] ووقت
الاخراج عند التصفية وجذ الثمرة [
( ووقت الاخراج ) في الغلة ( عند التصفية و ) في التمر
والزبيب عند ( جذ
الثمرة ) بلا خلاف فيه ، وعن غير واحد : دعوى الاجماع
عليه .
وهذا مما لا كلام فيه ، انما الكلام في انه بعد فرض كون مقتضى
الاصل فورية
وجوب الاخراج في غير الموارد الاعذار العرفية كما تقدم
في مبحث وقت وجوب اخراج
الزكاة فما الوجه في جواز التأخير في المقام ؟
لا يقال : ان التأخير انما يلزم على المشهور ، واما على
القول بان التعلق انما
يكون في وقت التسمية فلا يلزم ذلك .
فانه يقال : ان التسمية في الزرع تتحقق قبل الحصاد فضلا
عن التصفية ، وفي
النخل ايضا قد تتحقق قبل الاجتذاذ .
ويمكن ان يستدل له - مضافا الى الاجماع وتسالم القوم
عليه - بان المنساق
الى الذهن من ادلة الزكاة وجوب صرف الحصة المعينة للفقير
في حاصل الزراعات
وثمرة النخل والكرم عند وصول أوان تقسيمها بين الشركاء
عادة ، ومن المعلوم ان
جفاف التمر والزبيب انما يكون تدريجيا ، فما لم يستكمل
الجميع ولم يبلغ أوان جمع
الحاصل يجوز تأخير اخراج الزكاة .
وبالجملة : الظاهر من ادلتها ان حال الفقير حال سائر
الشركاء ، فكما ان
التقسيم بينهم انما يكون في ذلك الوقت كذلك لزوم اخراج
الزكاة ايضا يكون في ذلك
الحين .
وبخبر ابي مريم عن الامام الصادق عليه السلام في قول
الله عز وجل وآتوا
] وان اجتمعت اجناس مختلفة ينقص كل جنس عن النصاب لم يضم
بعضه
الى بعض [
حقه يوم حصاده : تعطي المسكين يوم حصادك الضغث ثم اذا
وقع في البيدر ثم اذا وقع
في الصاع العشر ونصف العشر ( 1 ) .
اذ الظاهر من قوله اذا وقع في الصاع كونه كناية عن بلوغ
اوان القسمة
الذي هو بعد التصفية وتجفيف الثمرة .
ثم انه بناءا على جواز التأخير يقع الكلام في حده ،
والظاهر من معقد الاجماع
والخبر انما هو التصفية والجذ ، ومقتضى الوجه الذي
ذكرناه كونه وقت التصفية - وان
لم يصف - فلو اخرها عن وقتها المعتاد لا لعذر اتجه
الالتزام بتحقق الضمان كما صرح
به جمع . ( فاذا اجتمعت اجناس مختلفة ينقص كل جنس عن
النصاب لم يضم بعضه
الى بعض ) كما تقدم الكلام فيه .
هاهنا مسائل لابد من التعرض لها :
الاولى : في التصرف في النصاب أو بعضه ، لا اشكال في
التصرفات غير المنافية
للحق بناءا على ماهو الحق من ان تعلقها بالعين ، انما
يكون من قبيل تعلق حق
الجناية ، كما لا اشكال في ان التصرف المتلف للعين يكون
منافيا للحق ، واما التصرف
المخرج لها عن الملك فاما أن يكون تصرفا في جميع النصاب
أو يكون تصرفا في بعضه .
أما الاول : فالظاهر جوازه ، اذ مقتضى اطلاق النصوص ان
هذا الحق متعلق
بالعين مطلقا لابما انه ملك للمالك ، لان ذلك تقييد زائد
يحتاج الى دليل ، وعليه فالبيع
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب زكاة الغلات - حديث 3
[ . . . ]
مثلا ليس تصرفا في موضوع الحق لبقاء موضوعه ولو في غير
ملك المالك ، فيكون البيع
صحيحا ، والمستحق يتبع العين اينما انتقلت ، فاذا أخذ
الزكاة من العين يتبع المشتري
بها البائع .
