصير مضافا ملاقيا للنجس في زمان ، فينجس فيه ،
وبعد نجاسته لايفيد الاستهلاك
بل يكون من قبيل اخراج النجس بعد تنجسه .
وأما ان حصل الاستهلاك والاضافة
دفعة - على فرض امكانه - فلا يحكم
بنجاسته ، فالكلام يقع في جهتين
: الاولى : في بيان معقولية هذا الفرض ، الثانية : في
بيان حكمه .
أما الجهة الاولى : فعن جماعة
من المحققين : عدم معقوليته ، إذ الاستهلاك ملازم
لكونه مطلقا ، وانعدم الممزوج
بالماء حينئذ فلا يمكن ان يكون مع ذلك مضافا ، لانه
ملازم لبقائه بنحو يوجب سلب اسم
الماء ، وهل هذا إلا اجتماع النقيضين ، وبعبارة
اخرى : كونه مضافا عبارة عن
غلبة المضاف ، وهذا لايجتمع مع مغلوبيته بنحو
[ . . . ]
يصدق الاستهلاك .
وفيه : انه يمكن ان يتصور تأثير
شئ في الماء بان يخرجه عن المائية مع انعدام
نفسه ، كما يشاهد ذلك فيما
يخالط الماء ويوجب انجماده وصيرورته ثلجا ، فانه يؤثر في الماء
ويخرجه عن المائية ، مع انعدام
نفسه واستهلاكه .
وعليه فيمكن ان يخالط ذلك الشئ
اولا مع النجس ، ثم يلقى في الماء فيوجب
ذلك انجماد الماء مع استهلاكه .
وبذلك ظهر معقولية ان يصير الماء مضافا بعد القاء
المضاف النجس ، ثم يستهلك النجس
فيه .
وأما الجهة الثانية : فالاقوى
عدم تنجسه إلا إذا تغير الماء باحد الاوصاف
الثلاثة ، أما إذا تغير فلما مر
من ان التغير يوجب النجاسة ، وأما إذا لم يتغير ،
فللاستصحاب وقاعدة الطهارة ،
وذلك لانه بما ان اضافة الماء انما تكون متأخرة عن
الملاقاة ففي ظرف الملاقاة
لايكون الماء مضافا حتى ينجس ، وحينما يصير مضافا بما
ان النجس مستهلك في ذلك الزمان
فالمضاف لايلاقي مع النجس . وبعبارة اخرى :
حين الملاقاة لايكون مضافا ،
وحين الاضافة لايكون ملاقيا مع النجس ، فلا وجه
للحكم بنجاسته .
ومما ذكرناه ظهر حكم ما لو صار
مستهلكا ثم صار مضافا ، فان الحكم بطهارة
الماء في هذا الفرض واضح .
الثالث : إذا انحصر الماء في
مضاف مخلوط بالطين ، ففي ضيق الوقت يتيمم بلا
خلاف ، بخلاف ما إذا كان في سعة
الوقت فانه يجب عليه ان يصبر حتى يصفر ثم
يتوضأ ، لا لما ذكره بعض
الاساطين من صدق الوجدان مع السعة دون الضيق ، بل
لصدق عدم الوجدان مع الضيق دون
السعة .
توضيح ذلك : ان الصلاة المأمور
بها انما هي الكلي الطبيعي على نحو صرف
[ مسائل : الاولى : الماء
المستعمل في رفع الحدث طاهر ومطهر . ]
الوجود ، وبعبارة اخرى : ان
المأمور به هو طبيعي الصلاة في مجموع الوقت ، والشارع
انما جعل الطهارة المائية شرطا
لهذا المأمور به مع امكانها ، ومع عدمه جعل التيمم
بدلالها ، وعليه فالمستفاد من
الادلة ان الشرط هو الطهارة المائية مع الوجدان ولو في
جزء من الوقت ، ومع عدم الوجدان
في مجموع الوقت ينتقل التكليف إلى التيمم .
( مسائل : الاولى : الماء
المستعمل في رفع الحدث طاهر ومطهر ) أما المستعمل
في الوضوء فللاصل ، وعموم مادل
( 1 ) على ان الماء طاهر ومطهر ، وخصوص خبر ابن
سنان الاتي .
وعن الشهيد والمفيد : انه يستحب
التنزه عنه ، ولعل الوجه فيه ان مورد الحكم
حرمة أو كراهة هو المستعمل في
رفع الحدث الاكبر ، وحيث ان الحدث الاكبر في غير
الجنابة - على قول - يرتفع
بمجموع الغسل والوضوء ، فحينئذ يشمل اطلاق بعض
النصوص وضوء ذلك المحدث ، فيثبت
في غيره بعدم الفصل . وهذا الوجه وان لم يكن
تاما إلا انه لا بأس بجعله
مدركا للاستحباب .
ومنه ظهر حكم المستعمل في
الاغسال المندوبة ، وعن ظاهر المقنعة : استحباب
التنزه عنه ، وعن حبل المتين
الاستدلال له . بما في الكافي عن محمد بن علي بن جعفر
عن الامام الرضا ( عليه السلام
) قال : من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه
فاصابه الجذام فلا يلومن إلا
نفسه ( 2 ) . بدعوى ان اطلاقه يشمل الواجب والمندوب ،
........................................................
( 1 ) الوسائل - باب 1 - من
ابواب الماء المطلق .
( 2 ) الوسائل - باب 11 - من
ابواب الماء المضاف حديث 2 .
[ . . . ]
ولكن ذيل الخبر ينفي هذا
الاطلاق ، واظن ان نظر المفيد رحمه الله إلى اطلاق قوله
( عليه السلام ) في خبر ابن
سنان الاتي واشباهه بناء على عطفها على الضمير
المجرور .
وأما المستعل في رفع الحدث
الاكبر مع طهارة البدن ، فالظاهر أن طهارته
موضوع اتفاق الاصحاب كالنصوص .
وأما رفعه للخبث ، فهو المشهور
، وعن ظاهر المقنعة والوسيلة وموضع من
المبسوط والتهذيب : العدم ،
والذي يمكن ان يستدل به لهذا القول توهم عموم التوضي
في خبر ابن سنان الاتي لمطلق
التطهير ، ولو من الخبث ، اذ لم تثبت الحقيقة الشرعية
في غير لفظ الوضوء من مشتقات
هذه المادة ، ولكن الخبر لايدل على المنع كما ستعرف ،
مع انه لو دل لاختص بغير رفع
الخبث . بقرينة صدره وذيله .
وأما جواز استعماله في رفع
الحدث فهو المشهور بين المتأخرين على ما نسب
اليهم ، وعن المصنف رحمه الله
والسيدين وغيرهم : اختاره ، وحكي عن المقنعة
والصدوقين وابني حمزة والبراج :
العدم ، واستدل له بروايات منها : رواية أحمد بن هلال
عن الحسن بن محبوب عن عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
لابأس بان يتوضأ بالماء
المستعمل ، فقال : الماء الذي يغسل به الثوب او يغتسل به
الرجل من الجنابة لايجوز ان
يتوضأ منه واشباهه ، وأما الذي يتوضأ الرجل به فيغسل
به وجهه ويده في شئ نظيف فلا
بأس ان يأخذه غيره ويتوضأ به ( 1 ) . بدعوى ان
الظاهر عطف واشباهه على الضمير
المجرور ، فيدل على المنع من الوضوء بكل
مستعمل في رفع الاكبر ولو كان غير
الجنابة .
ونوقش فيها بضعف السند لاشتماله
على احمد بن هلال العبرتائي الملعون
.......................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب الماء المضاف حديث 13 .
[ . . . ]
المذموم كما عن الكشي ، والذي رجع
عن التشيع إلى النصب كما عن سعد بن عبد الله
الاشعري .
وبالجملة : قد اكثروا في الطعن
عليه برميه بالغلو تارة ، وبالنصب اخرى .
