وينبغي التنبيه على امور :
الاول : لاكلام في جواز الاشتغال بالتسبيح والتحميد
والصلاة على النبي وآله
) ص ) عند ترك القراءة في الاولتين من الاخفاتية ، لشهادة
جملة من النصوص به ، ففي
خبر علي بن جعفر عن اخيه ( ع ) عن رجل صلى خلف امام
يقتدي به في الظهر
والعصر يقرأ ، قال ( ع ) : لا ولكن يسبح ويحمد ربه ويصلي
على نبيه ( ص ) ( 3 ) .
وفي صحيح بكر بن محمد : إني اكره للمؤمن ان يصلي خلف
الإمام صلاة لا
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 51 و 42 من ابواب القراءة في الصلاة .
( 2 ) الوسائل باب 32 من ابواب صلاة الجماعة حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 32 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3
[ . . . . . . . . . . ]
يجهر فيها بالقراءة فيقوم كانه جماد ، قلت : جعلت فداك
فيصنع ماذا ؟ قال ( ع ) :
يسبح ( 1 ) .
واما في الاوليين من الجهرية فلا كلام ايضا في الجوار مع
عدم سماع القراءة
للعمومات وعدم مانع عن شمولها .
واما مع السماع فقد اختلفت النصوص فيه .
فمنها : ماظاهره لزوم الانصات للقراءة كصحيح زرارة :
وانصت لقراءته ( 2 ) .
ومنها : ما دل على جواز الاشتغال بالدعاء كصحيح ابي
المعزاء ، كنت عند ابي
عبد الله ( ع ) فساله حفص الكلبي ، فقال : اني اكون خلف
الامام وهو يجهر بالقراءة
فادعو واتعوذ ، قال ( ع ) : نعم فادع ( 3 ) .
ومنها : ماتضمن الجمع بينهما كحسن زرارة او صحيحه :
فانصت وسبح في
نفسك ( 4 ) .
والجمع بين النصوص يقتضي تخصيص الاول بصورة السماع ، اذ
لامعنى
لوجوب الانصات مع عدم السماع ، والثاني على صورة عدم
السماع لاخصية الاول
عنه ، والثالث على ارادة حديث النفس من التسبيح في النفس
كما هو ظاهر لا الذكر
الخفي ، والاجماع على عدم لزوم الانصات لاينافي ماذكرناه
، فتدبر .
الثاني : المراد من السماع المعلق عليه الحكم في هذه
النصوص هو : السماع
الفعلي في مقابل عدمه كذلك من غير فرق بين استناده الى
بعد الماموم عن الامام او
كونه اصم او غير ذلك من موانع السماع لان الظاهر من كل
عنوان ماخوذ في الدليل
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 32 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 31 من ابوب صلاة الجماعة حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 31 من ابواب صلاة الجماعة حديث 6
[ . . . . . . . . . ]
دخل فعليته في الحكم ، وحمله على إرادة الشاني منه يحتاج
الى قرينة مفقودة في المقام .
الثالث : اذا سمع بعض قراءة الامام ولم يسمع بعضها ،
ففيه وجوه واقوال :
( 1 ) جواز القراءة مطلقا .
( 2 ) عدم جوازه كذلك .
( 3 ) التفصيل بين المقدار الذي يسمعه فلا يجوز ، والمقدار
الذي لم يسمعه
فيجوز .
واستدل للاول بانصراف النصوص الى سماع الكل ، فلو لم
يسمع الجميع لا
يسقط شئ منها .
واستدل للثاني بان جواز القراءة علق على عدم السماع ،
ومقتضى اطلاقه عدم
سماع شئ منها ، فمع سماع البعض لم يتحقق الموضوع فلا
يجوز القراءة .
واستدل للثالث بان السماع مطلق ويكون القراءة مقيدة بما
سمع .
والاوجه هو الثاني ، فانه علق عدم الجواز في بعض النصوص
على عدم السماع
ولو الهمهمة ، فان سماع الهمهمة غالبا يكون بسماع البعض
فتامل ، والاحتياط سبيل
النجاة .
الرابع : لو شك في سماع القراءة ، او كون المسموع صوت
الامام او غيره لا
يبعد القول بجواز القراءة من جهة استصحاب عدم السماع .
وكون المتيقن عدم السماع لعدم القراءة ، والمشكوك فيه
عدم السماع مع فرض
القراءة لايوجب تعدد المشكوك فيه والمتيقن ، كي لايجري
الاستصحاب ، لما حقق في
محله من جريان الاصل في العدم الازلي .
ودعوى : ان السماع في الفرض الثاني معلوم ، وانما الشك
في تعلقه بصوت
الامام فلا يجري فيه الاصل مندفعة بان الاصل يجري في
تعلقه بصوت الامام على
المختار من جريان الاصل في العدم الازلي ، مع ان استصحاب
عدم تحقق المقيد اي
[ . . . . . . . . . . ]
عدم سماع صوت الامام يجري ، ولا يعارضه اصالة عدم سماع
صوت غيره ، لعدم
جريانها في نفسها لعدم الاثر ، فالاظهر جواز القراءة
حينئذ .
الخامس : لايجب على الماموم الطمانينة حال قراءة الامام
، وذلك لوجهين :
الاول : ظهور مادل على ضمان الامام للقراءة في ضمانه لها
بما يتبعها من
الشرائط التي منها الطمانينة حالها .
الثاني : ان دليل الطمانينة مختص بقراءة نفسه فهو في
نفسه لايشمل حال
قراءة الامام .
فهل يجب عليه القيام من اول قيام الامام ، ام يجب عليه ذلك ولو بان يلحقه
في آخر قيامه ، ام لا يجب عليه اصلا ؟ وجوه .
وجه الاول : لزوم متابعته فانه عليه يجب تحقيقا لها ان
يقوم مع الامام من حين
قيامه ، ومادل على انه لو ادرك الامام في آخر القراءة
فقد ادرك ماقبله ، مختص باول
الشروع في الجماعة ، او مع المعذورية في ترك المتابعة .
ووجه الثاني : انه وان كان لاتجب المتابعة ، الا انه بما
ان القيام ولو مسماه بنفسه
شرط للصلاة ولا دليل على ضمان الامام لغير القراءة فلا
بد من الاتيان به .
ووجه الثالث : كون القيام من شرائط القراءة لا الصلاة
فالامام ضامن له بتبع
ضمانه للقراءة .
السادس : في حكم القراءة خلف من لايعتد بقراءته
كالمخالفين .
اقول : قد ورد في كثير من الاخبار ( 1 ) الحث على الصلاة
مع المخالف ، وفي
.............................................................
( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب صلاة الجماعة
[ . . . . . . . . . ]
بعضها : من صلى معهم في الصف الاول كان كمن صلى خلف رسول
الله ( ص ) في
الصف الاول . وفي آخر : ان المصلي معهم في الصف الاول
كالشاهر سيفه في سبيل
الله ، فلا اشكال في مطلوبيتها .
انما الكلام في حكم القراءة حينئذ والمشهور بين الاصحاب ، انه تجب القراءة
التامة عند الامكان ، ومع عدم التمكن يكتفي منها بحديث
النفس ، ومع عدم التمكن
اصلا تسقط القراءة ، وان تمكن من اتيان بعضها اتي بها
خاصة وتسقط البقية .
وهذا هو المستفاد من النصوص كصحيح الحلبي عن الصادق ( ع
) : اذا صليت
خلف امام لايقتدي به فاقرا خلفه سمعت قرائته او لم تسمع
( 1 ) . وهذا يدل على وجوب
القراءة مع الامكان .
وصحيح علي بن يقطين عن ابي الحسن ( ع ) عن الرجل يصلي
خلف من لا
يقتدي به بصلاته والامام يجهر بالقراءة ، قال ( ع ) :
اقرأ لنفسك وان لم تسمع نفسك
فلا باس ( 2 ) وهذا يدل على انه مع عدم امكان القراءة
بشرائطها ياتي بها فاقدة لها ، اذ
المراد بالسماع بالنفس مايتحقق به مصداق القراءة وان لم
يسمع باذنيه ، والمفروض
فيه كون الصلاة جهرية .
وصحيح ابي بصير قال : قلت لابي جعفر ( ع ) : من لااقتدي
به في الصلاة
قال : افرغ قبل ان يفرغ فانك في حصار ، فان فرغ قبلك
فاقطع القراءة واركع معه ( 3 ) .
وهذا يدل على الاكتفاء ببعض القراءة مع عدم امكان
الاتيان بالتامة .
وخبر احمد بن عائذ ، قال ، قلت لابي الحسن ( ع ) : اني
ادخل مع هؤلاء في صلاة
المغرب فيعجلوني الى مااؤذن واقيم فلا اقرا شيئا حتى اذا
ركعوا واركع معهم أيجزيني
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 33 من ابواب صلاة الجماعة حديث 9 .
( 2 ) الوسائل باب 33 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 34 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1
] ولايتقدمه في الافعال . [
ذلك ؟ قال : نعم ( 1 ) . وهذا يدل على سقوط القراءة مع
عدم الامكان راسا وقريب منها
غيرها .
فما يظهر منه سقوط القراءة خلفه محمول على صورة عدم
التمكن .
ثم ان الظاهر من هذه النصوص - من جهة ظهورها في ان
مايؤتي به خلف
المخالف هي الصلاة التي وظيفته ، لاسيما بعد بيان وظيفة
الماموم في القراءة - الاجتزاء
بالمأتي به وعدم وجوب الاعادة او القضاء ،
لايجوز تقدم الماموم في الافعال
المورد الثاني : لاإشكال ولا خلاف في وجوب متابعة
الماموم للامام في الجملة
) و ) تنقيح البحث في ذلك بالتكلم في مقامين الاول : في
المتابعة في الافعال . الثاني : في
الاقوال .
اما المقام الاول ، فلا خلاف في انه لا يجوز ان يتقدمه
في الافعال ونقل
الاجماع عليه مستفيض .
ويشهد له : - مضافا الى الاجماع - النبويان المشهوران :
احدهما : انما جعل
الامام اماما ليؤتم به فاذا ركع فاركعوا واذا سجد
فاسجدوا ( 2 ) .
ثانيهما : اما يخشى الذي يرفع راسه والامام ساجد ان يحول
الله راسه راس
الحمار ( 3 ) . فان الظاهر منهما لاسيما الاول ان ذكر
الركوع والسجود من باب المثال كما
هو واضح .
.............................................................................
( 1 ) المستدرك باب 30 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2 .
( 2 ) المستدرك باب 39 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 3 ) لم أعثر عليه في كتب الحديث
[ . . . . . . . ]
ونوقش فيهما : بانهما ضعيفان سندا وبان الظاهر من الاول
بقرينة السياق
النهي عن التأخر الفاحش دون عدم التقدم ، وبأن المحتمل
من الثاني إرادة الكراهة .
ولكن يدفع الأول اعتماد الاصحاب عليهما وتلقيهم اياهما
سيما الاول بالقبول .
ويدفع الثاني ان تفريع قوله : فاذا ركع . الى آخره ، على
قوله : انما جعل الامام
إماما ليؤتم به يوجب ظهوره في اعتبار عدم كل ماينافي
الائتمام والقدوة في صحة
الجماعة ومنه التقدم .
ويمكن ان يستدل له أيضا : بما دل على وجوب الانتظار لو
فرغ الماموم عن
القراءة قبل الامام ( 1 ) ، وبما دل على العود الى
الركوع أو السجود لو رفع الماموم رأسه
قبل الامام ( 2 ) اذ لو لم يكن عدم التقدم مامورا به لما
امر بذلك فهذا في الجملة مما لا
اشكال فيه ، انما الكلام في هذا المقام في مواضع :
الاول : في أنه هل المتابعة الواجبة هي عدم التقدم
المجامع للمقارنة او هي
خصوص التأخر ؟ .
الثاني : في انه هل تجب المتابعة في كل فعل من أفعال
الصلاة على سبيل
الاستغراق ، أو في معظم افعالها .
الثالث : هل يجوز التاخر الفاحش ام لا ؟ .
الرابع : في ان وجوب المتابعة شرطي او نفسي ، وعلى اي
تقدير ماذا يترتب على
تركها .
الخامس : في انه لو تقدم في فعل سهوا فماذا وظيفته ؟ .
اما الموضع الاول ، فالمشهور بين الاصحاب ان المتابعة
اللازمة هي عدم التقدم ،
وأنه يجوز المقارنة في الأفعال ، بل
عن الفخر وغيره دعوى الإجماع عليه .
.............................................................
( 1 ) الوسائل باب 35 من أبواب صلاة الجماعة .
( 2 ) الوسائل باب 48 من أبواب صلاة الجماعة
[ . . . . . . . . ]
وعن إرشاد الجعفرية لزوم التاخر ، ومال اليه صاحب
الحدائق رحمه الله .
واستدل لجواز المقارنة بوجهين :
الاول : ان الظاهر من صدر النبوي الاول ان الغرض
الائتمام ، وهو يتحقق
عرفا باتيان الفعل مقارنا للامام بقصد المتابعة ،
والقضايا المذكورة بعده تفريعا عليه
لاظهور لها من جهة التفريع في اعتبار التاخر .
وبالجملة الظاهر من النبوي ان الامر بالركوع والسجود اذا ركع الامام او
سجد انما يكون من جهة مطلوبية الائتمام الذي هو الغاية
من جعل الامامة المتحقق
مع المقارنة فمقتضى اطلاق الغاية جواز المقارنة .
واورد عليه المحقق اليزدي بان هذا يتم لو كان النبوي
مسوقا لبيان مطلوبية
الائتمام فيكون التفريعات المذكورة في الخبر من قبيل
بيان صغريات الائتمام ، وليس
كذلك كيف وان الائتمام غير واجب قطعا ، والمتابعة واجبة
كما ذكره الاصحاب ، فلا
محالة يكو الصدر في مقام بيان ان الائتمام غرض للشارع ،
ويكون الذيل في مقام
بيان شئ آخر وهو ان من اراد تحصيل هذا الغرض يجب عليه
ان ياتي بالافعال
بالنحو المذكور في الذيل ، وحيث ان الذيل ظاهر في نفسه
في التاخر فيدل النبوي
على اعتباره .
وفيه اولا : ان الصدر لايتضمن الامر بالجماعة ، كي يقال
: انه استحبابي ، انما
يتضمن الامر بالائتمام بمعنى المتابعة للامام بعد فرض
ارادة الجماعة ، والائتمام بهذا
المعنى واجب ، وما في ذيله تفريع عليه وحيث ان ظهور
العلة والاصل مقدم على ظهور
المعلول والفرع فلا يبقى للذيل ظهور في لزوم التاخر بعد
ظهور الصدر في جواز
المقارنة ، فالمتبع ظهور الصدر .
وثانيا : ان الذيل ايضا لاظهور له في اعتبار التاخر ، اذ
لامنشا لهذه الدعوى
سوى ماذكره المحقق المذكور وهو ان الامر بالركوع والسجود
انما رتب على تحقق
[ . . . . . . . . . ]
هذين الفعلين من الامام كما يستفاد من اتيان الشرط بصيغة
الماضي وظهوره في لزوم
اتيانهما بعد تحققهما من الامام مما لاينكر .
وهو غير صحيح ، فان هيئة فعل الماضي لم توضع للنسبة
التحققية في الزمان
الماضي ، وانما وضعت للنسبة المذكورة مجردة عن الزمان
الماضي .
نعم صدق الاخبار معه يتوقف على وقوع المخبر به في الزمان
الماضي ، فالدلالة
على الزمان الماضي انما هي في الاخبار لا في الانشاء ، ولذا
يكون الجزاء والشرط في
القضايا الشرعية - مثل : اذا زالت الشمس وجب الطهور
والصلاة وغيره - متقارنين
في الزمان ، ومنها هذه القضية ، فالاظهر ان النبوي يدل
على كفاية التقارن .
الثاني : ماعن قرب الاسناد في الرجل يصلي أله ان يكبر
قبل الامام ؟ قال
( ع ) : لايكبر الا مع الامام ( 1 ) . بضميمة عدم القول
بالفصل بين جواز المقارنة في
التكبيرة وجوازها في الافعال فالاظهر جواز المقارنة وان
كان الاحوط التاخر .
واما الموضع الثاني ، فالظاهر من النبوي وجوب المتابعة
في كل فعل من
الافعال ، اذ الظاهر منه انه تجب المتابعة في الصلاة
التي هي فعل تدريجي بمتابعة الامام
في افعالها المتدرجة ، فاذا لم يتابعه في فعل واحد صدق
عليه انه مشغول بالصلاة ولم
يتابع الامام في هذا الحين .
ويؤيد ذلك مادل على ان الماموم لو رفع راسه عن السجود او
الركوع قبل
الامام نسيانا عاد اليه ، اذ لو لم تكن المتابعة لازمة
في كل فعل على سبيل الاستغراق
لما كان وجه لذلك .
............................................................................
( 1 ) البحار ج 18 الصلاة ص 627 والوسائل باب 16 من
ابواب صلاة الجنازة
واما الثالث وهو حكم تاخر الماموم عن الامام في الافعال ،
فاقول : - بعد ما لا
كلام من احد في جواز التاخر عنه بقليل ، بل عن بعض تعينه
كما عرفت وانه لامانع
من التاخر في الافعال القصيرة التي يعسر المحافظة فيها
على الاجتماع مع الامام
كالقيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين وعقيب الثانية
وقع الكلام في التاخر عنه
في الافعال الطويلة كالقيام والركوع والسجود بالتاخر
المعبر عنه في كلماتهم بالتاخر
الفاحش وهو ما اذا ادى ذلك الى فراغ الامام من فعله قبل
فعل الماموم .
والمشهور بينهم عدم جوازه بل عن جماعة ودعوى الاجماع
عليه .
ويشهد له : انه لو تاخر عنه بقي على ماهو عليه من الحالة
حتى يصل الامام
في الركعة اللاحقة الى مثل ذلك الفعل وان صدق عليه
المتابعة والائتمام عرفا
بمعنى عدم ذهاب هذا العنوان الا انه لو اتي بذلك الفعل
لما صدق عليه عنوان المتابعة
والائتمام عرفا وعليه فالنبوي المتقدم يدل على عدم جوازه .
ويمكن ان يستشهد له ايضا بما دل على لزوم ترك السورة
واللحوق بركوع
الامام لو كان لايلحق بركوعه لو قراها كصحيح زرارة عن
الامام الباقر ( ع ) : ان
ادرك من الظهر او العصر او العشاء ركعتين وفاتته ركعتان
قرا في كل ركعة مما ادرك
خلف الامام في نفسه بام الكتاب وسورة فانه لم يدرك
السورة تامة اجزاه ام
الكتاب ( 1 ) . ونحوه غيره ، ولو لا لزوم ادراك ركوع
الامام لما كان وجه للزوم ترك
السورة .
ودعوى : انه لايستفاد منها الا كون ترك السورة رخصة ،
فحيث لاكلام
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 47 من ابواب صلاة الجماعة حديث 4
[ . . . . . . . . ]
في مطلوبية ادراك الركوع فيكون ذلك من جهة جواز ترك
السورة لدرك المصلحة
لاسيما على المختار من عدم وجوب السورة مندفعة بان ظاهر
النصوص كون تركها
عزيمة لارخصة ، فلاحظ وتدبر ، فالاظهر عدم جواز التأخر
الفاحش .
واما الرابع ، فالمشهور بين الاصحاب كون وجوبها تعبديا
لاتبطل الجماعة
بتركها ، وانما يترتب عليه الاثم خاصة ، بل عن جماعة
نسبته الى الاصحاب .
وعن جماعة كون وجوبها شرطيا لصحة الجماعة .
وعن الشيخ في المبسوط والصدوق والحلي أنها شرط لصحة
الصلاة .
اقول : يقع الكلام في موردين :
الاول : في ان وجوبها شرطي او تعبدي .
الثاني : فيما يترتب على تركها على كل من المسلكين .
اما الاول فقد استدل لكون وجوبها شرطيا بظاهر النبوي
المتقدم ، فان الامر
بالافعال المذكورة وان كان يمكن ان يكون نفسيا لكن
الظاهر من الاوامر المتعلقة
باجزاء المركب او قيوده كونها لبيان الجزئية او الشرطية .
وفيه : ان الظاهر من صدر النبوي كون المتابعة غاية لجعل
الامام اماما
والائتمام به فلا تكون شرطا لها ، وهذا هو المستفاد من
مجموع الادلة ، اذ الظاهر ان
الامامة من جملة الامور الاعتبارية الوضعية الحاصلة بجعل
الماموم له ذلك بلحاظ
الافعال الصلاتية ، فبعد ماجعل ذلك كان مقتضى امامته
متابعته له في الافعال ، وعلى
ذلك فلا يعتني الى ظهور ذيله المتضمن للقضايا المذكورة
بعده تفريعا عليه ، فان ظهور
العلة مقدم على ظهور المعلول .
[ . . . . . . . . . ]
ويمكن ان يستشهد له مضافا الى ذلك بان في جملة من النصوص
الآتية الامر
بالعود لتحصيل المتابعة فيما اذا ركع او سجد قبل الامام
، او رفع راسه عن الركوع
والسجود قبله . فانه ان كانت المتابعة شرطا للجماعة في
الصلاة او في ذلك الجزء لما كان
وجه للزوم العود ، فان الفائت على هذا المسلك لايتدارك
كما لايخفى ، وهذا بخلاف
كون وجوبها تعبديا .
وأما الثاني ، فعلى القول بشرطيتها للقدوة لزم بطلان
الجماعة بتركها لانتفاء
المشروط بانتفاء شروطه .
وما افاده المحقق الهمداني - ره - من انه به تبطل القدوة
في خصوص الجزء
الذي تركت المتابعة فيه دون غيره من الاجزاء السابقة
واللاحقة التي اتى بها مقتديا
بامامه فتصح الجماعة فيما عداه من الاجزاء اذ لادليل على
اشتراط صحة الجماعة
في كل جزء بصحتها في سابقه او لاحقه ، بل الادلة قاضية بخلافه
، فانه بذلك لايسلب
عنه عنوان المامومية - فيه ان القدوة امر واحد مستمر لا
انها بالنسبة الى كل جزء
ملحوظة مستقلا ، وعليه فبطلانها في جزء يستلزم انعدامها
راسا ، فعودها يحتاج الى دليل
آخر مفقود ، بل الدليل قاض بخلافه ، وهو مادل على عدم
جواز العدول من الانفراد
الى الجماعة ، وبذلك ظهر مايترتب على تركها لو كانت شرطا
للصلاة .
واما على القول بان وجوبها تعبدي لاشرطي ، فان تركها في
جميع الافعال او
معظهما بحيث لزم منه ذهاب هيئة الجماعة في ارتكاز
المتشرعة الكاشف عن ذهابها
شرعا بطلت جماعته والا ، فلا يترتب عليه سوى الاثم .
واستدل لبطلان الصلاة بتركها بان الفعل الجاري على خلاف
المتابعة مضاد
للفعل الجاري على وفقها ، فعلي القول بان الامر بالشئ
يقتضي النهي عن ضده يلزم
من حرمة ترك المتابعة فساد الصلاة حينئذ كما لايخفى .
وفيه ماحقق في محله من ضعف المبنى ، وان الامر بالشئ
لايقتضي النهي عن
[ . . . . . . . ]
ضده ولاعدم الامر به بناء على تصحيح الترتب .
واما الخامس ، فمقتضى القاعدة بناء على ماتقدم من كون
وجوب المتابعة
تعبديا صحة الصلاة والجماعة ولزوم الانتظار وعدم وجوب
العود لتحصيل المتابعة ، بل
عدم جوازه ، اذ لو اتى بذلك الجزء الذي قدم فيه على
الامام كالتشهد بقصد الجزئية
بطلت الصلاة للزيادة والا فلا تحصل المتابعة ، الا انه
قد وردت روايات خاصة في
موردين على خلاف ذلك ، احدهما : مالو رفع راسه من الركوع
او السجود . ثانيهما :
مالو اهوى الى احدهما كذلك .
تغتفر زيادة الركن لاجل المتابعة
وملخص القل فيهما : ان في المسالة الاولى طائفتين من
الاخبار :
الاولى : مايدل على لزوم العود والمتابعة كصحيح علي بن
يقطين عن ابي
الحسن ( ع ) عن الرجل يركع مع الامام يقتدي به ثم يرفع
راسه قبل الامام ، قال ( ع (
يعيد بركوعه معه ( 1 ) . ونحوه بادنى اختلاف خبر سهل
الاشعري عنه ( ع ) ( 2) .
وصحيح الفضيل عن ابي عبد الله ( ع ) عن رجل صلى مع امام
ياتم به ثم رفع
راسه من السجود قبل ان يرفع الامام راسه من السجود ، قال
( ع ) : فليسجد ( 3 ) .
وقريب منه موثق ابن فضال ( 4 ) .
الثانية : مايدل على وجوب البقاء كموثق غياث ، قال : سئل ابو عبد الله عن
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 48 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 48 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 48 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 48 من ابواب صلاة الجماعة حديث 5
[ . . . . . . . . . ]
الرجل يرفع راسه من الركوع قبل الامام ايعود فيركع اذا
ابطا الامام ويرفع راسه
معه ؟ قال ( ع ) : لا ( 1 ) .
وقد جمع المشهور بينهما بحمل الاولى على صورة السهو ، وحمل
الثانية على
صورة العمد .
واورد عليهم بانه جمع تبرعي لاشاهد له ، بل مقتضى الجمع
العرفي حمل الموثق
على نفي الوجوب والطائفة الاولى على الفضل .
اقول : الحق ماذهب اليه المشهور ، وذلك لاختصاص الطائفة
الاولى بنفسها
بالسهو ، لان الغالب عدم رفع الماموم راسه قبل الامام
عمدا مع عدم جوازه .
وبعبارة اخرى : من يصلي الجماعة لدرك الفضل لايفعل
الحرام في اثنائها .
وان شئت قلت : ان حمل تلك الطائفة على صورة العمد بعيد
جدا فتكون
مختصة بصورة السهو في نفسها .
وعليه فان قلنا بظهور الثانية في العمد فلا كلام ، والا
فتحمل على تلك
الصورة حملا للمطلق على المقيد .
ويمكن ان يوجه مقالة المشهور بانه لو سلم كون النسبة بين
الطائفتين هو
التباين ، ولكن للاجماع على وجوب الاعادة في صورة السهو
تتقلب النسبة وتصبر
الثانية اخص من الاولى فيقيد اطلاقها بها ، ولكن هذا
يتوقف على القول بانقلاب
النسبة .
واما ماذكره المورد في مقام الجمع بان الاولى تحمل على
الفضل . فيرد عليه :
ان هذا ليس جمعا عرفيا ، اذ الطائفة الثانية ليست دالة
على الجواز بل هي ظاهرة في
عدم الجواز فلا محالة لا تكون قرينة لصرف ظهور الاولى ،
فتحصل ان الاظهر ماهو
المشهور .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 48 من ابواب صلاة الجماعة حديث 6 .
[ . . . . . . . . ]
بقي فرعان :
الاول : لو ترك الاعادة في صورة السهو اثم وصحت صلاته
وجماعته ، لما عرفت
من ان الاخلال بالمتابعة لايوجب البطلان .
ودعوى ان الامر بالعود للمتابعة كالامر بسائر مايعتبر في
المركب الاعتباري
ظاهر في كونه معتبرا في الجماع فتركه يوجب بطلان الجماعة
مندفعة بان الامر في
نفسه في امثال المقام وان كان ظاهرا فيما ذكر ، الا انه
في خصوص المقام قرينة صارفة
وهي وجوب المتابعة تعبدا ، فلا يستفاد من الامر في هذا
المورد سوى ان وظيفة الماموم
رعاية للمتابعة العود ، فاشتراط الصلاة او الجماعة به
مشكوك فيه يدفع بالاصل .
مع انه يمكن ان يقال : ان المستفاد من نصوص العود ليس
الا جوازه ، لورود
الامر فيها مورد توهم المنع ، ولا تكون ظاهرة في الوجوب
، وانما نحكم بالوجوب لادلة
المتابعة ، وقد مر ان وجوبها تعبدي لاشرطي ، فتامل .
الثاني : لو رفع الماموم راسه قبل الذكر الواجب ، فان
كان عمديا بطلت صلاته ،
للاخلال بالذكر ، نعم على القول بجواز العود كلام سياتي .
وان كان سهويا ، فهل تبطل صلاته لو ترك العود من جهة
استلزامه ترك الذكر
الواجب ، لانه لو عاد ليأتي بالذكر ، ام لا من جهة فوات
محل الذكر ، ام يفصل بين
كون الاخلال بالذكر عمديا فتبطل صلاته ، وبين كونه مع
الغفلة فتصح ؟ وجوه ،
اقواها : الاخير .
وذلك يظهر بعد بيان امر وهو : ان الركوع او السجود
الماتي به للمتابعة ليس
بنفسه من اجزاء الصلاة ، ولايتصل الماتي به بما اتى به
اولا فيكون هو وماقبله ركوعا
واحدا بل هو واجب نفسي ، ولذا لايضر الاخلال به ولو كان
عاصيا وعلى هذا
فمحل الذكر لامحالة يكون فائتا ، لان محله الركوع الذي
هو من اجزاء الصلاة ، فان
كان ترك الذكر عمديا بطلت الصلاة ، للاخلال به والا صحت
وان لم يعد ، بل لو عاد
[ . . . . . . . . ]
ليس له الاتيان بالذكر الذي هو من الاجزاء .
المسالة الثانية : اذا ركع او سجد قبل الامام ، فان كان
عمدا لايجوز له المتابعة
لاستلزامها الزيادة غير المغتفرة .
وهل تصح صلاته ام لا ، ام يفصل بين مالو ركع قبل تمامية
قراءة الامام فلا
تصح ، وبين مالو ركع بعدها فتصح ؟ وجوه اقواها : الاخير .
وذلك : لانه اذا كان ذلك قبل تمامية قراءة الامام فحيث
ان الركوع غير مامور
به فان الركوع المامور به هو الركوع بعد قراءة نفسها
وقراءة من هو ضامن لقراءته
ففي اثنائها لاامر بالركوع بعد قراءة نفسه او قراءة من هو ضامن لقراءته
ففي اثنائها لا امر بالركوع فهي زيادة مبطلة ، وان كان
بعدها صحت صلاته من جهة
انه لاوجه للبطلان سوى ترك المتابعة ، وقد مر انه لايوجب
البطلان .
وان كان سهوا فلا اشكال في عدم بطلان الصلاة والجماعة
وان كان في اثناء
قراءة الامام ، لان اعتبار القراءة مخصوص بحال الذكر
بمقتضى حديث لاتعاد
الصلاة ومقتضى القاعدة عدم جواز العود للمتابعة ،
لاستلزامه الزيادة العمدية الا
انه يدل على الجواز موثق ابن فضال ، قال : كتبت الى ابي
الحسن الرضا ( ع ) في الرجل
كان خلف امام ياتم به فيركع قبل ان يركع الامام وهو يظن
ان الامام قد ركع فلما رآه
لم يركع رفع راسه ثم اعاد الركوع مع الامام ايفسد ذلك
عليه صلاته ام تجوز تلك
الركعة ؟ فكتب ( ع ) تتم صلاته ولاتفسد صلاته بما صنع (
1 ) .
ومورده وان كان هو الظان الا انه يتعدى الى الناسي
الشريك معه في المعذورية
.......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 48 من ابواب صلاة الجماعة حديث 4
[ . . . . . . . . . . ]
في هذا الفصل ، كما أن مورده وإن كان هو الركوع إلا أنه
لعدم الفصل بينه وبين
السجود يثبت فيه ايضا فلا اشكال في الجواز .
إنما الكلام في فرعين :
الأول هل يجب العود ام لا ؟ .
وقد استدل للأول بان الموثق وان كان لايدل على الوجوب ،
ولا يستفاد منه
أزيد من الجواز الا أنه اذا ثبت جوازه وجب للمتابعة .
وفيه : أنه لو كان الركوع الثاني من اجزاء الصلاة تم ذلك
والا فلا ، لان دليل
وجوب المتابعة مختص بالافعال الصلاتية ، فتامل .
الثاني : هل الركوع الصلاتي هو الاول او الثاني او هما
معا ؟ وجوه اقواها :
الاول ، وذلك لان ركوعه الاول قد وقع في محله كما هو
المفروض فيكون ركوعا صلاتيا ،
وكون الثاني ركوعا صلاتيا يحتاج الى دليل آخر وليس ، فان
مادل على المتابعة لانظر
له الى ذلك ، وعليه فيجب عليه الذكر في الاول دون الثاني
، كما انه يترتب على ذلك
عدم بطلان الجماعة لو ترك العود وان كان ركعه في اثناء
قراءة الامام ، كما لايخفى .
المقام الثاني : في المتابعة في الاقوال ، والكلام فيه
يقع في مواضع :
( 1 ) في المتابعة في تكبيرة الإحرام .
( 2 ) في المتابعة في غيرها من الأقوال .
( 3 ) في التسليم .
أما الأول ، فلا ريب ولاخلاف في جواز التاخر الفاحش
[ . . . . . . . . ]
ومايظهر من خبر قرب الاسناد المتقدم لا يكبر الا مع الامام (
1 ) من عدم
جواز التاخر لا بد من تاويله بارادة عدم التقدم ، والا
فقد اتفقت النصوص والفتاوى
على جواز ذلك ، كما لاينبغي التوقف في عدم جواز التقدم ،
لعدم تحقق الاقتداء مع
عدم الامام ، ولخبر قرب الاسناد .
انما الكلام في انه هل يجوز المقارنة ، ام يشترط التاخر
فيها ، وعلى الثاني فهل
يعتبر عدم الشروع فيها الا بعد فراغ الامام منها كما
اختاره صاحب الجواهر ، ام يكفي
التاخر عن اولها ؟ والاظهر هو الاول ، لعدم الدليل على
اعتبار التاخر ، ولخبر قرب
الاسناد .
وقد استدل لعدم جواز المقارنة بوجوه :
الاول : انه يعتبر في صحة الجماعة وانعقادها الاقتداء بالمصلي ،
فما دام لم يكبر
لايكون مصليا عرفا .
