في بيان ما يصح التيمم به
) ولا يصح )
التيمم إلا بالارض ، بلا خلاف فيه بيننا ، بل عن كشف اللثام
والمنتهى والسرائر : دعوى الاجماع عليه .
وتشهد له الادلة ، التي سنذكرها وما سيأتي في بعض
المسائل الآتية من جواز
التيمم عند الاضطرار بما لا يصدق عليه اسم الارض كغبار
الثوب والوحل ، لو سلم
عدم صدقها عليهما مع انه محل نظر بل منع كما سيمر عليك
لا ينافي الاجماع على
عدم الجواز في حال الاختيار .
ومنه يظهر عدم قدح ما عن مصباح السيد والاصباح والمراسم
والبيان وغيرها
من جواز التيمم بالثلج عند الاضطرار في الاجماع المدعى
في المقام ، فهذا مما لا كلام
فيه ، انما الكلام والخلاف في انه هل يجوز التيمم بمطلق
وجه الارض كما عن مصباح
السيد ، ومبسوط الشيخ وخلافه ، والمعتبر ، والتذكرة ،
والمختلف ، والذكرى ، والدروس ،
واللمعة ، وجامع المقاصد ، والروض ، والمدارك ، وغيرها ،
بل المشهور تحصيلا ونقلا في
الحدائق والكفاية كما في الجواهر ، بل عن التذكرة : دعوى
الاجماع على جواز التيمم
بالبطحاء الذي هو مسيل فيه دقاق الحصى مع خروجه من مصداق
التراب ، وعن
المنتهى : وفي المعتبر دعوى الاجماع على جوازه بالرمل ؟
] إلا
بالتراب الخالص ]
ام لا يجوز ( إلا بالتراب الخالص ) كما في المتن ، وعن
السيد في شرح الرسالة
وابي علي ، وابي الصلاح الحلبي ، وابن زهرة ؟ ام يفصل
بين حالتي الاختيار والاضطرار
فيمنع من غير التراب في حال الاختيار كما عن اكثر
الفقهاء ، بل عن الوحيد : نسبته
إلى معظمهم إلا من شذ ؟ وجوه :
اقول : قبل الشروع في الاستدلال لا بأس بالتنبيه على امر
وهو : ان الظاهر
ولا اقل من المحتمل انه لا قائل باختصاص ما يصح التيمم
به بالتراب ، وان الجماعة
الذين نسب إليهم هذا القول مطلقا ، او في خصوص حال
الاختيار قائلون بالتعميم ،
اما المصنف ره فلان مراده بالتراب الخالص : مطلق وجه
الارض كما يشهد له قوله
فيما بعد ذلك ويجوز بارض النورة والحجر والجص ، وبكره
بالسبخة والرمل واما
السيد فعبارته المحكية في المعتبر والمدارك عن شرح
الرسالة هكذا : ولا يجزي في
التيمم إلا التراب الخالص ، أي الصافي من مخالطة ما لا
يقع عليه اسم الارض
كالزرنيخ والكحل وانواع المعادن ، وهذه العبارة كما ترى
كالصريحة في ان مراده
بالتراب الخالص : الاحتراز عما لا يقع عليه اسم الارض ،
لا مثل الحصى وإلا كان
الاولى التمثيل به .
ويشهد له - مضافا إلى ذلك - قوله في محكي الناصريات الذي
يذهب إليه
اصحابنا : ان التيمم لا يكون إلا بالتراب وما جرى مجرى
التراب ما لم يتغير بحيث
يسلب اطلاق اسم الارض - إلى ان قال - حجتنا الاجماع .
وفي المدارك بعد نقل العبارة المتقدمة عن السيد قال :
ونحوه قال المفيد في
المقنعة وابو الصلاح ، وعلى ذلك فلا يبقى وثوق بوجود
قائل بعدم جواز التيمم بغير
التراب مطلقا ، واما القول بالتفصيل الذي نسبه الوحيد
إلى معظم الاصحاب إلا من
شذ فالظاهر ان منشأ النسبة مع تصريح جماعة كثيرة منهم
بجواز التيمم بمطلق وجه
الارض هو حكمهم بعدم جواز التيمم بالحجر إلا بعد العجز
عن التراب .
[ . . . ]
وفيه : انه يمكن ان يكون حكمهم ذلك لبنائهم على اعتبار
العلوق المتعذر
حصوله لدى التيمم بالحجر ، وعلى ذلك فدعوى انه لا خلاف
ظاهرا في جواز التيمم
بمطلق وجه الارض في محلها ، بل لا يبعد دعوى الاجماع
عليه .
وكيف كان فيشهد للمشهور الآية الشريفة ( 1 ) ( فتيمموا
صعيدا طيبا ) اذ
الصعيد اسم لمطلق وجه الارض وذلك لوجوه : الاول : تصريح
جماعة من اللغويين
بذلك ، ففي محكي مصباح المنير : الصعيد وجه الارض ترابا
كان او غيره ، ونحوه ما في
محكي المغرب ، وعن القاموس : الصعيد التراب او وجه الارض
، ونحوه ما عن العين
والمحيط والاساس والمفردات والخليل وابن الاعرابي .
وفي المعتبر : والصعيد هو وجه الارض بالنقل عن فضلاء
اللغة ، وعن المنتهى
والنهاية : نسبته إلى المشهور بينهم ، وعن مجمع البيان
عن الزجاج انه قال : لا اعلم
خلافا بين اهل اللغة في ان الصعيد وجه الارض ، ثم قال :
وهذا يوافق مذهب اصحابنا
في ان التيمم يجوز بالحجر ، وعن البحار : ان الصعيد
يتناول الحجر كما صرح به ائمة
اللغة والتفسير ، وعن الوسيلة : قد فسر كثير من علماء
اللغة الصعيد بوجه الارض ،
وادعى بعضهم الاجماع على ذلك وانه لا يختص بالتراب ،
وكذا جماعة من المفسرين
والفقهاء .
الثاني : قوله تعالى ( 2 ) ( فتصبح صعيدا زلقا ) اي ارضا
ملسة مزلقة .
ومثله قوله ( عليه السلام ) ( 3 ) : يحشر الناس يوم
القيامة عراة حفاة على صعيد
واحد أي ارض واحدة .
……………………...
( 1 ) سورة النساء - آية 46 .
( 2 ) سورة الكهف - آية 38 .
( 3 ) معالم الزلفى ص 145 باب 22 في صفحة المحشر . ( * )
[ . . . ]
الثالث : ما رواه ( 1 ) الصدوق في محكي معاني الاخبار عن
الامام الصادق ( عليه
السلام ) : الصعيد الموضع المرتفع والطيب الموضع الذي
ينحدر عنه الماء . ومثله ما عن
الفقه الرضوي .
الرابع : ما ذكره بعض اعاظم المحققين ره : وهو ان
المتبادر من قوله تعالى
) فتيمموا
صعيدا طيبا ) ارادة القصد الى صعيد طيب بالمضي إلى نحوه لا مجرد
العزم على استعماله ، وهذا المعنى لا يناسب ارادة التراب
الذي هو من المنقولات في
حد ذاته بخلاف ما لو اريد به الارض او المكان المرتفع
منها .
وبذلك كله ظهر انه يدل على هذا القول النصوص الدالة على
جواز التيمم
بالصعيد كصحيح ( 2 ) ابن ابي يعفور وعنبسة عن الامام
الصادق ( عليه السلام ) : اذا
اتيت البئر وانت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به
فتيمم بالصعيد فان رب الماء
هو رب الصعيد . ونحوه صحيحا الحلبي وابن سنان .
ويشهد للمشهور أيضا : النبوي ( 3 ) المروي بعدة طرق :
جعلت لي الارض
مسجدا وطهورا فعن الفقيه مرسلا ( 4 ) قال : قال النبي (
ص ) : اعطيت خمسا لم يعطها
احد قبلي ، جعلت لي الارض مسجدا وطهورا . الحديث . وعن
الخصال ( 5 ) بسنده عن
ابي امامة : قال رسول الله ( ص ) : فضلت باربع : جعلت لي
الارض مسجدا وطهورا ،
وايما رجل من امتي اراد الصلاة ولم يجد ماء ووجد الارض
فقد جعلت له مسجدا
وطهورا . . . الخ ، وعنه ( 6 ) ايضا بسنده عن ابن عباس :
قال رسول الله ( ص ) : اعطيت
خمسا لم يعطها احد قبلي ، جعلت لي الارض مسجدا وطهورا ،
ونصرت بالرعب ،
واحلت لامتي الغنائم . . . الخ . وعن الكافي ( 7 )
باسناده عن ابان بن عثمان ، عمن ذكره ،
…………………………………
( 1 ) تفسير الصافي سورة النساء - آية 46 .
( 2 ) الوسائل - باب 3 - من ابواب التيمم حديث 2 .
( 3 - 4 - 5 - 6 - 7 ) الوسائل - باب 7 - من ابواب التيمم .
[ . . . ]
عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ان الله تبارك
وتعالى اعطى محمدا ( ص ) شرائع
نوح وابراهيم وموسى وعيسى - الى ان قال - وجعل له الارض
مسجدا وطهورا .
والنصوص الدالة على جواز التيمم بالارض على الاطلاق
كصحيح ( 1 ) ابن
سنان عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : اذا لم يجد
الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح
من الارض وليصل . . . الخ ، ونحوه صحيح ( 2 ) الحلبي ،
وصحيحه ( 3 ) الاخر عنه ( عليه
السلام ) : ان رب الماء هو رب الارض ، وصحيح ( 4 ) ابن
مسلم : فان فاتك الماء لم تفتك
الارض .
وجملة من النصوص الواردة في كيفية التيمم المصرح فيها
بضرب كفيه ( ص(
على الارض : منها : ما ورد ( 5 ) في تعليم التيمم لعمار
، والموثق المتقدم فيمن مرت به جنازة
الدال على جواز التيمم بحائط اللبن ، وخبر ( 6 ) السكوني
عن جعفر ( عليه السلام )
عن ابيه عن الامام علي ( عليه السلام ) : انه سئل عن
التيمم بالجص فقال : نعم ،
فقيل : بالنورة ، فقال : نعم : فقيل : بالرماد ، فقال :
لا ، انه ليس يخرج من الارض .
واستدل للقول الثاني : بالآية الشريفة لما عن الجوهري
وابن فارس وابي عبيدة
من تفسير الصعيد بالتراب ، وبالنبوي المتقدم المروي
مرسلا في المعتبر ، وعن الغوالي
عن فخر المحققين ، ومسندا عن الخصال والعلل بتفاوت يسير
: جعلت لي الارض
مسجدا وترابها طهورا ، وبالنبوي المتقدم المروي عن مجالس
المفيد الثاني : جعلت لي
الارض مسجدا وطهورا اينما كنت اتيمم من ترابها ،
وبالنصوص ( 7 ) الامرة بنفض
………………………………………………….
( 1 - 2 ) الوسائل - باب 14 - من
ابواب التيمم حديث 4 و 7 .
( 3 ) الوسائل - باب 3 - من ابواب التيمم حديث 1 .
( 4 ) الوسائل - باب 22 - من ابواب التيمم حديث 1 .
( 5 - 6 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب التيمم .
( 7 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب التيمم . ( * )
[ . . . ]
اليدين بدعوى ان التيمم لو لم يكن مستلزما للعلوق لم
يتوجه رجحان النفض ،
فيستكشف من ذلك أن المراد بما يتيمم به التراب ، وبصحيح
( 1 ) محمد بن
حمران وجميل
ابن دراج جميعا عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) في حديث
: ان الله جعل التراب طهورا
كما جعل الماء طهورا ، ونحوه خبر معاوية بن ميسرة ،
وبصحيح ( 2 ) رفاعة بن موسى
عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) : اذا كانت الارض مبتلة
ليس فيها تراب ولا ماء
فانظر اجف موضع تجده فتيمم منه ، ونحوه غيره بدعوى انه
لو جاز التيمم بالحجر
اختيارا لفرض عدمه كالتراب فانه لا يعتبر فيه الجفاف ،
مع ان ظاهر قوله ( عليه
السلام ) : ليس فيها تراب ، ان الموضوع في حال الاختيار
خصوص التراب ،
وبصحيح ( 3 ) زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) الوارد في بيان ما يمسح في
التيمم
حيث قال ابو جعفر ( عليه السلام ) فيه : فلما ان وضع
الوضوء عمن لم يجد الماء اثبت
بعض الغسل مسحا لانه قال تعالى ( بوجوهكم ) ثم وصل بها (
وايديكم منه ) اي
من ذلك التيمم ، لانه علم ان ذلك اجمع لم يجر على الوجه
، لانه يعلق من ذلك الصعيد
ببعض الكف ولا يعلق ببعضها .
وبهذه الادلة يقيد اطلاق ما دل على جواز التيمم بالارض
على الاطلاق .
وفي الجميع نظر : اما الاول : فلأن قول هؤلاء اللغويين
لا يصلح لمعارضة ما هو
المشهور بينهم لا سيما وعن بعض من فسر الصعيد بالتراب
تفسير التراب بالارض ،
مع ان اللغوي ليس من اهل تعيين المعاني الحقيقية
وتمييزها عن المعاني المجازية ،
والكتب المصنفة في اللغة لم توضع لذلك ، بل اللغوي انما
يذكر موارد استعمال اللفظ
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب
التيمم حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب التيمم حديث 4 .
( 3 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب التيمم حديث 1 .
[ . . . ]
واطلاقة على معنى او معاني ، وعليه فقولهم : الصعيد
هوالتراب ، لا يدل الا على اطلاقه
عليه ، وهذا مما لا كلام فيه ، اذ لا ريب في كونه احد
مصاديقه فيصح اطلاق الصعيد
عليه ، انما الكلام في كونه تمام الموضوع له وهذا لا يدل
عليه ، ويشير إلى ذلك ما عن
مصباح المنير حيث انه بعد ما فسر الصعيد بمطلق وجه الارض
، قال : ويقال : الصعيد
في كلام العرب يطلق على وجوه : على التراب الذي على وجه
الارض ، وعلى الطريق ،
مع ان قول اللغوي لا يصلح لمعارضة النصوص ، وقد عرفت
دلالة بعضها على كون
لصعيد مطلق وجه الارض .
واما ما ذكره بعض الاعاظم : من انه بناء على ما هو
التحقيق من اعمال قواعد
التعارض من الترجيح او التخيير مع اختلاف نقل اللغويين
يتعين الاعتماد على
التفسير الاول لانه اشهر ، ولو بنى على التساوي جاز
الاعتماد عليه ، فهو كما ترى
اذ مضافا إلى ما عرفت من عدم كون اللغوي من أهل تعيين
المعاني الحقيقية كي
يكون قوله حجة من باب حجية قول اهل الخبرة انه لو سلم
ذلك لا وجه لاعمال
قواعد التعارض من التخيير او الترجيح ، ولاختصاص ما دل
على ذلك من النصوص
بتعارض الاخبار ، ولا يعم جميع الحجج الشرعية فالصحيح ما
ذكرناه .
واما الثاني : فلان النبوي المذكور غير حجة لضعف سند ما
تضمنه من
النصوص ، اما المرسلان فللارسال ، واما المسندان فلان جل
رواتهما من العامة ، مع انه
مثبت لا يتنافى مع الاطلاقات المتقدمة كي يقيدها ، ودعوى
انه بمفهومه يدل على عدم
طهورية غير التراب فبمفهومه يقيد الاطلاقات مندفعة بما
ذكره المحقق ( ره ) في
المعتبر بان التمسك به تمسك بدلالة الخطاب ، اي يتوقف
الاستدلال به على حجية
مفهوم الوصف واللقب ولا نقول بها .
واورد في الحدائق عليه : بان الاستدلال به ليس بمفهوم
الخطاب بل من جهة
انه لو كان غير التراب ايضا طهورا كان التقييد به خروجا
عن مقتضى البلاغة التي
[ . . . ]
هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، لان ذكر الارض من غير
تقييد أدخل في الامتنان
الذى سيق الكلام لبيانه .
وفيه اولا : ان هذا البرهان جار في جميع الاوصاف ،
والجواب عنه : انه يمكن
ان يكون القيد مذكورا لنكتة داعية إلى ذكره ، ولاجلها
يخرج الكلام عن اللغوية
والمقام احد تلك الموارد ، ولعل التعبير بالتراب لشيوع
التعبير عن الارض به او غير
ذلك .
وثانيا : ان الاشكال على فرض صحته وارد على كل حال ، اذ
الخصم يعترف
بجواز التيمم بغير التراب عند الضرورة ، وهذا لا يقتضي
تخصيص التراب بالذكر في
مثل هذا الخبر المسوق لبيان طهورية الارض في الجملة ،
ولذا لم يقيدها بما اذا فقد
الماء ، بل يرد الاشكال بعينه على الجملة الاولى بناء
على ان المراد بها مكان الصلاة
لا موضع السجود كما هو الظاهر ، ويشير إليه قوله في ذيل
خبر المعتبر : اينما ادركتني
الصلاة صليت ، اذ تجوز الصلاة في كل مكان ولو لم يكن
ارضا .
وبما ذكرناه يظهر ما في الثالث ، اذ هو ايضا من قبيل
المثبت فلا ينافي الاطلاق ،
واما النصوص الامرة بالنفض فلو سلمنا دلالتها على اعتبار
العلوق - مع انه ستعرف
عدمها - لا تدل على الاختصاص بالتراب لعدم ملازمة العلوق
له ، بل هو ملائم مع
الرمل وسحيق الحجر وغيرهما .
واما الخامس : فهو ايضا من قبيل المثبت فلا يصلح لتقييد
المطلقات .
واما صحيح رفاعة ، فيرد على التقريب الاول للاستدلال به
ان ظاهره اعتبار
اليبوسة فيما يتيمم به حجرا كان او ترابا ، كما عن بعض
المحدثين البناء عليه ، وسيأتي
الكلام فيه .
وعلى التقريب الثاني ، ان قوله : ليس فيها تراب ، تفسير
للمبتلة لا شرط زائد
كما هو واضح .
[ . . . ]
واما صحيح زرارة : فلأنه مضافا إلى ان العلوق لا يلازم
ان يكون ما يتيمم به
ترابا كما عرفت ، انه لا يمكن الاخذ بظاهر التعليل للامر
بالنفض في النصوص ، مع
ان التراب غالبا ما ، يعلق بتمام اليد لا ببعضه ، وعلى
ذلك فيتعين حمله على ارادة تلقين
الاستدلال لزرارة في قبال المخالفين .
فتحصل : ان شيئا مما استدل به على عدم الجواز التيمم
بغير التراب لا يدل
عليه .
واما القول الثالث فقد استدل له : بان مقتضى الآية
والروايات بعد رد بعضها
إلى بعض عدم جواز التيمم بغير التراب ، إلا انه يدل على
الجواز في غير حال الاختيار
الاجماع ، وبان الجمع بين الادلة يقتضي تقييد المطلقات
في حال الاختيار بما دل على
اعتبار كونه بالتراب ، وبقاعدة الاشتغال .
وفي الجميع نظر : اما الاول : فلما عرفت من عدم الدليل
على اعتبار كونه
بالتراب ، مع انه لو ثبت ذلك لا وجه لاعتماد على الاجماع
لعدم كونه تعبديا ، بل
تكون فتواهم مستندة إلى الادلة الدالة على جواز التيمم
بالارض ، فاذا فرض تقييد
اطلاقها بما دل على اعتبار كونه بالتراب فلا يبقى
للاستدلال المزبور مجال .
واما الثاني : فلانه مضافا إلى ما تقدم من عدم الدليل
على اشتراط كونه
بالتراب ، انه لو سلم ذلك لا وجه للبناء على التقييد في
حال دون اخرى ، واما قاعدة
الاشتغال ، فلا مورد لها في المقام بعد دلالة الادلة على
جواز التيمم بمطلق وجه الارض
مطلقا ، مع انه لو سلم اجمال الادلة ، فمع وجود التراب
يشك في اعتبار الخصوصية ،
ومقتضى اصالة البراءة عدم اعتبارها ، واما مع تعذره فيشك
في وجوب الصلاة بناء على
عدم وجوب الصلاة على فاقد الطهورين ، او في اشتراطها
بالتيمم بغير التراب ،
فالمرجع هو اصل البراءة على التقديرين .
فتحصل من مجموع ما ذكرناه : ان القول الاول هو الاقوى ،
فيجوز التيمم
] ويجوز
بارض النورة والجص والحجر [
بمطلق وجه الارض ترابا كان او غيره .
التيمم بارض النورة والجص والحجر
مسائل : الاولى : ( ويجوز ) التيمم ( بارض النورة والجص
والحجر ) كما هو
المشهور وهاهنا مباحث :
الاول : في الحجر ، فقد تقدم الكلام في جواز التيمم
بمطلق وجه الارض ، حجرا
كان او غيره ، واستدل لعدم جوازه به مضافا إلى ما تقدم
من الادلة التي استدل بها
على اختصاص ما يصح التيمم به بالتراب ، اما مطلقا او في
حال الاختيار التي عرفت
ما فيها ، باشتراط العلوق المتعذر حصوله لدى التيمم
بالحجر ، ولهذا الوجه نسب
بعض عدم جواز التيمم به الى اكثر الفقهاء ، وبخروجه من
مسمى الارض
بالاستحالة كالمعادن كما عن ابن الجنيد التصريح به .
وفيهما نظر : اما الاول : فلما ستعرف في شروط ما يتيمم
به من عدم اعتبار
العلوق ، مع انه لو سلم اعتباره فهو لا يلازم عدم جوازه بالارض
ذات الاحجار ، لا
سيما وان الغالب عدم خلوها من الغبار الذي يعلق باليد ،
وبه يظهر ما في النسبة
المزبورة ، مضافا إلى انه لا يدل على عدم جوازه بالحجر
المسحوق .
واما الثاني : فلان الحجر يصدق عليه الارض بلا كلام ،
وصدق المعدن عليه لو
سلم مع انه محل نظر بل منع . لا يمنع عنه ، لان المدار
على صدق الارض لا عدم
صدق المعدن ، كما ان مناط المنع الخروج عن مسمى الارض لا
كونه معدنا ، فالاظهر
جواز التيمم به .
المبحث الثاني : يجوز التيمم بارض النورة والجص قبل
الاحراق على المشهور
شهرة عظيمة ، بل لم ينقل الخلاف إلا عن الحلي حيث نسب
إليه انه منع عنه في
النورة ، والشيخ في النهاية حيث قيد الجواز فيهما بفقد
التراب ، وهما غير مخالفين
[ . . . ]
للمشهور ، اما الحلي فلأن ظاهر كلامه في السرائر انه منع
عنه في النورة لا ارضها ،
والمتبادر منه ارادة ما بعد الاحراق ، واما الشيخ
فالظاهر انه استند في هذا التفصيل
إلى ما عن كشف اللثام من ان ارض النورة ليست غير الحجر
وبناؤه فيه على عدم
جواز التيمم بالحجر الا بعد فقد التراب .
وكيف كان فيشهد للمشهور صدق الارض عليهما ، وصدق المعدن
عليهما لو
سلم لا ينافي ذلك كما تقدم .
المبحث الثالث : في الجص والنورة بعد الاحراق : فعن
جماعة عدم جواز التيمم
بهما ، بل في الجواهر نسبته في النورة الى الاكثر ، وعن
علم الهدى وفي المعتبر والحدائق
وعن التذكرة ومجمع البرهان وجماعة آخرين جواز التيمم
بهما ، بل يمكن دعوى
الشهرة عليه ، اذ المشهور بينهم جواز السجود عليهما ،
وهو يكشف عن بنائهم على
عدم خروجهما بالاحراق عن كونهما ارضا . فتأمل .
وكيف كان فيشهد له صدق الارض عليهما عرفا ، اذ الاحراق
لا يوجب
خروج الارض عن حقيقتها ، وان شئت فاختبر ذلك من اللحم
المشوى .
ولو شك في ذلك فهل يجري استصحاب جواز التيمم ، كما تمسك به بعض ، ام
يجري استصحاب بقاء الموضوع ، ام لا يجري شئ منهما ؟ وجوه
، واقوال ، اقواها
الاخير ، اما الاستصحاب الحكمي فهو لا يجري من جهة الشك
في بقاء موضوعه ، لا
لما قيل من كونه من الاستصحاب التعليقي لعدم كونه منه ،
اذ المراد من جواز
التيمم هو الجواز الوضعي لا الجواز بمعنى ترتب الطهارة عليه
كي يقال انه معلق على
وجوده ، واما الاستصحاب الموضوعي ، فعدم جريانه انما
يكون لاجل ما ذكرناه في
الجزء الاول من هذا الشرح من عدم جريانه في جميع موارد
الشك في الاستحالة ، لانه
على فرض الاستحالة يكون ما احيل اليه غير ما احيل منه ،
وما كان متصفا بالارضية
سابقا هو الثاني ، وما اريد اثباتها له في الزمان الاحق
هو الاول ، فمع الشك فيها لا
[ . . . ]
يجري استصحاب بقاء الارضية للشك في بقاء معروضها ، نعم
استصحاب بقاء ذلك
العنوان بنحو مفاد كان التامة يجري اذا ترتب عليه الاثر
، لكنه لا يثبت اتصاف
الموجود الخارجي به ، فاذا العمدة ما ذكرناه من عدم
خروجها عن حقيقتها بالاحراق .
ويشهد له - مضافا إلى ذلك - خبر ( 1 ) السكوني عن جعفر (
عليه السلام ) : انه
سئل عن التيمم بالجص فقال ( عليه السلام ) : نعم ، فقيل
بالنورة ؟ فقال ( عليه
السلام ) : نعم ، فقيل : بالرماد ؟ قال ( عليه السلام )
: لا انه ليس يخرج من الارض انما
يخرج من الشجر ونحوه ما عن نوادر ( 2 ) الراوندي مع
التفريع فيه بجواز التيمم بالصفا
العالية ، واورد عليهما تارة بضعف السند ، واخرى باعراض
المشهور عنهما .
اقول : اما ضعف سند ما عن الراوندي فهو كذلك ، واما خبر
السكوني فلا
نسلم ضعفه ، اذ لا وجه له سوى ما في المعتبر من ان هذا
السكوني ضعيف ، وهو كما
ترى ، اذ السكوني وان كان من الالقاب المشتركة بين من
يعتمد عليه وغيره ، إلا انه
عند الاطلاق يراد به اسماعيل بن ابي زياد وهو ثقة على
الاقوى .
واما دعوى اعراض المشهور عنه فمردودة بما عن جماعة من
القدماء
والمتأخرين من الالتزام بمضمونه .
فالاقوى جواز التيمم بهما .
وبما ذكرناه اولا ظهر ان الأظهر جواز التيمم بالطين
المطبوخ كالخزف والآجر ،
كما يجوز السجود عليه بل هو المشهور فيه ، واما ما في
المعتبر من ان الاشبه المنع لانه
خرج بالطبخ عن اسم الارض فغير تام لما عرفت من ان الشئ
لا يخرج عن حقيقته
بالشوي ، على ان لازم ذلك عدم جواز السجود عليه ، مع انه
ممن افتى بالجواز ،
…………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب التيمم حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 6 - من ابواب التيمم حديث 2 .
[ . . . ]
واعتذاره عن ذلك بانه قد يجوز السجود على ما ليس بارض
كالكاغذ والقرطاس
اغرب ، اذ الكاغذ والقرطاس قد دل على جواز السجود عليهما
نص خاص ، وليس
كذلك الطين المطبوخ ، فمع عدم صدق الارض عليه لابد من
البناء على عدم جواز
السجود عليه لما دل على عدم جواز السجود على غير الارض
ونباتها ، وعدم صدق
نباتها عليه واضح .
المسألة الثانية : لا يجوز التيمم على المعادن كما هو
المشهور شهرة عظيمة ، بل
عن خلاف الشيخ ومنتهى المصنف والغنية دعوى الاجماع عليه
، ولم ينقل الخلاف الا
عن ابن ابي عقيل حيث انه جوز التيمم بالارض وبكل ما كان
من جنسها كالكحل
والزرنيخ .
ويشهد للمشهور : ان الادلة انما دلت على جواز التيمم
بالارض ، وهي لا
تصدق على المعادن ، فلا يجوز التيمم بها .
وبذلك يظهر ان المناط عدم صدق الارض ، فلو فرضنا صدقها
على معدن
خاص كبعض انحاء الطين جاز التيمم به لعدم الدليل على ما
نعية المعدنية .
فالقول بعدم جواز التيمم على المعدن ، وان صدق عليه اسم
الارض ، غير
ظاهر الوجه .
فان قلت : ان وجهه اطلاق معاقد الاجماعات المحكية .
قلت : ان الاجماع المدعى في المقام ليس اجماعا تعبديا
لتمسك المجمعين في
حكمهم بذلك الى خروج المعدن عن اسم الارض .
واستدل لما اختاره ابن ابي عقيل بمفهوم التعليل لعدم
جواز التيمم بالرماد في
خبر السكوني بانه ليس يخرج من الارض .
] ويكره بالسبخة والرمل[
واجيب عنه تارة بضعف سند الخبر ، واخرى بانه لا يفهم من
التعليل إلا المنع
من كل ما لم يخرج من الارض ، واما الجواز بكل ما خرج
منها فلا .
وفيهما نظر : اما الاول : فلما تقدم من انه قوى ، واما
الثاني : فلانه انكار لحجية
مفهوم العلة .
فالصحيح في الجواب عنه ان يقال : ان المراد من الخروج في
العلة تبدل الارض
إلى غيرها ، لا ما هو الظاهر من لفظ الخروج كما يشهد له
قوله ( عليه السلام ) : وانما
يخرج من الشجر .
وعليه فلا يشمل المعادن والنباتات ، فمفهومه اجنبي عما
استدل به له ، نعم انه
يدل على ان كل ما كان اصله ارضا - وان كان فعلا مما لا
يصدق عليه اسم الارض
- يجوز التيمم به كالرماد الذي استحيل إليه التراب او
الحجارة ، فان كان اجماع على
عدم الجواز يرفع به اليد عن المفهوم ، وإلا فيؤخذ به كما
افتى بالجواز في محكي نهاية
الاحكام في المثال ، وعلى كل تقدير لا ربط له بما بنى
عليه ابن ابي عقيل ، فالاظهر
هو ما بنى عليه المشهور .
المسألة الثالثة : ( ويكره ) التيمم ( ب ) الارض (
السبخة ) وهي ارض مالحة
) والرمل ) بلا خلاف ، وهو مذهب فقهائنا اجمع عدى ابن
الجنيد فانه منع من السبخ
كما في المعتبر .
اقول : يشهد لجواز التيمم بهما ما تقدم من الادلة الدالة
على جواز التيمم
بمطلق وجه الارض بعد وقوع اسم الارض عليهما ، ومنه يظهر
ضعف ما عن ابن
الجنيد .
واما كراهيته فلم اقف لها على دليل كما صرح به الاساطين
، وقاعدة التسامح
قد مر اختصاصها بباب المستحبات ، وعليه فالاظهر عدم الكراهة ، إلا انه ينبغي
ترك
التيمم بهما مع التمكن من غيرهما كما لا يخفى وجهه .
] ولو
لم يجد [
ما يصح التيمم به عند فقد الارض
المسألة الرابعة : ( ولو لم يجد ) ما يتمم به من وجه
الارض يتيمم بغبار الثوب
او اللبد او عرف الدابة ونحوها مما فيه غبار بلا خلاف
فيه ، بل في المعتبر : هو مذهب
علمائنا ، وقريب منه ما عن التذكرة ، وعن السيد : مساواة
الغبار لوجه الارض ، وعن
المنتهى : فيه قوة ، وعن المهذب : اشتراط فقد الوحل في
جواز التيمم بالغبار ، وفي
المدارك : الاستشكال في تقديم الغبار على الوحل بحسب الروايات ، مع اعترافه
بان
الاصحاب قاطعون به .
ويشهد للقول الاول جملة من النصوص : كموثق ( 1 ) زرارة
عن الامام الباقر
) عليه السلام ) : ان كان اصابه الثلج فلينظر لبد سرجه
فيتيمم من غباره او شئ مغبر ،
وان كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس ان يتيمم منه .
وصحيحه ( 2 ) قال : قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) ارايت
المواقف ان لم يكن
على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول ؟ قال ( عليه
السلام ) : يتيمم من لبده او
سرجه او عرف دابته فان فيها غبارا ويصلي .
وصحيح ( 3 ) رفاعة عن الامام الصادق ( عليه السلام ) :
فان كان في ثلج فلينظر
لبد سرجه فليتيمم من غباره او شئ مغبر ، وان كان في حال
لا يجد إلا الطين فلا
بأس ان يتيمم منه .
وصحيح ( 4 ) ابي بصير عنه ( عليه السلام ) : اذا كنت في
حال لا تقدر إلا على
الطين فتيمم به ، فان الله اولى بالعذر اذا لم يكن معك
ثوب جاف او لبد تقدر ان تنفضه
وتتيمم به . ونحوها غيرها .
…………………………………………………
( 1 - 2 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب التيمم حديث 1 و 2 .
( 3 - 4 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب التيمم حديث 4 و 7 .
[ . . . ]
واما القول الثاني : فان اريد به الغبار الكثير الذي لو
نفض ما فيه الغبار
يصدق عليه التراب - كما يشير إليه الاستدلال المذكور في
محكي ارشاد الجعفرية لهذا
القول - فلا اشكال فيه ، إلا انه خارج عن محل الكلام ،
فان مورد الكلام هو التيمم
بالغبار لا بالتراب ، وإلا فلا دليل عليه بعد عدم صدق
الصعيد عليه .
واما القول الثالث : فقد استدل له : بصدق الصعيد على
الوحل كما يشهد له
خبر زرارة الآتي فيكون مقدما على الغبار .
وفيه ان الصعيد لا يصدق عليه عرفا ، والمراد من التعليل
في الخبر ان اصله
الصعيد كما يشهد له قوله ( عليه السلام ) في مرسل ( 1 ( علي بن مطر : نعم صعيد طيب
وماء طهور .
وفي المدارك بعد الاستشكال في تقديم الغبار على الوحل
ذكر في وجهه : ان
غير خبر ابي بصير من نصوص الباب لا دلالة فيها على ذلك ،
اذ بعضها وارد في
المواقف التي لا يمكن من النزول إلى الارض فيها ، وبعضها
، مختص بحال الثلج
المانعة من الوصول إلى الارض .
واما هو فضعيف السند ، وفيه اولا : ان قوله ( عليه
السلام ) في صحيح رفاعة
الوارد في حال الثلج بعد الامر بالتيمم بالغبار : وان
كان في حال لا يجد إلا الطين . . .
الخ ، كالصريح في تقديم الغبار على الوحل ، فانه يدل على
ان طهورية الطين انما
تكون بعد فقد ما يتيمم به وعند الاضطرار ، والقدر
المتيقن من اطلاقه هو صورة فقد
الغبار المجعول كونه طهورا في اول الصحيح ، فمقتضى
مفهومه عدم جواز التيمم به
مع وجود الغبار . فتدبر فانه دقيق .
ومنه يظهر ان اغلب النصوص الواردة في حال الثلج تدل على
هذا القول .
…………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب
التيمم حديث 6 .
[ . . . ]
وثانيا : ان خبر ابي بصير ليس ضعيف السند ، فان جميع
رواته ثقات اماميون ،
بل بعضهم اجل واعظم من ذلك كما يظهر لمن راجع سنده ، فما
في جملة من الكتب من
توصيفه بالصحة متين .
فان قلت : ان الظاهر منه ولا اقل من المحتمل ان يكون
المراد من نفضه في
الصحيح تحصيل التراب منه بجمع غباره على وجه يتمكن من
التيمم بالتراب ، ولا
اشكال في تقدم ذلك على الطين .
قلت : ان الظاهر من الضمير في لفظة به هو رجوعه إلى ما
مع المريد للصلاة
لا إلى التراب فلاحظ وتدبر .
وعليه فهذا الاحتمال خلاف الظاهر .
وفي الحدائق ذكر في وجه توقفه في تقديم الغبار على الطين
: ان نصوص التقديم
معارضة بخبر ( 1 ) زرارة عن احدهما عليهما السلام قال :
قلت له : رجل دخل الاجمة
ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع ؟ قال : يتيمم فانه
الصعيد ، قلت : فانه راكب ولا
يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء ؟ قال ( عليه
السلام ) : ان اخاف على
نفسه من سبع او غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده
على اللبد او البرذعة
ويتيمم ويصلي .