وفيه : انه بما ان الراوي عنه
بواسطة الحسن بن علي سعد بن عبد الله ، وهو
ممن طعن عليه مع شدة اهتمامه
بترك رواية المخالفين ، وان احمد انما روى عن ابن
محبوب ، وعن ابن الغصائري : انه
لم يتوقف في روايته عن ابن أبي عمير وابن محبوب ،
فالخبر موثوق الصدور ، ولايعتبر
في الحجية ازيد من ذلك . هذا كله مضافا إلى اعتماد
القميين والمشايخ الثلاثة عليه
، فالرواية من حيث السند لااشكال فيها .
وأما من حيث الدلالة : فنوقش
فيها باحتمال ارادة ازالة الوسخ من غسل
الثوب لا النجاسة ، فالنهي
محمول على مطلق المرجوحية ، فلا يدل على الحرمة .
وفيه : ان الظاهر ارادة الغسل
الشرعي ، وليس هو إلا الغسل لازالة النجاسة .
ولكن يرد على الاستدلال بها :
ان الظاهر بقرينة النصوص الواردة في كيفية
غسل الجنابة ، ورود الخبر مورد
الغالب من اشتمال بدن الجنب على النجاسة ، ويشهد
له - مضافا إلى ذلك - قوله (
عليه السلام ) في صدر الخبر : لابأس بان يتوضأ بالماء
المستعمل ، وقوله ( عليه السلام
) في ذيله : فيغسل به وجهه ويده في شئ نظيف فلا
بأس .
فالذي يظهر لي من هذه الرواية
بعد ملاحظة تلك القرائن : انه ( عليه السلام )
بين اولا : ان الماء المستعمل
من حيث انه مستعمل لابأس باستعماله ثانيا في رفع الخبث
والحدث ما لم تضم إليه حهة اخرى
موجبة للنجاسة كغسل الثوب النجس به واغتسال
الجنب منه ، وإلا فلا يجوز لذلك
، وأما ما لم تنضم إليه هذه الجهة ، كما لو توضأ مع طهارة
الموضع في شئ نظيف فلا بأس به ،
وتخصيص الوضوء بالذكر لعله يكون لرد
[ . . . ]
المبتدعين القائلين بنجاسة مائه
. وعلى هذا فالرواية لاطلاق ما في صدرها تدل على
جواز استعمال الماء المستعمل في
رفع الاكبر في رفع الحدث ، ولاتدل على المنع .
ومن ما ذكرناه ظهر انه لايصح
الاستدلال لهذا القول بما ورد ( 1 ) من النهي عن
الاغتسال بغسالة الحمام ، معللا
بان فيها غسالة الجنب ، فان الظاهر منه ان المنع انما
يكون لاجل النجاسة .
ومنها : صحيح محمد بن مسلم عن
احدهما ( عليهما السلام ) : سألته عن ماء
الحمام ، فقال ( عليه السلام )
: ادخله بازار ولاتغتسل من ماء اخر إلا ان يكون فيه جنب
أو يكثر اهله فلا يدري فيهم جنب
أم لا ( 2 ) . بدعوى انه يدل على عدم لزوم الاغتسال
من ماء آخر إلا مع وجود الجنب
فيه ، واستعماله الماء ولو كان رفع الحدث بالماء المستعمل
جائزا لم يكن وجه للزوم
الاغتسال من ماء آخر .
وفيه : انه لايمكن حمل النهي في
الخبر على الحرمة من غير فرق بين ارادة ما في
الخزانة من الماء ، وبين ارادة
ما في الحياض الصغار الذي هو بمنزلة الماء الجاري ، لجواز
الاغتسال منه إذا كان كرا كما
هو الغالب باتفاق النص والفتوى على ماستعرف ،
مضافا إلى ان المتعارف بين
الناس الاغتسال حول الحياض الصغار لافيه ، والرشحات
التي تنضح فيها حال الغسل لاتضر
قطعا كما سيمر عليك ، مع معارضته بروايات اخر
دالة على جواز الاغتسال منه في
الفرض ، وانه لايجب الاغتسال من ماء آخر ، مع ان
مناط النهي لو كان استعماله في
غسل الجنابة كان اللازم تخصيصه بالعلم لاتعميمه لما
إذا احتمل ذلك ايضا . ولهذه
الجهات لابد من حمل الخبر على ماء الخزانة المتعارفة في
زماننا ، وحمل النهي على
الكراهة ، أو حمله على ما إذا كان الجنب في الحمام مشغولا
.............................................................
( 1) الوسائل - باب 11 - من
ابواب الماء المضاف .
( 2 ) والوسائل - باب 7 - من
ابواب الماء المطلق حديث 5 .
[ . . . ]
بالاغتسال ، ولاجل اشتمال بدنه على
النجاسة يوجب نجاسة من اجتمع معه حول
الحوض الصغير الذي كان اخذ
الماء منه متعارفا في تلك الازمنة ، فيتعذر أو يتعسر
حصول الغسل الصحيح ، فيتعين حمل
النهي على الارشاد .
ومنها : صحيح ابن مسكان : حدثني
صاحب لي ثقة : انه سأل أبا عبد الله ( عليه
السلام ) عن الرجل ينتهي إلى
الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل وليس معه
اناء والماء في وهادة ، فان هو
اغتسل رجع غسله في الماء ، كيف يصنع ؟ قال ( عليه
السلام ) : ينضح كفا بين يديه ،
وكفا من خلفه ، وكفا عن شماله ، ثم يغتسل ( 1 ) . بدعوى
ان ظاهره كون محذور رجوع الغسل
في الماء ، عدم صحة الغسل به
وفيه : ان المحذور الذي قرره (
عليه السلام ) يحتمل ان يكون كراهة الاستعمال
لا الحرمة ، مع ان نضح الاكف
لايمنع من رجوع الماء ، فالامر بالغسل على الاطلاق
يدل علي الجواز وان رجع إليه
الماء ، ولعل نضح الاكف بالكيفية الخاصة يكون من
آداب الغسل والوضوء من الماء
القليل ، وكيف كان فهذا الخبر ايضا على خلاف
مطلوبهم ادل .
واشكل من الجميع الاستدلال لهذا
القول بصحيح ابن مسلم عن ابي عبد الله
( ع ) : عن الماء تبول فيه
الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب ، قال ( ع ) اذا
كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ (
2 ) ، اذا الظاهر منه نجاسة الماء القليل اذا اغتسل
فيه الجنب ، فلا بد من حمله على
ما اذا كان بدنه نجسا .
فتحصل مما ذكرناه : عدم تمامية
شئ مما استدل به على المنع ، بل بعض تلك
الادلة يدل على الجواز ، ويشهد
له - مضافا إلى ذلك وإلى الاصل - صحيح ابن جعفر
.......................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 10 - من
ابواب الماء المضاف حديث 2 .
( 2 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب الماء المطلق حديث 1 .
[ الثانية : المستعمل في إزالة
النجاسة نجس سواء تغير بالنجاسة أو لم
يتغير عدا ماء الاستنجاء ]
عن أخيه الوارد في الرجل يصيب
الماء في ساقية أو مستنقع ايغتسل منه للجنابة أو
يتوضأ منه للصلاة ؟ قال ( عليه
السلام ) في ذيله : وان كان في مكان واحد وهو قليل
لايكفيه لغسله فلا عليه ان
يغتسل ويرجع الماء فيه ، فان ذلك يجزيه ( 1 ) .