وعلى هذا يحمل ما في صحيح عبد الرحمن البصري : في من لم
يزك ابله أو شاته
عامين فباعها قال عليه السلام : تؤخذ منه زكاتها ويتبع
بها البائع ( 1 ) : لا على فساد البيع
في مقدار الزكاة .
ويمكن ان يقال بصحة البيع وانتقال الحق الى الثمن بناءا
على ما عرفت من
انها متعلقة بالعين لا بما لها من الخصوصيات الشخصية بل
بما لها من المالية ، فتأمل فان
الصحيح يرد هذا الاحتمال .
نعم لا اشكال في انه اذا ادى المالك زكاتها من مال آخر
تسقط عن العين
للتصريح بذلك في صحيح البصري .
واما الثاني : فقد يتوهم ان ظاهر قولهم عليهم السلام
عليه الزكاة ان هذا
الحق مستوعب لجميع المال فحكم التصرف في بعض النصاب حكم
التصرف في جميعه ،
ولكن المستفاد من النصوص بعد ضم بعضها ببعض وضم مناسبة
الحكم والموضوع
اليها ان الحق قائم بمقداره من المال لا أزيد ، مضافا
الى ان المتيقن ذلك ولا دليل على
أزيد منه ، وظهور ما ذكر في ذلك ممنوع ، فيجوز التصرف في
بعضه بجميع انحاء
التصرفات بلا مانع ومحذور .
واما خبر ابي حمزة : فان اتجرت بها فانت لها ضامن ولها
الربح ، وان نويت في
حال ما عزلتها من غير ان تشغلها في تجارة فليس عليك شئ ،
فان لم تعزلها فاتجرت
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب زكاة الانعام - حديث
1
[ . . . ]
بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ولا وضيعة عليها
فقد مر ما فيه في مبحث
الزكاة متعلقة بالعين فراجع .
المسألة الثانية : يجوز للمالك عزل الزكاة بلا خلاف فيه
في الجملة .
وتشهد له جملة من النصوص : كصحيح ابي بصير عن ابي جعفر
عليه السلام :
اذا اخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت أو
أرسل بها اليهم فضاعت
فلا شئ عليه ( 1 ) . وصحيح ابن سنان : في الرجل يخرج
زكاته فيقسم بعضها
ويبقي بعضا يلتمس لها المواضع فيكون بين اوله وآخره
ثلاثة اشهر قال عليه السلام :
لا باس ( 2 ) . ونحوهما غيرهما .
انما الكلام في موردين : الاول : انه هل يجوز عزلها من
مال آخر أم لا ؟ والاظهر
هو الاول ، لان ذلك مما يقتضيه الجمع بين النصوص
المتقدمة وبين مادل من النصوص
على جواز دفع القيمة ، فان المستفاد من الطائفتين ان ما
يدفع زكاة من العين أو القيمة
يجوز عزله .
الثاني : انه هل يختص جواز العزل بصورة عدم المستحق كما
عن ظاهر
الشرائع ، ام يعم صورة وجوده ايضا كما عن المصنف ره في
المنتهى والتذكرة وغيره ؟
وجهان : اقواهما الثاني لصحيح ابن سنان المتقدم وموثق
يونس بن يعقوب عن الامام
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 39 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 53 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1
[ . . . ]
الصادق عليه السلام : زكاتي تحل علي في شهر أيصلح لي ان
احبس منها شيئا مخافة
ان يجيئني من يسألني يكون عندي عدة ؟ فقال عليه السلام :
اذا حال الحول
فاخرجها ؟ من مالك لاتخلطها بشئ ثم اعطها كيف شئت قال :
قلت : فان انا كتبتها
واثبتتها يستقيم لي ؟ قال عليه السلام : نعم لا يضرك ( 1 ) .
ثم انه ان تلفت والحال هذه هل يكون ضامنا أم لا ؟ فقد
تقدم الكلام فيه
مفصلا في مبحث وقت وجوب اخراج الزكاة .
يجوز للساعي خرص ثمر النخل والكرم
المسألة الثالثة لاخلاف في جواز الخرص في الجملة ، بل عن
غير واحد : دعوى
الاجماع عليه .