ومرسل ( 2 ) علي بن مطر قال : سألت الرضا ( عليه السلام
) عن الرجل لا
يصيب الماء ولا التراب يتيمم بالطين ؟ قال ( عليه السلام
) : نعم صعيد طيب وماء طهور ،
وفيه : ان الخبرين ضعيفان ، اما الاول : فلان في طريقه
احمد بن هلال ، الصوفي
المتصنع ، الذي ورد فيه ذم كثير من سيدنا أبي محمد
العسكري ( عليه السلام ) ، ورجع
من التشيع إلى النصب .
…………………………………………………
( 1 - 2 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب التيمم حديث 5 و6 .
] إلا الوحل تيمم به [
واما الثاني : فللارسال ، مع ان خبر زرارة انما يدل على
تأخر مرتبة التيمم باللبد
او البرذعة عن التيمم بالطين لا على تأخر مرتبة التيمم
بما فيه الغبار عن الطين كما
لا يخفى ، فهو يدل على كون المراتب اربعا .
والمرسل مطلق يقيد بما اذا لم يتمكن من الغبار ، مع انه
لو سلم التعارض لابد
من الرجوع إلى المرجحات والترجيح مع تلك النصوص من وجوه
غير خفية .
فتحصل : ان الاقوى انه ان لم يجد وجه الارض يتيمم بغبار
الثوب او للبد او
عرف الدابة ونحوها مما فيه غبار ، كما انه لو لم يجد (
إلا الوحل تيمم به (
وينبغي التنبيه على امور :
الاول : انه يعتبر في صحة التيمم بما فيه الغبار صدق
عنوان التيمم على الغبار
نفسه لا مجرد التيمم على ما فيه الغبار للأمر بذلك
وبالتيمم بالمغبر في النصوص
المتقدمة وهما لا يصدقان إلا مع كون الغبار محسوسا ،
ويشهد لذلك - مضافا إلى ما
ذكر - قوله ( عليه السلام ) في صحيح ابي بصير المتقدم :
اذا لم يكن معك ثوب جاف
اولبد تقدر على ان تنفضه وتتيمم به : بناء على ما عرفت من رجوع الضمير إلى الثوب
او اللبد ، فانه يدل على لزوم نفضه مقدمة للتيمم ، ولا
وجه له سوى ظهور الغبار
الكامن .
فالقول بكفاية ضرب اليد على ذي الغبار ، اما مطلقا ، او
بشرط ثوران الغبار
منه ضعيف .
فان قلت : ان بعض النصوص تضمن الامر بضرب اليد على اللبد
ونحوه
ومقتضى اطلاقه عدم اعتبار وجود الغبار فضلا عن كونه
بارزا ، ولا تنافي ذلك
النصوص الامرة بالتيمم بالغبار كي يقيد اطلاقه بها .
[ . . . ]
قلت : اولا : ان الخبر المطلق ليس إلا خبر زرارة المتقدم
الذي عرفت انه
ضعيف ، وثانيا : ان قوله ( عليه السلام ) في صحيح زرارة المتقدم : فان
فيها غبارا
بمفهومه يدل على عدم صحة التيمم بما ليس فيه غبار ،
فيقيد به اطلاق الخبر .
فان قلت : ان مقتضى اطلاق هذا الصحيح الاكتفاء بالتيمم
بما فيه الغبار وان
لم يكن بارزا .
قلت : انه يقيد اطلاقه بالامر بالنفض في صحيح ابي بصير
الظاهر في شرطيته
للتيمم بما فيه الغبار ، والظاهر منه ليس شرطيته من حيث
هو بل لكونه مقدمة لبروز
الغبار .
الثاني : لا يختص هذا الحكم بغبار ثوبه ولبد سرجه وعرف
دابته ، بلا خلاف ،
والتعبير بذلك في الكتب الفقهية انما هو لتبعية النص ،
والتعبير في النصوص انما يكون
لانحصار ما فيه الغبار مع المسافر بهذه الامور ، ويشهد
للتعميم : قوله ( عليه السلام (
في صحيح رفاعة المتقدم او شئ مغبر ، وقوله ( عليه السلام
) في صحيح زرارة : فان
فيها غبارا ، وقوله ( عليه السلام ) في موثق زرارة : او
من شئ معه ، ومقتضي اطلاقها
التخيير بين الافراد ، فما عن جماعة من تقديم بعض
المصاديق على بعض ، ضعيف .
الثالث : مقتضى اطلاق النصوص عدم اعتبار تقديم ما هو
الاكثر غبارا ، وعن
جماعة منهم صاحب الجواهر اعتبار ذلك ، واستدل له :
بقاعدة الميسور ، وبان مغروسية
القاعدة في الذهن توجب صرف الاطلاقات إلى ما تقتضيه .
وفيهما نظر : اما القاعدة فلعدم ثبوتها كما حقق في محله
، واما الانصراف ، فلانه
بدوي يزول بادنى تأمل ، لا سيما بملاحظة اختلاف
المذكورات في النصوص في كمية
الغبار .
الرابع : اختلفت كلمات القوم في كيفية التيمم بالطين ،
فعن صريح الحلي وغيره
وظاهر الشرايع وغيرها : انه يضرب يديه عليه ويمسح بهما
جبهته وظاهر كفيه ، وعن
[ . . . ]
المفيد : انه يضع يديه ثم يرفعهما فيمسح احداهما بالاخرى
حتى لا تبقى فيهما نداوة
ثم يمسح بهما جبهته ثم ظاهر كفيه ، وعن الشيخ في كتبه :
انه يضع يديه في الطين ثم
يفركه ويتيمم به ، وعن الوسيلة : يضرب يديه على الوحل
قليلا ويتركه عليهما حتى
ييبس ثم ينفضه عن اليد ويتيمم .
واستدل للاول : بانه مقتضى اطلاق النصوص الواردة في مقام
البيان .
وفيه : ان مقتضي الاطلاق المقامي اعتبار ما يعتبر في
التيمم بالصعيد في التيمم
به وحيث انه يعتبر فيه المسح باليدين ، فيعتبر في التيمم
بذلك ايضا المتوقف على ازالة
الطين ، وإلا فيكون المسح بالحائل ، فما افاده المفيد هو
الاقوى ، وإليه يرجع ما عن
كتب الشيخ والوسيلة كما لا يخفى على المتدبر فيها .
الخامس : التيمم بالطين انما يجوز اذا لم يمكن تجفيفه ،
وإلا فيتعين عليه ذلك ،
والتيمم بالصعيد كما هو المشهور - بل الظاهر - عدم
الخلاف فيه ، فان التيمم بالصعيد
واجب مطلق يجب تحصيله ان امكن ما لم يلزم ضرر او حرج ،
وقوله في بعض
النصوص : فانه الصعيد قد عرفت ان المراد به انه مادته
واصله .
فان قلت : : ان ظاهر قوله ( عليه السلام ) في جملة من
نصوص الباب : لا يجد
الا الطين ظاهر في ان من ليس عنده إلا الطين يتيمم به ،
ومقتضى اطلاقه عدم
اعتبار تحصيل الصعيد وان امكن ، فانه من المقدمات
الوجوبية لا الوجودية .
قلت : ان الظاهر من لا يجد ، عدم التمكن منه كما عرفت في اول هذا المبحث .
المسألة الخامسة : في بيان ما يتعلق بفاقد الطهورين : والكلام
فيها يقع في
مقامين :
الاول : في انحصار ما يتطهر به ولو اضطرار بالامور
المذكورة ، فمع فقدها
[ . . . ]
يكون فاقد الطهورين من غير فرق بين ان يجد الثلج او
الماء الجامد وعدمه .
الثاني : في حكم فاقد الطهورين .
اما المقام الاول ، ففيه اقوال :
1.
ما عن اكثر
الاصحاب ، وهو : انه ان امكن الاغتسال او التوضي بالثلج
او الماء الجامد مع جريان الماء على الاعضاء وجب ، ويكون
مقدما على التيمم بمراتبه ،
وإلا فلا امر باستعماله بوجه .
2.
ما عن المفيد
في المقنعة ومحتمل المبسوط والوسيلة ، وهو : تقديم التيمم على
الاغتسال بالثلج وان حصل مسمى الغسل .
3.
ما في
الحدائق ونسبه الى كتابي الاخبار ، وهو تقديم امساس نداوة الثلج
وان لم يحصل مسمى الغسل به على التيمم بالتراب .
4.
ما عن
الشيخين في بعض كتبهما وابنى حمزة وسعيد والمنتهى والتذكرة
والمختلف وغيرها ، وهو : وجوب مسح اعضاء الطهارة بندواة
الثلج مطلقا ، غاية الامر
ان بلغت النداوة حدا يجري على العضو المغسول بحيث يسمى
غسلا فهو مقدم على
التيمم ، وإلا فالتيمم بالتراب مقدم عليه .
5.
وهو ما عن
مصباح السيد والاصباح وظاهر الكاتب من انه : ان فقد
الوحل يتيمم بالثلج او الماء الجامد ، وعمدة الوجه في
الاختلاف ، الاختلاف في ما
يستفاد من النصوص ، فلا بد من الرجوع إليها .
اقول : من جملة النصوص المستدل بها في المقام : نصوص ( 1
) التشبيه بالدهن ،
بدعوى انها تدل على عدم اعتبار جريان الماء في الوضوء
فهي من شواهد القول
الثالث .
……………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 52 - من ابواب
الوضوء .
[ . . . ]
وفيه : ما تقدم في الجزء الاول من هذا الشرح في مبحث
الوضوء من ان الجمع
بينها وبين ما دل على اعتبار الجريان يقتضي ان يقال انها
سيقت لبيان عدم اعتبار
الماء الكثير ، وانه يكفي ما يوجب جريان الماء ، وبعبارة
اخرى : سيقت لبيان اقل افراد
مسمى الغسل .
ومنها : النصوص المتقدمة في المسألة السابقة من صحيحة
رفاعة وغيرها ، وظاهرها
عدم جواز استعمال الثلج مع التمكن من التيمم بالغبار او
الطين ، ومقتضى اطلاقها
عدم الفرق بين ما اذا بلغت الندواة حدا تجري على العضو ام
لا ، فهي تدل على
القول الثاني .
وفيه : انه في صورة الجريان ، وان سلم عدم شمول اطلاق
الكتاب والسنة
الامرين باستعمال الماء له ، بدعوى ان المتبادر منهما
ارادة استعمال ما كان ماء حال
الاستعمال لا ما انقلب إليه بالاستعمال ، إلا ان جملة من
النصوص ظاهرة في انه عند
التمكن من الوضوء او الاغتسال حينئذ يتعين ذلك ، فيقيد
بها اطلاق هذه النصوص ،
ويحمل على صورة لزوم الحرج من استعماله كما هو الغالب .
ومنها : صحيح ( 1 ) محمد بن مسلم ، عن الامام الصادق (
عليه السلام ) : عن رجل
اجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج او ماء جامدا ، فقال (
عليه السلام ) : هو بمنزلة
الضرورة ، يتيمم ولا ارى ان يعود إلى هذه الارض التي
توبق دينه . واستدل به للقول
الخامس بدعوى ان المراد من قوله ولم يجد انه لم يجد ماء
ولا ترابا ، وان قوله ( عليه
السلام ) يتيمم ظاهر في ارادة التيمم بالثلج ، واستدل به
ايضا للقول الثاني بدعوى
أن المراد من لم يجد عدم وجدان الماء والتراب ومن يتيمم
مسح جميع الاعضاء ،
جرى الماء ام لم يجر .
…………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب
التيمم حديث 9 .
[ . . . ]
ولكن يرد عليهما : ان الظاهر ولا اقل من المحتمل ان
المراد من لم يجد عدم
وجدان الماء ، واريد بالتيمم معناه المصطلح وهو قصد
الصعيد ، ولا ينافيه ، قوله ( عليه
السلام ) ولا ارى . . . الخ ، لا مكان ان يكون ذلك لفوات
الطهارة المائية ، او الطهارة
من الخبث .
ومنها : خبره ( 1 ) الآخر عنه ( عليه السلام ) : عن
الرجل يجنب في السفر لا يجد
إلا الثلج قال ( عليه السلام ) : يغتسل بالثلج او ماء
النهر ، وقد استدل به في محكي
المختلف للقول الرابع .
وفيه : ان قوله ( عليه السلام ) : يغتسل بالثلج لا يدل
على الاجتزاء بالمماسة ،
بل ظاهره اعتبار الجريان لاخذه في مفهوم الغسل .
ودعوى : ان الاغتسال اذا علق بشئ اقتضى جريان ذلك الشئ
على
العضو ، اما حقيقة الماء فنمنع ذلك ، وعليه فظاهر قوله (
عليه السلام ) يغتسل . . . الخ ،
لزوم اجراء الثلج على الاعضاء ، مندفعة : بان الغسل
حقيقة في الغسل بالماء لا بكل
شئ ، واما الاستدلال به للقول الثاني فهو يتوقف على
ارادة عدم وجدان ما يتطهر
به مطلقا من قوله لا يجد إلا الثلج وهو محل نظر بل منع ،
اذ الظاهر منه عدم وجدان
الماء .
ومنها : خبر ( 2 ) معاوية بن شريح : سأل رجل أبا عبد
الله ( عليه السلام ) وانا
عنده فقال : يصيبنا الدمق والثلج ونريد ان نتوضأ ولا نجد
إلا ماء جامدا فكيف أتوضأ
ادلك به جلدي ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم استدل به في
الحدائق للقول الثالث .
وفيه ان محط السؤال والجواب هو قيام الماء الجامد مقام
الماء المطلق ، وانه ايضا
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 10 - من ابواب
التيمم حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 10 - من ابواب التيمم حديث 2 .
[ . . . ]
يستعمل في الوضوء ، فيدل على عدم اعتبار كون المستعمل
ماء حين الاستعمال ،
ويكفي ما لو انقلب إليه بالاستعمال ، واما سائر الشروط
المعتبرة في الوضوء فهذا
الخبر ساكت عنها ، فيرجع فيها الى ما دل على اعتبارها في
الوضوء ومنها اجراء الماء ،
مع انه لو سلم اطلاقه وشموله لصورة عدم الجريان فيقيد
بما دل على اعتباره في
الوضوء مطلقا .
ومنها : ( 1 ) صحيح علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (
عليه السلام ) قال :
سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء
وهو يصيب ثلجا وصعيدا
ايهما افضل ايتيمم ام يمسح بالثلج وجهه ؟ قال ( عليه
السلام ) : الثلج اذا بل رأسه
وجسده افضل ، فان لم يقدر على ان يغتسل به فليتيمم .
ونحوه خبره الآخر ( 2(
واستدل بهما ايضا للقول الثالث ، وفيه : ان مقتضى اطلاق
قوله ( عليه السلام (
اذا بل رأسه . . . الخ وان كان ذلك إلا انه يقيد اطلاقه
بقوله ( عليه السلام ) في ذيلهما
فان لم يقدر على ان يغتسل . . . الخ ، لاخذ الجريان في
مفهوم الاغتسال .
فان قلت : ان الظاهر من صدره التخيير بين التيمم والغسل
او الوضوء ، فلو
كان المراد ما ذكرت لما كان وجه للتخيير .
قلت : اولا : انه يحتمل ارادة التعيين من الافضلية كما
يشهد له قوله في الذيل
فان لم يقدر على ان يغتسل . . . الخ ، وثانيا : انه يمكن
القول بالتخيير من جهة غلبة
كون الوضوء او الغسل في الفرض حرجيا . وقد عرفت ثبوت
التخيير في موارد الحرج .
فتحصل : انه لا يستفاد من هذه النصوص شئ سوى الامر
بالوضوء او
الغسل بالثلج اذا بلغت النداوة حدا تجري على العضو
المغسول بحيث يسمى غسلا .
وهو مقدم على التيمم
……………………………………………………
( 1 - 2 ) الوسائل - باب 10 - من ابواب التيمم حديث 3 و 4 .
[ . . . ]
ثم انه قد استدل للقول الرابع ، بقاعدة الميسور ، وفيه :
اولا : انها لو ثبتت كان
مقتضاها ما اختاره صاحب الحدائق كما لا يخفى ، وثانيا :
انها غير ثابتة بنفسها كما
اشرنا إليه غير مرة ، وثالثا : لو سلمنا ثبوتها فانما هو
في الاجزاء الخارجية لا التحليلية ،
فلا يصح ان يقال انه عند التمكن كان يجب بل مواضع الوضوء بالماء
واجرائه عليها ،
فلو تعسر الثاني لا يسقط وجوب الاول .
واستدل للقائلين بالتيمم بالثلج بالاحتياط ، وباستصحاب
بقاء التكليف
بالصلاة ، وبخبر ( 1 ) الصلاة لا تدع بحال .
ويرد على الجميع : ان اصالة البراءة عن وجوب التيمم به
تكون حاكمة على
قاعدة الاحتياط والاستصحاب ، والخبر لا يقتضي التيمم
بالثلج ، كما لا يقتضي التيمم
بالمطعوم عند فقده .
فتحصل من مجموع ما ذكرناه : ان للتيمم مراتب ثلاثا ، ومع
فقد الجميع يكون
فاقد الطهورين
اما المقام الثاني ففيه اقوال :
احدها : وجوب الاداء فاقدا ، والقضاء مع احد الطهورين ان
تمكن ، وهذا
القول نسبه في الشرائع إلى القيل ، وفي الجواهر : لكنا
لم نعرف قائله ، وعن بعض نسبته
إلى المبسوط والنهاية .
ثانيها : وجوب الاداء خاصة ، وهو المنسوب إلى جد السيد ،
ومال إليه
المحدث الجزائري .
ثالثها : عدم وجوب الاداء ووجوب القضاء ، وهو المشهور
بين الاصحاب
………………………………………….
( 1 ) الفروع ج 1 ص 25 والتهذيب ج
1 ص 108 .
[ . . . ]
بل في المدارك اما سقوط الاداء فهو مذهب الاصحاب لا نعلم
فيه مخالفا صريحا ،
وقريب منه ما عن جامع المقاصد والروض .
رابعها : عدم وجوب الاداء والقضاء عليه ، وهو الذي اختاره
المحقق في
المعتبر والشرائع ، والمصنف في جملة من كتبه ، والمحقق
الثاني وغيرهم .
فالكلام يقع في موردين : الاول : في وجوب الاداء وعدمه ،
الثاني : في ثبوت
القضاء وسقوطه .
اما الاول : فيشهد لسقوط الاداء قوله ( عليه السلام ) في
صحيح ( 1 ) زرارة : لا
صلاة إلا بطهور ، فانه يدل على ان الصلاة لا تتحقق بدون
الطهارة ، ومقتضاه العجز
عن الصلاة في هذا المورد فلا امر بها .
واستدل لوجوب الاداء : بان الصلاة لا تسقط بحال للاجماع
المحقق ، ولقول
الامام الباقر ( عليه السلام ) في صحيح ( 2 ) زرارة الوارد في النفساء ولا تدع الصلاة
على حال ، وقريب منه ما في مرسل ( 3 ) يونس الطويل فان
فيه : فانها لا تدع الصلاة
بحال ، وبقاعدة الميسور ، وبان الطهارة من شروط الصحة لا
الوجوب ، فهي كغيرها
من الساتر والقبلة وباقي شروط الصحة انما تجب مع امكانها
، وإلا لكانت الصلاة من
قبيل الواجب المقيد كالحج ، والاصوليون على خلافه ،
وباستصحاب بقاء وجوب ذات
الصلاة .
وفي الجميع نظر : اذ ما دل على عدم سقوط الصلاة بحال لا
يصلح ان يكون
دليلا لوجوب الصلاة في المقام ، لا لما في الجواهر من
انه قد يراد ما يعم القضاء فانه
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب
الوضوء حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب الاستحاضة حديث 5 .
( 3 ) الفروع ج 1 ص 25 والتهذيب ج 1 ص 108 .
[ . . . ]
خلاف الظاهر ، ولا لما ذكره بعض الاعاظم من اختصاص
الخبرين بموردهما ، فانه ان
تم فيهما لا يتم في الاجماع ، مع انه لا يتم فيهما ايضا
للعلم بعدم الخصوصية كما يشهد
له استدلال الفقهاء بهما في غير موردهما ، بل لان صحيح
زرارة حاكم على هذه الادلة ،
فانه يدل على نفي حقيقة الصلاة بدون الطهارة .
واما قاعدة الميسور : فقد مر غير مرة انها غير ثابتة .
واما الثالث : فيرد عليه : ان مقتضى القاعدة الاولية
سقوط الواجب بتعذر كل
قيد من قيوده ، إلا انه لأجل الدليل غير الشامل للمقام
حكمنا بعدم سقوط الصلاة
بتعذر بعض اجزائها وشروطها غير الطهارة ، واما مع تعذرها
فوجوب الصلاة ساقط ،
وليس لازم ذلك كون الطهارة من شروط الوجوب ، فان مقتضى
دليل اعتبارها بطلان
الصلاة بدونها ، والباطل لا يؤمر به ، والصحيح خارج عن
تحت القدرة .
واما الاستصحاب فيرد عليه اولا : انه لو جرى فانما هو
فيما اذا طرأ الفقدان
ولا مورد له فيما اذا كان مقارنا لاول الوقت لعدم اليقين
بالثبوت حينئذ ، وما عن
المحقق النائيني ( ره ) من عدم الفرق بين الموردين بدعوى
ان جريان الاستصحاب
في الاحكام الكلية لا يتوقف على فعلية الموضوع خارجا غير
تام ، اذا منشأ الشك في
بقاء الحكم ان كان هو احتمال النسخ فيجري استصحاب عدمه
وبقاء الحكم بلا دخل
للموضوع الخارجي فيه ، وان كان هو الشك في حد الحكم
الفعلي الموجب للشك في
سعة الحكم وضيقه كما اذا شك في ان حرمة وطء الحائض هل
ترتفع بارتفاع الحيض
ام لا ترتفع إلا بالاغتسال ، فبناء على جريان الاستصحاب
في الاحكام الكلية لا
يتوقف جريانه على فعلية الموضوع ، بل المفتي يفرض امرأة
حائضا ثبتت حرمة وطئها
وشك في ارتفاعها بالانقطاع فيجري الاستصحاب ويفتي ببقاء
الحرمة إلى حين
الاغتسال ، وفي هذين الموردين يجري الاستصحاب من جهة
تمامية اركان
الاستصحاب ، وهو العلم بالحدوث والشك في البقاء ، وهذا
بخلاف المقام مما لا علم
[ . . . ]
بالحدوث ، فان جعل وجوب الصلاة لهذا الشخص غير معلوم ،
وثبوت وجوبها لغيره
اوله في غير هذه الحالة لا يصحح جريان الاستصحاب كما لا
يخفى ، وتمام الكلام في
محله .
وثانيا : انه ان اريد بالاستصحاب استصحاب التكليف الجامع
بين الضمني
والاستقلالي الثابت للاجزاء غير القيد المتعذر فيرد عليه
: انه من القسم الثالث من
استصحاب الكلي ، ولا نقول به ، وان اريد به استصحاب
التكليف الاستقلالي الثابت
للمركب قبل التعذر اذا لم يكن المتعذر من القيود المقومة
، بان يقال : ان المركب الفاقد
للقيد المتعذر الذي هو متحد مع الواجد له عرفا كان
مأمورا به قبل التعذر
فيستصحب بقائه ، او استصحاب التكليف الضمني المتعلق بكل
واحد من الاجزاء
قبل التعذر ، بدعوى انه بتعلق التكليف بالمركب ينبسط
الامر على الاجزاء بالامر ،
فبعد ارتفاع تعلقه وانبساطه عن الجزء المتعذر يشك في
ارتفاع انبساطه على سائر
الاجزاء فيستصحب .
فيرد عليه ما حققناه في محله من عدم جريان الاستصحاب في
الاحكام اذا
كان الشك فيها من جهة الجهل بكيفية الجعل لكونه محكوما
لاستصحاب عدم الجعل .
وثالثا : ان قوله ( عليه السلام ) : لا صلاة إلا بطهور ،
يرفع احتمال الوجوب ،
فان الظاهر منه اعتبار الطهارة في جميع مراتب الصلاة .
فتحصل ان الاقوى سقوط الاداء .
واما المورد الثاني : فقد استدل لوجوب القضاء : بعموم (
1 ) ما دل على قضاء ما
فات لكفاية وجود الملاك في صدق الفوت وهو حاصل في المقام
، وبان المستفاد من
مجموع الاخبار الواردة في القضاء : ان وجوب قضاء الفرائض
على من لم يأت بها في
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 6 - من ابواب
قضاء الصلوات .
[ . . . ]
وقتها كان من الامور المعهودة لديهم ، بل يستفاد منها ان
الامر المتعلق بالصلاة في
اوقاتها من قبيل تعدد المطلوب .
وفيهما نظر : أما الاول : فلانه في موارد ثبوت التكليف ،
وعدم امتثاله يصدق
الفوت ، كما نه يصدق في صورة وجود الملاك الملزم ، وان
لم يثبت التكليف كالنائم
والساهي المستكشف من النصوص الدالة على وجوب القضاء
عليهما ، واما اذا لم يكن
التكليف ثابتا ، ولم يحرز وجود الملاك كما في المقام ،
فانه يحتمل ان لا تكون الصلاة
للمحدث غير المتمكن من تحصيل الطهارة ذات ملاك ملزم ، بل
تكون كالصلاة
للحائض ، فلا يكون صدق الفوت على الترك حينئذ معلوما ،
فلا وجه للتمسك بتلك
الادلة إلا بناء على جواز التمسك بالعام في الشبهات
الموضوعية ، وهو كما ترى .
وقياس فاقد الطهورين على النائم والساهي قياس مع الفارق
لورود النص
فيهما دونه .
واما الثاني : فلان المستفاد منها وان كان ما ذكر من ان
وجوب القضاء كان من
الامور المعهودة لديهم ، لكن لا يستفاد منها ان موضوعة
ترك الصلاة في وقتها مطلقا ،
وان لم يكن تكليف بها ولم يحرز وجود الملاك فيها .
وعليه فتلك المغروسية والمعهودية لا تكفي في المقام ،
واما استفادة ان التكليف
بالصلاة في اوقاتها من قبيل تعدد المطلوب فعهدة اثباتها
عل مدعيها ، فالاظهر عدم
وجوب القضاء عليه للاصل .
فتحصل : ان الاقوى هو القول الرابع .
صرح غير واحد بوجوب تحصيل ما يتيمم به اذا لم يكن عنده ،
وهو في الجملة
مما لا كلام فيه ، لان وجوب الطهارة ليس مشروطا بوجود ما
تحصل به عنده كي لا
[ . . . ]
يجب تحصيله ، بل وجوبها مطلق ، ومقتضاه وجوب تحصيله .
انما الكلام فيما لو كان الشراء مستلزما لبذل مال معتد
به ، فقد استدل لوجوبه
في هذا الفرض اذا لم يكن مضرا بحاله مع ان مقتضى عموم ما
دل على نفي الضرر
عدم وجوبه ، بان المستفاد من قوله ( عليه السلام ) في
بعض تلك النصوص : وما يشتري
به مال كثير ، اهمية الطهارة مطلقا بالنسبة إلى الضرر ،
لا خصوص المائية منها ،
وباطلاق ادلة التنزيل .
وفيهما نظر : اما الاول : فلانه لا اطلاق له من جهة
المائية والترابية ، واستفادة
حكم الترابية منه بتنقيح المناط كما ترى ، واما الثاني :
فلعدم كون تلك النصوص في
مقام بيان هذه الامور .
والحق في المقام ما ذكرناه في من ليس عنده الماء ولكن
يتمكن من تحصيله
بالشراء من ان الشراء ان كان بثمن المثل فيجب ولا يشمله
حديث ( لا ضرر ) ، وان
كان بأكثر منه فلا يجب . فتأمل وراجع ما ذكرناه في تلك
المسألة .
المسألة السادسة في شروط ما يتيمم به : وهي امور .
الاول : المنسوب إلى المحدثين : اعتبار اليبوسة مع
الامكان ، وعن جماعة :
التصريح بالعدم ، وعن التذكرة : نسبته إلى علمائنا ، وعن
كشف اللثام : دعوى الاتفاق
عليه .
واستدل للاول : بما في صحيح رفاعة المتقدم : فانظر اجف
موضع تجده فتيمم
به . بدعوى : ان ظاهره تقديم الاجف على غيره ، وحيث انه
يدل على جواز التيمم
بالارض المبتلة ، فهو يدل على اعتبار الجفاف مع الامكان
خاصة ، وبذلك يظهر صحة
الاستدلال به على جواز التيمم بالارض الندية .
[ . . . ]
واورد عليه بعض الاعاظم : بانه يحمل بقرينة قوله ( عليه
السلام ) : مبتلة ليس
فيها ماء ولا تراب ، على الطين الذي هو غير ما نحن فيه .
وفيه : انه من جهة جعل الطين في نفس هذا الصحيح المرتبة
الثالثة لما يتيمم
به لا مورد لهذا الحمل كما لا يخفى .
فان قلت : انه يدل على اعتبار الاجفية في الارض المبتلة
لا مطلقا ، فلا يدل
على اعتبار الجفاف بقول مطلق .
قلت : انه يدل على تقديم الجاف على غيره بالاولوية ،
فالاظهر - بحسب
الادلة - اعتبار الجفاف مع التمكن منه ، إلا انه لاجل
عدم افتاء الاساطين به يتعين
التوقف في الفتوى ، فالاحوط لزوما مراعاتها .
الثاني : المشهور بين الاصحاب اعتبار ان يكون طاهرا ،
وعن المصنف في
المنتهى : نفي الخلاف فيه ، وعن الناصريات والغنية
والتذكرة وجامع المقاصد وغيرها :
دعوى الاجماع عليه .
واستدل له : بالقاعدة المرتكزة فاقد الشئ لا يعطيه ،
وبانصراف الادلة إليه
ولو بقرينة القاعدة ، اذ هي توجب دلالة الكلام على
اعتبار الطهارة في المطهر ، كما
توجب دلالته على نجاسة المنجس ، وبان النجس لا يعقل ان
يكون مطهرا ، وبقوله
تعالى ( 1 ) ( صعيدا طيبا ) لدخول الطهارة في مفهوم
الطيب .
وان شئت قلت : ان المراد بالطيب هنا : الطاهر ، كما عن
غير واحد تفسيره به ،
بل عن المحقق الثاني نسبته الى المفسرين . ويؤيده ما عن
معاني الاخبار المتقدم من
تفسير الطيب بالمكان الذي ينحدر عنه الماء ، وبقوله (
عليه السلام ) ( 2 ) في الاخبار
………………………
( 1 ) سورة النساء - آية 46 .
( 2 ) الوسائل - باب 7 - من ابواب التيمم .
[ . . . ]
المستفيضة : جعلت لي الارض مسجدا وطهورا لان الطهور هو
الطاهر المطهر ، فاذا
عرضتها النجاسة لا توصف بالطهورية ، وباطلاق ادلة ( 1 )
التنزيل بضميمة ما دل على
اعتبار الطهارة في الماء الذي يتطهر به .
وفي الجميع نظر : اما القاعدة : فمضافا إلى انه لا مورد
للرجوع إلى المرتكزات
العرفية في مثل هذا الحكم التعبدي المحض الذي لا سبيل
للعرف إلى فهم ملاكه
وحكمته ، وليس مما عليه بنائهم كما يشهد له ان الماء
والتراب لا يكونان طاهرين من
الحدث ، ومع ذلك يعطيان الطهارة منه ، انها لو تمت فلا
ربط لها بالمقام ، اذ مفاد تلك
القاعدة عدم كون فاقد الشئ معطيا له لا شئ آخر ، وفي
المقام الارض تكون فاقدة
للطهارة الخبثية ، فلا تدل القاعدة على عدم كونها معطية
للطهارة الحدثية .
وبذلك يظهر ما في الثاني ، اذ لو سلم الانصراف بدوا بملاحظة
القاعدة ، لا
ريب في كونه زائلا بادنى تأمل والتفات ، ومثل هذا
الانصراف لا يصلح ان يكون مقيدا
للاطلاق .
واما الثالث : فان رجع إلى الاول فيرد عليه ما تقدم ،
وان اريد به غيره فهو
غير تام لعدم حكم العقل بامتناع مطهرية النجس ، بل الماء
القليل يكون مطهرا ، مع
انه في آن مطهريته يكون محكوما بالنجاسة بالملاقاة مع
النجس .
واما الرابع : فلان معنى الطيب لغة على ما صرح به
اللغويون هو ضد الخبيث ،
وما يكون خيره كثيرا ، والحلال ، وما ينبت ، ومنه : (
والبلد الطيب يخرج نباته باذن
ربه ) ولعل الجامع بين هذه المعاني هو الثاني كما لا
يخفى .
وعلى اي حال ليست الطهارة احدى معانيه لغة ، وتفسير
المفسرين بعد احتمال
ان يكون تفسير هم لاجل تسالمهم على هذا الحكم لا يفيد
بنحو يقدم على قول
………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 22 - من ابواب
التيمم .
[ . . . ]
اللغوين .
والمروي عن معاني الاخبار لا يدل عليه ، اذ لا تلازم بين
كون المحل مما ينحدر
عنه الماء وكونه طاهرا .
واما الخامس : فمضافا إلى ما تقدم في اول الجزء الاول من
هذا الشرح من ان
كون الطهور بمعنى الطاهر المطهر محل تأمل بل منع انه لو
كان معناه ذلك لا يدل
النبوي إلا على ثبوت هذين الحكمين له ، واما كون احدهما
شرطا للآخر فهو اجنبي
عن بيانه .
واما السادس : فلانه لا يستفاد من اخبار التيمم مساواته
للطهارة المائية في
جميع الاحكام إلا ما خرج بالدليل حتى مثل هذه الشروط ،
فاذا العمدة في هذاالحكم
هو الاجماع القطعي ، ويؤيده اطلاق ادلة التنزيل ، وما عن
المفسرين من تفسير
الطيب بالطهارة ، فلا ينبغي التوقف في الحكم فتأمل .
الثالث : صرح غير واحد باعتبار اباحة ما يتيمم به ،
واباحة مكانه ، والفضاء
الذي يتيمم فيه ، ومكان المتيمم فهاهنا مسائل :
الاولى : تعتبر اباحة ما يتيمم به كما هو المشهور ، بل
عن المصنف في التذكرة :
دعوى الاجماع عليه ، وهو مما لا اشكال فيه بناء على كون
الضرب مأخوذا في ماهية
التيمم ، فانه حينئذ يكون الضرب تصرفا في مال الغير ،
فينطبق عليه عنوان الغصبية ،
فيتحد المأمور به والمنهي عنه وجودا ، ولا مناص في امثال
المقام من القول بالامتناع ،
واما بناء على كون الضرب من مقدماته التوصلية فقد يشكل
في بطلان التيمم .
اقول : تارة ينحصر ما يتيمم به به ، واخرى لا ينحصر ،
اما في الصورة الاولى
فيقع التزاحم بين وجوب التيمم - وهو امرار اليد المضروبة
على الارض على الجبهة
[ . . . ]
واليدين - وحرمة الضرب ، فبما ان من مرجحات باب التزاحم
كون احدهما مما له
البدل ، وايضا من مرجحات ذلك الباب تقدم احد المتزاحمين
على الآخر ، فيقدم في
المقام ما دل على حرمة الغصب ، فيسقط الامر بالتيمم ،
وينتقل الفرض إلى المرتبة
اللاحقة ، نعم لو خالف النهي فضرب يديه على الارض بناء
على عدم اعتبار نية
القربة فيه على فرض كونه من المقدمات التوصلية للتيمم ،
يصح تيممه ، بل يجب
حينئذ للقدرة عليه بعده عقلا وشرعا كما لا يخفى ، وبذلك
يظهر وجه الصحة ووجوب
التيمم في صورة عدم الانحصار .
الثانية : تعتبر اباحة مكانه كما صرح به جماعة ، وملخص
القول فيها : ان
الضرب عليه حينئذ تارة يكون موجبا للتصرف في ذلك المكان
عرفا ، واخرى لا
يكون ، كما لو كان التراب في ظرف عميق مملوء منه لا كلام
على الثاني ، فان الضرب
حينئذ لا يكون حراما ، واما على الاول فبما ان الضرب
حينئذ عمل واحد ينطبق عليه
كلا العنوانين : العنوان المأمور به وهو التيمم ،
والعنوان المنهي عنه وهو التصرف في مال
الغير ، فيكون حكمه حينئذ حكم ما لو كان نفس التراب
مغصوبا ، فيجري فيه ما
ذكرناه في تلك المسألة .
الثالثة : صرح بعضهم باعتبار اباحة الفضاء الذي يتيمم
فيه ، واستدل له : بان
غصب الفضاء موجب لحرمة حركة اليد المعتبرة في مسح
الاعضاء لانها تصرف فيه .