وفيه : ان الدليل انما دل على اقتداء الماموم بالامام في
صلاته والائتمام به ، ولا
يتوقف صدق ذلك على صدق اسم المصلي عليه عرفا .
مع ان لازم هذا الوجه الذي استدل به للقول الثاني هو
القول الثالث ، اذ
التكبيرة من اجزاء الصلاة فبالشروع فيها يصدق الشروع في
الصلاة ، فيصدق عليه
المصلي وان لم يفرغ عنها .
الثاني : عدم صدق التبعية والائتمام مع المقارنة
الحقيقية .
وفيه : انه دعوى فاسدة ، فان التبيعة تصدق عرفا مع
المقارنة الحقيقية .
الثالث : الخبر المروي عن ابي سعيد الخدري عن رسول الله
( ص ) : اذا قمتم
الى الصلاة فاعدلوا صفوفكم واقيموها وسووا الفرج ، واذا
قال امامكم : الله اكبر .
.............................................
( 1 ) البحار ج 18 الصلاة ص 627
[ . . . . . . . . . ]
فقولوا : الله اكبر ، واذا قال : سمع الله لمن حمده
فقولوا : اللهم ربنا الى آخره ( 1 ) .
وفيه : ان منشا تخيل دلالته على لزوم التاخر احد امرين :
اما ان الامر
بالتكبيرة علق فيه على تحقق التكبير من الامام المستفاد
من اتيان الشرط بصيغة
الماضي ، واما ان الجزاء صدر بالفاء الدالة على التاخر ، وشئ منهما لايتم .
اما الاول ، فلما تقدم في المتابعة في الافعال .
واما الثاني ، فلان فاء الجزاء لاتدل على التاخر الزماني .
الرابع قوله ( ع ) في النبوي المتقدم : فاذا كبر فكبروا .
وفيه : - مضافا الى عدم دلالته على لزوم التاخر ، لما
سبق - ان اعتماد الاصحاب
على النسخة المتضمنة لهذه الجملة لم يثبت فلا يعتمد
عليها ، فتحصل ان الاظهر جواز
المقارنة .
واما الموضع ، الثاني فالمنسوب الى المشهور جواز التقدم
في الاقوال على الامام .
وعن الدروس والجعفرية عدم جوازه .
واستدل له باطلاقات معاقد الاجماعات المحكية على لزوم
المتابعة ، وبالنبوي
المتقدم بدعوى : ان ذكر التكبيرة فيه انما هو من باب
المثال كذكر الركوع والسجود
الذين هما مثال للافعال ، وبان مقتضى امامة الامام
متابعته وعدم التقدم عليه .
وفي الكل نظر .
اما الاول ، فلانه لا مجال للتمسك بها بعد تصريح الاكثر
بخلافها .
واما الثاني ، فلما تقدم من ان النسخة المتضمة لقوله (
عليه السلام ) : فاذا كبر
فكبروا . لم يثبت اعتماد الاصحاب عليها .
..........................................................................
( 1 )
الوسائل باب 70 من ابواب صلاة الجماعة حديث 6
[ . . . . . . . . ]
مع انه يحتمل الاختصاص بالتكبيرة من جهة انه ليس هناك
صلاة قبلها ، كي
تنعقد الجماعة ، بخلاف سائر الاقوال .
واما الثالث ، فلان المغروس في اذهان المتشرعة ان
الامامة المجعولة للامام انما
تكون بلحاظ الافعال دون الاقوال المرددة بين ما لايجب
الاتيان به للماموم كالقراءة ،
وبين مايكون الراجح فيه مخالفة الماموم للامام كالوظيفة
المجعولة في الركعتين
الاخيرتين ، وبين مايكون الماموم مخيرا بين ان يختار
الفرد الذي اختاره الامام وان
يختار غيره كذكر الركوع والسجود ، فالاظهر هو عدم وجوب
المتابعة .
ويؤيده عدم وجوب اسماع الامام للمامومين إياها ، بل
لايمكن في كثير من
الموارد ، ولو تنزلنا عن ذلك وشككنا في اعتباره مقتضى
الاصل الذي اسسناه هو
العدم .
واما الموضع الثالث ، فقد يقال بعدم جواز التقدم في
التسليم قياسا له بالتكبير ،
ولكنه مع الفارق ، اذ مضافا الى الخصوصية المشار اليها
في التكبيرة المفقودة في
التسليمة يشهد لجواز التقدم فيها صحيح الحلبي عن الامام
الصادق ( عليه السلام )
في الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد ، فقال (
عليه السلام ) : يسلم من
خلفه ويمضي لحاجته ان احب ( 1 ) .
وصحيح ابي المعزا عنه ( عليه السلام ) ( 2 ) المعمول به
بين الاصحاب كما عن
الروض في الرجل يصلي خلف امام فيسلم قبل الامام ، قال :
( عليه السلام ) : ليس
بذلك باس .
وماذكره المحقق الهمداني - ره - من حملهما على صورة قصد
الانفراد بدفعه
الاطلاق وترك الاستفصال .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 64 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 64 من ابواب صلاة الجماعة حديث 4
] ولابد من نية الائتمام ويجوز مع اختلافهما في الفرض واذا
كان الماموم
واحدا استحب ان يقف عن يمينه وان كانوا جماعة فخلفه الا
العاري فانه
يجلس وسطهم ، وكذا المرأة ، [
الثالث : قالوا : ( ولابد ) للماموم ( من نية الائتمام )
وفي الجواهر : بل هو مجمع
عليه وقد مر تفصيل القول في ذلك في شرائط الجماعة ،
فراجع .
الرابع : ( ويجوز ) ان ياتم المفترض بالمفترض ( مع
اختلافهما في الفرض ) كما
هو المشهور بين الاصحاب وقد تقدم تفصيل القول في ذلك في
اول مبحث الجماعة
عند بيان ضابظ مايصح الائتمام فيه من الصلوات ومالايصح .
الخامس : ( واذا كان الماموم واحدا استحب ان يقف عن
يمينه ) اي يمين
الامام لاخلفه ولايساره ( وان كانوا جماعة فخلفه ) لا
يمينه ولا يساره كما هو المشهور
بين الاصحاب شهرة عظيمة ، بل لم ينقل الخلاف عن احد سوى
صاحب الحدائق
وظاهر ابي علي .
ومستند الحكم جملة من النصوص كصحيح محمد بن مسلم عن
احدهما عليهما
السلام : الرجلان يؤم احدهما صاحبه يقوم عن يمينه فان
كانوا اثر من ذلك قاموا
خلفه ( 1 ) ونحوه غيره .
وظاهر النصوص في بادئ النظر وان كان هو الوجوب الا انه
بدوي يزول
بملاحظة القرائن الداخلية والخارجية ، ولذا فهم المشهور
منها ذلك .
وينبغي ان يستثنى من استحباب الوقوف خلف الامام موردان :
الاول ماذكره المصنف - ره - بقوله : ( إلا العاري فانه
يجلس وسطهم ) وقد
تقدم الكلام في ذلك في مبحث لباس المصلي مفصلا ، فراجع .
الثاني : ماافاده بقوله : ( وكذا المرأة ) لو امت النسا
فانها تقوم في وسط الصف .
ويشهد له : كثير من النصوص كمرسل ابن بكير عن الامام
الصادق ( عليه
………………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 23 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1
] ولو صلين مع الرجال تاخرن عنهم ويعتبر في الامام التكليف [
السلام ) عن المراة تؤم النساء : قال ( عليه السلام ) :
نعم تقوم وسطا بينهن ولا
تتقدمهن ( 1 ) . ونحوه غيره .
وظاهر الاخبار في انفسها وان كان هو الوجوب الا انه لعدم افتاء احد به ،
وورود النصوص مورد توهم رجحان التقدم وغير ذلك من
القرائن تحمل على
الاستحباب .
) ولو صلين مع الرجال تاخرن عنهم ) للامر به في جملة من
النصوص كصحيح
هشام عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : الرجل اذا ام
المراة كانت خلفه عن يمينه
سجودها مع ركبتيه ( 2 ) . ونحوه غيره .
وهذه الاخبار وان كانت ظاهرة في وجوب التاخر الا انه
يشكل البناء عليه
بناء على عدم حرمة محاذاة الرجل للمراة في الصلاة كما
بنينا عليه ، ، لما يظهر من كلماتهم
من التسالم على عدم الفرق بين المقامين ، وعن غير واحد
دعوى ذلك صريحا .
مضافا الى ما في نفس هذه الاخبار من الاختلاف في تحديد
المقدار المعتبر من
التاخر وغير ذلك من القرائن الصارفة عن هذا الظهور وعليه
فعدم الوجوب اقوى
والاحتياط طريق النجاة .
فصل : في شرائط الامام .
) ويعتبر في الامام ) امور :
الاول : ( التكليف ) اي يعتبر ان يكون عاقلا بالغا ، اما
اعتبار كونه عاقلا
فموضع وفاق .
………………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 20 من ابواب صلاة الجماعة حديث 10 .
( 2 ) الوسائل باب 5 من ابواب مكان المصلي حديث 9
[ . . . . . . . . . ]
ويشهد له : - مضافا الى ذلك والى انه لاعبادة للمجنون -
صحيح زرارة عن
الامام الباقر ( عليه السلام ) عن امير المؤمنين ( عليه
السلام ) : لايصلين احدكم خلف
المجنون ولد الزنا ( 1 ) . ونحوه غيره .
ولو كان ادواريا فالمعروف جواز الائتمام به حال افاقته ،
لعدم صدق المجنون
عليه في تلك الحالة .
وقيل : بالمنع واستدل له بانه المتيقن ارادته من النصوص
، اذ غيره لايحتاج الى
التعرض له وبامكان عروضه حال الصلاة ، وبانه لا يؤمن
احتلامه حال الجنون .
والكل كما ترى ، فالاظهر هو الجواز .
واما اعتبار كونه بالغا ، فهو المشهور بين الاصحاب وهو
بناء على عدم شرعية
عبادات الصبي واضح ، واما بناء على شرعيتها كما قويناها
فيشهد لاعتباره مضافا
الى انصراف ادلة الجماعة الى المكلفين : خبر اسحاق بن
عمار عن جعفر عن ابيه ان
عليا ( عليه السلام ) كان يقول : لاباس ان يؤذن الغلام
قبل ان يحتلم ، ولايؤم حتى
يحتلم ، فان ام جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه ( 2 )
المنجبر ضعف سنده بعمل
الاصحاب .
وعن الشيخ في الخلاف : تجويز امامة المراهق .
ويشهد له خبر طلحة عن جعفر عن ابيه عن علي ( عليه السلام
) : لاباس ان
يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وان يؤم ( 3 ) . ونحوه خبر غياث ( 4 ) .
وموثق سماعة عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : يجوز
صدقة الغلام وعتقه
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 14 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 14 من ابواب صلاة الجماعة حديث 7 .
( 3 ) الوسائل باب 14 من ابواب صلاة الجماعة حديث 8 .
( 4 ) الوسائل باب 14 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3
] والعدالة [
ويؤم الناس اذا كان له عشر سنين ( 1 ) .
ولكن يرد على الاولين : - مضافا الى ضعف السند - انهما
معارضان لخبر اسحاق
المعمول به بين الاصحاب .
ويرد على الثالث : - مضافا الى عدم القائل بمضمونه ، ووهنه بالاعراض
لاسيما مع اشتماله على جواز صدقته وعتقه المخالف لفتوى
القوم والاصول والادلة -
انه ايضا معارض مع خبر اسحاق ، اذ حمل قوله ( عليه
السلام ) : قبل ان يحتلم . على ما
قبل عشر سنين لايصح ، وخبر اسحاق مقدم ، فالاظهر هو
المنع فيه .
الثاني : الايمان ، اي كونه معترفا بامامة الائمة الاثني
عشر عليهم السلام ،
واعتباره مما لا ريب فيه ، ونقل الاجماع عليه من جماعة .
ويشهد له : نصوص كثيرة كصحيح زرارة عن ابي جعفر ( عليه
السلام ) عن
الصلاة خلف المخالفين ، فقال ( عليه السلام ) : ما هم
عندي الا بمنزلة
الجدر ( 2 ) .
وصحيح البرقي قال : كتبت الى ابي جعفر ( عليه السلام )
ايجوز الصلاة خلف
من وقف على ابيك وجدك ؟ فاجاب عليه ( عليه السلام )
لاتصل وراءه ( 3 ) .
في شرطية العدالة
( و ) الثالث : ( العدالة ) واعتبارها فيه مما لاخلاف فيه
، بل هو المقطوع به في
كلام الاصحاب كما في المدارك ، وعن غير واحد دعوى
الاجماع عليه .
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 14 من ابواب صلاة الجماعة حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 10 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 10 من ابوب صلاة الجماعة حديث 5
[ . . . . . . . . . ]
ويشهد له : كثير من النصوص ، منها : مضمر سماعة ، قال :
سالته عن رجل كان
يصلي فخرج الامام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة الفريضة
قال : ان كان اماما
عدلا فليصل ركعة اخرى وينصرف ويجعلها تطوعا وليدخل مع
الامام في صلاته ، وان
لم يكن امام عدل فليبن على صلاته كما هو الى آخره ( 1 ) .
ومنها : النصوص المتضمنة للنهي عن الصلاة خلف شارب الخمر
والنبيذ ،
والاغلف معللا بانه ضيع من السنة اعظمها ، والمجاهر
بالفسق والفاجر ونحو ذلك ( 2 ) .
ومنها : النصوص المتضمنة لانه يصلي خلف من يثق بدينه ( 3
) اذ المراد بالوثوق
بديانته احراز صلاحه ، وبالجملة فاعتبارها فيه مما
لاينبغي التوقف فيه .
وهل يجوز لمن يعرف نفسه بعدم العدالة ان يتصدى للامامة
ام لا ؟ وحق القول
فيه يقتضي التكلم في موضعين : الاول في الجواز الوضعي .
الثاني في التكليفي .
اما الاول ، فالاظهر عدم الجواز بمعنى ان الامام اذا علم
بعدم عدالة نفسه لا
تكون الجماعة منعقدة ، وليس له ترتيب آثارها ، وذلك
لاعتبار العدالة ، وستعرف انها
امر واقعي يكون حسن الظاهر كاشفا عنه وطريقا اليه ، فمع
كون الامام فاسقا لا
يكون الائتمام متحققا وان كان صلاة الماموم صحيحة لو كان محرزا لعدالته ، فلو كان
ذلك معلوما للامام فهو عالم بعدم تحقق الائتمام والجماعة
فكيف يرتب آثارها .
واما الثاني ، فقد استدل على عدم الجواز بما عن مستطرفات
السرائر نقلا عن
كتاب السياري ، قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) : قوم من
مواليك يجتمعون فتحضر
الصلاة فيقدم بعضهم فيصلي بهم جماعة ، فقال ( عليه
السلام ) : ان كان الذي يؤمهم
ليس بينه وبين الله طلبة فليفعل ( 4 ) .
......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 56 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2 .
( 2 ) ( 3 ) الوسائل باب 11 - 12 - 13 من ابواب صلاة الجماعة .
( 4 ) ذكر صدره في الوسائل باب 11 من ابواب صلاة
الجماعة
حديث 12 ، وذيله في باب 27 منها حديث 4
[ . . . . . . . . ]
وفيه اولا : انه ضعيف السند ، لأن ائمة الرجال ضعفوا السياري .
وثانيا : انه ناظر الى الحكم الوضعي ، وقد ادعى بعض
المحققين - ره - ان المراد
منه ان من كان ذا نفس قدسية بحيث لايكون مقصوده من
التقدم الا الاتيان
بالوظيفة من دون ان يحدث له نشاط من جهة الترأس عليهم
فليصل بهم والا فليدع .
اقول : ويشهد لذلك : قوله ( عليه السلام ) بعد السؤال
مرة ثانية : ان كانت
قلوبهم كلها واحدة الى آخره فان قلوب المؤمنين انما
تتوجه الى اداء الوظيفة ، فلو كان
قلب من يتقدم ايضا كذلك فليتقدم ، وعلى هذا فيكون اجنبيا
عن المقام ، فتحصل : انه
لادليل على الحرمة ، والاصل يقتضي الجواز .
وفي المقام ابحاث دقيقة علمية نافعة ، وقد استوفينا
الكلام فيها حين تدريس
المباحث المتعلقة بالاجتهاد والتقليد ، وقد تصدى
لتحريرها واخراجها الى عالم
الظهور احد الافاضل من الحاضرين للبحث وحيث ان ماكتبه
وحرره من تقريره
ابحاثي في ذلك الكتاب كان وافيا بما نقحناه مؤديا لما
حققناه فلذا اذكر في المقام عين
ماكتبه في مبحث العدالة قال : -
اقول : تحقيق القول في هذه المسالة يقتضي التكلم في
مقامات .
الاول : في بيان مفهوم العدالة .
الثاني : في بيان الطريق اليها .
الثالث : في تنبيهات هذه المسالة .
اما المقام الاول فالعدالة لغة : الاستواء والاستقامة .
او ما يقاربهما مفهوما كما
[ . . . . . . ]
صرح به غير واحد ، بل مما لاخلاف فيه .
وانما الخلاف بين الاصحاب في بيان ماهو المراد من لفظها
الواقع في كلمات
الشارع وفيه اقوال :
الاول : ماهو المشهور بين العلامة ومن تاخر عنه ، وهو
انها كيفية نفسانية
باعثة على ملازمة التقوى ، وان اختلفوا في التعبير عنها
بالكيفية ، او الحالة ، او الملكة ،
بل نسب هذا القول الى المشهور ، بل الى العلماء ، او
الفقهاء ، او المؤالف والمخالف .
الثاني : انها عبارة عن مجرد ترك المعاصي ، او خصوص
الكبائر ، وهو المحكي
عن السرائر وابي الصلاح ، وعن المحقق المجلسي والسبزواري
: ان هذا هو الاشهر
في معناها .
الثالث : ماعن المقنعة والنهاية والوسيلة والصدوق من
انها الاجتناب عن
المعاصي عن ملكة .
الرابع : انها الاسلام وعدم ظهور الفسق ، وهو المحكى عن
ابن الجنيد والمفيد
في كتاب الاشراف .
الخامس : أنها حسن الظاهر نسب الى جماعة .
والشيخ الاعظم - قده - في رسالة العدالة قال : الظاهر
رجوع القول الأول
الى الثالث ، اذ لاكلام في زوال العدالة بارتكاب الكبيرة
ويحدث الفسق ، وحينئذ ان
بقيت الملكة ثبت اعتبار الاجتناب الفعلي في العدالة ،
وان ارتفعت ثبت ملازمة الملكة
للاجتناب الفعلي فمراد الاولين من الملكة الباعثة على
الاجتناب الباعثة فعلا لا ما
من شأنها ان تبعث ولو تخلف عنها البعث لغلبة الهوى
ونحوها .
وفيه : انه لاكلام في ان ارتكاب الكبيرة حتى على القول
الاول مضر بالعدالة
الا ان ذلك لايوجب تساوي القولين اذ من كان فيه ملكة
العدالة ولم يرتكب الكبيرة
لعدم الابتلاء بها كما اذا بلغ صاحب الملكة قبل ان يبتلي
بها او لم يرتكبها لا للملكة
[ . . . . . . . . . . ]
بل لحياء من الناس ونحوه ، فانه على القول الاول عادل ،
وعلى الثالث ليس بعادل .
ثم ان الشيخ اشكل في جعل الاخيرين - وهما : حسن الظاهر
وعدم ظهور
الفسق - نفس العدالة بانه يقتضي كون العدالة من الامور
التي يكون وجودها
الواقعي عين وجودها الذهني ، وهو لايجامع مع كون ضدها -
اعني الفسق - امرا واقعيا
لادخل للذهن فيه ، وحينئذ لو ارتكب الشخص المعاصي في علم
الله من دون ان
يعلمه احد يلزم كونه عادلا واقعا ، لان فيه حسن الظاهر ،
ولم يظهر الفسق منه لاحد ،
وفاسقا واقعا ، لانه ارتكب المعصية خفاء ، مع انه لايمكن
الالتزام به .
وفيه : ان الشيخ - قده - فرض كون الفسق امرا واقعيا ، ثم
اشكل عليه ذلك
مع انه على هذين القولين في العدالة ليس كذلك ، لانه ضد
العدالة فليس هو ايضا
امرا واقعيا ، ومن كان في علم الله مرتكبا للكبيرة مع
عدم ظهور ذلك لاحد لايكون
فاسقا واقعا وان كان عاصيا .
واورد بعض آخر على كون العدالة هو حسن الظاهر بانه يلزم
ان تكون
العدالة من الاوصاف ذات الاضافة ، ويكون شخص واحد عادلا
عند من حسن
ظاهره عنده ، وفاسقا عند من لم يكن له حسن الظاهر عنده .
ويرد عليه : انه ليس بمحذور ويلتزم به هذا القائل ، الا
ترى ان من يقول بان
حسن الظاهر طريق الى العدالة يقول بطريقيته عند من كان
له حسن الظاهر عنده ،
ويترتب عليه آثار العدالة دون المطلع على ارتكابه
المعصية .
ادلة كون العدالة هي حسن الظاهر
وقد استدل على كون العدالة هي حسن الظاهر بوجوه
الاول : ان ذلك هو مقتضى الجمع بين مادل على اعتبار
العدالة في امام الجماعة
[ . . . . . . . . . ]
الظاهر في كونها شرطا واقعيا ومادل على صحة الصلاة بعد
ماظهر الفسق من الامام ،
فانه يستفاد منهما ان العدالة امر ظاهري غير قابل
لانكشاف الخلاف لاملكة واقعية .
وفيه اولا : ان الدليل انما يدل على صحة الصلاة لاصحة
الائتمام وصحة
الصلاة غالبا تكون على القاعدة لحديث لاتعاد الصلوة الا
من خمس ( 1 ) بناء على
عدم اختصاص الحديث بالناسي كما هو الحق عندنا .
وثانيا : ان تعيين موضوع الحكم بذلك بعد امكان كون
العدالة شرطا عمليا
لصحة الائتمام ، او الالتزام باجزاء الامر الظاهري وبعد
دلالة الدليل على
عدم كون العدالة هي حسن الظاهر لايصح فلا اقل يكون مجملا وتعيين احدها من
بينها يحتاج الى الدليل .
الثاني : ان ذلك مقتضى الجمع بين مادل على اعتبار
العدالة في قبول
الشهادة ( 2 ) ، وبين مادل على ان حسن الظاهر شرط في
قبول الشهادة ( 3 ) ، فيستفاد
من ذلك ان العدالة هي حسن الظاهر لعدم كونهما شرطين
متغايرين .
وفيه : ان غاية مايدل عليه الطائفة الثانية ان حسن
الظاهر كاف في ترتيب
احكام العدالة ، وهذا يلائم مع كونه طريقا اليها ، بل
الظاهر من جملة منها ذلك ، لاحظ
قوله ( عليه السلام ) : من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم
فلم يكذبهم ووعدهم فلم
يخلفهم فهو ممن حرمت غيبته وكملت مروته وظهر عدله ووجبت
اخوته ( 4 ) فانه رتب
فيه ظهور العدالة على حسن الظاهر .
وصحيح ابن ابي يعفور الآتي بعد تفسير العدالة بما هو
ظاهر في كونها امرا
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب باب 29 من ابواب القراءة في الصلاة
حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 30 و 32 وغيرهما من ابواب كتاب الشهادات .
( 3 ) الوسائل باب 41 من ابواب الشهادات .
( 4 ) الوسائل باب 41 من ابواب الشهادات حديث 1
[ . . . . . . . . ]
واقعيا ، والدلالة على ذلك كله : ان يكون ساترا لجميع
عيوبه ( 1 ) فان
ستر العيوب هو
حسن الظاهر ونحوهما غيرهما .
الثالث : ان المشهور بين الاصحاب تقديم الجارح على
المعدل عند التعارض ،
وقد عللوا ذلك بان في ذلك تصديقا لهما ، لان المعدل يقول
: باني لم ار منه شيئا والجارح
يشهد بالرؤية فتقديم قول الجارح ملائم مع تصديق المعدل ،
وبديهي ان هذا لايلائم
الا مع القول بان العدالة هي حسن الظاهر وغير ملائم مع
كونها من الامور الواقعية .
وفيه اولا : انه لم يرد آية ولا رواية على تقديم قول
الجارح معللا بالتعليل
المذكور ، فان لم يتم الوجه المذكور على تقدير القول بان
العدالة من الامور الواقعية
لايعتمد عليه ، لا انه يجعل دليلا على ان العدالة من
الامور الظاهرية .
وثانيا : ان هذا التعليل يلائم مع كون العدالة هي الملكة
مع اعتبار عدم صدور
الكبيرة منه ، اما لاخذه قيدا فيها او لدليل خارجي ، اذ
لو احرز وجود الملكة يكفي
في الحكم بتحقق الجزاء الآخر اصالة العدم او اصالة الصحة
، وعليه فشهادة الجارح
تكون حاكمة على شهادة المعدل ، لان الجارح يدعي العلم
بصدور الكبيرة ، والمعدل
لايدعي العلم بعدمه ، وانما يشهد به اعتمادا على الاصل
ولايعارض الاصل مع
الدليل ، ولايدعي الجارح عدم الملكة حتى يتعارضان ، بل
ربما يعترف بها ، بل يدعي
صدور الكبيرة كما عرفت وعليه فيتم ماذكروه من ان العمل
بشهادة الجارح تصديق
لهما .
وثالثا : ان شهادة المعدل ربما تكون لحسن الظاهر الكاشف
عن الملكة لا العلم
بوجودها .
الرابع : قوله ( عليه السلام ) في رواية علقمة : من لم
تره بعينك يرتكب ذنبا ولم
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب صلاة الجماعة حديث 9
[ . . . . . . . . ]
يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من اهل العدالة والستر ،
وشهادته مقبولة وان كان في
نفسه مذنبا ( 1 ) فانه صريح في ان الذنب المستتر به غير مناف
للعدالة فالعبرة في عدالة
الرجل بكون ظاهره ظاهرا مامونا .
وفيه اولا : ان الظاهر منه ارادة بيان العدالة عند الشخص
في مرحلة الظاهر
وليس ذلك الا ببيان ماهو الطريق اليها ، كما لايخفى على
المتامل المصنف .
وثانيا : ان الجمع بينه وبين مادل على طريقية حسن الظاهر
انما يكون بالالتزام
بذلك .
وبعد ماعرفت من عدم الدليل على كون العدالة حسن الظاهر
او الاسلام
مع عدم ظهور الفسق ، فاعلم ان مقتضى النصوص - المتقدم
بعضها ، الآتي بعضها
الاخر التي تكون متضمنة لطريقية حسن الظاهر - كون
العدالة من الامور الواقعية ،
مع ان هذا يناسب مع مفهومها اللغوي المرتكز في الاذهان
وهي : الاستقامة ، فان
الاستقامة العملية انما تكون بعدم الفسق واقعا لا عدم
ظهوره للناس ، فهذان القولان
ساقطان .
ادلة كون العدالة هي مجرد ترك المعاصي
وقد استدل للقول بان العدالة هي مجرد ترك المعاصي ، وعدم
اعتبار الملكة
فيها بامرين :
الاول : ماعن المولى الاعظم الوحيد البهبهاني - ره - من
ان حصول الملكة
بالنسبة الى كل المعاصي انما يكون في غاية الندرة ان فرض
تحققه ، وبديهي ان العدالة
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 13
[ . . . . . . . . ]
مما تعم به البلوى ، وتكثر اليه الحاجات في العبادات
والمعاملات ، فلو كان الامر كما
يقولون لزم اختلال النظام ، مع ان القطع حاصل بانه لم
يكن في زمان المعصومين عليهم
السلام على هذا النهج ، الا ترى انه ورد في الاخبار ان
امام الجماعة اذا احدث او
حديث له مانع آخر اخذ بيد آخر واقامه مقامه .
ووافقه السيد الصدر - ره - في محكي شرح الوافية ، واوضحه
بان الوسط بين
البلادة والجربزة يسمى حكمة ، وبين افراط الشهوة
وتفريطها هي العفة ، وبين الظلم
والانظلام هي الشجاعة ، فاذا اعتدلت هذه القوى حصلت
كيفية واحدة شبيهة
بالمزاج ، وبعد حصولها يلزمها التقوى والمروة ، وهذه
الصفة الحميدة تكون في الاوحدي
الذي لايسمع الدهر مثله الا نادرا ، والاحتياج الى
العدالة عام لازم في كل طائفة من
كل فرقة من سكان البر والبحر حفطا لنظام الشريعة .
اقول : ان المراد من الملكة التي فسرت العدالة بها ليس
ماافاده السيد الصدر
- ره - فان ماذكره هي العدالة الاخلاقية ، حيث ان علماء
الاخلاق فسروها بانها
ملكة يقتدر بها العقل العملي على تعديل القوى الثلاث من
العاقلة والشهوية
والغضبية على حسب مايقتضيه العقل النظري ، ولذا قيل :
العدالة عند علماء الاخلاق
كاعتدال المزاج في القالب ، وهذه ليست معتبرة في العدالة
التي هي موضوع للاحكام
الشرعية ، لانها كما قيل : قلما توجد الا في الاوحدي في
كل عصر ومصر ، بل المراد بها
الحالة الواحدة الحاصلة للنفس من خشية الله باعثة على
فعل الواجبات وترك
المحرمات .
توضيح ذلك : ان تارك المحرمات ، تارة يتركا لعدم
الابتلاء بها ، واخرى للدواعي
النفسانية ، وثالثة لحصول حالة الخوف عند كل معصية بحيث
انه بعد ذلك يرى من
نفسه عدم تأبيها عن ارتكابه ، ولكن عند الابتلاء بفرد
آخر يحصل له فرد آخر من
الخوف يمنع عن ارتكابه ، ورابعة يكون لوجود حالة وجدانية
مستمرة باعثة الى ترك
[ . . . . . . . . . ]
المحرمات وفعل الواجبات ، واثر ذلك : انه في حال عدم
صدور المعصية وعدم الابتلاء
بها يفرح بعدم ارتكابه المعصية حين الابتلاء ويكون بانيا
على عدم ارتكابها عند
الابتلاء بها كلما توجه لذلك ، وهذه الرابعة هي المراد
من ملكة العدالة .
ثم ان هذه الصفة النفسانية كسائر الصفات النفسانية والاعراض
الخارجية
ذات مراتب مختلفة اعلاها مرتبة العصمة ، وادناها العدالة
المعتبرة في امام الجماعة
وقبول الشهادة ونحوهما ، وهي الحالة الباعثة في الحال
المتعارف للانسان وان كانت
بحيث يغلب عليها اذا كان مقتضى المعصية اقوى منها في
الاقتضاء ، كما اذا عرضت
له حالة كانه لايملك نفسه من مخالفة الشهوة والغضب لغلبة
القوة الشهوية
والغضبية ، ولكن مع وجود تلك الحالة يندم من ذلك ، وعلى
هذا يحمل ماقيل من ان
المعصية تصدر من ذي الملكة كثيرا ، وهذه الصفة ليست
نادرة في الناس كما ذكره
الوحيد البهبهاني - قده - بحيث يلزم من إناطة الاحكام
بها اختلال النظام ، بل هي
كثيرة .
الامر الثاني : ان الحكم بزوال العدالة عند عروض
ماينافيها من المعصية
ورجوعها بمجرد التوبة اقوى شاهد على ان العدالة ليست هي
الملكة .
وفيه : ان العدالة عند القائلين بانها الملكة ليست هي
الملكة المجردة ، بل هي
مقيدة بعدم عروض ماينافيها ، فعند عروضه تنعدم العدالة
وان كانت الملكة باقية ،
واما رجوعها بالتوبة فهو انما يكون لاجل مادل من النصوص
على ان التائب من
ذنبه كمن لاذنب له ، ففي الحقيقة العدالة عندهم عبارة عن
الملكة مع عدم كون
الشخص ماخوذا بالمعصية
[ . . . . . . . . ]
ادلة اعتبار الملكة في العدالة والجواب عنها
وقد استدل على اعتبار الملكة في العدالة في رسالة الشيخ
الاعظم - ره -
بوجوه :
الاول : الاصل ، والظاهر ان مراده منه ان العدالة مع
ثبوت الملكة قطعية ومع
عدمها مشكوك فيها ، والاصل عدمها .
وفيه : ان هذا لو تم فانما هو اذا لم يقم دليل على احد
الطرفين ، وستعرف
وجوده .
الثاني الاتفاق المنقول المعتضد بالشهرة المحققة .
وفيه اولا : انه قد عرفت الاقوال في المسالة ، فلا يعتمد
الى هذه الدعوى .
وثانيا : انه لو ثبت هذا الإجماع لم يكن اجماعا تعبديا
كاشفا عن رأي المعصوم
( عليه السلام ) .
الثالث : الاخبار الدالة على اعتبار الوثوق بدين امام
الجماعة وورعه ( 1 ) .
مع العلم بانه لايحصل الوثوق بمجرد تركه المعاصي في جميع
مامضى من
عمره ما لم يعلم او يظن فيه ملكة الترك .
وفيه اولا : انه كما يمكن حصول الوثوق بتركه المعاصي في جميع
مامضى من
عمره كذلك يمكن حصوله بتركه إياها في المستقبل لداع
نفساني مستمر .
وثانيا : ان ملكة فعل الواجبات وترك المعاصي ربما تكون
هي التدين والخوف
من العقوبة ، واخرى تكون هي داع آخر من كونه محبوبا عند
الناس أو غير مذموم
..............................................................
( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب صلاة الجماعة
[ . . . . . . . . ]
ومعروفا بالديانة والصلاح ، ومع وجود الثانية يحصل
الوثوق بتركه المعاصي ، مع انها
ليست عدالة بناء على القول بكونها ملكة باعثة على فعل
الواجبات وترك المحرمات .
واما ماافاده المحقق الاصفهاني - ره - من انه اذا ترك
المعصية في زمان يجديه
الاستصحاب في مابعده لترتيب الآثار فيرد عليه : ان هذا
انما يتم بالنسبة الى ترك
المحرمات ، واما بالنسبة الى فعل الواجبات فغير مجد .