ودلالة هذه الرواية على الجواز
في صورة عدم وجدان غيره واضحة ، والظاهر
دلالتها على الجواز حتى في صورة
وجود غيره ، لان الماء الذي يغسل به الراس ويرجع
إلى الساقية مما يكفي في تحصيل
مسمى الغسل لجميع البدن ، فالمراد من عدم الكفاية
عدمها إذا اغتسل به على نحو
الصب على الاعضاء على ما هو المتعارف ، فيدل على
جواز الاغتسال به حتى بعد رجوع
الماء في الساقية أو المستنقع . وبه ترفع اليد عن
ظاهر ما استدل به على المنع على
تقدير ظهوره فيه ، فيحمل على صورة نجاسة بدن
الجنب ، أو يحمل على الكراهة ،
فالاقوى جواز استعماله في رفع الحدث .
( الثانية ) : الماء ( المستعمل
في ازالة النجاسة نجس سواء تغير بالنجاسة أو
لم يتغير عدا ماء الاستنجاء )
فهاهنا مقامان :
الاول : في ماء الاستنجاء :
والظاهر ان موزد الكلام هو ما يشمل الاستنجاء من
البول ، ولايختص بالاستنجاء من
الغائط كما صرح به جماعة .
ويشهد له : تعميم الفقهاء الحكم
له ، وهو يشهد بعموم معناه ، ويساعده العرف
في زماننا ، مضافا إلى قضاء
العادة بندرة انفراد الغائط عن البول ، وعدم انفكاك ماء
.......................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 10 - من ابواب الماء المضاف حديث 1 .
[ . . . ]
الاستنجاء من الغائط عن ماء
الاستنجاء من البول إلا نادرا ، فيكون الدليل المطلق
الوارد في مقام بيان الحكم
ظاهرا في طهارتهما ، فتثبت طهارة ماء الاستنجاء من البول
وحده بعدم الفصل القطعي .
وكيف كان : فهو مع الشروط
الاتية طاهر كما صرح به جماعة ، وعن بعض
آخر : أنه لاينجس الثوب ، وعن
ثالث : انه معفو عنه ، وعن رابع : أنه لابأس به ، ونقل
الاجماع على كل واحد من
التعبيرات إلا الثالث .
والاقوى : انه لايستفاد من
النصوص ازيد من طهارة ملاقيه وعدم تنجسه به ،
لاحظ مصححة محمد بن نعمان : قلت
لابي عبد الله ( عليه السلام ) : اخرج من الخلاء
فاستنجي بالماء فيقع ثوبي في
ذلك الماء الذي استنجيت به ، فقال ( عليه السلام ) :
لابأس به ( 1 ) . ونحوها مصححته
الاخرى ( 2 ) ، فان الظاهر رجوع الضمير إلى الثوب
ونفي الباس عنه بقول مطلق عبارة
اخرى عن طهارته ، واصرح منهما . صحيح عبد
الكريم بن عتبة الهاشمي : سألت
أبا عبد الله عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي
استنجى به اينجس ذل ثوبه ؟ فقال
( عليه السلام ) : لا ( 3 ) .
وأما رواية العلل عن يونس عن
رجل عن الغزار عن الاحول انه قال لابي
عبد الله ( عليه السلام ) - في
حديث : الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى
به ، فقال ( عليه السلام ) :
لابأس به ، او تدرى لم صار لابأس به ؟ قال : قلت : لا والله ،
فقال ( عليه السلام ) : ان
الماء اكثر من القذر ( 4 ) . الظاهرة بقرينة التعليل في طهارة الماء ،
فيرد عليها - مضافا إلى ارساله
وان كان المرسل يونس بن عبد الرحمن ، والى ان
........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 13 - من
ابواب الماء المضاف حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 13 - من
ابواب الماء المضاف حديث 4 .
( 3 ) الوسائل - باب 13 - من
ابواب الماء المضاف حديث 5 .
( 4 ) الوسائل - باب 13 - من
ابواب الماء المضاف حديث 2 .
[ . . . ]
الغزار مجهول - ان التعدي عن
مورد التعليل لايمكن لما تقدم من انفعال الماء القليل ،
وعدم التعدي يوجب البناء على
اجمالها ، ومعه لايمكن الاستدلال بظاهرها ، فلا يستفاد
من النصوص طهارة الماء ، فعموم
ما دل على انفعال الماء القليل هو المحكم .
وبعض المعاصرين بعد اعترافه
بعدم دلالة النصوص على طهارة الماء استدل
عليها : بانها تستفاد بالملازمة
العرفية بين طهارة ملاقي الشئ وطارته ، كالملازمة بين
نجاسة الملاقي ونجاسته ، وبها
يخصص ما يدل على انفعال القليل .
وفيه : ان هذه القاعدة ساقطة في
المقام قطعا لان الامر يدور بين كون الماء
نجسا وملاقيه طاهرا ، أو كون
القذر المستنجا منه كذلك ، وليس الثاني اولى .
وما ذكره المحقق الهمداني رحمه
الله : من ان الالتزام بنجاسة الماء مستلزم
للتصرف في جميع الادلة الدالة
على عدم جواز استعمال الماء النجس في المأكول
والمشروب والوضوء والصلاة
وغيرها ، وهذا بخلاف الالتزام بطهارة الماء ، فانه لايستلزم
إلا التصرف في عموم انفعال الماء
القليل ، ولاريب في ان الثاني اهون ، غير سديد ،
لانه لم يدل دليل على جواز
استعمال ماء الاستنجاء فيما تشترط فيه الطهارة ، وعلى
فرض ثبوته بما ان اصالة العموم
في تلك العمومات ساقطة لايمكن الاستدلال بها أما
للتخصص او للتخصيص ، فتبقى
اصالة العموم في ما يدل على انفعال القليل سليمة
عن المعارض .
وبما ذكرناه ظهر الجواب عما
اورد على ما ذكرناه بانه للعلم الاجمالي بسقوط
قاعدة نجاسة ملاقي المتنجس
للعلم بتخصيصها ، أما بالنسبة إلى ملاقي الماء بناء على
نجاسته ، أو بالنسبة إلى نفس
الماء الملاقي للنجس بناء على طهارته ، لامورد
للاستدلال بعموم ما دل على
انفعال الماء القليل ، فيرجع إلى اصالة الطهارة ، اذ يرد
عليه : ان اصالة العموم في
القاعدة بالنسبة إلى ملاقي ماء الاستنجاء ساقطة أما
[ . . . ]
للتخصيص أو للتخصص ، فيكون
الاصل بالنسبة إلى الماء الملاقي للنجس بلا
معارض .
فتحصل : ان الاقوى - بحسب
الادلة - هو نجاسة ماء الاستنجاء ، وعدم
منجسيته لملاقيه ، ولعل هذا هو
المراد من العفو في كلام بعضهم ، والمراد من ( لابأس
به ) في كلام آخرين ، والله
العالم .
وعلى ما ذكرناه : فمقتضى
القاعدة عدم جواز رفع الحدث والخبث به ، وعدم
جواز استعماله في الوضوء والغسل
المندوبين ، واما بناء على طهارة ماء الاستنجاء
فمقتضى القاعدة جواز الجميع إلا
ان يثبت الاجماع على عدم جواز رفع الحدث بما
تزال به النجاسة مطلقا كما
اعترف به جماعة ، او يتعدى عن مورد خبر ابن سنان
المتقدم في المستعمل في رفع
الحدث الاكبر الدال على المنع ، ولو بناء على نجاسة
الغسالة .
المقام الثاني : في المستعمل في
رفع الخبث - غير ماء الاستنجاء - وفي طهارته
ونجاسته خلاف ، وهو انما يكون
بعد البناء على انفعال الماء القليل ، أما بناء على عدم
الانفعال فلا محيص عن القول
بالطهارة ، وبذلك يظهر ان نسبة كاشف الالتباس :
القول بالطهارة إلى شيوخ المذهب
كالسيد والشيخ وابني ادريس وحمزة وابن أبي
عقيل ، في غير محلها ، أذ
العماني لايقول بانفعال القليل ، وعن السيد وابن ادريس :
عدم انفعاله إذا كان واردا
مطلقا ، واما الشيخ قدس سره فقد اختلفت كلماته المحكية
في كتبه ، فعن مبسوطه : القول
بالنجاسة .
