] الفصل
الخامس في المكان - كل مكان مملوك او ماذون فيه يجوز فيه
الصلاة[
وهو عرفا : محله الذي استقر عليه وما شغله من الفضاء ، وفي اصطلاح
الفقهاء
فسر بتفاسير ، وحيث ان هذا اللفظ لا يكون في شئ من الادلة فلا حاجة
إلى تحقيق
مفهومه ، بل المهم تشخيص مصاديق ما علق عليه الاحكام اللاحقة له
كالاباحة
والطهارة ، ومن جملة تلك الاحكام ما ذكره المصنف ره ( كل مكان مملوك
او ماذون
فيه تجوز فيه الصلاة ) بلا خلاف فيه .
وتشهد به النصوص الدالة على عموم مسجدية الارض كخبر عبيد بن زرارة
قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : الارض كلها مسجد ،
إلا بئر غائط أو
مقبرة او حمام ( 1 ) . ونحوه غيره .
ثم ان الوجه في اعتبار كون المكان مملوكا او ماذونا فيه ولو في خصوص
الصلاة : بطلان الصلوة في المكان المغصوب على ما ستعرف ، وعليه فاذا
كان ملكا للغير
فبما انه يخرج التصرف فيه عن كونه غصبا برضائه بالتصرف فيه ،
فالمعتبر هو الرضا
لا الاذن ، وظاهر التوقيع المروي عن الاحتجاج وان كان اعتبار الاذن في التصرف
الا انه لا بد من حمله على الحكم الطريقي الظاهري جمعا بينه وبين
موثق ( 2 ) سماعة
الدال على اعتبار الرضا النفسي ، بل الاظهر كفاية الرضا الشأني اذا
لم تقارنه كراهة
فعلية في حلية التصرف وعدم انطباق عنوان الغصب عليه لاستقرار سيرة
العقلاء على
…………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب مكان المصلي حديث
4 .
( 2 ) الوسائل باب 3 من أبواب مكان المصلي حديث 1
] وتبطل
في المغصوب مع علم الغصب[
الاكتفاء به ، هذا كله مما لا كلام فيه .
وانما الكلام في الصلاة في المغصوب ، ( و ) المشهور بين الاصحاب انه
( تبطل )
الصلاة ( في المغصوب مع علم الغصب ) بل ادعى في الجواهر : ان عليه
الاجماع
بقسميه . واستدل له : بالاجماع ، وبان الغاصب مامور برد المغصوب إلى
مالكه ، وهو
مضاد للصلاة لا فتقاره إلى فعل كثير ، والامر بالشئ يقتضي النهي عن
ضده ، والنهي
يقتضي الفساد ، وبالمرسل المروي عن غوالي اللئالي عن الصادق ( عليه
السلام ) : ما
انصفناهم إن واخذناهم ، ولا احببناهم ان عاقبناهم ، بل نبيح لهم
المساكن لتصح عباداتهم .
وبما عن تحف العقول عن علي ( عليه السلام ) : يا كميل انظر فيما تصلي
وعلى
ما تصلي ان لم يكن من وجهه وحله فلا قبول ( 1 ).
وبخبر الصدوق عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : لو ان الناس اخذوا
ما
امرهم الله به فانفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ، ولو اخذوا ما
نهاهم الله تعالى عنه
فانفقوه فيما امرهم الله تعالى به ما قبله منهم ( 2 ) وبامتناع
اجتماع الامر والنهي .
وفي الجميع غير الاخير نظر : اذ الاجماع ليس بحجة مع كون مدرك
المجمعين
معلوما ، والامر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده كما حققناه في محله .
و المرسل ضعيف السند لا يعتمد عليه ، وموافقة المشهور من دون ثبوت
اعتمادهم عليه لا تكون جابرة .
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب مكان المصلي حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من أبواب مكان المصلي حديث 1
[ . . . ]
وما عن تحف العقول وخبر الجعفي قد تقدم ما فيهما في بحث لباس المصلي .
واما امتناع اجتماع الامر والنهي : فهو وان كان كافيا في بطلان
الصلاة من
غير فرق بين كون ما يتحد من اجزائها مع المنهي عنه عباديا ، وكونه
غير عبادي كما
عرفت في المبحث المتقدم ، الا ان الكلام في اتحاد شئ ما يعتبر في
الصلاة مع الغصب
خارجا كي يكون المورد من موارد الامتناع ، والا فقد عرفت انه لابد
من القول بالجواز
والتحقيق في هذه الجهة ان يقال : لا ريب في عدم صدق الغصب على بعض
اجزاء الصلاة كالتكبيرة [ والقراءة ] وغيرهما من الاذكار لعدم كونها
تصرفا في
المغصوب ، واما الافعال المعتبرة فيها كالقيام والجلوس والركوع فحيث
انها من مقولة
الوضع لكونها هيئات قائمة بالبدن ، والغصب منتزع من الكون في الدار
الذي هو من
مقولة الاين ، فلا يصدق الغصب على شئ منها .
وبعبارة اخرى : بما ان افعال الصلاة تكون من مقولة الوضع والغصب من
مقولة الاين فلا محالة يكون لكل منهما وجود منحاز عن الاخر مستقل ،
واما الهوي إلى
الركوع والسجود والنهوض اليهما فلو سلم كونهما من افراد التصرف في
ملك الغير ،
لكن بما انهما لا يكونان من اجزاء الصلاة بل من المقدمات ، فلا يلزم
اتحاد المامور به
والمنهي عنه ، واعتبار كون الركوع عن قيام لا يقتضي كون الهوي داخلا
في حقيقة
الركوع ، كما ان اعتبار الوضع في السجود لا يقتضي كون الهوي داخلا في
حقيقته لعدم
اعتبار سبق الرفع في صدق الوضع ، نعم بما ان السجود يعتبر فيه اعتماد
الجبهة على
الارض ، كما انه لا يبعد اعتبار الاعتماد عليها في القيام والاعتماد
على المكان المغصوب
من اظهر افراد التصرف في ملك الغير ، فيتحد المامور به والمنهي عنه .
فتحصل مما ذكرناه : ان الصلاة في الدار المغصوبة بناء على عدم اعتبار
الاعتماد على الارض والقرار عليها في القيام تصح لو سجد في خارج
الدار ، واما بناء
على اعتبار الاعتماد فيه تبطل مطلقا ، ولا فرق في البطلان بين صورتي
العلم والجهل
[ . . . ]
كما عرفت في مبحث اعتبار اباحة اللباس .
ثم انك بعد ما عرفت من ان الملاك في بطلان الصلاة في الدار المغصوبة
ليس
اتحاد الاكوان الصلاتية مع الغصب ، بل انما يكون اتحاد الاعتماد على
الارض المعتبر
في السجود والقيام معه ، يظهر لك ان الصلاة تحت الخيمة الغصبية او
سقف مغصوب
لا تكون باطلة ولو قلنا بان التصرف في الخيمة انما يكون عبارة عن
التعيش تحت
فيئها .
ولو صلى فيها ناسيا صحت صلاته لعموم حديث ( لا تعاد الصلاة ) ( 1 )
وكذا لو
اكره على المكث فيها ، فما عرفت في المبحث المتقدم من ان الاكراه
يوجب ارتفاع
الحرمة النفسية ، ومعه لا موجب للبطلان فراجع ما ذكرناه ، نعم يمكن
ان يقال في المقام :
ان الاعتماد على الارض المعتبر في السجود بما انه تصرف زائد عما اكره
عليه فلا يجوز
وعليه ، فان كان في سعة الوقت لا تصح الصلاة كمالا يخفي وجهه ، واما
مع
الضيق فيصلي بما امكن من غير استلزام تصرف زائد ، بل يمكن ان يقال :
ان المكره
على التصرف في الدار المغصوبة - وان كان بالاضافة - إلى الفضاء لا
يكون سجوده
من غير جهة الاعتماد تصرفا زائدا ، واما بالاضافة إلى الارض فلاجل
اعتبار وضع
المساجد السبعة عليها يكون تصرفه بالسجود ازيد فلا يجوز . ومما
ذكرناه ظهر حكم
ما لو اضطر إلى التصرف فيها بالبقاء ، فانه يجري فيه جميع ما ذكرناه
في الاكراه ، فلا
حاجة إلى الاعادة .
ثم انه لا فرق في بطلان الصلاة بين تعلق الغصب بالعين او بالمنفعة
كما لو صلى
في الدار من غير اذن المستاجر وان اذنه المالك ، لان الملاك واحد وهو
حرمة التصرف
في المغصوب ، وكذا لو كان المكان متعلقا لحق كحق الرهن . وهذا كله
مما لا كلام فيه .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 29 من أبواب القرائة في الصلاة حديث 5
[ . . . ]
انما الكلام في حق السبق ، كما سبق إلى المسجد او غيره فمنعه آخر من
ذلك
المكان ثم صلى فيه .
اقول : لا خلاف في ان من سبق إلى مكان من المشتركات كالمسجد فهو احق
به مادام جالسا ، وعن غير واحد : دعوى الاجماع عليه ، بل عن بعضهم : كاد يكون
ضروريا ، كما لا خلاف في سقوط حقه لو قام مفارقا ، رافعا يده عنه ،
بل ولو نوي العود
ولكن قام مع عدم الرحل ومنه يظهر عدم حجية مرسل محمد بن اسماعيل عن
الامام
الصادق ( عليه السلام ) قلت له : نكون بمكة او بالمدينة اوالحيرة
اوالمواضع التي يرجى
فيها الفضل ، فربما خرج الرجل يتوضا فيجيئ آخر فيصير مكانه ، قال (
عليه السلام):
من سبق إلى موضع فهو احق به يومه وليلته ( 1 ) .
وخبر طلحة عن الامام علي ( عليه السلام ) : سوق المسلمين كمسجدهم ،
فمن
سبق إلى مكان فهو احق به إلى الليل ( 2 ) لعدم العمل باطلاقهما ، وبالتحديد المذكور
فيهما ، مضافا إلى تعارضهما فيه .
وبذلك يظهر تمامية ما ذكره المصنف ره في التذكرة ، قال : لو دفعه عن
مكانه
اثم وحل له مكثه فيه وصار احق به من غيره ، اذ بعد ما صار الحيز
فارغا لكل احد
التصرف فيه سواء كان هو الدافع الظالم ام غيره .
وعليه فالاقوى ما في الجواهر وهو عدم بطلان الصلاة في الفرض .
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 65
من أبواب أحكام المساجد حديث 1
( 2 ) الوسائل باب 65 من أبواب أحكام المساجد حديث 2
[ . . . ]
بقي الكلام في الصلاة في حال الخروج من المكان المغصوب .
اقول : حيث انه لا يمكن ان يكون الخروج محكوما بالحرمة ، ولو كان
الاضطرار اليه بسوء الاختيار ولم يكن الخروج عن توبة وندم لعدم
اجتماعه مع حرمة
التصرف بغير الخروج ، لا ستلزامه التكليف بما لا يطاق ، فلا مانع من
صحة الصلاة من
جهة المكان .
فحينئذ : ان كان في سعة الوقت يجب عليه الخروج والصلاة خارج الدار ،
وليس له الصلاة حال الخروج لاستلزام التشاغل بها فوت الاستقرار
والسجود ونحو
ذلك ، مع عدم الدليل على سقوطها .
وان كان في ضيق الوقت يجب الاشتغال بها حال الخروج كما
هو المشهور ، بل عن بعض : بلا خلاف ، ويؤمئ للسجود لاستلزامه مزيد
البقاء في
المغصوب المحرم المقدم دليله على دليل السجود ، فينتقل الفرض إلى
الايماء .
واما الركوع : فحيث انه لا يستلزم مزيد المكث فيه لعدم احتياجه إلى
الاستقرار ، فلا وجه لتبديله بالايماء ويراعي باقي الشرائط من
الاستقبال وغيره بقدر
المكنة على وجه لا يستلزم المكث ، والدليل على وجوب الصلاة في هذه
الحال قوله ( عليه
السلام ) : فانها لا تدع الصلاة بحال . وعليه فما عن ابن سعيد
والعلامة الطباطبائي ره
من التوقف في صحة هذه الصلاة ، ضعيف .
ودعوى ان التشاغل بها في هذه الحال مستلزم لفوت الاستقرار والسجود ونحو
ذلك مع عدم الدليل على سقوطها هنا مندفعة بان سقوطها انما يكون لاجل
حرمة
البقاء المقدم دليلها على ما دل على اعتبار تلك الامور ، ولا يجب
حينئذ القضاء ، اذ بعد
اتيان الصلاة صحيحة لا فوت حتى يجب القضاء .
] ويشترط طهارة محل وضع الجبهة [
وقد يقال : انه في الفرض في سعة الوقت وضيقه لو تشاغل بالصلاة وهو
مستقر
في المكان المغصوب امكن القول بصحتها اذا كان زمانها مساويا لزمان
الخروج اواقل ،
لان هذا المقدار من التصرف مضطر اليه فلان يكون حراما .
وفيه : انه لا يكون الخروج حراما ، لانه المضطر اليه لا ذلك المقدار
من
التصرف ، فلو صلى كذلك يكون توقفه بخصوصه تصرفا زائدا على ما اضطر
اليه ، فلا
يجوز فتدبر حتى لا تبادر بالاشكال .
فو دار الامر بين الصلاة حال الخروج من المكان الغصبي بتمامها في
الوقت ،
او الصلاة بعد الخروج وادراك ركعة او ازيد ، فالظاهر هو التخيير
بينهما لما عرفت غير
مرة من ان التنافي بين الاوامر الضمنية انما يكون من باب التعارض ،
وعليه فيقع
التعارض في المقام بين اطلاق ما دل على وجوب ايقاع تمام الصلاة في
الوقت ، واطلاق
دليل الاستقرار والسجود ونحوهما ، فلا محالة يتساقطان فيرجع
إلى الاصل ، وهو
يقتضي التخيير كما عرفت في مبحث القبلة .
ودعوى ان المستفاد من الادلة الواردة في الموارد المتفرقة : ان
مراعاة الوقت
اولى من مراعاة غيره من ما يعتبر في الصلاة ، وعليه فتتعين الصلاة
حال الخروج ،
مندفعة بان ذلك فيما دار الامر بين الصلاة خارج الوقت بتمامها ، او
اتيانها فيه ، لا في
مثل المقام مما يدور الامر بين ادراك ركعة منها في الوقت تامة
الاجزاء والشرائط ، واتيانها
بتمامها فيه فاقدة لبعض ما يعتبر فيها كما لا يخفى وجهه .
) ويشترط ) في الصلاة او
السجدة ( طهارة موضع الجبهة ) بلا خلاف ، بل
عن جماعه كثيرة : دعوى الاجماع عليه .
[ . . . ]
ويشهد به - مضافا إلى الاجماع - صحيح ابن محبوب ، عن الامام الرضا (
عليه
السلام ) : انه كتب اليه يساله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام
الموتى يجصص به
المسجد ايسجد عليه ؟ فكتب ( عليه السلام ) اليه : ان الماء والنار قد
طهراه ( 1 ) . حيث
ان ظاهر السؤال كون عدم جواز السجود على النجس مفروغا عنه ، كما ان
ظاهر الجواب هو ذلك كما لا يخفى .
والمناقشة في الاجماع ، بما نقله المحقق ره عن الراوندي وصاحب
الوسيلة من
انهما ذهبا إلى ان الارض والبواري والحصر اذا اصابها البول وجففتها
الشمس لا تطهر
بذلك لكن يجوز السجود عليها ، واستجوده هو قده ، في غير محلها لعدم
كون ذلك
خلافا في الكبرى المتقدمة ، بل انما يكون التزاما بتاثير الشمس في
جواز السجود
وعدم تاثيرها في الطهارة ، فهو لو لم يكن مؤكدا للاجماع لا ينافيه .
ودعوى معارضة الصحيح بما ذكره في البحار : من ان المشهور بين الاصحاب
عدم اشتراط طهارة غير موضع الجبهة كما تدل عليه اخبار كثيرة ، بل
يظهر من بعضها
عدم اشتراط طهارة موضع الجبهة ايضا ، مندفعة بانه ان كان مراده من
بعض تلك
الاخبار ما يدل عليه بالاطلاق ، فلا بد من تقييده بالصحيح والاجماع ،
وان كان مراده
ما يدل عليه بالخصوص ، فلم يصل الينا مثل هذا الخبر .
واستدل له بعضهم : بان القول باعتبار طهارة خصوص موضع الجبهة هو ما
يقتضيه الجمع بين ما دل على المنع عن الصلاة على الموضع النجس كموثق
عمار عن
الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : سئل عن الموضع القذر يكون في
البيت او غيره
فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر ، قال : لا يصلى عليه
واعلم موضعه
حتى تغسله ( 2 ) . وموثق ابن بكير عنه ( عليه السلام ) : في
الشاذكونة يصيبها الاحتلام
…………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 10 من أبواب ما يسجد عليه
حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 29 من أبواب النجاسات حديث 4
[ . . . ]
ايصلى عليها ؟ قال ( عليه السلام ) : لا ( 1 ) . وقريب منهما غيرهما
، وبين ما دل على الجواز
كصحيح زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) قال : سالته عن الشاذ
كونة عليها
جنابة ايصلى عليها في المحمل ؟ قال : لا باس ( 2 ) . وصحيح ابن جعفر
( عليه السلام (
عن اخيه ( عليه السلام ) : عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس
ويصيبهما البول
ويغتسل فيهما من الجنابة ايصلى فيهما اذا جفا ؟ قال ( عليه السلام )
: نعم ( 3 ) . ونحوهما
غيرهما .
وفيه : ان هذا جمع تبرعي لا شاهد له ، ولا وجه لتخصيص ما دل على
الجواز
اولا بما دل على المنع في خصوص موضع الجبهة ، ثم تخصيص ما دل على
المنع مطلقا
به كما لا يخفى ، بل الاولى في مقام الجمع بين هاتين الطائفتين ، حمل
ما ظاهره المنع على
الكراهة .
فتحصل مما ذكرناه : ان الاقوى لزوم طهارة ما يسجد عليه ، وعدم لزوم
طهارة
المكان الذي يصلى فيه ، وان كان الاولى طهارته ايضا .
ومنه يظهر ضعف ما عن السيد ره من وجوب طهارة مكان المصلي ، والنهي
عن الصلاة في المجزرة ، وهي المواضع التي تذبح فيها الانعام ، والمزبلة
، والحمامات لا
يدل عليه ، اذ الظاهر منه كونه لاجل الاستقذار والاستخباث ، فالنهي
عنها يكون
تنزيهيا ، مضافا إلى ما عرفت من تعين حمله على الكراهة على فرض تسليم
ظهوره في
المنع جمعا بينه وبين ما يكون صريحا في الجواز .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات حديث 1
[ . . . ]
الاول : ان ما ذكرناه من عدم اشتراط طهارة ما عدا موضع الجبهة انما
هو فيما
اذا لم تكن النجاسة مسرية إلى البدن او الثوب ، والا فلا ريب في
اعتبار عدم النجاسة
كما لا خلاف فيه .