وفيه : اولا : ان هذا النحو من التصرف في مال الغير لا
دليل على حرمته
لانصراف الادلة عنه ، لانه لا يعد عرفا تصرفا في مال
الغير .
وثانيا : انه لو سلم ذلك يكون المحرم من مقدمات التيمم
لا نفسه كما لا يخفى ،
فيدخل في باب التزاحم ، وعليه فيتجه التفصيل بين صورة
الانحصار فيبطل وعدمه
فيصح كما تقدم .
وبذلك يظهر حكم المسألة الرابعة وهي ما لو كان مكان
المتيمم غصبا ، فان
[ . . . ]
الاظهر هو التفصيل بين صورة امكان التيمم من دون ان
يتصرف في ذلك المكان
فيصح ولو جلس في ذلك المكان وتيمم ، وبين صورة عدم
امكانه ، فيبطل لسقوط امره ،
ولا يجري الترتب في امثال المقام مما هو مشروط بالقدرة
شرعا كما حققناه في الاصول .
الاول : ذكر بعض المحققين : انه لا فرق في بطلان التيمم
على التراب
المغصوب بناء على دخل الضرب في ماهية التيمم بين صورتي
العلم والعمد ، والجهل
او النسيان .
واستدل له : بانه على القول بالامتناع وتقديم جانب النهي
يخرج المجمع عن
حيز الامر ، ويكون متمحضا في الحرمة ، ومعه لا وجه
للاجتزاء به .
وبه يظهر ضعف ما ذكره بعض المعاصرين وجها للصحة في صورتي
الجهل
والنسيان : من انهما عذران عقلا في جواز مخالفة الحرمة ،
فلا يترتب عليها عقاب ، ومع
العذر لا يكون مبعدا ، فلا مانع من كونه مقربا ، لان
المانع كونه مبعدا وجه الضعف
ان المانع هو تمحض المجمع في كونه منهيا عنه غير مأمور به ، وهو موجود
في الصورتين .
ولكن ما ذكره : انما يتم في صورة الجهل غير المانع عن
فعلية الحكم الواقعي
ولا يتم في صورة النسيان ، اذ في تلك الصورة تكون الحرمة
مرتفعة بحديث الرفع ،
وعليه فلا مانع من كونه مأمورا به ، لان المانع هو كونه
منهيا عنه ، فبعد ارتفاعه يرتفع
اعتبار كونه مباحا .
ودعوى ان النسيان انما يوجب سقوط الحرمة ، واما الملاك
المقتضي للنهي فهو
باق على حاله ، فلا محالة يقع التنافي بينه وبين ملاك
الامر ، وحيث ان المفروض غلبة
ملاك النهي فلا يمكن التقرب بما يشتمل عليه ، مندفعة بان الملاك الذي لا يؤثر في
المبغوضية الفعلية ، ومعه يكون الفعل موردا للترخيص ، لا
يمكن ان يكون مانعا عن
[ . . . ]
تعلق الامر بالفعل ، مضافا إلى ما ذكرناه في محله من انه
بعد سقوط التكليف لا طريق
لنا إلى كشف وجود الملاك .
فتحصل : ان الاقوى هي الصحة في صورة النسيان ، وتلحق بها
صورتي
الاكراه والاضطرار .
الثاني : اذا كان عنده ترابان احدهما نجس يتيمم بهما
للعلم الاجمالي بوجوب
التيمم بالطاهر منهما ، وقيل : لا يجب بل يتركهما وينتقل
الفرض إلى المرتبة اللاحقة ،
واستدل له بان الوضوء بالمائين المعلوم نجاسة احدهما
ممنوع كما في الخبر ( 1 ) ، فمقتضى
اطلاق ادلة التنزيل ثبوت هذا الحكم للتيمم بالترابين
المشتبهين ، واجيب عنه بالفرق
بينهما ، حيث ان الوضوء بالمشتبهين يستلزم نجاسة البدن
بخلاف التيمم بهما .
وفيه : ما ذكرناه في محله من عدم الابتلاء بها لتعارض
استصحاب النجاسة
الثابتة للاعضاء حين الملاقاة مع النجس منهما ، مع
استصحاب الطهارة الثابتة لها حين
التوضي بالطاهر اذا غسل مواضع الوضوء بعد التوضي بالاول
بالماء الثاني ،
فيتساقطان ويرجع إلى اصالة الطهارة ، ولاجل ذلك بنينا
على ان مقتضى القاعدة هو
الوضوء بهما ، وانما منعنا عنه لمكان النص ، وبما انه
مختص بالوضوء بالقليل ، ففيما اذا
كان المائان كرين ، او كان احدهما كرا ، يتوضأ بهما .
فالحق في الجواب ان يقال : ان ادلة التنزيل لا نظر لها
إلى مثل هذا الحكم لا
سيما مع كونه مترتبا على بعض اقسام الوضوء ، وهو الوضوء
بالماء القليل ، دون الجميع
كما لا يخفى ، واختار المحقق النائيني ( ره ) : انه مع
التمكن من التيمم بغيرهما لا يجوز
التيمم بهما ، ومع عدم الامكان يجوز ذلك ، وهو مبني على
عدم جواز الامتثال الاجمالي
مع التمكن من الامتثال التفصيلي ، وحيث
ان المبنى فاسد - كما اشرنا إليه في الجزء
…………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب
الماء المطلق .
[ . . . ]
الاول من هذا الشرح فيما لو اشتبه الثوب النجس بالطاهر -
فالاظهر هو جواز
التيمم بهما حتى مع التمكن من التيمم بغيرهما .
الثالث : اذا اشتبه المباح بالمغصوب اجتنب عنهما ، ومع
الانحصار ينتقل
الفرض إلى المرتبة اللاحقة للعلم الاجمالي بوجوب
الاجتناب عن احدهما ، وان شئت
قلت : ان التيمم بالارض انما يجب عند الوجدان ، فلو كان
فاقدا لها ينتقل الفرض
إلى المرتبة اللاحقة ، والفقدان كما يتحقق فيما اذا لم
يكن المكلف متمكنا من استعمالها
وجدانا لعدم وجدانها ، او شرعا لحرمته ، فانه كذلك يتحقق
فيما اذا كان الاستعمال
ممنوعا بحكم العقل لاحتمال الضرر وهو العقاب كما في
المقام ، فانه لاجل العلم
الاجمالي بغصبية احدهما لا يجري الاصل في شئ منهما ، فكل
منهما مورد لقاعدة
وجوب دفع الضرر المحتمل .
الرابع : اذا كان عنده ماء وتراب ، وعلم بنجاسة احدهما ،
وكان الطهور
منحصرا ، بهما ، فعن المحقق النائيني : وجوب الوضوء
بالماء والاكتفاء به لعدم تنجيز هذا
العلم الاجمالي وجريان اصالة الطهارة في الماء بلا معارض
بدعوى : ان تنجيز العلم
الاجمالي متوقف على كونه منشأ للعلم بالتكليف الفعلي على
كل تقدير ، وهذا غير ثابت
في المقام ، اذ على تقدير كون النجس هو التراب لا يترتب
عليه شئ لان عدم جواز
التيمم حينئذ من جهة التمكن من الوضوء بالماء الطاهر لا
لنجاسة التراب .
وان شئت قلت : ان النجاسة المعلومة لم تؤثر في عدم جواز
التيمم على كل
تقدير ، اما على تقدير كون النجس هو الماء فواضح ، واما
على تقدير كونه هو التراب
فلان عدم جواز التيمم حينئذ مستند إلى وجود الماء الطاهر
لا إلى نجاسة التراب ،
وعلى ذلك فتجري اصالة الطهارة في الماء بلا معارض ، وبها
يرتفع موضوع جواز التيمم
وهو عدم التمكن من الماء .
وفيه : انه انما يتم اذا لم يكن للتراب أثر آخر غير جواز
التيمم ، كما اذا كان
[ . . . ]
التراب في مكان مرتفع لا يمكن السجود عليه ، او كان
مملوكا للغير لم يأذن في ذلك ،
ولا يتم فيما كان الابتلاء به من غير تلك الجهة ايضا ،
وكان له أثر آخر كالسجود عليه ،
فانه حينئذ تتعارض اصالة الطهارة في الماء مع اصالة
الطهارة في التراب فتتساقطان ،
وعليه فيجب عليه الجمع بين الوضوء والتيمم .
ومنه يظهر حكم ما لو علم بغصبية احدهما ، فانه ان لم يكن للتراب اثر سوى
جواز التيمم به ، فالعلم الاجمالي بغصبية احدهما لا يوجب
عدم جريان اصالة الحل
في الماء فتجري ويترتب عليها جواز الوضوء ووجوبه به .
لا يقال : ان الماء مورد لاصالة الاحتياط لا الحل بناء
على ما اشتهر من اصالة
الاحتياط في الابواب الثلاثة التي منها الاموال ، فانه
يقال : انها غير ثابتة بنحو الكلية
الشاملة لما اذا لم يكن اصل موضوعي مقتض للحرمة
وللاحتياط ، وان كان له اثر آخر
غير جواز التيمم يجري الاصل في كل منهما في نفسه ،
ويتعارضان فيتساقطان ، ويحكم
بكون المكلف فاقد للطهورين من جهة ان كلا من الماء
والتراب ممنوع الاستعمال
بحكم العقل لاحتمال الضرر وهو العقاب ، ووجه الفرق بين
ما لو علم غصبية
احدهما ، وبين ما لو علم بنجاسته - حيث حكمنا في الفرض
الاول بكونه فاقدا
للطهورين ، وفي الثاني بوجوب الجمع بين الوضوء والتيمم -
انه في الاول يحرم التصرف
في المغصوب ، وفي الثاني لا يحرم ذلك تكليفا كما لا يخفى .
ثم انه فيما علم بنجاسة احدهما وكانت وظيفته الجمع بين
الوضوء والتيمم ، يجب
عليه تقديم التيمم ، اذ لو قدم الوضوء يعلم بعدم مشروعية
التيمم بناء على اعتبار
طهارة الاعضاء في التيمم لنجاسة التراب او لنجاسة اعضائه
.
لا يقال : ان شرطية طهارة الاعضاء ساقطة عند الاضطرار ،
فانه يقال : ان
التيمم الفاقد لهذا الشرط محكوم بالصحة اذا لم يكن
الفقدان بجعل المكلف نفسه
عاجزا عن تحصيله كما في المقام ، فان له تقديم التيمم
على الوضوء فلا يبتلي بذلك ، مع
[ . . . ]
ان ايقاع النفس اختيارا إلى الاضطرار بترك الشرط لا يجوز
، فلو فرض صحة التيمم
يكون التقديم واجبا لذلك .
ومنه يظهر لزوم مسح الاعضاء عن الغبار لو قدم التيمم
لئلا يحصل العلم
بنجاسة الماء ، اما لكونه نجسا او لتنجسه بملاقاة
الاعضاء ، ولئلا يبتلي بنجاسة
الاعضاء ، اما لنجاسة الماء او لنجاسة التراب .
الخامس : المحبوس في مكان مغصوب ، هل يجوز له ان يتيمم
فيه ام لا ؟ وجهان
بل قولان ، اقواهما الاول ، لان التيمم لا يكون تصرفا
زائدا على ما اضطر إليه من
الغصب ، وحيث ان الاضطرار اوجب رفع الحرمة فيرتفع المانع
من شمول دليل الامر
بالتيمم لهذا الفرد ، فيشمله اطلاق دليله فيجب .
لا يقال : ان الاضطرار انما اوجب رفع الحرمة ، فدليل
حرمة الغصب خصص
في مدلوله المطابقي ، واما بالنسبة إلى مدلوله الالتزامي
وهو عدم وجوب متعلق النهي
فهو باق على حجيته لعدم ورود التخصيص عليه من هذه الجهة
.
فانه يقال : ان الدلالة الالتزامية كما تكون تابعة
للدلالة المطابقية وجودا فانها
تكون تابعة لها في الحجية كما حقق في محله .
فان قلت : ان الاضطرار انما اوجب رفع الحكم ، واما
الملاك فلا دليل على رفعه ،
وهو يمنع من اتصاف الفعل بالمحبوبية والتقرب به إلى الله
تعالى .
قلت : ان الملاك الذي لا يؤثر في الحرمة والمبغوضية
الفعلية لا يصلح ان يكون
مانعا عن ايجاب الفعل ، ودعوى ان ما ذكر انما يتم
بالنسبة إلى الفضاء ، ولا يتم
بالنسبة إلى الارض ، فان الضرب على الارض تصرف فيها زائد
على التصرف في
الفضاء فلا يجوزه الاضطرار إلى شغل الفضاء بالجسم ،
مندفعة بان المكلف اذا كان
مضطرا إلى المكث في المحل المغصوب ، لا يفرق الحال بين
ان يقف فيه او ينام او يصلي
او غير ذلك من الحالات ، ولا يعد النوم مثلا بالقياس إلى
الوقوف تصرفا زائدا ، والسر
[ . . . ]
فيه ان الجسم يشغل مقدارا معينا من الحيز بقدر حجمه بأي
نحو وضعه .
فتحصل : ان الاظهر جواز التيمم فيه .
الرابع : صرح جماعة منهم ابن الجنيد والسيد والمحقق
البهائي ووالده والمحدث
الكاشاني والبحراني والبهبهاني وصاحب الحدائق : بانه يعتبر ان يعلق من ما يتيمم به
شئ باليد ، بل نسب ذلك الى اكثر الطبقة الثالثة .
والمشهور بين الاصحاب نقلا مستفيضا وتحصيلا كما في
الجواهر عدم اعتباره ،
وعن المصنف في المنتهى ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد
: دعوى الاجماع عليه ،
واستدل للاول بامور : الاول : قوله تعالى ( 1 ) (
فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه ) بدعوى ظهور
كلمة من في التبعيض كما يظهر من ملاحظة نظائر المقام ،
ففي الحدائق عن
الكشاف : انه لا يفهم احد من العرب من قول القائل : مسحت
رأسي من الدهن او
من الماء او من التراب إلا معنى التبعيض ، وعدم ذكر لفظه
منه في آية التيمم في
سورة النساء لا ينافي ذلك ، فان القرآن يقيد بعضه بعضا .
وفيه : مضافا إلى ما عن جماعة من النحويين من المنع من
ورود من لغير
الابتداء ، انه لو حمل لفظة من على التبعيض لزم زيادتها
، فانه لو قال : فامسحوا
بوجوهكم الصعيد ، لما كان يستفاد منه إلا ذلك لتعذر
ارادتها كلها ، مع ان معنى الآية
حينئذ يكون هو لزوم مسح الصعيد بالوجه واليدين ، وهو لا
يعتبر نصا واجماعا ، لا
سيما وان رجحان النفض مورد الاجماع .
………………………
( 1 ) سورة المائدة - الآية 8 .
[ . . . ]
ودعوى انه يمكن ان يقال : ان الاجزاء الصغار الباقية في
اليد بعد النفض
كافية في صدق كون المسح ببعض الصعيد ، مندفعة بعدم صدق
الصعيد والتراب على
الغبار الباقي في اليد كما لا يخفى ، وعليه فيتعين حمل
من على الابتداء ، فيكون المعنى
حينئذ انه يعتبر ان يكون ابتداء المسح من الصعيد ،
وبعبارة اخرى يكون المسح بأثر
الصعيد .
الثاني : صحيح ( 1 ) زرارة عن الامام الباقر ( عليه
السلام ) المتقدم : فلما ان وضع
الوضوء عمن لم يجد الماء اثبت بعض الغسل مسحا ، لانه قال
( بوجوهكم ) ثم وصل
بها ( وايديكم منه ) اي من ذلك التيمم ، لانه علم ان ذلك
اجمع لا يجري على الوجه
لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها .
وقد استدل بموردين منه : الاول : قوله ( عليه السلام ) :
من ذلك التيمم ،
بدعوى ان المراد به ما يتيمم به ، وان لفظة من للتبعيض ،
الثاني : قوله في مقام التعليل :
لانه علم ان ذلك اجمع لا يجري على الوجه لانه يعلق من
ذلك الصعيد ببعض الكف .
وفيهما نظر : اما الاول : فلما عرفت في مقام الجواب عن
الاستدلال بالآية
الشريفة ، واما الثاني : فلأنه لو كان علة يدور الحكم
مدارها . للزم اعتبار العلوق ببعض
الكف بحيث لا يكفي العلوق بتمام الكف وهذا مما لم يلتزم
به احد .
وعليه فلا مناص عن حمله على كونه حكمة جارية مجرى الغالب .
وبما ذكرناه في كيفية الاستدلال بالآية الشريفة ، وصحيح
زرارة ، والجواب
عنهما ، يظهر تقريب الاستدلال بما في بعض الصحاح كصحيح
الحلبي : فليتمسح من
الارض وما يرد عليه .
الرابع : اطلاق نصوص ( 2 ) النفض من دون تقييده بما اذا
اتفق العلوق فان
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب
اليتمم الحديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب التيمم .
] وكيفيته أن
يضرب بيديه على الأرض [
لازمة قابلية كل تيمم صحيح لان يقع فيه هذا الامر المطلوب .
وفيه : ان النفض بما انه مستحب فغاية ما يمكن اثباته
بهذه النصوص
استحباب العلوق لا اعتباره كما لا يخفى .
الخامس : ظهور ما دل على ( 1 ) طهورية التراب وتنزيله
منزلة الماء .
وفيه : مضافا إلى ان طهوريته أمر تعبدي صرف متلقى من
الشارع ، وتنزيله
منزلة الماء في تلك لا يستدعي اعتبار مباشرته للجسد
كالماء ، انه لا شبهة في عدم
اعتبار مباشرته له نصا واجماعا حتى من القائلين باعتبار
العلوق ، فانه لا خلاف بينهم
في رجحان النفض المستلزم لعدم بقاء الصعيد في الكف وان
بقى اثره .
فتحصل : ان شيئا مما استدل به على اعتبار العلوق لا يدل عليه ،
فالاظهر عدم
اعتباره للاصل واطلاق الادلة ، واما ما في المعتبر من
الاستدلال لعدم الاعتبار بان
النبي ( صلى الله عليه وآله ) نفض يديه من التراب ولو
كان بقاؤه معتبرا لما نفض يديه ،
ولانه تعريض لازالته فهو كما ترى ، اذ يمكن ان يعتبر
العلوق لا لكونه مستلزما
لمباشرة الصعيد للجسد ، بل لجهة اخرى مجهولة لنا كملاك
مطهرية التراب ، نعم
يستحب العلوق كما تشهد له نصوص النفض بالتقريب المتقدم .
) وكيفيته ان يضرب بيديه على الارض ) اجماعا محصلا ومنقولا
ومنصوصا ،
وانما الكلام والخلاف في موارد .
الاول : هل يعتبر الضرب كما عن المشهور ، ام يكتفى
بالوضع كما في الشرائع
وعن القواعد والذكرى والدروس وجامع المقاصد وحاشية
الارشاد والمحقق الاردبيلي ؟
…………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب
التيمم .
[ . . . ]
وجهان ، ومنشأ الاختلاف اختلاف الاخبار ، ففي جملة منها
الامر بالضرب كصحيح ( 1 )
زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) بعد ان سأله عن
كيفية التيمم ، التيمم ضرب
واحد للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين .
وما رواه ( 2 ) في محكي التهذيب عن ليث المرادي عن
الصادق ( عليه السلام )
في التيمم : تضرب بكفيك على الارض مرتين ثم تنفضهما
وتمسح بهما وجهك وذراعيك
ونحوهما غيرهما ، وفي جملة منها ما يظهر منه الاكتفاء
بمطلق الوضع ، وعمدتها
النصوص الواردة في مقام بيان التيمم بنقل قضية عمار وفعل
النبي ( صلى الله عليه
وآله ) كصحيح ( 3 ) زرارة عن الباقر ( عليه السلام )
اهوى اي رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) بيده الى الارض فوضعهما على الصعيد .
وخبر ( 4 ) داود بن النعمان عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) : فوضع يديه على
الارض ثم رفعهما .
وخبر ( 5 ( ابي ايواب الخزاز عنه ( عليه السلام ) : فوضع يده على
المسح ثم رفعها .
ونحوها غيرها .
وتنقيح القول في المقام : ان مفهومي الوضع والضرب ، ان
كانا متباينين ، وكان
الضرب المماسة مع الدفع والاعتماد ، والوضع المماسة بغير
دفع واعتماد ، فيتعين الالتزام
بالثاني ، إذ الجمع بين الطائفتين يقتضي التخيير .
وبعبارة اخرى يقتضي الالتزام بكفاية القدر المشترك بين
المفهومين من دون
اعتبار شئ من الخصوصيتين .
ودعوى ان هذا الجمع في المقام غير تام اذ الظاهر ان
الاخبار الحاكية لفعل
…………………………………………………..
( 1 - 2 ) الوسائل - باب 12 - من
ابواب التيمم حديث 1 و 4 .
( 3 - 4 - 5 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب التيمم حديث 2 و 4 و 8 .
[ . . . ]
النبي ( صلى الله عليه وآله ) في قضية عمار انما هي
اخبار عن واقعة شخصية ، مندفعة
بأن تلك الاخبار انما يستند إليها من جهة ان نقل المعصوم
فعل النبي ( صلى الله عليه
وآله انما يكون بيانا للحكم الشرعي ، وعليه فهو انما
يحكي الخصوصيات الدخيلة في
الحكم دون غيرها ، ولذا نلتزم بأن كل خصوصية من
الخصوصيات التي ينقلها المعصوم
دخيلة في الحكم ويجب مراعاتها ، وعليه فبماانه ( عليه
السلام ) في مقام نقل فعله ( صلى
الله عليه وآله ) عبر تارة بوضع يديه على الصعيد ، واخرى
بضربهما عليه ، فيستكشف
من ذلك عدم دخل شئ من الخصوصيتين ، وانه ( عليه السلام )
في مقام النقل نظره
إلى بيان القدر المشترك .
واما ان كانت النسبة بين المفهومين عموما مطلقا ، وكان
الضرب اخص مفهوما
من الوضع ، فيتعين الالتزام بالاول حملا للمطلق على
المقيد ، ودعوى ان النصوص
الواردة في المقام لا سبيل إلى حمل مطلقها على مقيدها
لكونهما من قبيل المثبتين ،
مندفعة بأن المقيد لاشتماله على الامر بالخاص الظاهر في
كونه ارشادا إلى اعتبار
الخصوصية في صحة التيمم لا مناص عن الحمل المذكور كما
انه على فرض كون
النسبة بين الطائفتين عموما من وجه بدعوى ان المتبادر من
الوضع ما لم يكن فيه
شدة واعتماد عكس الضرب ، ومع ذلك يتصادقان في بعض
المصاديق التي تتحقق بها
اول مراتب الضرب ، لا مناص عن الالتزام بهذا القول ، لان
ظهور نصوص الوضع
في كفاية مطلق الوضع اضعف من ظهور نصوص الضرب في اعتبار
الضرب فتأمل .
وحيث ان المستفاد من كلمات اللغويين والمتفاهم العرفي
اخصية الضرب من
الوضع فالاقوى هو القول الاول ، وهو اعتبار . الضرب .
ثم انه لو اضطر بأن تمكن من الوضع دون الضرب فالظاهر
كفاية الوضع ،
لا لقاعدة الميسور لما عرفت مرارا من انها غير ثابتة ،
ولا لما في الجواهر من اطلاق ما دل
على الوضع مع عدم المقيد هنا لظهور ختصاص ادلة الضرب
بالاختيار لمنع هذا
[ . . . ]
الظهور ، بل مقتضى اطلاق دليل الضرب ثبوت اعتبار الضرب
في جميع حالات الامر
بالتيمم ، ولازمه سقوط الامر به عند الاضطرار وعدم
التمكن من الضرب ، ولما عن
غير واحد من دعوى الاجماع عليه .
الثاني : المشهور بين الاصحاب : عدم كفاية الضرب بأحدى
اليدين ، وفي
الجواهر : اجماعا محصلا ومنقولا ونصوصا .
وتشهد له النصوص ( 1 ) المتواترة الامرة بضرب اليدين وحكاية ذلك عن النبي
) صلى الله
عليه وآله ) ، وعن المصنف في التذكرة والنهاية : احتمال الاجتزاء بالمسح بكف
واحدة وعن المقدس الاردبيلي : استظهار الاجتزاء بضربة
واحدة ، واستدل لذلك
بموثق ( 2 ) زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) عن
التيمم : فضرب بيده على الارض
ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبينه وكفيه مرة واحدة .
وخبره ( 3 ) الآخر عنه ( عليه
السلام ) : وفيه : فضرب بيديه على الارض ثم ضرب احداهما
على الآخرى ثم مسح
بجبينه ثم مسح كل واحدة على الاخرى مسح باليسرى على
اليمنى واليمنى على
اليسرى وخبر أبي ايوب المتقدم ، ولكن الأولين ظاهران
بقرينة ما في ذيلهما من مسح
الكفين في ارادة الجنس الصادق على القليل والكثير من
اليد لا الفرد ، وعليه يحمل
الأخير على ذلك .
ثم ان هل يعتبر ان يكون دفعة كما عن الحدائق نسبته إلى
ظاهر الاصحاب ،
ام يكفي الضرب بهما على التعاقب ؟ وجهان اقواهما الاول ،
لان المتبادر إلى الذهن من
النصوص الامرة بضرب الكفين ارادة ضربهما معا ، وكذلك
النصوص ( 4 ) الحاكية لفعله
………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب
التيمم .
( 2 - 3 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب التيمم حديث 3 و 9 .
( 4 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب التيمم .
[ . . . ]
) صلى الله
عليه وآله ) كقوله ( عليه السلام ) : فضرب بيديه على الارض . واما اخبار الضربة
والضربتين فالظاهر كونها اجنبية عن المقام ، فان
المتبادر منها ارادة ما يقابل التعدد لا
التدريج .
الثالث : صرح غير واحد باعتبار كون الضرب أو الوضع بباطن
الكفين ، وانه
لا يكفي الضرب بظاهرهما ، وعن بعض المحققين : انه وفاقي
، ويشهد له - مضافا إلى
انه المعهود من الضرب والوضع كما في المدارك ، وان عليه
عمل المسلمين في الاعصار
والامصار من دون شك كما عن بعض المحققين ، وإلى الاجماع
عليه - ما عن نوادر ( 1 )
أحمد بن محمد بن ابي نصر عن عبد الله بن بكير عن زرارة
عن الامام الباقر ( عليه
السلام ) : فضرب ( أي رسول الله - ص - ) بيديه على الارض
، ثم ضرب احداهما
على الاخرى ثم مسح جبينه ، ثم مسح بكفيه كل واحدة على
ظهر الاخرى . فان
الظاهر منه كون الماسح هو بطن كل كف ، وهو الذي يضرب على
الصعيد ، كما لا
يخفى .
ويؤيده انه بقرينة مناسبة الحكم والموضوع يمكن استفادة
ذلك من نصوص
الكف ، اذ الظاهر منها اذا اسند إليها ما يناسب الباطن
كالأكل والمسح مما جرت
العادة بحصوله من الباطن ، اراداته دون الظاهر .
ثم انه لو تعذر الباطن فيهما ينتقل إلى الظاهر لاطلاق
نصوص الكف ، وادلة
التقييد مختصة بحال الاختيار ، اما الاولان فواضح ، واما
الثالث فلانه انما يدل على
لزوم كون المسح بالباطن عند الاختيار من جهة نقل تيممه (
صلى الله عليه وآله ) ، ولا
اطلاق له كي يشمل حال التعذر كما لا يخفى ، واما الرابع
فلان انصراف الاطلاقات
إلى الباطن انما هو مع الامكان لا مطلقا ، فان المتعارف
في حق العاجز الضرب بظاهر
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب
التيمم حديث 9 .
] ناويا [
الكفين ، فهذا الترتيب عرفي ينطبق عليه الاطلاق من دون
ان يكون اللفظ مستعملا
في أكثر من معنى واحد .
ولو تعذر الباطن في أحداهما ، فهل يكتفي بالظاهر فيهما ،
ام يقتصر على
الضرب بباطن احداهما ، ام يتعين الضرب بباطن احداهما
وظاهر الاخرى ؟ وجوه : قد
استدل للاول : باختصاص ما دل على اعتبار كون الضرب بباطن
الكفين بصورة
الامكان فيهما ، ففي غيرها يرجع إلى اطلاق نصوص الكف .
وفيه : مضافا إلى ان الظاهر بواسطة المناسبات المغروسة
في الاذهان كون كل
من الكفين موضوعا مستقلا يعتبر أن يكون الضرب في كل واحدة
بالباطن فتعذر
الضرب بباطن احداهما لا يوجب تبديل التكليف في الاخرى ،
ان الاطلاقات كما انها
تنصرف إلى الباطن فيهما مع الامكان بالتقريب المتقدم ،
كذلك تنصرف إلى الباطن
في احداهما لو تعذر في الاخرى كما مر ، فاذا الاقوى هو
الوجه الثالث .
ثم انه يعتبر أن يكون التيمم في حال كون التيمم ( ناويا
) اجماعا حكاه جماعة ، بل
عن التذكرة : دعوى اجماع علماء الاسلام عليه ، ويشهد له
مضافا إلى ذلك ، ان الفعل
غير الصادر عن الاختيار لا يتصف بالحسن ولا القبح ، فلا
يتعلق به الامر ولا النهي
فنفس تعلق الامر يدل على اعتبارها .
وتعتبر ايضا - بلا خلاف بل باجماع علماء الاسلام - نية
القربة ، للاجماع على
كونها من العبادات وتقتضيها مرتكزات المتشرعة ، واطلاق
ادلة البدلية بضميمة ما دل
على عبادية الوضوء والغسل ، واعتبار نية القربة في
العبادات لعله من الضروريات ،
وتشير إليه نصوص ( 1 ) كثيرة تقدم بعضها في مبحث الوضوء .
…………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 5 - من ابواب
مقدمة العبادات .
[ . . . ]
انما الخلاف والكلام في انه هل تعتبر ان تكون نية القربة
مقارنة لضرب اليدين
كما هو المشهور ، ام تكفي مقارنتها لمسح الجبهة كما
احتمله المصنف ( ره ) في محكي
النهاية وعن المفاتيح التصريح به ؟ قولان ، وذكروا ان
منشأ هذا الخلاف النزاع في ان
ضرب اليدين من اجزاء التيمم ام من شروطه ؟ اذ على الاول
تعتبر مقارنة النية له ،
اذ يشهد لعباديته ما دل على عبادية التيمم . وعلى الثاني
لا يعتبر ذلك لعدم الدليل
على اعتبارها ، فيرجع إلى اصالة التوصلية فيه .
اقول : يقع الكلام في موردين : الاول : في انه جزء ام
شرط ؟ الثاني : في انه على
فرض كونه شرطا هل هو من العبادات ام من التوصليات ؟
اما المورد الاول : فقد استدل للثاني بظاهر الآية
الشريفة ( 1 ) وخبر ( 2 ) زرارة عن
احدهما ( عليه السلام ) في حديث : ان من خاف على نفسه من
سبع او غيره ، او خاف
فوت الوقت فليتيمم بضرب يده على اللبد او البرذعة ويتيمم
ويصلي . فان الظاهر منه
خروج الضرب من حقيقة التيمم ، وكونه مقدمة له .
واجاب بعض المعاصرين عن الآية الشريفة : بانه في الآية
الشريفة لم يذكر
الضرب ، فظاهرها عدم وجوبه ، فاذا دلت النصوص على وجوبه
وجزئيته وجب
التصرف في ظاهر الآية .
وفيه : ان قوله تعالى في ذيل قوله ( فتيمموا صعيدا طيبا
) ( منه ) اي من
الصعيد يدل على اعتبار كون المسح ناشئا من الصعيد ، فهي
تدل على اعتبار مماسة
الماسح مع الصعيد قبل المسح ، وعليه فيكون ما دل على
اعتبار الضرب مثلا مبينا
للآية الشريفة .
………………………..
( 1 ) سورة المائدة - الاية 6 .
( 2 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب التيمم حديث 5 .
[ . . . ]
فالاولى ان يجاب عنه : بان ظاهر الآية الشريفة جزئيته
للامر بالتيمم - الذي
عرفت في صدر المبحث ان المراد به هو القصد إلى التراب
للمسح على الوجه واليدين
- وظاهر الامر دخالة ما تعلق به في المأمور به لا دخالة
التقيد به خاصة ، مع انه لو
سلم اجمال الآية الشريفة من هذه الجهة فمقتضى الاصل وان
كان هي الشرطية
لاعتبار التقيد فيه على التقدير والشك في دخالة الضرب
بنفسه ، إلا انه انما يتم مع
عدم الدليل على الجزئية ، وستعرف ما يدل عليها .
واما الخبر فالتيمم فيه وان استعمل في ما عدا الضرب ،
إلا ان الاستعمال اعم
من الحقيقة ، واصالة الحقيقة انما يرجع إليها لتعين
المراد لا لاظهار كيفية الاستعمال
مع معلومية المراد .
واستدل للجزئية : بظاهر النصوص البيانية ، وبانه لولا
الجزئية لزم جواز تلقيه
الريح بجهته المجمع على بطلانه ، وفيهما نظر : اما
النصوص البيانية : فلان الفعل اعم
من الجزئية والشرطية ، واما الثاني : فلان وجوب الضرب
مما لا كلام فيه ، انما الكلام في
الجزئية والشرطية .
فالصحيح ان يستدل للجزئية مضافا إلى الآية الشريفة كما
عرفت ، بالامر به
في بعض نصوص الباب كقوله ( عليه السلام ) في خبر ( 1 )
زرارة عن مولانا الباقر ( عليه
السلام ) : تضرب بكفيك الارض . . . الخ ونحوه غيره ،
الظاهر في ان ما تعلق به بنفسه
دخيل في المأمور به لا التقيد به خاصة كما لا يخفى ، وما
في بعضها كصحيح الكندي
من التصريح بان التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين ، ونحوه
صحيح زرارة .
فتحصل : ان الاقوى جزئيته ، فاعتبار نية القربة فيه ايضا
لا اشكال فيه .
اما المورد الثاني : فالاقوى ايضا اعتبارها فيه بناء على
شرطيته ايضا ، وذلك
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب
التيمم حديث 7 .
] وينفضهما [
لان الظاهر من خبر الكندي المتقدم اعتبار صدور كل ضربة
بداعي مسحة واحدة ،
اي ضربة لمسح الوجه ، وضربة لمسح الكفين . ومن الواضح ان
اتيان المقدمة بداعي
التوصل بها إلى ذي المقدمة يوجب صيرورة المقدمة عبادة ،
اذ لا يعتبر في العبادية
سوى العمل بالوظيفة ، واستناد الفعل إلي الله تعالى .
ودعوى : انه يحتمل ان يكون المراد به ان الامر بضربتين انما يكون
لاجل
اعتبار كون المسحتين عن ضربتين كل مسحة عن ضربة فلا يدل
على اعتبار قصد
التوصل إلى المسح في كل ضربة ، مندفعة بانه خلاف الظاهر
كما لا يخفى .
فتحصل : ان الاظهر اعتبار مقارنة نية القربة لضرب اليدين
مطلقا سواء كان
الضرب جزء ام شرطا .
ثم إن الكلام في انه : هل تعتبر نية رفع الحدث او
الاستباحة او هما معا ، ام لا
يعتبر شئ منهما على القول بكونه رافعا للحدث ؟ وانه هل
تعتبر نية الاستباحة خاصة
ام لا تعتبر بناء على القول بعدم رافعيته ؟ هو الكلام في
اعتبار ذلك في الوضوء طابق
النعل بالنعل فلا نعيد ما ذكرناه .
وعليه فالاقوى عدم اعتبار نية شئ منهما ، وكذلك لا تعتبر
نية البدلية لعدم تعدد
حقيقة التيمم ، بل هي حقيقة واحدة غير مختلفة بالذات
والعنوان كي يتوقف تحقق
كل منهما على قصد البدلية ، ولا يكون قصدها مأخوذا فيه
لعدم الدليل عليه من غير
فرق في ذلك بين ما لو قلنا : بأن التيمم الذي بدل عن
الغسل ، والتيمم الذي يكون
بدلا عن الوضوء مختلفان في الكيفية من حيث عدد الضربات ،
وبين ما لو قلنا بانهما
متحدان لعدم الاختلاف بينهما على التقديرين من حيث
العنوان كما لا يخفى .