وكيف كان : ففي المسألة اقوال
متكثرة باعتبار ظاهر كلمات العلماء ، فالمهم
[ . . . ]
تحقيق المطلب .
اقول : الاقوى انه نجس ، اما
نجاسة الغسلة المزيلة فهو المشهور بين
المتأخرين ، ويدل عليه عموم ما
دل على انفعال الماء القليل بالملاقاة من دون فرق بين
ورود الماء على النجس أو العكس
المتقدم .
والمناقشة في مثل قوله ( عليه
السلام ) : إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ .
الذي هو مما يدل على انفعال
القليل بعدم العموم لمفهومه بدعوى ان نقيض السالبة
الكلية الموجبة الجزئية
والمتيقن منه غير الفرض في غير محلها ، اذ هذه الدعوى وان
كانت تامة كما عرفت ، إلا انها
لاتقدح في الاستدلال به للمقام ، اذ محل الحاجة في المقام
ليس عموم لفظ الشئ ، بل عموم
الحكم لجميع انحاء الملاقاة من ورود الماء على
النجس ، والعكس والوارد المستعمل
في الازالة وغيره ، فانا نأخذ بالنجاسة التي يعترف
الخصم بانفعال القليل بملاقاتها
، فالمفهوم يدل على نجاسة ذلك الماء بالملاقاة معها
بأي كيفية كانت ، إذ العرف
لايفهم من مثل هذا الدليل إلا ان الملاقاة - من غير
فرق بين انحائها - سبب للنجاسة
، ولذا لايشك احد من المتشرعة في انه لايفرق في
حصولها بين ان تكون الملاقاة من
فوقه او تحته أو احد جانبيه ، وكذلك لايشكون في
عدم الفرق فيه بين الدواعي
والاغراض في الملاقاة بان يكون الغرض منها ازالة
النجاسه او عدمها .
وبالجملة : بعد التأمل لايبقى
مورد للترديد في العموم المذكور .
وبما ذكرناه ظهر انه لاحاجة إلى
التشبث بعموم لفظ ( الماء ) بعد تسليم عدم
عموم الشئ في المفهوم كما وقع
من بعض الاكابر ، فانه وان كان هذا تاما - لو كان
اختلاف التلاقي موجبا لتعدد
افراد الماء - إلا انه ليس كذلك كما لايخفى .
وبذلك يظهر صحة الاستدلال للحكم
في المقام بجميع ما دل على انفعال
[ . . . ]
القليل كما لايخفى .
ومما يدل على النجاسة رواية
العيص بن القاسم المروية في الخلاف : سألته عن
رجل اصابته قطرة من طشت فيه
وضوء ، فقال ( عليه السلام ) : ان كان من بول او قذر
فيغسل ما اصابه ، وان كان وضوء
الصلاة فلا بأس ( 1 ) .
والطعن في السند في جهة انها
مرسلة ورويت في كتب الفقهاء عن العيص
من دون ذكر الطريق ولاتكون
مذكورة في كتب الحديث ، في غير محله ، لان الظاهر
من رواية الشيخ عن العيص
وجدانها في كتابه ، وطريق الشيخ إليه حسن معتبر .
فان قلت : ان هذا الظهور ليس على
نحو يحصل الوثوق به ، لاحتمال ان يكون
الشيخ رواها من غير كتابه .
قلت : بما ان الشيخ ذكرها في
مقام الاستدلال واعتمد عليها ، فهذا كاشف عن
صحة سندها لديه ، وهذا المقدار
كاف في دخول الخبر في موضوع الحجية كما لايخفى .
كما ان الطعن في الدلالة بحملها
على الطشت الذي يكون فيه عين البول
والقذر ، يدفعه الاطلاق .
وقد استدل لها برواية ابن سنان
المتقدمة في بحث الماء المستعمل في رفع الاكبر
الدالة على عدم جواز استعمال
الغسالة في الوضوء والغسل .
وفيه : ان ذلك اعم من النجاسة ،
ولذا التزم به القائل بالطهارة ، ومثله في
الاشكال الاستدلال لها . بموثق
عمار الوارد في الكوز والاناء يكون قذرا كيف يغسل
وكم مرة يغسل ؟ قال ( عليه
السلام ) : يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه
ثم يفرغ ثم يصب . . . الخ ( 2 )
.
.......................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب الماء المضاف حديث 14 .
( 2 ) الوسائل - باب 53 - من
ابواب النجاسات .
[ . . . ]
اذ يرد عليه : انه يحتمل ان
يكون الامر بالافراغ ارشادا إلى اعتبار انفصال
الغسالة في التطهير لاجل
النجاسة ، ثم ان ما ذكرناه وان كان في الغسلة المزيلة ، إلا
انه تدل تلك الادلة على نجاسة
الغسالة في غيرها ايضا بناء على تنجيس المتنجس .
وقد استدل على الطهارة : بالاصل
، وبان القول بالنجاسة يؤدي إلي ان الثوب
وغيره لايطهر إلا بايراد كر
عليه ، وذلك يشق وينافي ضرورة المذهب ، فلابد من القول
بعدم انفعال الغسالة ، وبخبر
عمر بن يزيد : قلت لابي عبد الله : اغتسل في مغتسل
يبال فيه ويغتسل من الجنابة
فيقع في الاناء ما ينزو من الارض ، فقال ( عليه السلام ) :
لابأس به ( 1 ) . وبما ورد ( 2
) من تطهير النبي ( صلى الله عليه وآله ) المسجد من بول
الاعرابي بالقاء ذنوب من الماء
، وبالتعليل المتقدم في ماء الاستنجاء ، وبما ورد في
صحيح ( 3 ) الاحول قلت لابي عبد
عبد الله ( عليه السلام ) : استنجي ثم يقع ثوبي فيه
وانا جنب ، فقال ( عليه السلام
) : لابأس به . بناء على انه ظاهر في الاستنجاء من المني ،
وبما ( 4 ) ورد في غسالة الحمام
التي لاتنفك غالبا عن الماء المستعمل في ازالة النجاسة من
نفيه ( عليه السلام ) الباس
عنها .
وفي الكل نظر : اما الاصل :
فلانه يرجع إليه مع عدم الدليل ، وقد عرفت
ما يدل على النجاسة .
واما ما ذكر من ان النجس لايطهر
، ففيه : انه ان اريد بذلك انه تعتبر طهارة
الماء المطهر قبل الغسل فهو مما
لاريب فيه نصا وفتوى ، إلا انه لاينافي تنجسه بعد
.....................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب الماء المضاف حديث 7 .
( 2 ) سنن البيهقي ج 2 - ص 428
.
( 3 ) الوسائل - باب 13 - من
ابواب الماء المضاف حديث 4 .
( 4 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب الماء المضاف .
[ . . . ]
الملاقاة ، وان اريد اعتبار
طهارته حتى بعد الغسل فهو مما لم يدل عليه دليل ، ودعوى
الاجماع على اعتبارها كما ترى ،
والاخبار الدالة على عدم جواز الانتفاع بالمايعات
النجسة ونظائرها انما تدل على
عدم جواز الانتفاع بما يكون نجسا قبل الانتفاع ،
واما مايصير نجسا بعد الانتفاع
فتلك الاخبار لاتشمله .
فان قلت : انه لاريب في ان كل
نجس منجس فلا يكون مطهرا .