وتدل عليه مضافا إلى مادل على اعتبار طهارة بدن المصلي وثوبه عدة من
النصوص : كصحيح علي بن جعفر ( عليه السلام ) عن أخيه ( عليه السلام )
قال سالته
عن البواري يبل قصبها بماء قذر ايصلى عليها ؟ قال : اذا يبست فلا باس
. ( 1 ) ونحوه
غيره .
والاخبار المطلقة الدالة على الجواز بلا تقييد بيبوسة المحل لا تنافي
ما دل على
اعتبار طهارة بدن المصلي وثوبه لعدم كونها في مقام البيان من هذه
الجهة ، بل مسوقة
لبيان حكم الموضع .
ولكن ليس في النصوص المتضمنة للقيد ما يدل على اعتباره في المكان من
حيث هو كي يحكم بانه اذا كانت الارض النجسة رطبة غير مسرية ، او كانت
نجاستها
معفوا عنها كالدم الاقل من الدرهم ، او كان الثوب الذي تصل اليه
النجاسة مما لا تتم
فيه الصلاة لا تجوز الصلاة عليها ، اذ مضافا إلى عدم كونها في مقام البيان
من هذه
الجهة ، فلا إطلاق لها ليتمسك به ارتكاز اعتبار طهارة بدن المصلي
وثوبه في الاذهان
يكون مانعا عن استفادة شرطية يبوسة المكان من حيث هي ، مع ان القيد
المزبور لو
سلم عدم ظهوره فيما ذكرناه بما انه يصلح لان يكون بيانا لاعتبار
طهارة بدن المصلي
ولباسه وان يكون بيانا لاعتبار يبوسة المكان ، فلا يستفاد منه شئ
زائدا عما ثبت
…………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات
[ . . . ]
بالادلة الاخر من اعتبار طهارتهما .
الثانى : هل المعتبر ( طهارة تمام موضع الجبهة ، او يكفي طهارة مقدار
ما يجب
السجود عليه ؟ وجهان ، بل قولان : استدل للثاني : بان المدرك في
المقام منحصر
بالاجماع وصحيح ابن محبوب ، وحيث ان شيئا منهما لا اطلاق له كما هو
واضح ، فيؤخذ
بالقدر المتيقن
وهو اعتبار الطهارة في المقدار المعتبر في السجود .
وفيه : ان الظاهر كون اجماعهم في المقام كالاجماع على بعض القواعد
التي يعامل معها معاملة متون النصوص .
وبعبارة اخرى ان الظاهر كون معقد الاجماع صادرا عن المعصوم ( عليه
السلام ) ، وحيث ان ظاهره اعتبار الطهارة في تمام ما توضع عليه
الجبهة ، فلا يعتنى إلى
مخالفة بعضهم في ذلك .
وما ذكره بعض المحققين ره : من ان حقيقة السجدة انما تكون من الامور
المتحصلة بالقصد ، فلو وضع جبهته على ارض يكون بعضها طاهرا بقصد
السجود
على الجزء الطاهر ، يصدق انه سجد على ارض طاهرة ، واما مماسة جبهته للمحل النجس
فليست داخلة في السجود ، غير تام ، اذ مع الالتفات إلى كون بعض المسجد
نجسا لا
محالة يكون قصده السجدة عليه ايضا ، فيصدق انه سجد على الموضع الذي
بعضه
نجس وبعضه طاهر ، وحيث ان المستفاد من الدليل اعتبار طهارة المسجد
مطلقا ، فلا
يصح هذا السجود .
كما ان ما ذكره بعض الاساطين : من انه لو كان مقتضى الدليل شرطية
الطهارة ، فلا يعتبر طهارة تمام موضع الجبهة ، اذ لو كان مقدار
الواجب طاهرا يتحقق
الشرط ، والوضع على النجس امر اجنبي مقارن للعمل ، بخلاف ما لو كان
مقتضاه
مانعية النجاسة ، فان السجدة تبطل في الفرض لاقترانها بالمانع ، وحيث
ان الدليل من
هذه الجهة مجمل فيرجع إلى الاصل وهو يقتضى الصحة في الفرض ، ضعيف ،
اذ على
[ . . . ]
المانعية يمكن ان يكون المانع نجاسة المقدار المعتبر في السجود ، كما
انه على الشرطية
يمكن ان تكون طهارة موضع تمام الجبهة شرطا ، فالتفصيل لا وجه له .
فتحصل مما ذكرناه : ان الاقوى اعتبار طهارة تمام محل وضع الجبهة .
الثالث : لو تعذر تحصيل الارض الطاهرة ، فهل تسقط شرطية الطهارة ، او
يسقط نفس السجود ؟ وجهان ، بل قولان
استدل للاول : بقاعدة الميسور الدالة عدم سقوط المقيد بسقوط قيده ،
وبان فوات الوصف اولى من فوات الموصوف راسا : وبان المتيقن من المثبت
لهذا القيد
حال التمكن ، ولا دليل على اعتباره في حال عدمه ، فيرجع فيه إلى
اطلاق دليل جزئية
السجدة .
وفي الجميع نظر : اما قاعدة الميسور : فلما ذكرناه في محله من عدم
دلالة شئ
مما استدل به على لزوم اتيان الميسور من الاجزاء عند تعذر بعضها عليه .
واما اولوية فوات الوصف : فبما انه لم يدل عليها دليل ، فلا يمكن ان
تكون
دليلا للحكم .
واما الاخذ بالمتيقن : فقد عرفت انه لا مجال له ، لان مقتضى اطلاق
دليل
شرطيتها ثبوتها في حال عدم التمكن ايضا .
والاولى ان يقال : ان هذا الشرط امره يدور بين ان يكون شرطا للصلاة
وان
يكون شرطا للسجدة ، ولا دليل على احدهما ، وعلى الاول : تكون الشرطية
ساقطة قطعا
حال عدم التمكن ، وإلا لزم سقوط الصلاة ، وعلى الثاني : لا مانع من
بقائها فان لازمه
سقوط السجدة ، وحيث ان تقيد الصلاة به على كل تقدير معلوم ويكون الشك
في
] وتستحب
الفريضة في المسجد والنافلة في المنزل [
تقيد السجدة به ايضا ، فيجري الاصل فيه بلا معارض .
وان شئت قلت : ان الاصل بالنسبة إلى تقيد الصلاة به لا يجري في حال
التمكن ، ولا في حال عدمه كما هو واضح فيجري الاصل في تقيد السجدة به
بلا
معارض ، هذا مضافا إلى ان المستفاد من النصوص الدالة على انه لو لم
يتمكن المصلي
من السجود على ما يصح عليه صلى على طرف ثوبه ، وان لم يتمكن منه فعلى
ظهر
كفه ، وستمر عليه جملة منها عدم انتقال الفرض إلى الايماء في هذه
الموارد ، وعليه فلو
ثبت بالدليل شرطية الطهارة للسجدة ، فلا بد في الفرض من السجدة على
الثوب أو
على ظهر الكف .
وكيف كان فسقوط نفس السجود لا وجه له .
) وتستحب
الفريضة في المسجد ) للرجال اجماعا ، بل في الجواهر : لعله من
ضروريات الدين .
وتشهد به جملة من النصوص : كخبر السكوني عن جعفر عن ابيه ( عليه
السلام ) عن علي ( عليه السلام ) قال صلوة في بيت المقدس بالف صلاة ،
وفي المسجد
الاعظم بمائة صلاة ، وفي مسجد القبيلة خمس وعشرون صلاة ، وفي السوق
اثنتي عشرة
صلاة ، وصلاة الرجل في بيته صلوة واحدة ( 1 ) إلى غير ذلك من ما دل
عليه الذي هو
فوق حد الاحصاء .
)والنافلة
في المنزل ) افضل كما هو المشهور ، وفي المعتبر : هو فتوى علمائنا لان العبادة
في السرا بلغ في الاخلاص ، وللنبوي : افضل الصلاة صلاة المرء في
بيته إلا
المكتوبة .
…………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 64 من أبواب أحكام المساجد
حديث 2
]وتكره
الصلاة في الحمام [
)وتكره الصلاة في الحمام ) كما هو المشهور ،
وعن الغنية والخلاف دعوى
الاجماع عليه ، وعن ابي الصلاح المنع لمرسل عبد الله بن الفضل عن
الامام الصادق
)عليه
السلام ) : عشرة مواضع لا يصلى فيها : الطين ، والماء ، والحمام ، والقبور ، ومسان
الطريق ، وقرى النمل ، ومعاطن الابل ، ومجرى الماء ، والسبخ والثلج (
1 ) ، ونحوه مرسل
ابن ابي عمير ( 2 ).
وخبر عبيد بن زرارة
قال : سمعت ابا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : الارض
كلها مسجد الا بئر غائط او مقبرة او حمام ( 3 ) وقريب منه خبر
النوفلي ( 4 ) .
وفيه : انه لا بد من حمل هذه النصوص على الكراهة جمعا بينها وبين ما
دل على
الجواز كصحيح علي بن جعفر : سال اخاه عن الصلاة في بيت الحمام ، فقال
: اذا كان
الموضع نظيفا فلا باس ( 5 ) ونحوه موثق عمار ( 6 ) ، والجمع بين
الطائفتين وان كان يمكن
بتقييد الاولى بالثانية ، الا ان حملها على الكراهة اولى ، ويؤيده
فهم الاصحاب
واشتمالها على عدة من المكروهات ، مع انه لو قيدت الاولى بالثانية ،
يكفى للحكم
بالكراهة مطلقا الشهرة المعتضدة بالاجماعين المنقولين ، ولا يخفى ان
شمول الحكم
للمسلخ يتوقف على عدم خروجه عن مسمى الحمام او منصرفه كما ليس ببعيد .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي حديث 7 .
( 3 ) الوسائل باب 31 من أبواب مكان المصلي حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 34 من أبواب مكان المصلي حديث 4 .
( 5 ) الوسائل باب 34 من أبواب مكان المصلي حديث 1 .
( 6 ) الوسائل باب 34 من أبواب مكان المصلي حديث 2
] ووادي ضجنان ، والشقرة ، والبيداء وذات الصلاصل
[
ثم ان المراد من كراهة الصلاة فيه وفي سائر الاماكن المكروهة : انما
هو اقلية
الثواب ، بمعنى : ان للصلاة بما هي مقدارا من المصلحة اللزومية ،
فكما انه قد يكون
للخصوصية التي يتحقق الطبيعي في ضمنها مقدار من المصلحة ايضا كالصلاة
في
المسجد ، كذلك قد يكون لها مقدار من المفسدة ، ولكنها لا تكون ملزمة
كي توجب
تقيد المامور به ، وعليه فالصلاة في الحمام وان كان لها وجود واحد ،
إلا انه بما انه وجود
للطبيعي يكون مامورا به ، ومعه لا يمكن ان يتصف بحكم آخر كما هو واضح
، وبما انه
وجود للخصوصية يكرهه المولى من دون أن يوجب نقصا في مصلحة الصلاة .
وتمام
الكلام في ذلك موكول إلى محله .
وتكره الصلاة في طريق مكة باربعة مواضع : ( و ) هي - ( وادي ضجنان ،
والشقرة ، والبيداء ، وذات الصلاصل ) ويشهد به فيما - عدا الثاني -
صحيح معاوية
بن عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : الصلوة تكره في ثلاثة
مواطن من الطريق :
البيداء وهي ذات الجيش ، وذات الصلاصل ، وضجنان ( 1 ) الحديث ونحوه
غيره .
ويدل عليه في الثاني : مرسل ابن فضال عن الامام الصادق ( عليه السلام
) : لا
تصل في وادي الشقرة ( 2 ) وخبر
الساباطي عنه ( عليه السلام ) : لا تصل في وادي الشقرة
فان فيه منازل الجن ( 3 ) وظاهر النصوص بقرينة التعليلات الواقعة في
بعضها ،
والروايات الصريحة في الجواز في بعض تلك الامكنة ، وفهم الاصحاب - هو
الكراهة ،
فلا وجه لتوهم المنع .
………………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 23 من أبواب مكان المصلي
حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 24 من أبواب مكان المصلي حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 24 من أبواب مكان المصلي حديث 2
] وبين
المقابر [
) و ) كذا تكره الصلاة (
بين المقابر ) ، وعلى القبر
واليه ، على المشهور في الجميع .
اما الاول : فعن الديلمي : الحرمة لموثق عمار عن الامام الصادق (
عليه السلام (
- في
حديث - قال : سالته عن الرجل يصلي بين القبور ؟ قال : لا يجوز ذلك إلا ان
يجعل بينه وبين القبور اذا صلى عشرة اذرع من بين يديه ، وعشرة اذرع
من خلفه ،
وعشرة اذرع عن يمينه ، وعشرة اذرع عن يساره ، ثم يصلي ان شاء ( 1 )
وقريب منه
غيره .
ولكن لابد من حمل هذه النصوص على الكراهة جمعا بينها وبين ما هو نص
في الجواز كصحيح علي بن جعفر : سال اخاه ( عليه السلام ) عن الصلاة
بين القبور ،
فقال : لا باس به ( 2 ) . وصحيح زرارة عن الامام الباقر ( عليه
السلام ) قال : قلت له :
الصلاة بين القبور ، قال : بين خللها ولا تتخذ شيئا منها قبلة ، فان
رسول الله صلى الله
عليه وآله نهي عن ذلك وقال : لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا ( 3 )
ونحوهما غيرهما .
ودعوى انه يكمن الجمع بتقييد هذه النصوص بالطائفة الاولى ، مندفعة
بان
ذلك طرح لها كما لا يخفى على من تدبر في الاخبار خصوصا صحيح زرارة
فتدبر .
واما الثاني فيدل عليه قوله صلى الله عليه وآله في خبر النوفلي قال
رسول الله
صلى الله عليه وآله الارض كلها مسجد الا الحمام والمقبرة ( 4 ) ونحوه
خبر عبيد المتقدم .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 25 من أبواب مكان المصلي
حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 25 من أبواب مكان المصلي حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 26 من أبواب مكان المصلي حديث 5 .
( 4 ) الوسائل باب 25 من أبواب مكان المصلي حديث 7
[ . . . ]
ورواية يونس عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : ان رسول الله صلى
الله عليه
وآله نهى ان يصلى على قبر او يقعد عليه او يبنى عليه ( 1 ) وهذه
الاخبار بواسطة القرائن
الموجودة فيها ظاهرة في الكراهة .
واما الثالث : فعن الصدوق والحلبي والمفيد : القول بالحرمة لصحيح
زرارة
والمتقدم ، وصحيح معمر بن خلاد عن الامام الرضا ( عليه السلام ) قال
: لا باس
بالصلاة بين المقابر ما لم تتخذ القبر قبلة ( 2 ).
وفيه : انه لو سلم ظهورهما في هذا القول ، يتعين حملهما على الكراهة
للنصوص
النافية للباس عن الصلاة بين القبور المتقدم بعضها والتي لا يمكن ان
تقيد بهذين
الخبرين لاستلزامه حملها على الفرد النادر ، هذا مضافا إلى ان الظاهر
من الصحيحين
النهي عن اتخاذ القبر قبلة والمعاملة معه معاملة الكعبة ، ولا ريب في
عدم جواز ذلك .
ولو تنزلنا عن ذلك وسلمنا عدم ظهورهما فيه لا بد من حملهما عليه
للنصوص
المستفيضة الامرة بالصلاة خلف قبور الائمة كصحيح الحميري : كتبت إلى
الفقيه
أساله عن الرجل يزور قبور الائمة هل يجوز ان يسجد على القبر ام لا ؟
وهل يجوز
لمن صلى عند قبورهم ان يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند
رأسه
ورجليه ؟ وهل يجوزان يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه ؟ فاجاب وقرات
التوقيع ومنه
نسخت : اما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة
، بل يضع خده
الايمن على القبر ، واما الصلاة فانها خلفه ويجعله الامام ، ولا يجوز
أن يصلي بين يديه
لان الامام لا يتقدم ، ويصلي عن يمينه وشماله ( 3 ) . وقريب منه غيره
.
بل قوله ( عليه السلام ) في الصحيح في الجواب عن السؤال عن جعله قبلة
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 25 من أبواب مكان المصلي حديث 8 .
( 2 ) الوسائل باب 25 من أبواب مكان المصلي حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 26 من ابواب مكان المصلي حديث 1
[ . . . ]
( يجعله
الامام ) كالصريح فيما ذكرناه كما لا يخفى ، وتقييد الصحيحين بهذه النصوص
يستلزم التفصيل بين قبور الائمة وقبر النبي صلى الله عليه وآله ،
وهذا مما يقطع بعدمه .
فتحصل مما ذكرناه : انه
لا دليل على كراهة الصلاة إلى القبر .
ثم انه لا ريب في جواز الصلاة قدام قبر غير المعصوم ( عليه السلام )
، واما
الصلاة قدام قبره ( عليه السلام ) فالمشهور بين الاصحاب انها مكروهة
، وعن
المجلسي والكاشاني والبهائي : المنع من التقدم على قبر احد الائمة .
واستدل له : بمكاتبة الحميري المتقدمة ، ورواية هشام عن الامام
الصادق ( عليه
السلام ) - في حديث - أتاه رجل فقال له : يا ابن رسول الله صلى الله
عليه وآله هل
يزار والدك ؟ قال : نعم ويصلى عنده ، وقال يصلى خلفه ولا يتقدم عليه (
1 ).
ولكن المراد من الامام في قوله ( عليه السلام ) ( يجعله الامام ) في
المكاتبة هو الامام المعصوم ، وذلك لوجهين : ( 1 ) كونه مورد السؤال
، ( 2 ) انه لا يصح
ارادة امام الجماعة منه ، اذ لو اريد من تنزيل القبر منزلة امام
الجماعة حينئذ فرض
نفسه مؤتما به في صلوته ، فهو غير معتبر قطعا ، وان اريد منه التاخر
عنه من غير قصد
الائتمام فلا يناسبه التعليل المذكور فيها كما لا يخفى ، وعليه
فالمراد من الامام في قوله
( عليه
السلام ) ( لان الامام لا يتقدم ) هو المعصوم ( عليه السلام ) ، وحيث ان التقدم
عليه
في غير حال الصلاة لا يكون حراما قطعا ، بل يكون منافيا للادب ،
فالتعليل قرينة
على الكراهة .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 26 من أبواب مكان المصلي حديث 7
] وارض الرمل والسبخة[
فان قلت : ان التقدم في حال الصلاة على القبر لم يعلم عدم كونه حراما ،
فالتعليل يحمل عليه .
قلت : مضافا إلى ان الظاهر من التعليل مطلق التقدم لا خصوص حال
الصلاة ، انه عليه يلزم اتحاد العلة والمعلول وهو خلاف الظاهر ، واما
رواية هشام فهي
محمولة على الفضل لورودها مورد آداب الزيارة .
فتحصل : ان الاقوى هو القول بالكراهة .