) وينفضهما )
بلا خلاف بل ، عن المنتهى : نسبته إلى علمائنا للاخبار الكثيرة
المتقدمة في المباحث السابقة الآمرة بالنفض ، وظاهرها
وان كان هو الوجوب إلا انها
محمولة على الاستصحاب لعدم الخلاف في استحبابه ، بل عن
المصنف في التذكرة :
] ويمسح
بهما وجهه [
دعوى الاجماع على عدم الوجوب .
ثم ان النفض لا يصدق إلا فيما علق باليد شئ من اجزاء
الارض مما يزال
بالنفض ، فلا يستحب مع عدم العلوق .
والمراد به : ما يعم ضرب احدى اليدين على الاخرى وصفقهما
، لقوله ( عليه
السلام ) في صحيح ( 1 ) زرارة الحاكي لفعله ( صلى الله
عليه وآله ) : ثم ضرب احداهما
على الاخرى . فانه حكى هذا الفعل في سائر النصوص بقوله
فنفضهما فان ذلك
كاشف عن اتحاد المراد من العبارتين .
) ويمسح بهما وجهه ) بلا خلاف فيه في الجملة ، بل هو محل
الوفاق بين
المسلمين ، وانما الكلام في موردين : الاول في حد
الممسوح ، فالمنسوب إلى علي بن
بابويه في رسالته : لزوم استيعاب الوجه ، وان كان في
النسبة ما ستعرف ، وعن ولده
الصدوق في الهداية : الاقتصار على الجبينين ، مع زيادة
الحاجبين ، وعن المشهور كما في
الحدائق : اعتبار مسح الجبهة خاصة وستعرف ما في هذه
النسبة ايضا ، وان المشهور
بينهم : اعتبار مسح الجبهة والجبينين ، وفي المعتبر :
التخيير بين مسح الوجه وبعضه ، وعن
كشف الرموز : تقريبه ، وفي المدارك : انه حسن .
اما الاول : فقد استدل له بجملة من نصوص التيمم البيانية
قولا وفعلا والتي
تبلغ عشرة ، وفيها الصحيح .
وفيه ان ظاهر تلك النصوص وان كان ذلك إلا انه لابد من
رفع اليد عنه
وحملها على ارادة البعض لوجوه : الاول : الاجماع على عدم
وجوب مسح تمام الوجه .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب
التيمم حديث 9 .
[ . . . ]
وعلي بن بابويه لا يكون مخالفا لذلك كما يشهد له ما عن
امالي ولده نسبته إلى دين
الامامية ، وانه مضى على ما مضى عليه المشايخ ، فان ذلك
من جهة اعتقاد الصدوق
ان والده رئيس الامامية اقوى شاهد على ان مذهبه كان وعدم
وجوب مسح تمام الوجه ،
وانما عبر بلفظ الوجه تبعا لما في النصوص كما هو عادة
القدماء ، لا سيما هو في رسالته .
الثاني : دلالة الآية الشريفة على ارادة البعض من الوجه
المعتبر مسحه لمكان
الباء ، فانها اذا دخلت على المتعدي تبعضه كما اختاره
أهل العربية ، مع انها لو لم تحمل
عليه لزم الالتزام يزيادتها وهي خلاف الاصل ، مضافا إلى
تصريح امامنا الباقر في
صحيح زرارة الوارد في تفسير الآية الشريفة بذلك .
الثالث : نصوصية جملة من النصوص البيانية المتضمنة انه (
صلى الله عليه وآله )
مسح جبينيه وجبهته ، في عدم وجوب مسح الجميع .
وعلى هذا فلا يبقى دليل على مسح تمام الوجه كي يقال : ان
الجواب الحق
العمل بالخبرين فيكون مخيرا بين مسح الوجه او بعضه كما
في المعتبر .
واما القول الثاني : فقد استدل له بجملة من النصوص
البيانية المقتصرة على
لفظ الجبين ، فانها ظاهرة في اعتبار مسحهما بالخصوص .
وفيه انه للاجماع على وجوب مسح الجبهة تحصيلا ونقلا
مستفيضا ، بل متواترا
كما في الجواهر ، بل عن المستند والمصابيح : انه ضروري
الدين فيتعين حمل الجبين على
خصوص الجبهة او على ما يعمها ، ومخالفة الصدوق وحده لا
تضر بالاجماع ، مع ان
الظاهر عدم مخالفته مع القوم في ذلك ، وانما عبر بالجبين
لتبعية النصوص ، كما يشهد له
انه لم يحك احد عنه خلافا في ذلك ، فوجوب مسح الجبهة مما
لا كلام فيه .
ويؤيده موثق ( 1 ) زرارة المروي عن التهذيب عن الباقر (
عليه السلام ) عن
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب
التيمم حديث 3 .
] من
قصاص الشعر إلى طرف الأنف [
التيمم : فضرب بيده الارض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها
جبهته ووجه عدم
الاستدلال به وجعله مؤيدا أنه عن الكافي روايته ( 1 )
جبينه فيدور الامر بين وجوب
مسح الجبينين ايضا وعدمه وقد عرفت نسبة صاحب الحدائق
عدمه إلى المشهور ،
والظاهر عدم صحة هذه النسبة ، بل المشهور على وجوبه ، بل
عن الامالي : نسبته إلى
دين الامامية تارة ، وانه مضى عليه مشايخنا اخرى ، وعن
شرح المفاتيح : لعله لا نزاع
فيه بين الفقهاء . ولعل الذي غره تعبير جماعة بالوجه (
من قصاص الشعر الى طرف
الانف ) كما في المتن ، وعن المفيد والسيد والحلبي
والشيخ وابن ادريس وغيرهم
فاستظهر منهم الاختصاص بالجبهة ، وتعبير آخرين بالجبهة
لكن الظاهر من الجميع
ارادة ما يشمل الجبينين . اما الاولون المعبرون بالوجه
فلشموله لهما لا سيما بعد
ملاحظة تحديد الوجه عرضا في باب الوضوء ، واما المعبرون
بالجبهة فلاستدلال بعضهم
باخبار الجبينين على الجبهة وعدهم ابن بابويه وابن
الجنيد من القائلين بمسح الجبهة
مع نصهما على الجبينين .
وكيف كان ، فيشهد لوجوب مسحهما نصوص الجبين ، فان حملها
على ارادة ما
يعم الجبهة اقرب من حملها على خصوص الجبهة ، بل لا يصح
هذا الحمل فيما اشتمل
منها على المثنى ، ولا يعارضها خبر الجبهة المتقدم لما
عرفت من روايته في الكافي بلفظ
الجبين ، مع ان ارادة ما يعم الجبينين من الجبهة شائعة ،
وعلى كل حال حملها على ذلك
اهون من حمل الجبين على الجبهة خاصة ، ويؤيده ما دل على
المسح بالكفين معا
لضرورة عدم سعة الجبهة المجرد لذلك .
واستدل للعدم بحمل نصوص الجبين على الجبهة مؤيدا له بأنه
من دون ذلك
يبقى ما عليه الاصحاب من التخصيص بالجبهة بغير مستند ،
وبشيوع التعبير عنها
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب
التيمم حديث 3 .
[ . . . ]
بالجبين كما في حسن ابن المغيرة وموثق ( 1 ) عمار : لا
تجزي صلاة لا يصيب الانف ما
يصيب الجبين وبورود لفظ الجبين مفردا في بعض النصوص ،
وبان نصوص الجبينين
محتملة للاستحباب ، اذ هي متضمنة لنقل الفعل غير الظاهر
في الوجوب ، ولذا ذكر في
جملة منها نفض اليدين الذي هو مستحب بلا كلام .
وفي الجميع نظر : اما الاول : فلما عرفت من ان ما عليه
الاصحاب هو وجوب
مسح الجبينين .
واما الثاني : فلان في الخبرين لم يحرز استعمال الجبين
في خصوص الجبهة ، بل
يمكن ان يكون المراد بها ما يعمها ، مع ان استعمالها
فيها في مورد مع القرينة لا يكون
دليلا على استعمالها فيها مطلقا حتى مع عدم القرينة .
واما الثالث : فلانه لا يتم فيما اشتمل منها على المثنى
، مع ان الامر لو كان
دائرا بين ارادة خصوص الجبين وبين ارادة الجبهة لتم ما
ذكره في لفظ الجبين المفرد ،
ولكن لا يتم في مثل المقام الذي يكون الامر دائرا بين
ارادة ما يعم الجبهة ، وارادة
خصوص الجبهة ، فان ذكر لفظ الجبين مفردا يلائم مع الاولى
ايضا كما لا يخفى .
واما الرابع : فلما عرفت مرارا من ان حكاية الفعل في
مقام بيان الحكم تدل
على الوجوب .
فتحصل : ان الاقوى وجوب مسح الجبينين ايضا .
ثم ان المحكي عن الصدوق في الفقيه : وجوب مسح الحاجبين ،
واختاره في
محكي جامع المقاصد ، ونفي عنه البأس في محكي الذكرى ، بل
ظاهر قول المصنف ( ره )
في محكي المنتهى : انه لا يجب مسح ما تحت الحاجبين . ان
وجوب مسحهما مسلم .
واستدل له بما عن الصدوق : ان به رواية ، وفيه : انها
غير ثابتة فلا يعتمد عليها ،
………………………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 4 - من ابواب
السجود من كتاب الصلاة حديث 4 .
[ . . . ]
نعم يمكن ان يقال : ان الظاهر من معقد الاجماعات المدعاة
على وجوب المسح من
القصاص إلى طرف الانف الأعلى كما عن الانتصار والغنية
والروض وغيرها ، وجوب
مسحهما كوجوب مسح ما بين الحاجبين ، مع عدم دخوله في
الجبهة والجبينين عرفا او
لغة ، فاذا الاحوط مسحهما أيضا .
الثاني : ظاهر المصنف وغيره لزوم كون المسح باليدين ،
وفي الجواهر : بل هو
المشهور بين الاصحاب نقلا وتحصيلا ، بل لعله مجمع عليه
انتهى ، وعن ابن الجنيد :
الاجتزاء بالمسح باليمنى ، وعن نهاية الاحكام والتذكرة :
احتمال الاجتزاء بواحدة ،
وعن الاردبيلي والخونساري : استظهاره .
ويشهد للاول النصوص البيانية ، وما اشتمل من نصوص الباب
على الامر
بذلك ، كخبر ليث الآتي عن الامام الصادق ( عليه السلام )
: وتمسح بهما وجهك .
واستدل لعدم اعتبار ذلك بالاصل ، وباطلاق ، الآية
الشريفة ، وبعض نصوص
الباب ، وبما في بعض ( 1 ) النصوص من افراد اليد ، وبالمساواة
للوضوء ، والجميع كما
ترى ، اذ الاصل لا يرجع إليه مع الدليل ، والاطلاق يقيد
بما سبق ، ودعوى انه كما
يجوز حمل المطلق على المقيد فانه كذلك يجوز العمل
بالمطلق ، وحمل المقيد على افضل
افراد الواجب كما عن المحقق الخونساري ، مندفعة بان
الثاني خلاف ما تقتضيه قاعدة
الجمع بين المطلق والمقيد ، وافراد اليد لا يصلح
للمعارضة مع ما تقدم لما عرفت من
امكان حملها على ارادة الجنس ، بل قد عرفت تعين حمل اليد
بقرينة ما في ذيل الخبرين
عليها ، والمساواة ممنوعة لا سيما بعد قيام الدليل على
العدم كما لا يخفى .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب
التيمم حديث 2
[ . . . ]
ثم انه لو تم شئ من هذه الوجوه لثبت ما احتمله المصنف (
ره ) ، فيبقى قول ابن
الجنيد بلا مستند .
كما انه لا ريب ولا كلام في عدم اعتبار امرار كل جزء من
الكفين بكل جزء
من الممسوح لتعذره إلا مع امرار كل من اليدين مرات
متعددة غير الواجبة قطعا كما
تشهد له النصوص البيانية .
وكذلك فانه لا يجب امرار تمام احداهما على بعضه وتمام
الاخرى على الباقي ،
اذ لو سلم ظهور الاخبار في استيعاب الماسح ، لا نسلم
ظهورها في لزوم مسح تمام
اجزاء الجبهة لكل منهما . فالامر يدور بين اعتبار
استيعاب الماسح كالمسوح ، بمعنى
وجوب مسح مجموع الممسوح بجميع باطن الكفين ، وبين عدمه
كفاية امرار كل من
اليدين في الجملة ولو بعض كل منهما على بعض الممسوح ،
بحيث يستوعب الممسوح
دون الماسح .
وقد يتوهم ان الاظهر هو الاول ، بدعوى انه تدل عليه اكثر
نصوص المقام ،
اذ الظاهر من قوله ( عليه السلام ) : تمسح بهما وجهك ، كقوله : تضرب بكفيك على
الارض ، ارادة الجميع لا البعض ، ويؤيده ان المتبادر من
النصوص المسح بما يضرب
على الارض ، لا سيما وكون الظاهر ان اعتبار الضرب على
الارض انما هو لتصحيح
علاقة مسح الوجه من الصعيد ، ولكنه توهم فاسد لتعين
صرفها عن ظاهرها لقول
الامام الباقر ( عليه السلام ) ( 1 ) في صحيح زرارة : ثم
مسح جبينيه باصابعه . فانه
كالصريح في عدم اعتبار الاستيعاب ، فاذا الاقوى كفاية
البعض .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب
التيمم حديث 8 .
]ثم
يمسح ظهر كفه الايمن ببطن الايسر ثم ظهر الايسر ببطن الايمن
من الزند إلى طرف الاصابع[
) ثم يمسح ظهر كفه الايمن ببطن الايسر ثم ظهر الايسر ببطن
الايمن من الزند
إلى طرف الاصابع ) وهاهنا مسائل :
الاولى : لا كلام في وجوب مسح اليدين في الجملة ، وفي
الجواهر : ضرورة من
المذهب ان لم يكن من الدين ، ويشهد له - مضافا إلى ذلك -
الكتاب والسنة المتواترة .
الثانية : المشهور بين الاصحاب اختصاصه بظاهر الكفين من
الزند إلى اطراف
الاصابع كما في المتن ، وعن الانتصار والغنية والناصريات
: دعوى الاجماع عليه ، وعن
الصدوق في الامالي : نسبته إلى دين الامامية ، وعن علي
بن بابويه : وجوب مسح
الذراعين ، وعن الفقيه : وجوب المسح من فوق الزند قليلا
، وعن السرائر عن قوم من
اصحابنا : ان المسح من اصول الاصابع .
واستدل للاول في المدارك : بقوله تعالى ( 1 ) ( فامسحوا
بوجوهكم وايديكم )
قال : والباء للتبعيض كما بيناه ، وايضا فان اليد هي
الكف إلى الرسغ يدل عليه قوله
تعالى ( السارق والسارقة فاقطعوا ايديهما ) والاجماع منا
ومن العامة منعقد على
انها لا تقطع من فوق الرسغ ، وما ذلك إلا لعدم تناول
اليد له حقيقة انتهى .
وفيه : ان كون الباء للتبعيض لا يوجب ظهور الآية في هذا القول ، بل يلائم
مع فتوى ابن بابويه ايضا بعد كون اليد حقيقة في مجموع
هذا العضو إلى الكتف ،
وما ادعاه من كون اليد حقيقة في الكف إلى الرسغ مضافا
إلى فساده في نفسه كما
عرفت ، لا يلائم مع مااستدل له به وهي آية السرقة ، فان
يد السارق تقطع من اصول
……………………….
( 1 ) سورة المائدة - الآية 8 .
[ . . . ]
الاصابع اتفاقا ، مع ان مقتضى الجمع بين دليليه - وهما
كون اليد هي الكف إلى الرسغ ،
وكون الباء للتبعيض - عدم وجوب المسح من الزند كما لا
يخفى ، ولقد خرجنا بذلك
عن مرحلة الادب والله تعالى مقيل العثرات .
فالصحيح الاستدلال له بالنصوص البيانية كصحيح ( 1 )
زرارة عن الامام
الباقر ( عليه السلام ) : ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح
الذراعين بشئ . وصحيح ( 2 (
اسمعيل بن همام عن الرضا ( عليه السلام ) : التيمم ضربة
للوجه وضربة للكفين .
ونحوهما غيرهما .
وما في بعض النصوص من ذكر اليد محمول على ذلك لصراحتها
في عدم
وجوب الزائد على الكف ، مضافا إلى ظهور الآية الشريفة في
عدم وجوب مسح جميع
اليد كما تقدم والاجماع على عدم وجوبه .
واستدل للثاني : بصحيح ( 3 ) ابن مسلم عن الامام الصادق
( عليه السلام ) عن
التيمم : فضرب بكفيه الارض ثم مسح بهما وجهه ، ثم ضرب
بشماله الارض فمسح بها
مرفقه إلى اطراف الاصابع ، واحدة على ظهرها وواحدة على
بطنها ، ثم ضرب بيمينه
الارض ، ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه . وصحيح ( 4 ) ليث
المرادي عنه ( عليه السلام(
في التيمم : تضرب بكفيك على الارض مرتين ، ثم تنفضهما
وتمسح بهما وجهك وذراعيك .
وموثق ( 5 ) سماعة وفيه : فمسح بها وجهه وذراعيه إلى
المرفقين .
واجاب عنها صاحب الحدائق ( ره ) : بانها مخالفة لظاهر
القرآن المأمور بعرض
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب
التيمم حديث 5 .
( 2 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب التيمم حديث 3 .
( 3 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب التيمم حديث 5 .
( 4 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب التيمم حديث 2 .
( 5 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب التيمم حديث 3 .
[ . . . ]
الاخبار عليه والاخذ بما وافقه ورد ما خالفه ، لمكان
الباء الظاهرة في التبعيض
بالتقريب المتقدم .
وفيه : ان اليد عرفا ولغة هي من الكتف ، فهذه النصوص لا
تنافي ظاهر
الكتاب .
فالصحيح في الجواب عنها : - مضافا إلى اشتمالها على مسح
الباطن ، وتثليث
الضربات الذين لا نقول بهما ، وعدم صلاحيتها لمعارضة
النصوص المتقدمة الصريحة
في عدم وجوب مسح ما فوق الكف كما لا يخفى - انها معارضة
مع صحيح ( 1 ) زرارة
قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : وذكر التيمم
- إلى ان قال - ومسح
وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشئ . الظاهر في عدم
محبوبية مسح الذراعين ولو
على سبيل الاستحباب ، فلا يبقى وجه للجمع بين النصوص
بحمل هذه الطائفة على
الاستحباب لا سيما مع ندرة القائل بالاستحباب أيضا .
فتأمل مع ان الاظهر ورودها
مورد التقية .
واستدل للثالث : بصحيح ( 2 ) داود بن النعمان عن ابي عبد
الله ( عليه السلام )
عن التيمم قال : ان عمارا اصابته جنابة - إلى ان قال -
فوضع يده على الارض ثم
رفعها فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا . ونحوه صحيح ( 3
) أبي ايوب الخزاز ، وهما
وان كان موردهما ما هو بدل عن غسل الجنابة ، وقد افتى في
محكي الفقيه به موردهما ،
إلا انه لا يوجب تقييد اطلاقهما ، ولذا افتى الصدوق في
المقنع بثبوت هذا الحكم الذي
تضمناه فيما هو بدل عن الوضوء أيضا .
وفيه : - مضافا إلى ان نصوص الكف ، وصحيح زرارة المتقدم
الصريح في عدم
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب
التيمم حديث 5 .
( 2 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب التيمم حديث 4 .
( 3 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب التيمم حديث 2 .
[ . . . ]
وجوب مسح ما فوق الكف تمنع عن العمل بظاهرهما ، وإلى عدم
عمل الاصحاب بهما ،
وإلى احتمال ارادة المسح فوقهما من باب المقدمة - انه
يحتمل ان يكون قليلا صفة
مصدر محذوف ، أي : مسحا قليلا ، ويكون المراد من فوق
الكف ظهر الكف ، فيكون
مفادهما حينئذ انه مسح ظهر كفه مسحا قليلا بأن وضع مثلا
تمام بطن احدى الكفين
على ظهر الاخرى ، فمسح قليلا بنحو استوعب الممسوح ، ولم
يمر تمام بطن احداهما
على ظهر الاخرى .
واستدل للاخير : بمرسل ( 1 ) حماد بن عيسى ، عن بعض
اصحابنا ، عن الامام
الصادق ( عليه السلام ) انه سئل عن التيمم فتلا هذه
الآية ( السارق والسارقة
فاقطعوا ايديهما ) فقال : ( فاغسلوا وجوهكم وايديكم إلى
المرافق ) قال : فامسح
على كفيك من حيث موضع القطع ، وقال ( وما كان ربك نسيا )
ولا يضر ارساله
بعد كون المرسل من اصحاب الاجماع .
وفيه : اولا : ان اعراض الاصحاب عنه يمنع عن العمل به .
وثانيا : ان الظاهر
كون المعصوم ( عليه السلام ) في هذا الخبر - بقرينة ذكر
الايتين غير المربوطتين بالمقام ،
وقوله ( وما كان ربك نسيا ) بصدد تعليم الاستدلال على
العامة ، واراد من موضع
القطع موضع القطع عندهم ، وتكون كيفية الاستدلال : ان
اليد مع الاطلاق يتبادر منها
الكف ، واذا اريد الزائد عليها لابد من نصب القرينة
بدليل الايتين حيث اطلق اليد
في الاولى ، وذكرت في الثانية مع القرينة .
وعليه فبما انها ذكرت في آية التيمم بلا قرينة فيتبادر
منها الكف خاصة ، ولو
كان المراد ما فوق الكف لبينه كما بينه في الوضوء ، فان
الله تعالى لا ينسى شيئا . فتدبر .
فتحصل مما ذكرناه : ان ما هو المشهور هو الاقوى .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب
التيمم حديث 2 .
[ . . . ]
وكيف كان فالواجب هو مسح ظهر اليد دون باطنها اجماعا
حكاه جماعة ،
ويشهد له - مضافا إلى ذلك - حسن الكاهلي ( 1 ) : ثم مسح
كفيه احداهما على ظهر
الاخرى ، ونحوه موثق ( 2 ) زرارة : ثم انه انما يوجب مسح
ما تماسه بشرة الماسح ، فلا يجب
مسح ما بين الاصابع ولا التعميق والتدفيق فيه كما يشهد
له التيممات البيانية .
ثم انه يقع الكلام في سائر ما يعتبر في التيمم التي نص
على بعضها المصنف
ره ، وهي امور : الاول : المباشرة في حال الاختيار ، بان
يتولاه بنفسه بلا خلاف كما عن
المنتهى ، بل اجماعا كما عن غير واحد ، ويشهد له ان ظاهر
توجه الخطاب إلى المكلف
هو اعتبار صدور الفعل من نفسه ، وعدم سقوطه بفعل الغير ،
وبعبارة اخرى : الامر
بشئ ظاهر في ان المطلوب هو خصوص المادة الصادرة عن
المخاطب كما هو الحال
في سائر الافعال المستندة إلى شخص ، فانها ظاهرة في
انتساب الفعل إلى نفس من
استند إليه ، فسقوط الواجب بفعل الغير يستلزم تقييد
الواجب .
وعليه فإذا كان المولى في مقام البيان وأمر بشئ ولم
يقيده بعدم صدوره من
غيره يكون مقتضى الاطلاق عدم اشتراط الواجب بعدم صدوره
من الغير ،
وعلى
فرض عدم وجود الاطلاق فإن مقتضى استصحاب بقاء التكليف
عدم سقوطه بفعل
الغير ، هذا مضافا إلى ما ذكرناه في وجه اعتبار المباشرة
في الوضوء . فراجع ما ذكرناه
في الجزء الثاني من هذا الشرح ، فإنه يجري في المقام
مطابقة النعل بالنعل .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب التيمم الحديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب التيمم حديث 5 .
[ . . . ]
الثاني الموالاة كما هو المشهور شهرة عظيمة ، وعن الغنية
والتذكرة والمنتهى
وجامع المقاصد والروض وغيرها : دعوى الاجماع عليه ، وعن
النهاية : احتمال عدم
اعتبارها في ما هو بدل عن الغسل ، واختاره في محكي
الدروس .
واستدل للاول في محكي المنتهي : بقوله تعالى ( فتيمموا )
فإنه اوجب علينا
التيمم عقيب ارادة القيام إلى الصلاة ، ولا يتحقق إلا
بمجموع اجزائه ، فيجب فعله
عقيب الارادة بقدر الامكان .
واورد عليه السيد في مداركه : بان المراد بالتيمم هنا
المعنى اللغوي وهو غير ما
نحن فيه ، وتبعه بعض المعاصرين .
وفيه : انه اريد بالتيمم في الآية المعنى الشرعي ، غاية
الامر باستعماله في المعنى
اللغوي ، وارادة المعنى الشرعي منه بالتقريب المتقدم في
اول هذا المبحث ، فالصحيح
ان يورد عليه : ان الفاء انما تكون فاء الجزاء وهي لا
تدل على شئ سوى الترتب
بالعلية ، مع ان المراد بالشرط هو القيام من النوم لا
ارادة القيام إلى الصلاة كما يشهد
لذلك جملة من النصوص الواردة في تفسيرها ، ومن المعلوم
عدم وجوب فعله عقيب
النوم بلا فصل ، فلا مورد للاستدلال به .
واستدل له في محكي الذكرى بان التيمم البياني عن النبي (
صلى الله عليه
وآله ) واهل بيته عليهم السلام توبع فيه ، فيجب للتأسي .
وأورد عليه في المدارك : بأن التأسي انما يجب فيما يعلم
وجوبه وهو منتف هنا ،
إذ من الجائز أن تكون المتابعة انما وقعت اتفاقا . انتهى
.
وفيه : ان الفعل الصادر منهم عليهم السلام في مقام بيان
الحكم ، كما في المقام
لا ريب في ظهوره في الوجوب ، كما ان حكاية المعصوم (
عليه السلام ) في مقام بيان
الحكم تيمم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ظاهرة فيه ،
فالصحيح ان يورد عليه : بأن ظهور
[ . . . ]
الفعل أو الحكاية في الوجوب كظهور الامر فيه انما يكون
مع عدم القرينة او ما يصلح
لها ، وفي المقام تكون القرينة موجودة وهي كونه في مقام
التعليم ، اذ ذلك يقتضى بيان
جميع اجزائه مرة واحدة ، ولا يحسن التفكيك بينها في هذا
المقام ، وان لم يكن التوالي
فيها كما لا يخفى .
واستدل له في المدارك : بأنه لو قلنا باختصاص التيمم
بآخر الوقت بالمعنى
الذي ذكروه كانت الموالاة من ضروريات صحته لتقع الصلاة
في الوقت .
وفيه : ان محل الكلام اعتبار الموالاة في صحة التيمم لا
لزوم مراعاتها لاجل
فوت الصلاة بتركها ، وإلا فيجب مراعاتها في الغسل في ضيق
الوقت وهو غير مربوط
بالوجوب الشرطي ، مع ان من يقول باختصاص التيمم بآخر
الوقت انما يريد آخر
الوقت العرفي ، وهو لا يقتضي الموالاة كما لا يخفى .
فالتحقيق يقتضي ان يستدل لا عتبارها - مضافا إلى الاجماع
، وإلى ما قيل :
من ان الامر بمركب ذي اجزاء مرتبط بعضها ببعض في التأثير
يتبادر منه ارادة
الاتيان بتمام اجزائه متوالية لا بالتفريق كما يظهر لمن
لاحظ نظائر المقام مثلا لا يفهم
العرف من الامر بتسبيحة الزهراء عليها السلام بعد الصلاة
إلا مطلوبية اتيان جميع
تلك الاذكار متوالية ، لا بنحو التفريق والتقطيع بان
يكبر في اول الصبح ويحمد في
الظهر ، ويسبح في العصر - بالفاء في قوله تعالى (
فامسحوا ) عقيب قوله تعالى
) فتيمموا )
لدلالتها على التعقيب بنحو الاتصال في مسح الوجه ، واذا ثبت اعتبارها
في مسح الوجه والضرب على الصعيد ثبت في مسح الوجه ومسح
اليدين ، اما لعدم
القول بالفصل كما عن جامع المقاصد او لاقتضاء العطف ذلك
فإنه يدل على مشاركة
المعطوف مع المعطوف عليه في الحكم .
[ . . . ]
واستدل للثاني : باطلاق ( 1 ) دليل البدلية ، وفيه ما
عرفت مرارا من عدم .
لاستدلال به في مثل هذه الخصوصية ، ثم ان المراد
بالموالاة هي المتابعة العرفية ، فان
مقتضى الادلة المذكورة ذلك ، واما ما في الجواهر من ان
المراد بها عدم التفريق المنافي
لهيئة ذلك التيمم وصورته ، فيرد عليه : ان صورة التيمم
كغيره من العبادات ليست إلا
اجزائه وشروطه المعتبرة فيه ، اذ معها يتحقق الاسم ، ولم
تثبت الهيئة الاتصالية للتيمم
كما ثبت في الصلاة كي يقال ان الفصل الماحي لتلك الصورة
موجب بطلان ، وعليه
فتفسير الموالاة بعدم التفريق المنافي لهيئة ذلك التيمم
في غير محله ، واضعف منه ما عن
الدروس من ان المراد بها هو المعنى المعتبر في الوضوء
بتقدير الجفاف ان كان ماء لعدم
الدليل عليه ، وكونه خلاف المقطوع به منهم .
الثالث : الابتداء بالاعلى ومنه إلى الاسفل كما صرح به
جماعة ، وفي الحدائق : نسبته
إلى المشهور ، وعن المحقق الثاني : دعوى الاجماع عليه في اليدين ، وعن
المحقق
الاردبيلي وكشف اللثام : الالتزام بعدم وجوبه ، وجعل
رعايته في المدارك احوط .
واستدل للاول : بأدلة البدلية ( 2 ) والتنزيل ، سيما بعد
ما ورد في بعض الاخبار ( 3 (
من ان التيمم نصف الوضوء ، وبالتيممات البيانية ،
وبالاجماع .
وفي الجميع نظر : اما ادلة البدلية فلما مر غير مرة من
ان تلك الادلة لا تدل
على اعتبار مثل هذه الخصوصيات ، وإلا يلزم تخصيص الاكثر
، مع ان مقتضى تلك
الادلة التفصيل بين ما هو بدل عن الوضوء ، وما هو بدل عن
الغسل ، فيعتبر في الاول
…………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب
التيمم .
( 2 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب التيمم .
( 3 ) الوسائل - باب 24 - من ابواب التيمم حديث 1 .
[ . . . ]
دون الثاني .
لا يقال : انه ان ثبت ذلك فيما هو بدل عن الوضوء ، ثبت
فيما هو بدل عن
الغسل لعدم القول بالفصل .
فانه يقال : انه يمكن ان يعكس ذلك فيلتزم بعدم اعتباره
فيما هو بدل عن
الوضوء ايضا لذلك ، واما التيممات البيانية فليس في شئ
منها التعرض لذلك كي
يستدل بها لاعتباره ، وعلى فرض التعرض فان كان الحاكي
للفعل مع هذه الخصوصية
هو المعصوم ( عليه السلام ) صح الاستدلال بتلك الحكاية
لظهورها في اعتبارها ، وإلا
لما تعرض لها ، وان كان غيره ( عليه السلام ) فلا يصلح
الاستدلال بها ، اذ الفعل لا
يصلح ان يكون دليلا على اعتبار مثل هذه الخصوصية لانه
لابد وان يقع على احد
الوجهين ، وهذا يصلح ان يكون قرينة لصرف ظهور الفعل
الواقع لبيان الحكم عن
الوجوب ، واما الاجماع فلان مدعيه انما استظهره من دعوى
اجماع غير واحد منهم :
السيد وابن زهرة والصدوق وغيرهم على وجوب مسح الجبهة من
القصاص إلى طرف
الانف بدعوى رجوع القيد إلى المسح ، وإلا فلم يصرح
باعتبار ذلك إلا جماعة .
وفيه : مضافا إلى اختصاصه حينئذ بالوجه لعدم التعرض
لبيانه بالنسبة إلى
ظهر الكفين ، انه مسوق لبيان تحديد الممسوح لا لكيفية
المسح ، ولا اقل من احتمال
ذلك ، واماصحيح ( 1 ) ابن مسلم المتقدم : ثم ضرب بشماله
الارض فمسح بها مرفقه إلى
اطراف الاصابع . فلو سلم ظهوره في اعتبار ذلك لا يعتمد
عليه لما عرفت من انه
مطروح او محمول على التقية ، وكذلك لا يصح الاستدلال بما
في الفقه الرضوي
لضعف سنده ، واما مرسل ( 2 ) حماد : فامسح على كفيك من
حيث موضع القطع . فقد
…………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب
التيمم حديث 5 .
( 2 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب التيمم حديث 2 .
[ . . . ]
عرفت ان الاظهر وروده في مقام بيان تعليم كيفية الاحتجاج
مع العامة ، وليس في مقام
بيان الحكم الواقعي ، فلا يستدل به ، مع ان رجوع القيد
إلى المسح لا الممسوح غير
ظاهر .
فتحصل : انه لا دليل على اعتبار هذه الخصوصية ، فيرجع
إلى اطلاق الادلة
والأصل وهما يقتضيان العدم .
الرابع : عدم الحائل بين الماسح والممسوح ، لظهور الادلة
في اعتبار مماسة
الماسح للممسوح ، وإلا فيكون الممسوح هو الحائل لا الوجه
او اليدين كما هو واضح .
الخامس : طهارة الماسح والممسوح كما صرح به جماعة وعن
شرح المفاتيح :
نسبته إلى الفقهاء ، وعن الشهيد في حاشيته على القواعد :
الاجماع على اعتبار طهارة
اعضاء التيمم ، ولكن صاحب الجواهر لم يعثر عل مصرح بشئ
منه من قدماء
الاصحاب ، وعليه فالاستدلال على اعتبار الطهارة بالاجماع
غير تام ، واستدل عليه :
بان التراب ينجس بملاقاة النجس فلا يكون طيبا ، وبان
بدليته من الطهارة المائية
تقتضي مساواته لها في جميع الاحكام وفيهما نظر : أما
الاول : فلانه انما يختص بالنجاسة
السارية ، فهو اخص من المدعى ، مع انه يختص بالماسح ولا
يشمل الممسوح كما هو
واضح ، واما ما اورده عليه بان ما دل على اعتبار طهارة
ما يتيمم به انما يدل على اعتبار
الطهارة عند ارادة التيمم فالنجاسة الحاصلة باستعماله لا
تكون مانعة ، فغير تام ،
لظهوره في اعتبار الطهارة حين الاستعمال في التيمم ، واما
ادلة البدلية فقد تقدم عدم
استفادة هذه الامور منها ، مع انك قد عرفت عدم الدليل
على اعتبار طهارة ماء
الوضوء فاذا الاظهر عدم اعتبارها كما عن المدارك وفي
الحدائق وعن مجمع البرهان
والسيد عميد الدين وابن فهد ، وان كان الاحوط ذلك .
] ولو
كان بدلا من الغسل ضرب ضربتين ضربة للوجه واخرى لليدين ]
السادس المشهور على انه لو كان التيمم بدلا عن الوضوء
ضرب ضربة واحدة للوجه
واليدين ، ( ولو كان بدلا من الغسل ضرب ضربتين ضربة
للوجه واخرى لليدين )
وفي الجواهر : هو المشهور نقلا وتحصيلا بين المتقدمين
والمتأخرين شهرة كادت تكون
اجماعا ، وعن ظاهر التهذيب والتبيان ومجمع البيان : دعوى
الاجماع عليه ، وعن
الامالي : نسبته إلى دين الامامية ، وعن المفيد في
الاركان ، وجماعة من القدماء : انه
ضربتان في الكل ، وعن السيد والمفيد في الغرية والقديمين
، وابن زهرة ، والمعتبر ،
والذكرى ، والكليني في الكافي ، والقاضي : انه ضربة
واحدة في الجميع ، وعن علي بن
بابويه : اعتبار ثلاث ضربات ، وفي المعتبر نسبته إلى قوم
منا . هذه هي اقوال المسألة .
واما النصوص الواردة في المقام فهي على طوائف : الاولى :
ما دل على الاكتفاء
بالضربة في الجميع : كموثق ( 1 ) زرارة عن الامام الباقر
( عليه السلام ) عن التيمم :
فضرب بيده إلى الارض ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبينه
وكفيه مرة واحدة . ونحوه
صحيحا ( 2 ) زرارة وخبره ، ( 3 ) ، وخبر ( 4 ) ابن ابي
المقدام ، وحسن ( 5 ( الكاهلي ، وموثق ( 6 (
سماعة ، وموثق ( 7 ) زرارة المروي في مستطرفات السرائر ،
وصحيحا ( 8 ) داود بن النعمان
وابي ايوب الخزار .