الرابع : النصوص الدالة على اعتبار المامونية والعفة
والصيانة والصلاح وغيرها
من الصفات النفسانية في الشاهد ( 1 ) مع الاجماع على عدم
اعتبارها زيادة على
العدالة .
اقول ان المامونية معناها كون غيره في امن منه فيجري
فيها ماذكرناه في
الوثوق ، واما العفة فسياتي الكلام فيها فانتظر ، واما
الصيانة فتتحقق بصيانة الجوارح
وحفظها عن ارتكاب المعاصي ، وأما الصلاح فعدم كونه ملكة
اوضح من غيره كما لا
يخفى .
الخامس : صحيح ابن ابي يعفور قال : قلت لابي عبد الله (
عليه السلام ) : بم
تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم
وعليهم ؟ فقال ( عليه
السلام ) : إن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج
واليد واللسان ، ويعرف
باجتناب الكبائر التي اوعد الله عليها النار من شرب
الخمر والزنا وعقوق الوالدين
والفرار من الزحف وغير ذلك ، والدلالة على ذلك ان يكون
ساترا لجميع عيوبه حتى
يحرم على المسلمين ماوراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش
ماوراء ذلك ، ويجب عليهم
تزكيته واظهار عدالته في الناس الحديث ( 2 ) .
وتقريب الاستدلال به : ان صدر الحديث في مقام تعريف
العدالة اشتمل على
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 30 و 32 و 41 من أبواب كتاب الشهادات .
( 2 ) الوسائل باب 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث 1
[ . . . . . . . . . ]
ماهو من الصفات النفسانية وهو العفاف ، فان الظاهر منه
الصفة النفسانية وهي
الاستحياء من الله تعالى ، فلا يجوز ان يكون اخص من
العدالة بل لابد ان يكون
مساويا لها او اعم .
ودعوى : ان الظاهر من الحديث كونه في مقام بيان معرفة
الطريق الى العدالة
بعد كونها واضحة بحسب المفهوم لا عن تعيين مفهومها
مندفعة بانه يتعين حمله على
السؤال عن حقيقتها . .
وبعبارة اخرى : يتعين حمله على المعرف المنطقي لاالمعرف
الشرعي لوجهين :
الاول : قوله ( عليه السلام ) : والدلالة على ذلك كله
الى آخره ، فانه صريح في
كونه في مقام بيان الطريق ، فان اريد به بيان الطريق الى
العدالة فحمل الاول - اي
الستر والعفاف - على بيان الطريق ، اليها ايضا لغو ،
لكونه اخص ، لانه قد يكون
ساترا لعيوبه الظاهرة وليس بستير وعفيف ، وان اريد به
بيان الطريق الى الاول حتى
يكون الطريق الى الطريق فهو ايضا يلزم منه لغوية الطريق
الاول ، اذ لاحاجة غالبا
الى ذكر امارة تذكر لها امارة اخرى .
الثاني : انه لو جعله معرفا شرعيا كان لازمه حمل الصفات
المذكورة على مجرد
ملكاتها معرفة وطريقا الى العدالة التي لاتكون هي حينئذ
الا نفس
اجتناب المعاصي ، وهذا بعيد غايته ، لان طريقية ملكة ترك
المعاصي لتركها ليست امرا
معرفا منطقيا .
واضاف اليها بعض الاعاظم وجها آخر وهو : ان الستر
والعفاف المذكورين
فيه من سنخ الملكات وكف البطن والفرج من سنخ الافعال فلو
كان ذلك طريقا الى
العدالة لزم كون العدالة امرا آخر وراء ماذكر ، وهذا مما
لم يقل به احد .
وقد اورد على ماذكرناه بوجوه :
[ . . . . . . . . ]
الاول : ماافاده المحقق الاصفهاني - ره - وهو ان العفة
انما هي اعتدال القوة
البهيمية وهي انما تكون باعثة على ترك المعاصي المناسبة
مع القوة البهيمية ، ولايعقل
ان تكون باعثة على ترك جميع الكبائر المناسبة للقوة
البهيمية وغيرها من القوى
وإتيان الواجبات ، فهي بهذا المعنى لازم اعم للملكة
المقصودة هنا ، وعليه فلا مناص
من الالتزام بعدم ارادة هذا المعنى منها في الصحيح ،
وحملها على ارادة معنى آخر فلا
وجه لجعلها من الصفات النفسانية .
وفيه : ان العفة عند علماء الاخلاق عبارة عن اعتدال
القوة البهيمية خاصة ،
ولكن في عرف المتشرعة وبحسب المتفاهم العرفي وتصريح
اللغويين معناها اعم من
ذلك وهو الامتناع عن جميع المعاصي ومنها : ترك الواجبات .
مضافا الى ان العفة لم تذكر وحدها في التعريف ، بل هي مع
الستر الذي فسره
الشيخ الاعظم بالاستحياء من الله تعالى .
الثاني : ماافاده المحقق صاحب الدرر - قده - وهو ان تلك
العناوين وان
كانت مشتملة على الملكة ، فانه لايقال : رجل ستير . او
عفيف . الا بالنسبة الى من
كان الستر والعفاف ملكة له ، ولكنها لاتدل على الملكة
الخاصة التي هي الديانة
لإمكان ان تكون من جهة اخرى مثل كونه محبوبا عند الناس
او غير مذموم او غير
ذلك .
اقول : توضيحا لما افاده ان الحالة النفسانية الباعثة
على فعل الواجبات وترك
المحرمات ، تارة تكون وجود فضائل نفسانية مضادة للرذائل
النفسانية المقتضية لفعل
مايناسبها ، واخرى : تكون هي الخشية من الله استشعارا
لعظمته ، وثالثة : تكون هي
الاستجباء من الله ، ورابعة : تكون هي الخوف من العقاب
وخامسة : تكون هي الخوف
مما يترتب على فعل الكبيرة من زوال محبوبيته عند الناس
اوغير ذلك ، كما يشير اليه
ماورد من ان من ترك شرب الخمر لغير الله تعالى سقاه الله
من الرحيق المختوم ، فقال
[ . . . . . . . . ]
الراوي : فكيف يتركه لغير الله ، قال ( عليه السلام ) :
صيانة لنفسه ، وجميع هذه تكون
من اقسام الملكة حتى الاخيرة الا انها ليست ملكة الديانة
، كيف وهي في الغالب
تكون رذيلة او كبيرة من تدليس او رياء او سمعة او طلب
الجاه ونحو ذلك ، وعلى ذلك
فالعناوين المذكورة وان كانت مشتملة على الملكة الا انها
لاعمية تلك الملكة من ملكة
الديانة يمكن جعلها طريقا تعبديا الى ثبوت العدالة فلا
موجب لرفع اليد عن ظاهر
السؤال .
وفيه : مضافا الى انه لو سلم كون العفة من الملكات لا
ريب في ظهورها في
ملكة الديانة لا الملكة التي بنفسها رذيلة - ان الباعث
لفعل الواجبات وترك المحرمات
حتى الخفية منها كالرياء لايكون الا ملكة الديانة التي
ادنى مراتبها الخوف من
العقاب ، واما الخوف من ترتب مفسدة اخرى على فعل الكبيرة
من زوال محبوبيته
عند الناس وما ضاهاها فانما يجدي داعيا في المعاصي الظاهرية لا الخفية ، فالملكة
الباعثة لفعل الواجبات ترك المحرمات برمتها ليست الا ملكة
الديانة .
الثالث : ان المذكورات في صدر الحديث ليس شئ منها من
الصفات
النفسانية .
اما العفاف الذي عمدة نظر الشيخ - ره - اليه ، فلان كونه
فضيلة للقوة
الشهوية اصطلاح اخلاقي والا فهو في اللغة والمتفاهم
العرفي عبارة عن الامتناع
والكف عن مالايحل او لايجمل وفي الحديث : افضل العبادة
العفاف اي كف النفس
عن المحرمات وعن السؤال الناس وفي جملة من الروايات : من
عف بطنه وفرجه اي
صانهما عن المحرمات .
وفي الدعاء : اللهم حصن فرجي واعفه .
وبالجملة من لاحظ هذه الكلمة في الروايات والادعية
والاستعمالات العرفية
يظهر له عدم كونها من الصفات النفسانية ، بل هي من
عناوين الفعل .
[ . . . . . . ]
واما الستر فقد صرح الشيخ الاعظم - ره - بانه مرادف
للعفاف فيجري فيه
ماذكرناه في العفاف وان شئت قلت : ان الستر مقابل الظهور
، وعدم كونه من
الصفات النفسانية واضح .
فان قلت : قد ذكر الستر في الحديث مرتين : الاولى : في
صدر الحديث الثانية :
في الذيل وهو قوله ( عليه السلام ) : والدلالة على ذلك
كله ان يكون ساترا الى آخره ،
فلو حمل الستر في الذيل ايضا على ماحمل الاول عليه لزم
اتحاد الدليل والمدلول فلا بد
من حمله على مايرادف الحياء .
قلت : ان عدم اتحاد الدليل والمدلول لايتوقف على
الالتزام بذلك فانه يمكن
دفع هذا المحذور بان يقال : ان الستر في كلا الموردين
يحمل على معناه اللغوي وهو
مقابل الظهور غاية الامر في المدلول محمول على عدم ظهور
آثار الرذائل النفسانية
في الخارج المساوق لعدم فعليتها وتحققها في الخارج ، وفي
الدليل محمول على عدم
اظهاره للناس .
واما الكف فقد قال الشيخ الاعظم - ره - في كتاب الصلاة
في مبحث الجماعة : ان
المراد تحققه على وجه يكون من الاوصاف الثابتة للشخص لا
من الافعال الحادثة
الصادرة عنه في زمان من الازمنة ، ولا يكون ذلك الا مع
الحالة الموجبة .
وفيه : - مضافا الى رجوعه - قده - في ذيل كلامه والتزامه
بان الكف مساوق
للاجتناب - يرد عليه : انه لاحقيقة للكف سوى الاجتناب عن
اختيار ، واما كون
الداعي اليه هي ملكة الديانة او غيرها فلا يمكن استفادته
من هذا اللفظ مع انه لو
سلم عدم صدق الكف الا مع وجود الحالة الموجبة لايختص ذلك
بما اذا كانت تلك
الحالة حالة واحدة مستمرة التي هي ملكة العدالة ، بل
يصدق مع حالة خوف حاصله
على سبيل الاتفاق تمنعه عن الاقدام على المعصية فتحصل ان
شيئا من هذه الامور
ليست من الصفات النفسانية فحقيقة العدالة ليست الا
اجتناب المعاصي واتيان
[ . . . . . . . . . ]
الواجبات
أقول : ماذكرناه وان كان متينا غايته الا ان اتيان جميع
الواجبات وترك جميع
المحرمات حتى الخفية منها كالرياء حيث لايكون الا مع داع
الهي وهي ملكة
الديانة ، واما الحياء من الناس فهو انما يكون داعيا لترك
المعاصي الظاهرة ، بل لو
كان الداعي غير الهي يكون بحصب الغالب نفسه من الكبائر
من تدليس ونحوه ،
فلا يترتب على هذا البحث ثمرة .
ان قلت : ان لازم ماذكر كون الشخص اوان بلوغه عادلا اذا
لم يصدر عنه
فعل الحرام ، واتى بالواجبات .
قلت : العدالة التي هي بمعنى الاستقامة العملية على جادة
الشرع وعدم
الانحراف يمينا ويسارا تتوقف على الابتلاء بالمعصية
ووجود الداعي اليها ليصير
سالكا كي يصدق عليه كونه مستقيما اذ غير السالك لايصدق
عليه ذلك كما لايخفى
وكذلك بحسب تفسيرها في الصحيح ، اذ العفة والستر والكف
لاتصدق الا مع الابتلاء
ووجود الداعي او كونه مع حال تقتضي تلك الحالة ترك
المعصية وان ابتلى بها
المقام الثاني : في بيان طرق معرفة العدالة وما توهم
طريقيته وهي بعد العلم
الحاصل من المصاحبة او الشياع او غيرهما امور :
منها الاسلام مع عدم ظهور الفسق .
وقد استدل لطريقيته بوجوه :
الاول : الاجماع القولي والعملي ، كما ادعاه الشيخ - قده
- في الخلاف .
وفيه اولا : انه لاسبيل الى دعوى الاجماع مع مافي
كلماتهم من الاختلاف .
[ . . . . . . . . ]
وثانيا : ان مدرك المجمعين بما انه معلوم لايعتمد عليه
وان ثبت الاجماع .
الثاني : اصالة عدم الفسق .
وفيه : ان الفسق يتحقق بفعل المحرم وترك الواجب وهو في
الاول مسبوق
بالعدم ، وفي الثاني ليس كذلك ، بل مقتضى الاستصحاب عدمه .
وان شئت قلت : ان العدالة حادثة ولاتثبت باستصحاب امر
عدمي وهو عدم
الفسق .
الثالث : اصالة الصحة في اقوال المسلمين وافعالهم وهي
تقتضي الحكم بانه لم
يصدر فسق فيكون عدلا لعدم الواسطة بينهما .
وفيه : ان لاصالة الصحة معنيين :
الاول : حمل فعل المسلم وقوله على الوجه الحسن الذي دلت
النصوص عليه .
الثاني : انه اذا صدر فعل قابل لوقوعه على وجه يترتب عليه
الاثر ، وعلى وجه
فاسد يحمل على الاول ويبنى عليه ، وهي بكلا معنييها
اجنبية عن المقام .
اما المعنى الاول ، فلان تلك النصوص انما تكون في مقام
بيان عدم اتهام المسلم
وعدم سوء الظن به لا الالتزام بكون الصادر منه حسن واقعا .
واما المعنى الثاني ، فلانه انما يتم في ما اذا صدر فعل
قابل لوقوعه على
وجهين لا في مثل المقام مما يكون الشك في اصل صدور الفعل
الرابع : ان الظاهر من حال المسلم انه لايترك الواجبات
ولايفعل المحرمات
وفيه : انه ان كان منشؤ ذلك هي الغلبة فيرد عليه اولا :
ان الغلبة مع الفساق .
وثانيا : انها لاتفيد سوى الظن ، وهو لايغني من الحق
شيئا وان كان منشؤه
غير ذلك فعلى المستدل البيان .
الخامس : قاعدة المقتضي والمانع بدعوى : ان التدين
والاعتراف بصدق النبي
صلى الله عليه وآله وصحة شريعته مقتض لفعل ماامر به وترك
مانهي عنه ، فاذا شك
[ . . . . . . . . ]
في تحقق المقتضي بعد الشك في وجود المانع يبنى عليه .
وفيه اولا : ان تلك القاعدة لا مدرك لها .
وثانيا : ان الاعتراف بالنبوة وصحة الشريعة ليس مقتضيا
لذلك وانما المقتضي
له الخوف من العقاب .
السادس : انه لو لم يكتف بالاسلام وعدم ظهور الفسق لم
ينظم الاحكام
للحكام خصوصا في المدن الكبيرة والقاضي القادم اليها من
بعيد .
وفيه : ان هذا يتم اذا اعتبرنا حصول العلم بها والوثوق ،
وأما لو اكتفينا بحسن
الظاهر فلا يلزم ذلك كما لايخفى .
السابع : إطلاق قوله تعالى : ( واستشهدوا شهيدين من
رجالكم ( 1)
بتقريب : إنه يدل على الاكتفاء بشهادة كل احد وقد قيد
إطلاقه بدليل منفصل انه
يعتبر في الشاهد العدالة ، فمن علم فسقه يرد شهادته ومن
لم يعلم يؤخذ بإطلاق الآية
الشريفة .
وفيه : ان هذا يتم اذا جاز التمسك بالعام في الشبهة
المصداقية ، واما على المختار
من عدم جوازه فلا يتم كما لايخفى .
الثامن : اخبار مستفيضة :
احدها : صحيح حريز عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في اربعة شهدوا
على
رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران فقال
اذا كانوا اربعة من
المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور اجيزت شهادتهم جميعا
واقيم الحمد على الذي
شهدوا عليه ، انما عليهم ان يشهدوا بما ابصروا وعلموا
وعلى الوالي ان يجيز شهادتهم
إلا ان يكونوا معروفين بالفسق ( 2 ) .
.....................................................
( 1 ) سورة البقرة 282 .
( 2 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 18
[ . . . . . . . . . ]
ثانيها : خبر علقمة عنه ( عليه السلام ) عمن يقبل شهادته
ومن لايقبل فقال :
ياعلقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت الا
شهادة الانبياء والاوصياء
( عليهم السلام ) لانهم المعصومون دون سائر الخلق فمن لم
تره بعينك يرتكب ذنبا ولم
يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من اهل العدالة والستر ،
وشهادته مقبولة وان كان في
نفسه مذنبا ( 1 ) .
ثالثها : خبر العلا بن سيابة عن ابي عبد الله ( عليه
السلام ) عن شهادة من
يلعب بالحمام ، قال ( عليه السلام ) : لاباس به اذا كان
لا يعرف بفسق ( 2 ) .
رابعها : ماعن الامام علي ( عليه السلام ) : انه قال
لشريح : واعلم ان المسلمين
عدول بعضهم على بعض الا مجلودا بحد لم يتب منه او معروفا
بشهادة الزور او
ظنين ( 3 ) .
خامسها : حسن البزنطي عن ابي الحسن ( عليه السلام ) عمن
اشهدنا صبيين
على الطلاق ايكون طلاقا ؟ فقال ( عليه السلام ) : من ولد
على الفطرة اجيزت شهادته
على الطلاق بعد ان يعرف منه خير ( 4 ) .
سادسها : خبر ابن المغيرة ( 5 ) . وهو متحد المضمون مع
الحسن .
وهناك روايات اخر استدل بها لهذا القول ، ولكن لوضوح
فساد الاستدلال بها
اغمضنا عن ذكرها .
اقول : الجواب عن ذلك وجهان :
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 13 .
( 2 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 23 .
( 3 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 6 .
( 4 ) الوسائل باب 10 من ابواب مقدمات الطلاق حديث 4 .
( 5 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 5
[ . . . . . . . . . ]
الاول : انه لو تمت دلالتها لابد من صرفها عن ظاهرها
وحملها على ارادة ما
يجتمع مع اعتبار حسن الظاهر ، لما ستعرف من النصوص
الدالة على اعتبار ذلك .
الوجه الثاني : انه لاتتم دلالتها على هذا القول في
انفسها .
اما الاول ، فلان الظاهر ان المراد من عدم معروفيته
بالفسق عدم معروفيته
حتى عند المعاشرين معه وهذا يلازم مع حسن الظاهر
واما الثاني ، فلان صدره وان تضمن قبول شهادة المقترف
بالذنب الا ان ذيله
المتضمن لقوله ( عليه السلام ) : فهو من اهل العدالة
والستر وشهادته مقبولة وان كان
في نفسه مذنبا . يدل على اعتبار حسن الظاهر ويوجب تقييد
الصدر بما اذا كان ذنبه
مستورا لايعرفه اهله ومحلته .
واما الثالث ، فلما ذكرناه في الاول .
واما الرابع ، فلانه مجمل وقد استثني منه الظنين وهو كل
فاسق كما يشير اليه
صحيح ابي بصير عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قلت :
فالفاسق والخائن ، قال
( عليه السلام ) : هذا يدخل في الظنين ( 1 ) .
واما الاخيران ، فلانه ( عليه السلام ) في الجواب اقتصر
على بيان الحكم الكلي
وهو انه تقبل شهادة من كان معروفا بالخير والصلاح ، وليس
ذلك الا حسن الظاهر ،
والجواب بما لاينطبق على السؤال لعله من جهة التقية .
ومنها حسن الظاهر .
................................................................
( 1 ) الوسائل باب 30 من ابواب كتاب الشهادات حديث 5
[ . . . . . . . . . ]
ويشهد لاعتباره وكفايته جملة من النصوص .
منها : صحيح ابن ابي يعفور ( 1 ) المتقدم .
والدلالة على ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على
المسلمين
ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ماوراء ذلك ، ويجب
عليهم تزكيته واظهار
عدالته في الناس ، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس اذا
واظب عليهن ، وحفظ
مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين ، وان لايتخلف عن
جماعتهم في مصلاهم الا
من علة ، فاذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات
الخمس ، فاذا سئل في
قبيلته ومحلته ، قالوا : مارأينا منه الا خيرا مواظبا
على الصلوات متعاهدا لاوقاتها في
مصلاه ، فان ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين
الحديث . وهو صريح في ذلك
ومتضمن لبيان المراد من حسن الظاهر .
لايقال : انه اعتبر فيه عدم التخلف عن جماعة المسلمين
وهو غير معتبر قطعا .
فانه يقال : انه ( عليه السلام ) علل ذلك في ذيل الخبر
بانه ليس يمكن الشهادة
على الرجل بانه يصلي اذا كان لايحضر مصلاه ، ويتعاهد
جماعة المسلمين ، وانما جعل
الجماعة والاجتماع الى الصلاة ، لكي يعرف من يصلي ومن
لايصلي الى آخره .
ومنها : مرسل يونس عن الامام الصادق ( عليه السلام ) :
اذا كان ظاهر الرجل
ظاهرا مامونا جازت شهادته ولايسال عن باطنه ( 2 ) .
ومنها : مافي الخصال عن النبي صلى الله عليه وآله : من
عامل الناس فلم
يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته
وظهرت
عدالته ( 3 ) . ونحوه خبر سماعة .
..................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 15
[ . . . . . . . . . ]
ومنها : مافي جملة من النصوص المتقدم بعضها : اذا لم
يعرف بالفسق وقريب
منها غيرها .
وقد اورد على ذلك تارة بان حسن الظاهر ذات مراتب اولى
مرتبته مجهول
الحال واخر مرتبته المعصوم : فاي مرتبة منها جعلت طريقا
الى ثبوت العدالة .
واخرى : بان الظاهر والباطن اضافيان فالظاهر لاهل البلد
باطن بالنسبة الى
غيرهم ، والظاهر لاهل المحلة باطن لباقي اهل البلد
والظاهر للجيران باطن لباقي
اهل المحلة ، والظاهر لاهل البيت باطن للجيران ، والظاهر
لزوجة الشخص باطن
لغيرها وقد تكون السلسلة بالعكس .
اقول : ان الضابط هو ماذكره ( عليه السلام ) في صحيح ابن
ابي يعفور ( 1 ) ،
وحاصله : ان الشخص اذا كان بالاضافة الى من عاشره وخالطه
بالنسبة الى غير ما
يكون التفتيش عنه منهيا عنه فاعلا لما وجب عليه وتاركا
لما نهي عنه ، فهو حسن
الظاهر .
وقد عبر عن هذا في النصوص ، تارة بكونه ساترا لعيوبه من
جهة انه لم يظهر
منه لمن عاشره عيب شرعي .
واخرى بكون ظاهره ظاهرا مامونا من جهة انه لم يظهر منه
لمعاشريه خيانة
شرعية .
وثالثة بغير ذلك وهذا طريق شرعي الى العدالة وكل من احرز
ذلك بمعاشرته
معه او احرزه لمعاشره يجب عليه ترتيب آثار العدالة وان
كان عند غيره غير محرز ، فلو
كان الشخص معاشرا لاهل بيته خاصة وكان عند معاشرته معهم
لايظهر منه عيب
شرعي يكون هو حسن الظاهر فهم وكل من احرز هذا المعنى منه
عليهم ترتيب آثار
...................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 1
[ . . . . . . . . . ]
العدالة دون غيرهم ،
ومقتضى اطلاق هذه النصوص كفاية حسن الظاهر ولو لم يفد
الظن الفعلي
فضلا عن الوثوق به ، بل الظاهر من النصوص عدم اعتبار ذلك
مع قطع النظر عن
الإطلاق لاحظ قوله ( عليه السلام ) في مرسل يونس : ولا
يسال عن باطنه ( 1 ) فان
الظاهر منه انه لايلتفت الى الباطن بعد كون ظاهره حسنا ،
وقوله ( عليه السلام ) فيه :
اذا كان ظاهره ظاهرا مامونا لتوصيف الظاهر بالمأمونية ،
وقوله ( عليه السلام ) في
صحيح ابن ابي يعور : حتى يحرم على المسلمين التفتيش عما
وراء ذلك من عثراته
وعيوبه .
وبالجملة من تدبر في النصوص يظهر له أنها تدل على عدم
اعتبار إفادة الظن
بالإطلاق وغيره .
ونسب الى المشهور اعتبار افادة حسن الظاهر الظن الفعلي
بالعدالة الواقعية
وقد اختاره الشيخ الأعظم - ره - في موضع من كتاب الصلاة
، واستدل له بوجهين :
الاول : انصراف النصوص الى صورة إفادته للظن بدعوى ورود
الاخبار
مورد الغالب
وفيه : ان الغلبة ممنوعة ، مع ان الانصراف الناشئ عن
غلبة الوجود لايصلح
لتقييد الإطلاق .
الثاني قوله ( عليه السلام ) في خبر الكرخي : من صلى خمس
صلوات في اليوم
والليلة في جماعة فظنوا به خيرا واجيزوا شهادته ( 2 ) .
بدعوى : أنه يدل على ان اعتبار
هذا السبب إنما هو لكونه مظنة الخير .
وفيه : ان الامر بترتيب الاثر بلسان الامر بتحصيل الظن
بنفسه دليل على عدم
......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 12
[ . . . . . . . . ]
اعتبار حصول الظن ، والا فالظن عند حصول السبب ليس امرا
اختياريا لتعلق
التكليف به .
وان شئت قلت : انه يدل على ان حضور الشخص في الجماعة في
الصلوات
الخمس بمنزلة الظن ، ويكون طريقا الى العدالة ، لا ان
طريقيته منوطة بحصول
الظن ،
وعن جماعة منهم الشيخ الاعظم - ره - في رسالة العدالة
اعتبار الوثوق بها .
واستدل له : بالانصراف ، وبقوله - ( عليه السلام ) في
مرسل يونس : فإذا كان
ظاهره ظاهرا مامونا ( 1 ) بتقريب ان المراد به كون ظاهره
موجبا للوثوق بباطنه ، وبعبارة
اخرى : كون ظاهره موجبا لحصول الامن الفعلي ، ومعلوم انه
مساوق للوثوق بباطنه .
وبانه يقيد اطلاق هذه الروايات بما ورد في الجماعة
والشهادة مما دل على اعتبار
الوثاقة بالامانة والورع في الامام والشاهد مثل قوله (
عليه السلام ) : لاتصل الا خلف
من تثق بدينه وامانته ونحوه غيره بدعوى : ان ظاهر هذه
الادلة اعتبار الوثوق من
باب الموضوعية لا من باب الطريقية والكاشفية ، فاذا كان
كذلك فلا ينفع الطريق
غير المفيد للوثوق .
وفي الكل نظر .
اما الاول ، فلما تقدم .
واما الثاني ، فلان الظاهر من الخبر - كما تقدم - ارادة
مامونية ظاهره بمعنى
عدم ظهور مايوجب الخيانة شرعا عند المعاشرة معه ، اذ
حينئذ تتصف افعاله الظاهرة
بالامانة وعدم الخيانة .
واما الثالث ، فلان هذه الادلة - كسائر الادلة التي اخذ
فيها العلم او الوثوق
...............................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادة حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 10 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2
[ . . . . . . . . ]
في الموضوع - ظاهرها اعتباره من باب الطريقية والكاشفية
، وعليه فادلة حسن
الظاهر تكون حاكمة عليها كحكومة سائر ادلة الطرق
والامارات كالبينة عليها .
مع انه لو التزمنا باخذ الوثوق من باب الموضوعية فحيث ان
الدليل مختص
بالائتمام فيكون هذا شرطا آخر في الجماعة ويكون خارجا عن
محل الكلام .
فتحصل : ان الاظهر كون حسن الظاهر طريقا تعبديا لايعتبر
فيه الوثوق
او الظن بالعدالة الواقعية ، فما افاده جماعة من اعتبار
حصول العلم او الظن مما لا
شاهد له .
ومنها : الشهادة ، لا ريب في طريقيتها في الجملة ،
وتحقيق القول فيها بالتكلم
في موارد :
الاول : لا إشكال ولا لاخلاف في طريقية شهادة العدلين
بعدالته
ويشهد لها - مضافا الى عموم بعض ادلتها عموم المتقدم -
بعض نصوص
الباب المتضمن ان النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث
رجلين من اصحابه لتزكية
الشهود المجهولين فيعمل بقولهما جرحا وتعديلا ( 1 ) وهو
وان ورد في خصوص مورد
حكم الحاكم الا ان الظاهر بواسطة القرائن الداخلية والخارجية
الغاء الخصوصية .
وقد استدل لها الشيخ الاعظم - ره - بوجهين آخرين :
احدهما : مادل على قبول شهادة القابلة اذا سال عنها
فعدلت .
ثانيهما : فحوى مادل على اعتبارها في الجرح مثل قوله (
عليه السلام ) : من لم
.......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب كيفية الحكم واحكام الدعوى
حديث 1 من كتاب القضاء
[ . . . . . . . ]
تره بعينك يرتكب معصية ولم يشهد عليه شاهدان فهو من اهل
الستر والعدالة .
وفيهما نظر .
اما الاول ، فلعدم التعرض فيه لما يثبت به العدالة وانه
شهادة العدلين ، او
الشياع المفيد للقطع ، او غيرهما .
لا يقال : ان مقتضى اطلاق قوله ( عليه السلام ) : فعدلت
ثبوتها بشهادة
العدلين .
فانه يقال : ان من المقطوع به عدم إرادة الاطلاق منه
بحيث يدل على ثبوتها
بالتعديل باي وجه كان .
واما الثاني ، فلانه ان اريد بالفحوى ان الخبر يدل على
ثبوت العدالة بعدم
شهادة الشاهدين بفسقه ، فثبوتها بشهادتهما بالعدالة اولى
من ذلك .
فيرد عليه : ماتقدم من ان الخبر اما ظاهر بنفسه او
بضميمة سائر النصوص
في كونه بصدد جعل الطريقية لحسن الظاهر ، لاحظ ماتقدم ،
وعليه فلا اولوية محرزة
كما لايخفى .
وان اريد بها انه يدل على ثبوت الفسق بشهادة شاهدين فيدل
بالاولوية على
ثبوت العدالة بها . فيرد عليه : منع الاولوية كيف وان
احراز الفسق اسهل بمراتب من
احراز العدالة ، بل احرازها في غاية الصعوبة ، فتدبر ،
فالصحيح ماذكرناه .
ثم انها هل تكون معتبرة تعبدا حتى لو كان الظن على
خلافها ، او يشترط
عدم الظن على خلافها ، او يشترط افادتها الظن ؟ وجوه
مبنية على ملاحظة اطلاق
ادلة اعتبارها - وانصرافها الى صورة افادة الظن او صورة
عدم الظن بالخلاف ،
كذا في رسالة العدالة للشيخ الاعظم .
اقول : بناء على ماافاده - ره - في وجه اعتبار افادة حسن
الظاهر الوثوق في
حجيته من دعوى انصراف الادلة ، وتقييد اطلاق الادلة بما
ورد في صلاة الجماعة مما
[ . . . . . . . . . ]
دل على اعتبار الوثاقة بالامانة والورع ، لابد له من
اعتبار افادة الوثوق في المقام ، اما
على الاول فواضح ، واما على الثاني ، فلانه اذا كان
الوثوق معتبرا من باب الموضوعية ،
فلا ينفع الطريق غير المفيد للوثوق ولو كان بينة ، ولكن بما
ان الانصراف ممنوع ،
وظاهر الادلة اعتبار الوثوق من باب الطريقية ، فالاظهر
حجيتها مطلقا .
وفصل الشيخ الاعظم - ره - في المقام بين ما اذا كان
احتمال الخلاف مستندا
الى احتمال تعمد الكذب فلا يعتنى به ولو كان مظنونا ،
وبين مااذا كان احتمال الخلاف
مستندا الى احتمال الخطا والاشتباه فيعتبر الظن بالوفاق .
واستدل للشق الاول بان ظاهر ادلة حجية الخبر عدم
الاعتناء باحتمال تعمد
الكذب ، ومقتضى اطلاقها عدم الاعتناء به حتى مع الظن
بالخلاف .
واستدل لما ذهب اليه في الشق الثاني بان احتمال خطا
المخبر انما ينفيه ظاهر
حال المخبر المعتبر عند كافة العقلاء ، وهو انما يختص
بما اذا كان احتمال الخطا موهوما
لندرة صدوره منه .
اقول : اما مااستدل به في الشق الاول ، فيرد عليه : ان
ظاهر ادلة حجية البينة
عدم الاعتناء بكلا الاحتمالين ، فتامل .
واما مااستدل به في الشق الثاني ، فيرد عليه : ان اصالة
عدم الخطا تكون مما
عليه بناء العقلاء حتى مع الظن بالخلاف ، الا ترى ان
الكلام الصادر من المتكلم
يتطرق فيه هذا الاحتمال ، ومع ذلك يكون ظهوره متبعا وان
لم يظن بالوفاق ، وليس
للعبد الاعتذار عن مخالفة ظهور كلام المولى بعدم الظن
بالوفاق ، او بالظن بالخلاف ،
فالاظهر حجيتها مطلقا .
[ . . . . . . . . ]
المورد الثاني : شهادة العدل الواحد تثبت بها العدالة ،
لما عرفت في المسالة
العشرين من حجية الخبر الواحد في الموضوعات .
وقد استدل لعدم حجيته في المقام بما ورد من ارسال النبي صلى
الله عليه وآله
رجلين من اصحابه صلى الله عليه وآله لتحقيق حال الشهود
من اهل محلتهم
وقبيلتهم ( 1 ) ولو كانت شهادة الواحد كافية لما ارسل
رجلين .
وفيه اولا : ان الخبر ضعيف السند .
وثانيا : ان فعله اعم من اللزوم والتعين كما هو واضح .
المورد الثالث : هل تثبت العدالة بالشهادة الفعلية بمعنى
ان يفعل العدلان
فعلا يدل على عدالته كان يقتديا به ام لا ؟ وقد جزم
الشهيد - قده - في محكي الدروس
بالاول ، وهو الاظهر ، لصدق النبا والخبر على الفعل
كالقول لكونه منبئا ومخبرا عما في
ضمير الفاعل ، ولاجله يتصف بالصدق والكذب ، فيشمله مادل
على حجية البينة
وخبر الواحد .