واما الصلاة محاذيا للقبر ، فعن بعض متاخري المتاخرين : المنع عنها
لقوله في
الصحيح : واما الصلاة فانها خلفه لظهوره في الحصر ، ولان المكاتبة
مروية في
الاحتجاج هكذا : ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن
شماله ، لان
الامام لا يتقدم ولا يساوى .
وفيهما نظر : اما الاول : فلان الحصر اضافي في مقابل التقدم كما يشهد
به ذيله
الصريح في جواز الصلاة عن يمينه ويساره .
واما رواية الاحتجاج : فمضافا إلى ضعف سندها لمعارضتها بالصحيح
المقدم
عليها ، لا يعتمد عليها ، فالاظهر هو الجواز بلا كراهة ، كما تشهد به
مضافا إلى ما
عرفت النصوص الدالة على استحباب الصلاة عند الرأس ، لان اظهر
مصاديقها
صورة المحاذاة .
جملة من الامكنة التي تكره فيها الصلاة
) و ) تكره الصلاة في ( ارض
الرمل والسبخة ) كما هو المشهور ، بل عن الغنية
والخلاف : دعوى الاجماع عليه والاصل فيه النصوص المستفيضة الواردة في
السبخة
كصحيح الحلبي عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : كره الصلاة في
السبخة الا ان
]ومعاطن
الابل [
يكون مكانا لينا يقع الجبهة مستوية ( 1 ) .
وموثق أبي بصير عنه ( عليه السلام ) : سالته عن الصلاة في السبخة لم
تكرهه ؟
قال : لان الجبهة لا تقع مستوية ، فقلت : ان كان فيها ارض مستوية ؟
فقال : لا باس ( 2 )
ونحوهما غيرهما .
وظاهرها وان كان المنع ، الا انه لابد من حملها على الكراهة جمعا
بينها وبين
مضمرة سماعة قال : سالته عن الصلاة في السباخ ؟ قال : لا باس ( 3 ) .
ومن العلة
المذكورة في هذه النصوص يستفاد كراهة الصلاة في ارض الرمل كما لا
يخفى .
( و )
تكره الصلاة ايضا في ( معاطن الابل ) كما هو المشهور ، وهي في اللغة :
مبارك الابل كما صرح به جملة من اللغويين ، وفي عرف الفقهاء : مطلق
المبارك ، وعن
المفيد والحلبي : المنع .
واستدل له بجملة
من النصوص كموثق سماعة قال سالته عن الصلاة في
اعطان الابل وفي مرابض الغنم والبقر ، فقال : اذا نضحته بالماء وقد
كان يابسا فلا كان يابسا فلا باس
بالصلاة فيها ( 4 ) .
وصحيح محمد بن مسلم قال : سالت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن
الصلاة
في اعطان الابل ؟ فقال : ان تخوفت الضيعة على متاعك فاكنسه وانضحه
وصل ، ولا باس
بالصلاة في مرابض الغنم ( 5 ) . ونحوهما غيرهما .
وفيه : ان الظاهر منها بقرينة نفي الباس عند الخوف على المتاع من دون
الامر
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 20 من أبواب مكان المصلي حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 20 من أبواب مكان المصلي حديث 7 .
( 3 ) الوسائل باب 20 من أبواب مكان المصلي حديث 8 .
( 4 ) الوسائل باب 17 من أبواب مكان المصلي حديث 4 .
( 5 ) الوسائل باب 17 من أبواب مكان المصلي حديث 1
] وقرى النمل وجوف الوادي وجواد الطريق والفريضة جوف الكعبة
وبيوت
المجوس والنيران [
بنقله مع التمكن ، والتعبير بلفظ لا يصلح ، وكرهه في بعضها : هو
الكراهة لا الحرمة .
) و )
تكره الصلاة ايضا في ( قرى النمل ) اي ماوى النمل كما عن جملة من
اللغويين ، وعن القاموس انها مجمع ترابها .
ويشهد به : مرسل عبد الله بن الفضل المتقدم وغيره ، كما انه يدل على
كراهة
الصلاة في ( جوف الوادي وجواد الطرق ) بل الظاهر من بعض النصوص :
كراهة
الصلاة في مطلق الطرق كخبر محمد بن الفضيل قال الرضا ( عليه السلام )
: كل
طريق يوطا ويتطرق كانت فيه جادة ام لم تكن لا ينبغي الصلاة فيه ( 1 ) .
) و )
تكره ( الفريضة ) في ( جوف الكعبة ) كما عرفته في مبحث القبلة .
) و )
من الامكنة التي تكره فيها الصلاة ( بيوت المجوس ) كما هو المشهور .
وتدل عليه جملة من النصوص : كصحيح عبد الله بن سنان عن الامام الصادق
( عليه
السلام ) سالته عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس ؟ فقال : رش
وصل ( 2 ) . ونحوه خبر ابي بصير ( 3 ) .
وظاهرهما مقدمية الرش للصلاة ، وكونه شرطا لكما لها ، فالصلاة بدونه
ناقصة
لاشتمالها على المنقصة من حيث الخصوصية ، وليس معنى الكراهة في امثال
المقام الا
ذلك كما عرفت ، فما عن كاشف اللثام من التوقف فيه لاجل ان ظاهر
الاخبار
استحباب الرش لا الكراهة ، ضعيف .
( و )
بيوت ( النيران ) على المشهور بين الاصحاب ، بل عن الغنية : دعوى
الاجماع عليه ، واستدل له المصنف ره في جملة من كتبه : بان في الصلاة
فيها تشبها
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 19 من أبواب مكان المصلي حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 13 من أبواب مكان المصلي حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 14 من أبواب مكان المصلي حديث 3 . ( * )
] وان يكون بين يديه او إلى احد جانبيه امرأة تصلى
[
بعبادتها ، وعن المدارك : تعليله بانها ليست موضع رحمة الله تعالى ،
فلا تصلح لعبادة الله .
اقول : العمدة في المقام الشهرة المعتضدة بالاجماع المنقول ، والا
فشيئ من
هذه المناسبات لا يعتنى به في الاحكام التعبدية .
محاذاة المرأة للرجل او تقدمها عليه
) و )
كذا تكره الصلاة ( ان يكون بين يديه او إلى احد جانبيه امرأة تصلي )
عند السيد والحلي واكثر المتاخرين ، بل عامتهم الا النادر ، وعن
الشيخين والحلبي وابن
حمزة واكثر المتقدمين : المنع ، بل عن الغنية والخلاف دعوى الاجماع
عليه ، وعن
الجعفي : المنع الامع الفصل بقدر عظم ذراع ، وعن جماعة : التوقف في
الحكم .
ومنشا الاختلاف اختلاف النصوص ، وهي على طوائف :
الاولى : ما تدل على المنع مطلقا : كصحيح محمد بن مسلم عن احدهما (
عليه
السلام ) قال : سالته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا
؟ قال ( عليه
السلام ) لا ، ولكن يصلي الرجل فاذا فرغ صلت المرأة ( 1 ) .
وصحيح ادريس بن عبد الله القمي ، قال : سالت ابا عبد الله ( عليه
السلام(
عن الرجل يصلي وبحياله امرأة قائمة على فراشها اجنبية ، فقال : ان
كانت قاعدة
فلا يضرك ، وان كانت تصلي فلا ( 2 ) .
وموثق عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) - في حديث - انه سئل عن
الرجل يستقيم له ان يصلي وبين يديه امرأة تصلي ؟ قال ( عليه السلام )
: ان كانت تصلي
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 5 من أبواب مكان المصلي حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من أبواب مكان المصلي حديث 1
[ . . . ]
خلفه فلا باس
وان كانت تصيب ثوبه ( 1 ) ونحوها غيرها .
الثانية : ما يدل على الجواز مطلقا : كصحيح جميل عن الامام الصادق (
عليه
السلام ) : لا باس ان تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي ، فان النبي
صلى الله عليه
وآله كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض وكان اذا ارادان يسجد
غمز
رجلها ، فرفعت رجلها حتى يسجد ( 2 ) .
ودعوى انه لابد من طرحه لعدم المناسبة بين العلة والحكم ، اذ لا ريب
في جواز
الصلاة وبين يدي الرجل امرأة غير مصلية ، فلا محالة وقع فيه تصحيف ،
فلا يعتمد
عليه ، مندفعة بانه مع احتمال عدم الفصل واقعا بين كون المرأة مصلية
وعدمه ، لا يعتنى
بهذه المناقشات ، مع ان عدم فهم المناسبة بين الحكم والعلة لا يوجب
رفع اليد عما
يكون الخبر نصا فيه وهو الجواز .
وخبر الحسن بن علي بن فضال عمن اخبره عن جميل بن دراج عنه ( عليه
السلام ) : في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه ، فقال لا باس ( 3 ) .
وارساله مع كون الخبر
من اخبار بني فضال لا يقدح في حجيته .
وصحيح الفضيل عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : انما سميت مكة بكة
لانه
تبك فيها الرجال والنساء ، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن
يسارك ومعك ، ولا
باس بذلك ، وانما يكره في ساير البلدان ( 4 ) . بناءا على عدم الفرق
بين مكة وغيرها في
الحرمة ، او ظهور يكره في الكراهة المصطلحة .
الثالثة : ما تدل على التفصيل بين ما اذا كان بينهما حاجز او مقدار
عشرة اذرع
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب مكان المصلي حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من أبواب مكان المصلي حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 5 من أبواب مكان المصلي حديث 6 .
( 4 ) الوسائل باب 5 من أبواب مكان المصلي حديث 10
[ . . . ]
وعدمه في الجواز في الاول وعدمه في الثاني : كموثقة عمار عن الامام
الصادق ( عليه
السلام ) : انه سئل عن الرجل يستقيم له ان يصلي وبين يديه امرأة تصلي
؟ قال : لا
يصلي حتى يجعل بينه وبينها اكثر من عشرة اذرع ، وان كانت عن يمينه
وعن يساره
جعل بينه وبينها مثل ذلك ، وان كانت تصلي خلفه فلا باس ( 1 ).
وصحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : في المرأة
تصلي عند
الرجل ، قال : اذا كان بينهما حاجز فلا باس ( 2 ).
وخبر علي بن جعفر : عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في مسجد قصير
الحائط وامرأة قائمة تصلي بحياله وهو يراها وتراه ؟ قال ( عليه
السلام ) : ان كان بينهما
حائط طويل او قصير فلا باس ( 3 ) . ونحوها غيرها .
الرابعة : ما تدل على المنع ، والامع الفصل بقدر شبر : كصحيح معاوية
بن وهب
عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) : انه سئل عن الرجل والمرأة يصليان
في بيت واحد ؟
قال ( عليه السلام ) : اذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو
وحده ولا
باس ( 4 ) .
وخبر ابي بصير عنه ( عليه السلام ) قال : سالته عن الرجل والمرأة
يصليان في
بيت واحد ، المرأة عن يمين الرجل بحذاه ؟ قال ( عليه السلام ) : لا
الا يكون بينهما
شبر او ذراع ، ثم قال : كان طول رحل رسول الله صلى الله عليه وآله
ذراعا وكان يضعه
بين يديه اذا صلى يستره ممن يمر بين يديه ( 5 ) .
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 7 من أبواب مكان المصلي حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 8 من أبواب مكان المصلي حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 8 من أبواب مكان المصلي حديث 4 .
( 4 ) الوسائل باب 5 من أبواب مكان المصلي حديث 5 .
( 5 ) الوسائل باب 5 من أبواب مكان المصلي حديث 3
[ . . . ]
وصحيح زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : اذا كان بينها وبينه
ما لا
يتخطي او قدر عظم الذراع فصاعدا فلا باس ( 1 ) .
وصحيحه الاخر قلت له : المرأة تصلي بحيال زوجها ؟ قال : تصلي بازاء
الرجل
اذا كان بينها وبينه قدرما لا يتخطى او قدر عظم الذراع فصاعدا ( 2 )
. ونحوها غيرها .
اقول : الاظهر حمل نصوص المنع كلها على الكراهة ، اما الطائفة الاولى
والثالثة : فلوجهين : الاول : لاجل الطائفة الثانية الدالة على
الجواز ، اذ تقييدها بما اذا
كان الفصل باكثر من عشرة اذرع جمعا بينها وبين موثقة عمار بعيد ، بل
ادعى بعضهم :
القطع بعدم ارادته من تلك النصوص ، فلا محيص عن حملها على الكراهة .
الثاني : صراحة نصوص الشبر في عدم المنع في الزائد عليه ، فبالنسبة
إلى الزائد
من مقدار الشبر لا ينبغي التامل في عدم الحرمة .
واما الطائفة الرابعة : وهي نصوص الشبر ، فللاجماع على عدم الاكتفاء
بهذا
المقدار من الفصل في رفع المنع ، هذا مضافا إلى ما فيها من اختلاف
التحديدات ، اذ
مقدار الشبر اقل من عظم الذراع ، وهو أقل من قدر ما لا يتخطى ، وهو
قرينة
الكراهة .
فتحصل مما ذكرناه : ان الاقوى حمل نصوص المنع على الكراهة بعد تقييد
الاولى بالثالثة ، والاختلاف بينها على مراتب الكراهة .
وعن بعض المانعين : حمل الطائفة الرابعة على صورة تقدم الرجل على
المرأة
بقرينة جملة من النصوص : كصحيح زرارة عن ابي جعفر ( عليه السلام )
سالته عن
المرأة تصلي عند الرجل ؟ قال : لا تصلي المرأة بحيال الرجل الا ان
يكون قدامها ولو
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 5 من أبواب مكان الصملي حديث 8 .
( 2 ) الوسائل باب 5 من أبواب مكان المصلي حديث 13
[ . . . ]
بصدره ( 1 ) بناءا على ان المراد منه تقدمه بمقدار يكون مسجدها
محاذيا لصدره حال
السجود . وقريب منه موثق ابن فضال ( 2 ) ومرسل ابن بكير ( 3 ) .
وفيه : ان هذا الحمل بعيد لا سيما في صحيح معاوية وخبر ابي بصير
المتقدمين
فلاحظ .
وابعد منه ما عن بعضهم من حملها على ارادة ما لو كان بينهما حاجب
بهذا
المقدار بقرينة رواية علي بن جعفر المتقدمة ، اذ مضافا إلى ان
الالتزام بكفاية هذا
المقدار من الحائل في رفع المنع مخالف لظاهر كلمات الاصحاب ، انه
خلاف ظاهر تلك
النصوص ، لا سيما صحيح زرارة المتقدم .
الاول : لا فرق في هذا الحكم كراهة او منعا بين الرجل والمرأة كما هو
ظاهر
كلمات الاصحاب وصريح غير واحد منهم ، ويدل عليه صحيح ابن مسلم وخبر
ابي
بصير المتقدمان ، فان ظاهرهما بيان حكم كل منهما فلاحظ .
الثاني : يزول الحكم منعا او كراهة اذا كان بينهما حاجز او مقدار
عشرة اذرع
بلا خلاف فيه ،
بل عن غير واحد : دعوى الاجماع عليه ، وتشهد به الطائفة الثالثة من
النصوص المتقدمة .
ثم ان الظاهر من الحاجز : الحائل المانع عن الرؤية ، ولكن قد ينافيه
صحيح
علي بن جعفر المتقدم عن اخيه ( عليه السلام ) : سالته عن الرجل هل
يصلح له ان
يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلي بحياله وهو يراها وتراه
؟ قال : اذا
.............................................................................................
( 1 - 2 - 3 ) الوسائل باب 6 من أبواب مكان المصلي حديث 2 - 3 - 5
[ . . . ]
كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا باس ( 1 ) .
وعليه فبناء على القول بالمنع يجمع بين النصوص بتعميم الحائل ، بحيث
يشمل
مورد الخبرين ، وعلى القول بالكراهة يجمع بحمل الخبرين على خفة
الكراهة .
ثم ان الظاهر عدم رفع الحكم في صورة تقدم المرأة بما اذا كان بين
موقفها
وموقفه مقدار عشرة اذرع ، اذ الظاهر من الاخبار اعتبار هذا المقدار
من الفصل بين
جسديهما في احوال الصلاة .
الثالث : على القول بالمنع لو صلى ثم التفت بعد الفراغ انه كان
محاذيا لامرأة
كانت تصلي ، كانت صلوته صحيحة لعموم حيث ( لا تعاد الصلاة ) ( 2 )
وكذا لو صلى
مع الجهل بالموضوع او بحكمه مع عدم التقصير ، بناء على ما هو الحق من
عدم
اختصاص الحديث بالنسيان .
واما لو اكره على ذلك او اضطر اليه ، فنسب إلى الاكثر انه لا منع في
الصورتين ، واستدل بعض المتاخرين له : بقاعدة الميسور .
وفيه : ما عرف في بعض المباحث المتقدمة من عدم ثبوت القاعدة في موارد
تعذر
بعض ما يعتبر في المركب ، والاولى ان يقال : انه ان كان الاكراه
والاضطرار مستوعبين
للوقت فيرتفع المنع ، اذ الصلاة لا تدع بحال ، وان لم يكونا مستوعبين
له ، فلا وجه
لارتفاعه ، وحديث الرفع لا يدل عليه ، لما عرفت من انه انما يرفع حكم
ما طرأ عليه
احد العناوين المذكورة فيه اذا كان هو متعلق الحكم في نفسه ، وفي
المقام بما ان ماطرأ
عليه الاكراه او الاضطرار لا حكم له ، وما هو متعلق للحكم وهو
الطبيعي لم يتعلق
احدهما به ، فلا محالة لا يدل الحديث على ارتفاع المنع .
الرابع : اذا صلت وراءه ، فلو كان موضع سجودها وراء قدمه سقط الحكم
.......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 8 من أبواب مكان المصلي حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 29 من أبواب القرائة الحديث 5
[ . . . ]
كراهة او حرمة بلا ريب ولا كلام لعدم شمول النصوص لصورة التاخر ، بل
الاظهر
بناء على القول بالمنع سقوطه بما اذا كان التاخر باقل من ذلك لقوله (
عليه السلام )
في صحيح زرارة المتقدم : لا يصلى الرجل بحيال المرأة الا ان يكون
قدامها ولو بصدره .
اذ الظاهر ارادة تقدمه عليها بمقدار يكون مسجدها محاذيا لصدره حال
السجود ، وقد
حكى القول به عن بعض القدماء وجماعة من المتاخرين . واما على القول
بالكراهة
فيتعين القول بخفة الكراهة بما في الصحيح .
الخامس : هل الحكم مختص بما اذا كانت صلاة كل منهما صحيحة من غير
ناحية المحاذاة ، او يعم صورة فساد أحداهما ، فلو علم بان صلاة صاحبه
فاسدة صحت
صلاته في صورة المحاذاة والتقدم بلا كراهة ؟ وجهان مبنيان على ان
اسامي العبادات
اسام للصحيح ، او الاعم وحيث إن المختار هو الثاني على ما حققناه في
محله ، فالاقوى
هو التعميم . الا فيما كان الفساد من جهة الاخلال بما يكون دخيلا في
المسمى . فتدبر
اذ دعوى انصراف النصوص إلى الصحيحة المبرئة للذمة ليست ببعيدة .