الثانية : ما دل اعتبار الضربتين في الجميع ( 9 ) محمد
بن مسلم عن
احدهما عن التيمم فقال ( عليه السلام ) : مرتين مرتين
للوجه واليدين . ونحوه
صحيح ( 10 ) الكندي ، وخبر ليث ( 11 (
………………………………………………………..
( 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 )
الوسائل - باب 11 - من ابواب التيمم .
( 8 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب التيمم حديث 3 .
( 9 - 10 - 11 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب التيمم حديث 1 و 2 و 3 .
[ . . . ]
الثالثة : ما دل على اعتبار الثلاث : كصحيح ( 1 ) محمد
بن مسلم عن الامام
الصادق ( عليه السلام ) قال : سألته عن التيمم ، فضرب
بكفيه الارض ثم مسح بهما
وجهه ، ثم ضرب بشماله الارض فمسح بها مرفقه إلى اطراف
الاصابع ، واحدة على
ظهرها وواحدة على بطنها ، ثم ضرب بيمينه الارض ، ثم صنع
بشماله كما صنع بيمينه .
الرابعة : ما توهم دلالته على التفصيل بين ما هو بدل عن
الوضوء فيكتفى فيه
بالضربة ، وما هو بدل عن الغسل فيعتبر فيه ضربتان
كالمروي ( 2 ) عن المنتهى : انه
روى الشيخ في الصحيح عن الامام الصادق ( عليه السلام ) :
ان التيمم للوضوء مرة
واحدة ، ومن الجنابة مرتان . وصحيح ( 3 ) زرارة عن
الباقر ( عليه السلام ) قلت له : كيف
التيمم ؟ قال ( عليه السلام ) : هو ضرب واحد للوضوء ،
والغسل من الجنابة تضرب
بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ونفضة لليدين . بدعوى
ان ( الواو ) في قوله ( عليه
السلام ) ( والغسل ) استئنافية لا عاطفة ، وصحيح ( 4 )
ابن مسلم المتقدم الدال على
اعتبار الثلاث المذيل بقوله ( عليه السلام ) : هذا
التيمم على ما كان فيه الغسل ، وفي
الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين ، والقي ما كان عليه
مسح الرأس والقدمين فلا
يتيمم بالصعيد بدعوى ان المستفاد منه الفرق بين القسمين
في عدد الضربات ،
والمرسل المستفاد من جمل السيد والغنية وغيرهما من نسبة
التفصيل إلى رواية
اصحابنا .
الخامسة : ما دل على التسوية بين القسمين : كموثق ( 5 )
عمار عن الصادق ( عليه
السلام ) قال : سألته عن التيمم من الوضوء ومن الجنابة
ومن الحيض للنساء سواء ؟
فقال ( عليه السلام ) : نعم .
……………………………………………………………..
( 1 - 2 - 3 - 4 ) الوسائل - باب
12 - من ابواب التيمم حديث 3 و 5 و 8 .
( 5 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب التيمم حديث 6 .
[ . . . ]
فقد استدل للمشهور بوجوه : الاول : ان الطائفة الرابعة المفصلة
بين القسمين
شاهدة للجمع بين الاوليين ، بحمل الاولى على ما هو بدل
عن الوضوء ، والثانية على
ما هو بدل عن الغسل ، وبعبارة اخرى : تقيد اطلاق كلتا
الطائفتين وكذلك تقيد اطلاق
الطائفة الخامسة ، وتوجب حملها على ارادة التسوية في
الممسوح لا مطلقا ، واما الثالثة
فتطرح لاعراض الاصحاب عنها .
وفيه : ان تلك الطائفة ما بين غير دال على التفصيل ،
وغير ثابت الحجية ، لان
صحيح المنتهى قد طعن فيه جماعة منهم : السيد في المدارك
، وصاحب الوسائل : بانه لا
وجود له في كتب الشيخ ولا في غيرها ، وفي الوسائل : وهذا
وهم عجيب لان الحديث
المدعى لا وجود له بل هو حديث ابن اذينة عن محمد بن مسلم
السابق هنا ، لكن
الشيخ اشار إلى مضمونه على احد الاحتمالين في اثناء
كلامه في التهذيب فحصل
الوهم من تادية معناه ، وظن العلامة وغيره انه حديث آخر
صريح وليس كذلك .
انتهى .
اقول : الظاهر انه كذلك لأن الشيخ في محكي التهذيب بعد
ما جمع بين الاخبار
بالحمل على التفصيل قال : مع انا اوردنا خبرين مفسرين
لهذه الاخبار احدهما : عن
حريز عن زرارة عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، والآخر عن
ابن ابي عمير عن ابن
اذينة عن ابن مسلم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ان
التيمم من الوضوء مرة
واحدة ومن الجنابة مرتان . وظاهر كلامه هذا نقل حاصل ما
فهمه من الخبرين ، فان
الخبرين الذين اوردهما : هما صحيحا زرارة وابن مسلم
المتقدمان في نصوص التفصيل
اللذان ستعرف ما فيهما ، ويشعر بذلك ذكر هذه الجملة : ان
التيمم . . . الخ بعد
الاشارة إلى كلا الصحيحين مع إنه لم ينقل المصنف في
المختلف هذا الصحيح ولا نقله
غيره من ارباب الحديث والفقهاء واحتمال ان يكون متن
الخبرين هو ذلك بلا تفاوت ،
وان المصنف ( ره ) قد وقف عليهما في كتب الشيخ ولم يقف
عليهما أحد سواه كما ترى ،
[ . . . ]
ومنه يظهر ضعف ما في الجواهر من احتمال كون هذا الخبر
غير ذينك الخبرين ، فلا
مقتضى لرد خبر العادل .
واما صحيح زرارة : فلان الظاهر ولا أقل من المحتمل أن
يكون والغسل
معطوفا على الوضوء وان المراد من قوله : هو ضرب واحد ،
انه نوع واحد ، وانه ( عليه
السلام ) بين صورته بقوله : تضرب . . . الخ ، فان حمل
الواو على الاستئناف مضافا
إلى انه يستدعي تقدير ان او غيرها مما يصحح الحمل يوجب
كون تضرب . . . الخ
تفسيرا للغسل لا التيمم ، وهو كما ترى .
فان قلت : ان المراد من قوله ضرب واحد ان كان انه نوع
واحد لم يكن
جوابا عن السؤال وكان ذكره تطفلا وهو غير مناسب لوقوعه
في صدر الجواب .
قلت : ان السائل بما انه سأل عن مطلق التيمم لا خصوص قسم
منه ، فجوابه
) عليه السلام
) بانه نوع واحد ، ثم بيان حقيقته لا يكون تطفلا ، مع ان هذا - لا سيما
بعد ملاحظة ما ذكرناه - لا يوجب ظهور الصحيح في المعنى
المدعى كما لا يخفى .
ودعوى ان ما ذكر لا يتم في متن الخبر على ما في المعتبر
، حيث انه رواه هكذا :
ضربة واحدة للوضوء ، وللغسل من الجنابة . . . الخ مندفعة
بان المحقق انفرد في هذا
النقل ، وقد نقله غيره من الفقهاء وارباب الحديث على
النحو المتقدم ، فلا يعتمد على
نقله لا سيما في المعتبر الذي لم يوضع لنقل الحديث بل
للافتاء والاستدلال .
واما صحيح ابن مسلم المتقدم ، فليس دالا على هذا التفصيل
، اذ لعله اريد بما
في ذيله الفرق بين القسمين في الكيفية بان يكون الواجب
فيما هو بدل عن الوضوء
الابتداء بالاصابع قياسا على مبدله ، وفي ما هو بدل عن
الغسل الانتهاء إليها . ويكون
هذا أيضا من الشواهد لحمل الخبر على التقية ، مع انه
يحتمل ان يكون الغسل بالفتح
مقابل المسح ، لا الغسل بالضم مقابل الوضوء ، فيكون
المراد : ان التيمم انما يكون
على الاعضاء التي تغسل في الوضوء لا ما تمسح ، بل يمكن
دعوى ظهوره في ذلك كما
[ . . . ]
يشهد له جر الوجه واليدين لكونهما بدلا عن ما المجرورة ،
ويؤيده اسقاط حرف
العطف في بعض النسخ وذكر في الوضوء غير مصدر بالواو ،
وقوله : والقى ماكان
عليه مسح . . . الخ ، مع انه لو تمت دلالته على التفصيل
بين القسمين من حيث عدد
الضربات ، فانما يدل على اعتبار الثلاث فيما هو بدل عن
الغسل ، وعدم اعتبارها فيما
هو بدل عن الوضوء ، فلا يدل على ما اختاره المشهور ،
وحيث انه لا قائل بمضمونه
فيطرح للاعراض .
واما المراسيل فلم يثبت كونها غير الصحيحين اللذين استدل
بهما الشيخ ( ره (
وغيره وفهموا منهما التفصيل المذكور ، لان من البعيد
عثور هؤلاء على غيرهما دون
غيرهم .
فتحصل : انه ليس في النصوص ما يكون ظاهرا في التفصيل
المزبور كي يكون
شاهدا للجمع ، مع انه لو كان لما صح حمل نصوص المرة على
ما هو بدل عن الوضوء
بعد كون اكثرها كالنص في ما هو بدل عن الغسل ، لورودها
في مقام تعليم عمار لما
اجنب وكان فاقدا للماء ، فتتحقق المعارضة بينها وبين ما
دل على التفصيل ، فلا يصلح
ان يكون شاهدا للجمع المتقدم .
واما ما ذكره المحقق الهمداني ( ره ) : من انه يعارض ما
دل على التفصيل ،
الطائفة الدالة على التسوية بين ما هو بدل عن الوضوء ،
وما هو بدل عن الغسل
كموثق عمار المتقدم ، فغير تام لما عرفت من انه على فرض
دلالة تلك النصوص على
التفصيل ، تكون شاهدة لحملها على التسوية في الممسوح وان
كان خلاف الظاهر .
الثاني : ما عن المصنف ( ره ) في المختلف والمحقق الثاني
في جامع المقاصد ، من
الجمع بين النصوص بالالتزام بالتفصيل المذكور معللا ،
بان وجوب استيعاب الجسد
في الغسل يناسب كثرة الضربات ، وعدم الاستيعاب في الوضوء
يناسب وحدتها ، وبانهما
حدثان مختلفان في المبدل فيختلفان في البدل ، وحيث انه
لا تفصيل وراء هذا التفصيل
[ . . . ]
قطعا ، فيتعين الالتزام به .
وفيه : ان هذه الوجوه الاعتبارية الاستحسانية لا تصلح ان
تكون مدركا
للحكم الشرعي .
الثالث : حمل اخبار المرة على البدل عن الوضوء ونصوص
المرتين على البدل
من الغسل بقرينة الشهرة ونقل الاجماع . بدعوى : ان
الاولى نص في كفاية المرة في
الجملة وظاهرة في الاطراد ، والثانية نص في اعتبار
التعدد في الجملة وظاهرة في الاطراد ،
ومقتضى القاعدة رفع اليد عن ظهور كل منهما بنص الاخرى ، فتكون النتيجة وجود
القسمين في التيمم ، وحيث لا تفصيل آخر فيتعين الالتزام
بالتفصيل المشهور .
وفيه : مضافا إلى ما عرفت من نصوصية اخبار المرة فبما هو
بدل عن الغسل
فلا يصح هذا الحمل ، انه ليس جمعا عرفيا كما يشهد انه لو
جمعنا الطائفتين في كلام
واحد لا يرى العرف احداهما قرينة على التصرف في الاخرى ،
بل يرونهما متنافيتين ،
وهو آية عدم كون هذا الجمع جمعا عرفيا . والشهرة في
نفسها لا تصلح ان تكون
شاهدة له .
فتحصل مما ذكرناه : ضعف القول بالتفصيل ، ويؤكده ما دل
على التسوية بين
ما هو بدل عن الوضوء وما هو بدل عن الغسل .
واما القول باعتبار الثلاث : فهو ايضا ضعيف لضعف مستنده
وهو صحيح ابن
مسلم المتقدم لاعراض الاصحاب عنه ومعارضته بما هو اشهر
منه كما هو واضح .
فيدور الامر بين القولين : الاكتفاء بالمرة مطلقا ، او
اعتبار الضربتين كذلك وحيث انه
لم يبق من النصوص ما يمكن ان يستدل به ، إلا النصوص
الدالة على كل من القولين ،
كما عرفت ، فيتعين : اما تقييد الاولى بالثانية ، او
الالتزام بانها ليست في مقام البيان من
هذه الجهة ، او حمل الثانية ، او على الاستحباب ، او
حملها على التقية . ولازم الاولين اعتبار
الضربتين مطلقا ، ولازم الثالث الاكتفاء بالمرة واستحباب
المرتين ، كما ان لازم الرابع
[ . . . ]
الاكتفاء بالمرة ، وعدم الدليل على استحباب الثانية .
اقول : لا سبيل إلى الأول ، اذ نصوص المرة لورودها في
مقام بيان التعليم
وخلوها عن التعرض للثانية كالنص في عدم وجوب الزائد ،
وليست من قبيل المطلق
كي تقيد بما دل على اعتبار المرتين .
واما دعوى : انها ليست في مقام البيان من هذه الجهة اما
بدعوى عدم ارادتهم
في تلك الوقائع ، إلا بيان كيفية المسح لا عدد الضربات
ولذا ضرب بيديه على
البساط ، أو بدعوى ان الحاكي اقتصر على حكاية الضربة
الواحدة لعدم تعلق غرضه
بنقل الفعل بجميع الخصوصيات ولذا اهمل ذكر جملة من
الخصوصيات فانها مندفعة :
بان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مقام تعليم
عمار الذي كان لا يعرف من التيمم
شيئا سوى لزوم كونه بالصعيد ، كما يظهر من ملاحظة فعله
لا يكون في مقام الاهمال
من هذه الجهة ، ولذا ضرب بيديه على الارض ليعلمه كيفية
التيمم بالصعيد .
اذن فلا وجه للالتزام بانها مهملة من هذه الجهة ، وضرب
يديه على البساط انما
هو لاجل ان عمارا كان يعلم بلزوم كونه بالصعيد ولذا لم
يتعرض له بخلاف الضرب
على الارض مرة او مرتين ، فلو كان الواجب مرتين لم يترك
النبي ( صلى الله عليه وآله
وسلم ) الثانية ، مع كونه في مقام بيان التيمم الواجب .
واما الحاكي لهذا الفعل الذي هو المعصوم ( عليه السلام )
فلا يترك مثل هذه
الخصوصية على فرض صدور ضربة اخرى لليدين من النبي ( صلى
الله عليه وآله
وسلم ) ، مع كونه ( عليه السلام ) في مقام بيان ماهية
التيمم ، فنصوص المرة صريحة في
عدم وجوب الزائد ، ويؤيده قوله ( عليه السلام ) في موثق
زرارة : فضرب بيديه على
الارض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح بهما جبهته وكفيه مرة
واحدة . ونحوه خبر ابن ابي
المقدام ، وقريب منه صحيح زرارة إذ فيه : ثم لم يعد ذلك
، اذ الظاهر بحسب القواعد
العربية - وان كان رجوع القيد إلى المسح إلا انه من جهة
عدم الخلاف من احد
[ . . . ]
منا ومن مخالفينا في الاكتفاء بمسحة واحدة - لا يبعد
دعوى رجوعه إلى الضرب لا
إلى المسح . فتدبر .
واما دعوى حمل نصوص المرتين على التقية كما عن المحقق
المجلسي وفي
الحدائق فقد استدل لها : بان القول المشهور بين
المخالفين الضربتان .
وفيه : ان مجرد الموافقة لمذهب المخالفين لا يصلح ان
يكون دليلا على الحمل
على التقية ، فان المخالفة للعامة من مرجحات احدى
الحجتين على الاخرى عند التعارض
وفقد جملة من المرجحات ، لا انها من مميزات الحجة عن
اللاحجة ، فمع امكان الجمع
العرفي لا وجه للحمل على التقية ، مع ان المشهور بينهم
نسبة القول بالضربة إلى علي
)عليه السلام
) وعمار التابع له وابن عباس ، وهو المنقول عن جماعة من فقهائهم
وجمهور محدثيهم ، فيتعين الجمع بحمل نصوص المرتين على
الاستحباب .
فتحصل : ان الاقوى الاكتفاء بالمرة مطلقا ، واستحباب
الضربتين كذلك .
بقي في المقام فرعان لابد من التعرض لهما : الأول : انه على القول بالتفصيل
هل الاغسال سواء في كيفية التيمم كما هو المشهور ، وفي
الجواهر : قولا واحدا ، ام
يفصل بين اسباب الغسل فالتعدد واجب في الجنابة دون غيرها
؟ وجهان : يشهد للأول :
صحيح ( 1 ) ابي بصير : سألته عن تيمم الحائض والجنب سواء
اذا لم يجد ماء ؟ قال : نعم .
فانه بضميمة عدم الفصل بين الحيض وسائر اسباب الغسل يدل
على ذلك ويؤيده
قوله ( عليه السلام ) في صحيح ابن مسلم المتقدم في ادلة
التفصيل : هذا التيمم على ما
كان فيه الغسل . . . الخ . فانه على فرض دلالته على
القول بوجود القسمين يدل على
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب التيمم حديث 7 .
] ويجب
الترتيب[
ان التعدد انما يعتبر في جميع اسباب الغسل .
الثاني : هل يعتبر التوالي بين الضربتين ، ام يعتبر
الفصل بينهما بمسح الوجه ،
ام يتخير بينهما ؟ وجوه اقواها الاخير ، لان الجمع بين
صحيح ( 1 ) الكندي : التيمم ضربة
للوجه وضربة للكفين ، الظاهر في تعين الثاني ، وبين خبر
ليث ( 2 ) المروي عن التهذيب
عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : تضرب بكفيك على
الارض مرتين ثم تنفضهما
وتمسح بهما وجهك وذراعيك ، الظاهر في تعين الأول يقتضي
الالتزام بالتخيير بين
الكيفيتين ، ولكن بما ان خبر ليث متضمن لسمح الذراعين ،
ولاجله قيل : انه يحمل على
التقية ، يكون العمل بما تضمنه الصحيح احوط واولى ، كما
ان العمل بما قيل ان غاية
الاحتياط ان يضرب مع ذلك مرة اخرى يده اليسرى ويمسح بها
ظهر اليمنى ، ثم
يضرب اليمنى ويمسح بها اليسرى ، لا بأس به ، لصحيح ابن
مسلم المتقدم الذي
استدل به للقول باعتبار الثلاث .
) و ) السابع مما ( يجب ) في التيمم : ( الترتيب ) على
الوجه المذكور اجماعا كما
عن الغنية والمنتهى والمدارك والمفاتيح وغيرها ، (
واستدل له ) بالنصوص البيانية .
وفيه : ان ظاهر الفعل في مقام بيان الحكم وان كان هو
الوجوب ، إلا انه في غير
مثل هذه الخصوصية التي يمكن ان تكون لاجل ان الترتيب من
ضروريات الافعال
التي لا يمكن الجمع بينها ، فالاولى ان يستدل له في غير
مسح الكفين وبالآية ( 3 )
الشريفة ، فان ( الفاء ) تدل على الترتيب ، فهي تدل على
اعتباره بين مسح الوجه
………………………………………………….
( 1 - 2 ) الوسائل - باب 12 - من
ابواب التيمم حديث 2 و 3 .
( 3 ) سورة المائدة ، الآية 8 .
[ . . . ]
وضرب اليدين وكذلك الواو عند القراء ، فهي تدل على
اعتباره بين مسح اليدين ،
ومسح الوجه . وبما تضمن حكاية الامام ( عليه السلام )
الترتيب كصحيح ( 1 ) زرارة عن
الامام الباقر ( عليه السلام ) : فضرب بيديه على الارض
ثم ضرب احداهما على
الاخرى ثم مسح بجبينه ، ثم مسح كفيه . . . الخ .
واما الترتيب بين مسح اليد اليمنى ومسح اليد اليسرى ،
فلا دليل عليه من
الكتاب والسنة لخلوهما عنه ، فالعمدة فيه الاجماع
المتقدم ، واما صحيح ابن مسلم
المتقدم في مسح اليدين فهو وان كان ظاهرا في اعتباره ،
إلا ان قد عرفت تعين طرحه
او حمله على التقية ، فلا وجه للاستدلال به ، واما الفقه
( 2 ) الرضوي فهو وان دل عليه
إلا انه لضعف سنده لا يعتمد عليه .
فروع : الاول : اذا كان على محل المسح لحم زائد يجب مسحه
، لانه يعد عرفا
من اجزاء الممسوح ، وان كانت له يد زائدة فالحكم فيها
كما مر في الوضوء فراجع .
الثاني : اذا كان على محل المسح شعر بان كان منبته فيه
يكفي المسح عليه
للسيرة المستمرة القطعية ولخلو النصوص عن التعرض لازالة
الشعر ومسح البشرة
مع غلبة وجوده ، وعموم الابتلاء به ، فانه دليل قطعي على
ان المراد من الممسوح ما
يعم الشعر .
وقد استدل له بأمور اخر : الاول : انه يكون عرفا من
توابع ما نبت عليه ،
الثاني : انسباق الذهن إلى مسحه من الامر بمسح الجبهة
واليدين ، الثالث : لزوم
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب
التيمم حديث 9 .
( 2 ) المستدرك - باب 9 - من ابواب التيمم .
[ . . . ]
الحرج من وجوب ازالته بالحلق ونحوه ، الرابع : عموم ( 1
) كل ما احاط به الشعر . . . الخ
وفي الجميع نظر : اما الأول : فلان التبعية الخارجية اعم
من التبعية في الدلالة ،
مع ان مقتضى التبعية لزوم مسحه ايضا لا الاكتفاء بمسحه
عن مسح البشرة .
واما الثاني : فلان كون الشعر غير الجبهة واليدين مفهوما
وخارجا مانع عن
الانسباق المذكور .
واما الثالث : فلان الحرج لا يلزم نوعا من الازالة
بالحلق ، مع ان لزوم الحرج
يمنع عن وجوب مسح البشرة عند لزومه لا مطلقا .
واما الرابع : فقد مر في مبحث الوضوء عدم شموله للممسوح
في الوضوء فضلا
عن التيمم .
فالصحيح : ما ذكرناه .
الثالث : اذا كان على الماسح او الممسوح جبيرة يكفي
المسح بها او عليها . بلا
خلاف يعرف كما في الجواهر ، وعن غيرها : دعوى الاجماع
عليه .
واستدل له بقاعدة الميسور ، وبخبر ( 2 ) عبد الاعلى مولى
آل سام عن الصادق
)عليه السلام ) قال : قلت له : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على اصبعي مرارة كيف
اصنع بالوضوء ؟ قال ( عليه السلام ) : يعرف هذا واشباهه
من كتاب الله عزوجل قال الله
تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) امسح عليه . حيث
انه يدل على ان
سقوط لزوم مماسة الماسح للممسوح ، وبقاء الامر بباقي
الاجزاء ، يستفاد من عموم
الآية الشريفة ، وعليه فمقتضى عموم الآية لزوم المسح بها
او عليها في المقام ، وبان
المستفاد من النصوص : ان الجبيرة قائمة مقام البدن عند
تعذر حلها ، فيجب الغسل
…………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 46 - من ابواب
الوضوء .
( 2 ) الوسائل - باب 39 - من ابواب الوضوء حديث 5 .
[ . . . ]
فيها في موضع الغسل ، والمسح في موضعه مع تعذره ، وكذا
المسح في التيمم ، وبان اللازم
من عدم المسح عليها ترك الصلاة إذ لا تصح بدون طهارة ،
ومن المعلوم بطلانه .
وفي الجميع نظر : اما القاعدة : فلما عرفت من عدم
دلالتها على عدم سقوط
الميسور من الاجزاء بمعسورها ، وانما تدل على عدم سقوط
الميسور من الافراد
بمعسورها .
واما الخبر : فلانه انما يدل على ان سقوط جزئية ما هو
حرجي يستفاد من الآية
لا وجوب الباقي كما لا يخفى .
واما الثالث : فلأن النصوص انما دلت على قيام
الجبيرة مقام الجسد في باب
الوضوء لا مطلقا .
وأما الرابع : فلأن ما دل على عدم سقوط الصلاة ان دل على
عدم السقوط حتى
مع تعذر الطهارة فلازمه وجوب الصلاة بلا طهارة في المقام
، وإلا فلازمه سقوطها
لفرض تعذر الطهارة ، وعلى أي حال لا يصلح ان يكون دليلا
على حصول الطهارة
بالتيمم الناقص ، فاذا العمدة هو الاجماع ان ثبت وكان
تعبديا لا مستندا إلى بعض
ما تقدم من الوجوه .
الرابع : يجوز الاستنابة عند عدم امكان المباشرة بلا
خلاف ، ونسبه سيد
المدارك إلى علمائنا ، ويشهد له ما رواه ( 1 ) ابن مسكين
وغيره في الصحيح عن الامام
الصادق ( عليه السلام ) في المجدور الذي غسل فمات : ألا
يمموه إن شفاء العي
السؤال .
…………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 5 - من ابواب
التيمم حديث 1 .
[ . . . ]
ومرسل ( 1 ) ابن ابي عمير : ييمم المجدور والكسير اذا
اصابتهما جنابة . ونحوهما
مرسل الفقيه ( 2 ) في المبطون والكسير .
فأصل الحكم مما لا كلام فيه ، انما الكلام في ان المراد
من النصوص تيممه بيدي
النائب أو انه يضرب بيدي العليل فيمسح بهما كما صرح به
جمع من الاساطين ؟ بل
في الجواهر : لم اقف على قائل بالاول ، أو انه يضرب
الصحيح بيديه ثم يضرب بيديه
على يدى العليل كما عن الكاتب ؟ أو يتعين الاحتياط
بالجمع بين الكيفيتين الاوليتين
كما في الجواهر .
والاقوى هو الثاني ، اذ الظاهر من النصوص ان التيمم الذي
يكون وظيفة
المتيمم في حال صحته هو المأمور به عند عدم تمكنه من
المباشرة بسقوط المباشرة ،
ويكتفى بصدوره من النائب ، وحيث انه يعتبر في التيمم
الذي وظيفته ضرب يدي
المتيمم نفسه فكذلك اذا سقطت المباشرة ، وان شئت قلت :
ان صدق عنوان التيمم
وحقيقته يتوقف على صدور هذه الافعال الخاصة أي ضرب
اليدين ومسح الجبهة
واليدين من شخص واحد ، فلو ضرب شخص يديه ، ومسح الآخر
وجهه ، والثالث
يديه ، لا يصدق على هذه الافعال التيمم ، بخلاف ما اذا
صدرت من شخص واحد .
وعليه : فالادلة ظاهرة في ان النائب انما يباشر تيمم
المنوب عنه ، فكما يجب
مسح وجهه ويديه ، فكذلك يجب ضرب يديه ايضا ، وإلا لما
صدق عليه التيمم .
وبالجملة : المستفاد من النصوص سقوط المباشرة عند العجز
خاصة وقيام
النائب مقامه في ذلك لا غير .
واستدل للأول : بظهور الأدلة في مباشرة المتولى ، وبانه
لا يستند المسح إلى
العليل بذلك ، فيكون المسح بيدي العليل بالنسبة إلى
العامل كالمسح بآلة اجنبية ،
………………………………………………..
( 1 - 2 ) الوسائل - باب 5 - من
ابواب التيمم حديث 2 و 3 .
[ . . . ]
وبأمر ( 1 ) مولانا الصادق ( عليه السلام ) الغلمة بان
يغسلوه لما كان شديد الوجع . فانه
ظاهر في تصديهم للغسل من دون ان يباشروا بيديه ( عليه
السلام ) ولهذه الوجوه توقف
في الجواهر في الحكم .
ولكن يرد على الأول : ما عرفت من ظهور الادلة في اعتبار
كون الضرب بيدي
العليل ، وعلى الثاني : ان عدم استناد المسح إلى المنوب
عنه مشترك بين القولين ، وهو
لا يعتبر قطعا ، وانما الكلام في سقوط قيد آخر زائدا على
ما عجز عنه العليل ، وقد مر
انه لا دليل عليه ، وكون المسح بيديه بالنسبة إلى العامل
كالمسح بآلة اجنبية لا يصلح
دليلا لذلك ، اذ لم يثبت اعتبار كونه بيديه لكونه اول
الكلام ، وعلى الثالث : بالفرق
بين المقامين ، اذ لا يعتبر في الغسل مباشرة اليد بخلاف
المقام ، واما القول الثالث فلم
يعثر صاحب الجواهر ( ره ) على مستنده .
ثم انه على ما اخترناه لو لم يمكن الضرب بيديه فهل يضرب
النائب بيديه
نفسه ويمسح بهما اعضاء المنوب عنه كما اختاره جماعة ، ام
يضرب الصحيح بيديه على
الارض ثم يضربهما على يدي العليل ثم يمسح بيدي العليل
على اعضائه كما نسب
إلى ابي علي وكاشف اللثام ، ام يسقط التيمم ويكون بحكم
فاقد الطهورين ؟ وجوه
اقواها الاخير ، لما حقق في محله من انه اذا تعذر احد
أجزاء المركب الاعتباري مقتضى
القاعدة سقوط الامر بالكل ، وتوقف الامر بالباقي على
ورود دليل خاص مفقود في
المقام ، اللهم إلا ان يقال : ان المستفاد من النصوص -
ولو بضميمة تنقيح المناط - قيام
النائب مقام المنوب عنه في كل ما يعجز عنه من ما يعتبر
في التيمم .
ثم ان الظاهر اعتبار ان ينوي النائب لفرض عدم قدرة
المنوب عنه على
التيمم وعجزه عنه ، فلا يكون ذلك الفعل اختياريا له حتى
يعتبر أن يكون داعية لهذا
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 17 - من ابواب
التيمم حديث 3 .
[ . . . ]
الاختيار من الدواعي القربية . ومنه يظهر ضعف ما قيل من
اعتبار قصد العليل ونيته .
هل يسقط التيمم عن اقطع اليدين ؟
الخامس : هل يسقط التيمم عن اقطع اليدين كما عن المبسوط
، ام يجب عليه
مسح جبهته بالارض ، ام يضرب ذراعيه ويمسح بهما وجهه
وعليهما ، أم يستنيب ويتيممه
النائب ؟ وجوه واقوال .
اقول : لو لا الاجماع على وجوب التيمم كان الاظهر هو ما
نسب إلى الشيخ
) ره ) لما
حققناه في محله من سقوط الواجب بتعذر بعض اجزائه ، ولكن الظاهر عدم
توقفهم في وجوبه ، ومخالفة الشيخ مع عدم كونها موجبة
لعدم الاعتماد على ذلك غير
ثابتة ، اذ يحتمل ان يكون مراده بذلك ما صرح به في محكي
الخلاف من سقوط فرض
التيمم عن اليدين ويشير إليه ، تعليله بان ما امر الله
بمسحه قد عدم ، وفي الجواهر :
ولعله اجماعي ان لم يكن ضروريا وهو العمدة .
واما الاستدلال له كما في الجواهر بقاعدة الميسور
والبدلية ، وعدم سقوط
الصلاة بحال ، والاستصحاب ، فغير تام ، اذ القاعدة غير
ثابتة كما عرفت مرارا ، وما
دل على البدلية لا يصلح ان تثبت به مثل هذه الاحكام
الثابتة للمبدل منه لعدم
الاطلاق بنحو يشملها ، وقوله ( عليه السلام ) : الصلاة
لا تدع بحال . قد عرفت في
فاقد الطهورين عدم صلاحيته لاثبات طهورية شئ ،
والاستصحاب مضافا إلى عدم
جريانه في نفسه في المقام لعدم ثبوت الحالة السابقة ، بل
الحالة السابقة هي عدم جعل
الوجوب ، محكوم بأدلة الشرطية والجزئية .
واما كيفيته فحيث انها غير معلومة تفصيلا فيجب الاحتياط
بالجمع بين
الكيفيات الثلاث ، وبما ذكرناه ظهر حكم اقطع اليد
الواحدة فلا نعيد .
[ . . . ]
السادس : اذا اعتقد كونه محدثا بالحدث الاصغر ، فقصد
البدلية فتبين كونه
محدثا بالاكبر ، ففي العروة : فان كان على وجه التقييد
بطل ، وان اتى به من باب
الاشتباه في التطبيق او قصد ما في الذمة صح . انتهى .
ومحصل ما قيل في وجه الفرق : هو انه اذا كان قصده امتثال
الامر بالتيمم
الذي هو بدل عن الوضوء بنحو التقييد ، فبما انه بانتفاء
القيد ينتفي المقيد ، فلا يكون
ممتثلا للامر الواقعي المتوجه إليه ، وهذا بخلاف ما اذا
كان قصده امتثال الامر الواقعي
المتوجه إليه ، غاية الامر اعتقد أنه هو الامر المتعلق
بما هو بدل عن الوضوء ، اذ خطأ
اعتقاد الصفة مع عدم اخذها قيدا في الموضوع لا يمنع من
قصد ذات الموصوف وتحققه
واتصافه بوصف يغاير ذلك الوصف .
ولكن الاظهر هو الصحة في الفرضين ، وذلك لان الميزان في
صحة العبادة
الأتيان بذات المأمور به بجميع قيوده متقربا إلى الله
تعالى ، ولا يعتبر فيها شئ آخر ،
ولو نقصت عن ذلك لا تصح ، وعليه فلو صلى في آخر الوقت
بتخيل انه اول الوقت
صحت صلاته وان كان ذلك بنحو التقييد لعدم كون هذا القصد
مبطلا ، ولو صلى صلاة
العصر بتخيل انه صلى الظهر لم تصح على القاعدة وان كان
قصد الأمر بالعصر على
نحو الداعي ، لان حقيقة صلاة الظهر تغاير حقيقة صلاة
العصر من حيث العنوان ،
كما يكشف عن ذلك اختلافهما من حيث الاحكام ، فاذا لم
يقصد أحداهما وقصد
الاخرى لا تقع عنه لعدم تحققها .
وعلى ذلك ففي المقام بما ان المستفاد من الآية الشريفة (
1 ) والنصوص ( 2 ) البيانية
………………….
( 1 ) المائدة - الآية 8 .
( 2 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب التيمم .
[ . . . ]
وغيرها الواردة في مقام بيان كيفية التيمم حقيقة واحدة ،
وان اختلاف
حالات المتيمم اوجب اختلاف الآثار ، اذ لو كان محدثا
مثلا بالحدث الاصغر يكون
تيممه مبيحا للصلاة بلا توقف على شئ آخر ، ولو كان محدثا
بالاكبر غير الجنابة لا
يكون تيممه ذلك مبيحا إلا مع ضم الوضوء او تيمم آخر بدلا
منه إليه بناء على عدم
الاكتفاء بمبدله من الوضوء ، وحينئذ فمن قصد ما هو بدل
عن الوضوء ، وكان في
الواقع محدثا بالحدث الاكبر فقد اتى بالتيمم مع جميع
قيوده متقربا إلى الله تعالى ،
فيقع صحيحا وان كان قصده ذلك على وجه التقييد . وتمام
الكلام في ذلك محرر في
مبحث الوضوء فراجع .
السابع : يجب امرار الماسح على الممسوح ، اذ هو الظاهر
من الآية الشريفة
والنصوص البيانية لدخول حرفي الباء وعلى على الممسوح ،
فإن الظاهر كون
المصحح له مرور الماسح عليه مع سكونه ، ودعوى : ان
المصحح له ليس ذلك بل
المصحح كون الالة غير مقصودة بالأصالة ، مندفعة بان
اللفظتين في النصوص والآية
دخلتا على الممسوح لا آلة المسح كي يصح ما ذكر .
الثامن : اذا شك في شئ مما يعتبر في التيمم بعد الفراغ
منه لم يعتن به وبنى على
الصحة لقاعدة الفراغ ، واما ان شك في أثنائه قبل الفراغ
فلا اشكال في أنه قبل تجاوز
محله يأتي به وبما بعده .
انما الكلام فيما اذا تجاوز محله ، كما لو شك في مسح
الوجه بعد مسح اليمنى ،
فقد نسب العلامة الانصاري ( ره ) : القول بعدم جريان
قاعدة التجاوز ولزوم الاعتناء
بهذا الشك إلى المشهور ، وقد صرح جماعة بجريانها فيه .
وقد استدل للاول بوجوه : ان دليل قاعدة التجاوز مختص
بالصلاة
[ . . . ]
وغير شامل لغيرها ، وعليه فهي لا تجري في غير الصلاة .