واوضح من ذلك شمول بناء العقلاء الذي هو عمدة ادلة حجية
الخبر للفعل ،
فما عن الشيخ الاعظم - قده - من انصراف الادلة باجمعها
الى القول . ضعيف .
واضعف منه ما افاده بقوله من ان ارادة تصديقه في مطلق
مايدلك وينبئك عليه
....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب كيفية الحكم واحكام الدعوى
حديث 1 من كتاب القضاء
[ . . . . . . . ]
ويرشدك اليه واضح ، فان هذا لاوجه له سوى المناط وهو غير
قطعي .
ويؤيد ماذكرناه انه لم يتامل احد في العمل بتعديلات اهل
الرجال المكتوبة
في كتبهم ، اذ لو اختصت الادلة بالقول لم يكن دليل على
حجية المكتوبات .
ودعوى : الفرق بينهما بان الكتابة حيث انها نقش القول
المخصوص بما له من
المعنى فهي خبر ورواية ونبا - بوجوده الكتبي - وهذا
بخلاف الفعل فانه يدل على
المعنى فقط ، وليس وجودا للخبر والحديث مندفعة بان
الوجود الكتبي غير الوجود
الخارجي ، وترتيب اثر الثاني على الاول يحتاج الى دليل
آخر ، ومجرد المسامحة العرفية
والعناية لايجدي كما لايخفى .
وقد استدل المحقق الاصفهاني - ره - لعدم الاكتفاء
بالشهادة الفعلية بان
الفعل لايكون الا كاشفا عن اعتقاد الفاعل بالعدالة ، لان
عدالتهما لاتقتضي ازيد
من ذلك ، وهذا بخلاف القول فانه من جهة وضع الالفاظ لنفس
المعاني الواقعية
كاشف عن الواقع ، فلايقاس الفعل في كيفية الدلالة على
نفس المعنى بالقول فلا
يكون الفعل حينئذ دالا على امر ذي اثر بحسب المورد ، لان
جواز الاقتداء واشباهه
مرتبة على العدالة لا على اعتقاد المخبر بالعدالة .
وفيه : ماحققناه في مبحث الوضع من ان حقيقته التعهد بذكر
اللفظ عند ارادة
تفهيم المعنى ، وعليه فلا يكون اللفظ ايضا كاشفا عن
المعنى الواقعي ، بل عن إرادة
تفهيمه ، فلا فرق بين القول والفعل ، فالاظهر حجية
الشهادة الفعلية .
ومنها : الشياع الظني ، وهو اخبار جماعة يفيد الظن
بالعدالة ، والكلام فيه في
مقامين :
[ . . . . . . . . . ]
الاول : في حجيته في كل مورد يعسر اقامة البينة عليه
والعلم به ، او في جميع
الموارد .
الثاني : في حجيته في خصوص المقام .
اما المقام الاول ، فقد استدل لحجيته بوجوه :
الاول : مرسل يونس عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال
: سالته عن البينة
اذا اقيمت على الحق ايحل للقاضي ان يقضي بقول البينة من
غير مسالة اذا لم
يعرفهم ؟ قال ، فقال ( عليه السلام ) : خمسة اشياء يجب
الاخذ فيها بظاهر الحكم :
الولايات ، والمناكح ، والذبائح ، والمواريث والشهادات ،
فاذا كان ظاهره ظاهرا مامونا
جازت شهادته ولا يسال عن باطنه ( 1 ) بتقريب : ان المراد
من الحكم هي النسبة
الخبرية ، وظهور هذه النسبة عبارة عن الشيوع والاستفاضة
، فيدل المرسل على انه
يجوز الاخذ بهذا الظهور الخبري في هذه الامور الخمسة .
وفيه : ان الظاهر منه ارادة النسبة من الحكم لا الخبرية
، وظهور النسبة عبارة
عن ظهور الحال ، وهو غير ظهور الخبر عنها وشيوعه ، الا
ترى انه ربما تكون عدالة
زيد او ولديته لعمر وظاهرة ، ولكن الخبر عنها ليس شائعا .
والشاهد على إرادة ذلك من الحكم - مضافا الى ظهوره في
ذلك - قوله ( عليه
السلام ) في ذيل المرسل : فاذا كان ظاهره الى آخره ، فانه
صريح في ان الظاهر في قبال
الباطن ،
وعن بعض نسخ التهذيب : ظاهر الحال بدل ظاهر الحكم وعليه
فالامر
اوضح ، فيكون المتحصل من الخبر : انه في هذه الموارد
الخمسة يجوز الاخذ بظاهر
الحال ، ففي مورد الشهادات مثلا اذا كان الشاهد ظاهر
الصلاح عند الناس تقبل
.....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب الشهادات حديث 4
[ . . . . . . . . . . ]
شهادته .
الثاني : صحيح حريز المتضمن لقصة اسماعيل ، وفيه : فقال
اسماعيل : يا ابه اني
لم اره يشرب الخمر اني سمعت الناس يقولون ، فقال ( عليه
السلام ) : يابني ان الله
عز وجل يقول في كتابه : ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين )
يقول : يصدق الله ويصدق
للمؤمنين ، فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم ، ولاتاتمن
شارب الخمر ( 1 ) بتقريب : انه
( عليه السلام ) امر بترتيب آثار الواقع على مجرد قول
الناس الذي هو عبارة عن
الشياع ، وجعل ( عليه السلام ) من يقول الناس انه يشرب
الخمر شارب الخمر .
وفيه : ان المامور به ليس ترتيب آثار الواقع باجمعها ،
بل خصوص ماينفع
المخبر اليه ، ولايضر المخبر عنه .
وبعبارة اخرى : انه لاملازمة بين تصديق المخبر المامور به
في الخبر وبين العمل
على طبق قوله .
ويشهد لما ذكرناه قوله ( عليه السلام ) في خبر آخر : كذب
سمعك وبصرك عن
اخيك ، فان شهد عندك خمسون قسامة انه قال قولا وقال : لم
اقله . فصدقه وكذبهم .
فانه امر بتكذيب خمسين قسامة وتصديق قول الواحد ، وليس
ذلك الا لما ذكرناه ،
فتدبر .
الثالث : ان الظن الحاصل من الشياع اقوى من الظن الحاصل
من البينة
العادلة .
وفيه : انه لم يثبت كون ملاك حجية البينة افادتها الظن ،
بل الثابت خلافه ، كما
تقدم .
الرابع : إجراء دليل الانسداد في كل مايعسر اقامة البينة
عليه كالنسب
....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب كتاب الوديعة حديث 1
[ . . . . . . . . ]
والوقف بتقريب : ان تحصيل العلم فيها عسر ، وكذلك البينة
العادلة ، ويلزم من اجراء
الاصل من اصالة عدم النسب او عدم الوقف الوقوع في خلاف
الواقع كثيرا ،
والاحتياط متعذر او متعسر ، فلا مناص عن التنزل الى الظن
، لقبح ترجيح المرجوح
على الراجح .
وفيه : ان المقدمة الثانية لاتفيد مالم ينضم اليها ان
الوقوع في خلاف الواقع
مناف لغرض الشارع ، اذ لو لم يحرز ذلك كما في باب
الطهارة لما كان محذور من اجراء
الاصل ، وحيث ان هذا غير ثابت فلا يتم هذا الدليل ،
فتحصل انه لادليل على حجية
الشياع الظني مطلقا ولا في كل مايعسر اقامة البينة عليه .
اما المقام الثاني ، فقد استدل الشيخ الاعظم - قده - في
كتاب الصلاة في مسأله
العدالة على حجيته في خصوص المقام بوجوه :
( 1 ) مااستدل به على حجية مطلق الظن بالعدالة .
( 2 ) ذيل رواية ابن ابي يعفور ، وهو قوله : فاذا سئل عنه في
قبيلته ومحلته قالوا :
مارأينا منه الا خيرا .
( 3 ) ماروي ان النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث رجلين
لتحقيق حال
الشهود المجهولين من اهل محلتهم وقبيلتهم وكان صلى الله
عليه وآله يقبل قولهما اذا
رجعا بخبر ( 1 ) .
( 4 ) السيرة المستمرة الجارية في ترتيب آثار العدالة على
الشخص بمجرد
التسامع والتظافر ، فان الخلق الكثير يقتدون بالامام في
الصلاة ولم يشهد عند كل احد
عدلان على عدالة الامام ، بل لم يحصل لهم الا الظن
بالتسامع ونحو ذلك ، وايده بقوله
( عليه السلام ) : من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح ( 2 ) .
................................................................
( 1 ) الوسائل اب 6 من ابواب كيفية الحكم حديث 1 من ابواب
القضاء .
( 2 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 5
[ . . . . . . . . ]
اقول : وفي الكل مناقشة .
اما الاول ، فلما سياتي من عدم الدليل عليها .
واما الثاني ، فلان الظاهر من ذيل الصحيح وهو قوله (
عليه السلام ) : ويكون
منه التعاهد للصلوات الخمس اذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن
بحضور جماعة
المسلمين ، وان لايتخلف عن جماعتهم في مصلاهم الا من علة
، فاذا كان كذلك لازما
لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس فاذا سئل عنه في قبيلته
ومحلته قالوا : ماراينا
منه الا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لاوقاتها في
مصلاه فان ذلك يجيز شهادته
وعدالته بين المسلمين ( 1 ) انما هو سوقه لبيان طريق
للعدالة نافع لمن ليس له معاشرة
مع شخص الا في اوقات حضور الصلاة مع الجماعة ، وان حضوره
للجماعة دليل شرعا
على كونه تاركا لما نهى الله تعالى عنه ، وعاملا بكل
ماامر الله تعالى به ، فيكون قوله
( عليه السلام ) : فاذا سئل الى آخر ، غاية مترتبة على
لزوم مصلاه ، وتعاهده لحضوره
الجماعة ، ويكون المراد منه : ان من تعاهد لذلك يكون
لامحالة مذكورا بالخير بين
الناس وحسن الظاهر عندهم ، ويشعر بذلك تصديره بالفاء
وبعبارة اخرى : ان هذه الجملة من الرواية في مقام جعل
الطريقية للتعاهد
لحضور الجماعات ، وان ذلك يوجب كونه حسن الظاهر بين
المسلمين ، قوله ( عليه
السلام ) : فان ذلك يجيز شهادته . جواب لقوله : فاذا كان
كذلك الى آخره ، لالقوله : فاذا
سئل عنه ، فيكون المتحصل منه : انه ان تعاهد الصلوات صار
بحيث اذا سئل عنه
قالوا ما راينا منه الا خيرا فانه يجيز شهادته .
وإن أبيت إلا عن كون المراد بقوله : فإذا سئل الى آخر
كون خبر خيره
وصلاحه وعدالته شائعا ، وجعل ذلك طريقا لثبوت العدالة ،
فهو لم يجعل وحده طريقا ،
....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 1
[ . . . . . . . . ]
بل مع التعاهد لحضور الجماعات فلا يمكن الاستدلال به
للمقام ، كما هو واضح .
واما الثالث فلانه ضعيف السند ، مع ان الظاهر ان المراد
به قبول شهادة
الرجلين اذا اخبرا بكون الشاهد المجهول ظاهر الصلاح عند
قومه لا ان الشائع
عندهم كونه صالحا ،
واما الرابع ، فلان ثبوت السيرة من المتشرعين المبالين
بامر الدين واتصالها بزمان
المعصومين ( عليهم السلام ) على ترتيب آثار العدالة
بمجرد الشياع الظني ممنوع .
واما الاخير ، فلان المعروف بالصلاح غير ظهور خبر صلاحه
، هذا لو كان
المراد به معروفيته بالصلاح بين الناس .
ويمكن ان يكون المراد به معرفة من يريد ترتيب الآثار
صلاحه ، وعليه فعدم
اشعاره بما ادعى اوضح ، فالاظهر ان الشياع الظني ليس من
طرق ثبوت العدالة .
ومنها : الوثوق بالعدالة .
وقد استدل الشيخ الاعظم ، لطريقيته : بقوله ( عليه
السلام ) : لاتصل الا خلف
من تثق بدينه ( 1 ) .
وبقوله ( عليه السلام ) : اذا كان ظاهره ظاهرا مامونا
جازت شهادته ( 2 ) ،
بتقريب : ان ظاهره كون ظاهره موجبا للوثوق بباطنه .
وبقوله ( عليه السلام ) : من عامل الناس فلم يظلمهم الى
آخره بتقريب ( 3 ) انه
......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب صلاة الجماعة حديث 8 .
( 2 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 11 من ابواب صلاة الجماعة حديث 9
[ . . . . . . . ]
لايجب اخوة غير الثقة المعتمد ، فقوله في ذيله : وجبت
اخوته يدل على اعتبار حصول
الوثوق .
وبانه المتيقن من جميع الاطلاقات الدالة على حسن الظاهر .
وفي الكل مناقشة .
اما الاول ، فلاختصاصه بصلاة الجماعة ، والمدعى اعم من
ذلك .
وماقيل من انه لااطلاق له فلعله الوثوق الخاص والحاصل من
البينة او
الطريق المعتبر الآخر وان كان يرد على من التزم بتقييد
حجية تلك الطرق بصورة افادتها
الوثوق ، ولكن لايرد على مااخترناه من حجيتها مطلقا اذ
عليه لو التزم بارادة الوثوق
الخاص لزم اللغوية او تقييد ادلة تلك الطرق بما اذا افاد
الوثوق ، كما لايخفى .
واما الثاني ، فلما مر من ان ظاهره إرادة كون ظاهره
ظاهرا مامونا من حيث
عدم ظهور الخيانة منه شرعا عند المخالفة ، فراجع .
مع انه لو تم ماذكرناه فانما يدل على طريقية حسن الظاهر
الموجب للوثوق
لا الوثوق المطلق .
وبه يظهر مافي الاخيرين مضافا الى انه يرد على الاول
منهما : ان الظاهر منه
وجوب اخوة من له ظاهر حسن وان لم يوثق به ولم يدل دليل
على عدم وجوب اخوة
غير الثقة المعتمد .
ويرد على ثانيهما : ان تلك الادلة انما تدل على طريقية
حسن الظاهر من غير
دخل لحصول الوثوق منه فيها .
فالصحيح ان يستدل لحجيته ببناء العقلاء على العمل مع
الوثوق معاملة العلم ،
ولذا قيل : إنه علم عادي ، ولازم هذا حجيته في جميع
الموراد .
[ . . . . . . . . ]
ومنها : الظن بالعدالة ، وقد استدل على طريقيته لثبوتها
بوجهين :
الاول : ان باب العلم بالعدالة منسد ، ولا يجوز الرجوع
في جميع موراد الجهل
بها الى اصالة عدمها ، والا لبطل اكثر الحقوق ، بل ماقام
للمسلمين سوق ، فيتعين
الرجوع فيها الى الظن .
وفيه : ان ذلك يتم لو لم يجعل الشارع طريقا تعبديا اليها
، وقد جعل ذلك لما
تقدم من حجية حسن الظاهر وغيره ، ومعه لايتم المقدمة
الاولى ، اذ باب العلم وان
كان منسدا الا ان باب العلمي مفتوح .
الثاني : خبر الكرخي عن الامام الصادق ( عليه السلام ) :
من صلى خمس
صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنوا به خيرا واجيزوا
شهادته ( 1 ) .
وفي خبر آخر : فظنوا به كل الخير ( 2 ) .
والايراد عليهما بضعف السند في غير محله ، اذ الاخير وان
كان مرسلا ، الا
ان الاول مسند ، والمشهور وان كان هو ضعفه الا ان الاظهر
خلافه .
وتقريب الاستدلال بهما : ان الامر بالظن لايعقل ، لانه
عند حصوله سببه خارج
عن تحت الاختيار فيدلان بدلالة الاقتضاء على ان الظن
بكون الرجل من اهل
الخير والصلاح سبب لترتب احكامه ، وان
حضور الجماعة بمنزلته .
وفيه انهما لو رودهما في مقام بيان حكم المنزل لا المنزل
عليه لا إطلاق لهما من
تلك الجهة ، وعليه فلا بد من الاخذ بالمتيقن ، وهو حجية
خصوص الظن القوي
المعبر عنه عرفا بالوثوق ، فتحصل انه لادليل على طريقية
الظن .
.................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 12 .
( 2 ) المستدرك باب 35 من ابواب كتاب الشهادات حديث 1 من كتاب
القضاء
[ . . . . . ]
تعديل الشخص بقيام الطريق الى عدالته
تتميم : هل يجوز تعديل الشخص بمجرد قيام الطريق الى
عدالته عند من
حسن الظاهر والبينة وغيرهما ام لا ؟ وجهان ، اقواهما
الاول ، وذلك لوجوه :
الاول : انه وان كان لا كلام في ان الماخوذ في موضوع جواز
الشهادة هو العلم
بالمشهود به للنصوص الكثيرة الدالة عليه ، الا ان الظاهر
منها ان العلم ماخوذ على
وجه الطريقية لا على وجه الصفتية ، خلافا للشيخ الاعظم
ره ، اذ الظاهر منها ان
النظر فيها الى ثبوت الواقع لاتحقق هذا الوصف من حيث هو
، وعليه فبناء على ما
اخترناه تبعا للشيخ الاعظم - ره - من قيام الطرق
والامارات بادلة اعتبارها مقام
القطع الطريقى المحض ، والماخوذ في الموضوع على وجه
الطريقية تجوز الشهادة
مستندة الى اية امارة قائمة على الشئ ، بل بناء على
ماحققناه من قيام الاصول
المحرزة مقام القطع الماخوذ في الموضوع من حيث انه مقتض
للبناء العملي ، والجري
على وفق ماتعلق القطع به لا من حيث انه انكشاف للواقع ،
تجوز الشهادة مستندة
الى الاستصحاب اذا ثبت كون العلم الماخوذ في الشهادة
ماخوذا على هذا النحو ،
وعلى ذلك فالنصوص الدالة على جواز الشهادة - مستندة الى
الاستصحاب الذي
عقد لها في الوسائل بابا في كتاب الشهادات - يمكن
تطبيقها على القواعد ، وكيف
كان فلا ينبغي التوقف في جواز الشهادة مستندة الى
الامارة .
وبما ذكرناه ظهر ضعف مافي ملحقات العروة مستدلا على عدم
جواز الشهادة
بالملك مستندة اليها بانه لاعتبار العلم في الشهادة
لايجوز ذلك ، بل الشهادة مستندة
اليها تدليس محرم .
الثاني : قوله ( عليه السلام ) في موثق حفص الوارد في
مقام بيان جواز الشهادة
بالملك مستندة الى اليد : فمن اين جاز لك ان تشتريه
ويصير ملكا لك ؟ ثم تقول بعد
[ . . . . . . . ]
الملك :
هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من
قبله اليك ( 1 ) فان
ظاهر ذلك هو التلازم بين جواز ترتيب الاثر في عمل نفسه
وجواز الشهادة به لغيره .
الثالث : النصوص الخاصة الواردة في المقام .
ففي صحيح ابن ابي يعفور المتقدم بعد قوله ( عليه السلام
) : والدليل على ذلك
كله ان يكون ساترا الى آخره ويجب عليهم تزكيته وإظهار
عدالته .
وايضا فيه : ( ولو لا ذلك لم يكن لاحد ان يشهد بالصلاح (
2 ) .
وفي خبر الخصال بعد قوله ( عليه السلام ) : اذا حدثهم
فلم يكذبهم الى آخره ،
وجب ان يظهروا في الناس عدالته ( 3 ) .
وفي الخبر المتضمن ارسال النبي صلى الله عليه وآله رجلين
من اصحابه لتحقيق
حال الشهود : انهما ربما كانا يرجعان بخير لما راوا من
ذكرهم بالخير في قبيلتهم ، وكان
النبي صلى الله عليه وآله يقبل ذلك منهما ( 4 ) .
وهذه النصوص وان كان موردها حسن الظاهر والشياع الا انه
يثبت في
غيرهما من الامارات بضميمة عدم القول بالفصل ، فالاظهر
جواز تعديل الشخص
بقيام الطريق على عدالته ، بل الاظهر جوازه لو استصحب
عدالته .
اما المقام الثالث فهو في بيان امور :
......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 25 من ابواب كيفية الحكم واحكام
الدعوى حديث 2 كتاب القضاء
( 2 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 16 .
( 4 ) الوسائل باب 6 من ابواب كيفية الحكم حيث 1 من كتاب
القضاء
[ . . . . . . . . ]
الاول : ان المشهور بين من تاخر عن العلامة اعتبار
المروة في مفهوم العدالة
حيث عرفوها بانها هيئة راسخة تبعث على ملازمة التقوى
والمروة هو الذي يلوح
من عبارة المبسوط . كذا في رسالة العدالة للشيخ الاعظم
ره .
وفي الجواهر : ففي الذخيرة والكفاية دعوى الشهرة على
اعتبارها في عدالة
الشاهد والامام ، بل عن الماحوزية نقل حكاية الاجماع على
ذلك وظاهر المفاتيح ان
المشهور جعلها جزء من مفهوم العدالة .
وعن صريح جماعة وظاهر آخرين كالمفيد والحلي والصدوقين
والمحقق في
الشرائع والنافع ، العلامة في الارشاد ، وولده في موضع
من الايضاح ، والشهيد في نكت
الارشاد وغيرهم : عدم اعتبار المروة في العدالة ، بل هو
المنسوب الى المشهور بين من
تقدم على العلامة ، وهو الذي اختاره جمع من محققي من
تاخر عن الشيخ الاعظم
ره .
اقول : قول الفصل في المقام ان المروة تطلق على معنيين :
الاول : معناها اللغوى وهي الانسانية او ما يقاربها ،
فانها من المراء وهو يطلق
على الرجل والمراة ، فما في المنجد وعن الصحاح من
تفسيرها بالرجولية او كمالها خطا و
اشتباه .
والمراد من الانسانية في المقام هو مايقتضي الاعتدال في
القوى الثلاث :
العاقلة والشهوية والغضبية ، اذ الانسان اذا وافق قوته
الغضبية كان سبعا ، كما انه اذا
وافق قوته الشهوية كان بهيمة ، فالمروة هي الصفة الجماعة
لمكارم الاخلاق ومحاسن
الآداب ، وركوب المروة بهذا المعنى من فضائل النفس وركوب
منا فيها منبعث عن
رذيلة نفسانية وهي بهذا المعنى لاتعتبر في العدالة قطعا
، لما مر من عدم اعتبار العدالة
الاخلاقية المرادفة لهذا المعنى ، وانها غير العدالة
الشرعية .
وعلى هذا يحمل ماوررد في بعض النصوص من ان ستة من المروة
: ثلاثة في
[ . . . . . . . ]
الحضر ، وثلاثة في السفر ، اما التي في الحضر : فتلاوة
القرآن وعمارة المسجد واتخاذ
الاخوان في الله ، واما التي في السفر : فبذل الزاد وحسن
الخلق والمزاح في غير
المعاصي ( 1 ) .
وقريب منه غيره ، وكذا مافي خبر هشام عن الامام الكاظم (
عليه السلام ) لا
دين لمن لا مروة له ، ولا مروة لمن لاعقل له ( 2 ) اذ من
لاعقل له ليس له ما به يمتاز
فعل ماينبغي عن فعل مالاينبغي ، فليس له الصفة المعبر
عنها بالانسانية ، ومن ليس
له تلك ليس له دين ، وبالجملة المروة التي استعملت في
النصوص اريد بها هذا المعنى .
الثاني : ماهو المصطلح في هذا الباب ، وهو ان لايفعل مايتنفر
النفوس عنه
عادة ، ويختلف ذلك باختلاف الاشخاص والازمنة والامكنة ،
وخلاف المروة بهذا المعنى
تارة يستلزم الطعن في عرض الرجل كما اذا لبس رئيس الشيعة
اقبح لباس الجندى من غير داع الى ذلك وخرج الى السوق ،
واخرى يقتضي نقصان
عقل فاعله ، وثالثة لايوجب شيئا من ذلك ، وانما يكون مما
يستهجن عادة من دون
قبح شرعي او عقلي فيه كالأكل في السوق ونحوه .
اما الاولان فلا كلام في منافاتهما للعدالة ، ، اما
الاول ، فللامر بحفظ العرض ،
واما الثاني فواضح .
واما الاخير فقد استدل على منافاته للعدالة واخذ المروة
في مفهومها بوجوه .
منها : ان منافيات المروة منافية لمعنى العدالة التي هي
عرفا ولغة : الاستواء
والاستقامة ، فاذا كان الرجل بحيث لايبالي بالاشياء
المنكرة عرفا لايعد من
اهل الاستقامة لديهم فلا يشمله ما اخذ في موضوعه العدالة .
وفيه : ان العدالة الشرعية هي الاستقامة على جادة الشرع
وعدم الميل عنها
...............................................................
( 1 ) الوسائل باب 49 من ابواب آداب السفر حديث 12 من
كتاب الحج .
( 2 ) اصول الكافي ج 1 ص 19 الطبع الجديد
[ . . . . . . . ]
يمينا ويسارا لامطلق الاستقامة ، فخلاف المروة لاينافي
هذه العدالة .
نعم ربما يكشف ذلك عن رذيلة نفسانية كقصر الهمة ونحوه
فهو ينافي العدالة
الاخلاقية التي عرفت انها اخص من العدالة الشرعية .
ومنها : قوله ( عليه السلام ) في صحيح ابن ابي يعفور :
ان تعرفوه بالستر ( 1 )
بتقريب : ان المراد منه ستر العيوب الشرعية والعرفية .
وفيه : انه بعد مالاريب في عدم إرادة ستر كل شئ وارادة
ستر العيوب ، لا
محالة يكون المراد منه ستر العيوب الشرعية ، لانه
المتبادر منه كما لايخفى .
ومنها : قوله ( عليه السلام ) فيه : وكف البطن والفرج
واليد واللسان بناء على
ان منافيات المروة غالبا من شهوات الجوارح .
وفيه : ان المراد بكف الجوارح ليس كفها عن كل ماتشتهيه
حتى المباحات ،
بل المراد كفها عن المحرمات والمعاصي .
ومنها : قوله ( عليه السلام ) في الصحيح : والدلالة على
ذلك ان يكون ساترا
لجميع عيوبه . فان ارتكاب منافيات المروة عيب في العرف .
وفيه : انه لاينبغي التوقف في عدم ارادة كل مايعد منقصة
من العيوب ، والا
لزم تخصيص الاكثر ، فلا محالة يكون المراد به العيوب
الشرعية .
مضافا الى انها المنساق منها عند اطلاقها في كلمات
الشارع الاقدس .
مع انه لو تمت دلالة هذه الفقرة كان لازمها دخلها في
الطريق المثبت لها لا في
مفهومها ، كما لايخفى .
فتحصل : ان الاظهر عدم اعتبار المروة مفهوم العدالة .
وقد يقال : ان ركوبها معتبر في طريقية حسن الظاهر ، ومع
فقدها لايكون
.................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 1
[ . . . . . . . . . ]
حسن الظاهر كاشفا ، فان فعل منافي المروة يكشف عن قلة
المبالاة بالدين بحيث لا
يوثق معه بالتحرز عن الكبائر .
وفيه اولا : ماتقدم من طريقية حسن الظاهر وان لم يفد
الظن الشخصي فضلا
عن الوثوق ، وعليه فلا وجه لاعتباره كما هو واضح .
وثانيا : ان عدم المبالاة بعادات الناس لايكشف عن عدم
المبالاة في الدين .
ولو اغمضنا عن جميع ماذكرناه وسلمنا ظهور ماتقدم في
اعتبارها في العدالة
او طريقها لامناص عن صرفها عن ظاهرها ، اذ قوله ( عليه
السلام ) في خبر علقمة :
فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا ولم يشهد عليه بذلك شاهدان
فهو من اهل العدالة
والستر وشهادته مقبولة ( 1 ) يكون حاكما عليها .
ويؤيده جملة من النصوص الواردة في باب الشهادات الدالة
على كفاية
الاجتناب عن العيوب الشرعية كصحيح حريز : اذا كانوا اربعة من
المسلمين ليس
يعرفون بشهادة الزور اجيزت شهادتهم . ونحوه غيره ،
فالاقوى عدم اعتبارها في
العدالة ولا في طريقها .
الأمر الثاني : قد اشتهر بينهم التفصيل بين الكبيرة
والصغيرة ، وان الكبيرة
فعلها مناف للعدالة مطلقا ، وان الصغيرة لاتنافيها إلا
مع الاصرار ، والكلام في هذا
الامر يقع في جهات :
الاولى : نسب الى المشهور انقسام المعاصي الى كبائر
وصغائر .
................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 13
[ . . . . . . . . . ]
وعن مفتاح الكرامة نسبته الى قاطبة المتأخرين .
وعن مجمع البرهان نسبته الى العلماء .
وعن جماعة من الاصحاب منهم : المفيد والقاضي والتقي
والشيخ في العدة
والطبرسي والحلي إنكار ذلك ، وان كل معصية كبيرة ،
والاختلاف بالكبر والصغر انما
هو بالاضافة الى معصيه اخرى ، ونسب الشيخ ذلك الى
الاصحاب ، وكذلك الطبرسي
في المجمع .
وعن الحلي بعد ذكر كلام الشيخ في المبسوط الظاهر في
انقسام الذنوب الى
كبائر وصغائر : ( هذا القول لم يذهب اليه - ره - الا في
هذا الكتاب ، ولا ذهب اليه احد
من أصحابنا لأنه لاصغائر عندنا في المعاصي الا بالاضافة
الى غيرها ) .
وقد استدل للأول بقوله تعالى : ان تجتنبوا كبائر ماتنهون
عنه نكفر عنكم
سيئاتكم ( 1 ) .
وبالاخبار الصحيحة الصريحة في ذلك كصحيح ابن ابي يعفور
المتقدم :
( ويعرف باحتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار ) ( 2 ) .
وحسن ابن محبوب قال : كتب معي بعض اصحابنا الى ابي الحسن
( عليه
السلام ) يسأله عن الكبائر كم هي وماهي ؟ فكتب الكبائر
من اجتنب ماوعد الله
عليه النار كفر عنه سيئاته اذا كان مؤمنا ( 3 ) .
وبأخبار محمد بن مسلم ( 4 ) وابي بصير ( 5 ) والحلبي ( 6
) وعبيد بن زرارة ( 7 ) ومسعدة
بن صدقة ( 8 ) وعبد العظيم بن عبد الله الحسني ( 9 )
الواردة في تعداد الكبائر وغير ذلك من
..........................................................
( 1 ) النساء الآية 35 .
( 2 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 1 .
( 3 ) و ( 4 ) و ( 5 ) الوسائل باب 46 من ابواب جهاد النفس
حديث 1 - 6 - 16 .
( 6 ) الوسائل باب 44 من ابواب جهاد النفس حديث 5 ، وباب 45
منها حديث 32 .
( 7 - 8 - 9 ) الوسائل باب 46 من ابواب جهاد النفس حديث 24 - 13 - 2
[ . . . . . . . . . ]
النصوص .
اقول : اما الآية الشريفة فيمكن ان يقال : ان المراد
بالكبائر فيها : جميع
المعاصي ، والمراد من السيئات المكفر عنها : سيئات
المؤنين قبل نزول الآية ، فيكون
المتحصل من الآية : انكم اذا اجتنبتم هذه الكبائر التي
ذكرناها في هذه السورة نكفر
عنكم ماوقع منها منكم في الماضي ، كقوله تعالى : ( قل
للذين كفروا إن ينتهوا يغفر
لهم ماقد سلف ) .
ويمكن ان يكون المراد بها : انكم اذا عزمتم على اجتناب
جميع المعاصي
واجتنبتموها كفرنا عنكم سيئاتكم السابقة عليه .
ويحتمل ان يكون المراد بالسيئات : نية المعصية ، فيكون
المراد : ان تجتنبوا جميع
المعاصي نكفر مانويتم فعله من المعاصي .
قال الشهيد في محكى القواعد : لايؤثر نية المعصية عقابا
ولا ذما مالم يتلبس
بها وهو مما ثبت في الاخبار العفو عنه .
ويحتمل ان يكون المراد بالكبائر : المعاصي التي لم
يستغفر منها ، ومقابلها ماتاب
عنه .
ففي حسن ابن ابي عمير عن الامام الكاظم ( عليه السلام )
: من اجتنب
الكبائر من المؤمنين لم يسال عن الصغائر ، قال الله
تعالى : ( ان تجتنبوا ) الى ان قال
( عليه السلام ) : قال النبي صلى الله عليه وآله لاكبير مع
الاستغفار ، ولا صغير مع
الاصرار ( 1 ) وقد فسر ( عليه السلام ) فيه الاصرار بان
من لم يندم عليها كان مصرا
والمصر لايغفر له .
ويشهد لإرادة جميع المعاصي من الكبائر - مضافا الى الحسن
وماهو مثله
.....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 47 من ابواب جهاد النفس حديث 11
[ . . . . . . . ]
مضمونا - مادل على ان كل معصية كبيرة او شديدة ، ففي
موثق زرارة عن الامام
الباقر ( عليه السلام ) الذنوب كلها شديدة ( 1 ) .
ومادل على التحذير من استحقار الذنب معللا بانه قد يكون
غضب الله فيه ،
ففي النبوي : ولا يستقلن احدكم شيئا من المعاصي فإنه
لايدري في ايها سخط الله ( 2 ) .
ونحوه غيره .
ومادل على ان الكبائر ما اوعد الله عليه النار كحسن ابن محبوب
المتقدم ،
بضميمة الآية الشريفة : ( ومن يعص الله ورسوله فان له
نار جهنم ) ( 3 ) فإنها
متضمنة للإيعاد على كل معصية بالنار .