السادس : على القول بالمنع ، لو اقترنت الصلاتان ، بطلتا جميعا كما
عرفت ،
ولو تعاقبتا ، فهل يختص البطلان باللاحقة كما عن جماعة التصريح به
كالشهيدين
والمحقق الثاني وكاشف اللثام ، او يعمها والسابقة كما عن آخرين ، وعن
بعض نسبته
إلى المشهور ؟ وجهان : قد استدل للاول : بوجوه :
الاول : ما عن جامع المقاصد : من ان المتاخرة مختصة بالنهي الموجب
لفاسدها ،
ومع عدم انعقادها لا يمكن ان تكون موجبة لبطلان صلاة انعقدت .
وفيه : ان النهي لا يختص باللاحقة ، اذ المراد من النصوص مانعية
المحاذاة في
[ . . . ]
الصلاة الصحيحة من غير ناحيتها على فرض اعتبار صحة صلاة كل منهما ،
والا لم
يتحقق موضوع النهي في صورة الاقتران ، بل ولا بالنسبة إلى السابق في
صورة
التعاقب لتحقق المحاذاة المانعة في حق كل منهما ، غاية ألامر للسابق
في الاثناء ،
واللاحق في اول الصلاة ، وعليه فلا فرق بين صورتي الاقتران والتعاقب في بطلان
صلاة كل منهما .
الثاني : ما في مصباح الفقيه : وهو ان المتاخرة باطلة فلا تكون بصلاة
كي تصلح
مانعة عن صحة السابقة ، بخلاف السابقة فانها صحيحة حين انعقاد
الثانية .
لا يقال : الفساد الناشئ من قبل هذا الحكم لا يعقل ان يكون مانعا عن
تحقق موضوعه ، والا امتنع البطلان في صورة الاقتران .
فانه يقال : ان ظاهر النصوص : اشتراط صحة صلاة كل منهما ، بان لا
يصلي
الاخر بحياله صلاة صحيحة مبرئة للذمة من جميع الجهات ، وانما يرفع
اليد عنه ،
ويقال : ان المراد صحة صلاة كل منهما ، مع قطع النظر عن المحاذاة
في صورة الاقتران
بقرينة عقلية ، وهي عدم امكان اتصافهما بالصحة لمنافاته للشرط ،
واتصاف احداهما
بها ترجيح بلا مرجح ، فلا محالة لابد من الحكم بفسادهما ، وليست هذه
القرينة بالنسبة
إلى اللاحقة كما لا يخفى .
وفيه : ان دعوى ارادة المحاذاة في الصلاة الصحيحة من
جيمع الجهات في صورة التعاقب ، والمحاذاة في الصحيحة من غير ناحية
المحاذاة في
صورة الاقتران من دليل المانعية فاسدة ، فيتردد الامر بين ارادة
المحاذاة في الصحيحة
من جميع الجهات ، ومن غير جهة المحاذاة ، وحيث عرفت عدم امكان الاولى
فيتعين
الثانية .
الثالث : ما ذكره بعض الاعاظم : من ان ظاهر الاخبار المنع عن صلاة من
تتحقق بصلاته المحاذاة ، وتكون المحاذاة مستندة اليه ومتحققة بفعله ،
فحينئذ لو
[ . . . ]
اقترنا ، فهما سواء في تحقق المحاذاة ، ولو كان احدهما لا حقا
فالمحاذاة جاءت من فعله ،
فيختص البطلان بصلاته .
وفيه : ان المحاذاة في صورة التعاقب ايضا مستندة اليهما ، اذ السابق
لو رفع
اليد عن صلاته ، لا تتحقق المحاذاة فاستمراره فيها محقق لها .
فتحصل مما ذكرناه : ان الاقوى هو القول الثاني .
السابع : لو شك في وجود من يصلي بحذاه فالاصل يقتضي عدمه ، ولو شك في
ان المصلي الواقف بحذاه امرأة او رجل ، فان كان اعتبار عدم المحاذاة
قيدا للمصلي
بان يكون المعتبر في الصلاة ان لا يكون المصلي محاذيا للمرأة المصلية
، فيجري
استصحاب عدم تحقق المحاذاة مع المرأة .
ودعوى معارضته باستصحاب عدم المحاذاة مع الرجل ، مندفعة بانه لعدم
ترتب الاثر عليه لا يجرى ، وان كان قيدا للصلاة فلا يجري الاصل الا
بناء على
جريانه في العدم الازلي ، فتدبر ، ولكن الظاهر من النصوص هو الاول كا
لا يخفى .
الثامن : المشهور بين الاصحاب ارتفاع المنع على القول به بتقديم احدهما
صلاته ، من غير فرق بين تقديم المرأة او الرجل ، وعن الشيخ : وجوب
تاخير المرأة
صلاتها ، وهو ظاهر جماعة من الاصحاب كالمحقق في الشرايع .
واستدل له : بصحيح ( 1 ) محمد بن مسلم عن احدهما ( عليه السلام ) عن
المرأة
تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا
ولكن يصلي الرجل ،
فاذا فرغ صلت المرأة . ونحوه غيره .
وفيه : انه لابد من حمل هذه النصوص على الفضل والاولوية جمعا بينها
وبين
صحيح ابن ابي يعفور قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : اصلي
والمرأة إلى جنبي وهي
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 10 من أبواب مكان المصلي حديث 1
] والى باب مفتوح او انسان مواجه[
تصلي ؟ قال ( عليه السلام ) : لا الا ان تتقدم هي او انت ( 1 ) .
اذ الظاهر منه التقدم في الزمان لا المكان كما لا يخفى ، فالاظهر عدم
وجوب
تاخير المرأة صلاتها وان كان اولى .
التاسع : على القول بالمنع ، لو دخل في الصلاة غفلة ثم راى امرأة
تصلي
بحياله ، فان تمكن من التقدم او التباعد ، بلا فعل مناف سكت وتقدم او
تباعد ومضى
في صلاته ، فان الاجزاء الصادرة حين الغفلة صحيحة بمقتضى حديث (
لاتعاد ) بناء
على ما هو الحق من شموله
لبعض الصلاة ايضا على ما ستعرف ، والاجزاء الباقية ياتي
بها واجدة لشرطها ، والاكوان المتخللة ليست من اجزاء الصلاة كي يعتبر
فيها عدم
المحاذاة ، اللهم الا ان يقال : ان المستفاد من النصوص مانعية
المحاذاة مطلقا ولو كانت
في الاكوان المتخللة ، وعليه فحكمه حكم من لا يتمكن من التباعد او
التقدم وهو
البطلان ، ولا يخفى وجهه .
الصلاة إلى باب مفتوح او إلى نار مضرمة
قال ابوالصلاح : ( و ) تكره الصلاة ( إلى باب مفتوح ) ، وتبعه جماعة
معترفون بعدم الدليل عليه ، وانما افتوا به لفتوى الحلبي به من باب
المسامحة ، واستدل
المصنف ره عليه في التذكرة ، بما دل على استحباب الستر بينه وبين ممر
الطريق .
وفيه : ان الصلاة إلى الطريق اعم منه إلى الباب من وجه .
( أو )
إلى ( انسان مواجه ) ، واستدل له بالنصوص الدالة على انه يكره للمصلي
ان يمر بين يديه انسان : كصحيح الحلبي عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) عن
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 5
من أبواب مكان المصلي حديث 5
] او نار مضرمة [
الرجل هل يقطع صلاته شئ مما يمر بين يديه ؟ فقال ( عليه السلام ) :
لا يقطع صلاة
المسلم شئ ، ولكن ادرأ ما استطعت ( 1 ) ونحوه غيره .
بدعوى ان الامر بالدرء انما يكون لدفع المنقصة عن الصلاة التي تحصل
من
المرور بين يدي المصلي ، وليس معنى الكراهة الا ذلك كما عرفت . وهذه
النصوص وان
لم يكن موردها الانسان المواجه ، الا انها تدل على كراهة الصلاة اليه
بالاولوية
القطعية .
وفيه : اولا : انه لم يثبت لنا الاولوية ، وثانيا : انه يمكن ان يكون
الامر بالدرء
رعاية لحرمة الصلاة ، فيكون الدرء مستحبا كما هو ظاهره ، لا ان
الصلاة بدونه
مكروهة . وقد طفحت كلمات القوم بانه تكره الصلاة إلى انسان مواجه (
أو ) بين يديه
) نار
مضرمة(
وعن ابي الصلاح : المنع
، واستدل له بصحيح علي بن جعفر عن اخيه ( عليه
السلام ) : سالته عمن يصلي والسراج بين يديه في القبلة ، قال : لا
يصلح له ان يستقبل
النار ( 2 ) وموثق عمار ، عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : لا
يصلي الرجل وفي قبلته نار
او حديد ( 3 ) .
وفيه : انه لو سلم ظهورهما في الحرمة ، فلا بد من حملهما على الكراهة
جمعا بينهما
وبين مرفوع عمرو بن ابراهيم الهمداني عنه ( عليه السلام ) : لا باس
ان يصلي الرجل
والنار والسراج والصورة بين يديه ، ان الذي يصلي له اقرب اليه من
الذي بين يديه ( 4 ) .
واما ما في التوقيع الشريف : واما ما سالت عنه من امر المصلي والنار
والصورة
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 11 من أبواب مكان المصلي حديث 8 .
( 2 ) الوسائل باب 30 من أبواب مكان المصلي حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 30 من أبواب مكان المصلي حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 30 من أبواب مكان المصلي حديث 4
] او حائط ينز من بالوعة ، ولا يجوز السجود إلا على الارض او
ما انبتته الارض[
والسراچ بين يديه هل تجوز صلاته ، فان الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك
، فانه جائز
لمن لم يكن من اولاد عبدة الاوثان والنيران ، ولا يجوز ذلك لمن كان
من اولاد عبدة
الاوثان ( 1 ) وان كان اخص من جميع روايات الباب ، ومقتضى القاعدة
تخصيصها به ،
الا انه لم ينقل القول بهذا التفصيل عن احد ، فيحمل على شدة الكراهة
( و )
يكره ايضا ان يكون في حال صلاته بين يديه ( حائط ينز من بالوعة ) ويدل
عليه ما رواه البزنطي عمن سال ابا عبد الله ( عليه السلام ) : عن
المسجد ينز حائط
قبلته من بالوعة يبال فيها ، فقال : أن كان نزه من البالوعة فلا تصل
فيه ، وان كان نزه
من غير ذلك فلا باس ( 2 ) وقريب منه غيره .
) ولا
يجوز السجود إلا على الارض او ما انبتته الارض ) بلا خلاف ، وعن
جماعة : دعوى الاجماع عليه .
وتدل عليه نصوص كثيرة : كصحيحة هشام بن الحكم عن الامام الصادق
) عليه
السلام ) قال له : اخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز ؟ قال ( عليه
السلام ) : السجود لا يجوز الا على الارض او على ما انبتت الارض الا
ما اكل او
لبس ، فقال له : جعلت فداك ما العلة في ذلك ؟ قال ( عليه السلام ) :
لان السجود
خضوع لله عزوجل ، فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل ويلبس ، لان ابناء
الدنيا عبيد
ما ياكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عزوجل فلا ينبغي
ان يضع
………………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 30 من أبواب مكان المصلي
حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 18 من أبواب مكان المصلي حديث 2
] مما
لا يؤكل ولا يلبس [
جبهته في سجوده على معبودا بناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها ( 1 ).
وصحيحة حماد بن عثمان عنه ( عليه السلام ) : انه قال : السجود على ما
انبتت
الارض الا ما اكل او لبس ( 2 ).
وخبر الاعمش عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) : لا يسجد الاعلى الارض
او ما انبتت الارض الا الماكول والقطن والكتان ( 3 ) ونحوها غيرها .
وهذه النصوص صريحة في انه يعتبر في مسجد الجبهة ان يكون ارضا او نباتا .
ويشترط في الثاني : ان يكون ( مما لا يؤكل ولا يلبس ) بلا خلاف ، وعن
غير
واحد دعوى الاجماع عليه .
وتدل عليه النصوص المتقدمة ، وبها يقيد ما باطلاقه يدل على جواز
السجود
على مطلق ما انبتت الارض كخبر الفضل بن عبد الملك قال ابو عبد الله (
عليه
السلام ) : لا يسجد إلا على الارض او ما انبتت الارض الا القطن
والكتان ( 4 ) .
نعم في خصوص القطن والكتان ورد ما يدل على جواز السجود عليهما كخبر
حسين بن علي بن كيسان الصنعاني : كتبت إلى ابي الحسن الثالث ( عليه
السلام) :
اساله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب (
عليه
السلام ) الي : ذلك جائز ( 5 ) .
وخبر داود الصرمي : سالت ابا الحسن ( عليه السلام ) هل يجوز السجود
على
القطن والكتان من غير تقية ؟ فقال ( عليه السلام ) : جائز ( 6 ) .
.......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث 3 .
( 4 ) الوسائل باب 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث 6 .
( 5 ) الوسائل باب 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث 7 .
( 6 ) الوسائل باب 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث 6
[ . . . ]
واما خبر ياسر الخادم : مربي ابوالحسن ( عليه السلام ) وانا اصلي على
الطبري وقد القيت عليه شيئا اسجد عليه ، فقال لي ( عليه السلام )
مالك لا تسجد
عليه ؟ اليس هو من نبات الارض ( 1 ) . فلا يدل عليه ، لان الطبري
مجمل يحتمل ان
يكون هو الحصير الذي يعمله اهل طبرستان كما قيل ، كما انه لا يدل
عليه خبر منصور
ابن حازم عن غير واحد من اصحابنا قال : قلت لابي جعفر ( عليه السلام
) : انا نكون
بارض باردة يكن فيها الثلج افنسجد عليه ؟ قال ( عليه السلام ) : لا
ولكن اجعل بينك
وبينه شيئا قطنا او كتانا ( 2 ) لاختصاصه بحال الضرورة .
ودعوى عدم الملازمة بين كونه في ارض باردة وعدم تمكنه حال الصلاة من
تحصيل ما يصح السجود عليه فلا يتنزل عليه إطلاق الجواب ، مندفعة بان
قوله ( يكون
فيها الثلج ) قرينة على ارادة عدم التمكن ، من السجدة على الارض وحيث
ان خبري
الحسين وداود الصرمي ضعيفا السند ، لان الصنعاني مهمل ، وداود الصرمي
لم تثبت ،
وثاقته فلا يعتمد عليهما ، ولو تنزلنا عن ذلك وسلمنا تمامية الخبرين
سندا لابد من
طرحهما او حملها على ما قبل النسج ، لمعارضتهما مع ما هو اقوى منهما
سندا الذي يدل
على المنع كالنصوص المانعة عن السجود على الملبوس الصريحة في القطن
والكتان ،
لندرة غيرهما في ذلك الزمان ، وخبري الفضل والاعمش المتقدمين .
ودعوى ان الجمع بينهما يقتضي حمل نصوص المنع على الكراهة ، مندفعة
بانها
غير قابلة للحمل على الكراهة لورودها في مقام بيان ما يصح السجود
عليه وما لا
يصح ، كما ان الجمع بحمل نصوص الجواز على حال الضرورة غير تام ، لانه
لا يلائمه
تقييد السائل في الخبرين بعدم الضرورة والتقية .
ومنه يظهر عدم صحة حمل نصوص الجواز على حال التقية ، وعلى هذا فيتعين
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب ما يسجد عليه حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث 7
[ . . . ]
طرحها او حملها على ما قبل النسج كما يشهد له المرسل المروي عن تحف
العقول
عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : انه كل شئ يكون غذاء الانسان في
مطعمه او
مشربه او ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود الا ما كان من نبات
الارض من
غير ثمر قبل ان يصير مغزولا ، فاذا صار مغزولا فلا يجوز السجود عليه
الا في حال
الضرورة ( 1 ).
السجود على الثمار غير الماكولة
فروع : الاول : يجوز السجود على الثمار غير الماكولة كالحنظل للنصوص
المتقدمة الدالة على جواز السجود على نبات الارض غير الماكول
والملبوس ، نعم
طائفة من النصوص اشتملت على استثناء مطلق الثمرة كصحيح محمد بن مسلم
عن
ابي جعفر ( عليه السلام ) قال : لا باس بالصلاة على البوريا والخصفة
وكل نبات الا
الثمرة ( 2 ) . ونحوه غيره .
والنسبة بينها وبين النصوص المتقدمة المشتملة على استثناء الماكول
عموم من
وجه لصدق الثمرة على الحنظل ، وهو مما لا يؤكل ، وصدق الماكول على
الخس ، ولا
يصدق عليه الثمرة وكل من الطائفتين تنحل إلى عقد سلبي وايجابي ، ولا
منافاة بين
الايجابيين ولا بين السلبيين ، وانما التنافي يكون بين الايجابي من
كل منهما والسلبي من
الاخر ، فلا بد في رفع التنافي ، اما من تقييد العقد السلبي من كل
منهما بالايجابي من
الاخر فتصير النتيجة إن الماكول من غير الثمرة والثمرة غير القابلة
للاكل داخلان
في المستثنى منه ، واما من تقييد الايجابي من كل منهما بالسلبى من
الآخر ، فيكون
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1
من أبواب ما يسجد عليه حديث 11 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من أبواب ما يسجد عليه حديث 9
[ . . . ]
المستثنى منه ما لا يكون ما كولا ولا ثمرة ، واما من حمل الثمرة على
مطلق الماكول
والسر في التعبير عنه بها الغلبة ، واما من حمل الماكول على مطلق
الثمرة .
ولا يبعد دعوى اظهرية الثالث ، اذ الاول والثاني خاليان عن الشاهد
فيدور
الامر بين الغاء الثمرة عن الموضوعية والغاء الماكول عنها ، والاول
اظهر لفتاوى
الاصحاب المعتضدة بصحيح هشام المشتمل على العلة القاضية بان المنع
منوط
بالماكولية لا بكونه ثمرة .
ومما ذكرناه ظهر أنه لا يجوز السجود على الماكول غير الثمرة .
الثاني : مقتضى النصوص : جواز السجود على كل ما يصدق عليه الارض ،
وان
صدق عليه المعدن - والمعيار في صدق الارض هو العرف فان تيقن بذلك فهو
، وان
شك فيه وكان في السابق ارضا يجري استصحاب الموضوع بناء على ما هو
الحق من
جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية ، وان لم يعلم حالته السابقة
فمقتضى الاصل
هو الاحتياط ، وعدم الاكتفاء بالصلاة مع السجدة عليه لرجوع الشك إلى
الامتثال
بعد اليقين بالتكليف ، ومن الواضح انه ليس مورد الاصالة البراءة حتى
بناء على
جريان البراءة في الاقل والاكثر الارتباطيين .