قلت : هذه القاعدة مخصصة في
المقام قطعا سواء التزمنا بعدم انفعال القليل أو
انفعاله وعدم منجسيته للمحل ،
والالتزام بالاول ليس باولى من العكس ، بل الثاني
اولى ، لان ما تأثر من شئ يمتنع
تأثيره فيه بمثل الاثر الموجود ، بل بحسب الاعتبار
يؤثر فيه خلافه بنقل ما فيه إلى
نفسه ، مضافا إلى ان اصالة العموم بالنسبة إلى الماء
ساقطة أما للتخصيص او للتخصص
بخلاف قاعدة انفعال القليل ، فانه يشك في
تخصيصها فيرجع فيها إلى اصالة
العموم وعدم التخصيص .
وأما خبر ابن يزيد : فقد طعن
فيه بعض المعاصرين بضعف السند ، ولم اروجها
له إلا كون معلى بن محمد في
الطريق وهو ضعيف ، ولكنه يرد عليه : انه لكونه من
مشايخ الاجازة تكون رواياته
موثقات .
إلا انه لايدل على هذا القول اذ
يحتمل ان يكون مورد السؤال صورة الشك
في اصابة القطرة الموضع الذي
اصابه البول لاصورة العلم بذلك ، ويؤيده ظهوره في
نجاسة ما اغتسل به من الجنابة ،
مضافا إلى انه لو تمت دلالته لدل على عدم نجاسة
القطرة الملاقية مع النجس غير
المستقرة معه ، وهي غير ما نحن فيه .
وأما رواية الذنوب : فهي على ما
عن المعتبر : رواية أبي هريرة ، وهي عندنا
ضعيفة الطريق .
واما التعليل المتقدم في
الاستنجاء : فقد عرفت في محله انه لايمكن التعدي عن
[ . . . ]
مورده فراجع .
وأما صحيح الاحول : فمضافا إلى
انه اخص من المدعي ، ظاهره الاستنجاء
من البول والغائط في حال
الجنابة ، اذ الظاهر ان السائل تخيل دخلها في اختلاف حكم
الاستنجاء .
وأما رواية الغسالة : فلو حملت
على الغالب من عدم خلو الماء المجتمع عن
وجود المستعمل في ازالة الاخباث
فيه ، لدلت على طهارته مع ملاقاة نجس العين ، فان
التعليل في كثير من الاخبار
الناهية باغتسال اصناف الكفار ظاهر في عدم الانفكاك
او كون الغالب ذلك ، وهو مما
لايلتزم به المستدل ، لان الكلام في المقام بعد الفراغ عن
انفعال الماء القليل ، فلا محيص
عن الحمل اما على الغسالة التي وقع الخلاف في حكمها
وهي ما لم يعلم نجاسته ، أو على
المياه المجتمعة المتصلة بالمادة ولو بجريان الماء اليها
من الحياض الصغار كما تؤيده
طائفة من الاخبار ، ودعوى العسر والحرج من الحكم
بنجاستها كما ترى .
وقد استدل لطهارة خصوص الغسلة
المطهرة : بان الماء الباقي بعد الانفصال
طاهر بلا كلام ، فلو كان طاهرا
قبل انفصال ما ينفصل لزم اختلاف حكم الماء الواحد ،
والالزم طهارة الماء بدون مطهر
، وبان الماء في الغسلة المطهرة مزيل للنجاسة وغالب
عليها ، فلا يكون مغلوبا .
وفيهما نظر : أما الاول : فيرد
عليه : اولا : ان اصالة العموم في القاعدة المزبورة
ساقطة عن الحجية اما للتخصيص او
للتخصص ، واما قاعدة انفعال القليل فيشك في
تخصيصها فيرجع فيه إلى اصالة
العموم وعدم التخصيص .
ودعوى استبعاد تخصيص القاعدة
المذكورة ، كما ترى ، اذ هو الموافق للمرتكز
العرفي في قذاراتهم كما لايخفى
.
[ . . . ]
وثانيا : ان الباقي يخرج عن
الجزئية بالانفصال ويتبع المغسول في الحكم كما
يدل عليه الاجماع ، ويساعده
العرف والاعتبار ، فما ذكره بعض الاعاظم من ان التبعية
ليست من المطهرات ضعيف .
وأما الثاني : فيرد عليه مضافا
إلى ما اوردناه اولا : على الوجه الاول : ان الماء
في الغسلة المطهرة يحمل القذارة
عن المحل وينقلها إلى نفسه فهو يصير نجسا والمحل
طاهرا ، وهذا هو الموافق
للمرتكز العرفي ، وتدل عليه الادلة .
فظهر مما ذكرناه : ان القول
بالنجاسة في جميع الغسلات اقوى بحسب الادلة
والله سبحانه اعلم .
ثم ان هناك نزاعين آخرين :
احدهما : انه على القول بالطهارة هل هي على
سبيل العفو بمعنى الطهارة دون
الطهورية ، او تكون طاهرة ومطهرة من الحدث
والخبث ، او تكون رافعة للخبث
دون الحدث ؟ وجوه واقوال : اقواها الاول ، اذ يدل على
عدم رافعيتها للحدث - مضافا إلى
الاجماع - خبر ابن سنان المتقدم في ماء
الاستنجاء ، وعلى عدم رافعيتها
للخبث - مضافا إلى ما قيل من ان القول برفع الخبث
بها دون الحدث خرق للاجماع
المركب - موثق عمار الوارد في كيفية تطهير الاناء
والكوز المتقدم في صدر المسألة
، فان امره ( عليه السلام ) بافراغ الماء وصب ماء آخر
فيه يدل على انه لايزيل الخبث ،
، وإلا لامكن غسل الاناء ثلاث مرات بماء واحد .
ثانيهما : انه على تقدير القول
بالنجاسة فهل هي كالمحل قبل الغسل فيجب
التعدد فيما وحب فيه ذلك ولو
كانت من الاخيرة ، او هي كالمحل بعد تلك الغسلة
فتنقص كلما ينقص ، أو يكفي فيها
مطلق الغسل ؟ وجوه واقوال : اقواها الثاني ، لانه
وان كان مقتضى القاعدة في نجاسة
مالم يرد من الشارع في ازالتها تحديد الغسل حتى
يتيقن بالطهارة ، للاستصحاب ،
فتأمل كما سيمر عليك في محله ، إلا انه لاريب في ضعف
[ . . . ]
النجاسة في الغسلة الثانية وما
بعدها ، اذ الفرع لايزيد على الاصل .
ودعوى كفاية مطلق الغسل لاطلاق
امره ( عليه السلام ) بالغسل في خبر
العيص المتقدم ، مندفعة بانه
لايكون في مقام البيان من هذه الجهة ، وانما هو في مقام
بيان التفصيل بين الغسالة
والماء المستعمل في الوضوء .
الاول : لا اشكال في القطرات
التي تقع في الاناء عند الغسل - كما عن جماعة
التصريح به - بل في كل يسير من
الماء المستعمل الذي يمتزج بما يضمحل فيه
ولايصدق عليه هذا العنوان عرفا
، وليس المراد الاستهلاك حتى يقال انه غير معقول
في المتجانسين ، بل المراد ما
ذكرناه ، والوجه في الجواز في الفرضين عدم شمول ادلة
المانعين له ، وفي خصوص الاول
روايات . كصحيحة ( 1 ) الفضيل عن ابي عبد الله ( عليه
السلام ) في الرجل الجنب يغتسل
فينضح من الماء في الاناء ، فقال ( عليه السلام ) :
لاباس ما جعل عليكم في الدين من
حرج . ونحوها غيرها .
ودعوى ان غاية ما تدل عليه هذه
النصوص الطهارة ، مندفعة بان الظاهر من
السؤال الاغتسال مما في الاناء
، مضافا إلى ان الغالب في التقاطر كونه في اول الغسل ،
وعدم التنبيه على عدم جواز
الاغتسال به يدل على الجواز ، مضافا إلى ان مقتضى
اطلاق نفي البأس هي الطهارة
والمطهرية .