وبما ذكرناه ظهر الجواب عن صحيح ابن ابي يعفور ، وحسن
ابن محبوب ، وحمل
هذه النصوص على ارادة الايعاد على شئ بالخصوص خلاف
الظاهر يحتاج الى
قرينة ، مع ان من جملة ماذكر في صحيح عبد العظيم من
الكبائر مالم يتوعد الله عليه
النار بالخصوص ، فان جملة منها لم يتعرض القرآن لعقوبتها
، ككتمان الشهادة ، وجملة
منها نطق الكتاب بعقوبات اخر عليها غير النار كأكل الربا
والغلول والسحر
وغيرها .
واما النصوص المتضمنة لتعداد الكبائر فهي من جهة مافيها
من الاختلاف
على خلاف المطلوب ادل ، وقد عقد في الوسائل في كتاب
الجهاد بابا لتعيين الكبائر
اشتملت نصوصه على اربعين او أكثر ، وهي مختلفة في عددها
وستمر عليك .
فتحصل مما ذكرناه ان الاظهر ان كل ذنب كبير ، وان
الاختلاف بالكبر
والصغر انما هو بالاضافة الى معصية اخرى .
..................................................................
( 1 ) الوسائل باب 40 من ابواب جهاد النفس حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 43 من ابواب جهاد النفس حديث 11 .
( 3 ) النساء آية 18
[ . . . . . . . . . ]
الجهة الثانية - على القول بانقسام المعاصي الى الكبائر
والصغائر - بماذا
تمتاز الكبيرة عن الصغيرة شرعا ؟ وقد ذكر الشيخ الاعظم -
ره - انها تمتاز بامور :
الاول : النص المعتبر على انها كبيرة ، كما ورد في بعض
المعاصي ( 1 ) .
الثاني : النص المعتبر على انها مما اوجب الله عليه
النار .
الثالث : النص في الكتاب الكريم على ثبوت العقاب عليها
بالخصوص .
الرابع : دلالة العقل والنقل على اشدية معصيتها مما ثبت
كونه من الكبيرة او
مساواتها معه .
الخامس ان يرد النص بعدم قبول شهادة عليه .
اقول : المناط الواقعي لكون معصية كبيرة كون مفسدتها
قوية الموجب ذلك
لكون مبغوضيتها شديدة المترتب على ذلك كون العقوبة
المترتبة عليها عظيمة .
واما الكاشف عن ذلك في مقام الاثبات ، فالضابط الكلي
الذي ذكر في
النصوص هو ان كل مااوعد الله عليه النار فهو كبير .
وفي جملة من الصحاح هو : كل ماأوجب الله عليه النار ( 2 ) .
وقد يقال : ان الاول اخص من الثاني من جهة ان ايجابه
تعالى العقاب واثباته
كما يصدق مع ايجابه نفسه كذلك يصدق لو جعل العقاب من
النبي او الامام بتفويض
منه تعالى اليهما ، وهذا بخلاف الايعاد والاخبار فان
ايعاد كل من الله تعالى والمعصوم
( عليه السلام ) إيعاده بنفسه لا ايعاد من قبل غيره ، وعلى
ذلك فالضابط الثاني اعم
من الاول .
.............................................................
( 1 ) الوسائل باب 45 من ابواب جهاد النفس .
( 2 ) الوسائل باب 46 من ابواب جهاد النفس
[ . . . . . . ]
ولكن لو اخذ بالظاهر كان ظاهر الثاني ايضا ايجاب الله
تعالى بلا واسطة ، ولو
بني على التصرف امكن التصرف في الاول بجعل ايعاده تعالى
اعم من ايعاده بنفسه
او باخبار المعصوم ( عليه السلام ) عن ايعاد الله تعالى
، فالحق انهما ضابط واحد .
ثم إن المراد بايعاد الله تعالى وايجابه هو المعنى الاعم
، لانه مقتضى الجمع بين
هذه النصوص وبين صحيح عبد العظيم الحسني المروي عن
الكافي وغيره ، لاستدلاله
( عليه السلام ) فيه على كون ترك الصلاة من الكبائر بان
رسول الله صلى الله عليه
وآله قال : من ترك الصلوة متعمدا فقد برئ من ذمة الله
وذمة رسول الله صلى الله عليه
وآله ( 1 ) .
اللهم الا ان يقال : ان المراد من ايعاد الله اعم من
ايعاده تعالى بنفسه في
الكتاب صريحا او بضم بعض الايات الى بعض ففي المثال
المقصود من الصحيح
اثبات الكبرى لما في الكتاب ( ونسوق المجرمين الى جهنم
وردا لايملكون
الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) ( 2 ) .
اذ من خرج عن ذمة الله لاعهد له منه تعالى ،
والجمع بين الصحيح المشار اليه وبين النصوص المتضمنة لان
الضابط في معرفة
الكبائر ايعاد الله عليها النار - لما فيه من عد جملة من
المعاصي من الكبائر التي نص
في الكتاب بترتيب عقوبات اخر عليها ، كما يظهر لمن راجعه
- يقتضي حمل النار على
العذاب الاخروي .
فتحصل ان الضابط في معرفة الكبيرة ان يقال : انها كل
مااوعد الله ولو
بواسطة النبي او الامام عليه العذاب الاخروي ، وعلى ذلك
فسائر الامور التي ذكرها
الشيخ الاعظم في مقام الضابط غير الاخير ترجع الى الاول .
......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 46 من ابواب جهاد النفس حديث 2 .
( 2 ) وسورة مريم - الآية 91
[ . . . . . . . . ]
اما الثاني والثالث فواضح .
واما الرابع فلانه اذا ثبت اشدية معصية مما اوعد الله
تعالى عليه لامحالة تكون
هي مما اوعد الله عليه بالفحوى .
واما الاخير فهو ليس ميزانا ، اما بناء على كون فعل
الصغيرة مضرا بالعدالة
فواضح ، واما بناء على عدم اضراره بها ، فلان تلك النصوص
تدل على ان المعصية
الفلانية كالفسق مانعة عن قبول الشهادة وليس المانع
منحصرا في الفسق ، كي تدل
على ان تلك المعصية موجبة للفسق فتكون كبيرة .
فتحصل ان الضابط الوحيد هو مافي جملة من النصوص ، وهو
كون الفعل
مما اوعد الله تعالى عليه النار ،
يعتبر في العدالة اجتناب جميع المعاصي
الجهة الثالثة : المعروف بين القائلين بانقسام الذنوب
الى الكبائر والصغائر
ان فعل الصغيرة لايقدح في العدالة بل في كتاب الصلاة
للشيخ الاعظم - ره - دعوى
اجماعهم عليه .
وقد استدل لذلك بوجوه :
الاول : ان الآية الشريفة ( 1 ) تدل على تكفير الصغائر
باجتناب الكبائر ، وعليه
ففعل الصغيرة من المجتنب عن الكبائر دائما من المقتضي
المقرون بالمانع فلايؤثر ، وهو
اولى من التوبة ، لانها رفع وهذا دفع .
توضيح ذلك : انه لااشكال في ان فعل المعصية لايكون موجبا
لعدم اتصاف
.......................................................
( 1 ) سورة النساء آية 35
[ . . . . . . . ]
الفاعل بالعدالة لو تاب وندم بل انما يكون موجبا لذلك
مادام هو مطالب بتلك
المعصية فاذا فرضنا رفع المطالبة لامانع من اتصاف الفاعل
بالعدالة ، ولهذا الا كلام في
ان المعصية التي تاب عنها لاتكون موجبة ، لعدم اتصاف
الفاعل بالعدالة ، وعلى هذا
فبما ان فعل الصغيرة من المجتنب عن الكبائر لايكون معصية
يكون فاعلها مطلبا
بها ، بل هو لايطالب بتلك المعصية فلا يضر هو بالعدالة
ولا يوجب ارتفاعها .
وان شئت قلت : ان المعصية التي لاتوجب البعد عن المولى
كالصغيرة لا
تكون سببا لرفع العدالة .
وفيه : ان غاية ما يمكن استفادته من الآية والرواية على
فرض صحة انقسام
الذنوب انما هو عدم العقاب على فعل الصغيره من المجتنب
عن الكبائر ، فيكون
سبيل هذه الآية سبيل مادل على تكفير الاعمال الصالحة
للسيئات من غير فرق بين
الكبائر والصغائر ، ولا تدل على عدم مبغوضية الفعل ولا
على عدم كونه موجبا للبعد
عن الله تعالى ، ولا على عدم كونه موجبا للانحراف عن
جادة الشرع ، وعدم العدالة
انما يدور مدار ذلك لا مدار العقاب ، فلا يكون من
المقتضي المقرون بالمانع وهذا
بخلاف التوبة فإنها توجب اتصاف فاعل المعصية بالعدالة ،
لما دل على ان التائب من
الذنب كمن لاذنب له ، فهي توجب عود الفاعل الى جادة
الشرع بعد الانحراف
عنها وعليه فلا وجه لقياس إحدهما بالآخر .
الوجه الثاني : قوله ( عليه السلام ) في صحيح ابن ابي
يعفور في مقام تعريف
مفهوم العدالة : وتعرف باجتناب الكبائر التي اوعد الله
عليها النار ( 1 ).
اقول : قوله ( عليه السلام ) : وتعرف الى آخره ، اما ان
يكون معرفا للعدالة او
لمعرفها لو تتمة له ، وعلى كل تقدير لايصح الاستدلال به .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب كتاب الشهادات حديث 1
[ . . . . . . . . . ]
اما على الثاني ، فلانه عليه لايدل الا على ان اجتناب
الكبائر طريق الى ثبوت
العدالة ، وأما أنها بأي شئ تثبت فلا بد فيه من الرجوع
الى صدر الصحيح ، وهو
باطلاقه يدل على ان حقيقة العدالة ستر جميع المعاصي .
واما على الثالث ، فلانه بعد ذكر الستر والعفاف الذين عرفت
ان مقتضى
اطلاقهما ترك جميع العيوب الشرعية بعدم فعلها ، فذكر ذلك
اما لشدة الاهتمام
بالمعاصي الكبيرة ، او للتنبيه على التلازم الغالبي بين
ترك جميع الكبائر وبين ترك جميع
المعاصي .
ولعل السر فيه : ان المعاصي الكبيرة غالبا مقرونة
بالدواعي النفسانية والقوى
الحيوانية دون الصغائر ، فمن كانت درجة ايمانه بحد توجب
ترك جميع الكبائر لامحالة
يترك الصغائر التي يكفي في تركها اولى درجة الايمان ،
فلا يدل على عدم اضرار الصغيرة
بالعدالة .
واما على الاول ، فلأنه وان كان يمكن تصحيحه بنحو لايرد
عليه مااورده
الشيخ الاعظم - ره - بقوله : اما ان يراد من المعرفين كليهما معنى واحد ،
واما أن يراد
من كل منهما معنى ، وعلى الاول يلزم التكرار ، وعلى
الثاني يلزم تغاير الشارحين لمفهوم
واحد ، بان يقال : ان الستر والعفاف والكف من العناوين
التوليدية من ترك المعاصي
مع وجود الداعي بمدافعة الهوى وترجيح جانب الترك على
الفعل .
وبعبارة اخرى من حفظ النفس وصونه عن الانحراف عن جادة
الشرع .
وعليه فالمعرف الاول هو العنوان التوليدي ، والثاني هو
المعنون ، فيكون
المتحصل من الصحيح ان الاستقامة العملية على جادة الشرع
تعرف باحد الامرين
المتلازمين : إما الصون المتقدم رتبة على الاجتناب ، او
بنفس الاجتناب الا انه
يتعين على هذا التصرف فيه بان يقال : ان التعبير باجتناب
الكبائر انما يكون للملازمة
الغالبية بين تركها وترك جميع المعاصي ، لما في صدر
الصحيح من تفسير العدالة بالستر
[ . . . . . . . ]
الذي هو عنوان لعدم فعل شئ من المعاصي ، ولمفهوم قوله في
خبر علقمة : فمن لم
تره بعينك يرتكب ذنبا ولا اقل من الاجمال فلا يصح
الاستدلال به .
الثالث : ما يستفاد من كلمات بعض اكابر المحققين وهو :
ان الذنوب التي
ليست في انظار اهل الشرع كبيرة يتسامحون في امرها فكثيرا ما
لايلتفتون الى
حرمتها حال الارتكاب ، او يلتفتون اليها ولكن يكتفون في
ارتكابها باعذار عرفية
كالخروج عن مجلس الغيبة حياء ، فالظاهر ان ذلك لاينافي
اتصافه بالفعل عرفا بكونه
من اهل الستر والعفاف ، وهذا بخلاف الكبائر .
واستشهد له بان المتبادر من اطلاق كون الرجل عدلا في الدين
ليس الا إرادة
كونه كافا نفسه عن مطلق مايراه معصية ، ومجتنبا عن كل
ماهو كبير ، ولم يظهر من
صحيح ابن ابي يعفور ولا من غيره من الاخبار ماينافي ذلك
، فمن شهد اهل العرف
الذين القي اليهم الخطاب بإشهاد ذوي عدل منهم بكونه
موصوفا بهذه الصفة جرى
عليه حكمه وان كانت شهادتهم بذلك مبنية على بعض
المسامحات المغتفرة لديهم كسائر
الموضوعات التي تعلق بها حكم شرعي مما يتحمل المسامحات
العرفية .
وفيه : ان المسامحات العرفية في تطبيق المفهوم على
المصداق تضرب على الجدار ،
ولايعتني بها ، فبعد كون مفهوم العدالة هو الاستقامة على
جادة الشرع مسامحة اهل
العرف في كون الانحراف اليسير استقامة لايعتني بها ، مع
انه في صدر كلامه يقربان
صدور الصغيرة اذا كان عن عمد والتفات تفصيلي الى حرمتها
كالكبيرة مناف
للعدالة ، وعليه فلا وجه لما افاده من ان اهل العرف
يكتفون في ارتكابها باعذار عرفية
كما لايخفى .
فتحصل ان الاظهر كون فعل الصغيرة مضرا بالعدالة كالكبيرة
على فرض
صحة الانقسام اليهما .
[ . . . . . . . ]
الجهة الرابعة : المشهور ان الاصرار على الصغائر من
الكبائر ، والكلام في
هذه الجهة يقع في موردين : الاول في حكم الاصرار . الثاني
في موضوعه .
اما المورد الاول ، فقد استدل الشيخ الاعظم - ره - على
كونه من الكبائر
بوجوه :
منها : قوله ( عليه السلام ) : لاصغير مع الاصرار ولا
كبير مع الاستغفار . وهو
في خبري ابن سنان ( 1 ) وابن ابي عمير ، ( 2 ) وحديث
المناهي ( 3 ) .
وتقريب الاستدلال به : ان النفي في الصغيرة راجع الى
خصوص وصف
الصغرية وإن كان في الكبيرة راجعا الى نفي ذاتها حكما .
وفيه : انه لايدل على ان الإصرار بنفسه من الكبائر وان
كان المصر اليه من
الصغائر ، لانه إنما ينفي الصغيرة ذاتها أو وصف صغرها ،
وعليه فلا بد من الالتزام بان
النفي فيه ايضا راجع الى نفي ذاتها حكما لا الى وصف
الصغرية ، وذلك لوجوه :
الاول : وحدة السياق .
الثاني : ان الشئ لاينقلب عما هو عليه ، فالصغيرة بسبب
الاصرار لاتنقلب
كبيرة كما ان مفسدتها الضعيفة بسببه لاتنقلب قوية كي
تصير كبيرة .
الثالث : عدم التزام احد بذلك ، فانهم انما التزموا بان
الاصرار من حيث انه
أمن من مكر الله بنفسه من الكبائر لا انه يصير سببا لكون
المصر اليه من الكبائر ،
فهذه الجمله تدل على ان الاصرار يوجب رفع اثر الصغيرة
وهو التكفير باجتناب
....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 48 من ابواب جهاد النفس حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 47 من ابواب جهاد النفس حديث 11 .
( 3 ) الوسائل باب 43 من ابواب جهاد النفس حديث 8
[ . . . . . . . . . ]
الكبائر ، وهذا لايلزم كون الاصرار بنفسه محرما فضلا عن
كونه من الكبائر كي
يستدل به عليه ، فتدبر .
ومنها قول ابي جعفر ( عليه السلام ) في خبر تحف العقول :
الاصرارا على
الذنب امن من مكر الله ولا يامن من مكر الله الا القوم
الخاسرون ( 1 ) بضميمة ماورد
ان الامن من مكر الله من الكبائر ( 2 ) .
وفيه مع الاغماض عما في سنده ، انه مختص بالاصرار على
الكبائر ، اذ الاصرار
على الصغيرة بعد كونها مكفرة باجتناب الكبائر وعدم
مؤاخذة الشارع على فعلها لا
يكون امنا من اخذه تعالى فيتحد مفاده مع ما في حسن ابن
ابي عمير عن الامام الكاظم
( عليه السلام ) والمصر لايغفر له ، لانه غير مؤمن لعقوبة
ماارتكب ولو كان مؤمنا
بالعقوبة لندم ( 3 ) . ويختص بالاصرارا على الكبائر .
ومنها قوله ( عليه السلام ) في الحسن كالصحيح الى الفضل
بن شاذان في تعداد
الكبائر : والاصرار على صغائر الذنوب ( 4 ) .
وفيه : ان الموجود في هذا الخبر : والاصرار على الذنوب
لا والاصرار على
صغائر الذنوب وانما تكون هذه العبارة في خبر الاعمش ( 5 ) .
وعليه فاقول : اما ما في الحسن فمقتضى إطلاقه وإن كان
كون الاصرار على
الصغيرة ايضا من الكبائر الا انه للتعليل لذلك في حسن
ابن ابي عمير وخبر ( تحف
العقول ) بما يختص بالاصرار على الكبائر كما عرفت يختص هذا
ايضا به كما لايخفى .
واما ما في خبر الاعمش الاستدلال به على القول بعدم كونه
من الكبائر اولى ،
.................................................
( 1 ) تحف العقول ص 423 ( ط 2 ) .
( 2 ) الوسائل باب 46 من ابواب جهاد النفس .
( 3 ) التوحيد لابن بابويه - ص 418 .
( 4 و 5 ) الوسائل باب 46 من ابواب جهاد النفس حديث 33 - 36
[ . . . . . . . ]
لان في الخبر هكذا : قال ( عليه السلام ) : والكبائر
محرمة وهي الشرك بالله وقتل النفس
- الى ان قال - والملاهي التي تصد عن ذكر الله عز وجل
مكروهة كالغناء وضرب
الاوتار والاصرار على صغائر الذنوب ، ومعلوم ان تغيير
التعبير واطلاق مكروهة على
هذه المعاصي ومحرمة على الكبائر آية اختلافهما في مراتب
المبغوضية فلا يدل على
انها ايضا من الكبائر .
فتحصل انه لادليل على كون الاصرار على الصغائر من
الكبائر .
اما المورد الثاني فقد اختلفت كلماتهم في بيان الاصرار
موضوعا من حيث انه
بمعنى فعل المعصية مع عدم التوبة ، او بمعنى فعلها مع
العزم على العود ، او بمعنى
الاكثار من فعلها ، او المداومة عليه او غير ذلك .
والحق في المقام ان يقال : ان الاصرار في اللغة بمعنى
الاقامة والمداومة والملازمة .
فعن الجوهري : اصررت على الشئ : اي : اقمت ودمت .
وعن النهاية : اصر على الشئ يصر إصرارا : اذ الزمه
وداومه وثبت عليه .
وعن القاموس : أصر على الامر : لزم وقريب منها كلمات
غيرهم
والظاهر أنه ليس للشارع فيه حقيقة شرعية او متشرعية ، بل
استعماله في
كلمات الشارع الاقدس انما يكون في معناه اللغوي .
وعليه فالظاهر أنه لو فعل الذنب ولم يتب منه يصدق
الاصرار وذلك ، لانه
يكون للذنب آثار وتوابع باقية من الانحراف عن جادة الشرع
، والبعد عن الله تعالى
واستحقاق العقوبة على فعله وابقاؤها وإعدامها بيد المذنب
، فانه ان تاب صار كمن
لاذنب له ، والا تكون باقية فلو لم يتب يصدق انه أقام
على الذنب ولزمه وداومه وثبت
[ . . . . . . . . ]
عليه .
ويشهد لما ذكرناه - مضافا الى ماعرفت - جملة من النصوص
المتقدمة كقوله
صلى الله عليه وآله : مااصر من استغفر فان مفهومه : ان
من لم يستغفر فقد اصر .
وقول الباقر ( عليه السلام ) في خبر جابر : الاصرار هو
ان يذنب الذنب فلا
يستغفر الله ولا يحدث نفسه بالتوبة فذلك الاصرار ( 1 ) .
وقول الامام الكاظم ( عليه السلام ) في حسن ابن ابي عمير
: ومن لم يندم عليها
كان مصرا ( 2 ) .
وقد عد في حديث جنود العقل والجهل منها : التوبة وجعل
ضدها الاصرار .
فتحصل انه كلمن اذنب ولم يندم ولم يتب كان مصرا ، وان
تاب ثم عاد اليه لا
يصدق الاصرار ، اذ التوبة توجب صيرورة الاول كان لم يكن
، وعلى ذلك فلو سلم
صحة انقسام الذنوب الى الصغائر والكبائر وتم ماهو
المشهور من ان الاصرار على
الصغائر من الكبائر لم تبق ثمرة لثبوت الصغائر ، كما
لايخفى .
واما ماافاده المحقق الاصفهاني - ره - من ان الصغيرة اذا
صدرت من المجتنب
للكبائر تكون حال صدورها مقرونة بالمانع عن تاثيرها في
العقوبة ، فلا محالة لاتؤثر
في العقوبة حتى تحتاج الى التوبة في رفعها فلا يتحقق
الاصرار الا بفعلها مرة بعد
اولى وكرة بعد اخرى ، لا بعدم الندم حيث ان الذنب مكفر
على الفرض فيكون كما
اذا تخللت التوبة المانعة من تحقق الاصرار ، وحيث ان هذه
الصورة هي مورد الكلام
فيصح لنا ان نقول : ان الاصرار على الصغائر فيما يهمنا الكلام
فيه هو فعل الشئ
مرة بعد اولى وكرة بعد اخرى من دون تحققه بعدم الندم او
العزم على العود فيرد
عليه : ان غاية ماثبت من الادلة على فرض صحة انقسام
الذنوب الى الكبائر
.....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 48 من ابواب جهاد النفس حديث 4 .
( 2 ) التوحيد ص 418
[ . . . . . . . . ]
والصغائر هو عدم العقاب على الصغيرة ، واما سائر آثار
الذنب فهي ثابتة لها ، ولاجلها
يصدق الاصرار ، ويكون للتوبة مجال ، وتشمله ادلة وجوب
التوبة .
ويؤكد ذلك اطلاق النصوص المتقدمة وقياس تكفير الصغيرة
باجتناب الكبائر
بتخلل التوبة مع الفارق ، اذ في التوبة ورد النص بان
التائب من الذنب كمن لاذنب
له فلا يبقى شئ من آثار الذنب وهذا بخلاف التكفير
باجتناب الكبائر وبالاعمال
الصالحة .
واضعف من ذلك : ماذكره بعض في وجه مااختاره الشيخ الاعظم
- ره - الملتزم
بانه يصدق الاصرار مع العزم على العود من ان مستنده في
اعتباره العزم في مقابل
اطلاق النصوص المقتضي لكفاية عدم الندم هو هذا الوجه
الذي استند اليه المحقق
الاصفهاني - قده - بضميمة ان صورة العزم على العود الى
المعصية خارجة عما ذكر
سابقا من قوله عليه السلام من اجتنب الكبائر لم يسئل عن
الصغائر .
فإنه يرد عليه - مضافا الى ماتقدم - انه لاوجه لدعوى
خروج الصورة
المفروضة عن تحت تلك الادلة .
واضعف من ذلك تفصيله - ره - بين ما اذا كان العزم على
المعصية مستمرا من
حين ارتكاب الصغيرة فلا يعتبر اتحاد المعصية سنخا ونوعا
، وما اذا حدث بعد فعلها
قبل التوبة فيعتبر الاتحاد ، فانه - ره - استدل له في
مقابل اطلاق النصوص بان العرف
يأباه أي انه مع عدم اتحاد المعصية وعدم العزم عليه من
زمان الفعل السابق لايصدق
الاصرار عرفا ، فان غاية ماقيل في توجيه كلامه - ره - ان
الاصرار لابد فيه من نحو
من الاتحاد ، اما اتحاد المعزوم عليه مع الماتي به ، او
استمرار العزم ووحدته الاتصالية
من الملتبس بالمعصيه .
ويرد عليه - على فرض تسليم المبنى من اعتبار العزم في
صدق الاصرار - ان
المراد بالمعصية التي نسب اليها الاصرار اما ان يكون ذات
ماهو معصية اي : شرب
[ . . . . . . . . ]
الخمر والزنا او يكون بعنوان انه معصية .
اما على الاول ، فلانه ليس هناك اتحاد وان عزم عليه من
حين ارتكاب المعصية
السابقة ، فان العزم على فعل ليس اصرار على الفعل الآخر .
واما على الثاني فيصدق الاصرار وان لم يكن العزم مستمرا
من الاول .
واضعف من ذلك كله اعتبار فعل المعصية مرة بعد اولى وكرة
بعد اخرى ،
فتدبر . في اطراف ماذكرناه كي لاتتبادر بالاشكال .
والكلام يقع اولا في حقيقتها ثم في حكمها .
اما حقيقتها في الرجوع لغة وتنسب الى العبد والى الله
سبحانه فتوبة العبد
رجوعه عن المعصية الى الطاعة والبعد عن الله الى القرب
اليه ، وتوبة الله تعالى :
الرجوع عن العقوبة الى اللطف والتفضل .
وفي الاصطلاح : ذكر لها مراتب :
( 1 ) الرجوع العلمي ، وهو الرجوع من الجهل الغرور الى العلم
والاقرار اي
معرفة ضرر الذنوب وانها حجاب بين العبد ومحبوبه ، وسموم
قاتله لمن يباشرها .
( 2 ) الرجوع من المسرة الى ضدها .
( 3 ) الرجوع من الفرح بالظفر على المعصية الى التالم من فوات
المحبوب
والتاسف من فعل الذنوب ، وهذا التالم والتاسف يعبر عنه
بالندم .
( 4 ) الرجوع الى العزم الى عدم العود الى المعصية ابدا ، وليس المراد به
القصد
والارادة ، كي يقال : انه لايتحقق الا بعد الوثوق بحصول
ماعزم عليه ، بل المراد به
البناء الملائم مع عدم الوثوق به .
[ . . . . . . . . . . ]
( 5 ) الرجوع الى طلب المغفرة وعفوه تعالى عنه طلبا قلبيا ،
وهذه المراتب
الاربع من مراتب التوبة الحالية .
( 6 ) الرجوع الى الاستقامة العملية اي من فعل المعصية الى
تركها في الحال .
( 7 ) الرجوع الى التدارك والتلافي لما فات من قضاء او ايفاء
للحقوق .
ولكن الظاهر ان المرتبتين الاولتين المتلازمتين في التحقق من
مقدمات التوبة
المسقطة لعقوبة ماصدر منه ، بل هما من توابع الايمان
بالله وبرسوله ، وقد اشير الى
ذلك في جملة من النصوص .
ففي الخبر : مامن مؤمن اذنب ذنبا الا ساءه ذلك .
وفي خبر آخر : من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ( 1
) ونحوهما غيرهما .
واما مافي خبر يونس عن الامام الصادق ( عليه السلام ) من
اذنب ذنبا فعلم
ان الله مطلع عليه ان شاء عذبه وان شاء غفر له ، غفر له
وان لم يستغفر ( 2 ) فمضافا الى ضعف
سنده انه لابد من تاويله الى ارادة العلم الذي يؤثر في
النفس ويثمر العمل والا فكل
مسلم يقر بهذه الامور ، فيلزم عدم عقاب مسلم .
هذا مضافا الى النصوص الاخر التي ستمر عليك .
واما المرتبتان الاخيرتان فهما من ثمرات التوبة لا انهما
داخلتان في حقيقتها .
واما المرتبة الثالثة فقد دلت النصوص على انها التوبة .
فعن النبي صلى الله عليه وآله الندامة توبة ( 3 ) .
وفي خبر ابان عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : ما من
عبد اذنب ذنبا فندم
..................................................................
( 1 ) الوسائل باب 83 من ابواب جهاد النفس حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 82 من ابواب جهاد النفس حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 83 من ابواب جهاد النفس حديث 5
[ . . . . . . . ]
عليه الا غفر الله له قبل ان يستغفر ( 1 ) .
وفي خبر ثالث : كفى بالندم توبة ( 2 ) . ونحوها غيرها ،
وظاهر انها ادنى المراتب .
واما المرتبة الرابعة فمضافا الى ملازمتها في التحقق
لهذه المرتبة ، يشهد
لاعتبارها فيها : ما في الخبر الوارد في مقام بيان حقيقة
التوبة ( 3 ) تصديق القلب واضمار
ان لاتعود الى الذنب الذي استغفر منه .
واما المرتبة الخامسة فهي لاتعتبر في التوبة ، وقد جعلت
هي في الآيات
والروايات غير التوبة ، ففي غير موضع من سورة هود (
واستغفروا ربكم ثم توبوا
اليه ) .
وفي الحديث المشهور الوارد لتعداد جنود العقل والجهل
المروي في الكافي
عدهما جندين ، وكذلك في سائر النصوص .
واما النصوص المتضمنة ان دواء الذنوب الاستغفار ( 4 )
ونحو ذلك فالمراد
بالاستغفار فيها التوبة ، لصدقه عليها لانها موجبة
للغفران والعفو .
فتحصل ان حقيقة التوبة الندامة والعزم على عدم العود الى
المعصية .
اما حكم التوبة فقد استدل في التجريد على وجوبها بامرين :
الاول : انها دافعة للضرر الذي هو العقاب او الخوف منه
ودفع الضرر واجب .
.......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 83 من ابواب جهاد النفس حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 82 من ابواب جهاد النفس حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 87 من ابواب جهاد النفس حديث 5 .
( 4 ) الوسائل باب 85 من ابواب جهاد النفس
[ . . . . . . . ]
الثاني انا نعلم قطعا وجوب الندم على فعل القبيح او
الاخلال بالواجب ،
واعترف بهما شارح التجريد ، ولعله الى الثاني نظر الشيخ
الاعظم - ره - حيث قال :
فالظاهر انه حكم بوجوبه عقلا كل من قال بالحسن والقبح
العقليين .
اقول : تنقيح القول في المقام - بعد ما عرفت من ان مورد
البحث هو الندم
والعزم على عدم العود الى المعصية ابدا ، واما سائر
المراتب فبعضها من المعارف
الواجبة كالمرتبة الاولى ، وبعضها واجب من حيث نفسه لا
من حيث اسقاط العقاب
كالمرتبتين الاخيرتين ، وبعضها وهو طلب المغفرة سياتي
التعرض لبيان حكمه - ان
الوجه الاول الذي استدل به في التجريد لا يستفاد منه
الوجوب الجعلي الشرعي ،
فان حكم العقل بوجوب دفع الضرر ليس الا هو دركه انه لو
لم يدفعه لترتب ، ومثل
هذا الحكم العقلي الذي يكون المدرك العقلاني هو ترتب
العقاب لايكون منشئا
للحكم الشرعي ، ويكون نظير الحكم بوجوب الطاعة وحرمة
المعصية .
واما الوجه الثاني فيرد عليه انه ان كان المراد درك
العقل حسن التوبة من
جهة ان بها يدفع الضرر فمآله الى الوجه الاول الذي عرفت
مافيه .
وان اريد به ان العقل يرى حسن الندامة والعزم على عدم
العود الى المعصية
مع قطع النظر عن ذلك فيرد عليه : ان هذا ليس بنحو يستكشف
منه وجوب ذلك
كما لا يستكشف من دركه قبح العزم على المعصية حرمته ،
ولذا لا شئ على العزم عليها
وان كان من مساوي الاخلاق .
واما الآيات والروايات الآمرة بالتوبة فهي غير ظاهرة في
الوجوب المولوي
الشرعي من جهة الحكم العقلي المتقدم وما فيها من التعليل
بدفع العقاب ،
وقد يقال : ان عدم التوبة من حيث اندراجه تحت الامن من
مكر الله تعالى
الذي عد من الكبائر يكون محرما شرعيا ، ولكن ليس عدم
الندم وعدم العزم على عدم
العود دائما كذلك كما لايخفى ، فالحق ان وجوب التوبة
وجوب ارشادي .
] وطهارة المولد [
) و ) الرابع مما يعتبر في امام الجماعة : ( طهارة المولد
) على ماعبر بها الاصحاب ،
لاخلاف في اعتبار هذا الشرط ، وعن غير واحد دعوى الاجماع
عليه .
ويشهد له : جملة من النصوص كصحيح زرارة عن الامام الباقر
( عليه
السلام ) : قال امير المؤمنين ( عليه السلام ) : لايصلين
احدكم خلف المجنون وولد
الزنا ( 1 ) .
وخبر ابي بصير عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : خمسة
لايؤمون الناس
على كل حال ، وعد منهم : المجنون وولد الزنا ( 2 ) ،
وقريب منهما غيرهما من النصوص .
ولو شك في كونه ابن الزنا ام طاهر المولد ، فهل يجوز ،
الاقتداء به ام لا ؟
وجهان مبنيان على ان الشرط امر وجودي وهو طهارة المولد
فلا اصل يحرز وجوده ،
فلا يصح الاقتداء مع الشك او انه امر عدمي بمعنى ان كونه
ولد الزنا مانع فيحرز
ذلك بالاصل وهو استصحاب عدم كونه عن زنا بناء على جريانه
في العدم الازلي ،
فيجوز ، الاقتداء مع الشك .
والاظهر هو الثاني حيث ان المذكور في النصوص هو ذلك .
وماافاده المحقق الهمداني - ره - تبعا للشهيد - من انه
على الاول ايضا يجوز
الاقتداء ، لاصالة طهارة المولد وكونه عن نكاح صحيح
فانها معول عليها عند العقلاء
والمتشرعة - يتم في جملة من الموارد ، ولا يتم في جميع موارده
، مثلا في لقيط دار الحرب
الذي لم يحرز كونه طاهر المولد لا اظن بناء العقلاء
والمتشرعة على كونه كذلك .