ولو خرجت الارض عن حقيقتها ، لا يجوز السجود عليها لدوران الحكم مدار
صدق عنوان الارض ، فلا يجوز السجود على الذهب والفضة ونحوهما .
ومن جملة ما انقلب مما كان عرفا الزجاج ، فلا يجوز السجود عليه .
ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيح محمد بن الحسين : انه كتب بعض اصحابنا
إلى ابي الحسن الماضي ( عليه السلام ) يساله عن الصلاة على الزجاج ،
قال : فلما نفد
كتابي اليه تفكرت وقلت : هو مما انبتت الارض وما كان لي ان اسال عنه
، فكتب ( عليه
السلام ) الي : لا تصل على الزجاج وان حدثتك نفسك انه مما انبتت
الارض ، ولكنه
[ . . . ]
من الملح والرمل وهما ممسوخان ( 1 ) .
والظاهر ان لفظة ( من ) نشوية لا بيانية ، والمراد : ان ما حدثتك نفسك من كونه
من نبات الارض غير صحيح بل هو انما نشا وتكون من الملح والرمل وكيفية
تكونه
انهما مسخا فصارا زجاجا لا ان الرمل في نفسه ممسوخ .
وبما ذكرناه يندفع ما اورد على الصحيح من ان السائل تخيل كونه من
نبات
الارض والامام ( عليه السلام ) قرره ، مع انه ليس كذلك ومن انه يدل
على ان الرمل
ممسوخ لا يجوز السجود عليه ، وهو غير تام .
السجود على القير والجص وما شاكل
ومنها : القير ، ويدل على عدم جواز السجدة عليه مضافا إلى ذلك صحيح
زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) قلت له : اسجد على الزفت -
يعني القير -
فقال : لا . ونحوه ( 2 ) وخبر محمد بن عمرو بن سعيد عن ابي الحسن (
عليه السلام ) ( 3 ) .
نعم يدل على الجواز صحيح منصور بن حازم عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) انه قال : القير من نبات الارض ( 4 ) . ونحوه في الدلالة
على الجواز صحيح ابن
عمار ( 5 ) وخبر ابن ميمون ( 6 ) .
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب ما يسجد عليه حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث 8 .
( 5 ) الوسائل باب 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث 4 .
( 6 ) الوسائل باب 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث 7
[ . . . ]
والجمع بين النصوص يقتضي الحكم بكراهة السجود عليه ، الا ان اعراض
المشهور عن نصوص الجواز ، وافتائهم بالمنع ، بل عن المدارك : الاجماع
على المنع ،
يوجب وهنها فلا يعتمد عليها .
واما الساروج وهو الممزوج من النورة والرماد ، فلا يجوز السجود عليه
لاشتماله
على ما ليس بارض ولا نباتها ، واجزاؤه الارضية لا تمتاز عن غيرها كي
يصدق السجدة
على الارض .
ويشهد له - مضافا إلى ذلك - خبر محمد بن عمرو بن سعيد عن ابي الحسن
الرضا ( عليه السلام ) : لا تسجد على القفر ولا على القير ولا على
الساروج ( 1 ) .
واما الجص والنورة والخزف والاجر ، فالاظهر جواز السجود عليها كما
نسب
إلى المشهور لصدق الارض عليها عرفا ، اذ الشئ لا يوجب خروج الارض عن
حقيقتها ، وان شئت فاختبر ذلك من اللحم المشوى ، ولو تنزلنا عن ذلك
فلا اقل من
الشك فيه ، فقد عرفت انه لا مانع من جريان استصحاب مفهوم الارض .
فما عن الذكرى من المنع من السجدة على النورة بدعوى ان خبر محمد
المتقدم يدل على المنع من السجود على الساروج هو يستلزم المنع من
النورة بطريق
اولى ، ضعيف لما عرفت من ان من جملة اجزاء الساروج الرماد وهو ليس
بارض .
ويدل على الجواز في خصوص الجص صحيح ابن محبوب قال : سالت ابا
الحسن ( عليه السلام ) عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم
يجصص به
المسجد ايسجد عليه ؟ فكتب لي بخطه : ان الماء والنار قد طهراه ( 2 )
فان جوابه ( عليه
السلام ) ظاهر في تقريره ( عليه السلام ) ما اعتقده السائل من جواز
السجدة عليه في
نفسه .
....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب ما يسجد عليه حديث .
( 2 ) الوسائل باب 10 من أبواب ما يسجد عليه حديث 1
[ . . . ]
والمناقشة فيه بان الجص لا يطهر بالماء والنار قطعا فكيف حكم ( عليه
السلام)
بانهما قد طهراه قد تقدم الجواب عنها في كتاب الطهارة .
الثالث : يجوز السجود على القرطاس بلا خلاف ، بل عن التذكرة والمدارك
وغيرهما : دعوى الاجماع عليه .
ويشهد له : صحيح علي بن مهزيار قال : سال داود بن فرقد ابا الحسن (
عليه
السلام ) عن القراطيس والكواغذ المكتوبة هل يجوز السجود عليها ام لا
؟ فكتب
( عليه
السلام ) : يجوز ( 1 ) .
وصحيح صفوان قال : رايت ابا عبد الله ( عليه السلام ) في المحمل يسجد
على
القرطاس واكثر ذلك يؤمئ ايماء ( 2 ) .
وصحيح ابن دراج عنه ( عليه السلام ) : انه ( عليه السلام ) كره ان
يسجد على
قرطاس عليه كتابة ( 3 ) . فهذا في الجملة مما لا اشكال فيه ولا خلاف .
وانما الكلام ، في القرطاس المتخذ من غير ما يصح السجود عليه ، وعن جماعة :
جواز السجود عليه ، ولكن عن الجعفرية وارشادها وغيرهما : التقييد بما
اذا كان متخذا
من ما يسجد عليه ، وعن القواعد واللمعة والتذكرة و غيرها : التقييد
بما اذا كان متخذا
من النبات ، والظاهر ان المراد النبات : ان كان مما لا يؤكل ولا يلبس
كما لا يخفى .
ففي المسالة قولان اقواهما ، الثاني ، لا لما قيل من ان عدم التقييد
يستلزم
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 7
من أبواب ما يسجد عليه حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 7 من أبواب ما يسجد عليه حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 7 من أبواب ما يسجد عليه حديث 3
] اذا كان مملوكا او في حكمه خاليا من نجاسة ولا يجوز على
المغصوب مع
العلم ولا على نجاسة ولا يشترط طهارة مساقط بقية اعضاء
السجود [
تخصيصا فيما دل على عدم جواز السجود على غير الارض ونباتها الذي يؤكل
او
يلبس ، اذ يرد عليه انه لا محذور في ذلك بعد دلالة الدليل عليه وهو
اطلاق النصوص
لو ثبت ، ودعوى ان النسبة بين النصوص حينئذ وما دل على المنع عن
السجود على
غير الارض ونباتها عموم من وجه فيتعارضان ، وحيث لا مرجح فيتساقطان
فيرجع
إلى الاصل وهو الاحتياط كما مر ، مندفعة بان الترجيح لنصوص الباب ،
لظهورها في
ثبوت الخصوصية للقرطاس الموجبة لجواز السجود عليه ، بل لعدم ثبوت
اطلاق
النصوص ، اذ صحيح ابن مهزيار ، وارد في مقام بيان عدم مانعية الكتابة
عن الجواز لا
في مقام تشريع الجواز كي يتمسك باطلاقه ، ونحوه صحيح جميل ، وصحيح
صفوان
حكاية لفعل مجمل ، اذ لعله كان ما يسجد عليه متخذا من ما يسجد عليه .
وعلى هذا فغاية ما ثبت بهذه النصوص والاجماع هو جواز السجدة على
القرطاس اذا كان من جنس ما يسجد عليه .
ثم انك قد عرفت انه يجوز السجود ( اذا كان ) المسجد ( مملوكا او في
حكمه(
وكان ( خاليا من نجاسة ) وعرفت ايضا انه ( لا يجوز السجود على
المغصوب مع
العلم ) بل مع الجهل ايضا ( ولا على نجاسة ، ولا يشترط طهارة مساقط
بقية
اعضاء السجود ) كما هو المشهور ، بل لم يعرف الخلاف الا عن ابي
الصلاح للاصل .
واستدل لوجوب طهارة مواضع المساجد السبعة : بالنبوي : جنبوا مساجدكم
النجاسة ( 1 ) ، واطلاق النص المانع من السجود على الموضع النجس ،
واطلاق معا قد
الاجماعات على اعتبار طهارة المسجد .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 24 من أبواب أحكام المساجد
حديث 2
] ولا
يجوز السجود على ما ليس بارض كالجلود او ما خرج عنها بالاستحالة
كالمعادن ، ويجوز مع عدم الارض السجود على الثلج والقير
وغيرهما ومع
الحر على الثوب ، وان فقد فعلى اليد [
وفي الجميع نظر : اذ النبوي ضعيف السند والدلالة لاحتمال ان يكون
المراد
بالمساجد الاماكن المعدة للصلاة فيكون اجنبيا عن المقام ، وقد عرفت
انه لا دليل على
اعتبار طهارة موضع السجود سوى الاجماع وصحيح ابن محبوب ، وهما مختصان
بمسجد الجبهة كما تقدم . واما الاجماع فقد مر أنه على العدم .
) و )
قد انقدح مما ذكرناه انه ( لا يجوز السجود على ما ليس بارض كالجلود
او ما خرج عنها بالاستحالة كالمعادن ) اذا صح سلب اسم الارض عنه
كالملح ، وانما
قيدنا بصحة سلب اسم الارض عنه للتنبيه على ان مناط المنع ذلك لا صدق
اسم
المعدن ، فلا يهمنا البحث عن تحقيق معنى المعدن .
بقي في المقام امور لابد من التنبيه عليها .
الاول : يجوز السجود مع عدم الارض وعدم نباتها الذي يجوز السجود عليه
على غيرهما مما لا يسجد عليه عند الاختيار ، وهذا في الجملة مما لا
خلاف فيه ، بل عليه
الاجماع .
وانما الكلام في وجود بدل شرعي اضطراري مطلقا كما هو المشهور او مع
الحر ،
كما ذكره المصنف ره حيث قال ( ويجوز ) السجود ( مع عدم الارض على
الثلج والقير
وغيرهما ومع الحر على الثوب وان فقد فعلى اليد ) او عدمه مطلقا فيكفي
وضع جبهته
على اي شئ يكون كما اختاره بعض .
[ . . . ]
وتحقيق القول في ذلك يحتاج إلى ذكر النصوص الواردة في المقام ، فمنها
: صحيح
منصور عن غير واحد من اصحابنا قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) : انا
نكون بارض
باردة يكون فيها الثلج افنسجد عليه ؟ قال ( عليه السلام ) : لا ولكن
اجعل بينك وبينه
شيئا قطنا او كتانا ( 1 ).
ودعوى ان ظاهره جواز السجود على القطن والكتان اختيارا قد عرفت
دفعها .
ومنها : خبر ابي بصير عن الامام الباقر ( عليه السلام ) قلت له :
اكون في السفر
فتحضر الصلاة واخاف الرمضاء على وجهي كيف اصنع ؟ قال ( عليه السلام )
: تسجد
على بعض ثوبك ، فقلت : ليس علي ثوب يمكنني ان اسجد على طرفه ولا ذيله
، قال
( عليه
السلام ) : اسجد على ظهر كفك فانها احدى المساجد ( 2 ).
ومنها : خبره الاخر المروي عن الفقيه : انه سال ابا عبد الله ( عليه
السلام )
عن الرجل يصلي في حر شديد فيخاف على جبهته من الارض قال ( عليه
السلام ) :
يضع ثوبه تحت جبهته ( 3 ) .
ومنها : خبره الثالث المروي عن العلل ، قال : قلت لابي عبد الله (
عليه
السلام ) : جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى
عريانا في
سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف ان يسجد على الرمضاء احرقت وجهه
قال
( عليه
السلام ) : يسجد على ظهر كفه فانها احدى المساجد ( 4 ).
ومنها : خبر احمد بن عمر قال : قلت لابي الحسن ( عليه السلام ): جعلت فداك
.......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث 7 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث 5 .
( 3 ) الوسائل باب 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث 8 .
( 4 ) الوسائل باب 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث 6
[ . . . ]
الرجل يسجد على كم قميصه من اذى الحر والبرد : وعلى ردائه اذا كان
تحته مسح او
غيره مما لا يسجد عليه ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا باس به ( 1 ) .
وهذه النصوص هي العمدة في اثبات البدل الاضطراري ، واما النصوص ( 2 )
النافية للباس عن السجود على الثوب عند الاضطرار فلا تدل عليه ، اذ
نفي الباس
اعم من التعيين ، ومنه يظهر عدم دلالة الخبر الاخير على هذا القول .
ودعوى ظهوره في مفروغية السائل عن عدم جواز السجود على المسح
وغيره مما لا يسجد عليه فقوله ( عليه السلام ) ( لا باس ) مقتصرا
عليه تقرير للسائل
على ما في ذهنه من عدم جواز السجود على المسح في هذا الحال ، مندفعة
بعدم ظهوره
فيما ذكر ، اذ قول السائل ( اذا كان تحته مسح او غيره ما لا يسجد
عليه ) ظاهر في
ارادته ما لا يسجد عليه في حال الاختيار فتدبر .
واما غيره من الاخبار فدلالته على وجود البدل الاضطراري وهو الثوب ثم
ظهر
الكف واضحة ، وهذه النصوص وان كانت واردة في مورد الحر والبرد الا
انه يتعدى
عن موردها إلى ما لو لم يتمكن من السجود على ما يصح عليه لتقية او
غيرها للقطع
بعدم الخصوصية .
فتحصل مما ذكرناه : ان الاقوى هو القول الاول ، وتخصيص المصنف ره
البدل
الاضطراري بمورد الحر لعله من جهة اعتقاده عدم دلالة صحيح منصور لهذا
القول ،
وغيره مختص بمورد الحر ، والتعدي يحتاج إلى الدليل وهو مفقود .
ثم ان جماعة من القائلين بالبدل الاضطراري اختاررا ان المراتب ثلاث :
الاولى : الثوب الذي يكون من القطن او الكتان ، الثانية : الثوب من غيرهما ، الثالثة :
ظهر الكف ، ولكن المشهور خلافه .
......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب ما يسجد عليه حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من أبوب ما يسجد عليه حديث..
[ . . . ]
اقول : مقتضى النصوص المتقدمة ان الثوب مطلقا هو البدل الاول من غير
فرق بين كونه من القطن او الكتان او غيرهما .
ودعوى تقييدها بصحيح منصور ، مندفعة بانه لا مفهوم له كي يقيد به
النصوص ، ومنطوقه لا ينافيها ، فلا وجه للتقييد ، فالاظهر ، انه لو
لم يكن عنده ما يصح
السجود عليه او كان ولم يتمكن من السجود عليه سجد على ثوبه ، وان لم
يكن سجد
عليه ظهر كفه .
السجود على ما لا تتمكن الجبهة عليه
الثاني : يشترط ان يكون ما يسجد عليه مما يستقر الجبهة عليه ، فلا
يجوز على
الطين الذي لا تستقر الجبهة عليه ، ومع استقراره لا باس بالسجود عليه
بلا خلاف
فيهما .
ويشهد لهما موثق عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : سالته
عن حد
الطين الذي لا يسجد عليه ما هو ؟ فقال ( عليه السلام ) : اذا غرقت
الجبهة ولم تثبت
على الارض ( 1 ) .
وموثقه الاخر عنه ( عليه السلام ) : في الرجل يصيبه المطر وهو في
موضع لا يقدر
أن يسجد فيه من الطين
ولا يجد موضعا جافا قال ( عليه السلام ) : يفتتح الصلاة فاذا
ركع فليركع كما يركع اذا صلى ، فاذا رفع راسه من الركوع فليؤم
بالسجود ايماء وهو
قائم يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة ويتشهد وهو قائم ( 2 ) ومثله صحيح
هشام ( 3 ) .
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي حديث 9 .
( 2 ) الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 15 من أبواب مكان المصلي حديث 5
[ . . . ]
فلو لم يوجد الا الطين الذي لا يتمكن الجبهة على او ما كما ذكره غير
واحد
لبدلية الايماء عن
السجود في كل مقام يتعذر فيه ، وقد استدل له بالخبرين المتقدمين .
وفيه : ان موردهما ما اذا كان المصلي في الارض ذات الطين بحيث يتلطخ
به
ثيابه في حال الجلوس للسجود والتشهد ، ولذا حكم ( عليه السلام ) بانه
يتشهد وهو
قائم ، ولا ربط لهما بما اذا كان مكانه جافا وكان الطين في مسجد
الجبهة .
وعن بعض الاعاظم ره : لزوم السجدة في الفرض من غير اعتماد ، واستدل
له
بقاعدة الميسور .
وفيه : ما عرفت مرارا من انه لا يعمل بها في امثال المقام مما يكون
المعسور
بعض ما يعتبر في الواجب .
الثالث : السجود على الارض افضل منه على النبات والقرطاس لصحيح
هشام ، عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : السجود على الارض الفضل
لانه ابلغ في
التواضع والخضوع لله عزوجل ( 1 ) .
والتراب افضل من الحجر لما في خبر دعائم الاسلام : ينبغي للمصلي ان
يباشر
بجبهته الارض ويعفر وجهه في التراب لانه من التذلل لله عزوجل ( 2 ) .
وافض ما يسجد عليه التربة الحسينية لخبر معاوية بن عمار قال : كان
لابي
عبد الله ( عليه السلام ) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله
( عليه السلام ) ، فكان
اذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه ، ثم قال ( عليه السلام )
: ان السجود
على تربة ابي عبد الله ( عليه السلام ) تخرق الحجب السبع ( 3 ) .
وعن ارشاد الديلمي قال : كان الصادق ( عليه السلام ) لا يسجد إلا على
تربة
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 17 من أبواب مايسجد عليه حديث 1 .
( 2 ) المستدرك باب 10 من أبواب ما يسجد عليه حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 16 من أبواب ما يسجد عليه حديث 3
] الفصل السادس في الاذان والاقامة وهما مستحبان في الصلوات
الخمس اداءا وقضاءا للمنفرد والجامع رجلا كان أو امرأة
[
الحسين ( عليه السلام ) تذللاله واستكانة اليه ( 1 ) .
ومرسل الفقيه عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : السجود على طين قبر
الحسين ( عليه السلام ) ينور إلى الارضين السبع ( 2 ) إلى غير ذلك من
النصوص الدالة
عليه .
الفصل السادس في الاذان والاقامة
وهما يطلقان في عرف الشارع والمتشرعة على الاذكار الخاصة التي شرعت
امام الصلاة ، والنظر فيهما يقع في مواضع .