الثاني : ان المستفاد من موثق ( 1 ) ابن ابي يعفور عن
الامام الصادق ( عليه
السلام ) : إذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره
فليس شكك بشئ ،
انما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه . بعد ارجاع الضمير في
غيره إلى الوضوء
للاجماع على عدم جريان قاعدة التجاوز فيه ان الوضوء
بتمامه اعتبر شيئا واحدا
لاجل ادخال الشك في شئ من الوضوء قبل الخروج عنه في الشك
في المحل ، كما
يشهد له ذكر الكبرى الكلية في ذيله ، اذ لو لا ذلك لما
كان تنطبق عليه الكبرى
المذكورة ، ولا وجه لذلك سوى ترتب اثر واحد أو انطباق
عنوان واحد عليه وهي
الطهارة .
وعليه فيلحق به التيمم لاشتراكه مع الوضوء في ذلك ، وبما
ذكرناه يظهر عدم
صحة ما اورد على هذا الوجه بانه تخرص بالغيب من دون شاهد .
واما ما عن المحقق الخراساني ( ره ) من الايراد عليه بان
لازم ذلك عدم
جريان قاعدة التجاوز في شئ من العبادات حتى الصلاة لترتب
اثر واحد على كل
واحدة منها ، فمندفع بانه فرق واضح بين المسببات
التوليدية وما شابهها كالطهارة على
المختار التي تكون مأمورا بها ، وهي التي تعلق التكليف
بها دون محصلها أو ما تنطبق
عليه ، وبين غيرها مما لا يكون كذلك كسائر العبادات .
الثالث : دليل البدلية ، فانه لا ريب في عدم جريانها في
الوضوء ، فكذلك فيما
هو بدل عنه .
ولكن يرد على الوجه الاول : ما حققناه في محله في الجزء
الخامس من هذا
الشرح من ان الاظهر عموم الدليل ، سواء بنينا على اتحاد
قاعدتي الفراغ والتجاوز ،
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 42 - من ابواب الوضوء حديث 2 .
] وينقضه
كل نواقض الطهارة ويزيد عليها وجود الماء مع التمكن من
استعماله [
أو على تغايرهما .
وعلى الثاني : انه على فرض حجية الموثق ، وعدم طرحه
للاعراض بناء على
رجوع الضمير إلى شئ من الوضوء كما هو الظاهر منه ،
وتسليم ان الوجه في ادخال
الشك في شئ من الوضوء ، وهو فيه في الشك في المحل ترتب
اثر واحد ، او انطباقه
عليه مع ان للمنع عنهما مجالا واسعا ، انه لا وجه
للالحاق ، لان كون ما ذكر علة لا من
قبيل حكمة التشريع التي لا يتعدى عنها غير ثابت ، فلا
وجه للالحاق .
ويرد على الثالث : مضافا إلى كونه اخص من المدعى ، ما
عرفت غير مرة من
عدم عموم يدل على بدلية التيمم عن الطهارة المائية في
جميع الخصوصيات والاحكام ،
مع انه لو كان لما كان يعتمد عليه لاختلافهما في كثير من
الخصوصيات ، فيلزم حينئذ
تخصيص الاكثر .
فتحصل : أن الاظهر جريانها في التيمم .
) و ) فيه مسائل : الاولى ( ينقضه كل نواقض الطهارة )
المائية بلا خلاف ، بل
اجماعا كما عن جماعة حكايته ، وتشهد له جملة من النصوص
كصحيح ( 1 ) زرارة : قلت
لابي جعفر ( عليه السلام ) : يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة
الليل والنهار كلها ؟ فقال
)عليه السلام ) : نعم ما لم يحدث او يصب ماء . ونحوه غيره
، ومنه يظهر وجه ما في المتن
) ويزيد عليها وجود الماء مع التمكن من استعماله ) الذي
مما لا خلاف فيه ، بل عن
غير واحد دعوى الاجماع عليه ، وعن تذكرة المصنف ( ره ) :
انه قول العلماء إلا ما نقل
عن أبي سلمة والشعبي .
…………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 20 - من ابواب
التيمم حديث 1 .
] ولو
وجده قبل شروع الصلاة تطهر [
ويشهد له مضافا إلى ذلك اطلاق دليل الطهارة المائية .
المسألة الثانية : ( ولو وجده ) أي الماء ( قبل الشروع
في الصلاة تطهر ) بالماء ،
كما انه ان فقده بعد ذلك يجب ان يتيمم ثانيا بلا خلاف
فيه ، بل عن غير واحد دعوى
الاجماع عليه ، وعن التذكرة : دعوى اجماع العلماء عليه
إلا ما نقل عن أبي سلمة
والشعبي ، بل لا استثناء كما عن المنتهى ، وتشهد له جملة
من النصوص - مضافا إلى
ما مر - من ما دل على انتقاض التيمم بوجدان الماء كصحيح
( 1 ) زرارة قلت : فان
اصاب الماء ورجى ان يقدر على ماء آخر وظن انه يقدر عليه
فلما اراده تعسر ذلك ،
قال ( عليه السلام ) : ينقض تيممه وعليه ان يعيد التيمم
. وخبر ( 2 ) ابي ايوب المروي
عن تفسير العياشي : اذا رأى الماء وكان يقدر على انتقض
تيممه .
وخبر ( 3 ) الشيخ عن الحسين العامري ، وفيه بعد حكمه (
عليه السلام ) بتجديد
التيمم في الفرض فان تيممه الاول قد انتقض حين مر بالماء
ولم يغتسل ، فأصل الحكم
مما لا خلاف فيه ولا كلام .
انما الكلام فيما اذا كان زمان الوجدان لا يسع الوضوء أو
الغسل ، فعن جامع
المقاصد وفوائد الشرائع والمسالك ومجمع البرهان وفي
الجواهر وغيرها : انه لا ينتقض
التيمم في الفرض ، وفي الحدائق وعن ظاهر حبل المتين :
الانتقاض ، ونسب ذلك إلى
ظاهر كلمات كثير من الاصحاب . والاظهر هو الأول ، اذ
المتبادر إلى الذهن من
النصوص - بعد الغاء الخصوصيات الذي لا مناص عنه ولذا
نتعدى إلى صورة زوال
العذر - ان الناقض هو الماء الذي يتمكن من استعماله عقلا
وشرعا ، وان شئت قلت :
ان بطلان التيمم عند وجدان الماء انما يكون لاجل تحقق ما
أخذ عدمه موضوعا
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 19 - من ابواب
التيمم حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 19 - من ابواب التيمم حديث 6 .
( 3 ) الوسائل - باب 19 - من ابواب التيمم حديث 2 .
[ . . . ]
لمشروعيته ، ومن الضروري ان المأخوذ موضوعا ليس عدم وجود
الماء خاصة ، بل
عدم
التمكن من استعماله عقلا او شرعا ، ولذلك لم يفت احد
بانتقاض التيمم بالعثور على
الماء المغصوب .
واستدل للثاني : باطلاق النصوص ، فانها باطلاقها تدل على
ان انتقاض التيمم
بمجرد الاصابة بالماء اعم من ان يمضي زمان يتمكن فيه من
الاتيان بالطهارة أم لا ،
وبان ايجاب الشارع الطهارة المائية عليه في تلك الحال لا
يجامع بقاء التيمم .
لا يقال : انه في نفس الامر لا يكون مكلفا بها .
فانه يقال : انه يكفي في تعلق التكليف ظن بقاء الماء او
احتماله استصحابا
للحال ، وبانه يلزم من القول بعدم الانتقاض ان يجوز
الدخول في الصلاة ومس خط
المصحف بتيممه ذلك قبل مضي ذلك المقدار ، لانها طهارة
صحيحة لم تنتقض ، فاذا
مضى ذلك حرمت عليه تلك الاشياء ، وهو كما ترى لا يمكن
الالتزام به .
وفي الجميع نظر : أما الاول : فلما عرفت من ظهور النصوص
لا سيما بعد
ملاحظة مناسبة الحكم والموضوع في اختصاص الانتقاض بصورة
التمكن من
الاستعمال .
واما الثاني : فلأن ايجاب الطهارة المائية عند وجدان
الماء انما يكون في صورة
سعة الوقت للاستعمال والتمكن منه ، وإلا فيكون تكليفا
بما لا يطاق ، واستصحاب
بقاء تلك الحال مضافا إلى عدم جريانه فيما لو علم من
الأول بعدم التمكن ، انه لا
يكفي في الايجاب واقعا ، وانما يكون حكما ظاهريا ، فاذا
انكشف الخلاف ينكشف عدم
الوجوب واقعا ، وعليه فيكون تيممه صحيحا واقعا ، ولا
ينافي صحته واقعا فساده
ظاهرا .
واما الثالث : فلأن القائلين باختصاص الانتقاض بصورة
التمكن لا يلتزمون
بانه في صورة التمكن ينتقض بعد مضي ذلك المقدار ، بل
يلتزمون بانه في تلك الصورة
[ . . . ]
بمجرد الاصابة ينتقض التيمم ، وعليه فان اريد من انه
يلزمهم الحكم بجواز الدخول
في الصلاة ومس المصحف الزامهم بذلك في صورة عدم التمكن
واقعا فهو حق يلتزمون
به وببقاء الجواز بعد مضي ذلك ولا محذور فيه ، وان اريد
أنه يلزمهم ذلك حتى في صورة
التمكن واقعا ، فهو غير لازم عليهم .
فتحصل : ان الاقوى هو اختصاص البطلان بصورة التمكن ،
وبذلك ظهر
حكم ما لو وجده في وقت يضيق عن استعماله ، فانه على
المشهور من تعين التيمم في
ضيق الوقت لا ينتقض به تيممه ، وعلى المختار من تخييره
بين الوضوء والتيمم يكون
في الفرض مخيرا بين ان يصلي مع ذلك التيمم وبين ان يتوضأ
ويصلي خارج الوقت .
ثم انه هل يكون من موانع الاستعمال عدم دخول وقت العبادة
حين الوجدان
ام لا ؟ مثلا لو تيمم قبل وقت الصلاة لغاية ثم اصاب
الماء وكان قادرا على ان يتوضأ
ففقد الماء قبل ان يدخل الوقت ، فهل ينتقض تيممه أم لا ؟
فقد يتوهم الثاني بدعوى
انه غير متمكن قبل الوقت من الوضوء للصلاة ، فلو دخل
الوقت يجوز أن يصلي
بتيممه ذلك ولا يجب عليه تجديد التيمم .
وفيه : انه قبل الوقت يتمكن من ان يتوضأ لاستحبابه
النفسي أو لغاية اخرى ،
فكما لا يشرع عليه ان يتمم في تلك الحال ، فكذلك ينتقض
تيممه السابق بعين ذلك
الملاك ، وبعبارة اخرى : انه لا يكون عاجزا عن الطهارة
المائية ، وانما يكون عاجزا
عن الاتيان بها لغاية خاصة لاجل عدم المقتضى .
لا يقال : انه لو فرضنا حصول مانع عن فعلها قبل الوقت
للغايات المستحبة ،
أو لاستحبابها النفسي كما لو نهاه الوالد عن تلك ، فبما
انه لا يتمكن من اتيانها للصلاة
ولغيرها ، فيصدق عدم التمكن من استعمال الماء ، فلو فقده
بعد ذلك قبل دخول الوقت
لا يجب عليه التيمم .
فانه يقال : انه على هذا يكون حكمه حكم من كان واجدا
للماء قبل الوقت .
] ولو
وجده في الاثناء أتم صلاته [
وكان يعلم بعدم تمكنه منه بعده ، الذي قد عرفت لزوم ان
يتطهر به . فراجع ما ذكرناه
في تلك المسألة .
المسألة الثالثة : ( ولو وجده ) اي الماء ( في الاثناء )
قيل ( اتم صلاته ) مطلقا ولو
تلبس بتكبيرة الاحرام كما في المتن ونسب إلى المشهور ،
وعن الحلي : دعوى الاجماع
عليه ، وقيل : يمضي في صلاته اذا كان قد ركع وإلا فيرجع
ويتوضأ ويستقبل صلاته ،
وحكي هذا القول عن السيد في مصباحه وجمله ، والجعفي ،
والصدوق ، والشيخ في
النهاية ، وغيرهم من الاساطين ، وعن ابن الجنيد : إن وجد
الماء بعد دخوله في الصلاة
قطع ما لم يركع الركعة الثانية ، وان ركعها مضى في صلاته
، وان وجده بعد ركوع الركعة
الاولى وخاف ضيق الوقت جاز ان لا يقطع ، وعن سلار انه
قال : انصرف ما لم يقرأ ،
وعن ابن حمزة في الواسطة : يجب القطع مطلقا ما لم يغلب
على ظنه ضيق الوقت ، وإلا
لم يقطعها اذا كبر هذه هي الاقوال في المسألة .
واما النصوص فهي على طوائف : الاولى : ما دلت على
المشهور : كصحيح ( 1 (
زرارة قال : قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) : ان اصاب
الماء وقد دخل في الصلاة ؟ قال
) عليه السلام ) : فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع ، وان كان
قد ركع فليمض في الصلاة ،
فان التيمم احد الطهورين . وخبر ( 2 ) عبد الله بن عاصم
المروي عن التهذيب بثلاثة
طرق قال : سألت أبا عبد الله ) عليه السلام ) عن الرجل لا يجد الماء فيتمم ويقوم في
الصلاة فجاء الغلام فقال : هو ذا الماء ، فقال ( عليه
السلام ) : ان كان لم يركع فلينصرف
وليتوضأ ، وان كان قد ركع فليمض في صلاته .
……………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 21 - من ابواب
التيمم .
[ . . . ]
الثانية : ما دلت على القول الثاني : كصحيح ( 1 ) زرارة
ومحمد بن مسلم قالا : قلنا
لابي جعفر ( عليه السلام ) في رجل لم يصب الماء وحضرت
الصلاة فتيمم وصلى ركعتين
ثم اصاب الماء ، اينتقض الركعتين أو يقطعها ويتوضأ ثم
يصلي ؟ قال ( عليه السلام ) :
لا ولكنه يمضى في صلاته ولا ينقضها ويتمها لمكان انه
دخلها وهو على طهر بتيمم .
فان مورده وان كان هو الاصابة بعد الركعتين إلا ان
التعليل يقتضي وجوب المضي
ولو بان تلبس بتكبيرة الاحرام .
وخبر ( 2 ) محمد بن سماعة ، عن محمد بن حمران ، عن
الامام الصادق ( عليه
السلام ) : عن رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب
الماء فلم يقدر عليه ، ثم
يؤتي بالماء حين يدخل في الصلاة ، قال ( عليه السلام ) :
يمضي في الصلاة ، واعلم انه
ليس ينبغي لاحد أن يتيمم في آخر الوقت ، واشتراك محمد بن
سماعة بين الثقة وغيره
لا يضر بالسند ، فانه عند الاطلاق ينصرف إلى ابن موسى بن رويد بن نشيط الثقة
الجليل ، كما ان محمد بن حمران عند الاطلاق ينصرف إلى
الهندي الثقة ، مضافا إلى
شهادة المحقق ( ره ) بصحة سند الحديث ، مع ان الراوي
عنهما البزنطي الذي هو من
اصحاب الاجماع .
الثالثة : ما دلت على لزوم القطع حتى بعد ركوع الركعة
الاولي : كخبر ( 3 (
الحسن الصيقل قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : رجل
تيمم ثم قام يصلي ، فمر به
نهر وقد صلى ركعة ، قال ( عليه السلام ) : فليغتسل
وليستقبل الصلاة ، قلت : انه قد صلى
صلاته كلها ؟ قال ( عليه السلام ) : لا يعيد .
وخبر ( 4 ) زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : عن
رجل صلى ركعة على تيمم
……………………………………….
( 1 - 2 ) الوسائل - باب 21 - من
ابواب التيمم .
( 3 ) الوسائل - باب 21 - من ابواب التيمم حديث 6 .
( 4 ) الوسائل - باب 21 - من ابواب التيمم حديث 5 .
[ . . . ]
ثم جاء رجل ومعه قربتان من ماء ، قال ( عليه السلام ) :
يقطع الصلاة ويتوضأ ثم يبني
على واحدة .
وأما الجمع بين النصوص ، فقد ذكروا في الجمع بين
الطائفتين الاوليتين وجوها :
الاول : ان الطائفة الثانية مطلقة قابلة للتقييد فتقيد
بالطائفة الاولى .
وأورد عليه : بان ما في ذيل خبر زرارة من التعليل المسوق
مساق العلل العرفية
مما يأبى ذلك ، وفيه : ان هذه التعليلات غاية ما يستفاد
منها اطلاق الحكم لا انه مما
يابى التقييد ، ولذا ترى ان مثل هذا التعليل موجود في
صحيح زرارة المفصل بين
وجدان الماء قبل الركوع وبعده ، ولم يتوهم احد منافاته
لما في صدره من التفصيل ،
فالصحيح ان يورد عليه : بان خبر ابن حمران كالصريح في
ارادة ما قبل ولا
يكون مطلقا وبعبارة اخرى : هو كالنص في ارادة الوجدان في
اول اوقات الدخول في
الصلاة ، كما يشهد له تعبيره بلفظ المضارع . فلا يصح
حمله على ما بعد الركوع .
ولعله إلى هذا الخبر اشار السيد في جملة حيث قال : وروي
انه اذا كبر تكبيرة
الاحرام مضى في صلاته .
الثاني : ما في الجواهر ، وهو حمل الدخول في الطائفة
الثانية على الدخول
الكامل ، وهو الدخول في الركوع بقرينة الطائفة الأولى ،
وما ورد ( 1 ) : ان اول الصلاة
الركوع ، وانها ( 2 ) ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود
، وان ( 3 ) دراك الركعة بادراك
الركوع .
وفيه : انه ان اريد بذلك عدم صدق الدخول في الصلاة في
نفسه ما لم يركع فهو
بديهي الفساد ، وان اريد به عدم صدقه قبل الركوع في خصوص
المقام لقيام القرينة
……………………………………………………
( 1 - 2 ) الوسائل - باب 9 - من
ابواب الركوع - حديث 1 و 6 .
( 3 ) الوسائل - باب 45 - من ابواب الجماعة .
[ . . . ]
على ان المراد به الدخول الكامل غيرالصادق قبل ان يركع ،
فيرد عليه انها غير
موجودة ، اذ الطائفة الاولى لا تصلح لذلك لعدم تعرضها
لصدق الدخول وعدمه ، وانما
هي متضمنة لصحة الصلاة ان اصاب الماء بعد الركوع ،
وفسادها ان اصابه قبله ، وما
دل على ان اول الصلاة الركوع فانما هو بلحاظ بعض الجهات
والخصوصيات ، ولعله
اريد به انه اول جزء فرضه الله ، فان التكبيرة والقراءة
من السنة كما نطقت بذلك جملة
من النصوص .
وما دل على التثليث المذكور لعله اريد به ان الصلاة اسم
لهذه الثلاثة ، وكل
ما زاد عليها يدخل في المسمى ، ولو نقص عنها شئ لا يصدق
على المأتي به عنوان
الصلاة كما حققناه في مبحث الصحيح والأعم ، وما ورد من
إن إدراك الركعة بادراك
الركوع ، انما يدل على ان آخر الركعة هو الركوع لا انه
اول جزء الصلاة ، مع ان هذه
الادلة لا تصلح ان تكون قرينة لارادة الدخول في الركوع
من قول السائل حين
يدخل في الصلاة ، وان اريد انه يصدق الدخول من اول
التلبس بالتكبيرة إلا أنه
مطلق قابل للتقييد ، فهو يرجع إلى الوجه الاول الذي عرفت
ما فيه .
الثالث ما في جملة من كتب الاساطين : وهو حمل الطائفة
الثانية على ضيق
الوقت عن القطع والطهارة كما يشعر به ذيل خبر ابن حمران
، وفيه : ان خبر ابن حمران
دل على لزوم كونه في آخر الوقت ، فحاله حال ما دل على
ذلك المحمول على
الاستحباب ، وعليه فهو لا يصلح ان يكون قرينة للتصرف
المزبور ، وأولى منه ما لو
قلنا بظهوره في نفسه في الاستحباب .
وبعبارة اخرى : لا سبيل إلى هذا الجمع إلا توهم دلالة
خبر ابن حمران على
لزوم ايقاع التيمم في آخر الوقت ، وعليه فيكون الامر
بالمضي وعدم الاعادة لاجل
ضيق الوقت ، وحيث انه لو لم يكن ظاهرا في الاستحباب فهو
محمول عليه بقرينة
غيره ، فلا وجه لهذا الجمع .
[ . . . ]
الرابع : ما عن المصنف ( ره ) في المنتهى من حمل الخبرين
المفصلين على ان
المراد بالدخول في الصلاة فيهما الشروع في مقدماتها
كالاذان وبقوله : ما لم يركع ، ما
لم يتلبس بالصلاة ، وبقوله : وان كان قد ركع ، دخوله
فيها اطلاقا ، لاسم الجزء على
الكل . ويرد عليه : ما افاده السيد في المدارك بقوله :
ولا يخفى مافي هذا الحمل من
البعد وشدة المخالفة للظاهر .
الخامس : الرجوع إلى المرجحات ، وهي تقتضي تقديم الطائفة
الثانية لا شهرية
رواتها في العلم والعدالة من رواة الطائفة الأولى .
وفيه : انه لا سبيل إلى الرجوع إلى المرجحات بعد امكان
الجمع العرفي كما
ستعرف .
فالحق يقتضي ان يلتزم بحمل الخبرين المفصلين الامرين
بالوضوء واستقبال
الصلاة لو وجد الماء قبل الركوع على الاستحباب ، كما في
محكي المبسوط والاصباح
والمنتهى .
لا يقال : انه لو ثبت جواز التوضي واستقبال الصلاة فهو
غير عاجز عن
استعمال الماء ، فيصدق عليه الواجد ، فيرتفع موضوع
مشروعية التيمم ، فكيف يلتزم
ببقاء اثره ؟ فانه يقال : ان هذا اجتهاد في مقابل النص لا يعبأ به ، مع انه يمكن ان
يكون عدم الامر وجوبا باستقبال الصلاة مع الوضوء رعاية
لحرمة الصلاة ، أو تسهيلا
على المكلف .
فان قلت : ان الظاهر عدم كون هذا الجمع عرفيا ، اذ في
الخبرين المفصلين امر
الواجد قبل الركوع بالانصراف والتوضي ، وفي الطائفة
الثانية امر بالمضي ، ولا ريب
في انهما متعارضتان كما يظهر لو جمعنا الامرين في كلام
واحد .
قلت : ان ظاهر الامر بالمضي كونه ارشادا إلى عدم نقض
التيمم ، وعليه فهو
يصلح ان يكون قرينة لحمل الامر بالاستقبال على الاستحباب
[ . . . ]
نعم لو لم يتم ذلك وتعين الرجوع إلى المرجحات ، فالترجيح
مع الطائفة المفصلة
لمخالفتها للعامة ، وموافقة معارضها لاكثر علمائهم بعد
كون الطائفتين متساويتين من
حيث صفات الراوي كما لا يخفى .
واما الطائفة الثالثة : فمحصل القول فيها : ان خبر
الصيقل ضعيف لان في
طريقه موسى بن سعدان الحناط الكوفي ، الذي قال النجاشي
في حقه : ضعيف في
الحديث ، وخبر زرارة يطرح لاعراض الاصحاب عنه ، حيث انه
يدل على انه يتوضأ
ويبني على صلاته ، حيث لم يفت به احد .
فان قلت : ان ضعف خبر الصيقل لا ينافي مع حمله على
الاستصحاب لقاعدة
التسامح كما التزم به المصنف ( ره ) في محكي التذكرة
ونهاية الاحكام ، ولا ينافي مع ما
تقدم ، اذ الامر بالمضي في تلك النصوص محمول على الجواز
لوروده مورد توهم الحظر .
قلت : ان حمل الامر بالمضي في الخبرين المفصلين على
الجواز لا سيما بعد حمل
الفقرة الأولى فيهما على الاستحباب كما ترى ، فاذا يتعين
طرحهما لذلك ايضا .
فتحصل : ان ما اختاره المشهور اظهر ، وظهر مما ذكرناه
مدرك القول الثاني
وضعفه .
واما القول الثالث : فقد استدل له بان ما دل على المضي
مطلقا يقيد اطلاقه
بالخبرين المفصلين ، وحيث انهما معارضان مع الطائفة
الثالثة الدالة على لزوم القطع
على من صلى ركعة ، فيحمل كل من المتعارضين على ما هو
المتيقن ارادته ، منه ، وهو في
الطائفة الثالثة خصوص موردها وهو قبل الدخول في ركوع
الركعة الثانية في غير
مورد الضيق المظنون عدم كونه مرادا من اطلاقها ، وفي
غيرها ما بعد الركوع في
الركعة الثانية .
وفيه : ما تقدم من ان ما دل على المضي مطلقا غير قابل
للتقييد ، كما أنك عرفت
ان اخبار القطع مطلقا ضعيفة من حيث السند .
[ . . . ]
واما القول الرابع : فقد استدل له بان تكبيرة الافتتاح
ليست من اجزاء
الصلاة فأول اجزائها القراءة ، ويرد عليه ما ذكرناه في
الجزء الرابع من هذا الشرح
من انها من اجزاء الصلاة . فراجع .
واما القول الخامس : فقد استدل له : بان التيمم في السعة
غير مأمور به ،
فوجوب القطع في فرض السعة انما يكون لفساد التيمم ،
فمورد نصوص الباب هو
التيمم في ضيق الوقت ، وفي ذلك المورد الجمع بينها يقتضي
الالتزام بجواز المضي ولو
بعد التلبس بتكبيرة الاحرام ، وحمل ما دل على القطع قبل
الركوع على الاستحباب .
وفيه : ما تقدم من جواز التيمم في السعة ، مع ان لازم
عدم جوازه إلا في الضيق
بطلان التيمم والصلاة لو تيمم في السعة وصلى وان لم يجد
الماء في الاثناء ، مع ان ظاهر
كلامه يدل على التزامه بالصحة في صورة عدم وجدان الماء
مضافا إلى ان الالتزام
بلزوم ايقاع التيمم في الضيق بهذه المرتبة كما ترى ،
فالاظهر هو القول الاول ، ثم انه
بعد ما عرفت من ان مقتضى الجمع بين النصوص جواز القطع لو
وجد الماء قبل
الركوع ، فيتعين تقييد اطلاق ما دل على حرمة قطع الصلاة
لو كان له اطلاق ، مع ان
للمنع عنه مجالا واسعا كما ذكرناه في الجزء الرابع من
هذا الشرح .
الأول : هل يختص جواز المضي في الصلاة عند وجدان الماء
مطلقا أو بعد
الركوع بالفريضة كما عن جامع المقاصد والمدارك احتماله ، وفي الجواهر
ومصباح
الفقيه اختياره ، ام يعم النافلة كما عن المبسوط
والمنتهى والتحرير والقواعد والمسالك
وغيرها ؟ وجهان اظهرهما الثاني لاطلاق النصوص .
واستدل للاول : بانصراف ما دل على الجواز إلى الفريضة ،
وبان ابطال النافلة
جائز فيتحقق التمكن من استعمال الماء ، ومعه يتحقق شرط
النقض ، وبان الامر فيها
[ . . . ]
بالاتمام الظاهر في الوجوب قرينة على الاختصاص لجواز قطع
النافلة اختيارا .
وفي الكل نظر : اما الاول فلمنعه لعدم الوجه له ، وظهور
السؤال في الفريضة
لا يكون قرينة على ذلك .
واما الثاني : فلما عرفت من ان جواز الابطال لا ينافي مع
بقاء اثر التيمم ولذلك
التزمنا بجواز القطع بل استحبابه اذا وجد الماء قبل
الدخول في الركوع ، مع ان وجه
عدم الانتقاض في الفريضة ليس هو عدم جواز قطعها ، اذ لو
انتقض التيمم بوجدان
الماء انقطعت الصلاة .
واما الثالث : فلان الامر بالاتمام ليس نفسيا وجوبيا بل
ارشاديا إلى صحة
التيمم والصلاة وعدم نقصانها .
فتحصل : ان الاقوى هو الشمول للنافلة .
الفرع الثاني : لا يلحق بالصلاة غيرها من العبادات اذا
وجد الماء في اثنائها ،
بل تبطل مطلقا لاختصاص النصوص بالصلاة ، فيكون المرجع
فيها عموم ما دل على
انتقاض التيمم بوجدان الماء . وهذا في الجملة مما لا
كلام فيه ، انما الكلام في موردين :
الاول : فيما لو وجد الماء في اثناء الطواف ، فانه قد
يتوهم ان مقتضى اطلاق ما دل على
ان الطواف في البيت صلاة ثبوت جميع احكامها له ، ومن
جملتها هذا الحكم ، وهو توهم
فاسد ، اذ الظاهر عدم ورود خبر متضمن لهذه الجملة ، وما
في بعض النصوص انما هو
قوله ( عليه السلام ) ( 1 ) : فان فيه صلاة . هو غير
ظاهر في ارادة كون الطواف صلاة ،
مع ان هذا الحكم من احكام التيمم ، فان النصوص انما
دلت على عدم انتقاضه لو
وجد الماء في اثناء الصلاة ، وليس من احكام الصلاة كي
يتعدى إلى ما نزل منزلتها ،
ولو سلم امكان ارجاعه إلى الصلاة لا ريب في انصراف نصوص
التنزيل لو كانت
……………………………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 38 - من ابواب
الطواف - حديث 6 من كتاب الحج .
[ . . . ]
عنه ، فالاظهر عدم الحاقه بالصلاة .
الثاني : اذا يمم الميت لفقد الماء فقد يقال : انه لو
وجد الماء بعد الصلاة عليه
او الشروع فيها لا يجب الغسل تنزيلا للصلاه منزلة
التكبير في الفريضة او الركوع ،
والمصنف ( ره ) في محكي القواعد تنظر فيه حيث قال : وفي
تنزيل الصلاة منزلة التكبير
نظر . وهو ضعيف جدا .
وغاية ما يمكن ان يقال في توجيه هذا الوجه - وان كان
خلاف الظاهر - : ان
الغسل انما وجب شرطا للصلاة ، فمع فقد الماء لو تيمم
وصلى سقط التكليف فلا يجب
الغسل .
وفيه : ان ظاهر الادلة كون وجوبه نفسيا لا غيريا .
وهل تعاد صلاته لو صلى ثم وجد الماء كما عن الموجز
والبيان والدروس وفي
الجواهر ، أم لا كما عن جامع المقاصد ونهاية الاحكام
وغيرهما ؟ وجهان : اقواهما الاول ،
اذ الدليل انما دل على لزوم ايقاع الصلاة بعد الغسل وهو
ممكن ، فلا تجزي الصلاة
التي أتى بها قبله ، ولان التيمم انكشف فساده بالوجدان ،
ولذا يعيد الغسل ، نعم بناء
على المواسعة في التيمم - الذي هو بدل عن غسل الميت ،
الملازمة للقول بصحة التيمم
وانتقاضه بوجدان الماء لما دل على ذلك ، لا أنه يكشف عن
فساده من اول تحققه - لا
تعاد الصلاة لوقوعها عن طهارة .
لا يقال : ان لازمه عدم وجوب تغسيله ايضا .
فانه يقال : انما يجب تغسيله لما دل على اعتبار طهارة
الميت إلى ان يدفن .
ثم انه على القول بالعدم ، لو وجد الماء في اثناء الصلاة
هل يمضي في صلاته
كما عن المعتبر أم لا ؟ وجهان : اقواهما الثاني لانتقاض
التيمم بالوجدان فتنقطع
الصلاة بنفسها ، وبه يظهر ضعف ما استدل للاول : بانه دخل
في الصلاة دخولا
مشروعا فلم يجز ابطالها ، وأما الاستدلال له بعموم قوله
( عليه السلام ) لمكان انه
[ . . . ]
دخلها وهو على طهر بتيمم فغير تام ، اذ هو مختص بما لو
صلى المتيمم نفسه ، فالتعدي
عن مورده إلى المقام غير ظاهر الوجه .
الرابع : الظاهر ان المراد بوجدان الماء في النصوص
والفتاوى هو التمكن من
استعماله عقلا وشرعا لا خصوص الوجدان العقلي ، فلو كان واجدا
للماء وتيمم لعذر
آخر فزال عذره في اثناء الصلاة يجري فيه ما ذكرناه من
الحكم في وجدان الماء ، اذ
الظاهر من النصوص والفتاوى - لا سيما بعد ملاحظة نظائر
هذا الحكم من احكام
التيمم وكونه طهورا للعاجز - إن ذكر - اصابة الماء في
الاسئلة والاجوبة من باب المثال
جريا على الغالب ، وإلا فالمراد مطلق تجدد القدرة من
استعمال الماء من غير فرق بين
المسوغات ، ويشهد لذلك - مضافا إلى ما ذكرناه -
التعليلات المذكورة في نصوص
المقام : كقوله ( عليه السلام ) ( 1 ) : لمكان انه دخلها
الخ ، وقوله ( عليه السلام ) ( 2 ) : فان
التيمم احد الطهورين وغيرهما . فما في العروة من
الاستشكال في إلحاق زوال العذر
بوجدان الماء في الحكم المذكور ضعيف .
الخامس : اذا وجد الماء في اثناء الصلاة ثم فقد في
اثنائها او بعد الفراغ من
الصلاة بلا فصل يفي بالطهارة المائية . فعن الشيخ في
المبسوط والموجز والايضاح :
لزوم تجديد التيمم لصلاة اخرى وانتقاض ذلك التيمم ، وعن
المصنف ( ره ) في المنتهى
والتذكرة تقويته .
واستدل له : باطلاق ما دل ( 3 ) على انتقاض التيمم
بوجدان الماء ، وباطلاق ( 4 (
دليل وجوب الطهارة المائية ، اذ القدر المعلوم من الدليل
المقيد عدم انتقاض التيمم ،
…………………………………………………...
( 1 - 2 ) الوسائل - باب 21 - من
ابواب التيمم حديث 1 و 4 .
( 3 ) الوسائل - باب 19 - من ابواب التيمم .
( 4 ) سورة المائدة - الآية 8 .
[ . . . ]
وعدم وجوب الطهارة المائية بالنسبة إلى الصلاة التي هو
مشغول بها لا مطلقا ،
فبالنسبة إلى غيرها يتعين الرجوع إلى الاطلاقات ، وبانه
متمكن عقلا من استعمال
الماء ، والمنع الشرعي أي بالمضي في الصلاة لا يرفع
القدرة لانها صفة حقيقية
والحكم معلق عليها ، وبان مقتضى الادلة وجوب الوضوء او
التيمم لكل صلاة خرج
ما خرج بالدليل فيبقى الباقى ، والمقام من تلك الموارد
الباقية ، لان الدليل المخرج في
التيمم كصحيح ( 1 ) زرارة : يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة
الليل والنهار ؟ فقال ( عليه
السلام ) : نعم ما لم يحدث او يصب ماء . مخصوص بغير
المورد .
وفي الجميع نظر : اما الاول : فلما عرفت آنفا من ان
المراد من الوجدان الناقض
هو وجود الماء مع القدرة على استعماله عقلا وشرعا ، وهو
غير متحقق في المقام في ما
بعد الركوع لوجوب المضي وحرمة قطع الصلاة .
واما الثاني : فهو مقيد بما دل على ان التيمم طهور
العاجز عن الطهارة المائية
ولو لعجز شرعي .
واما الثالث : فلما عرفت مرارا من أن المراد بالوجدان
المأخوذ موضوعا
لمشروعية التيمم ليس هو التمكن العقلي خاصة بل اعم منه ،
ومن الشرعي .
وأما الرابع : فلأن المستفاد من مجموع الادلة اشتراط
الصلاة بالطهارة ، وانها
اذا حصلت تبقى ما لم يتحقق الناقض ، فوجوب تجديدها يتوقف
على تحقق الناقض
وهو غير متحقق في المقام ، واختصاص الصحيح بغير المورد
ممنوع لما عرفت من ان
المراد باصابة الماء التمكن من استعماله عقلا وشرعا .
فتحصل : ان الاظهر ما عن المعتبر والدروس والبيان
والذكرى وجامع المقاصد
والمسالك والروض والمدارك وفي الحدائق : من عدم انتقاض
التيمم والاكتفاء به لغير
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 20 - من ابواب التيمم حديث 1 .
[ . . . ]
الصلاة التي بيده ، بل في الحدائق : هو المشهور بين
المتأخرين ، وعليه العلامة في باقي
كتبه .