……………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 14 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 14 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1
] ولايؤم القاعد القائم ]
الخامس : ان لايكون قاعدا للقائمين ، وبعبارة اخرى : ان
( لايؤم القاعد
القائم ) على المشهور ، وعن جماعة منهم الشيخ والمصنف -
ره - دعوى الاجماع عليه .
ويشهد له : مرسل الصدوق عن الامام الباقر ( عليه السلام
) قال : ان رسول
الله صلى الله عليه وآله صلى باصحابه جالسا فلما فرغ قال
صلى الله عليه وآله : لا
يؤمن احدكم بعدي جالسا ( 1 ) وقد ادعى صاحب الجواهر - ره
- ان هذا الخبر مروي
عند الخاصة والعامة .
ومارواه الشيخ عن السكوني عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) عن ابيه
) عليه السلام ) عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) : لايؤم
المقيد المطلقين ، ولاصاحب
الفالج الاصحاء ، ولا صاحب التيمم المتوضئين ( 2 ) .
وما عن الشعبي عن علي ( عليه السلام ) : لا يؤم المقيد
المطلقين ( 3 ) .
ودلالتها على المنع واضحة ، وضعف السند ينجبر بالشهرة
فلا اشكال في الحكم .
انما الكلام في انه هل يختص هذا الحكم بمورد النص كما عن
الشيخ ، ام
يتعدى الى كل ناقص وكامل كما عن جماعة ، ام يفصل بين
مااذا اختلفا في الافعال
كالاضطجاع والقيام فيتعدى اليه ، وبين مااذا اتفقا فيها
كما في امامة المتيمم للمتوضئ
فلا يتعدى ؟ وجوه .
وقد استدل للتعميم بوجوه .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 25 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 22 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 22 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3
[ . . . . . . . . ]
( 1 ) ماافاده الشيخ الاعظم - ره - وهو وحدة المناط وهو كما
ترى ، لعدم
إحرازه .
( 2 ) استقراء الموارد الجزئية .
( 3 ) انصراف ادلة الجماعة الى الائتمام بمن لايكون صلاته من
حيث هي
أنقص من صلاة المأموم ، وهما اضعف من الأول .
( 4 ) ان الشك في الصحة كاف في الحكم بالعدم لاصالة عدم
الانعقاد .
وفيه ماتقدم منا في اول هذا المبحث من ان الاصل في كل
ماشك في اعتباره
في الجماعة هو عدم الاعتبار .
( 5 ) ما عن الإيضاح وهو : ان الائتمام هيئة اجتماعية يقتضي ان
تكون الصلاة
مشتركة بين الامام والماموم ، وان صلاة الامام هي الاصل
اقول - مضافا الى انه لو
تم لكان مختصا بالافعال ولا يشمل الاقوال والشرائط
كالوضوء كما لايخفى - انه لا
يتم فيها ايضا فان حقيقة الائتمام إنما هي الاتيان
بافعال الصلاة مربوطة بما ياتي
به الامام من الافعال ، وفي تحقق هذا المعنى لافرق بين
كون صلاة الامام كاملة ام
ناقصة فادا لا دليل على التعميم ، فيدور الامر بين الاول
والثالث ، ومقتضى القواعد
وإن كان هو الأول إلا أن صحيح جميل في امام قوم اجنب
وليس معه من الماء ما
يكفيه للغسل ومعهم مايتوضأون به أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم
؟ قال ( عليه السلام ) : لا ولكن
يتيمم الجنب ويصلي بهم فان الله جعل التراب طهورا ( 1 )
يدل على ان الائتمام يجوز في صورة
كون صلاه الإمام مع البدل الاضطراري بلا اختصاص للطهور
وذلك للتعليل إلا
أنه لايستفاد منه الجواز حتى مع الاختلاف في الافعال
كالاضطجاع والقيام ، فان
المحذور المتوهم في هذا الفرض ليس من ناحية نقصان صلاة
الامام وكمال صلاة
......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1
[ . . . . . . . . . ]
الماموم خاصة ، بل هنا يكون المحذور المتوهم شيئا آخر ،
وهو عدم اتفاق الامام والماموم
في جميع احوال الصلاة .
وقد يتوهم عدم جواز امامة القاعد للقاعدين ، لاطلاق
المرسل المتقدم .
ولكنه فاسد ، اذ لو سلم الاطلاق ولم ندع انصرافه عن
الفرض لابد من تقييده
بصحيح ابن سنان الوارد في جماعة العراة الدال على الجواز
في الفرض .
السادس : ان لايكون الامام اميا اي لايحسن القراءة او
ابعاضها كما صرح
به غير واحد ، وعن الرياض : عدم الخلاف فيه بينهم اذا
كان يؤم بقارئ وعن جماعة :
دعوى الاجماع عليه .
ويمكن ان يستشهد له بوجوه :
الاول : ماافاده المصنف - ره - وهو ان المستفاد من
النصوص المتضمنة ان
الامام بقراءته ضامن لقراءة من خلفه ، وان الماموم يكل
قراءته الى الامام ويجزيك
قراءته ( 1 ) ان الاخبار الناهية عن القراءة خلف الامام
( 2 ) ليست مخصصة لما دل على أنه
لاصلاة الا بفاتحة الكتاب ( 3 ) بل يكون النهي لتحمل
الامام القراءة عنه ، وعليه فمع
عجزه لايتحقق التحمل فتفسد صلاة الماموم لخلوه عن
القراءة مع قدرته عليها ، وعدم
تحمل الامام عنه .
فان قلت : ان غاية مايقتضيه هذا الوجه عدم سقوط القراءة
عن الماموم لا
...............................................................
( 1 ) الوسائل باب 30 من ابواب صلاة الجماعة .
( 2 ) الوسائل باب 31 من ابواب صلاة الجماعة .
( 3 ) الوسائل باب 1 من ابواب القراءة في الصلاة
] ولا الامي القارئ ولا المؤوف اللسان صحيحه
، [
عدم جواز الائتمام الا بناء على حجية العام في عكس نقيضه .
قلت : ان المستفاد من الاخبار والاجماع الملازمة بين صحة
الجماعة وسقوط
القراءة ومع عدم سقوطها لا وجه للحكم بصحة الجماعة .
الثاني : مادل من النصوص على اشتراط كون الامام مامونا
على القرآن
كمصحح عبد الله بن سنان عن الامام الصادق ( عليه السلام
) : اذا كنت خلف الامام
في صلاة لايجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل
مامونا على القرآن فلا تقرا
خلفه في الاولتين وقال : يجزيك التسبيح في الاخيرتين ( 1
) فإنه يدل على وجوب القراءه
خلف غير المأمون على القرآن ولو من جهة الامية او اللحن
، بل الظاهر الاختصاص
بهاتين الجهتين ولا يكون ناظرا الى ترك القراءة خلف
الامام كناية عن عدم جواز الاقتداء
به .
الثالث : مادل على انه لاباس بامامة العبد اذا كان قارئا
كخبر ابي
البختري ( 2 ) ، فانه بمفهومه يدل على عدم جواز امامته
اذا كان اميا ، وبملاحظة
انصراف القراءة في المنطوق يظهر وجه دلالة المفهوم على
عدم جواز الاقتداء مع
اللحن ايضا .
فتحصل مما ذكرناه انه ( لا ) يؤم الامي ( القارئ ولا
المؤوف اللسان
صحيحه ) ولو تشاركا الامية او اللحن جاز الائتمام اجماعا .
……………………………………
( 1 ) الوسائل باب 31 من ابواب صلاة الجماعة 9 .
( 2 ) الوسائل باب 16 من ابواب صلاة الجماعة حديث 5
] ولا المراة رجلا ولا خنثى [
) و ) السابع : الذكورة اذا كان الماموم رجلا ف ( لا ) يؤم
( المراة رجلا ) اجماعا ،
حكاه جماعة .
والشاهد به مرسل دعائم الاسلام عن الامام علي ( عليه
السلام ) : لاتؤم المراة
الرجال ، ولاتؤم الخنثى الرجال ( 1 ) وضعف سنده منجبر
بالعمل .
) و ) به يظهر انه ( لا ) تؤم ال ( خنثى ) الرجال ، ولا
المراة الخنثى .
وهل يجوز ان تؤم المراة النساء في الفريضة كما هو
المشهور ، بل عن جماعة
دعوى الاجماع عليه ، ام لايجوز ، كما عن ابي علي وعلم
الهدى وجماعة من المتأخرين ؟
وجهان ، يشهد للمشهور : جملة من النصوص كموثق ابن بكير
عن بعض اصحابنا
عن الصادق ( عليه السلام ) في المراة تؤم النساء ، قال (
عليه السلام ) : نعم تقوم وسطا
بينهن ولا تتقدمهن ( 2 ) .
وموثق سماعة عنه ( عليه السلام ) عن المراة تؤم النساء ،
فقال ( عليه السلام ) :
لابأس به ( 3 ) .
والمنساق الى الذهن منهما إرادة الجماعة في الفريضة التي
تعم بها البلوى لا مثل
صلاة الاستسقاء من النوافل التي يجوز الاجتماع فيها .
وخبر الحسن بن زياد الصيقل ، سئل ابو عبد الله ( عليه
السلام ) كيف تصلي
النساء على الجنائز - الى ان قال - ففي صلاة المكتوبة
أيؤم بعضهن بعضا ؟ قال ( عليه
.............................................................
( 1 ) المستدرك باب 18 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 20 من ابواب صلاة الجماعة حديث 10 .
( 3 ) الوسائل باب 20 من ابواب صلاة الجماعة حديث 11
[ . . . . . . . . ]
السلام ) : نعم ( 1 ) .
ويظهر من الاخبار - الواردة في بيان احكام اخر كرفع
الصوت بالقراءة -
المفروغية عن جواز امامتها .
وبازاء هذه الاخبار نصوص تدل على المنع في الفريضة كصحيح
هشام قال :
سال ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن المراة هل تؤم
النساء ؟ قال ( عليه السلام ) : تؤمهن
في النافلة ، فاما المكتوبة فلا ( 2 ) ونحوه غيره .
وقيل في مقام الجمع : وجوه :
الاول : تخصيص الاولى بالثانية والبناء على المنع في
الفريضة والجواز في
النافلة ، كما ذهب اليه الجماعة المتقدم ذكرهم .
وفيه ماعرفت من إباء نصوص الجواز ، عن الحمل على النافلة .
الثاني : حمل وصفي المكتوبة والنافلة على الجماعة ،
فيكون مفاد الروايات
المانعة عدم جواز ، إمامتها في الجماعة الواجبة كصلاة
الجمعة ، ومفاد المجوزة جوازها
في مايستحب فيه الجماعة كاليومية .
وفيه : ان هذا مخالف للمعهود من هذين اللفظين ، مع انه
لايصح لك في
صحيح زرارة عن المراة تؤم النساء ، قال ( عليه السلام )
: لا إلا على الميت ( 3 ) .
الثالث : تقديم أخبار المنع لأصحية سندها .
وفيه : انه يتم بناء على تعذر الجمع العرفي ، ولكنه ممكن
بحمل نصوص المنع
على الكراهة .
فتحصل ان الاظهر جواز إمامتها على الكراهة .
.................................................................
( 1 ) الوسائل باب 20 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 20 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 20 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3 . ( * )
] والهاشمي ، وصاحب المسجد اولى [
) والهاشمي وصاحب المسجد ) والمنزل ( اولى ) بالامامة ،
كما هو المشهور على
مانسب اليهم ، بل بلا خلاف في الاخيرين ، وعن غير واحد
دعوى الاجماع على
ذلك .
اما الاول فيدل على اولويته ماعن النبي صلى الله عليه
وآله بطريق غير
معلوم : قدموا قريشا ولا تتقدموها ، فانه تثبت به
الاولوية لقاعدة التسامح .
واما الثاني اي صاحب المسجد الراتب فيه ، فيشهد لاولويته
: ماعن كتاب
دعائم الاسلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله : يؤمكم
اكثركم نورا - والنور
القرآن - وكل اهل مسجد احق بالصلاة في مسجدهم ( 1 ) .
وعن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) : يؤم القوم اقدمهم
هجرة الى الايمان - الى
ان قال - وصاحب المسجد احق بمسجده ( 2 ) ونحوه ماعن الفقه
الرضوي ( 3 ) .
واما الثالث فيشهد لأولويته خبر ابي عبيدة عن الامام
الصادق ( عليه السلام )
عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث : ولايتقدمن من
احدكم الرجل في منزله ( 4 ) فأصل
الحكم مما لاريب فيه ، اذ هذه النصوص وإن كانت ضعيفة
الاسناد ، الا انه لاخبار
من بلغ ولعمل الاصحاب بها يعتمد عليها ، انما الكلام في
امور :
الاول : ان اولوية صاحب المسجد هل هي على نحو الاطلاق ام
لا ؟ والاظهر
هو الثاني ، اذ لامانع من إمامة غيره في غير وقت
امامته ، ولا في وقته في غير مكان
...........................................................................
( 1 ) المستدرك باب 25 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 2 ) المستدرك باب 2 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2 .
( 3 ) المستدرك باب 25 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3 .
( 4 ) الوسائل باب 28 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1
[ . . . . . . . . ]
إمامته ، بل في محل آخر من ذلك المسجد اذا لم يكن مزاحما
مع الراتب .
فلو سبقه الغير في ذلك المكان في يوم هل يكون صاحب
المسجد اولى ام
السابق ؟ وجهان ، ذهب الى الثاني المحقق النائيني - ره -
بدعوى : ان امامته في الايام
الماضية لاتوجب احقيته بالامامة في هذا اليوم اذا كان
مسبوقا بغيره في هذا اليوم اذ
الوقف لمن سبق .
وفيه : ان لازم ذلك الغاء خصوصية صاحب المسجد ، وهو خلاف
ماتقدم .
مع ان مورد الكلام ليس وقف الراتب في شخص ذلك المكان
الذي سبقه
غيره كي يستدل بما دل على ان الوقف لمن سبق ، بل هو
ائتمام الناس به في ذلك
المسجد وان كان واقفا في مكان آخر ، فالاظهر اولوية صاحب
المسجد .
الثاني : ان هذه الاولوية هل هي على وجه اللزوم والايجاب
فلا يجوز لغير
الراتب مزاحمة الراتب ام تكون على سبيل الاستحباب
والفضيلة ؟ وجهان ، المشهور
بين الاصحاب هو الثاني ، وهو الاظهر ، لان مستند هذه الاولوية
ضعيف السند ، وهو
بضميمة اخبار من بلغ يصلح لأثبات الاستحباب ، ولا يصلح
لاثبات الوجوب .
لايقال : إن ضعف سنده منجبر بعمل الاصحاب .
فانه يقال : ان عملهم به لعله لقاعدة التسامح لا
للاعتماد عليه .
الثالث : الظاهر ان هذه الاولوية سياسة ادبية ناشئة من
مراعاة حقهم الذي
هو اشبه شئ بحق السبق والاحقية الثابتة لاولياء الميت
بالنسبة الى تجهيزاته لا
لفضيلة ذاتية كما صرح به في الجواهر وغيرها ، فلو اذن
صاحب المسجد او المنزل لغيره
جاز وانتفت المرجوحية .
الرابع : المراد من صاحب المنزل الساكن فيه وان لم يكن
مالكا لعينه ، بل
يكفي فيه ملك المنفعة ، كما صرح به غير واحد ، كذا في
الجواهر .
] ويقدم الاقرأ فالافقه ، فالاقدم هجرة ، فالاسن فالاصبح ،
ويكره ان يأتم
الحاضر بالمسافر والمتطهر بالمتيمم ، [
اذا اتفق المامومون على امام فهو ، ( و ) ان اختلفوا فاراد
كل منهم تقديم
شخص ( يقدم الاقرا ) اي الاجود قراءة ( فالافقه فالاقدم
هجرة فالاسن فالاصبح )
وجها كما في الفقه الرضوي .
ولكن يظهر من بعض الاخبار خلاف هذا الترتيب ، ففي خبر
ابي عبيدة عن
ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال - ان رسول الله صلى
الله عليه وآله قال : يتقدم القوم
اقرأهم للقرآن فان كانوا في القراءة سواء فاقدمهم هجرة ،
فان كانوا في الهجرة سواء
فأكبرهم سنا فان كانوا في السن سواء فليؤمهم اعلمهم
بالسنة وأفقههم في الدين ( 1 ) .
ولاينبغي التوقف في تقديم خبر ابي عبييدة على الرضوي .
نعم يظهر من الاخبار الواردة في فضل الصلاة خلف العالم
وعدم اهلية غيره
للتقدم عليه : ان الافقه مقدم على غيره مطلقا ، وحيث ان
اصل الترجيح ليس بلازم
فلا وجه لاطالة الكلام في بيان مابه يجمع بين النصوص .
(ويكره ان ياتم الحاضر بالمسافر ) وبالعكس على المشهور
كما في الجواهر ،
وقد تقدم تفصيل القول فيه في اول هذا المبحث عند بيان
ضابط مايصح لائتمام فيه
من الصلاة وما لايصح ، وعرفت ان الاظهر الكراهة .
( و ) يكره أيضا أن يأتم ( المتطهر بالمتيمم ) كما هو
المشهور بين الأصحاب ،
.......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 28 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1
] والسليم بالاجذم والابرص ، [
بل عن منتهى المصنف - ره - انا لانعرف فيه خلافا الا
ماحكي عن محمد بن الحسن
الشيباني من المنع .
اقول : ان ظاهر خبر عباد عن الامام الصادق ( عليه السلام
) : لايصلي المتيمم
بقوم متوضئين ( 1 ) . ونحوه خبر السكوني ( 2 ) ، وان كان
هو المنع الا انه يتعين حملهما
على الكراهة بواسطة النصوص الكثيرة الصريحة في الجواز ،
كصحيح جميل المتقدم .
وموثق ابن بكير : سالت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن
رجل اجنب ثم تيمم
فامنا ونحن طهور ، فقال : لاباس به ( 3 ) . ونحوهما
غيرهما .
) و ) يكره ايضا ان ياتم ( السليم بالاجذم والابرص ) على
المشهور بين
المتاخرين .
وعن الانتصار : مما انفردت به الامامية كراهة إمامة
الابرص والاجذم .
وعن ظاهر جملة من القدماء المنع .
والاول اظهر ، فانه وان كان المنع ظاهر جملة من النصوص
كحسن زرارة او
صحيحه عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) : لايصلين احدكم
خلف المجذوم والابرص .
الحديث ( 4 ) ونحوه غيره ، الا انه يتعين حملها على
الكراه جمعا بينها وبين النصوص
الصريحة في الجواز ، كخبر عبد الله بن يزيد عن الامام
الصادق ( عليه السلام ) عن
المجذوم والابرص يؤمان الملمين ، قال ( عليه السلام ) :
نعم ( 5 ) ونحوه صحيح حسين
بن ابي العلاء ( 6 ) .
.......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب صلاة الجماعة حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 17 من ابواب صلاة الجماعة حديث 5 .
( 3 ) الوسائل باب 17 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 15 من ابواب صلاة الجماعة حديث 6 .
( 5 ) الوسائل باب 15 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 6 ) الوسائل باب 15 من ابواب صلاة الجماعة حديث 4
] والمحدود بعد توبته والاغلف ، [
) و ) يكره ايضا ان يؤم ( المحدود بعد توبته ) كما هو
المشهور بين المتاخرين ،
اما قبلها فلا يجوز ، لفسقه ، اذ الحد لايوجب صيرورته
عادلا وان كان مكفرا الذنوبه .
واما بعدها فعن جماعة من القدماء المنع عن الاقتداء به .
ويشهد له : جملة من النصوص كصحيح محمد بن مسلم عن الامام
الباقر
) عليه السلام ) : خمسة لايؤمون الناس ، وعد منهم :
المحدود ( 1 ) ونحوه غيره .
ولكن المشهور بين المتاخرين الكراهة ، واستدلوا لها
بمفهوم بعض الاخبار
الدالة على ان خمسة لايؤمون الناس ، ولم يعد منهم
المحدود ، وباولويته من الكافر اذا
اسلم ، وبقولهم عليهم السلام : لاتصل الا خلف من تثق
بدينه ( 2 ) .
وفي الجميع نظر .
اما الاول . فلان مفهوم العدد ليس حجة ، مع انه يقيد بما
دل على المنع خلف
المحدود لاخصيته منه .
واما الثاني فلمنع الاولوية .
واما الثالث ، فلأنه لا إطلاق له من هذه الجهة ، كي يدل
على عدم اعتبار شئ
آخر ، وعلى فرض التنزل وتسليم دلالته على ذلك يقيد بما
دل على المنع فالاقوى هو
ماعليه جماعة من القدماء من المنع .
( و ) كذا يكره ان يؤم ( الاغلف ) المعذور في تركه الختان
كما صرح به غير
واحد ، للنهي عنه في خبري اصبغ بن نباتة ( 3 ) وعبد الله
بن طلحة ( 4 ) وهما لضعف سنديهما
لايصلحان لاثبات المنع ، فتامل ، فان ثبوت الكراهية بهما
حينئذ لايخلو عن تامل ،
....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 15 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 11 من ابواب صلاة الجماعة .
( 3 ) الوسائل باب 14 من ابواب صلاة الجماعة حديث 6 .
( 4 ) المستدرك باب 12 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 . ( * )
] ويكره إمامة من يكرهه المأمومون والأعرابي بالمهاجرين . [
لاسيما وفي خبر عمرو ابن خالد عن الامام علي ( عليه
السلام ) بعد قوله ( عليه
السلام ) : الاغلف لايؤم القوم - الى ان قال - الا ان
يكون ترك ذلك خوفا على
نفسه ( 1 ) فإذا لادليل على الكراهة .
) و ) كذا ( يكره امامة من يكرهه المأمومون ) كما هو
المشهور ، لخبر عبد الملك
ابن عمير عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) : اربعة
لاتقبل لهم صلاة ، وعد منهم : من
يكرهه المامومون ( 2 ) ونحوه خبر ابن ابي يعفور ( 3 ) .
والنبوي ( 4 ) وظاهرها الكراهة ، وحملها
على المخالف لاوجه له .
) و ) كذا يكره عند المشهور بين المتاخرين ان يؤم (
الاعرابي بالمهاجر ) .
وعن جماعة من القدماء المنع .
اقول الجمود على ظواهر النصوص يقتضي البناء على المنع
الا اذا هاجر ،
ففي صحيح زرارة او حسنه : والأعرابي لايؤم المهاجرين ( 5
) ونحوه خبرا أبي بصير ( 6 )
وعبد الله بن طلحة ( 7 ) .
وفي صحيح محمد بن مسلم خمسة لايؤمون الناس ، وعد منهم : الاعرابي ( 8 ) .
ودعوى ان الاعرابي غالبا لا يكون جامعا لشرائط الامامة
ولو من باب
القصور ، ويكون الاخبار مختصة بهذا المورد ، فلا دليل
على الكراهة او المنع بقول
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 13 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 27 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 27 من ابواب صلاة الجماعة حديث 6 .
( 4 ) الوسائل باب 27 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 5 ) الوسائل باب 15 من ابواب صلاة الجماعة حديث 6 .
( 6 ) الوسائل باب 15 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3 .
( 7 ) المستدرك باب 13 من ابواب صلاة الجماعة حديث .
( 8 ) الوسائل باب 15 من ابواب صلاة الجماعة حديث 5
] مسائل : الاولى : لو احدث الامام استناب ولو مات او اغمي
عليه قدموا
اماما [
مطلق . وان كانت قريبة الا ان الاحتياط سبيل النجاة .
وقد بقي ( مسائل ) مهمة من الجماعة :
) الاولى : لو احدث الامام استناب ) كما في جملة من النصوص
، كصحيح
سليمان عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل يؤم
القوم فيحدث ويقدم رجلا قد
سبق بركعة كيف يصنع ؟ قال ( عليه السلام ) : لايقدم رجلا
قد سبق بركعة ولكن ياخذ
بيد غيره فيقدمه ( 1 ) .
( ولو مات ) الامام ( او اغممي عليه قدموا اماما ) .
ويشهد له في الاول : صحيح الحلبي عن الامام الصادق (
عليه السلام ) عن
رجل ام قوما فصلى بهم ركعة ثم مات ، قال ( عليه السلام )
: يقدمون رجلا آخر ويعتدون
بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ( 2 ) ونحوه غيره .
واما في الاغماء فليس نص خاص دال عليه ، الا ان الظاهر
تسالم الاصحاب
على عموم الحكم لكل عذر موجب لخروج الامام عن اهلية
الامامة .
ويمكن استفادة ذلك من النصوص الخاصة الواردة في الاعذار
الطارئة للامام
من الحدث والرعاف والاذى في البطن ودخول الامام في
الصلاة على غير طهارة
نسيانا وما لو كان الامام مسافرا ( 3 ) اذ التدبر فيها
يوجب القطع بعدم اختصاص
.............................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 43 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 40 و 41 و 72 من ابواب صلاة الجماعة
[ . . . . . . . . . ]
الحكم بالاعذار المنصوصة وانه عام لكل عذر مانع للامام
عن اتمام صلاته كالاستدبار
او الموت او نحوهما ، او عن الامامة اما لاتمام صلاته او
لفقد بعض شرائط الامامة او
لتذكر كونه جنبا او على غير وضوء .
بقي الكلام في امور :
الاول : انه لافرق في هذه الموارد بين استخلاف احد
المامومين او الاجنبي
لاطلاق النصوص بل صريح بعضها كخبر زرارة عن احدهما (
عليه السلام ) عن امام
ام قوما فذكر انه لم يكن على وضوء فانصرف واخذ بيد رجل
وادخله فقدمه ولم يعلم
الذي قدم ماصلى القوم فقال ( عليه السلام ) : يصلي بهم
فان اخطا سبح القوم به وبنى
على صلاة الذي كان قبله ( 1 ) وقريب منه صحيح جميل ( 2 ) .
الثاني : انه لافرق على الظاهر بين ان يستخلفه الامام او
يقدمه المأمومون او
يتقدم بنفسه للاطلاق .
ولصحيح علي بن جعفر عن اخيه ( عليه السلام ) عن الامام
احدث فانصرف
ولم يقدم احدا ماحال القوم ، قال ( عليه السلام ) :
لاصلاة لهم بالامام فليقدم بعضهم .
الحديث ( 3 ) .
الثالث : ان المراد من استخلاف الاجنبي ليس هو اقامته
مقامه في الاتيان بما
بقي من اجزاء الصلاة ، إذ ليس هذه صلاة فلا وجه للبناء
على صحة الائتمام بل المراد
به ان ياتي بصلاته والمامومون يرتبطون بها بقية صلاتهم ،
والظاهر ان هذا واضح لا
يحتاج الى إطالة الكلام فيه كما صنعه بعض الاساطين .
الرابع : لو فعل الامام المبطل اختيارا فهل يجوز
الاستنابة كما عن التذكرة
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 40 من ابواب صلاة الجماعة حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 40 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 72 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1
] الثانية اذا دخل الامام وهو في نافلة قطعها
، [
وفي الشرائع وغيرهما ، ام لا ؟ وجهان مبنيان على فهم
خصوصية العذر في هذا الحكم
او عدمه والاحتياط سبيل النجاة .
) الثانية - اذا دخل الامام وهو ) اي الماموم ( في نافلة
قطعها ) واستانف مع
الامام الفريضة بلا خلاف فيه في الجملة ، بل عن غير واحد
دعوى الاجماع عليه .
ويشهد له : - مضافا الى ان ذلك مما تقتضيه القواعد بناء
على جواز قطع النافلة
كما قويناه ، فانه لايرتاب احد بعد التدبر في النصوص
الواردة في فضل الجماعة
اهميتها من النافلة - صحيح عمرو بن يزيد انه سئل ابو عبد
الله ( عليه السلام ) عن
الرواية التي يروون انه لايتطوع في وقت فريضة ماحد هذا
الوقت ؟ قال ( عليه
السلام ) : اذا اخذ المقيم في الاقامة فقال : ان الناس
يختلفون في الاقامة ، فقال المقيم :
الذي يصلي معه ( 1 ) .
ودعوى اختصاصه بالابتداء ولايشمل ادامة ماشرع فيه مندفعة
بان ذلك
خلاف الإطلاق ، اذ الظاهر من لايتطوع النهي عن التلبس
بالتطوع كان في الابتداء
او الاستدامة .
ثم ان مورد هذا الحكم هل هو ما اذا خاف فوات آخر مايجزي
في انعقاد اول
الجماعة بان خشي عدم ادراك ركوع الركعة الاولى كما هو
الظاهر من كلمات القوم
ام مطلق ادراك فضيلة الجماعة لو بادراك ركعة من آخرها
كما عن الاردبيلي ام مطلق
فوات شئ منها حتى الجزء الاول من الفاتحة ، والى ذلك
يرجع ماعن جماعة من
....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 44 من ابواب الاذان والاقامة حديث 1
] ولو كان في فريضة اتمها نافلة ]
الاصحاب من الحكم باستحباب القطع بعد ان احرم الامام ؟
وجوه اقواها الاخير بل
يستحب القطع في حال اقامة الامام قبل ان يحرم ، لصحيح
عمرو بن يزيد المتقدم .
) ولو كان في فريضة ) واحرم الامام نقل بنيته الى النفل و
( اتمها نافلة ) على
المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة ، بل عن بعض نفي خلاف
صريح فيه .
ويشهد به : صحيح سليمان بن خالد عن الصادق ( عليه السلام
) عن رجل
دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينهما هو قائم يصلي اذ أذن
المؤذن وأقام الصلاة قال
) عليه السلام ) : فليصل ركعتين ثم ليستانف الصلاة مع
الامام ولتكن الركعتان تطوعا ( 1 )
ونحوه موثق سماعة ( 2 ) وظهورهما في الاستحباب لاينكر
وهذا مما لاكلام فيه .
انما الكلام في امور :
الاول : انه لاختصاص الخبرين بما اذا لم يتجاوز محل العدول
لايجوز القطع
لو تجاوز عنه كما لو دخل في ركوع الركعة الثالثة .
الثاني : انه لو عدل اليها هل يجوز قطعها ام لا ؟ وجهان
، الاقوى هو الاول
وذلك لوجوه .
الاول : انه مقتضى الاصل بناء على جواز قطع النافلة .
الثاني انه لو عدل اليها يشمله صحيح عمرو بن يزيد المتقدم
الدال على
استحباب قطع النافلة لدرك الجماعة .
الثالث : ان عمدة مدرك حرمة القطع : الاجماع والمتيقن منه غير المقام .
وقد استدل لعدم جواز القطع بوجهين :
الاول : استصحاب حرمة القطع الثابتة قبل العدول اليها .
وفيه : - مضافا الى ان الاستصحاب في الاحكام لايجري كما
اشرنا اليه في هذا
…………………………………………….
( 1 ) الوسائل باب 56 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 56 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2
] ولو كان امام الاصل قطعها وتابعه الثالثة لو خاف الداخل
فوات الركعة
ومشى ولحق بهم [
الشرح غير مرة - انه في المقام مانع آخر عن جريانه وهو
تبدل الموضوع .
ودعوى ان العدول الى النافلة انما يكون بعد الاتمام
لاقبله مندفعة بان ذلك
خلاف المنساق من الخبرين .
الثاني : الامر بالاتمام ركعتين في الخبرين وظاهره
اللزوم .
وفيه : ان ظاهره رجحان العدول الى النافلة وان شئت قلت :
بعد ما لاريب
في عدم لزوم العدول الى النافلة لجواز اتمامها فريضة
لامناص عن حمل الامر به على
رجحان العدول اليها فالاظهر تبعا لجماعة من الاساطين
جواز قطعها بعد العدول .
) و ) الثالث : المشهور بين الاصحاب : انه ( لو كان امام
الاصل قطعها
وتابعه ) .
واستدل له بالاصل ، ولنعم ماقيل : من انه مع حضوره (
عليه السلام ) والتمكن
من السؤال عنه لامورد لهذا البحث .
( الثالثة : لو خاف الداخل فوات الركعة ركع ومشي لحق بهم )
بلا خلاف
في اصل الحكم في الجملة ، وعن جماعة دعوى الاجماع عليه .
ويشهد له : جملة من النصوص كصحيح محمد بن مسلم عن احدهما
عليهما
السلام عن الرجل يدخل المسجد فيخاف ان تفوته الركعة ،
فقال ( عليه السلام ) :
يركع قبل ان يبلغ القوم ، ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم ( 1 ) .
وصحيح عبد الرحمان بن ابي عبد الله عن الامام الصادق (
عليه السلام ) : اذا
....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 46 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1
[ . . . . . . . . ]
دخلت المسجد والامام راكع فظننت انك ان مشيت اليه رفع
راسه قبل ان تدركه
فكبروا ركع فاذا رفع راسه فاسجد مكانك ، فاذا قام فالحق
بالصف ، فاذا جلس
فاجلس مكانك ، فاذا قام فالحق بالصف ( 1 ) .
وصحيح اسحاق قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : ادخل
المسجد وقد ركع
الامام فاركع بركوعه وانا وحدي واسجد فاذا رفعت راسي اي
شئ اصنع ؟ قال ( عليه
السلام ) : قم فاذهب اليهم وان كانوا قياما فقم معهم وان
كانوا جلوسا فاجلس معهم ( 2 )
ونحوها غيرها .
ولابد من التنبيه على امور :
الاول : ان النصوص وان تضمنت المشي حال الركوع وحال
القيام الى الثانية
او الثالثة الا ان الظاهر جواز المشي بعده او في سجوده
او بعده او بينهما وذلك
لوجهين :
احدهما : ان ذلك مقتضى القواعد ، اذ لو جاز المشي حال
الركوع وجاز في
حال القيام الثانية بمعنى جواز كونه على حاله الى حين
القيام عدم جواز المشي
فيما بين السجدتين لابد وان يكون اما لعدم جواز البقاء
على تلك الحالة الى ذلك
الموضع او قدح المشي في الصلاة ، او قدحه في الجماعة
والاول يندفع بصريح النصوص
الدالة على المشي حال القيام والثاني يندفع بما دل على
جواز المشي فيها الى القبلة
والثالث يندفع بالاصل .