الاول : فيما يؤذن له ويقام ( وهما مستحبان في الصلوات الخمس اداء
وقضاء
للمنفرد والجامع رجلا كان او امرأة ) كما هو المنسوب إلى المشهور ،
وعن الشيخين
وابن حمزة وابن البراج : انهما واجبان في صلاة الجماعة ، وعن السيد :
القول بوجوب
الاقامة في كل فريضة على الرجال ، والاذان والاقامة على الرجال
والنساء في الصبح
والمغرب والجمعة وعلى الرجال خاصة في الجماعة ، وعن ابن ابي عقيل :
يجب الاذان في
الصبح والمغرب والاقامة في جميع الصلوات ، وعن ابن الجنيد : انهما
واجبان مطلقا في
الصبح والمغرب والجمعة ، وتجب الاقامة في باقي الصلوات .
ومنشا الاختلاف اختلاف الاخبار ، وقبل الشروع في بيان ما يستفاد منها
بعد
الجمع ينبغي تاسيس الاصل في المقام ليكون هو المرجع عند فقد الدليل .
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 16 من ابواب ما يسجد عليه حديث 4
( 2 ) الوسائل باب 16 من أبواب ما يسجد عليه حديث 1
[ . . . ]
فاقول : تاره يشك في الوجوب ، واخرى : يكون اصل الوجوب معلوما ويكون
الشك في كونه ، شرطيا او نفسيا . والاصل في الاول هو البراءة من غير
فرق بين ان
يشك في الوجوب الشرطي او النفسي بناء على ما هو الحق من جريان
البراءة في
الاقل والاكثر الارتباطيين .
واما الثاني : فقد يقال : ان مقتضى الاصل عدم الاكتفاء بالصلاة
بدونهما ، لان
العلم الاجمالي اوجب تنجز الواقع على ما هو عليه .
وفيه : ان العلم الاجمالي باحد الوجوبين ينحل إلى العلم التفصيلي
بوجوب
الاتيان بهما والشك في تقيد الصلاة بهما ، فتجري البراءة عن ذلك .
وبعبارة اخرى : الوجوبان يشتركان في الاثار ، الا ان الوجوب الشرطي
يختص
باثر زائد ، وهو عدم الاكتفاء بالصلاة بدونها ، وتقيد الصلاة بهما ،
فتجري البراءة عن
هذا الاثر الزائد المشكوك فيه : وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محله
- فانقدح بما
ذكرناه انه يكفي للحكم بعدم الوجوب ، وعدم تقيد الصلاة بهما عدم
الدليل .
اذا عرفت هذا فاعلم انه يقع الكلام في مقامين : الاول : في الاذان ،
الثاني : في
الاقامة .
اما المقام الاول : فالاقوى استحباب الاذان مطلقا كما هو المشهور ،
وتشهد له
النصوص ( 1 ) المتضمنة ، لان من صلى باذان واقامة صلى خلفه صفان من
الملائكة ، ومن
صلى باقامة بلا اذان صلى خلفه صف واحد ، فانها صريحة في ان ترك
الاذان ، انما يوجب
.............................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب الاذان والاقامة
[ . . . ]
فوات بعض مراتب كمال الصلاة ، لا الصحة .
واستدل للقول بوجوبه مطلقا : بموثق عمار قال : سمعت ابا عبد الله (
عليه
السلام ) يقول : لا بد للمريض ان يؤذن ويقيم ، لانه لا صلاة إلا
باذان واقامة ( 1 )
وقريب منه غيره .
وفيه : انه لا بد من رفع اليد عن ظهور هذه النصوص ، ويحمل على
الاستحباب
لما تقدم ، وللنصوص المرخصة في تركه كصحيح الحلبي عن الامام الصادق (
عليه
السلام ) : عن الرجل هل يجزيه في السفر والحضر اقامة ليس معها اذان ؟
قال ( عليه
السلام ) : نعم لا باس به ( 2 ).
واستدل الشيخ في التهذيب على وجوبه في الجماعة : بخبر ابي بصير عن
احدهما ( عليه السلام ) قال : سالته ايجزي اذان واحد ؟ قال ان صليت
جماعة لم يجز
الا اذان واقامة ، وان كنت وحدك تبادر امرا تخاف ان يفوتك يجزئك
اقامة الا الفجر
والمغرب فانه ينبغي ان
تؤذن فيها و تقيم من اجل انه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر
الصلوات ( 3 ) .
واورد عليه صاحب المدارك ره : بضعف السند ، وقصور الدلالة . لان
الاجزاء
كما يجوز أن يراد به الاجزاء في الصحة ، كذلك يجوز أن يكون المراد
الاجزاء في
الفضيلة .
وفيه : ان تضعيف السند مع كون الخبر مما رواه الكليني ره في الكافي ،
واستدل
الشيخ ره به في غير محله ، وحمل الاجزاء على الاجزاء في الفضيلة وان
كان ممكنا الا انه
خلاف الظاهر ، لا يصار اليه الا مع القرينة .
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 35 من أبواب الاذان والاقامة حديث 2 .
( 2 )
الوسائل باب 5 من أبواب الاذان والاقامة
حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 7 من أبواب الاذان والاقامة حديث 1
[ . . . ]
فالاولى : ان يجاب عنه : بان الخبر معارض بصحيح علي بن رئاب : سالت
ابا
عبد الله ( عليه السلام ) قلت : تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان
واحد أتجزءنا
إقامة بغير أذان ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم ( 1 ).
وخبر الحسن بن زياد قال ابو عبد الله ( عليه السلام ) : اذا كان
القوم لا
ينتظرون احدا اكتفوا باقامة واحدة ( 2 ) .
والجمع بينهما وبين الخبر ، يقتضي حمله على تاكد الاستحباب .
ومما ذكرناه ظهر انه لا يصح الاستدلال لهذا القول بما في صحيح عبد
الله بن
سنان عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : يجزؤك اذا خلوت في بيتك
اقامة واحدة
بغير اذان ( 3 ) لتعين حمله على الاجزاء في الفضيلة للخبرين
المتقدمين
واما ما في صحيح الحلبي عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) عن ابيه (
عليه
السلام ) : انه كان اذا صلى وحده في البيت اقام اقامة ولم يؤذن ( 4 )
فغير ظاهر
فيه في نفسه لاجماله من حيث الوجوب والاستحباب .
واما موثق عمار عنه ( عليه السلام ) : عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي
وحده فيجئ
رجل فيقول له : نصلي جماعة ، هل يجوزان يصليا بذلك الاذن والاقامة ؟
فقال ( عليه
السلام ) : لا ولكن يؤذن ويقيم ( 5 ) فهو في مقام بيان الاكتفاء بما
اتى به للصلاة سابقا
عما يكون مشروعا في الجماعة ولو على سبيل الاستحباب ، وليس في مقام جعل
الوجوب لهما في الجماعة ، مع انه لو سلم ظهورهما في اعتباره فيها
يتعين حملهما على
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 5 من أبواب الاذان والاقامة حديث 10 .
( 2 ) الوسائل باب 5 من أبواب الاذان والاقامة حديث 8 .
( 3 ) الوسائل باب 5 من أبواب الاذان والاقامة حديث 4 .
( 4 ) الوسائل باب 5 من أبواب الاذان والاقامة حديث 6 .
( 5 ) الوسائل باب 27 من أبواب الاذان والاقامة حديث 1
[ . . . ]
الاستحباب لصحيح ابن رئاب وخبر الحسن المتقدمين ، وبهما تندفع دعوى
ان الجماعة
عبادة توقيفية ولم يثبت جوازها بلا اذان واقامة فيرجع إلى اصالة
الاحتياط .
فتحصل مما ذكرناه : ان القول بوجوبه في الجماعة مطلقا لا وجه له ،
ومنه يظهر
ان القول بوجوبه فيها لخصوص الرجال غير تام ، اذ لا مدرك له سوى ما
ذكر
بضميمة ما دل على عدم وجوبه على النساء .
واما القائلون بوجوبه في المغرب والصبح فاستدلوا له بجملة من النصوص :
كصحيح صفوان بن مهران عن ابي عبد الله ( على السلام ) : الاذان مثنى
مثنى
والاقامة مثنى مثنى ، ولا بد في الفجر والمغرب من اذان واقامة في
الحضر والسفر ، لانه
لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر ، وتجزؤك اقامة بغير اذان في الظهر
والعصر والعشاء
الاخرة ، والاذان والاقامة في جميع الصلوات افضل ( 1 ) .
وصحيح عبد الله بن سنان عنه ( عليه السلام ) : تجزؤك في الصلاة اقامة
واحدة
الا الغداة والمغرب ( 2 ).
وصحيح زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : ادنى ما يجزي من
الاذان ان
تفتتح الليل باذان واقامة وتفتتح النهار باذان واقامة ، ويجزيك في
سائر الصلوات اقامة
بغير اذان ( 3 ) . ونحوها غيرها .
وظهور هذه النصوص في اعتبار الاذان في الصبح والمغرب وان كان لا ينكر ،
الا انه لا بد من رفع اليد عن هذا الظهور وحمل النصوص على تاكد
الاستحباب في
المغرب لمعارضتها فيها مع صحيح عمرو بن يزيد قال سالت ابا عبد الله (
عليه
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب الاذان والاقامة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 6 من أبواب الاذان والاقامة حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 6 من أبواب الاذان والاقامة حديث 1
[ . . . ]
السلام ) عن الاقامة بغير الاذان في المغرب ، فقال : ليس به باس وما
احب ان يعتاد ( 1 ) .
ولاجل اشتمال النصوص على تعليل الحكم في الصبح والمغرب بشئ واحد
يتعين حملها على الاستحباب في الصبح ايضا ، مضافا إلى عدم القول
بالفصل بينهما ،
مضافا إلى ان بعض تلك النصوص ظاهر في الاستحباب فيهما كخبر ابي بصير
المتقدم المشتمل على لفظ ( ينبغي ) ، مع ان النسبة بين هذه النصوص
وبين ما دل على
عدم وجوبه في جميع الصلوات للمنفرد عموم من وجه ، وحيث ان حمل هذه
على تاكد
الاستحباب اهون من حمل تلك النصوص على غير الفجر والمغرب فيتعين التصرف
فيها .
واما ما ذكره بعض المحققين ره من ان هذه النصوص تعارض ما دل على عدم
وجوبه مطلقا ، وحملها على تاكد الاستحباب اهون من حمل المطلقات على
غير الفجر
والمغرب ، فمندفع بان النسبة بين الطائفتين عموم مطلق ، وظهور المقيد
مقدم على ظهور
المطلق مطلقا .
فالمتحصل مما ذكرناه : انه لا دليل على وجوبه في شئ من الصلوات ، وان
الاقوى استحبابه في جميعها للرجال والنساء ، وما يكون ظاهرا في عدم
مشروعيته لهن
كصحيح جميل بن دراج قال : سالت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن
المرأة هل عليها
اذان واقامة ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا ( 2 ) يحمل على عدم تاكد
الاستحباب لصحيح
ابن سنان قال سالت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن المرأة تؤذن
للصلوة ؟ فقال : حسن
ان فعلت وان لم تفعل أجزأها ان تكبر وتشهد ان لا اله إلا الله وان
محمدا رسول الله . ( 3 )
ونحوه غيره ، هذا مضافا إلى عدم الخلاف في مشروعيته لهن جماعة وفرادى
، وعن غير
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب الاذان والاقامة حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 14 من أبواب الاذان والاقامة حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 14 من أبواب الاذان والاقامة حديث 1
] بشرط ان تسر [
واحد : دعوى الاجماع عليه .
بقي الكلام فيما صرح به المصنف ره في المقام ونسبه في التذكرة إلى
علمائنا
قال : ( بشرط ان تسر ) المرأة ، والظاهران مراده به اخفاء صوتها عن
الاجانب .
واستدل له في المنتهى : بان صوتها عورة ، فلو جهرت ارتكبت معصية ،
فلذا لا
يعتد الرجال باذان النساء لانها ان جهرت فسد الاذان : لانه معصية ،
والنهي يدل على
الفساد ، والا لا يجزء لعدم السماع .
والظاهر انه لا دليل لهم في هذا الشرط سوى ذلك ، وهو فاسد : لعدم كون
صوتها عورة لما دل على تكلم السناء مع الرجال في مجالس المعصومين
عليهم السلام،
وتكلم الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) مع جملة من الصحابة ،
وخروجها للمخاصمة
في فدك في المسجد لجملة من فيه من الصحابة ، وخطبتها الطويلة مشهورة
عند
الفريقين ، وسلام رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي ( عليه السلام )
للنساء وجوابهن
لهما ، فعلى هذا لا وجه لهذا الشرط .
فما عن الشيخ في المبسوط : اذا اذنت المرأة للرجال جاز لهم ان يعتدوا
ولا
يقيموا ، هو الاقوى واعتراض المصنف في المنتهى والمحقق في المعتبر
عليه بانها ان
اجهرت فهو منهي عنه والنهي يدل على الفساد ، ضعيف .
ثم انه قد ذكرنا فيما سبق انه لا فرق في استحباب الاذان للفرائض
اليومية
بين كونها اداء او قضاء ، وهذا فيما لواتى بكل صلاة وحدها مما لا
شبهة فيه ولا خلاف ،
ويشهد به صحيح ( 1 ) زرارة المتضمن للحكاية عن الباقر ( عليه السلام
) نوم النبي صلى
………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 61 من أبواب المواقيت
[ . . . ]
الله عليه وآله في بعض اسفاره في ليلة عرسه حتى طلعت الشمس وقال صلى
الله عليه
وآله : يا بلال اذن فاذن ، وصلى رسول صلى الله عليه وآله ركعتي الفجر
وامر الصحابة
فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح . وقال الشهيد ره في محكي
الذكرى بعد
نقل الخبر : ان فيه فوائد وعد منها استحباب الاذان للفائتة .
ولا خلاف ايضا في استحبابه للصلاة الاولى لمن اراد اتيان فوائت في
دور واحد ،
وتشهد له جملة من النصوص : كصحيح ( 1 ) محمد بن مسلم . قال : سالت
ابا عبد الله
) عليه
السلام ) عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد
ذلك ، قال ( عليه السلام ) : يتطهر ويؤذن ويقيم في اولاهن ثم يصلي
ويقيم بعد ذلك في
كل صلاة بغير اذان حتى يقضي صلاته .
وصحيحه الاخر عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : سالته عن الرجل
يغمى
عليه ثم
يفيق قال ( عليه السلام ) : يقضي ما فاته يؤذن في الاولى ويقيم في البقية ( 2 ) .
وصحيح زرارة عنه ( عليه السلام ) قال : اذا نسيت صلاة او صليتها بغير
وضوء
كان عليك قضاء صلوات فابدأ باولاهن فاذن لها واقم ، ثم صل ما بعدها
باقامة لكل
صلاة ( 3 ) .
وانما الخلاف في مشروعيته مع الجمع لما عدا الصلاة الاولى ، فالمنسوب
إلى
المشهور : استحبابه لكل صلوة ، وعن جماعة منه صاحب المدارك ره :
العدم .
واستدل للمشهور : بقوله ( عليه السلام ) : من فاتته فريضة فليقضها
كما
قاتته ( 4 ) . وقد كان في حكم الفائتة استحباب تقديم الاذان والاقامة
فكذلك في القضاء .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب قضاء الصلوات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 8 من أبواب قضاء الصلوات حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 1 من أبواب قضاء الصلوات حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 6 من أبواب قضاء الصلوات حديث 1 مع اختلاف يسير
[ . . . ]
وبموثق عمار قال : سئل ابو عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل اذا
اعاد
الصلاة هل يعيد الاذان والاقامة ؟ قال : نعم ( 1 ) فانه باطلاقه يدل
على استحبابهما
للمعادة سواء كانت اداء او قضاءا ، وحدها او مع غيرها .
وباطلاق ما دل على مشروعيته للفرائض ، وبالاجماع .
وفي الجميع نظر : اما الاجماع : فلما عرفت مرارا من عدم حجية المنقول
منه لا
سيما مع الخلاف خصوصا مع وجود مدرك غيره .
واما اطلاق ما دل على المشروعية : فلعدم كون المطلقات في مقام البيان
حتى
بالنسبة إلى القضاء ، مضافا إلى انه لو سلم الاطلاق لابد من تقييدها
بالنصوص
المتقدمة الدالة على سقوط الاذان عما عدا الاولى .
ودعوى ورودها مورد الرخصة والتخفيف ولا تنافي المشروعية ، مندفعة
بانه لو
كان الاذان واجبا ولو في خصوص الاولى منها كان ما ذكر متينا ، ولكن
بما انه مستحب
مطلقا ولا كلفة فيه في نفسه ، فمن الامر بالصلاة بدونه يستفاد عدم
الاستحباب .
ومما ذكرناه ظهر ما في الاستدلال بقوله ( عليه السلام ) : من فاتته .
. . إلى آخره
فانه على فرض تماميته سندا ودلالة لابد من تقييده بالنصوص المتقدمة .
واما ما اورد عليه بعض اعاظم المحققين ره من ان الظاهر منه ارادة
المماثلة في
الاجزاء والشرائط الداخلة في حقيقة الصلاة لا الخارجة عنها كالاذان
والاقامة ،
فمندفع بان الظاهر منه ارادة المماثلة في كل ما يكون موجبا لصحة
الصلاة ، او كما لها
ومنه الاذان والاقامة .
واما موثق عمار فلعدم ظهوره في المتعدد ، مع انه لا اطلاق له من حيث القضاء
ولاداء كي يتمسك به لوروده في مقام بيان عدم اجزاء الاذان والاقامة
الماتي بهما سابقا
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 8 من أبواب قضاء الصلوات حديث 3
[ . . . ]
عن الاذان والاقامة المشروعين للصلاة المعادة .
فتحصل : ان الاقوى ماذكره صاحب المدارك من عدم مشروعية الاذان لغير
الصلاة الاولى .
والاقوى استحبابها ايضا كما هو المشهور . ويشهد له مضافا إلى الاصل ،
وما
ادعاه في المختلف من الاجماع المركب ، وعدم القول بالفصل ، اذ كل من اختار
استحباب الاذان مطلقا اختار استحبابها ، ومن ذهب إلى وجوبها اختار
وجوب الاذان
في الجملة ، فالتفصيل خرق للاجماع ، وحيث اثبتنا استحباب الاذان ،
فالاقامة تكون
كذلك ما دل من النصوص ( 1 ) على ان من صلى باقامة بلا اذان صلى خلفه
صف واحد
او ملكان او ملك اذ هذه النصوص ظاهرة في ان فائدة الاقامة صيرورة
المصلي اماما
للملائكة ، وانه بتركها تفوت هذه الفائدة العظمى ، فيستفاد منها كون
الصلاة مع
عدمها واجدة لجميع ما يعتبر في صحتها .
وان شئت قلت : انها بالمفهوم تدل على ان من صلى بلا اقامة صلى وحده ،
ولم
يصل احد خلفه ، فتدل على صحة الصلاة بدونها مع اشتمالها على الترغيب
من دون
ترهيب ، فيكون ظاهرا في الاستحباب .