نعم ينتقض التيمم بما اذا كان الوجدان في النافلة ، أو
قبل الدخول في الركوع
في الفريضة لما تقدم من جواز القطع في هذين الموردين ،
فيصدق الوجدان بالنسبة إلى
غير ما بيده لعدم المانع شرعا من استعماله ، فلا يكتفى
بذلك التيمم ، كما انه لا يبعد
دعوى الانتقاض مطلقا اذا كان متمكنا من ان يتوضأ او
يغتسل في اثناء الفريضة
بنحو لا تبطل صلاته لغير تلك الفريضة كما لا يخفى .
السادس : لو وجد الماء في اثناء الصلاة فهل يجوز مس
كتابة القرآن حال
الاشتغال بالصلاة أم لا ؟ وجهان بل وجوه : ومحصل القول
في المقام : انه ان وجد الماء
بعد الركوع وعلم بعدم بقائه إلى ما بعد الصلاة يجوز ذلك
جزما لما عرفت من صدق
عدم الوجدان حينئذ بالنسبة إلى سائر الغايات غير الصلاة
التي بيده ، فيشمله ما دل
على ان المتيمم يستبيح ما يستبيحه المتطهر ، وان وجده
قبل الركوع أو بعده وعلم
ببقائه إلى ما بعد الصلاة ، فحيث انه في الصورتين لا
يصدق عدم الوجدان ، اما في
الاولى فلفرض جواز القطع وتمكنه من استعمال الماء عقلا وشرعا ، واما في الثانية
فلأن
العجز عن استعمال الماء في الامد القصير لا يصدق معه عدم
الوجدان الذي جعل
موضوعا لمشروعية التيمم ، فقد يتوهم عدم جوازه لاجل ان
القدر المتيقن من بقاء
التيمم وصحته انما هو بالنسبة إلى تلك الصلاة ، ولكنه
توهم فاسد بناء على ما هو
المشهور المنصور من ان التيمم احد الطهورين لا انه مبيح
خاصة ، فانه حينئذ يكون ما
دام في الصلاة متطهرا فله الاتيان بجميع ما هو مشروط
بالطهارة ، وقد تقدم تفصيل
القول في ذلك في فروع ضيق الوقت في مبحث المسوغات فراجع .
فتحصل : ان الاظهر جواز المس مطلقا .
السابع : في جواز العدول من الصلاة التي وجد الماء فيها
إلى فائتة سابقة في
[ . . . ]
الموارد التي لا يصدق عدم الوجدان بالنسبة إلى سائر
الغايات غير ما بيده من الصلاة
وعدمه وجهان بل قولان : وقد استدل للثاني : بعدم بقاء
اثر التيمم بالنسبة إلى غير
هذه الصلاة . واجيب عنه : بان العدول ان كان واجبا
فالصلاة المعدول إليها بدل مما
هو فيها بجعل الشارع ، وان كان مستحبا فهو ايضا انتقال
من صلاة واجبة إلى فائتة
واجبة ، غاية الامر الانتقال غير واجب .
وفيه : ان بدلية المعدول إليها ليست ثابتة بنحو يترتب
عليها جميع احكام ما
بيده ، والاظهر هو الاول ، ويشهد له اطلاق ما دل على
المضي في ما بيده ، فان مقتضى
اطلاقه المضي فيها ولو باتمامها بعنوان آخر غير العنوان
الذي قصده من الأول ، ولعله
إلى ذلك يرجع ما في الحدائق حيث قال : وبالجملة ان قول
الشيخ انما هو بالنسبة إلى
الصلاة المستقبلة المحكوم عليها بالصحة من نوع تلك
الصلاة التي شرع فيها لا
شخصها بعينها . انتهى . فالاظهر جواز العدول مطلقا .
الثامن : اذا كان وجدان الماء في اثناء الصلاة بعد الحكم
الشرعي بتحقق ما
يعتبر في المضي بوجدان الماء بعده ، كما لو وجده وهو في
السجود وشك في انه ركع ام
لا ؟ بناء على تعليق جواز المضي على الوجدان بعد الركوع
، فهل هو كالوجدان بعد
الركوع الوجداني ام لا ؟ وجهان : قد استدل للثاني : بان
قاعدة التجاوز الثابتة
بالاخبار ( 1 ) لا تكون مثبتاتها حجة ، فلا يثبت بها
الوجدان بعد الركوع .
وفيه : ان ذلك من قبيل الموضوع المركب الثابت احد جزئيه
بالقاعدة وهو
تحقق الركوع ، والآخر بالوجدان هو وجدان الماء ، فبضم
الوجدان إلى القاعدة يتم
الموضوع ويترتب عليه حكمه ، وبان دليل القاعدة انما دل
على ترتيب اثر وجود الجزء
من حيث صحة الاجزاء اللاحقة ، لا من جميع الجهات .
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 22 - من ابواب
الخلل الواقع في الصلاة .
] ولا
يعيد ما صلى بتيممه [
وفيه : مضافا إلى اطلاق دليلها ، ان بعض ما نص على جريان
القاعدة فيه من
الاجزاء لا اثر لتركه من حيث صحة الاجزاء اللاحقة
كالقراءة ، فان اثر تركها ليس
بطلان الصلاة بل سجود السهو ، وهذا الدليل قطعي على عدم
اختصاص الدليل
بخصوص صحة الاجزاء اللاحقة .
فتحصل : ان الاظهر المضي في الفرض ايضا .
المسألة الرابعة : ( ولا يعيد ما صلى بتيممه ) الصحيح لو
وجد الماء وان كان
في الوقت كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا ،
وعن غير واحد حكايته ،
وعن القديمين وجوب الاعادة مع وجدان الماء في الوقت ،
وعن السيد في شرح
الرسالة : وجوب الاعادة على الحاضر اذا وجد الماء في
الوقت .
وتشهد للأول طائفتان من النصوص : الأولى : ما دل على نفي
الاعادة مطلقا :
كصحيح ( 1 ) عبد الله بن علي الحلبي ، انه سأل ابا عبد
الله ( عليه السلام ) عن الرجل
اذا اجنب ولم يجد الماء ، قال ( عليه السلام ) يتيمم
بالصعيد ، فإذا وجد الماء فليغتسل
ولا يعيد الصلاة ونحوه جملة من الاخبار .
الثانية : ما دل على عدم الاعادة عند وجدان الماء في الوقت
: كصحيح ( 2 ) ابي
بصير عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : عن رجل تيمم
وصلى ثم بلغ الماء قبل ان
يخرج الوقت ، فقال ( عليه السلام ) : ليس عليه اعادة
الصلاة .
وصحيح ( 3 ) زرارة : قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) :
فان اصاب الماء وقد صلى
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب التيمم حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب التيمم حديث 11 .
( 3 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب التيمم حديث 9 .
بتيمم هو في وقت ؟ قال ( عليه السلام ) : تمت صلاته ولا
اعادة عليه .
ونحوهما غيرهما ، ويستفاد حكم ما لو وجد الماء في خارج
الوقت منها بالاولوية
القطعية .
واستدل للثاني : بصحيح ( 1 ) يعقوب بن يقطين قال : سألت
أبا الحسن ( عليه
السلام ) عن رجل تيمم فصلى فاصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ
ويعيد الصلاة أم تجوز
صلاته ؟ قال ( عليه السلام ) : اذا وجد الماء قبل ان
يمضي الوقت توضأ وأعاد ، فان
مضى الوقت فلا اعادة عليه .
وفيه : انه وان كان اخص من الطائفة الاولى من النصوص
المتقدمة ، إلا انه
معارض مع الطائفة الثانية ، فحيث انه يمكن الجمع العرفي
بينهما بحمله على
الاستحباب فيتعين ذلك ، ويشهد لذلك - مضافا إلى كونه
جمعا عرفيا - موثق ( 2 ) منصور
ابن حازم عن مولانا الصادق ( عليه السلام ) : في رجل
تيمم فصلى ثم اصاب الماء ، فقال
) عليه السلام ) : اما انا فكنت فاعلا اني كنت أتوضأ واعيد
. فان ظاهره الاستحباب .
فان قلت : أن نصوص عدم الاعادة لاشتمال بعضها على النهي
عن الاعادة
تعارض صحيح ابن يقطين الآمر بها بنحو لا يمكن الجمع
العرفي بينهما ، وتنافي
الاستحباب .
قلت : انها لورود النهي فيها مورد توهم الوجوب لا تنافي
الاستحباب .
واستدل للثالث : بانصراف نصوص عدم الاعادة عن الحاضر
لندرة عدم
وجدان الماء في الحضر حين الصلاة ، مع اعتقاد استمرار
العجز ووجدانه بعده ،
وبخبر ( 3 ) السكوني عن مولانا جعفر عن ابائه عن علي (
عليه السلام ) : انه سئل
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب
التيمم حديث 8 .
( 2 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب التيمم حديث 10 .
( 3 ) الوسائل - باب 15 - من ابواب التيمم حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا
يستطيع الخروج من كثرة
الزحام ، قال ( عليه السلام ) : يتيمم ويصلي معهم ويعيد اذا انصرف .
ونحوه موثق
سماعة .
ولكن يرد على الاول ما مر غير مرة من ان الانصراف الناشئ
عن قلة وجود
فرد لا يصلح ان يكون مقيدا للاطلاق ، مع ان ندرة وجود
هذا الفرد ممنوعة ، واما
الخبران فقد عرفت في مبحث المسوغات انهما اجنبيان عن
المقام لو رودهما في الصلاة
مع المخالفين فراجع .
فتحصل : ان الاقوى عدم وجوب الاعادة مطلقا .
ثم انه قد يتوهم وجوب الاعادة في موارد : الأول : فيمن
تعمد الجنابة مع كونه
خائفا من استعمال الماء ، فان المحكي عن التهذيب
والاستبصار والنهاية والمبسوط و
المهذب والاصباح وروض الجنان ذلك ، واستدل له بصحيح ( 1
) عبد الله بن سنان
المروي عن الفقيه : انه سأل ابا عبد الله ( عليه السلام
) عن الرجل تصيبه الجنابة في
الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف ان اغتسل ، فقال (
عليه السلام ) : يتيمم ويصلي ،
فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة .
واجيب عنه : بمعارضته مع ما دل على نفي الاعادة عمن اجنب
فتيمم ثم وجد
الماء ، بدعوى انه وان كان واردا في فاقد الماء إلا ان
عدم دخل هذه الخصوصية في
الحكم واضح .
وفيه : ان غاية ما يقتضيه ذلك صيرورته مطلقا فيقيد
بالصحيح .
فالصحيح في الجواب عنه : ان نصوص نفي الاعادة لاشتمالها
على التعليل
بان رب الماء هو رب الصعيد لا يصح تقييدها ، مع ان
الصحيح لم يعمل باطلاقه ،
…………………………………………...
( 1 ) الوسائل - باب 16 - من ابواب
التيمم حديث 1 .
] ولا
يجوز قبل دخول الوقت [
فيتعين حمله على الاستحباب أو التقية ،
الثاني فيمن منعه الزحام يوم الجمعة من الخروج ، فالمحكي
عن الوسيلة والجامع
والمقنع والنهاية والمبسوط والمهذب : وجوب الاعادة ، وقد
مر الكلام في هذا الفرع في
المسوغات عند ذكر المسوغ الثالث وعرفت ان ما استدل به
لهذا القول اجنبي عنه ،
الثالث من اراق الماء الموجود عنده مع العلم بعدم وجوده
بعد ذلك ، فالمحكي عن
المفيد والشهيد وجوب الاعادة ، وقد مر الكلام فيه في
مبحث المسوغات في الفرع
العاشر من فروع المسوغ الاول ، وعرفت ان الاظهر عدم
الوجوب .
المسألة الخامسة : ( ولا يجوز ) التيمم ( قبل دخول الوقت
) اجماعا منقولا
مستفيضا لو لم يكن متواترا .
أقول : ان كان مرادهم بذلك إن الوضوء والغسل مستحبان
نفسيان ، او
للكون على الطهارة مع قطع النظر عن أي غاية فرضت ، وليس
كذلك التيمم لا سيما
على القول بانه مبيح لا مطهر فلا يصح قبل دخول وقت
الصلاة ، فيرد عليهم : ان
الاظهر كون التيمم أيضا كذلك يأتي في المسألة السادسة ،
وان كان مرادهم انه بما
ان فقدان الماء قبل الوقت غير مجز في التيمم وصحة الصلاة
، به لان ادلة التشريع انما
وردت في فقدان الماء في الوقت لا غير ، فيرد عليهم : ان
غاية ما يقتضيه ذلك عدم
جواز التيمم قبل الوقت للصلاة ، لا لغاية اخرى أو
الاستحباب النفسي وعدم جوازه
كذلك كما في الوضوء والغسل مما تقتضيه القواعد ، لان
وجوب الصلاة مشروط بدخول
الوقت ، وليس وجوبها من قبيل المعلق كما حققناه في محله
، والوجوب الغيري تابع في
الاطلاق والاشتراط للوجوب النفسي فلا أمر به قبل وقت
الصلاة ، كما لا أمر
بالصلاة ، فلا يصح الاتيان به بداعي ذلك الامر أو التوصل
إليها كما حققناه في
] ويجوز
مع الضيق وفي حال السعة قولان [
حاشيتنا على الكفاية .
ومنه يظهر : ان مرادهم لو كان ذلك كان الفرق بينه وبين
الغسل والوضوء بلا
فارق ، وان كان مرادهم ان الوضوء التهيؤي قبل الوقت يصح
بخلاف التيمم .
ففيه ان ما دل على صحة ذلك الوضوء وهو المرسل ( 1 )
المروي عن الذكرى :
ما وقر الصلاة من آخر الطهارة لها حتى يدخل وقتها .
المنجبر ضعفه باعتماد الاساطين
عليه ، يدل على مشروعية التيمم التهيؤي لاطلاق المرسل .
لا يقال : انه يقيد بالاجماع المتقدم .
فانه يقال : انه لعدم معلومية مراد المجمعين لا يقيد ذلك
الاطلاق .
فتحصل : انه لا فرق بين الطهارة المائية والترابية فيما
تقتضيه القواعد من هذه
الجهة .
) ويجوز مع الضيق ) اجماعا لذلك ، ولانه المتيقن من موارد
مشروعية التيمم .
) وفي
حال السعة قولان ) بل اقوال : الاول : ما عن المنتهى والتحرير
والارشاد والبيان والمفاتيح والمدارك وغيرها : وهو
الجواز مطلقا .
الثاني : ما عن المشهور مطلقا أو بين المتقدمين وهو وجوب
التأخير إلى آخر
الوقت ، كذلك وعن ناصريات السيد وجمل القاضي وغيرهما :
دعوى الاجماع عليه .
الثالث : ما عن المعتبر وتذكرة المصنف ( ره ) والنهاية
والمختلف وغيرها : وهو
جواز التقديم مع العلم باستمرار العجز وعدمه مع عدمه ،
وعن المحقق الثاني : نسبته
إلى اكثر المتأخرين ، وعن الروضة : انه الاشهر بينهم ،
وعن غير واحد : ان هذه
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 4 - من ابواب الوضوء حديث 5 .
[ . . . ]
الاقوال فيما لم يعلم بزوال العذر وإلا فلا يجوز قولا
واحدا .
اقول : الكلام يقع في مقامين : الأول فيما تقتضيه
القواعد .
الثاني : فيما تقتضيه النصوص الخاصة .
اما المقام الأول : فقد يقال انها تقتضي التوسعة ، وان
المدار على فقد الماء حين
ارادة الصلاة لا في تمام وقتها ، والشاهد عليه اطلاق ادلة
البدلية .
وفيه : انه بما ان البدلية اضطرارية فمجرد صدق عدم
الوجدان في وقت خاص
لا يكفي في صدق الفقدان المأخوذ موضوعا لجواز التيمم ،
فان الظاهر منها بقرينة
مناسبة الحكم والموضوع اختصاص مشروعية التيمم بصورة سقوط
التكليف بالمبدل
منه رأسا ، فغاية ما يستفاد منها جوازه في السعة اذا علم
ببقاء العذر إلى آخر الوقت ،
فالأولى الاستدلال له باطلاق ما دل على جواز التيمم
والصلاة بعد الفحص وعدم
وجدان الماء كما لا يخفى ، فتأمل .
وعلى فرض تماميته لا يبعد دعوى اختصاصه بما اذا لم يعلم
بزوال العذر كما
يظهر مما دل على وجوب الطلب زائدا على الحد اذا علم
بوجود الماء فيه .
فالمتحصل من القواعد : جوازه في السعة ما لم يعلم بزوال
العذر .
واما المقام الثاني : فالنصوص الواردة في المقام على
طوائف : الاولى : ما استدل
به على الجواز مطلقا بالالتزام لدلالته على عدم وجوب
الاعادة لو وجد الماء في الوقت :
كصحيح ( 1 ) زرارة : قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) فان
اصاب الماء وقد صلى بتيمم
وهو في وقت ؟ قال ( عليه السلام ) : تمت صلاته ولا اعادة
عليه .
وصحيح ( 2 ) أبي بصير : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام
) عن رجل تيمم وصلى
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب
التيمم حديث 9 .
( 2 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب التيمم حديث 11 .
[ . . . ]
ثم بلغ الماء قبل ان يخرج الوقت ، فقال ( عليه السلام )
: ليس عليه اعادة الصلاة .
ونحوهما غيرهما .
الثانية : ما استدل به على عدم الجواز كذلك : كصحيح ( 1
) يعقوب بن يقطين
قال : سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن رجل تيمم فصلى
فأصاب بعد صلاته ماءا
أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته ؟ قال ( عليه السلام
) : اذا وجد الماء قبل ان يمضي
الوقت توضأ وأعاد ، فان مضى الوقت فلا أعادة عليه .
الثالثة : ما استدل به على لزوم الاتيان بالتيمم في آخر
الوقت : كصحيح ( 2 ) محمد
بن مسلم عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : سمعته يقول
- في حديث - فإذا لم تجد
ماء واردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت فان فاتك
الماء لم تفتك الارض .
وموثق ( 3 ) عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله ( عليه السلام
) : فإذا تيمم الرجل
فليكن ذلك في آخر الوقت فان فاته الماء فلن تفوته الارض
.
وموثقه ( 4 ) الآخر : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام )
عن رجل اجنب فلم يجد
ماءا يتيمم ويصلي ؟ قال ( عليه السلام ) : لا حتى آخر
الوقت ان فاته الماء لم تفته
الارض .
اقول : ان الطائفة الأولى انما تدل على عدم وجوب اعادة
من صلى بتيمم
صحيح اذا وجد الماء في الوقت ، ولا تكون في مقام البيان
من جهة أن التيمم في سعة
الوقت جائز مطلقا أو في بعض الموارد ، فالتمسك باطلاقها
لجوازه في السعة مطلقا حتى
فيما لو علم بارتفاع العذر كما ذكره بعض المعاصرين في
غير محله ، نعم هي بالدلالة
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب التيمم حديث 8 .
( 2 ) الوسائل - باب 22 - من ابواب التيمم حديث 1 .
( 3 ) الوسائل - باب 22 - من ابواب التيمم حديث 3 .
( 4 ) الوسائل - باب 22 - من ابواب التيمم حديث 4 .
[ . . . ]
الالتزامية تدل على جوازه في السعة في الجملة ، وحيث لا
اطلاق لها لعدم ورودها في
مقام البيان من هذه الجهة ، فيتعين الاخذ بالمتيقن وهو
الجواز لو علم باستمرار العذر .
فما ذكر من ان حملها على خصوص هذه الصورة مما تطمئن
النفس بخلافه
لندرة حصول الاسباب الموجبة للعلم المذكور ضعيف ، واضعف
من ذلك كله دعوى
انها مطلقة آبية عن التقييد لما في الجملة منها من
التعليل بان رب الماء هو رب الصعيد ،
فانه آب عن التخصيص ، لان هذا التعليل لا نظر له إلى
موارد الجواز ، وإلا كان
مقتضاه جوازه مع وجود الماء ، وانما يدل على عدم وجوب
الاعادة لو صلى بتيمم صحيح .
واما الطائفة الثانية : فهي انما تدل على وجوب الاعادة
لو وجد الماء في الوقت ،
ولا نظر لها إلى ان التيمم في السعة جائز ام لا ، ولا
تنافي جوازه ، كما انه لورود ما دل
على وجوب اعادة الصلاة جماعة عند انعقاد الجماعة لا ينافي
مشروعية ما صلاه فرادى
قبل ذلك ، فيلتزم به تعبدا لو لم يعارضه ما دل على عدم
الوجوب ، بل الظاهر من ذيل
صحيح ابن يقطين : فان مضى الوقت فلا اعادة عليه . جوازه
في السعة في الجملة ، فان
المتبادر منه انه في فرض واحد فصل ( عليه السلام ) بين
ما لو وجد الماء في الوقت
فحكم بالاعادة وما لو وجد في خارج الوقت فحكم بعدم
الاعادة .
وعلى ذلك فمضافا إلى عدم تعارض الطائفتين من هذه الجهة ،
هما متفقتان في
الدلالة على الجواز في السعة في الجملة ، والمتيقن منهما
صورة العلم باستمرار العذر .
نعم هما متنافيتان من حيث الدلالة على وجوب الاعادة
وعدمه ، ولكن مقتضى
الجمع العرفي بينهما كما عرفت حمل الطائفة الثانية على
الاستحباب ، فراجع ماذكرناه .
وبما ذكرناه ظهر أن ما افيد في مقام الجمع بين الطائفتين
بعد البناء على
تعارضهما من جهة دلالة الاولى على الجواز مطلقا ،
والثانية على عدم الجواز كذلك ،
تارة بحمل الاولى على صورة وجدان الماء قبل الفراغ من
الصلاة بالتيمم ، واخرى
بحملها على صورة التيمم قبل الوقت لغاية اخرى فدخل وقت
الصلاة فصلاها في
[ . . . ]
السعة وثالثة بحملها على صورة الجهل بان الحكم المضايقة
، كلها اجنبية عن المقام ،
مضافا إلى ان قوله ( عليه السلام ) في تلك النصوص : وصلى
ثم بلغ الماء . يأبى عن
الحمل الاول ، وقوله ( عليه السلام ) فيها : تيمم وصلى
يأبى عن الثاني ، والثالث خلاف
ظاهرها .
كما انه ظاهر بما حققناه ان ما افاده بعض المعاصرين في
توجيه القول الثالث :
بان الطائفة الاولى تحمل على صورة العلم بعدم وجدان
الماء لظهور الطائفة الثالثة في
الاختصاص بصورة احتمال وجدان الماء فتكون اخص مطلقا منها
، ولاجل ذلك تكون
اخص مطلقا من الطائفة الثانية فتحمل هي على صورة الرجاء
جمعا ، غير تام لما
عرفت من عدم كون الطائفتين مطلقتين ، مضافا إلى عدم
التنافي بينهما من هذه الجهة ،
مع انه لو سلم ذلك لا يتم الجمع المذكور لتوقفه على
القول بانقلاب النسبة ، ولا نقول
به في هذه الموارد .
واما الطائفة الثالثة : فهي وان دلت على وجوب التأخير
وعدم جواز البدار ، إلا
انها لاشتمالها على الشرطية المزبورة ، ظاهرة في
الاختصاص بصورة رجاء وجدان الماء ،
وعليه فهي لا تنافي مع الطائفتين الاوليتين ، وبها يخرج
عما تقتضيه القواعد من الجواز
مع الاحتمال ايضا ، مع انه لو منع من ذلك وبنى على كونها
شاملة لجميع الصور فيقيد
اطلاقها بالطائفة الاولى الدالة على الجواز في صورة
العلم باستمرار العذر فتأمل .
فان قلت : لا مناص عن البناء على ذلك لان من جملة تلك
النصوص
صحيح ( 1 ) زرارة عن احدهما ( عليه السلام ) : إذا لم
يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في
الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر
الوقت . فانه مطلق شامل
لجميع الصور .
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 22 - من ابواب التيمم حديث 2 .
[ . . . ]
قلت : ان ظاهره وجوب الطلب في تمام الوقت ، وحيث ان
الاجماع على خلافه
فيحمل على ارادة انه يطلب ان كان الوقت يسع الطلب وإلا
فليتيمم بلا طلب ، فلا
دلالة له على وجوب التأخير ، فهو ليس من هذه الطائفة ،
بل قد عرفت في مبحث
وجوب الطلب انه يمكن دعوى ظهوره في نفسه ، مع قطع النظر
عن الاجماع أو
بواسطة النصوص الاخر في ذلك . فراجع .
فالمتحصل من مجموع ما ذكرناه : ان مقتضى القواعد والنصوص
الخاصة
وجوب التأخير مع العلم بارتفاع العذر ، ومقتضى النصوص
الخاصة وجوبه مع احتمال
الارتفاع ايضا ، وبها يخرج عما تقتضيه القاعدة من جواز
البدار في هذه الصورة ،
ومقتضى كلتا الطائفتين من الادلة جوازه في السعة مع
الاعتقاد ببقاء العذر ولو كان
خطاءا .
فان قلت : انه بناء على ما هو الحق من جريان الاستصحاب
في الامور
الاستقبالية ولو كانت تدريجية ، يجري استصحاب بقاء العذر
إلى آخر الوقت ، فتلحق
صورة احتمال الارتفاع بصورة العلم بالبقاء ، غاية الامر
يكون جواز البدار حينئذ
جوازا ظاهريا لا واقعيا .
قلت : انه مع الدليل لا يرجع إلى الاصل ، وقد تقدم ان
الطائفة الثالة مختصة
بصورة الاحتمال ، وتدل على وجوب التأخير ، ومعها لا وجه
للرجوع إلى الاصل .
بقي في المقام امور يجب التنبيه عليها :
الأول : اذا تيمم لصلاة سابقة وصلى لاريب في جواز اتيان
الصلوات التي لم
يدخل وقتها بعد دخوله ما لم يحدث أو يجد ماءا في الجملة
، وعن الذخيرة . الظاهر انه
لا خلاف فيه بين الاصحاب ، وعن الخلاف والمعتبر : دعوى
الاجماع عليه .
[ . . . ]
وتشهد له جملة من النصوص : كصحيح ( 1 ) حماد بن عثمان
قال : سألت ابا عبد
الله ( عليه السلام ) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل
صلاة ؟ فقال ( عليه السلام(
:لا
هو ، بمنزلة الماء .
وصحيح ( 2 ) زرارة عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في
رجل يتيمم قال ( عليه
السلام ) : يجزيه ذلك إلى ان يجد الماء .
وصحيحه ( 3 ) الآخر : قلت لابي جعفر ( عليه السلام )
يصلي الرجل بتيمم واحد
صلاة الليل والنهار كلها ؟ فقال ( عليه السلام ) : نعم
ما لم يحدث أو يصيب ماءا . ونحوها
غيرها .
وبازائها طائفتان من النصوص .
الاولى : ما دل على انه يتيمم لكل صلاة : كخبر ( 4 ) أبي
همام عن الامام الرضا
) عليه السلا ) : يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء .
الثانية : ما دل على انه يتيمم لصلاة واحدة ونافلتها
كخبر ( 5 ) السكوني عن
مولانا الصادق ( عليه السلام ) : لا يتمتع بالتيمم إلا
صلاة واحدة ونافلتها .
والجمع العرفي يقتضي حملهما على الاستحباب ، وما فيهما
من الاختلافات على
اختلاف مراتب الفضل .
ومنه يظهر عدم صحة ما قيل من حملهما على التقية ، اذ لا
يحمل الخبر على
…………………………………...
( 1 ) الوسائل - باب 20 - من ابواب
التيمم .
( 2 ) الوسائل - باب 20 - من ابواب التيمم .
( 3 ) الوسائل - باب 20 - من ابواب التيمم .
( 4 ) الوسائل - باب 20 - من ابواب التيمم .
( 5 ) الوسائل - باب 20 - من ابواب التيمم .
[ . . . ]
التقية مع عدم المعارض وعدم القرينة عليه ، وموافقة
مضمونه لمذهب المخالفين لا
تصلح لذلك ، انما الكلام في انه هل يجوز الاتيان بها في
اول وقتها أم لا ؟ فعن غير
واحد منهم الشيخ في المبسوط : الجواز مع قولهم بالمضايقة
، وعن بعضهم : القول بعدم
الجواز ، مع إلتزامه في تلك المسألة ولو في بعض صورها
بالمواسعة ، وعن جماعة : تبعية
حكم هذا الفرغ للحكم في تلك المسألة ، وهي الأقوى ، وذلك
لان نصوص الاكتفاء بتيمم
واحد لصلوات متعددة ليست في مقام بيان جواز الصلاة في
السعة كي يتمسك
باطلاقها ، بل في مقام بيان عدم وجوب تجديد التيمم لكل
صلاة ، بل الظاهر منها هو
عدم وجوب التجديد وجواز الصلاة معه في مورد جواز التيمم
لو كان محدثا كما يظهر
لمن لاحظ ما فيها من السؤال والجواب ، فهي لا تدل على
جواز الصلاة إلا في مورد
يجوز التيمم والصلاة .
وعليه فلا يجوز في صورتي العلم بزوال العذر واحتماله
اللتين عرفت وجوب
التأخير فيهما ، ويجوز مع العلم بالاستمرار ، وبذلك يظهر
ان ما استدل به على الجواز
في صورة الاحتمال من اختصاص نصوص التأخير بغير المتيمم ،
واما هو فيرجع إلى
ما تقتضيه القاعدة وهو الجواز كما تقدم فاسد ، مع ان
دعوى اختصاص تلك النصوص
بغير المتيمم ممنوعة ، اذ الظاهر منها - لا سيما بعد
ملاحظة جواز التيمم لغير تلك
الصلاة من الغايات المنع عن الصلاة به في السعة لا مجرد
عدم جواز التيمم .
وبعبارة اخرى : انها تدل على عدم ترشح الامر الغيري من
الصلاة إلى التيمم ،
وعدم صحة الاتيان به للتوصل إلى الصلاة لا عدم صحة
التيمم ، فانه يصح اذا اتى
به لغاية اخرى أو استحبابه النفسي ، ولا يتصور وجه لذلك
سوى لزوم تأخير الصلاة
وعدم جواز الاتيان بها في السعة كما لا يخفى .
فتحصل : ان الاظهر لزوم تأخير الصلاة الثانية فيها أيضا .
[ . . . ]
الثاني : المراد بآخر الوقت الذي يجب التأخير إليه :
الآخر العرفي ، لا الآخر
الحقيقي ، لتعذر العمل على الحقيقي غالبا أو دائما ،
فيكون تكليفا بما لا يطاق . فهل
يجب الصبر إلى زمان لا يبقى من الوقت إلا بقدر الواجبات ، أم
يكفي عدم زيادة
الوقت عن الصلاة المشتملة على الواجبات والمندوبات
المتعارفة مثل القنوت
والمقدمات المتعارفة كالمشي إلى مكان المصلى ونحوه ، أم
يكفي عدم زيادة الوقت عن
الصلاة المشتملة على المستحباب حتى غير المتعارفة ؟ وجوه
: خيرها اوسطها ، ولا يخفى
وجهه .
الثالث : صرح جمع من فضلاء الاصحاب : بان من عليه فائتة
فالاوقات كلها
صالحة لتيممه ، كذا في الحدائق ، وعن بعض : عدم وجدان
الخلاف فيه .
واستدل له بعموم قوله ( عليه السلام ) ( 1 ) : ومتى ما
ذكرت صلاة فاتتك صليتها .
وباختصاص اخبار ( 2 ) المضايقة بالتيمم لصاحبة الوقت ،
وباستفادة حكمها من
اخبار ( 3 ) المواسعة الواردة في الفرائض الموقتة ،
لاشتمالها على التعليل الموجب للتعدي
عن موردها إلى المقام .
ولكن يرد على الأول : انه لا نظر له إلى غير الوقت من
الشروط كي يستدل
به لاثبات طهورية التيمم والاكتفاء به ، وانما يدل على
ان الاوقات كلها صالحة لوقوع
الصلاة القضائية فيها . وبعبارة اخرى : انه لا يدل على
سقوط اعتبار الطهارة المائية ،
كما لا يدل على سقوط غيرها مما يعتبر في الصلاة اذا تعذر
الاتيان به .
واما الثاني : فهو وان كان متينا في نفسه إلا انه لا يدل
على جوازه في السعة
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب قضاء الصلوات .
( 2 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب التيمم .
( 3 ) الوسائل - باب 22 - من ابواب التيمم .
[ . . . ]
بعد ما عرفت من ان مقتضي الآية الشريفة وما شابهها من
النصوص عدم جواز
البدار اذا علم بعدم استمرار العذر إلى آخر الوقت الذي
يجوز تأخير الصلاة إليه .
وإما الثالث : فغاية ما يمكن اثباته بتلك النصوص جواز
الاتيان به إذا علم
باستمرار العذر لما عرفت من اختصاص الحكم في الملحق به
بهذه الصورة .
وحق القول في المقام : انه تارة نقول بالمضايقة في
القضاء كما هو المشهور ،
واخرى نقول ان وقتها العمر . اما على القول بالمضايقة :
فيجوز التيمم لها حتى اذا
علم بزوال العذر في الزمان اللاحق لاطلاق ادلة مشروعية
التيمم للصلاة من الآية
والنصوص . نعم يعتبر ان يكون امد الزوال بعيدا وإلا فلا
يصدق عدم الوجدان .
واما على القول بالمواسعة : فاذا علم بزوال العذر في
الزمان اللاحق لا يجوز
التيمم ، وإلا فيجوز لما عرفت من ان هذا مما تقتضيه
القاعدة ، وعليها الاعتماد بعد
فرض عدم شمول النصوص الخاصة للمقام ، اللهم
إلا ان يقال : ان الظاهر اتحاد
حكمها مع الفرائض الادائية التي عرفت انه مع احتمال زوال
العذر لا يجوز البدار
فيها ، فكذلك في المقام .
الرابع : صرح غير واحد منهم المحقق والشهيد : بجواز
التيمم لصلاة النافلة
الراتبة بدخول وقتها كصلاة الليل ، ولكن الاظهر عدم
جوازه إلا مع العلم باستمرار
العذر الى آخر وقتها لعين ما ذكرناه في الفرائض لشمول
الادلة لها ايضا ، واما النوافل
غير الموقتة فيجوز لها التيمم حتى مع العلم بزوال العذر
في الزمان اللاحق لانها مضيقة
تفوت بفوات الوقت ، فلو لم يأت بها عند فقد الماء فقد فاتت .
الخامس : لو اعتقد ضيق الوقت وتيمم وصلى ثم انكشف سعة
الوقت ، فعن
الشيخ في جملة من كتبه : انه يجب الاعادة ، وعن المحقق
والشهيد : انها لا تجب .
واستدل للثاني : بانه تطهر طهارة شرعية وصلى صلاة مأمورا
بها فتكون مجزية ،
[ . . . ]
وبما دل من النصوص ( 1 ) على انه لا اعادة على من تيمم
وصلى ثم بلغ الماء قبل خروج
الوقت ، اذ لا وجه على القول بالتضييق إلا ذلك .
وفيهما نظر : اما الأول : فلأنه على القول بالتضييق لم
يطهر طهارة شرعية ولا
صلى صلاة مأمورا بها ، بل كان يتخيل كونها كذلك ، فلا
تكون مجزية . واما النصوص :
فلما عرفت من دلالتها في انفسها على التوسعة في الجملة
لا مطلقا .
فالتحقيق انه على القول بوجوب التأخير إلى آخر الوقت يجب
عليه الاعادة ،
واما على القول بالتوسعة فبناء على المختار لا تجب
الاعادة اذا علم حين التيمم
باستمرار العذر إلى امد يساوي آخر الوقت واقعا ، وتجب
اذا علم بزوال العذر أو
احتمل ذلك .
ومنه يظهر الحكم بناء على المسلك الآخرى الذي اختاره
جماعة منهم السيد في
العروة .
جميع غايات الطهارة المائية غايات للترابية
المسألة السادسة : جميع غايات الوضوء والغسل غايات
للتيمم كما هو المشهور شهرة
عظيمة ، بل عن منتهى المصنف ( ره ) : دعوى نفي الخلاف
فيه .
وتشهد له جملة من النصوص الدالة على ان التيمم طهور
العاجز كما ان الماء
طهور القادر : كصحيح ( 2 ) محمد بن حمران وجميل : ان
الله تعالى جعل التراب طهورا
كما جعل الماء طهورا .
وصحيح ( 3 ) زرارة عن الامام الصادق ( عليه السلام ) :
في رجل تيمم قال ( عليه
…………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب
التيمم .
( 2 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب التيمم .
3 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب التيمم .
[ . . . ]
السلام ) : يجزيه ذلك إلى ان يجد الماء .