وأما ما احتمله الشيخ الاعظم
قدس سره من الجواز مع تساوي المستعمل
وغيره بدعوى ظهور الدليل في
انحصار الغسل به ، فضعيف ، لان الظاهر من الدليل
......................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب الماء المضاف حديث 1 .
[ . . . ]
النهي عن استعماله في الغسل ،
فيشمل صورة ضميمة غيره معه .
الثاني : يشترط في طهارة ماء
الاستنجاء امور :
1)
عدم تغيره في
احد الاوصاف الثلاثة ، وعن غير واحد : دعوى الاجماع
عليه لما دل على نجاسة المتغير
، والنسبة بينه وبين ما دل على طهارة ماء الاستنجاء وان
كانت عموما من وجه إلا انه يقدم
( 1 ) لظهوره ما دل على الطهارة في طهارته من حيث
الملاقاة لامطلقا ، مع انه لو
سلم اطلاقه حمله على ذلك - لاسيما مع ملاحظة نجاسة
الكر والجاري والمطر - اسهل من
حمل ما يدل على النجاسة على غيره ، مضافا إلى ان
التعليل في خبر الاحول المتقدم
كالنص في الاختصاص بغير المتغير ، اذ المراد من
اكثرية الماء من القذر استهلاكه
له وعدم ظهور اثره فيه .
هذا كله بناء على القول بنجاسته
وعدم منجسيته لملاقيه ، وحيث ان ما يدل على
نجاسة ملاقي الماء المتغير هو
ما يدل بعمومه على نجاسة ملاقي كل نجس ، فالنسبة
بينه وبين ما يدل على عدم الباس
بماء الاستنجاء عموم مطلق ، ولكن مع ذلك اشتراط
الشرط المزبور قوي للتعليل
ولظهور نصوص المقام في عدم منجسيته من حيث
الملاقاة لا مطلقا .
2)
عدم وصول
نجاسة إليه من الخارج لعدم تعرض نصوص المقام لهذه
الجهة ، فيرجع إلى عموم دليل
نجاسة ملاقي النجس ، أو عموم ما دل على انفعال الماء
القليل على اختلاف المسلكين .
ومنه يظهر وجه اعتبار الشرائط الثلاثة الاخر وهي :
............................................................................................
( 1 ) بل لانه يرجع إلى اخبار
الترجيح والمرجح الاول وهو الشهرة له - منه .
[ . . . ]
عدم التعدي الفاحش ، وان لايخرج
معه نجاسة اخرى مثل الدم ، وان لايكون فيه
الاجزاء من الغائط بحيث تتميز .
الفرع الثالث : إذا خرج مع
الغائط دود أو جزء غغير منهضم من الغذاء ، ففي
طهارة الشيخ الاغظم رحمه الله :
النجاسة ، وقواها صاحب الجواهر ، والمحقق الهمداني
قوى الطهارة .
واستدل لها : بان هذه الاشياء
بنظر العرف لايكون لها اثر مستقل ، مضافا إلى
غلبة حدوثها ، وترك التفصيل في
النصوص والفتاوى .
وفيه : منع الغلبة في الامزجة
الصحيحة ، وعدم ترتب اثر مستقل عليها بنظر
العرف ، وعدم كونها بنظرهم من
الخصوصيات المصنفة لماء الاستنجاء ، مع فرض دلالة
الادلة الشرعية على النجاسة ،
لايعتنى به لعدم كون الاحكام الشرعية منوطة
بنظرهم . هذا بناء على طهارة
ماء الاستنجاء ، واما بناء على نجاسته وعدم منجسيته ،
فكذلك لاختصاص الادلة بالماء
المتمحض في الملاقاة مع النجاسة الخاصة ، والمتنجس
بها كالنجس الاجنبي لايكون
مشمولا لهذه الادلة ، وعدم التنبيه على حكمها في
النصوص كعدم التنبيه على حكم
الدم الخارج مع احدهما ، فالاقوى اعتبار عدم
خروج هذه الاشياء مع الغائط في
الحكم المترتب على ماء الاستنجاء .
الفرع الرابع : إذا خرج الغائط
من غير المخرج الطبيعي ففيه وجوه : كونه
كالطبيعي مطلقا ، وكون حكمه حكم
سائر النجاسات كذلك ، والتفصيل بين الاعتياد
فكالطبيعي ، وبين عدمه فحكمه
حكم النجاسات الاخر . اقواها الاخير اذا الاستنجاء
بحسب المتفاهم العرفي : عبارة
عن غسل موضع النجو ، ولايصدق هذا العنوان مع
كون خروجه بمحض الاتفاق ، بل
يعتبر كونه معدا لذلك . نعم لايفرق بين ان يكون
الاعداد اصليا كالمخرج الطبيعي
، وبين ان يكون عرضيا كغيره مع الاعتياد .
[ . . . ]
الفرع الخامس : إذا شك في ماء
انه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر
النجاسات ، فقد يتوهم انه يحكم
عليه بالطهارة للاستصحاب ، ولكن القوى لزوم
الاجتناب ، لان الجمع بين ما دل
على انفعال القليل مطلقا ، وبين ما دل على طهارة ماء
الاستنجاء او عدم منجسيته ،
يقتضي ان يكون موضوع حكم العام القليل الملاقي
للنجس الذي ليس بماء الاستنجاء
، وحيث ان جزء من الموضوع وهو الملاقاة وجداني ،
والاخر وهو عدم كونه ماء
الاستنجاء مورد اللاستصحاب ، فمع ضم الوجدان بالاصل
يحرز موضوع الانفعال فيحكم به .
ويجب ايضا الاجتناب ، على بعض
المباني كالبناء على ان اناطة الحكم
الترخيصي على امر وجودي تقتضي
احرازه ، ومع الشك فيه يبني علي عدمه ، وكالبناء
على التمسك بالعام في الشبهة
المصداقية وتمامية قاعدة المقتضى والمانع ، ولكن عرفت
عدم تمامية شئ من هذه المباني
فلا نعيد .
الفرع السادس : إذا اغتسل في كر
كخزانة الحمام ، او استنجى فيه ، لايصدق
عليه غسالة الحدث الاكبر او
غسالة الاستنجاء ، اما عدم صدق الاولى فمما لاريب
فيه ، وفي الجواهر : الظاهر ان
النزاع مخصوص في المستعمل اذا كان قليلا ، وأما لو كان
كثيرا فلا .
واستدل الشيخ الاعظم رحمه الله
له باختصاص خبر ابن سنان الذي هو
المستند للمنع بما يغتسل به ،
وهو القليل لافيه .
وفيه : انه على هذا لابد من
التفصيل بين ما لو كان الاغتسال بالصب على
المحل ولو كان كثيرا ، وبين ما
لو كان بالارتماس ولو كان قليلا ، فيمنع في الاول دون
الثاني ، وهو مما لايمكن
الالتزام به ، بل الظاهر شمول الرواية لهما ، و ( الباء ) تكون
للاستعانة ، ولكن على فرض
تمامية دلالة خبر ابن سنان على المنع ، لابد من الخروج
[ الثالثة ، غسالة الحمام نجسة
مالم يعلم خلوها من النجاسة ]
عنه في الكثير لصحيح ( 1 )
صفوان : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الحياض التي
بين مكة والمدينة تردها السباع
وتلغ فيها الكلاب وتشرب منها الحمير ويغتسل فيها
الجنب ويتوضأ منها ، قال ( عليه
السلام ) : كم قدر الماء ؟ قال : إلى نصف الساق وإلى
الركبة ، فقال ( عليه السلام )
: توضأ منه .