واستدل له بصحيح زرارة - او حسنه - عن ابي جعفر ( عليه السلام ) : عن
رجل نسي الاذان والاقامة حتى دخل في الصلاة . قال ( عليه السلام ) :
فليمض في
صلاته فانما الاذان سنة ( 2 ) بناء على ان المراد من الاذان ما يعم
الاقامة بقرينة السؤال .
............................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب الاذان والاقامة .
( 2 ) الوسائل باب 9 من أبواب الاذان والاقامة حديث 1
[ . . . ]
وفيه : عدم ظهور السنة في المندوب ، لاحتمال كون المراد بها ما ثبت
وجوبه بغير
الكتاب كما اطلقت على القراءة بذلك المعنى ، ودعوى ان ارادة الواجب
من السنة ان
كانت محتملة فهي بالنسبة إلى الاقامة لا الاذان للاجماع على عدم
وجوبه في غير
الفجر والمغرب للمنفرد فلا محيص عن ارادة المندوب بها اذ ارادة
الواجب بالنسبة إلى
الاقامة والمندوب بالسنة إلى الاذان مستلزمة لاستعمال اللفظ في
معنيين وارادة القدر
المشترك بها خلاف المتعارف ، مندفعة بما ذكرناه مرارا من ان الوجوب
والاستحباب
خارجان عن حريم المستعمل فيه ، وانما هما ينتزعان من ترخيص الشارع في
ترك
المامور به وعدمه ، وعليه فالمراد بالسنة ما ثبت مشروعيته بغير
الكتاب ، وهذا المعنى
يلائم مع استحباب الاذان ووجوب الاقامة ، فهذا الخبر بنفسه لا يدل
على عدم وجوب
الاقامة ، اللهم الا ان يقال : ان لازم ذلك حمل التعليل على التعبد
وهو خلاف الظاهر ،
وهذا بخلاف ما لو اريد بها المندوب اي ما ثبت مشروعيته مع الترخيص في
تركه .
وعن الشيخ والحلي : الاستدلال له بخبر ابي بصير : عن رجل نسى ان يقيم
للصلاة حتى انصرف قال ( عليه السلام ) : لا يعيدها ولا يعود لمثلها (
1 ) بدعوى حمل
النسيان على الترك العمدي بقرينة النهي عن العود لمثلها .
وفيه : ان عدم الاعادة لا يلازم عدم الوجوب لامكان ان يكون واجبا
نفسيا .
واستدل للقول بوجوبها بطوائف من النصوص : منها : ما دل على ان
الاقامة
ادنى ما يجزي ، وقد تقدم بعضه .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 28 من أبواب الاذان والاقامة حديث 3
[ . . . ]
وفيه : ان مفاد هذه النصوص عدم الاكتفاء عن المشروع باقل من الاقامة ،
واما كون المشروع واجبا ام مندوبا فهذا التعبير اجنبي عنه .
ودعوى ان عدم اجزاء الصلاة بدون الاقامة في اسقاط التكليف المتعلق
بالصلاة مستلزم لوجوبها ، مندفعة بان مفاد الاخبار ليس عدم الاجتزاء
بالصلاة بدونها ،
وانما مفادها عدم الاجتزاء باقل منها في الخروج عن الامر المتعلق
بالافعال المخصوصة
بل الصلاة
وما قيل من اشعار هذا التعبير بالوجوب ، ضعيف لكثرة استعمال هذه
الكلمة
في المستحبات كم يظهر لمن تتبع في الاخبار .
وقيل : يؤيد ما ذكرناه ، قوله ( عليه السلام ) في خبر سماعة : ورخص
في سائر
الصلوات بالاقامة والاذان افضل حيث انه يدل على ان الاصل الاذان معها
، ومعلوم
ان اصالته انما تكون في تمام الفضل لا في الوجوب فتتبعه الرخصة حينئذ .
ومنها : النصوص ( 1 ) المتضمنة للامر بقطع الصلاة عند نسيان الاقامة
لتداركها ،
ولولا وجوبها لما جاز قطعها المحرم في نفسه لاجل تداركها .
وفيه : انه يمكن ان يكون قطع الصلاة لدرك فضيلة الاقامة جائزا ، كما
يجوز
لفائدة دنيوية ، فجواز قطعها او استحبابه لا يسلتزم وجوبها لئلا
ينافي مع القاعدة
العقلية الحاكمة بعدم جواز ارتكاب الحرام لدرك المستحب .
ودعوى ان الامر بالقطع ظاهر في وجوبه ولو لا وجوبها لما وجب القطع
لتدراكها ، مندفعة بان هذا الامر لوروده موردتوهم المنع لا يكون
ظاهرا في الوجوب .
ومنها : ما تضمن الامر بها كموثق عمار : اذا قمت إلى صلاة فريضة فاذن
واقم
وافصل بين الاذان والاقامة بقعود او كلام او تسبيح ( 2 ) .
...............................................................
( 1 ) الوسائل باب 29 من أبواب الاذان والاقامة .
( 2 ) الوسائل باب 11 من أبواب الاذان والاقامة حديث 4
[ . . . ]
وخبر سماعة : لا تصل الغداة والمغرب الا باذان واقامة ، ورخص في سائر
الصلوات بالاقامة والاذان افضل ( 1 ) . ونحوهما غيرهما .
واجاب بعض الاعاظم ره عن هذه النصوص : بان هذا النوع من الاخبار بعد
صرفها عن ظاهرها في الاذان لا يبقى لها ظهور في الوجوب بالنسبة إلى الاقامة .
وفيه : بما ان الوجوب والندب خارجان عن مدلول الامر بل الامر فيهما
يستعمل في معنى واحد ، فلا مانع من التفكيك بينهما لاجل الترخيص في
ترك الاذان
خاصة .
والحق في الجواب عن هذه النصوص : انها بالنسبة إلى الاقامة ايضا
محمولة
على الاستحباب ، لما عرفت من الدليل على عدم وجوبها ، فيجمع بينهما
بالحمل على
الاستحباب .
ومنها : ما دل على لزوم مراعاة الشرائط المعتبرة في الصلاة حال
الاقامة .
وفيه : ان ذلك اعم من المدعى ، اذ مفاد هذه النصوص اعتبار هذه الامور
في
الاقامة وهو لا ينافي استحبابها .
ومنها : ما دل على انه لا اذان ولا اقامة على النساء كصحيح جميل
المتقدم ( 2 )
المحمول على نفي اللزوم لما دل على مشروعيتها لهن كقول الامام الصادق
( عليه
السلام ) في مرسل الصدوق ( ولكن ان اذنت واقامت فهو افضل ) ( 3 )
فهذه النصوص
تدل بالمفهوم على اللزوم للرجال .
وفيه : مضافا إلى عدم حجية مفهومها لعدم كونه من مفهوم الشرط وكونه
من
مفهوم اللقب : ان غاية ما يستفاد من هذه النصوص اختلاف الرجال مع
النساء في
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب الاذان والاقامة حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 14 من أبواب الاذان والاقامة حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 14 من أبواب الاذان والاقامة حديث 5
] ويتاكدان في الجهرية خصوصا في الغداة والمغرب
[
مرتبة المشروعية وآكديتها للرجال ، وحينئذ فكما يمكن ان يكون ذلك
بوجوبها لهم
واستحبابها لهن كذلك يمكن ان يكون بتاكد استحبابها لهم وعدمه للنساء
، مع انه لو
سلم ظهورها في الوجوب لابد من صرفها عن ظاهرها لما دل على عدم وجوبها .
ومنها : ما دل على ان الاقامة من الصلاة كخبر ابي هارون : قال ابو
عبد الله
) عليه
السلام ) : يا ابا هارون الاقامة من الصلاة فاذا اقمت فلا تتكلم ولا تؤمئ
بيدك ( 1 ) . ونحوه خبر
ابي يونس ، وسليمان بن صالح .
وفيه : مضافاا إلى ضعف سندها ، انها لا تكون في مقام البيان من جهة
الوجوب
كي يتمسك باطلاق التنزيل ، والقدر المتيقن غيره ، كحرمة الكلام
ونحوها مع
معارضتها بما دل على ان افتتاحها التكبير .
ومنها : ما دل على انه لا صلاة الا باقامة كموثق عمار ، قال : سمعت
ابا عبد الله
) عليه
السلام ) : يقول لا بد للمريض ان يؤذن ويقيم اذا اراد الصلاة ولو في نفسه ان
لم يقدر على ان يتكلم ، سئل وان كان شديد الوجع ؟ قال ( عليه السلام
) : لا بد من ان
يؤذن ويقيم لانه لا صلاة الا باذان واقامة ( 2 ) .
وفيه : انه بعد ما ثبت استحباب الاذان ، لابد من حمل النفي على نفي
الكمال
بالاضافة اليه ، فبالاضافة إلى الاقامة ايضا لا محيص عن ذلك لاستلزام
حمله على نفي
الصحة استعماله في اكثر من معنى واحد ، مضافا إلى انه لو سلم ظهور
هذه النصوص
في نفي الصحة بالاضافة اليها لابد من صرف ظهورها لما دل على عدم
وجوبها .
فتحصل مما ذكرناه : استحباب الاذان والاقامة مطلقا ( ويتاكدان )
استحبابا
) في
الجهرية خصوصا في الغداة والمغرب ) بلا خلاف ، بل عن الغنية : دعوى الاجماع
عليه .
……………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 10 من أبواب الاذان والاقامة
حديث 12 .
( 2 ) الوسائل باب 35 من أبواب الاذان والاقامة حديث 2
[ . . . ]
وتشهد له في الاذان في الغداة والمغرب النصوص المتقدمة ، واما في
الاقامة
والاذان في العشاء فلا مستند له سوى الاجماع المنقول .
مسالتان الاولى : يسقط الاذان وحده في موارد : احدها : عصر يوم
الجمعة اذا
جمعت مع الجمعة او الظهر كما هو المشهور ، بل نسب اليهم سقوطه في حال
الجمع
مطلقا ، وقيل بسقوطه في حال الجمع المستحب ، وقوى في الجواهر تخصيص
السقوط
بيوم الجمعة فيما لو جمعت مع الجمعة ، وعن غير واحد : دعوى الاجماع
عليه في هذا
المورد .
وما استدل به لهذا الحكم امور :
الاول : الاجماعات المنقولة : وهي على فرض حجيتها مختصة بعصر يوم
الجمعة
اذا جمعت مع الجمعة .
الثاني : رواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه ( عليه السلام ) :
الاذان
الثالث يوم الجمعة بدعة ( 1 ) بناء على كون المراد منه اذان العصر ،
لانه ثالث الاذانين
للظهر والصبح .
وفيه : ان هذه الرواية مضافا إلى ضعف سندها مجملة تتطرق فيها
احتمالات
منها : ارادة الاذان الثاني ، الذي ابتدعه عثمان او معاوية .
الثالث : ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن اذينة عن رهط منهم الفضيل
وزرارة عن ابي جعفر ( عليه السلام ) : ان رسول الله صلى الله عليه
وآله جمع بين الظهر
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان
حديث 4
[ . . . ]
والعصر باذان واقامتين وجمع بين المغرب والعشاء باذان واقامتين ( 1 ) .
وفيه : مضافا إلى ما ذكره صاحب المدارك ره . من عدم اختصاصه بيوم
الجمعة
وانما يدل على السقوط في موارد الجمع مطلقا : ان مجرد تركه من النبي
صلى الله عليه
وآله لا يدل على سقوطه ، اذ لعله يكون تركه كالجمع بين الصلاتين وترك النافلة
لغرض اهم كالتنبيه على جوازه ونحوه ، ويؤيد ما ذكرناه ان جملة من
الاخبار متضمنة
لحكاية جمعه صلى الله عليه وآله بين الصلاتين من دون تعرض للاذان ،
كخبر عبد الملك
عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : اجمع بين الصلاتين من غير علة ؟
قال ( عليه
السلام ) : قد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله اراد التخفيف عن
امته ( 2 ) . ونحوه
غيره .
ومما ذكرناه يظهر عدم تمامية الاستدلال بصحيحي عبد الله بن سنان
وصفوان ، ،
كما انه يظهر ضعف ما قيل من ان حكاية الامام له تدل عليه بدعوى
ظهورها في وقوع
الاذان الاول للصلاتين اللتين جمع بينهما فيكون نظير اكتفاء جماعة
المامومين باذان
واحد ، من احدهم او الامام ، اذ يمكن ان تكون حكايته ( عليه السلام )
ايضا لذلك
الغرض الاهم .
الرابع : استقرار سيرة النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم
السلام على
تر الاذان في الموارد التي جمعوا فيها بين الصلاتين ، او امروا
بالجمع .
اقول : ان هذا الوجه وان كان متينا الا ان مقتضاه التفصيل بين مورد
الجمع
المستحب وغيره ، والالتزام بالسقوط وعدم المشروعية في الاول دون
الثاني ، اذ في
الاول : لا محمل لاستقرار سيرتهم عليهم السلام على الترك الا عدم
المشروعية .
.....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 32 من أبواب المواقيت حديث 11 .
( 2 ) الوسائل باب 32 من أبواب المواقيت حديث 3
[ . . . ]
ودعوى انه يمكمن ان يكون التزامهم بالترك لاجل ارجحية الصلاة مع ترك
الاذان وهذا لا ينافي كون فعله ايضا راجحا في نفسه نظير التطوع في
وقت الفريضة
حيث ان تركه والشروع في الفريضة ارجح ، ويكون التطوع ايضا مشروعا ،
مندفعة
بانه فرق بين المقامين ، اذ ما ذكر يتم في مثل التطوع الذي يكون
مستحبا في نفسه ،
والادلة الدالة على افضلية المبادرة إلى الصلاة لا توجب تخصيص ما دل على استحبابه
لعدم التنافي بينهما .
واما الاذان فحيث ان المستفاد من ما دل على مشروعيته افضلية الصلاة
معه
عن الصلاة بدونه لا استحبابه في نفسه ، فلو دل دليل في مورد خاص على
ان الصلاة
بدونه افضل كما في المقام ، فلا محالة يقع التنافي بينهما ، وحيث ان
ما دل على افضلية
الصلاة الفاقدة له اخص من ما دل على مشروعيته ، فيخصص به فلا يبقي
دليل
للمشروعية .
وبذلك يظهر تمامية ما ذكره صاحب الجواهر ره من انه في المورد الذي دل
الدليل على سقوط الاذان يكون ذلك بنحو العزيمة لا الرخصة ، اذ لا جهة
للتمسك
باطلاق اوامر الاذان فيه وإلا لا قتضى بقاء ندبه ، فالمرجع اصالة عدم
المشروعية
المقتضية للحرمة .
وما اورده عليه بعض الاكابر : بان ما دل على مشروعيته انما يدل على
البعث
اليه بالمطابقة وعلى وجود المصلحة فيه بالالتزام ، وانتفاء الاول
للسيرة والاجماع لا
يقتضي البناء على عدم المصلحة المصححة للتعبد لعدم التلازم بين
الدلالتين في الحجية ،
فسقوط الاولى عن الحجية لا يدل على سقوط الثانية عنها ، ضعيف لما
ذكرناه مرارا
في هذا الكتاب من انه لا كاشف عن وجود المصلحة سوى الحكم ، ومع فرض
انتفائه
من اين يستكشف وجود المصلحة وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محله .
[ . . . ]
واما في الثاني وهو مورد الجمع المرجوح : فلان جمعهم عليهم السلام في
هذا
المورد لما لم يكن الا لاجل التنبيه على الجواز او لبعض الامور الاخر
المقتضية له من
الاستعجال ونحوه ، فترك الاذان كترك النافلة في هذا المورد لا ينافي
مع مشروعيته
لا مكان ان يكون لاحد تلك الامور .
فتحصل مما ذكرناه : سقوط الاذان في موارد الجمع المستحب للصلاة
الثانية بلا
خصوصية لعصر يوم الجمعة .
ثم ان المراد بالجمع وصل الصلاة الثانية بالاولى على نحو يصدق
ايقاعهما في
زمان واحد كما عن جماعة من المحققين التصريح به لانه المفهوم منه
عرفا .
ويشهد له مضافا إلى ذلك ما دل على حصول التفريق بفعل النافلة كموثق
محمد بن حكيم قال : سمعت ابا الحسن ( عليه السلام ) يقول : الجمع بين
الصلاتين اذا
لم يكن بينهما تطوع فاذا كان بينهما تطوع فلا جمع ( 1 ) .
ولا يخفى ان مفهوم الجملة الاولى ليس ان المراد بالجمع عدم التطوع
ولو مع
الفصل الطويل كما قيل ، بل مفهومها هو الجملة الثانية فلا حظ ، نعم
الاشتغال
بالتعقيب فضلا عن ركعات الاحتياط وسجدتي السهو ونحوهما مما يكون
مرتبطا
بالصلاة لا ينافي الجمع الموجب للاكتفاء باذان الاولى ما لم يكن
موجبا للفصل
الطويل .
الثاني : عصر يوم عرفة بلا خلاف ، بل عن غير واحد : دعوى الاجماع
عليه .
ويشهد له صحيح ابن سنان عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : السنة في
الاذان يوم عرفة ان يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ثم يقوم فيقيم للعصر
بغير اذان ،
...................................................................
( 1 ) الوسائل باب 33 من أبواب المواقيت حديث 3
[ . . . ]
وكذلك المغرب والعشاء بالمزدلفة ( 1 ).
واختصاص الصحيح بصورة الجمع بين الصلاتين لا ينكر ، الا ان اختصاصه
بعرفة غير ظاهر ، وذكره في سياق المزدلفة لا يصلح للقرينية كي يكون المطلق من قبيل
المقرون بما يصلح للقرينية ، فيسقط اطلاقه كما قيل .
ثم ان ظاهر الصحيح كون سقوط الاذان فيها بنحو العزيمة لان قوله (
عليه
السلام ) : السنة في الاذان . . . إلى آخره الدال على افضلية الصلاة
بغير اذان من الصلاة
معه يوجب تخصيص عمومات المشروعية .
الثالث : عشاء المزدلفة بلا خلاف فيه . ويشهد له صحيح ابن سنان
المتقدم
ونحوه غيره .
الرابع : العصر والعشاء للمسلوس الذي يجمعهما مع الظهر والمغرب .
ويشهد له صحيح حريز عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : اذا كان
الرجل
يقطر منه البول والدم اذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثم
علقه عليه
وادخل ذكره فيه ثم صلى يجمع بين صلوتين الظهر والعصر يؤخر الظهر
ويعجل العصر
باذان واقامتين ويؤخر المغرب ويعجل العشاء باذان واقامتين ( 2 ).
الخامس : العصر والعشاء للمستحاضة التي تجمعهما مع الظهر والمغرب .
وتشهد له : النصوص الدالة على انها تجمع بين الظهرين بغسل ، وبين
العشائين
بغسل ، بضميمة الكلية التي اثبتناها وهي سقوط الاذان مع الجمع الراجح
. ولعل هذا
هو مراد صاحب الجواهر ره حيث قال : ورد السقوط في المستحاضة في
النصوص ، فلا
يرد عليه ما اورده من تاخر عنه من انا لم نقف عليها .