ثانيهما : الغاء خصوصية المورد .
الثاني : ان مناط الحكم وموضوعه هو خوف الفوت الملائم مع
الاحتمال ايضا لصحيح
ابن مسلم المتقدم ، ولا يعارضه صحيح عبد الرحمان المعلق
فيه الحكم على الظن ، لعدم
.................................................................
( 1 ) الوسائل باب 46 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 46 من ابواب صلاة الجماعة 6
[ . . . . . . . . ]
المفهوم له .
الثالث : هل يختص جواز الاقتداء في مكانه بما اذا لم يكن
هناك مانع من موانع
الاقتداء كالبعد المانع عنه والحائل وغيرهما ، فيكون هذا الحكم مستثنى من كراهة
انفراد الانسان بالصف وحده ، كما عن التذكرة والذكرى
والبيان والروض والمسالك
وجامع المقاصد وغيرها ، ، بل عن مفتاح الكرامة : اتفاق
الاصحاب عليه ام لا بل ،
يصح مطلقا ، ام يفصل بين البعد المانع من صحة الاقتداء
في غير المورد وغيره من
الموانع فيصح في الاول خاصة كما عن الشيخ الاعظم - ره -
وجمع من المحققين ؟ وجوه
اقواها الاخير فلنا دعويان : الاولى : الجواز مع البعد
الثانية عدم الجواز مع وجود سائر
الموانع .
اما الاولى فقد استدل لها المحقق اليزدي بظهور الامر
باللحوق في الوجوب ،
اذ لو لا البعد المانع عن الاقتداء لم يجب المشى بل جاز
ان يصلي في مكانه .
وبان الامر بالالتحاق بالصف بعد القيام وان لم يلحق في
القيام الاول ففي
القيام الثاني لايوافق إلا مع كونه غير متصل على نحو يصح
الاقتداء في غير هذه
الصورة .
ولكن يمكن الجواب عن الاول : بأنه وان كان الامر ظاهرا
في الوجوب الا
ان النصوص الدالة على جواز ان يقف الماموم في صف وحده
تصلح لصرف هذا
الظهور .
ويمكن الجواب عن الثاني : بانه يمكن ان يكون الماموم
واقفا خلف صف
طويل يحتاج الالتحاق به الى مشي كثير .
فالصحيح ان يستدل لها : بأن الظاهر من قوله ( عليه
السلام ) : قبل ان يبلغ
القوم في صحيح ابن مسلم ، وقوله ( عليه السلام ) : قم
فاذهب اليهم في صحيح اسحاق ،
وقوله ( عليه السلام ) : فاذا قام فالحق بالصف بعده
المانع في غير المقام .
[ . . . . . . . . ]
واما الدعوى الثانية فقد استدل لها الشيخ الاعظم - ره -
بعموم ادلة منعها .
ثم اورد على نفسه بوقوع التعارض بينها وبين اطلاقات المسالة .
واجاب عنه : بان العمومات والاطلاقات تتساقط للتعارض ،
وليس في ادلة
الجماعة اطلاق ، كي يكون هو المرجع ، والاصل عدم
المشروعية .
اقول : يرد عليه اولا : انه لو كان لروايات الباب اطلاق
كان مقدما على
اطلاقات ادلة الموانع ، لحكومه نصوص الباب على تلك الادلة
فانها في مقام بيان تنزيل
هذه الجماعة منزلة الجماعة المشروعة .
وثانيا : انه لو تساقط الاطلاقات كان المرجع اطلاق ادلة
الجماعة اذا كان
يصدق القدوة عرفا مع ذلك المانع ، لما عرفت من وجوده :
ولو سلم عدمه فيكفي في
المقام اصالة عدم المانعية ، لما تقدم من جريانها عند
الشك في مانعية شئ عنها .
فالصحيح ان يقال : ان النصوص غير واردة في مقام البيان
من تلك الجهات ،
فلا إطلاق لها بالنسبة الى تلك الموانع ، فالمرجع
اطلاقات ادلة منعها .
الرابع : انه هل يجب جر الرجلين حال المشي كما عن جماعة
، ام لايجب ، بل
يجوز المشي المتعارف كما هو المنسوب الى المشهور ؟ وجهان
اقواهما الثاني ، لاطلاق
النصوص .
واستدل للاول بمرسل الفقيه ، روى : انه يمشي في الصلاة
يجر رجليه ولا
يتخطى .
وفيه : انه ضعيف السند ومعرض عنه عند المشهور ، فلا يصلح
ان يكون مدركا
الا لحكم استحبابي بضميمة اخبار من بلغ .
الخامس : انه هل يجوز المشي الى الصف حال الاشتغال
بالذكر الواجب في
الركوع ، او القراءة في القيام ، ام لايجوز ؟ وجهان ، بل قولان لايبعد
الاول ، للامر
بالمشي حال الركوع في صحيح ابن مسلم ، فان ظاهره لاسيما
بعد ملاحظة قلة زمان
] الرابعة : لو فاته بعض الصلاة ، دخل مع الامام وجعل
مايدركه او صلاته
فاذا سلم الامام قام وأتم الصلاة [
الركوع كما هو المفروض : المشي حال الاشتغال بالذكر ،
ولكن الاحوط لزوما ترك
المشي حال الاشتغال به .
ودعوى : ان مقتضى اطلاق النصوص جوازه مندفعة بما تقدم من
عدم تعرض
النصوص لغير جهة البعد ، وان المحكم ادلة الموانع .
فان قلت : ان عمدة دليل اعتبار الطمانينة حال الذكر :
الاجماع والمتيقن منه
غير المقام .
قلت ان دليل اعتبارها حال القراءة وحال الركوع هي النصوص
لا الاجماع
خاصة .
السادس : ان هذا الحكم هل هو مختص بالمسجد ، ام يعم غيره
؟ وجهان ،
اقواهما : الثاني ، لان النصوص وان اشتملت على المسجد ،
الا ان الظاهر منها ان تمام
الموضوع خوف فوت الركعة بلا دخل لعنوان المسجد في هذا
الحكم ، وانما عبر به ،
لان الغالب انعقاد الجماعة فيه .
) الرابعة : لو فاته ) مع الامام ( بعض الصلاة دخل مع
الامام ) وصلى
) وجعل مايدركه او صلاته ، فاذا سلم الامام قام واتم
الصلاة ) على حسب ما
اقتضاه تكليفه لو كان منفردا بلا خلاف معتد به بيننا ، وعن غير
واحد دعوى الاجماع
عليه .
ويشهد له : جملة من النصوص كصحيح الحلبي عن مولانا
الصادق ( عليه
السلام ) : اذا فاتك شئ مع الامام فاجعل اول صلاتك ما
استقبلت منها ، ولا تجعل
[ . . . . . . . . . ]
اول صلاتك آخرها ( 1 ) . ونحوه غيره ، فأصل الحكم مما
لاإشكال فيه ولا كلام .
إنما الكلام في امور :
الاول : اذا ادرك الامام في الاخيرتين هل يجب عليه فيهما
القراءة كما عن
المرتضى والشيخ في التهذيبين وظاهر النهاية والمبسوط
وابن زهرة والحلبي وجماعة من
متاخرى المتاخرين ، ام لاتجب ، بل هي مستحبة كما عن
المنتهى والتذكرة والمختلف
والنفلية والفوائد الملية والسرائر ؟ وجهان
اظهرهما : الاول ، للأمر بالقراءة في جملة من النصوص
كصحيح زرارة عن
سيدنا الباقر ( عليه السلام ) اذا ادرك الرجل بعض الصلاة
وفاته بعض خلف امام
يحتسب بالصلاة خلفه جعل اول ماادرك اول صلاته ، ان ادرك
من الظهر او من
العصر او من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرا في كل ركعة
مما ادرك خلف امام في
نفسه بام الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة اجزاته
ام الكتاب - الى ان قال
- وان ادرك ركعة قرا فيها خلف الامام . الحديث ( 2 ) .
وصحيح عبد الرحمان بن الحجاج عن الإمام الصادق ( عليه
السلام ) عن
الرجل يدرك الركعتين الاخيرتين من الصلاة كيف يصنع
بالقراءة ؟ فقال ( عليه
السلام ) : اقرا فيهما فانهما لك الاولتان ، ولا تجعل
اول صلاتك آخرها ( 3 ) .
وصحيح عبد الرحمان بن ابي عبد الله عنه ( عليه السلام )
: اذا سبقك الامام
بركعة فادركت القراءة الاخيرة قرات في الثالثة من صلاته
وهي ثنتان لك ، فإن لم تدرك
معه الا ركعة واحدة قرات فيها وفي التي تليها ، وان سبقك
بركعة جلست في الثانية
.....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 47 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 47 من ابواب صلاة الجماعة حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 47 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2
[ . . . . . . . . . ]
لك والثالثة له حتى تعتدل الصفوف قياما ( 1 ) . ونحوها
غيرها .
وقد استدل للقول الثاني بان الامر في هذه النصوص
بالقراءة يحمل على ارادة
الاستحباب ، وذلك لما دل من النصوص على سقوط القراءة عن
المأموم وان الإمام
ضامن لقراءة المأموم ولخلو كلام الاكثر عن التعرض لذلك .
وباشتمال تلك النصوص على ماليس بلازم كترك القراءة في
الاخيرتين ،
والتجافي في الشهد فانه يحمل الامر على غير اللزوم لوحدة
السياق .
وفي الكل نظر .
اما الأول ، فلان تلك النصوص مختصة بالماموم حال قراءة
الامام ، ولذا لاشك
لأحد في عدم سقوطها لو ادركه في التشهد الاخير ، مع انه
لو سلم اطلاقها لابد من
تقييده بالنصوص المتقدمة .
واما الثاني ، فلعدم شهادته بعدم الوجوب .
واما الثالث ، فلان بعض النصوص غير مشتمل على مااشير
اليه ، كموثق
عمار ، مع ان ذلك لايصلح لرفع اليد عن ظهور الامر في
الوجوب بعد كون الوجوب
والاستحباب خارجين عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه ،
وكونهما منتزعين من
الترخيص في ترك المامور به وعدمه ، فتحصل ان الاظهر هو
الوجوب .
الثاني : اذا لم يمهله الامام لقراءة السورة اكتفى
بالحمد خاصة بلا خلاف .
ويشهد به : صحيح زرارة المتقدم .
والمراد من عدم الامهال المجوز لترك السورة : دخول
الامام في الركوع قبل
شروع الماموم في السورة ، اذ الظاهر من قوله ( عليه
السلام ) : فان لم يدرك السورة
التامة أجزأه ام الكتاب . عدم ادراكها على النحو
المتعارف في الجماعة من كون وضع
.....................................................................
( 1 ) الوسائل باب 47 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3
[ . . . . . . . . ]
المصلين على هيئة واحدة من القيام والركوع وغيرهما من
الافعال .
نعم الاحوط ان يقراها اذا امكنه اتمام السورة واللحوق
بآخر ركوع الامام .
ولو اعجله الامام عن الحمد ايضا فهل يجب عليه الاتيان به
بتمامه واللحوق
بالامام في السجود ، ام يجوز ترك مالم يمهله الامام ؟
قولان ، لايبعد القول الثاني ،
لصحيح معاوية عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل
يدرك آخر صلاة الامام
وهو اول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرا فيقضي القرائة في
آخر صلاته ؟ قال
( عليه السلام ) : نعم ( 1 ) .
ودلالته على سقوطه في الفرض ظاهر حيث انه ( عليه السلام
) قرر الراوي على
ترك القراءة عند عدم امهال الامام .
فان قلت : انه متضمن لما لانقول به وهو قضاء القراءة آخر
الصلاة فلا بد
من طرحه .
قلت : اولا انه يمكن ان يكون المراد بقضاء القراءة آخر
الصلاة اختيارها في
الاخيرتين على التسبيح ، فجوابه ( عليه السلام ) يدل على
رجحانه .
وثانيا : ان اجمال هذه الفقرة منه او ظهورها فيما لانقول
به لايضر بالاستدلال
بصدر الخبر .
ثم ان الخبر في بادئ النظر وان كان مختصا بصورة عدم
الشروع في القراءة
اصلا ، الا انه يمكن ان يقال : انه بعد التدبر فيه يظهر
شموله لما اذا شرع فيها ولم
يمهله الامام لاتمامها بان يكون المراد القراءة الموظفة .
مع انه لو سلم الاختصاص يتعدى عن مورده الى الفرض الثاني
بالغاء
خصوصية المورد ،
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 47 من ابواب صلاة الجماعة حديث 5
[ . . . . . . . . ]
ويؤيده مفهوم الخبر المحكي عن دعائم الاسلام مرسلا عن
امير المؤمنين
( عليه السلام ) : وليقرا فيما بينه وبين نفسه ان امهله
الامام .
وعن الباقر ( عليه السلام ) : فاقرا لنفسك بفاتحة الكتاب
ان امهلك الامام او
ماادركت ان تقرا .
وعن المحقق النائيني - ره - الاستدلال له بان وجوب
القراءة مزاحم مع وجوب
متابعة الامام في افعاله ، وحيث ان الثاني اهم ، لعدم
معهودية ترك المتابعة في الركوع
بمزاحمة واجب من الواجبات الكاشف عن اهمية ادراكه على
مايزاحمه فيقدم .
وفيه : انه لاتزاحم بينهما ، فانه يمكن له ان لايخالف
شيئا منهما بان ينفرد في
صلاته ، ولو لم يجز قصد الانفراد اختيارا لا كلام في
جوازه في امثال هذا المقام .
مع ان اهمية الثاني غير ثابتة ، وما ذكر في وجهه غير
ظاهر ، فالصحيح ما
ذكرناه ، ومع ذلك كله الاحوط من حيث صحة الصلاة اتمام
القراءة ، واللحوق به في
السجود ، ومن جميع الجهات قصد الانفراد .
الثالث : اذا ادرك الامام في الركعة الثانية يستحب له
متابعته في القنوت ، لموثق
عبد الرحمان بن ابي عبد الله عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) في الرجل يدخل في
الركعة الاخيرة من الغداة مع الامام ، فقنت الامام ايقنت
معه ؟ قال ( عليه السلام ):
نعم ويجزيه من القنوت لنفسه ( 1 ) .
وظاهر عدم استحباب القنوت في الركعة الثانية له ، وهو
وان كان مورده الغداة
الا انه لإلغاء خصوصية الغداة يستفاد منه الاستحباب
بالكلية .
الرابع : هل يجب متابعة الامام في التشهد وان لم يكن
موضع تشهد للمأموم ، ام
لا ؟ وجهان ، قد استدل للاول بما دل على وجوب المتابعة ،
وبقوله ( عليه السلام ) في
..............................................................
( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب القنوت حديث 1
[ . . . . . . . . . ]
خبر علي بن جعفر الوارد في الماموم المسبوق بركعتين في
المغرب : يقعد فيهن جميعا ( 1 ) .
ولكن يرد على الاول : ان المتابعة واجبة في افعال صلاة
الماموم الواجبة عليه ،
ولا دليل على وجوبها في كل مايفعله من الافعال ولو لم
يكن واجبا على الماموم من
حيث هو .
ويرد على الثاني : انه وارد في مقام بيان وجوب التشهد في
الثانية والثالثة ، وعدم
سقوطه فيهما بالجلوس في الاولى ، ولا يدل على ان ما اتى به
تبعا للامام كان واجبا
عليه ، كما يشهد به السؤال : الرجل يدرك ركعة من المغرب
كيف يصنع حين يقوم
يقضي ايقعد في الثانية والثالثة ؟ فالاظهر عدم الوجوب
وجواز بقائه ساجدا الى ان
يقوم .
نعم يجوز ذلك ، لخبر اسحاق بن يزيد ، قلت لابي عبد الله
( عليه السلام ) :
جعلت فداك يسبقني الامام بركعة فيكون لي واحدة وله ثنتان
افاتشهد كلما قعدت ؟
قال ( عليه السلام ) : نعم فانما التشهد بركة ( 2 ) .
ونحوه موثق الحسين بن
المختار (
3 ) ، وغيره وهل يجب عليه
التجافي فيه ام لا ؟ وجهان .
يشهد للاول : قوله ( عليه السلام ) في صحيح الحلبي : من
اجلسه الامام في
موضع يجب ان يقوم فيه يتجافى واقعى اقعاء ولم يجلس
متمكنا ( 4 ) .
وقوله ( عليه السلام ) في صحيح ابن الحجاج : يتجافى
ولايتمكن من القعود ( 5 ) .
واستدل للثاني بانه بما ان التجافي ليس من افراد الجلوس
حقيقة او انصرافا
ولأجله لا يمكن حمل القعود المذكور في بعض النصوص
المتقدم عليه ، فلا محالة يحمل
الامر به على الاستحباب جمعا بين النصوص .
..........................................................................
( 1 - 2 - 3 ) الوسائل باب 66 من ابواب صلاة الجماعة
حديث 4 - 2 - 1 .
( 4 ) الوسائل باب 67 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2 .
( 5 ) الوسائل باب 67 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1
[ . . . . . . . . ]
وفيه : ان الظاهر صدقه عليه ، ويؤيده قوله ( عليه السلام
) : ولايتمكن من
القعود ولو كان التجافي غير القعود لكان يقول : ولا يقعد
. ، فالقول بوجوب
التجافي لو لم يكن اقوى لاريب في انه احوط .
ولو جلس اي تابعه في هذا الفعل يستحب له ان يتشهد للامر
به في خبري
اسحاق وابن المختار المتقدمين المحمول على الندب بلا
خلاف .
ويشهد له قوله ( عليه السلام ) : انما التشهد بركة .
الخامس يجب الاخفات في القراءة خلف الامام ، لقوله (
عليه السلام ) في
صحيح زرارة المتقدم : قرا في كل ركعة مما ادرك خلف
الامام في نفسه بام الكتاب
وسورة . لان ظهور الجملة الخبرية في الوجوب لاينكر .
وهل يجب الاخفات بالبسمة ايضا ام يستحب الجهر بها ؟
الظاهر هو الاول ،
لما دل على وجوب الاخفات في القراءة الشاملة لها ، وما
دل على استحباب الجهر
بالبسملة بين مالا اطلاق له وما يكون ضعيف السند .
السادس : اذا ادرك مع الامام الركعتين الاخيرتين وسبح
الامام ولم يقرا الماموم
فيهما لعدم تيسرها له ، فالمشهور بقاء التخيير بين الفاتحة
والتسبيح في الاخيرتين له .
وعن بعض القول بوجوب القراءة هنا في ركعة .
واستدل له بما دل على انه لاصلاة الا بفاتحة الكتاب .
وبمرسل احمد بن النضر في الرجل اذا فاته مع الامام
ركعتان - يقرا بفاتحة
الكتاب في كل ركعة ( 1 ) .
وبصحيح معاوية عن الصادق ( عليه السلام ) عن الرجل يدرك
آخر الصلاة
الامام وهو اول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرا فيقضي
القراءة في آخر صلاته ، قال
...................................................................
( 1 ) الوسائل باب 47 من ابواب صلاة الجماعة حديث 7
[ . . . . . . . . ]
( عليه السلام ) : نعم ( 1 ) .
ولكن يرد على الاول : ماتقدم في الجزء الرابع من هذا
الشرح في مسالة من
نسي القراءة في الاولتين ، وقد بينا هناك ضعف هذا الوجه .
ويرد على الثاني : - مضافا الى ارساله - ان ظاهره وجوب
الفاتحة في كل ركعة
وهو لاينطبق على المدعى ، فحينئذ هو كسائر مايدل بظاهره
على تعين الفاتحة في
الاخيرتين ، وقد تقدم الكلام فيها مفصلا في الجزء الرابع
من هذا الشرح .
ويرد على الثالث : مضافا الى اجماله - ان مورده مالو
ادرك ركعة من صلاة
الامام ، ووجوب الفاتحة في هذه الصورة في الاخيرتين مما
لم يقل به احد ، فهذا ايضا لا
ينطبق مفاده على المدعى ، فاذا الاظهر بقاء التخيير ،
لاطلاق ادلته .
اختلاف الامام والماموم اجتهادا او تقليدا
( الخامسة ) : هل يجوز اقتداء المجتهد او مقلده بمجتهد آخر
او بمقلده
المخالف له في الفروع مع استعماله محل الخلاف في الصلاة ام
لا ، ام هناك تفصيل ؟
وجوه ؟ اقواها : الاخير ، فانه اذا كان المخل به في صلاة
الامام من الفعل او الترك
بنظر الماموم مما لايخل مطلق وجوده ، وانما يخل بها اذا
كان عمديا وعن علم او جهل
تقصيرى - وهي جميع الاجزاء والشرائط والموانع غير الخمسة
المستثناة في حديث ( لا
تعاد الصلاة ) ( 2 ) بناء على ماتقدم من شموله للموانع ايضا - صحت صلاته وقدوته ،
لما تقدم من شمول الحديث - اي : حديث لاتعاد الصلاة -
للجاهل القاصر ايضا
وان مفاده صحة الصلاة حين الاتيان بها ، اذ عليه تكون
صلاة الامام صحيحة حتى
......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 47 من ابواب صلاة الجماعة حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 29 من ابواب القراءة في الصلاة حديث 5
[ . . . . . . . . . ]
عند الماموم فيصح الاقتداء به ، فلو تستر الامام بسنجاب
ونحوه مما يرى الماموم عدم
جوازه يجوز الائتمام به .
ويستفاد ذلك من صحيح جميل ايضا في امام قوم اجنب وليس
معه من الماء ما
يكفيه للغسل ومعهم مايتوضؤون به ايتوضا بعضهم ويصلي بهم
؟ قال ( عليه السلام ) : لا
ولكن يتمم الجنب ويصلي بهم فان الله جعل التراب طهورا (
1 ) فانه بعموم علته يدل
على انه يجوز الائتمام لو كانت صلاة الامام صحيحة وان
كانت ناقصة .
هذا في غير مايتعلق بالقراءة في الركعتين الاولتين ،
واما فيما يتعلق بالقراءة
فيهما في مورد تحمل الامام عن الماموم فيشكل الحكم
بالصحة كما تقدم في شرائط امام
الجماعة .
واما ان كان المخل به مما يوجب بطلان الصلاة مطلق وجوده
كما اذا كان
الامام يرى بقاء وقت العشاءين الى طلوع الفجر ، والماموم
يرى انتهاء وقتهما
بانتصاف الليل ، فاراد الماموم ان يقتدي في صلاة قضائه
بالامام المصلي اداء بعد
انتصاف الليل فالاظهر عدم جواز الائتمام ، فان مايفعله الامام
بنظر الماموم صورة
صلاة ليست بصلاة في الواقع ، والمشروع انما هو الاقتداء
بالمصلي وهو ليس بمصل
حقيقة باعتقاد الماموم ، ولافرق فيما ذكرناه بين مااذا
ثبت بطلان صلاة الامام لديه
بدليل قطعي او ظني .
السادسة اذا ثبت ان الامام كافر او فاسق او على غير
طهارة ، فتارة يكون
........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 17 - من ابواب صلاة الجماعة حديث 1
[ . . . . . . . ]
ذلك بعد الصلاة ، واخرى يكون في اثنائها ، فالكلام يقع
في موضعين :
الاول : لو كان ذلك بعد الصلاة صحت صلاته وبطلت قدوته ،
فلنا دعويان :
الاولى : صحة الصلاة .
الثانية : بطلان القدوة . اما الاولى فيشهد لها : جملة
من النصوص كمرسل ابن
أبي عمير عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في قوم خرجوا
من خراسان او بعض
الجبال وكان يؤمهم رجل فلما صاروا الى الكوفة علموا انه
يهودي ، قال ( عليه السلام ) :
لايعيدون ( 1 ) . ونحوه غيره .
وهي وان وردت في الكفر الا انه يثبت في الفسق ايضا
بالاولوية والاجماع
المركب .
وصحيح الحلبي : من صلى بقوم وهو جنب او على غير وضوء
فعليه الاعادة ،
وليس عليهم ان يعيدوا ، وليس عليه ان يعلمهم ( 2 ) .
ونحوه غيره .
وعن الاسكافي وعلم الهدى : وجوب الاعادة .
واستدل له بصحيح معاوية ، قلت لابي عبد الله ( عليه
السلام ) : ايضمن الامام
صلاة الفريضة فان هؤلاء يزعمون انه يضمن ، فقال ( عليه
السلام ) : لايضمن اي
شئ يضمن الا ان يصلي بهم جنبا او على غير طهر ( 3 ) فان
مقتضى الاستثناء بطلان
صلاة الماموم في تلك الصورة اذ لو كانت صلاتهم صحيحة لم
يفت منهم شئ حتى
يكون الامام ضامنا .
وبقوله ( عليه السلام ) في خبر الدعائم : فاذا فسد صلاة
الامام فسد صلاة
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 37 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 36 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 36 من ابواب صلاة الجماعة حديث 6
[ . . . . . . . . . ]
المامومين ( 1 ) .
وبما عن نوادر الراوندي : من صلى بالناس وهو جنب اعاد هو
واعاد الناس ( 2 ) .
وفي الكل نظر .
اما الاخيران ، فلانهما ضعيفان سندا .
واما الاول : فلانه مختص بخصوص فقد الطهارة ، مع انه
معارض بالنصوص
المتقدمة فيحمل على الاستحباب ، مضافا الى انه يمكن ان
يكون المراد منه - كما قيل
ان الامام متعهد للمامومين بان يصلي على طهر ، وان لم
يفعل فان كان عمديا اثم ، والا
فهو معذور ، ويترتب عليه لزوم اعلام المامومين لو تبين
للامام حاله في الاثناء ، وهذا لا
ربط له بصحة صلاة المامومين وعدمها ، فالقول بوجوب
الاعادة ضعيف .
ومقتضى اطلاق النصوص وترك الاستفصال صحة صلاة الماموم
وان ارتكب
مالا يغتفر للمنفرد كما لو زاد ركنا او نحوه مما يخل
بصلاة المنفرد للمتابعة .
ودعوى : انها واردة في مقام نفي اقتضاء فساد صلاة الامام لبطلان صلاة
الماموم من
غير تعرض فيها لغير ذلك . مندفعة بانها في مقام صحة صلاة
الماموم التي يؤتى بها على
حسب مايقتضيه ادلة الجماعة ودعوى : معارضتها مع دليل قدح
ذلك في صحة الصلاة
فتحمل هذه النصوص على مالو لم يزد ركنا او نحوه مما يخل
بصلاة المنفرد جمعا بين
الادلة مندفعة بان هذه النصوص على فرض تسليم اطلاقها
تكون حاكمة على تلك
الادلة كما لايخفى .
واما الدعوى الثانية فيشهد لها : مادل على اعتبار كون
الامام عادلا مسلما ،
وكونه مصليا ، فان هذه الادلة تقتضي بطلانها مع فقد احد
هذه القيود ، والنصوص
المتقدمة ، غاية مايستفاد منها صحة الصلاة ، ولاتدل على
صحة القدوة .
.....................................................................
( 1 ) المستدرك باب 32 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2 .
( 2 ) المستدرك باب 32 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3
[ . . . . . . . . ]
الموضع الثاني : لو ثبت كون الامام كافرا ، او فاسقا ، او
على غير طهارة في
الاثناء نوى الانفراد وصحت صلاته ، لصحيح زرارة عن رجل
صلى بقوم ركعتين ثم
اخبرهم انه ليس على وضوء ، قال ( عليه السلام ) : يتم
القوم صلاتهم فإنه ليس على
الامام ضمان ( 1 )
وقيل : يستأنف صلاته ، لما عن المنتهى من ان في رواية
حماد عن الحلبي
يستقبلون صلاتهم اذا اخبرهم الامام في الاثناء انه لم
يكن على طهارة .
وفيه : ان الرواية لم نعثر عليها في الكتب المعتمدة كما
اعترف به جماعة منهم :
صاحب الحدائق - ره - مع أنها معرض عنها عند الاصحاب .
مضافا الى انه على فرض وجودها وحجيتها لابد من حملها على
الاستحباب
جمعا بينها وبين الصحيح المتقدم ، فالقول بوجوب الاعادة
ضعيف .
الثامنة : لاخلاف على الظاهر في انه يستحب ان يعيد
المنفرد صلاته التي
صلاها اذا وجد من يصلي تلك الصلاة جماعة إماما كان او
ماموما ، وعن غير واحد
دعوى الاجماع عليه .
ويشهد له : جملة من النصوص كصحيح ابن بزيع قال : كتبت
الى أبي الحسن
( عليه السلام ) إني احضر المساجد مع جيراني وغيرهم
فيامرونني بالصلاة بهم وقد
صليت قبل أن آتيهم وربما صلى خلفي من يقتدي بصلاتي
والمستضعف والجاهل فأكره
أن أتقدم وقد صليت لحال من يصلي بصلاتي ممن سميت لك
فمرني في ذلك بأمرك
.........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 36 من ابواب صلاة الجماعة حديث 2
[ . . . . . . . . ]
انتهى اليه واعمل به ان شاء الله تعالى ، فكتب ( عليه
السلام ) صل بهم ( 1 ) .
وصحيح هشام بن سالم عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن
الرجل يصلي
الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال ( عليه السلام ) : يصلي
معهم ويجعلها الفريضة ان
شاء ( 2 ) ونحوهما غيرهما ، فاستحباب اعادة المنفرد
اماما او ماموما لا اشكال فيه ، كما
لا اشكال في عدم استحباب اعادة المنفرد او الماموم او
الامام منفردا ، وكذلك لاينبغي
التوقف في عدم استحباب اعادة الامام ماموما .
انما الكلام في صور ثلاث : الاولى : اعادة الامام اماما
الثانية : اعادة الماموم
اماما الثالثة اعادة الماموم ماموما .
اما الصورة الاولى فعن المحقق النائيني جوازه .
واستدل له باطلاق صحيح ابن بزيع المتقدم بدعوى : ان
اطلاق قوله : وقد
صليت قبل ان آتيهم يشمل مااذا كان صلي جماعة .
اقول : هذا حسن ، والايراد عليه ببعد اقامة الجماعة في
غير المسجد مع تمكنه
من حضور مساجد جيرانه من غير تقية غير تام فإنه لابعد في
ذلك في تلك الازمنة ،
كما لايخفى فالاظهر جوازه .
واما الصورة الثانية ، ، فعن غير واحد منهم الشيخ الاعظم
- ره - جوازه .
واستدل له بما روي ان معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله
عليه وآله ثم يرجع
فيصلي بقومه ( 3 ) .
وبما عن عوالى اللآلي عن فخر المحققين - ره - عن والده
المصنف - ره - روي
........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 3 ) المستدرك باب 43 من ابواب صلاة الجماعة
[ . . . . . . . . . ]
ان اعربيا جاء الى المسجد وقد فرغ النبي صلى الله عليه
وآله واصحابه من
الصلاة فقال الا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه فقام شخص
فاعاد صلاته
وصلى به ( 1 ) .
واورد عليهما : بضعف السند .
اقول : ان اخبار من بلغ ( 2 ) تصلح لاثبات الاستحباب وان
كان الخبران
ضعيفين .
ودعوى : انه لايمكن حينئذ ترتيب آثار الجماعة على مثل
هذه الجماعة الثابت
استحبابها باخبار من بلغ مندفعة بما تقدم في اول مبحث
الجماعة ، مع ان اطلاق
صحيح ابن بزيع المتقدم لا باس بالتمسك به .
واما الصورة الثالثة فعن جماعة منهم : الشهيدان جوازه ،
وهو الاظهر ، لاطلاق
جملة من النصوص .
منها : صحيح الحلبي عن الامام الصادق ( عليه السلام ) :
اذا صليت وانت في
المسجد واقيمت الصلاة ، فان شئت فاخرج ، وان شئت فصل
معهم ( 3 ) .
ومنها : غيره فتحصل مما ذكرناه : ان الاظهر استحباب
الاعادة في صور خمس ،
وعدمه في اربع ،
بقي في المقام امور .
الاول : ان جواز الاعادة في موارد انما يختص بالمرة
الاولى ، ولا دليل على
جوازها مرارا ، والاصل يقتضي عدم الجواز .
.....................................................................
( 1 ) المستدرك باب 43 من ابواب صلاة الجماعة .
( 2 ) الوسائل باب 18 من ابواب مقدمة العبادات .
( 3 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 8
[ . . . . . . . . ]
الثاني : هل يتعين في المعادة نية الندب ، ام يجوز نية الوجوب
؟ قولان ،
المنسوب الى جماعة منهم : الشهيدان هو الثاني ، وظاهر
الاكثر هو الاول .
وقد استدل لجواز نية الوجوب بصحيح هشام المتقدم :
ويجعلها الفريضة
ان شاء ( 1 ) .
وبما في بعض النصوص : يختار الله احبهما اليه ( 2 ) .
وبما في مرسل الفقيه : يحسب له افضلهما واتمهما ( 3 ) .
واعترض على ذلك الشيخ الاعظم - ره - بان الفعل الاول قد
وقع على جهة
الوجوب مستجمعا لشرائط اسقاط الواجب فلا يعقل نفي الوجوب
عنه ، ولا وجوب
آخر حتى يقع الفعل الثاني عليه .
واجاب عنه المحقق الهمداني - ره - تشييدا لاركان مااستدل
به على هذا
القول بما حاصله : ان تبديل الامتثال وان كان لايجوز في
نفسه الا ان ذلك مالم يدل
دليل على جوازه ، وحيث ان المفروض دلالة الدليل عليه في
المقام فلا محذور في الالتزام
به .
اقول : ان مفاد اخبار الباب استحباب الاعادة في نفسها
مثل مادل على
استحباب اعادة صلاة الآيات مادامت الآية باقية ، فيكون
كل فرد امتثالا لامر غير
مايكون الاخر امتثالا له ، وليس من باب تبديل الامتثال .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 10 .
( 3 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 4
[ . . . . . . . . . ]
والذي دعى الجماعة الى الالتزام بدلالتها على جواز تبديل
الامتثال انما هو
تضمن تلك النصوص لجمل ثلاث ، ما صحوا بذلك في الوجه الذي
استدلوا به في
المقام .
احداها قوله ( عليه السلام ) يحسب له افضلهما واتمهما .