وصحيح ( 1 ) حماد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : هو
بمنزلة الماء .
وخبر ( 2 ) السكوني عنه ( عليه السلام ) : ان النبي ( صلى
الله عليه وآله وسلم (
قال : يا اباذر يكفيك الصعيد عشر سنين .
وصحيح ( 3 ) زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) :
التيمم أحد الطهورين .
وصحيح ( 4 ) محمد بن مسلم عن مولانا الصادق ( عليه
السلام ) ان رب الماء هو
رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين . ونحوها غيرها .
ومقتضى اطلاقها انه يستباح به جميع ما يستباح بالطهارة
المائية ، دعوى انه
لا يفيد الطهارة بل هو مبيح ستعرف ما فيها في المسألة
الثامنة .
ثم انه وقع الكلام في موارد : الأول : نسب إلى فخر
المحققين ( ره ) ابن المصنف
طاب ثراه انه منع من استباحة اللبث في المساجد ، ودخول
المسجدين ، ومس كتابة
القرآن بالتيمم . واستدل له : بقوله تعالى ( 5 ) ( ولا
جنبا إلا عابري سبيل حتى
تغتسلوا ) حيث جعل نهاية التحريم الغسل فلا يستباح بغيره
، وإلا لم تكن الغاية
غاية ، وكذا مس كتابة القرآن اذ الامة لم تفرق بين المس
واللبث في المساجد .
واورد عليه سيد المدارك بقوله : ان ارادة المساجد من
الصلاة مجاز لا يصار إليه
القرينة ، مع احتمالها لغير ذلك احتمالا ظاهرا وهو ان
يكون متعلق النهي الصلاة
في احوال الجنابة إلا في حال السفر لجواز تأديتها حينئذ
بالتيمم انتهى .
…………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب
التيمم .
( 2 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب التيمم .
( 3 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب التيمم .
( 4 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب التيمم .
( 5 ) سورة النساء - الآية 44 .
[ . . . ]
وفيه : ان هذا التفسير الذي عليه بنى الفخر استدلا له
وهو كون المراد مواضع
الصلاة أي المساجد مما دلت عليه النصوص الواردة عن
المعصومين عليهم السلام في
تفسير الآية الشريفة كصحيح ( 1 ) زراره ومحمد بن مسلم عن
الامام الباقر ( عليه
السلام ) : قلنا له : الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا
؟ قال ( عليه السلام ) :
الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين ، ان الله
تبارك وتعالى يقول ( ولا جنبا
إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا(
فالصحيح ان يورد على دليل الفخر ( ره ) بان ادلة البدلية
تكون حاكمة على
الآية الشريفة كما انها حاكمة على سائر ما دل على اعتبار
الوضوء أو الغسل في شئ
من العبادات كالصلاة ونحوها .
الثاني : نسب في الحدائق إلى السيد انه في مداركه التزم
بان ما ثبت توقفه على
مطلق الطهارة من العبادات يبيحها التيمم ، وما ثبت توقفه
على نوع خاص منها
كالغسل في صوم الجنب لا يبيحه التيمم ، لاختصاص ادلة
كونه مبيحا بالقسم الاول .
وفيه : ان مقتضى اطلاق الادلة قيام التيمم مقام الغسل
والوضوء في جميع
احكامهما ، لا سيما بناء على المختار من كون الطهارة من
العناوين المنطبقة عليهما لا
أمرا متولدا منهما .
الثالث : المحكي عن نهاية الاحكام والبيان الاشكال في
مشروعية التيمم بدلا
عن الوضوء التجديدي ، ولكن صاحب الجواهر ( ره ) ادعى
دخوله في ظاهر اجماع
المنتهى .
وكيف كان فيشهد لبدليته عنه اطلاق ادلة البدلية ، بل
يمكن ان يقال : ان
نصوص الوضوء التجديدي بانفسها صالحة لاثبات استحباب
التيمم التجديدي ،
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 15 - من ابواب
الجنابة حديث 1 .
[ . . . ]
لاحظ قوله ( عليه السلام ) في مرسل ( 1 ) سعد : ان الطهر
بعد الطهر عشر حسنات .
فانه بضميمة ما دل على طهورية التيمم وانه احد الطهورين
يدل على استحباب
التيمم التجديدي ، وضعف السند لا يضر للتسامح .
الرابع : من الموارد التي وقع الخلاف فيها كونه مستحبا
نفسيا بالمعنى الذي
سلموه في الوضوء ، والاظهر كونه كذلك ، فان ما دل من
الادلة ( 2 ) على ان التيمم احد
الطهورين - بضميمة ما دل على محبوبية الطهر في نفسه
المتقدم في مبحث استحباب
الوضوء في نفسه - يدل على استحباب التيمم في نفسه ، والايراد
عليه بانه لا يستفاد
منه سوى محبوبية الكون على الطهارة قد عرفت دفعه في ذلك
المبحث فراجع .
الخامس : قد تقدم في المسألة المتقدمة الاشكال في التيمم
للتأهب للفريضة
ودفعه ، وعرفت ان الاظهر مشروعية التيمم التهيوئي
كالوضوء التهيوئي ، فراجع ما
ذكرناه .
السادس : في اباحة الوطء بالتيمم الذي هو بدل عن غسل
الحيض بناء على
حرمته قبل الاغتسال وانتقاض كل تيمم بمطلق الحدث قولان :
قد استدل للثاني : بان
تحقق ما يوجب الجنابة ، وهو دخول الحشفة ، يوجب ارتفاع
اثر التيمم ، فلا يجوز
الوطء بعده ، وقد تقدم الكلام فيه في احكام الحائض فراجع .
السابع : اذا تيمم لغاية من الغايات ، كان بحكم الطاهر
كما هو المشهور ، فله
الاتيان بكل ما يحتاج فعله إلى الطهارة ، فيما اذا كانت
الغاية من الغايات التي يشرع
لها التيمم لقوله ( عليه السلام ) في صحيح ( 3 ) حماد
فيمن لا يجد الماء بعد سؤاله عن انه
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب
الوضوء حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب التيمم حديث 5 .
( 3 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب التيمم .
[ . . . ]
يتيمم لكل صلاة : لا ، هو بمنزلة الماء . وقوله ( عليه
السلام ) في صحيح ( 1 ) زرارة في رجل
تيمم : يجزيه ذلك إلى ان يجد الماء . وقوله ( عليه
السلام ) في خبر ( 2 ) السكوني : ان النبي
) صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : يا أبا ذر يكفيك الصعيد
عشر سنين ، ونحوها غيرها
من نصوص البدلية .
التيمم بدل الغسل يغني عن الوضوء
المسألة السابعة : التيمم الذي بدل عن غسل الجنابة حاله
كحاله في الاغناء
عن الوضوء بلا خلاف فيه ، ويشهد له : الآيتان الشريفتان
، وغيرهما من ادلة البدلية ،
واما ما هو بدل عن سائر الاغسال ، فعن المفيد وظاهر
المقنعة : الاجتزاء بتيمم واحد ،
وانه لا حاجة إلى تيممين ، وعن الذكرى وفي المدارك :
نسبته إلى ظاهر الاصحاب ، وفي
الجواهر : انا لم نتحقق ما نسباه إلي ظاهر الاصحاب ان لم
يكن قد تحققنا خلافه .
وكيف كان : فقد استدل له باطلاق ( 3 ) ادلة تنزيل التراب
منزلة الماء ، وبما
رواه ( 4 ) ابو بصير من ان تيمم الجنب والحائض سواء ،
وفي المدارك : الاظهر الاكتفاء
بتيمم واحد بناء على ما اخترناه من اتحاد الكيفية وعدم
اعتبار نية البدلية ، فيكون
جاريا مجرى اسباب الوضوء والغسل المختلفة .
وفي الجميع نظر : اما الاول : فلأن تنزيل التراب منزلة
الماء بعد كون الحكم في
ما يتعلق بالماء وهو الغسل والوضوء متعددا يقتضي اعتبار
التعدد في التراب لا
الاكتفاء بتيمم واحد ، واما ما افاده بعض المعاصرين من
انكار كون مفاد الادلة تنزيل
…………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب
التيمم .
( 2 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب التيمم .
( 3 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب التيمم .
( 4 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب التيمم حديث 7 .
[ . . . ]
التراب منزلة الماء اولا ، وعدم الاطلاق لدليل البدلية
على فرض وجوده ثانيا ، فغير
سديد كما يظهر لمن لاحظ نصوص البدلية ، فالصحيح ما
ذكرناه .
واما الثاني : فلأنه انما يدل على التساوي في الكيفية لا
في الكمية ، نظير ما ورد
من ان غسل الحيض كغسل الجنابة .
واما الثالث : فلأن الاتحاد في الكيفية لا يلازم الوحدة
بعد كون مقتضى الاصل
عدم التداخل في الاسباب والمسببات ، وانما التزمنا به في
اسباب الغسل والوضوء
لاجل الدليل لا لاتحاد الكيفية .
فالاظهر : عدم اغنائه عن الوضوء ، فيجب الوضوء أو التيمم
بدلا عنه بناءا
على ما هو المشهور من عدم اجزاء الغسل مطلقا عن الوضوء ،
واما بناءا على ما
اخترناه من الاجزاء فلا يجب لاطلاق نصوص البدلية .
ثم انه على المشهور لو وجدت الحائض بعد ان تيممت تيممين
الماء بقدر
الوضوء بطل تيممها الذي هو بدل عنه خاصة ، كما انه لو
وجدت ما يكفي للغسل ولم
يمكن صرفه في الوضوء بطل تيممها الذي هو بدل عن الغسل ،
واما اذا وجدت ما
يكفي لاحدهما ، فهل ينتقضان معا ، أو ما تختار منهما ،
ام خصوص ما هو بدل عن
الغسل ، ام ترجع إلى القرعة ؟ وجوه ولعلها أقوال : قد
استدل للأول : بصدق الوجدان
في كل منهما وعدم الترجيح .
وفيه : انه بناءا على ما هو الظاهر من تسالمهم على اهمية
الغسل يتعين صرف
الماء فيه ، وهو يوجب العذر عن الوضوء ، فلا يكون مأمورا
به ، فلا ينتقض التيمم
الذي هو بدل عنه .
ودعوى انها لو خالفت تكليفها وتوضأت صح وضوؤها لقاعدة
الترتب ،
ومقتضاها انتقاض ما هو بدل عن الوضوء أيضا على تقدير ترك
الغسل ، فلو اتلفت
الماء انتقض التيممان ، مندفعة بما حققناه في محله
واشرنا إليه في هذا المبحث مرارا من
[ . . . ]
عدم جريان قاعدة الترتب في مثل الوضوء مما هو مقيد شرعا
بالقدرة .
وبما ذكرناه يظهر ضعف الوجه الثاني ايضا ، فيتعين الثالث
، بناء على ما هو
الصحيح من عدم العمل بالقرعة في تشخيص الاحكام الشرعية
وموضوعاتها .
المسألة الثامنة : اذا تيمم المحدث بالاكبر بدلا عن
الغسل ثم احدث بالاصغر ، ففيه
اقوال :
الاول : انه يبطل تيممه فيعيد التيمم بدلا من الغسل ،
وهذا هو المشهور بين
الاصحاب شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا ، بل عن المصنف في
المختلف : دعوى
الاجماع عليه .
الثاني : انه لا يبطل التيمم الذي هو بدل عن الغسل ، وهو
الذي اختاره السيد
في شرح الرسالة ، وتبعه جماعة من المتأخرين كالمحدث
الكاشاني في محكي المفاتيح
وكاشف اللثام ، وصاحب الذخيرة ، والسيد في العروة .
الثالث : التفصيل بين التيمم الذي بدل عن الغسل الجنابة
، وما هو بدل عن
غيره ، فيبطل الاول دون الثاني .
فالكلام يقع اولا : فيما هو بدل عن غسل الجنابة ، ثم في
غيره .
اما الأول : فقد استدل للمشهور بوجوه : الأول : ان
التيمم لا يرفع الحدث
الذي هو مانع ، بل انما هو مبيح فيوجب رفع المنع ، وذلك
للاجماع المدعى عليه في
كلمات الاساطين ، ففي المعتبر التيمم لا يرفع الحدث وهو
مذهب العلماء كافة ، وعن
جامع المقاصد : اجمع علماء الإسلام إلا شاذا على ان
التيمم لا يرفع الحدث وانما يفيد
الاباحة ، ونحوهما كلام غيرهما .
ولان المتيمم تجب عليه الطهارة عند وجود الماء بحسب
الحدث السابق ، فلو
[ . . . ]
لم يكن الحدث السابق باقيا لكان وجوب الطهارة بوجود
الماء إذ لا وجه غيره ووجود
الماء ليس حدثا بالاجماع ، وعليه فمتى احدث زالت
الاستباحة وعاد حكم الحدث
الأول ، فيجب التيمم بدلا عن الغسل .
وفيه : أولا : ان المستفاد من قوله تعالى في ذيل آية
التيمم ( 1 ) ( ما يريد الله
ليجعل عليكم في الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم ) ،
وقوله ( صلى الله عليه
وآله وسلم ) في الحديث النبوي ( 2 ) المروي بعدة طرق :
جعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا . وقوله ( عليه السلام ) في صحيح ( 3 ) جميل : ان
الله عزوجل جعل التراب
طهورا كما جعل الماء طهورا . ونحوه غيره من النصوص : ان
التيمم كالوضوء والغسل
طهارة على المختار ومطهر على المشهور ، واما الاجماع
الذي استدل به على كونه
مبيحا ، فلو سلم كونه تعبديا مع ان للمنع عنه مجالا
واسعا لاحتمال استناد المجمعين
إلى الوجه الاعتباري المذكور ، فهو لا يدل عليه الجواز
أن يكون المراد بما ادعوا عليه
الاجماع عدم كون التيمم رافعا للحدث كالوضوء ، والغسل
مزيلا لاثره بالمرة على وجه
لا يحتاج إلى فعل الطهور ما لم يحصل سبب جديد .
واما الوجه العقلي المذكور فيندفع بان انتقاض التيمم حتى
على القول بكونه
رافعا بوجدان الماء ليس لاجل كون الماء حدثا ، بل لاجل
ان رافعيته ، انما تكون في
صورة فقدان الماء ، فمع تبدله بالوجد ان يتبدل الموضوع
وينعدم موضوع مشروعية
التيمم ، ولا مانع من الالتزام بكونه طهورا ما دام كونه
عاجزا عن استعمال الماء اذا
ساعدنا الدليل على ذلك .
………………………
( 1 ) سورة المائدة - الآية 7 .
( 2 ) الوسائل - باب 7 - من ابواب التيمم .
( 3 ) الوسائل - باب 23 - من ابواب التيمم حديث 1 .
[ . . . ]
واورد الشهيد الثاني في محكي شرح الالفية على القول بانه
مبيح لا رافع : بانا
لا نتعقل من الحدث إلا الحالة التي لا يصح معها الدخول
في الصلاة ، فمتى ابيحت
الصلاة زالت تلك الحالة ، فارتفع الحدث بالنسبة إلى هذه
الصلاة ، بمعنى زوال المانع .
وفيه : ان الحدث وان لم يكن من الصفات الحقيقية الواقعية
على ما سيمر
عليك ، إلا انه من الاحكام الوضعية الاعتبارية ، وعدم
جواز الصلاة من آثاره ، فعدم
ترتب الاثر أعم من عدمه ، اللهم إلا ان يكون مراده انه
لكونه من الامور الاعتبارية
لا يعقل بقاءه مع عدم الأثر ، إذ الاعتبار من الحكيم بلا
أثر مترتب عليه محال ،
وثانيا : لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا انه مبيح ، فيرد عليه
: انه بعد دلالة الدليل
على رفع مانعية الجنابة بالتيمم واباحة الغايات به ، لا
دليل على عودها بالحدث
الاصغر ، فانه انما يوجب الوضوء أو التيمم بدلا عنه لا
مانعية الجنابة ، لا سيما وان
مقتضى اطلاق ما دل على كونه بمنزلة الوضوء والغسل ، رفع
المانعية ما دام العذر يكون
باقيا ، وعليه فلا يصغي إلى ما قيل من ان التيمم لا
يقتضى إلا رفع مانعيتها قبل ان
يحدث حدث .
الوجه الثاني : ما ذكره المحقق الهمداني ( ره ) ومحصله :
ان الطهارة صفة وجودية
تحصيل باسبابها ، وان الحدث قذارة معنوية حادثة باسبابها
مانعة من الدخول في
الصلاة ، وليس بين ذاتيهما تضاد ، بل التنافي انما هو
بين أثريهما ، وهما جواز الدخول في
الصلاة ، والامتناع منه ، وغسل الجنابة انما يكون رافعا
للقذارة الحاصلة بها ومفيدا
للطهارة ، واما التيمم الذي بدل عنه فغاية ما تدل عليه
الادلة كونه مفيد للطهارة ،
واما كونه بمنزلته في رفع القذارة فالادلة قاصرة عن
اثباته ،
وعليه فما دل على طهورية
التيمم انما يقتضي جواز الصلاة ، ورفع مانعية الجنابة ما
دام بقاء اثره لعدم اقتضاء
طهورية التيمم إلا مزاحمتها للتأثير ما دام بقاء اثره
فمتى انتقض عادت الجنابة مانعة
بالفعل ، ولا تزال مانعيتها إلا بالتيمم هو بدل من الغسل .
[ . . . ]
وفي كلامه ( قده ) مواقع للنظر : الاول : ان ظاهر كلامه
كون الحدث والطهارة
من الامور الواقعية الخارجية وهو غير تام ، اذ لو كانا
منها لكانا من جملة المقولات ،
وما يحتمل منها ليس إلا مقولة الكيف القائم بالنفس ،
وكونهما منها غير ظاهر ، اذ
الامور القائمة بالنفس على ثلاثة اقسام : منها : الصور
العلمية من الاعتقادات
الصحيحة والاعتقادات الفاسدة ومنها : مبادئ صدور الفعل
الاختياري ومنها : الملكات
الفاضلة والاخلاق الرذيلة . وعدم كونهما من القسمين
الاولين لا يحتاج إلى بيان ، واما
عدم كونهما من القسم الاخير فلان الالتزام بكون الحدث من
الاخلاق الرذيلة الموجبة
للبعد ، مع انه يحصل للمعصومين عليهم السلام ، وربما يقع
على وجه العبادية المكملة
للنفس كما ترى .
وعليه فبما انهما ليسا حكمين تكليفيين ولا امرين منتزعين
من الحكم التكليفي
لانه من آثارهما ، فيتعين الالتزام بكونهما اعتبارين
وضعيين شرعيين ، وحيث أنه لا
يترتب على اعتبارهما سوى اباحة الصلاة ونحوها وعدمها ،
فالالتزام ببقاء الحدث مع
عدم منعه من الغايات لغو لا يصدر من الحكيم .
الثاني : ما ذكره ( قده ) من عدم التضاد بين الطهارة
والحدث لا يخلو من منع ،
اذ المستفاد من الآية الشريفة والنصوص هو التنافي بينهما
على وجه لا يمكن رفعهما ولا اجتماعهما ،
اذ قوله تعالى ( 1 ) ( وان كنتم جنبا فاطهروا ) كالصريح
في ان الطهارة رافعة للجنابة ،
وكذا غيره من الادلة .
الثالث : ما ذكره من انه متى انتقض عادت الجنابة مانعة ،
فانه يرد عليه انه
بعد دلالة الدليل على ان التيمم اوجب الطهارة ورفع
مانعية الجنابة ، فعود مانعيتها
بالحدث الاصغر الموجب لحدث آخر غير حدث الجنابة الذي
يرفعه الوضوء يحتاج
……………………..
( 1 ) سورة المائدة - الآية 7 .
[ . . . ]
إلى دليل مفقود .
الوجه الثالث : صحيح ( 1 ) زرارة عن الامام الباقر (
عليه السلام ) : متى اصبت الماء
فعليك الغسل ان كنت جنبا والوضوء إن لم تكن جنبا .
بدعوى انه بمفهومه يدل على عدم وجوب الوضوء على الجنب ، وبطلان قول السيد
القائل بوجوب الوضوء على الجنب على تقدير عدم كفاية الماء لغسله .
وفيه : ان المراد باصابة الماء وجدان الماء الكافي لرفع
الحدث السابق ، فالمحدث
بالاكبر الذي يصيب الماء غير الكافي لغسله خارج عن مورده
، مع انه لو سلم شموله
له أيضا ، فهو داخل في قوله ( عليه السلام ) : والوضوء
ان لم تكن جنبا . اذ الجنب الذي
تيمم ثم وجد الماء غير الكافي لغسله لا يكون جنبا عند
السيد حقيقة أو حكما ، بل
هو محدث وجد الماء بقدر الوضوء ، فعليه ذلك .
الرابع : ما دل على انتقاضه بالحدث من النصوص المتقدمة :
كصحيح ( 2 ) زرارة
قال : قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) : يصلي الرجل بتيمم
واحد صلاة الليل والنهار
كلها ؟ فقال ( عليه السلام ) : نعم ما لم يحدث او يصب
ماءا . ونحوه غيره ، وهي تدل على
ان مطلق الحدث ناقض لمطلق التيمم .
وفيه : انها انما تدل على عدم جواز الدخول في الصلاة مع
التيمم الذي احدث
بعده ، وهذا مما لا كلام فيه ، وانما الكلام في انه يوجب
الوضوء او التيمم بدل الغسل ،
وهذه النصوص قاصرة عن اثباته .
الخامس : صحيح ( 3 ) محمد بن مسلم عن احدهما ( عليه
السلام ) : في رجل اجنب
في سفر ومعه قدر ما يتوضأ به ، قال ( عليه السلام ) :
يتيمم ولا يتوضأ . ونحوه غيره .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 19 - من ابواب
التيمم حديث 5 .
( 2 ) الوسائل - باب 20 - من ابواب التيمم حديث 1 .
( 3 ) الوسائل - باب 24 - من ابواب التيمم حديث 2
[ . . . ]
وفيه : ان مفاد هذه النصوص اجنبي عن المقام ، فانها تدل
على ان الجنب يتيمم
ولا يتوضأ ، واما اذااحدث بالاصغر بعد التيمم الأول فهل
يتيمم أيضا أم يتوضأ الذي
هو محل الكلام ، فهذه النصوص غير متعرضة له ، وان شئت
قلت : ان المتيمم غير
جنب عند السيد واتباعه حقيقة أو حكما ، ودعوى انه اطلق
الجنب على المتيمم في
بعض النصوص كالمرسل المروي عن الغوالي عن النبي ( صلى
الله عليه وآله وسلم )
انه قال لبعض اصحابه الذي تيمم من الجنابة وصلى : صليت
باصحابك وأنت جنب .
مندفعة بانه ضعيف السند جدا .
السادس : استصحاب عدم مشروعية الوضوء في حقه الثابت قبل
التيمم .
وفيه : انه لا يعتمد عليه مع ثبوت عموم سببية الحدث
الاصغر للوضوء ، فان
تخصيصه بالحدث بعد الجنابة قبل التيمم لا يمنع عن التمسك
به بعده .
السابع : استصحاب عدم جعل التيمم رافعا للحدث الاكبر بعد
الحدث
الاصغر .
توضيحه : ان الشك في بقاء أثر التيمم بعد تحقق الحدث
الاصغر مسبب عن
الشك في الجعل بنحو يكون باقيا بعده ، وحيث ان رافعيته
للاكبر بعد حصول الاصغر
لم تكن مجعولة في اول الشريعة قطعا ، فيشك في جعلها ،
فيستصحب عدم الجعل وتثبت
به عدم الرافعية بناءا على ما حققناه في محله من ان
استصحاب عدم الجعل يجري
ويثبت به عدم المجعول .
ودعوى : ان جعل الرافعية للتيمم معلوم اما إلى ما بعد
الحدث الاصغر إلى ان
يصيب الماء ، أو إلى تحقق الحدث ، فاستصحاب عدم جعلها
إلى اصابة الماء يعارض مع
استصحاب عدم جعلها في خصوص ما قبل الحدث ، فيتساقطان
فيرجع إلى الاصل
المحكوم وهو استصحاب بقاء اثر التيمم ، مندفعة بعدم
جريان استصحاب عدم جعله
رافعا إلى حصول الحدث ، اذ رافعيته في ذلك الوقت معلو
[ . . . ]
وفيه : انه وان كان في نفسه تاما ومعه لا مورد للرجوع
إلى استصحاب بقاء اثر
التيمم ، إلا انه انما يرجع إليه مع عدم الدليل على بقاء
اثره ، وستعرف وجوده .
فتحصل : ان شيئا مما استدل به على المشهور لا يدل عليه ،
فالاظهر هو القول
الآخر وهو عدم بطلانه بالحدث الاصغر لما دل على تنزيله
منزلة الماء ، وانه يجزيه إلى
ان يجد الماء ففي صحيح ( 1 ) حماد عن الامام الصادق (
عليه السلام ) : عن الرجل لا
يجد الماء أيتيمم لكل صلاة ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا هو بمنزلة الماء . وصحيح ( 2 ) زرارة
عنه ( عليه السلام ) : في رجل تيمم ، قال ( عليه السلام
) : يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء .
فان مقتضى اطلاقهما كونه بمنزلة الماء حتى في عدم
الانتقاض بالحدث الاصغر ، وانه
يجزيه من هذه الجنابة ما لم يجد الماء ، وان احدث
بالاصغر .
ودعوى : انه لا نظر لهما إلى انتقاضه بالحدث وعدمه ،
مندفعة بانهما انما يدلان
بالاطلاق على بقاء اثره بعد حدث الاصغر ، ولا معنى لعدم
الانتقاض إلا ذلك ،
واضعف منها دعوى ان مفادهما مجرد الحدوث فلا مجال للرجوع
إليه عند الشك في
البقاء ، فانهما انما سيقا لبيان البقاء لا الحدوث كما
لا يخفى .
هذا كله في التيمم الذي هو بدل عن غسل الجنابة ، واما ما
هو بدل عن غيره
كغسل الحيض ونحوه ، فبناءا على ما استظهرناه من الأدلة
من الاجتزاء بكل غسل
عن الوضوء ، فالكلام فيه الكلام في ما هو بدل عن غسل
الجنابة ، واما بناءا على ما
هو المشهور من عدم الاجتزاء فعدم البطلان أولى ، فانه من
اول تحقق التيمم كان
يجتمع اثره مع الحدث الاصغر ، فلو تيممت الحائض بدلا عن
الغسل يباح لها دخول
المساجد ونحوه كمبدله سواء توضأت أم لا ؟ فهذه الاستباحة
تجامع مع الحد
……………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 20 - من ابواب التيمم
حديث 2 .
( 2 ) الوسائل - باب 20 من ابواب التيمم حديث 3 .
[ . . . ]
الاصغر فلا يؤثر الحدث الاصغر في ازالتها .
المسألة التاسعة : لو وجدت اسباب متعددة للغسل بحيث لو
كان واجدا للماء
كان عليه اغسال متعددة ، وكان فاقدا للماء ، فهل يكتفى
بتيمم واحد عن الجميع كما
يكتفى بغسل واحد في صورة الوجدان ، أم يكتفى به لو نوى
الجميع ولا يكتفى لو
نوى واحدا منها ولو كان المنوي ما هو بدل عن غسل الجنابة
، ام لا يجتزي بما لو
نوى غير الجنابة وان كان في الغسل لو نوى غير الجنابة
كان مجزيا ، ام لا يجتزى
مطلقا ؟ وجوه واقوال : اقواها الأول لاطلاق ادلة ( 1 )
البدلية ، فكما ان الغسل الواحد
يرفع جميع الاحداث ، فكذلك التيمم ، وبعبارة اخرى مقتضى
اطلاق ادلة البدلية
ترتيب جميع آثار الغسل عليه ، ولذا التزمنا بان التيمم
الذي هو بدل عن غسل الحيض
يغني عن الوضوء بناءا على اغناء كل غسل عنه ، وليس ذلك
إلا لاجل اطلاق ادلة
البدلية .
واستدل للاخير : باحتمال عدم شمول ادلة البدلية لمثل ذلك
، لا سيما وان
التيمم مبيح مع لا رافع ، والاصل عدم التداخل .
وفيه : ما عرفت من اطلاق ادلة البدلية وكونه رافعا لا مبيحا ،
مع ان كونه مبيحا
لا ينافي ذلك ، ولذا حكموا بالتداخل في اغسال المستحاضة
. وبه ترفع اليد عما تقتضيه
اصالة عدم التداخل ، كما ان كون التيمم طهارة ضعيفة لا
ينافيه بعد اطلاق ادلة
البدلية . وبذلك كله ظهر ضعف القولين الآخرين الذين
اختار اولهما الشيخ ( قده )
واحتمل ثانيهما المحقق الثاني .
………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 14 و 20 - من
ابواب التيمم .
[ . . . ]
اذا اجتمع جنب وميت ومحدث بالاصغر
المسألة العاشرة : اذا اجتمع جنب وميت ومحدث بالاصغر ،
وكان هناك ماء لا
يكفي إلا لاحدهم ، فان كان مملوكا لاحدهم اختص به وحرم
على غيره تناوله من غير
رضاه بلا خلاف ولا كلام ، كما انه لا اشكال ، في انه لو
كان المالك هو الميت تعين صرفه
في تغسيله وليس لوراثه السماحة به لانه أولى بماء غسله
من وراثه . وبعبارة اخرى : لا
ينتقل إليهم كي يسمحون به ، واما ان كان المالك غيره فعن
غير واحد : التصريح بعدم
جواز ايثاره بتقديم صاحبيه على نفسه ، واختار المحقق
الهمداني ( ره ) جواز ذلك ،
والأول اظهر لعموم ما دل على وجوب الطهارة المائية
المانع عن جوازه .
واستدل للثاني : بان غاية ما امكننا اثباته من الادلة
اللبية هي حرمة تفويت
التكليف بالطهارة المائية بالاراقة ونحوها مما يعد في
العرف فرارا عن التكليف ، واما
صرفه في المقاصد العقلائية التي من اهمها احترام الموتى
بالتغسيل فلا دليل على
حرمته ، نعم ما لم يصرف ليس له التيمم لكونه واجدا للماء
، وبصحيح ( 1 ) عبد الرحمن
بن ابي نجران انه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر ( عليه
السلام ) عن ثلاثة نفر كانوا
في سفر احدهم جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء
وحضرت الصلاة ومعهم
من الماء قدر ما يكفي احدهم ، من يأخذ الماء وكيف يصنعون
؟ قال ( عليه السلام ) :
يغتسل الجنب ، ويدفن الميت بتيمم ، ويتيمم الذي هو على
غير وضوء ، لان الغسل من
الجنابة فريضة ، وغسل الميت سنة ، والتيمم للآخر جائز .
بدعوى ان مقتضى ما زعموه
من اطلاق وجوب الطهارة المائية المقتضي لحرمة البذل على
تقدير الكفاية طرح
الصحيح ، اذ الماء الموجود معهم ان كان ملكا لاحد هم لم
يجز له بذله للغير ، وان كان
ملكا لهم جميعا وجب على كل من الجنب والمحدث السعي في
تملك حصة صاحبيه ، وان
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 18 - من ابواب التيمم حديث 1 .
[ . . . ]
كان مدخرا لقضاء حوائجهم من غير ان يقصدوا به التملك
فبتبع انائه ، بمعنى ان
لمالك الاناء منع الغير ، فعلى جميع التقادير لاوجه على
هذا القول لتقديم الجنب على
المحدث بالاصغر مطلقا ، مع انه قلما يتفق قصور سهم
المحدث من الماء الذي يكفي
لغسل الميت والجنب عن ان يتوضأ به ولو بمثل الدهن ، ففرض
مشاركة المحدث معهم
في الماء وعدم قدرته من الوضوء من سهمه فرض لا يكاد
يتحقق موضوعه حتى تحمل الصحيحة عليه .
وفيهما نظر : اما الأول : فلما عرفت في مسألة حرمة اراقة
الماء من ان الدليل
عليها هو اطلاق ما دل على وجوب الطهارة المائية ، فليس
الدليل منحصرا بالادلة
اللبية كي يقتصر على القدر المتيقن ، ولا تشمل البذل في
المقام .
واما الثاني : فلأنه يرد على ما افيد اولا ان الظاهر منه
كون الماء الموجود ملكا
للجميع أو مدخرا لقضاء حوائجهم من غير ان يقصدوا به
التملك ، وكونه في اناء جائز
التصرف للجميع ، وعليه فمقتضى اطلاق ما دل على وجوب
الطهارة المائية وجوب
حفظ كل من الجنب والمحدث حصته ، والسعي في تحصيل الباقي
في الفرض الأول ،
ووجوب سبقه إلى الاستعمال في الفرض الثاني . ولكن لاجل
عدم قدرتهما معا على ذلك
يتعين سقوط الخطاب المتوجه إلى احدهما ، فقد حكم الشارع
بسقوط الخطاب المتوجه
إلى المحدث بالاصغر .
وعلى ذلك فالصحيح مضافا إلى كونه اجنبيا عن مفروض
المسألة لا ينافي مع
القاعدة ، ويرد على ما افيد ثانيا : أن السؤال انما يكون
عن مورد يكفي جميع الماء
للوضوء لا حصة خصوص المتوضي ، مع ان الظاهر من السؤال عن
حكم ما كان
متعارفا في ذلك الزمان من عدم اختصاص كل مسافر بماء
مخصوص ، بل كان يجمع
كل جماعة منهم ما يحتاجون إليه من الماء في مكان واحد ،
بل لا يقصد من حازه
الاختصاص به والملكية له دون الاصحاب ، ولا يداق بعضهم
بعضا بالنسبة إلى كثير
[ . . . ]
الاحتياج إليه وعدمه كما صرح به في الجواهر .
فتحصل : ان الاظهر انه اختص به فيما اذا كان ملكا لاحدهم
، ويلحق به ما
لو كان للغير واذن لواحد منهم .
وان كان مباحا او كان للغير واذن للكل ، او كان مملوكا
لجميعهم ، يختص به
الجنب كما هو المشهور ، ويشهد له : صحيح عبد الرحمن
المتقدم ، وخبر ( 1 ) الحسين بن
النضر الارمني قال : سألت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام
) عن القوم يكونون في
السفر فيموت منهم ميت ومعهم جنب ومعهم ماء قليل قدرما
يكفي احدهما ، يبدأ به ؟
قال ( عليه السلام ) يغتسل الجنب ، ويدفن الميت ، لان
هذا فريضة وهذا سنة . ونحوه
خبر الحسن التفليسي .
ولا يعارضهما خبر ( 2 ) أبي بصير قال : سألت الصادق (
عليه السلام ) عن قوم
كانوا في سفر فاصاب بعضهم جنابة وليس معهم من الماء إلا
ما يكفي الجنب لغسله ،
يتوضؤن هم هو افضل او يعطون الجنب فيغتسل وهم لا يتوضؤن
؟ فقال : يتوضؤن هم
ويتيمم الجنب . لان مورده التزاحم بين وضوء جماعة محدثين
وغسل جنب ، ومورد تلك
النصوص التزاحم بين وضوء محدث وغسل جنب فلا مانع من
العمل بالجميع كما لا
يخفى .
وقيل كما في الشرائع وان لم يعرف قائله كما اعترف به غير
واحد : يختص به
الميت .
ويشهد له مرسل ( 3 ) محمد بن علي عن بعض اصحابنا عن أبي
عبد الله ( عليه
السلام ) قلت له : الميت والجنب يتفقان في مكان لا يكون
فيه الماء إلا بقدر ما يكتفى
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 18 - من ابواب
التيمم حديث 4 .
( 2 ) الوسائل - باب 18 - من ابواب التيمم حديث 2 .
( 3 ) الوسائل - باب 18 - من ابواب التيمم حديث 5 .
[ . . . ]
به احدهما ، أيهما اولى ان يجعل الماء له ؟ قال ( عليه
السلام ) يتيمم الجنب ، ويغسل الميت
بالماء . ولكنه لارساله ومعارضته بما هو اصح سندا منه
وأكثر عددا لا يعتمد عليه .
واما الاستدلال له بكون غسله خاتمة طهارته فهو اولى
بالمراعاة فغير سديد ،
لانه لا يعتمد على هذه الوجوه في مقابل النص .
ثم ان الظاهر النصوص وجملة من الفتاوى هو تعين صرفه في
غسل الجنابة ، إلا
ان ظاهر كلام المحقق في محكي المعتبر ، والمحقق الثاني ،
وغيرهما : الاجماع على عدم
الوجوب ، ولاجله تحمل النصوص على الاستحباب . ولكن مع ذلك الاحتياط
لا يترك .