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 36 من أبواب الاذان والاقامة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 19 من أبواب نواقض الوضوء حديث 1
[ . . . ]
المسالة الثانية : يسقط الاذان والاقامة في موارد :
احدها : الداخل في الجماعة وان لم يكن حاضرا حينما اذنوا للصلاة
واقاموا بلا
خلاف .
وتشهد له مضافا إلى السيرة جملة من النصوص : كخبر معاوية بن شريح عن
الامام الصادق ( عليه السلام ) : ومن ادرك الامام وهو في الركعة
الاخيرة فقد ادرك
فضل الجماعة ، ومن ادركه وقد رفع راسه من السجدة الاخيرة وهو في التشهد فقد ادرك
الجماعة وليس عليه اذان واقامة ، ومن ادركه وقد سلم فعليه الاذان
والاقامة ( 1 ) . ونحوه
غيره ، وظهوره في عدم الامر بهما لا ينكر فتخصص به عمومات المشروعية
، فيكون
السقوط على وجه العزيمة لا الرخصة .
الثاني : السامع اذان غيره واقامته بلا خلاف فيه ، ويشهد له خبر ابي
مريم :
صلى بنا ابوجعفر ( عليه السلام ) في قميص بلا ازار ولا رداء ولا اذان
ولا اقامة فلما
انصرف قلت له : عافاك الله صليت بنا بلا قيمص ولا ازار ولا رداء ولا
اذان ولا اقامة ؟
فقال ( عليه السلام ) : ان قميصي
كثيف فهو يجزي ان لا يكون على ازار ولا رداء ،
واني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم اتكلم فاجزاني ذلك ( 2 ) .
وخبر ابن خالد عن ابي جعفر ( عليه السلام ) : كنا معه فسمع اقامة جار
له
بالصلاة فقال ( عليه السلام ) : قوموا فقمنا فصلينا معه بغير اذان
واقامة ، وقال ( عليه
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 65 من أبواب صلاة الجماعة حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 30 من أبواب الاذان والاقامة حديث 2
[ . . . ]
السلام ) : يجزءكم اذان جاركم ( 1 ) . ونحوهما غيرهما .
والظاهر كما عن الشيخ في المبسوط ، وصاحب المستند : كون السقوط بنحو
العزيمة لا الرخصة : اذ الظاهر من النصوص المتضمنة للتعبير بالاجزاء
كون سماع
اذان الغير اقامته بمنزلة الاذان والاقامة ، وموجبا لسقوط امرهما ،
وعليه فلا يكونان
مشروعين بعد السماع .
ثم ان النصوص وان كان موردها الجامع الا انه يثبت الحكم للمنفرد
بالاولوية ،
ولو لم يسمع تمام الفصول يجوز له ان يتم ما نقصه المؤذن ويكتفي به
لصحيح عبد الله
ابن سنان عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : اذا اذن مؤذن فنقص
الاذان وانت
تريدان تصلي باذانه فاتم ما نقص هو من اذانه ( 2 ) .
الثالث : اذا صلى الامام جماعة ثم جاء آخرون ما لم تتفرق صفوفهم بلا
خلاف
فيه في الجملة : ويشهد له جملة من النصوص : كخبر ابي علي : كنا جلوسا
عند ابي عبد
الله ( عليه السلام ) فاتاه رجل فقال : جعلت فداك صلينا في المسجد
الفجر وانصرف
بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فاذن فمنعناه
ودفعناه عن
ذلك فقال ابو عبد الله ( عليه السلام ) : احسنت ادفعه عن ذلك وامنعه
اشد المنع ، فقلت :
فان دخلوا فارادوا ان يصلوا فيه جماعة ؟ قال ( عليه السلام ) :
يقومون في ناحية المسجد
ولا يبدو لهم ولا يبدر بهم امام ( 3 ) .
وموثق ابي بصير عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قلت له : الرجل
يدخل
المسجد وقد صلى القوم ايؤذن ويقيم ؟ قال ( عليه السلام ) : ان كان
دخل ولم يتفرق
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 30 من أبواب الاذان والاقامة حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 30 من أبواب الاذان والاقامة حديث 21 .
( 3 ) الوسائل باب 65 من أبواب صلاة الجماعة حديث 2
[ . . . ]
الصف صلى باذانهم واقامتهم ، وان كان تفرق الصف اذن واقام ( 1 ).
وخبره الاخر : سالته عن الرجل ينتهى إلى الامام حين يسلم ، فقال (
عليه
السلام ) : ليس عليه ان يعيد الاذان فيدخل معهم في اذانهم فان وجدهم
قد تفرقوا
اعاد الاذان ( 2 ) .
وخبر السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي ( عليه السلام ) انه كان يقول :
اذا دخل رجل المسجد وقد صلى اهله فلا يؤذنن ولا يقيمن ( 3 ) .
وخبر عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال : دخل
رجلان المسجد وقد صلى علي ( عليه السلام ) بالناس فقال ( عليه السلام
) لهما : ان شئتما
فليؤم احد كما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم ( 4 ) .
وعن كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) : اذا ادركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت الامام مكانه
واهل المسجد
قبل ان يتفرقوا اجزاك اذانهم واقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك ، واذا
وافيتهم وقد
انصرفوا من صلاتهم وهم جلوس اجزأك اقامة بغير اذان وان وجدتهم قد
تفرقوا وخرج
بعضهم من المسجد فاذن واقم لنفسك ( 5 ) .
والمناقشة في حجية هذه النصوص بضعف سندها ، في غير محلها ، اذ مضافا
إلى
عمل الاصحاب بها الموجب لجبر ضعف سندها موثق ابي بصير ، وخبر ابي علي ،
معتبران ، ودعوى اشتراك ابي بصير بين الثقة والضعيف ، مندفعة بما حقق
في محله من
............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 25 من أبواب الاذان والاقامة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 25 من أبواب الاذان والاقامة حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 25 من أبواب الاذان والاقامة حديث 4 .
( 4 ) الوسائل باب 25 من أبواب الاذان والاقامة حديث 3 .
( 5 ) المستدرك باب 22 من أبواب الاذان والاقامة حديث 1
[ . . . ]
انه مشترك بين ليث المرادي ، ويحيى ، وكل منهما ثقة ، كما ان جهالة
ابي علي غير مضرة ،
اذ ابن ابي عمير الراوي عنه ، من اصحاب الاجماع ، ولا يروي الا عن
ثقة .
وبازاء هذه النصوص خبر معاوية بن شريح المتقدم في المورد الاول ،
وموثق
عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : انه سئل عن الرجل ادرك
الامام حين سلم
قال ( عليه السلام ) : عليه ان يؤذن ويقيم ويفتتح الصلاة ( 1 ) . وعن
بعض : حمل الخبرين
على صورة التفرق جمعا بينهما وبين الاخبار المتقدمة ، وهو بعيد غايته
، اذ كيف يمكن
حمل قوله ( ادرك الامام حين سلم ) على ما بعد التفرق .
وقد جمع بعض المحققين ره بين الطائفتين بحمل النصوص المتقدمة على
الكراهة بالمعنى الذي لا ينافي استحبابهما وهو المرجوحية بالاضافة
إلى الصلاة بدونهما
لصراحة الخبرين في المشروعية .
وفيه : مضافا إلى ما عرفت من ان الكراهة بهذا المعنى في الاذان والاقامة
تستلزم عدم مشروعيتهما وليسا كالتطوع كي يمكن الالتزام بهذا المعنى
فيهما مع بقاء
مشروعيتهما : ان ميار كون الجمع عرفيا فرض المتنافيين في كلام واحد
صادر من
شخص واحد ، فان كان احدهما قرينة على الاخر والعرف لم يروا تهافتا في
الكلام
فهو الجمع العرفي والا فلا ، وفي المقام اذا جمعنا قوله ( عليه
السلام ) في خبر ابي علي
( امنعه
اشد المنع ) مع قوله ( عليه السلام ) في موثق عمار ( عليه ان يؤذن ويقيم ) لا شبهة
في ان العرف يرون تهافتا بينهما .
فالصحيح : هو الالتزام بعد امكان الجمع العرفي والتعارض بينهما ، فلا بدمن
الرجوع إلى مرجحات باب المعارضة ، والظاهر كون الترجيح مع النصوص
الاول
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 25 من أبواب الاذان والاقامة حديث 5
[ . . . ]
لا شهرية مضمونها بين الفقهاء واكثريتها .
هذا كله من حيث السند ، واما من حيث المدلول فملخص القول فيه يقع في
مواضع .
الاول : انه قد يتوهم التعارض بين مدلول النصوص المتقدمة ، اذ سقوط
الاذان
والاقامة في خبري ابي بصير علق على عدم التفرق المتوقف صدقه على بقاء
الجميع ،
وفي خبر ابي على علق على بقاء بعض من المامومين ، ولكنه توهم فاسد ،
اذ لو سلم
ظهور التفرق فيهما في تفرق الهيئة الاجتماعية الحاصل بذهاب البعض ولو
كان
واحدا ، لابد من حملها على ارادة تفرق الجميع الحاصل بافتراق كل واحد
من المصلين
عن الاخبر لخبر أبي علي الصريح في بقاء السقوط بذهاب البعض ، مع ان
للمنع عن
ظهور التفرق فيه مجالا واسعا ، اذ التفرق لاستناده إلى المصلين والى
الصف الذي اريد
منه المصطفين ظاهر في المعنى الثاني فلاحظ .
فتحصل مما ذكرناه : ان المستفاد من النصوص سقوط الاذان والاقامة ما
لم
يتفرق الجميع ، ولو مع ذهاب الجميع الا الاثنين المشتغلين بامر مرتبط
بالصلاه .
الثاني : الظاهر كون السقوط على وجه العزيمة لا الرخصة كما قواه في
الجواهر
لقوله ( عليه السلام ) في خبر ابي علي : ادفعه عن ذلك وامنعه اشد
المنع . ومقتضى خبر
معاوية وموثق عمار ، وان كان عدم كون السقوط بنحو العزيمة ، الا انه
قد عرفت انه
لابد من طرحهما او حملهما على ما لا ينافي النصوص الاخر .
الثالث : الظاهر عدم اختصاص الحكم بالمسجد ، اذ مورد اغلب النصوص وان
كان المسجد الا ان خبر ابي بصير مطلق ، وليس في النصوص الاخر ما يوجب
تقييده ،
وغلبة انعقاد الجماعة في المسجد لا توجب انصراف اطلاقه ، فما عن
الذكرى والمدارك
وغيرهما ، من الاختصاص ، غير تام .
الرابع : نسب إلى ظاهر المشهور : اختصاص السقوط بالجامع ، وعن بعض :
] وصورة الاذان الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله اكبر ،
اشهد أن لا اله إلا الله ،
اشهد أن لا اله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد
أن محمد رسول الله ،
حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على
الفلاح ، حي
على خير العمل ، حي على خير العمل ، الله اكبر ، الله اكبر
لا اله إلا الله ، لا
اله إلا الله [
احتمال اختصاصه بالمنفرد ، ولكن الاقوى وفاقا لجماعة من الاعاظم
سقوطهما من
الجامع والمنفرد ، اما في الاول : فلروايتي زيد وابي علي ، واما في
الثاني : فلغيرهما من
النصوص . ولا وجه لتخصيص الحكم في المنفرد بمن اراد الايتمام لاطلاق
النصوص .
ودعوى تنزيل الاطلاق على المتعارف في ذلك الزمان من الايتمام عند
ادراك
الجماعة ، مندفعة بانه لم يثبت لنا كون المتعارف في ذلك الزمان ان كل
من دخل المسجد
كان مريدا للجماعة ، مع ان الغلبة لا توجب الانصراف .
ثم ان هنا فروعا اخر كشمول الحكم لصورة تعدد المكان ، وصورة ادراك
جماعة
القضاء وغيرهما ، ولاجل وضوح حكمها مما ذكرناه اغمضنا عن ذكرها .
الموضع الثاني : في كيفية الاذان والاقامة : المشهور بين الاصحاب (
ان صورة
الاذان : الله اكبر الله اكبر ، الله اكبر الله اكبر ، اشهد ان لا
اله الا الله ، اشهد ان لا
اله الا الله ، اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله ،
حي على الصلاة
حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، حي على خير العمل حي
على
خير العمل ، الله اكبر ، الله اكبر ، لا اله الا الله ، لا اله الا
الله ) بل اجماعا ، او عليه
عمل الاصحاب ، او نحو ذلك مما حكى في المقام .
ويشهد له خبر أبي بكر الحضرمي وكليب الاسدي جميعا عن الامام الصادق
] والاقامة
مثله الا التكبير فانه يسقط منه مرتان في اوله والتهليل
يسقط مرة واحدة في آخره ويزيد قد قامت الصلاة مرتين بعد حي
على خير[
) عليه السلام ) : انه حكي
لهما الاذان فقال : الله اكبر . . . ( 1 ) . إلى آخر ما ذكر في المتن ،
ونحوه خبر المعلى بن خنيس ( 2 ).
وصحيح زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : يا زرارة تفتتح
الاذان باربع
تكبيرات ، وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين ( 3 ) وقريب منها غيرها .
ولكن تعارضها جملة من النصوص : كصحيح ابن سنان : سالت ابا عبد الله
) عليه
السلام ) عن الاذان فقال ( عليه السلام ) : تقول : الله اكبر ، الله اكبر - إلى
آخر
ما ذكر في الاخبار المتقدمة ( 4 ) .
وصحيح صفوان : سمت ابا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : الاذان مثنى
مثنى ،
والاقامة مثنى مثنى ( 5 ) ونحوهما غيرهما .
ولولا اعراض الاصحاب عن هذه النصوص وعدم عملهم بها لكان مقتضى
الجمع بين الطائفتين الالتزام بان الاقل يكون مجزيا ، والاولى
والافضل الاتيان
بالاكثر ، لكنه لاجل الاعراض لابد من طرحها .
ومنه يظهر ان القول بكفاية التهليل في آخره مرة واحدة لا يعتني به ،
وان دل
عليه خبر البزنطي هذا في الاذان .
)و )
اما ( الاقامة ) فهي : ( مثله الا التكبير فانه يسقط منه مرتان في اوله
والتهليل يسقط منه مرة في اخره ويزيد قد قامت الصلاة مرتين بعد حي
على خير
……………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 19 من أبواب الاذان والاقامة
حديث 9 .
( 2 ) الوسائل باب 19 من أبواب الاذان والاقامة حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 19 من أبواب الاذان والاقامة حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 19 من أبواب الاذان والاقامة حديث 5 .
( 5 ) الوسائل باب 19 من أبواب الاذان والاقامة حديث 4
] العمل
فجميع فصولهما خمسة وثلاثون فصلا ]
العمل ) وقبل التكبير عندنا كما في التذكرة .
ويشهد له مضافا إلى معروفية كونها كذلك لدى الشيعة ، المعتضدة
بالاجماعات
المنقولة : خبر اسماعيل الجعفي المروي عن الكافي قال : سمعت ابا جعفر
( عليه
السلام ) يقول : الاذان والاقامة خمسة وثلاثون حرفا فعد ذلك بيده
واحدا واحدا ، والاذان
ثمانية عشر حرفا والاقامة سبعة عشر حرفا ( 1 ) . وهذا لا ينطبق الا
على ما عرفت من
كون التهليل في آخر الاقامة مرة والتكبير في اولها مرتين ، وزيادة قد
قامت الصلاة .
والنصوص الاخر الواردة في المقام غير منطبقة على ما ذكر ، ففي صحيح
صفوان : الاقامة مثنى مثنى ( 2 ) وفي صحيح معاوية : الاقامة واحدة
واحدة ( 3 ) وفي صحيح
زرارة والفضيل : الاقامة كالاذان الا في زيادة قد قامت الصلاة بعد
بيان كون التهليل
في آخره مرتين ( 4 ) .
ولكن لا عراض الاصحاب عنها يتعين طرحها .
فتحصل مما ذكرناه : ان ( جميع فصولهما خمسة وثلاثون فصلا).
ثم انه يجوز للمسافر والمستعجل الاقتصار فيهما على كل فصل مرة كما عن
غير واحد من الاصحاب التصريح به .
وتشهد له جملة من النصوص : كصحيح ابي عبيدة قال : رايت ابا جعفر ( عليه
السلام ) يكبر واحدة واحدة في الاذان ، فقلت له : لم تكبر واحدة
واحدة ؟ فقال : لا باس
اذا كنت مستعجلا ( 5 ) .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 19 من أبواب الاذان والاقامة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 19 من أبواب الاذان والاقامة حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 21 من أبواب الاذان والاقامة حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 19 من أبواب الاذان والاقامة حديث 8 .
( 5 ) الوسائل باب 21 من أبواب الاذان والاقامة حديث 4
[ . . . ]
وخبر يزيد بن معاوية عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : الاذان يقصر
في السفر
كما تقصر الصلاة ، الاذان واحدا واحدا والاقامة واحدة واحدة ( 1 ) .
وخبر نعمان الرازى : سمعت ابا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : يجزيك
من
الاقامة طاق طاق في السفر ( 2 ).
فائدة : لا خلاف ولا اشكال في ان الشهادة لعلي ( عليه السلام ) بامرة
المؤمنين
والولاية ليست من اجزائهما ، وعن المجلسي ره في البحار : لا يبعد كون
الشهادة
بالولاية من الاجزاء المستحبة للاذان لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد
وغيرهم بورود
الاخبار به .
وفيه : ان كل من شهد بورود الخبر به شهد بانه لا يعمل ، به ، وانه
موضوع او
ضعيف ، فعن الشيخ في النهاية . فاما ما روي في شواذ الاخبار من قول (
ان عليا ولي
الله وآل محمد خير البرية ) فما لا يعمل عليه في الاذان والاقامة ،
فمن عمل به كان
مخطئا ، ونحوه كلام غيره ، وظاهر كلماتهم نفي المشروعية .
ودعوى ان هذا المقدار لا يمنع من الالتزام بكونها من الاجزاء
المستحبة لهما
لانه لا يوجب العلم بالكذب ، ومع احتمال الصدق مقتضى قاعدة التسامح
كونها جزء
منهما . مندفعة بانه وان لم يوجب العلم الوجداني الا انه علم تعبدي ،
ومعه لا مجال
لجريان قاعدة التسامح . ومن ذلك يظهر وجه ما في الجواهر بعد نقل كلام
المجلسي
ره انه كما ترى ، نعم يستحب الشهادة له ( عليه السلام ) بالولاية وامرة المؤمنين بعد
الشهادتين لا بقصد الجزئية بل قاصدا بها امتثال ما دل على استحبابها
بعدهما مطلقا
كخبر القاسم بن معاوية عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : اذا قال
احدكم لا اله
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب الاذان والاقامة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 21 من أبواب الاذان والاقامة حديث 5