كما في مرسل الفقيه ( 1 ) .
الثانية : قوله ( عليه السلام ) : يختار الله احبهما
اليه . كما في خبر ابي بصير ( 2 ) .
الثالثة : قوله ( عليه السلام ) يجعلها الفريضة كما في
صحيح هشام ( 3 ) ، وغيره .
ولكن شيئا منها لايدل على ذلك .
اما الاولى ، فلان الظاهر من المرسل المتضمن لها وروده
في الصلاة مع
المخالفين فيكون نظير طائفة من النصوص الواردة في الباب
الدالة على استحباب
الاعادة مع المخالفين ، والمستفاد من مجموعها انها
لاتحسب صلاة ولو نافلة ، بل في
بعضها : التصريح بانه يجعلها تسبيحا وذكرا ( 4 ) ، وفي
آخر : اريهم ان اسجد ومااسجد ( 5 )
فهو خارج عن مورد البحث واجنبي عن تبديل الامتثال ، بل
المراد من هذه الجملة
حينئذ ان الصلاة معهم تقية ، لما فيها من المصالح افضل
العملين له اي الصلاة الثانية
وان كانت صورية افضل من الاولى الحقيقية للمصالح العظيمة
، وعليه فيتعين قراءة
افضلهما واتمهما بالنصب لا بالرفع كما لايخفى .
والشاهد على كون المرسل من هذه النصوص : ان الظاهر كونه
تتمة رواية
رواها عن الامام الصادق ( عليه السلام ) الواردة في
الصلاة معهم على ماهو صريحها ،
...........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 10 .
( 3 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 6 من ابواب صلاة الجماعة حديث 5 .
( 5 ) الوسائل باب 6 من ابواب صلاة الجماعة حديث 8
[ . . . . . . . . . ]
قال رجل للصادق ( عليه السلام ) : اني اصلي في اهلي ثم
اخرج الى المسجد فيقدموني ،
فقال ( عليه السلام ) : تقدم لا عليك وصل بهم ( 1 ) وفي
خبر آخر : وصل بهم لاصلي الله
عليهم ( 2 ) .
واما الجملة الثانية : فلان المراد منها - على الظاهر
ولا اقل من المحتمل - هو
ان الله تعالى يعطي الثواب على الصلاة الكاملة منهما
الواقعتين بداعى امتثال امرين :
وجوبي وندبي ، لا ان الصلاة التي تكون احب هي المسقطة
للامر الوجوبي ، وانها التي
يستقر عليها الامتثال والمحصلية للغرض الاقصى .
والشاهد على ذلك قوله ( عليه السلام ) : احبهما اليه
الظاهر في اشتراكهما في
المحبوبية ، اذ القائل بتبديل الامتثال لايلتزم بذلك .
واما الجملة الثالثة ، ففيهما احتمالات .
الاول : ان يكون المراد بها الاتيان بالثانية بعنوان
القضاء عما في الذمة من
الصلوات الفاسدة ، او التي لم يؤت بها .
ويؤيده قوله ( عليه السلام ) في صحيح هشام : يجعلها
الفريضة ان شاء .
الثاني : ماذكره شيخ الطائفة وهو ان المراد بها ان من
يصلي ولم يفرغ من
صلاته ووجد جماعة فله ان يجعلها نافلة ثم يصلي الفريضة
جماعة .
وأيده الوحيد بأن ذلك هو ظاهر صيغة المضارع ، وان راوي
هذا الخبر روي
هذا المعنى الذي ذكره الشيخ عن سليمان بن خالد عن الامام
الصادق ( عليه
السلام ) ( 4 ) .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 54 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 56 من ابواب صلاة الجماعة حديث 1
[ . . . . . . . . . ]
الثالث : ان يكون المراد بها ماذكره بعض المحققين - ره -
وهو انه يجعلها
فريضة ذاتية من ظهر او عصر او نحوهما مما اداها سابقا
لانافلة ذاتية حيث لاجماعة
فيها ، وعلى اي تقدير تكون اجنبية عما استدل بها له .
ويشهد لعدم كون نصوص الاعادة في مقام بيان جواز تبديل
الامتثال : ما في
بعضها : فان له صلاة اخرى ، مضافا الى عدم معقوليته
ثبوتا ، اذ الامر ان كان باقيا
بعد الاتيان بفرد فبما انه ايجابي يجب الاتيان به ثانيا
، والا فلا موجب للاتيان به : .
ونسب الى المحقق العراقي في توجيه نصوص الاعادة كلام
لاباس بنقله تتميما
للبحث وهو ان الامر بالشئ اما ان يكون لاشتماله على
الغرض والمصلحة ، واما ان
يكون لكونه مقدمة لما فيه الغرض الاقصى ، وعلى الثاني
فتارة يكون مافيه الغرض
- وهو ذو المقدمة - فعل المكلف كالصلاة بالاضافة الى
مقدماتها مثل الوضوء ونحوه ،
واخرى يكون هو فعل المولى ، وعلى الثاني ، فقد يكون من
افعاله الجوارحية كأمر
المولى عبده بإحضار الماء ليشربه ، وقد يكون من افعاله
الجوانحية كامر المولى عبده
باعادة الصلاة جماعة ليختار احب الصلاتين اليه ، وعلى
ذلك فبناء على القول
باختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة اذا اتى العبد بفردين
من افراد الواجب في
الاقسام المذكورة غير الاول طولا فيهما الذي يترتب عليه
مافيه الغرض هو المصداق
للواجب فيقع الآخر لغوا فلو صلى فرادى ثم جماعة واختار
المولى الثانية في مقام
ترتب الثواب على اطاعته تقع الثانية مصداقا للواجب دون
الاولى ، بل هي تقع غير
واجبة .
وفيه : ان ماالتزم به - قده - من عدم ترتب غرض على
الصلاة في نفسها وانما
امر بها لاجل كونها مقدمة لاختيار المولى اياها في مقام
ترتب الثواب - التزام بعدم
كون هذا الحكم تابعا للمصلحة وهو مناف لمسلك العدلية .
مع انه قد وردت نصوص كثيرة دالة على ان في خصوص الصلاة
مصالحا
[ . . . . . . . . . ]
واغراضا من الانتهاء عن الفحشاء والمنكر وغير ذلك .
مضافا الى ماعرفت من دلالة هذه النصوص بانفسها على وقوع
كل من
الصلاتين على صفة المحبوبية .
فتحصل مما ذكرناه عدم جواز تبديل الامتثال ، وان نصوص الاعادة اجنبية
عن ذلك ، وعليه فإيراد الشيخ الاعظم - ره - على الشهيدين
في محله فالاظهر تعين
قصد الندب .
الثالث : لو ظهر بطلان الاولى فهل تكون الثانية الماتي
بها بعنوان الاعادة
مجزية عنها ومسقطة لامرها ام لا ، ام يفصل بين مااذا كان
قاصدا لامتثال الامر
الواقعي المتوجه اليه في تلك الحال بالصلاة وان اعتقد
انه الامر بالمعادة منها ، وبين ما
اذا كان قاصدا للامر الذي يعتقده بنحو التقييد فتصح في
الاول دون الثاني ؟ وجوه :
اقواها : الاول اذ الميزان في صحة العبادة الاتيان بذات المامور
به بجميع
قيوده متقربا الى الله تعالى ، ولا يعتبر فيها شئ آخر ،
ولو نقصت عن ذلك لاتصح ،
فلو صلى في اول الوقت بتخيل انه آخر الوقت صحت صلاته وان
كان ذلك على وجه
التقييد لان قصده ذلك لايكون احد المبطلات ، والمفروض
اتيان الصلاة تامة متقربا
الى الله تعالى .
ولو صلى صلاة العصر بتخيل انه صلى الظهر لم تصح على
القاعدة وان كان
قصد الامر بالعصر على نحو الداعي ، لان حقيقة صلاة العصر
تغاير حقيقة صلاة
الظهر كما يكشف عن ذلك اختلاف احكامهما ، فاذا لم يقصد
حقيقة احداهما وقصد
الاخرى لاتقع عنها ، لعدم تحققها .
[ . . . . . . . . . . ]
وبالجملة الميزان في الصحة هو ماذكرناه من غير فرق بين
الداعي والقيد ،
وعلى ذلك فبما ان المستفاد من النصوص ان الصلاة الاصلية
والمعادة حقيقة واحدة ،
وان اختلاف الآثار انما يكون من جهة اختلاف حالات المصلي
، اذ ربما يكون مصليا
قبل هذه الصلاة ، وربما يكون غير مصل . وعلى الاول تكون
صلاته معادة ، وعلى
الثاني تكون اصلية ، وهذا لايوجب الاختلاف في الحقيقة ،
وحينئذ فمن قصد الامر
بالمعادة وكان في الواقع غير مصل فقد اتى بالصلاة
المامور بها بجميع قيودها متقربا
الى الله تعالى ، فتكون مجزية وان كان قصده الامر
بالعادة على وجه التقييد .
واستدل للقول الثاني بانه اذا قيد صلاته بالمعادة وقصد
الاتيان بها كذلك ،
فاذا لم تكن معادة فصلاته هذه لاتكون مقصودة .
وفيه : انه اذا لم يكن هذا العنوان دخيلا في المامور به
، بل كان من العناوين
المنطبقة عليها من جهة وقوعها بعد صلاة اخرى فمن قصد هذا
العنوان وتعلقت
إرادته بايجاده فقد انبعثت عنها ارادة اخرى الى معنونه
فذات الصلاة مقصودة بتبع
ارادة المعادة .
واستدل للقول الثالث : بانه اذا كان قاصدا لامتثال الامر
الفعلي المتوجه اليه
فهو قاصد لامتثال الامر بالصلاة الاصلية ، ولاينافيه
اعتقاد كونه الامر بالمعادة ، اذ
الخطا في اعتقاد الصفة مع عدم اخذها قيدا في الموضوع
لايمنع من قصد ذات
الموصوف وتحققه واتصافه بوصف يغاير ذلك الوصف .
واما اذا كان قصده امتثال الامر بالمعادة منها بنحو
التقييد فبما انه بانتفاء القيد
ينتفي المقيد فلا يكون ممتثلا للامر الواقعي المتوجه
اليه .
وبعبارة اخرى : ماقصد لاواقع له وماله واقع لم يقصد ،
وهذا بخلاف الصورة
الاولى ، فانه على الفرض قاصد لامتثال الامر الواقعي .
وقد ظهر مما ذكرناه في وجه المختار الجواب عن ذلك ،
فلاحظ وتدبر .
] يستحب عمارة المسجد مكشوفة ، [
فتحصل ان ماعن جماعة - منهم : الشيخ والمحقق من الحكم
بالصحة في
الصورتين في ماهو نظير المقام - هو الاقوى .
خاتمة تتعلق بالمساجد ، والمراد بالمساجد المكان الموقوف
على كافة المسلمين
للصلاة فيه ، لو وقفه على ان يصلي فيه طائفة خاصة فهل
يبطل الوقف من اصله كما
عن فخر المحققين والمحقق الثاني وغيرهما ، ام يبطل
التخصيص ويصح الوقف كما
عن المصنف - ره - في باب الوقف من القواعد ، ام يصحان
معا كما عن المصنف - ره
- تقوتيه في التذكرة ؟ وجوه سياتي التعرض لهذه المسالة في
كتاب الوقف انشاء الله
تعالى .
) يستحب عمارة المساجد ) بضرورة من الدين لقوله تعالى : (
انما يعمر
مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) ( 1 )
ويستحب ان تكون المساجد ( مكشوفة ) لحسن عبد الله بن
سنان عن الامام
الصادق ( عليه السلام ) : ان رسول الله صلى الله عليه
وآله بنى مسجده بالسميط ، ثم
ان المسلمين كثروا فقالوا : يارسول الله لو امرت بالمسجد
، فزيد فيه وبناه بالسعيدة ،
ثم ان المسلمين كثروا فقالوا : يارسول الله لو امرت
بالمسجد ، فزيد ، فيه فقال : نعم
فامر به فزيد فيه وبنى جداره بالانثى والذكر ، ثم اشتد عليهم الحر فقالوا : يارسول
الله لو امرت بالمسجد فظلل ، فقال : نعم فامر به فاقيمت
فيه سوارى من جذوع
النخل - الى ان قال - فقالوا : يارسول الله لو امرت
بالمسجد فطين ، فقال لهم رسول
...............................................................
( 1 ) التوبة الآية 19
] والميضاة على ابوابها ، والمنارة مع حائطها
، [
الله صلى الله عليه وآله : لا عريش كعريش موسى ، ولم يزل
كذلك حتى قبض الله صلى
الله عليه وآله ( 1 )
ولكنه لايدل على استحباب كونها مكشوفة ، لوجهين :
الاول : انه ينهى عن التسقيف فظاهر مرجوحية ذلك ، وترك
المكروه ليس
بمستحب .
الثاني : انه يدل على مرجوحية التسقيف خاصة ، وعدم البأس
بالتظليل .
واما حسن الحلبي او صحيحه عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) عن المساجد
المظللة أتكره الصلاة فيها ؟ فقال : نعم ولكن لايضركم
اليوم ولو قد كان العدل لرأيتم
كيف يصنع في ذلك ( 2 ) فمضافا الى عدم تعرضه لحكم بناء
المسجد وإنما هو في مقام بيان
حكم الصلاة ، انه لو اغمض عن ذلك يتعين حمله على ارادة
التظليل بالنحو المتعارف
من كونه بالتسقيف ، جمعا بينه وبين حسن ابن سنان ،
فالاظهر كراهة التسقيف
خاصة .
( و ) يستحب أيضا أن يكون ( الميضاة على
أبوابها ) والمراد بها المطهرة .
ومستند استحباب ذلك : خبر عبد الحميد عن ابي ابراهيم (
عليه السلام ) عن
رسول الله صلى الله عليه وآله : جنبوا مساجدكم صبيانكم
ومجانينكم وشراءكم وبيعكم ،
واجعلوا مطاهركم على ابواب مساجدكم ( 3 ) .
( و ) المشهور بين الاصحاب - على مانسب اليهم - استحباب ان
تكون
( المنارة مع حائطها ) لا في وسطها .
واستدل له المصنف - ره - في بعض كتبه - على مانقل - بان
فيه التوسعة ورفع
......................................................................
( 1 ) الوسائل باب 9 من ابواب احكام المساجد حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 9 من ابواب احكام المساجد حديث 2 .
( 3 ) ذكره صدره في الوسائل باب 27 وذيله باب 25 من ابواب
احكام المساجد
] والاسراج فيها ، واعادة المستهدم ويجو استعمال آلته في
غيره منها [
الحجاب بين المصلين . وهو كما ترى .
) و ) يستحب ايضا ( الاسراج فيها ) لقوله صلى الله عليه
وآله : من اسرج في
مسجد من مساجد الله سراجا لم يزل الملائكة وحملة العرش
يستغفرون له مادام في
ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج ( 1 ) .
) و ) كذا يستحب ( اعادة المستهدم ) لعموم مادل على
استحباب عمارة المساجد .
( ويجوز استعمال آلته في غيره منها ) مع استغنائه عنها او
تعذر استعمالها فيه
لاستيلاء الخراب عليه بلا خلاف فيه .
وظاهر جماعة منهم المصنف - ره - في المتن الجواز مطلقا ،
وقد استدلوا لهذا
الحكم بوجوه :
منها : ان المساجد لله وماكان لله فهو لوليه ، فله
التصرف فيه على حسب
المصلحة كباقي ماكان له .
وفيه اولا : ان المساجد موقوفة على ان يصلي فيها لله لا
انها موضوعة لله تعالى .
وثانيا : ان الولي هو الامام ( عليه السلام ) وجواز
تصرفه فيها كيف ماشاء مما
لا كلام فيه ، انما الكلام في جواز التصرف لغيره .
ومنها : ان المساجد جميعها لله فهي في الحقيقة كمسجد واحد
فلا باس بإصلاح
بعضها ببعض للمصلحة ونحوها .
...............................................................
( 1 ) الوسائل باب 34 من ابواب احكام المساجد حديث 1
[ . . . . . . . ]
وفيه : ان مقتضى قولهم عليهم السلام : الوقوف على حسب
مايوقفها اهلها ( 1 )
الاقتصار على التصرف على النحو الذي اوقفها اهلها ، فاذا
كان الوقف على مسجد
خاص فالتصرف فيه بالصرف في مسجد آخر خلاف ذلك فلا يجوز ،
وكون الجهة
واحدة لايقتضي كون المجموع مسجدا واحدا كما هو واضح .
ومنها : ان ترك التصرف فيها تضييع لها بخلاف صرفها الى
مسجد آخر فانه
حفظ لوقفيتها على الجهة التي تعلق بها غرض الواقف .
وفيه : انه لادليل على جواز العمل على وفق غرض الواقف ،
بل الدليل دل
على لزوم العمل على وفق الوقف ، وعليه فان لم يستغن ذلك
المسجد الموقوف له عن
تلك الآلات لاينبغي التوقف في عدم جواز استعمالها في
غيره ، والا فحكمها حكم
الوقف الذي تعذر الانتفاع به في الجهة التي وقف لها ،
والمشهور بين الاصحاب انه
يصرف في وجهه البر .
وهناك اقوال اخر ، وتمام الكلام في محله .
فتحصل : ان ماوقف لمسجد لايجوز استعماله في مسجد آخر مع
عدا استغنائه
عنه وامكان استعماله فيه ، واما مع الاستغناء فيصرف في
وجوه البر بلا اختصاص له
بمسجد آخر .
ثم إنه لافرق في ماذكرناه بين كون الآلات من قبيل
الاحجار والاخشاب
وغير ذلك مما هو من اجزاء المسجد ، وبين كونها من قبيل
الفرش والسراج كما لا
يخفى .
..........................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب احكام الوقوف والصدقات من
كتاب التجارة
] ويحرم زخرفتها [
في زخرفة المساجد ونقشها بالصور
) و ) المنسوب الى المشهور انه ( يحرم زخرفتها ) .
وظاهر ماعن الدروس من نسبة الحرمة الى القيل عدم صحة
النسبة .
وعن جماعة من المتاخرين الكراهة .
وعن الدروس القول باستحباب تركها .
وقد استدل للحرمة بانها بدعة لم تكن في عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله
وبانها اسراف ، وبالشهرة الفتوائية .
ولكن يرد على الاول : انه ان وقعت الزخرفة بعنوان انها
من الدين ولم ينطبق
عليها عنوان تعظيم الشعائر ونحوه مما يوجب مطلوبيتها
كانت بدعة ومحرمة بالحرمة
التشريعية ، وهو ليس محل الكلام .
واما مجرد الفعل من دون ادخاله في الدين او معه من جهة
انطباق عنوان عام
راجح عليه ، فلا يكون بدعة وان لم يكن في عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله كيف
وكثير من الامور في زماننا لم تكن في عهد رسول الله صلى
الله عليه وآله .
ويرد على الثاني : ان الغالب تعلق غرض عقلائي بها كتعظيم
الشعائر ، ومعه لا
يصدق عليها الاسراف .
ويرد على الثالث : - مضافا الى عدم ثبوتها - انها ليست
بحجة ، فالاظهر عدم
الحرمة .
واستدل للقول بالكراهة : بما في وصية ابن مسعود المروية
عن المكارم للطبرسي
في مقام الذم : ويزخرفون المساجد ( 1 ) .
.............................................................
( 1 ) مكارم الاخلاق ص 526 الفصل الرابع من الباب الثاني
عشر
] ونقشها بالصور [
وبما في الغرويين للهروي ان في الحديث : لم يدخل النبي
الكعبه حتى امر
بالزخرف فنحي ( 1 ) .
ولكن لضعف سنديهما وعدم ثبوت اعتماد الاصحاب عليهما لا
يصلحان
لاثبات ذلك .
ودعوى : كفايتهما لاثبات ذلك بواسطة اخبار من بلغ مندفعة
بانها مختصة
بالمستحبات .
ولعل القائل باستحباب ترك الزخرفة فهم من الخبر الثاني
استحباب تركها
فبواسطة اخبار من بلغ حكم بذلك .
ثم ان المراد بالزخرفة على ما عن المدارك وغيرها النقش
بالزخرف وهو
الذهب .
وعن غير واحد من اللغويين تفسيرها بمطلق التزيين ، وحيث
عرفت عدم
الدليل على حرمتها ، بل ولا على كراهتها فلا يهمنا اطالة
الكلام في هذه الجهة .
( و ) المنسوب الى المشهور حرمة ( نقشها بالصور ) .
وقد استدل لذلك بالبدعة ، وبخبر عمرو بن جميع عن الامام
الصادق ( عليه
السلام ) عن الصلاة في المساجد المصورة ، فقال : اكره
ذلك ولكن لايضركم ذلك اليوم
ولو قام العدم لرايتم كيف يصنع في ذلك . ( 2 )
وبان تصوير المساجد الموجب لكراهة الصلاة فيها ولو في
جزء منها تصرف
غير ماذون فيه مورث لمنقصة فيها بلحاظ الجهة الملحوظة
للواقف في وقفيتها ، لانه
يوجب صيرورة الصلاة الواقعة فيها ذات منقصة فهو مضر بحال
الوقف والموقوف
عليهم وبما تعلق به غرض الواقف فلا يجوز .
........................................................
( 1 ) سنن
البيهقي ج 5 ص 158 .
( 2 ) الوسائل باب 15 من ابواب احكام المساجد حديث 1
] واخذها او بعضها في ملك او طريق ، وادخال النجاسة اليها
واخراج
الحصي منها ويعادلو [
وفي الكل نظر من .
اما الاول ، فلما تقدم آنفا .
واما الثاني ، فلانه ضعيف السند ، مع انه لايدل على
الحرمة ، مضافا الى انه
متعرض لحال الصلاة لا التصوير .
واما الثالث - فمضافا الى اخصيته عن المدعى كما لايخفى -
لازمه حرمة
اضرام النار في المسجد ووقوفه قبال المصلين وغيرهما مما
يوجب كراهة الصلاة ، مع ان
تصوير المسجد لايوجب نقصا في الصلاة من حيث وقوعها في
المسجد ، وانما يكون
موجبا للنقص من جهة اخرى فلا ينافي ذلك مع ماتعلق به غرض
الواقف .
ولكن بما ان كثيرا من الاساطين افتوا بالحرمة وفيهم من
لايعمل الا
بالقطعيات ومن يعلم شدة اهتمامه في مدارك الاحكام
كالشهيد ومن يكون فتاويه
متون الاخبار غالبا كالشيخ في النهاية فالاحتياط بتركه
مما لاينبغي تركه .
) و ) كذا يحرم ( اخذها او بعضها في ملك او طريق ) بحيث
ينمحي آثار
المسجدية اولا يمكن استعمالها فيما اعدت له لمنافاته
لمقتضى الوقفية على الجهة
الخاصة .
) و ) لايجوز ( ادخال النجاسة اليها ) وقد تقدم تفصيل ذلك
في الجزء الثالث
من هذا الشرح .
) و ) قد ذكر جماعة من الاساطين منهم : المصنف - ره - ان
من جملة المحرمات
) إخراج الحصى منها ) اي اخذه بحيث ينقطع علاقة اختصاصه
بالمسجد ( ويعادلو
] اخرج [
اخرج ) .
وذهب جماعة اخرى الى القول بالكراهة ، منهم : المصنف -
ره - في عدة من
كتبه على ماحكي .
وقد استدل للحرمة بكونه من اجزاء الوقف ، ومقتضاه حرمة
اتلافه ، ووجوب
اعادته اليه قضاء للوقفية .
وبخبر وهب عن جعفر عن ابيه ( عليه السلام ) : اذا اخرج
احدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها او في مسجد آخر
فانها تسبح ( 1 ) اذ لو لم
يحرم الاخراج لم يجب الرد كما هو مقتضى الامر به .
وبما رواه الشيخ باسناده عن زيد الشحام ، قلت لابي عبد
الله ( عليه السلام ) :
اخرج من المسجد حصاة ؟ قال : فردها او اطرحها في مسجد (
2 ) .
وبخبر معاوية بن عمار ، قلت لابي عبد الله ( عليه السلام
) : اني اخذت سكا
من سك المقام وترابا من تراب البيت وسبع حصيات ، فقال :
بئس ماصنعت ، اما
التراب والحصى فرده ( 3 ) .
ولكن قد يشكل في الوجه الاول : بان ماذكر من اقتضاء
الوقفية ذلك ممنوع ،
اذ اخذ ما لايعتد به عرفا الملتحق بعد الانفصال بالقمامة
اذا كان من توابع الانتفاع
به كالطين المتلاصق بباطن الرجل من ارض المسجد في ايام
المطر ، والحصاة التي
تدخل في ثياب من يصلي فيها ، او تنفصل عن ارض المسجد
بكنسها مما لاينبغي
الارتياب في عدم منافاته للوقف ، كما يشهد لذلك : السيرة
القطعية .
واما اخذ هذه الاجزاء استقلالا لا تبعا كاخذ مقدار يسير
من تراب الارض
..................................................................
( 1 ) الوسائل باب 26 من ابواب احكام المساجد حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 26 من ابواب احكام المساجد حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 26 من ابواب احكام المساجد حديث 2
] ويكره تعليتها ، والشرف ، والمحاريب في حائطها
، [
الموقوفة للتبرك او للتيمم منه او استعماله في غسل
الاناء فالظاهر ايضا عدم منافاته
لمقتضى الوقفية ، لان الظاهر من وقف شئ خاص انما هو
ارادة حبس مسماه الذي لا
يقدح فيه الاختلافات اليسيرة العارضة له ، ولعل عليه
السيرة المستمرة .
وفي الرواية الاولى : بضعف السند ، وباشتمالها على
التعليل بالتسبيح الملائم
للكراهة ، ولذا استدل لها للقول بالكراهة .
وفي الثانية : بان موردها الحصاة الداخلة في الثوب - على
مافي الكافي - قد عرفت
ان وجوب رد تلك الحصاة مما يخالف السيرة القطعية ، وما
ثبت من جواز إزالتها
بالكنس ، مع انه لايدل على الوجوب لتضمنه التخيير بين
ردها وطرحها في مسجد
آخر .
ويرد على الثالثة : انها مشتملة على التفصيل بين السك
الذي هو المسمار وبين
تراب البيت والحصاة ، مع ان رده اولى من ردهما فلا تصلح
هي ايضا للحكم بالحرمة .
) ويكره تعليتها ) كما نص عليه كثير من الاصحاب .
واستدل له بان حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
كان قامة ، وبكونها
معرضا للاطلاع على عورات الناس . وهما كما ترى .
) و ) كذا يكره ان يعمل لها ( الشرف ) وهو مايبنى في اعلى
الجدران ، لقول علي
) عليه السلام ) في خبر طلحة : ان المساجد تبنى جما لاتشرف
( 1 ) .
) و ) ذكروا ايضا انه يكره جعل ( المحاريب في حائطها ) .
............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 15 من ابواب احكام المساجد حديث 2
] وجعلها طريقا ، فيها ، والشراء ، والتعريف واقامة الحدود
وانشاد
الشعر [
واستدل له بخبر طلحة عن علي ( عليه السلام ) انه كان يكسر
المحاريب اذا
رآها في المساجد ، ويقول : كانها مذابح اليهود ( 1 ) .
وفيه : ان التعبير بالكسر قرينة لارادة المحاريب المتخذة
مستقلة في المساجد
لا الداخلة في حائطها مثلا ، لانها القابلة للكسر دونها
، ولعل المراد منها المقاصير التي
احدثها الجبارون ، فالخبر اجنبي عن المدعي ، فالقول
بالكراهة لاوجه له .
( و ) يكره ايضا ( جعلها طريقا ) اي استطراقها مع بقاء
هيئة المسجدية لا
اخذها طريقا فانه حرام كما عرفت .
ويدل على الكراهة قول النبي صلى الله عليه وآله في خبر
المناهي : لاتجعلوا
المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين وظاهره ارتفاع
الكراهة بالصلاة .
واشكل عليه صاحب الجواهر - ره - بعدم ثبوت اعتبار الخبر
، وكون الكراهة
قابلة للمسامحة غير مقتض للمسامحة في رافعها
وفيه : ان الدليل على رفع الكراهة لو كان منفصلا عما دل
على الكراهة كان
هذا الكلام متينا ، واما حيث انهما ذكرا في رواية واحدة
متصلين فهي لاتدل على
الكراهة في صورة صلاة ركعتين ، بل على الكراهة مع عدمها
، فلا وجه للقول بالكراهة
حتى مع الصلاة .
( و ) يكره ( البيع فيها والشراء والتعريف واقامة الحدود
وانشاد الشعر ) ،
لخبر علي بن اسباط عن بعض رجاله ، قال ابو عبد الله (
عليه السلام ) : جنبوا
مساجدكم البيع والشراء والمجانين والصبيان والاحكام
والضالة والحدود ورفع
الصوت ( 2 ) .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 31 من ابواب احكام المساجد حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 27 من ابواب احكام المساجد حديث 1
] وعمل الصنائع ، والنوم ، والبصاق ، [
وخبر عبد الحميد عن ابي ابراهيم ( عليه السلام ) قال
رسول الله صلى الله عليه
وآله : جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم
( 1 ) ونحوهما غيرهما .
وظاهرها مع انها بلسان الامر هو الكراهة لانها المنساق
الى الذهن من الامر
بالاجتناب عن شئ ، كما لايخفى .
) و ) يكره ايضا ( عمل الصنائع ) لصحيح محمد بن مسلم عن
احدهما عليهما
السلام : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن سل السيف
في المسجد ، وعن برى
النبل في المسجد ، وقال : انما بني لغير ذلك ( 2 ) فان
مقتضى التعليل هو الكراهة مطلقا .
) و ) نسب الى المشهور كراهة ( النوم ) فيها .
واستدل لها بوجوه بينة الضعف ، بل جملة من النصوص
الواردة في النوم في
المسجدين تدل على عدم الكراهة .
لاحظ : صحيح زرارة ، قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) :
لاباس به الا في المسجدين : مسجد
النبي
والمسجد الحرام . قال : وكان ياخذ بيدي في بعض الليل فيتنحى ناحية ثم يجلس
فنتحدث في
المسجد الحرام فربما نام هو ونمت ، فقلت له في ذلك ،
فقال : انما يكره ان ينام في المسجد
الحرام الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ،
فاما النوم في هذا الموضع
فليس به باس ( 3 ) . وقريب منه غيره .
) و ) يكره ( البصاق ) فيها ، وان فعله ستره بالتراب ،
لخبر غياث عن جعفر
عن ابيه ان عليا ( عليه السلام ) قال : البزاق خطيئة
وكفارته دفنه ( 4 ) ولا ينافيه خبر
………………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 27 من ابواب احكام المساجد حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 17 من ابواب احكام المساجد حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 18 من ابواب احكام المساجد حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 19 من ابواب احكام المساجد حديث 4
] وتمكين المجانين وانفاذ الاحكام ، [
ابن سنان ونحوه مما يدل على الجواز ، كما لايخفى .
) و ) كذا يكره ( تمكين المجانين ) لمرسل ابن اسباط وخبر
عبد الحميد
المتقدمين .
) و ) قد اختلفت كلماتهم في ( إنقاذ الاحكام ) .
فعن جمع كراهته ، وعن جماعة من القدماء استحبابه .
واستدل للاول بعموم العلة في صحيح ابن مسلم المتقدم من
انها بنيت لغير
ذلك ، وبالمرسل المتقدم ، وبان الترافع يفضي الى التشاجر
ورفع الأصوات والخوض
بالباطل ، وقد نهي عن جميع ذلك بالخصوص .
ولكن ذكر الشيخ - ره - انه لاخلاف في ان النبي صلى الله
عليه وآله كان يقضي
في المسجد ، ولو كان مكروها لما فعله ، وكذلك كان علي (
عليه السلام ) يقضي في الكوفة
في الجامع ، ودكة القضاء معروفة الى يومنا هذا ، وهو
اجماع الصحابة انتهى .
وفي كشف اللثام عن بعض الكتب مرسلا ، انه بلغ امير
المؤمنين ( عليه السلام )
ان شريحا يقضي في بيته ، فقال : ياشريح اجلس في المسجد
فانه اعدل بين الناس .
ولانه وهن بالقاضي ان يجلس في بيته ، مضافا الى ان
المرسل ضعيف السند ،
وعموم العلة لايشمل مثل هذا الحكم الذي هو من الطاعات
والعبادات التي محلها
المساجد ، وتشاجر المتحاكمين ورفع اصواتهم ونحو ذلك مع
نهيهم وتكليفهم بتركها لا
تقتضي مرجوحية انفاذ الحكم في نفسه الذي هو مستحب او
واجب ، فالقول بجوازه
بل استحبابه في المسجد - كما هو ظاهر المحكي عن الشيخين
وسلار وغيرهم من
القدماء - هو الاقوى .
] ويستحب تقديم الرجل اليمنى دخولا واليسرى خروجا ، والدعاء
فيهما
وكنسها . الباب السابع : في صلاة الخوف [
) ويستحب تقديم الرجل اليمنى دخولا واليسرى خروجا ) لخبر
يونس عنهم
) عليهم السلام ) : الفضل في دخول المسجد ان تبدا برجلك
اليمنى اذا دخلت
وباليسرى اذا خرجت ( 1 ) .
( و ) كذا يستحب ( الدعاء فيهما ) لخبر عبد الله بن سنان
عن الامام الصادق
( عليه السلام ) : اذا دخلت المسجد فصل على النبي صلى الله
عليه وآله ، واذا خرجت
فافعل ذلك ( 2 ) وللتأسي بفعل رسول الله صلى الله عليه
وآله المحكي في خبر عبد الله
بن الحسن ( 3 ) ولموثق سماعة ( 4 ) .
( و ) يستحب أيضا ( كنسها ) وهو جمع القمامة واخراجها من
المسجد ، لما فيه
من تعظيم الشعائر وترغيب المترددين الموجب لحفظها عن
الاندراس .
ولخبر سلام بن غانم ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال
: من قم مسجدا
كتب الله له عتق رقبة ومن اخرج منه مايقذي عينا كتب الله
عز ، وجل له كفلين من
رحمته ( 5 ) .