( الثالثة : غسالة الحمام ) مع
العلم بملاقاتها مع النجاسة ( نجسة ) ان لم تكن
كرا ، بلا خلاف كما انه لاكلام
في الطهارة مع العلم بعدم الملاقاة ، انما الخلاف في ( ما )
إذا ( لم يعلم خلوها من النجاسة
) فعن جماعة منهم المصنف رحمه الله في جملة من كتبه :
الحكم بالنجاسة ، وعن المحقق
الكركي : انه المشهور وعن جماعة اخرين منهم
الصدوقان والمحقق : المنع من
جواز التطهير والغسل بها ، وعن الشيخ في النهاية : المنع
من استعمالها مطلقا ، وعن
المصنف في المنتهى ، وجامع المقاصد والمعالم وغيرها : الطهارة
والمطهرية .
واستدل للقول الاول بجملة من
النصوص : كخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد
الله ( عليه السلام ) : لايغتسل
من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام ، فان فيها غسالة
ولد الزنا وهو لايطهر إلى سبعة
اباء ، وفيها غسالة الناصب وهو شرهما ( 2 ) وموثقة الاخر
عنه ( عليه السلام ) : واياك ان
تغتسل من غسالة الحمام ، ففيها تجتمع غسالة اليهودي
......................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب الماء المطلق حديث 12 .
( 2 ) الوسائل - باب 11 - من
ابواب الماء المضاف حديث 4 .
[ . . . ]
والنصراني والمجوسي والناصب لنا
أهل البيت وهو شرهم ( 1 ) .
وفي خبر حمزة بن احمد عن أبي
الحسن الاول ( عليه السلام ) : لاتغتسل من
البئر التي يجتمع فيها ماء
الحمام ، فانه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا
والناصب لنا اهل البيت وهو شرهم
( 2 ) . ونحوها غيرها .
وفيه : ان النهي عن الاغتسال
اعم من النجاسة ، لاسيما بملاحظة اشتمالها على
التعليل بملاقاتها لما ليس ينجس
كولد الزنا .
ودعوى انه ينافيه ذكر الناصب
واليهودي والنصراني والمجوسي فيها ، مندفعة
بان المراد من التعليل ليس صورة
العلم بوجود غسالتهم في البئر ، فانه حينئذ لاشبهة
في النجاسة ، وقد عرفت خروج هذه
الصورة عن مورد الكلام ، بل المراد احتمال
وجودها أو الظن به ، وعدم
النجاسة في الفرض واضح ، وعليه فلا ينافي حمل النهي على
ارادة عدم جواز التطهير بها .
وأما ما ذكر بعض الاجلة في الجواب
عن هذه الدعوى من امكان طهارة الماء
المجتمع لاتصاله بما يجري عليه
من ارض الحمام المتصل بما في الحياض المتصل بالمادة ،
فهو كما ترى .
هذا كله مضافا إلى معارضتها
بالنصوص الدالة على الطهارة كمرسل أبي يحيى
والواسطي عن أبي الحسن الماضي (
عليه السلام ) : سئل عن مجتمع الماء في الحمام من
غسالة الناس يصيب الثوب قال (
عليه السلام ) : لابأس ( 3 ) .
وصحيح محمد بن مسلم : قلت لابي
عبد الله ( عليه السلام ) : الحمام يغتسل فيه
........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من
ابواب الماء المضاف حديث 5 .
( 2 ) الوسائل - باب 11 - من
ابواب الماء المطلق حديث 1 .
( 3 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب الماء المضاف حديث 9 .
[ الرابعة الماء النجس لايجوز
استعماله في الطهارة ولا ازالة النجاسة ]
الجنب وغيره اغتسل من مائه ؟
قال ( عليه السلام ) : نعم لابأس ان يغتسل فيه الجنب ،
ولقد اغتسلت فيه ثم خرجت فغسلت
رجلي وما غسلتها إلا لما لزق بها من التراب ( 1 ) .
والموثق رأيت أبا جعفر ( عليه
السلام ) يخرج من الحمام فيمضي كما هو لايغسل
رجليه حتى يصلي ( 2 ) .
ودعوى ان مورد نصوص المسألة هو
البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام ، والحاق
المياه المنحدرة في سطح الحمام
التي هي مورد الخبرين الاخيرين بها لا دليل عليه ،
فالاستدلال بهما في المقام مما
لاوجه له ، مندفعة بان تلك الآبار انما كانت معدة لاجتماع
المياه التي تجري من ارض الحمام
التي يغتسل عليها ، فحكم سطح الحمام حكم تلك
فان قلت : لعل عدم غسل رجله (
عليه السلام ) كان لاجل حصول الطهارة
من المشي على الارض .
قلت : ينافي ذلك قوله ( عليه
السلام ) في الصحيح : وما غسلتها إلا لما . . . الخ .
فتحصل مما ذكرناه : ان الاقوى
هو الطهارة وعدم صحة الاغتسال منها .
( الرابعة : الماء النجس لايجوز
استعماله في الطهارة ولا ازالة النجاسة )
اجماعا ويشهد له ما دل على
اعتبار الطهارة في المطهر من الحدث والخبث
......................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب الماء المضاف حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 7 - من
ابواب الماء المطلق حديث 3 .
[ ولا الشرب إلا مع الضرورة . ]
( ولا الشرب ) اجماعا نصا وفتوى
( إلا مع الضرورة ) بلا خلاف في جوازه حينئذ ،
ويشهد له ما دل على رفع ( 1 )
ما اضطروا إليه ، وادلة نفي الضرر وغيرهما .
فروع :
الاول : هل يجوز سقيه للحيوانات
ام لا ؟ وجهان ، ما استدل به او يمكن ان
يستدل به على عدم جواز سقيه
للحيوان امران :
1)
ما دل على
عدم جواز الانتفاع بالمتنجس الا ما خرج بالدليل ، وحيث لم
يدل دليل على الجواز في المقام
، فمقتضى القاعدة هو العدم ، وهي الايات والروايات ،
اما الايات : فمنها قوله تعالى
* ( انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من
عمل الشيطان فاجتنبوه ) * ( 2 )
حيث دل بمقتضى التفريع على لزوم اجتناب كل رجس .
وفيه : انه لو سلم كون المراد
من الرجس هو القذر ، فالظاهر منه ما كان كذلك
في ذاته لا ما عرض له ذلك ،
فيختص بالاعيان النجسة ، مع انه يمكن ان يكون المراد
منه العمل القبيح كما هو احد
معانيه ، ويؤيد ارادة هذا المعنى قوله تعالى * ( من عمل
الشيطان ) * أي من مبتدعاته ،
إذ المايع المتنجس إذا تنجس لايكون من اعمال
الشيطان . ومما ذكرناه ظهر
الجواب عن الاستدلال بقوله تعالى والرجز فاهجر ( 3 ) بناء
على ان المراد بالرجز هو الرجس
، مع انه يحتمل ان يكون المراد منه عبادة الاوثان
كما هي احدى معانيه .
واضعف منهما الاستدلال بآية ( 4
) تحريم الخبائث بدعوى كون كل متنجس خبيثا ،
..........................................................
( 1 ) الوسائل - باب 56 - من
ابواب جهاد النفس .
( 2 ) سورة المائدة 92 .
( 3 ) سورة المدثر آية 6 .
( 4 ) سورة الاعراف آية 157 .
[ . . . ]
والتحريم المطلق يدل على عموم
الانتفاع ، اذ فيه ان الظاهر منها حرمة الاكل كما
لايخفى .
وأما الروايات : فمنها
1)
رواية تحف (
1 ) العقول وفيها تعليل النهي عن بيع
وجوه النجس بحرمة اكله وشربه
وامساكه وجميع التقلب فيه .
وفيه : بعد تسليم صحة السند ،
مع انها محل الاشكال ، ان الظاهر كون المراد
من وجه النجس هو العنوان ،
والشئ المتنجس لايكون عنوانا للنجاسة ، وملاقي
النجس ليس من عناوينها في مقابل
سائر العناوين .
ومنها ما دل ( 2 ) على الامر
باهراق المايعات المتنجسة .
وفيه : ان الامر بطرحها انما
يكون لاجل ان منفعتها المعتد بها عرفا والمطلوبة
منها هو الاكل ، فيكون هذا الامر
كناية عن عدم الانتفاع بها في الاكل خاصة ، ويؤيده
ان مما امرنا بطرحه الدهن
والزيت ، مع انه يجوز الاستصباح بهما بلا كلام ، فالمراد
طرحها من ظرف اعد للاكل .
فتحصل مما ذكرناه : ان ما ذهب
إليه جماعة من القدماء كالشيخين والسيدين
والحلي وغيرهم من عدم جواز الانتفاع
بالمتنجس مطلقا ، ضعيف لا دليل عليه .
فالاقوى وفاقا لاكثر المتأخرين
: جوازه إلا ما خرج بالدليل ، ومقتضى هذا
جواز السقي للحيوانات .
2)
خبر أبي بصير
عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : عن البهيمة البقرة
وغيرها تسقى وتطعم ما لايحل
للمسلم اكله او شربه ايكره ذلك ؟ قال ( عليه السلام ) :
.......................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 2 - من
ابواب ما يكتسب به حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 8 - من
ابواب الماء المطلق .
[ . . . ]
نعم يكره ذلك ( 1 ) . ونحوه خبر
( 2 ) غياث .
وفيه : ان ظاهره الجواز على
كراهية ، ويؤيد الجواز ما دل على الامر باطعام المرق
المتنجس الكلب .
فتحصل : ان الاقوى جواز سقيه
للحيوانات .
الفرع الثاني : الاقوى جواز
سقيه للاطفال للعموم والاصل ، واستدل للعدم :
بما ورد ( 3 ) من النهي عن سقي
المسكر لهم ، وبان ما دل على حرمة شرب الماء
النجس عام للصبي ، فيدل على
وجود المفسدة فيه ، وحديث ( 4 ) رفع القلم ناف للالزام
والاستحقاق ولايكون مخصصا له
فسقيه ايقاع له في المفسدة فيحرم .
ولكن يرد على الاول : انه حيث
يحتمل خصوصية للمسكر فلا يمكن استفادة
حكم المقام منه .
وعلى الثاني : ان حديث الرفع
انما يدل على رفع التكليف ، فيكون مخصصا
للعمومات ، ومعه لا كاشف عن
وجود المفسدة مع انه لم يدل دليل على حرمة ايقاع
الصبي في مثل هذه المفسدة .
الفرع الثالث : الاقوى جواز
بيعه لانه إذا كان له منفعة محللة يدل على صحة
بيعه عموم ادلة صحة البيع ، وما
يدل على وجوب الوفاء بالعقود ، واستصحاب الحكم
...................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 10 - من
ابواب الاشربة المحرمة .
( 2 ) الوسائل - باب 10 - من
ابواب الاشربة المحرمة .
( 3 ) الوسائل - باب 10 - من
ابواب الاشربة المحرمة .
( 4 ) الوسائل - باب 4 - من
ابواب مقدمة العبادات حديث 10 .
[ . . . ]
قبل التنجس وقوله ( عليه السلام
) في رواية تحف العقول المتقدمة :
ان كل شئ يكون لهم فيه الصلاح
من جهة من الجهات فذلك كله حلال .
وأما قوله تعالى * ( فاجتنبوه )
* وقوله * ( والرجز فاهجر ) * فقد عرفت انهما
لايدلان على عدم جواز الانتفاع
به ، فضلا عن حرمة بيعه .
ومنه يظهر عدم دلالة النهي في
رواية تحف العقول عن بيع شئ من وجوه
النجس على هذا القول لتعليله
فيها بحرمة الانتفاع .
واما النبوي ( 1 ) : إذا حرم
الله شيئا حرم ثمنه . فظاهره بقرينة حذف المتعلق
الحرمة المؤدية إلى سلب المنفعة
لامطلقا .
ثم انه هل يجب الاعلام ام لا ؟
وجهان ، قد استدل الشيخ الاعظم الانصاري
قدس سره لوجوب الاعلام بان تركه
تسبيب إلى فعل الحرام كمن قدم إلى غيره
طعاما حراما فهو فاعل للحرام
وفعل الحرام يستند إليه ، لان استناد الفعل إلى السبب
اقوى ولذا يستقر الضمان على
السبب دون المباشر الجاهل .
وفيه : انه لم يدل دليل على
حرمة التسبيب كلية ، والفعل لايستند إلى السبب
حقيقة مع وساطة اختيار المختار
، ولايقال : انه شرب الماء النجس وهو الفاعل له ،
واستقرار الضمان على السبب ليس
لاجل شمول من اتلف له ، بل انما يكون لاجل
قاعدة الغرور .
فالاولى الاستدلال لوجوب
الاعلام : بان تركه مستلزم للتسبيب إلى وجود
مبغوض الشارع في الخارج إذا
شربه وهو قبيح بحكم العقلاء ، إلا ترى انه لو نام
المولى ونهى عبيده عن الدخول في
الدار ، فكما ان دخول العبد قبيح ، كذلك تسبيبه
..............................................................................
( 1 ) هذا النبوي لا اصل له في
كتب العامة والخاصة انما الموجود
في كتب العامة ان الله إذا حرم على قوم اكل شئ حرم عليهم ثمنه .
[ . . . ]
لدخول الاخر وبالملازمة تستكشف
الحرمة .
وكذا بقول الامام الصادق ( عليه
السلام ) في صحيح معاوية الوارد في الزيت
المتنجس : وبينه لمن اشتراه
ليستصبح به ( 1 ) . حيث انه امر ( عليه السلام ) بالاعلام ،
وبما انه لاترتب بينه وبين
الاستصباح ، مضافا إلى عدم وجوه يقينا ، فلا يكون غاية
للواجب ، لان غاية الواجب واجبة
والا لم يكن الاعلام واجبا ، بل الترتب انما يكون
بين الاعلام وترك الاكل ، ولاجل
انحصار الفائدة فيهما غالبا كان تركه ملازما
للاستصباح ، فالتعليل به انما
يكون عرضيا ، والعلة الحقيقية انما هي ترك الاكل ،
فتكون العلة في وجوب الاعلام
عدم وقوع المشتري في المحرم الواقعي جهلا بتسليط
المالك البايع اياه ، وبما ان
ظاهر الدليل التنبيه على امر عرفي يتعدى عن مورده إلى
غيره ، وعلى هذين الوجهين الذين
ذكرناهما لوجوب الاعلام ، فوجوبه انما يكون
مولويا لا ارشاديا إلى شرطيته
للبيع ، بل على الوجه الذي ذكره العلامة الاكبر قدس
سره يكون كذلك كما لايخفى ،
فترك الاعلام مبغوض لايوجب فساد البيع واستدل
لشرطيته ، لصحة البيع : بانه
لولاه لكان قصد المشتري الانتفاع بالمحرم ، فيكون اكل
الثمن بازائه اكلا للمال بالباطل
، وبقوله ( عليه السلام ) في خبر إسماعيل بن عبد
الخالق : اما الزيت فلا تبعه
إلا ان تبين له فيبتاع للسراج ( 2 ) . فانه ظاهر في فساد البيع
مع عدم الاعلام ، ويتعدى عن
مورده إلى ساير الموارد . لعدم الفصل . وفيهما نظر : اما
الاول : فلان الثمن في البيع
انما يكون في مقابل العين . لا المنفعة ، ومع فرض وجود
المنفعة المحللة يكون مالا ،
ولايكون اكل المال بازائه اكلا للمال بالباطل ، ولذا ذكرنا
في محله ان اشتراط صرف المبيع
في المنفعة المحرمة بنفسه لايكون موجبا لفساد البيع
.......................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 6 - من
ابواب ما يكتسب به حديث 4 .
( 2 ) الوسائل - باب 6 - من
ابواب ما يكتسب به حديث 5 .