وتشهد له نصوص : كخبر ابي بصير عن الامام الصادق في قول
الله تعالى يا
( ايها الذين آمنوا انفقوا . . . ) الاية قال عليه السلام
: كان رسول الله صلى الله عليه وآله
اذا أمر بالنخل ان يزكى يجئ قوم بألوان من التمر وهو من
اردى التمر يؤدونه من
زكاتهم تمرا يقال له الجعرور والمعافارة قليلة اللحاء عظيمة
النوى ، وكان بعضهم يجئ
بها عن التمر الجيد فقال : لاتخرصوا هاتين التمرتين ولا
تجيئوا منها بشئ ، وفي ذلك نزل
( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه الا ان
تغمضوا فيه ) والاغماض ان يأخذ
هاتين التمرتين ( 2 ) . ونحوه غيره .
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 52 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 2 .
( 2 ) الوسائل - باب 19 - من ابواب زكاة الغلات - حديث 1
[ . . . ]
انما الكلام في موارد : الاول في انه هل الخرص معاملة
خاصة ، ام هو عبارة عن
تخمين مقدار الزكاة وفائدته جواز الاعتماد عليه بلا حاجة
الى الكيل والوزن ؟ وجهان :
أظهرهما الثاني لعدم الدليل على الاول ، ومادة الخرص
مناسبة للثاني ، نعم لو جئ
بصيغة الصلح لا كلام .
الثاني : ان وقته انما هو بعد تعلق الوجوب لظهور النص في
ان المراد منه
خرص الزكاة الواجبة ، وفي صحيح سعد المتقدم اذا خرصه
اخرج زكاته ، وما دل
على ان النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث عبد الله بن
رواحة خارصا للنخل حين
يطيب لا يكون ظاهرا في كون الخرص كان في حين بدو الصلاح
كي ينافي ماتقدم
بناءا على المختار من تعلق الوجوب بالتسمية كما لا يخفى .
الثالث : هل يجوز خرص الزرع كما هو المنسوب الى المشهور
، ام لا كما عن
المعتبر والمنتهى والتحرير وغيرهما ؟ وجهان .
قد استدل للثاني بانه يجب الاقتصار في ماخالف القواعد
على مورد النص ،
وبانه قد يخفى لاستتاره فلا يمكن خرصه ، وبان الحاجة في
النخل والكرم تامة
لاحتياج اهلها الى تناولها بخلاف الفريك فان الحاجة اليه
قليلة .
واورد عليها : بان مقتضى اطلاق صحيح سعد المتقدم : عن
الزكاة في الحنطة
والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها ؟ قال عليه
السلام : اذا ماصرم واذا
خرص ثبوته في الزرع ايضا ، ومعه لا يعتنى الى الوجوه
المشار اليها .
ولكن يمكن دفعه : بانه لا اطلاق له من هذه الجهة ،
وبعبارة اخرى : لا يدل
على ثبوت الخرص في جميع المذكورات ، ولعله مختص ببعضها .
نعم لو لم يكن مقرونا بقوله : اذا ما صرم كان للاستدلال
به مجال ، ولكن بما
انه مقرون به والصرم يكون في الجميع ، وليس الخبر في
مقام البيان من هذه الجهة ، فلا
[ . . . ]
يصح التمسك به على القول بثبوته في جميع المذكورات .
فالاظهر : عدم الثبوت اقتصارا فيما خالف القواعد على
المقدار المتيقن .
الرابع بنفسه اذا كان من اهل الخبرة ، او بغيره من عدل
او عدلين كما عن
الفاضلين والشهيد وغيرهم ؟ وجهان .
قد استدل للثاني : بمعلومية عدم خصوصية خرص الساعي ،
وباطلاق قوله
عليه السلام في صحيح ( 1 ) سعد المتقدم اذا ما صرم واذا
خرص ، وباطلاق قوله عليه
السلام في صحيحه ( 2 ) الاخر اذا خرصه اخرج زكاته .
ولكن يرد على الاول : ان العلم بعدم الخصوصية غير حاصل ،
وعلى الخبرين :
ان اطلاقهما وارد في مقام بيان حكم آخر ، فيتعين
الاقتصار على المتيقن وهو خرص
الساعي .
…………………………………………..
( 1 ) - ( 2 ) الوسائل - باب 12 من ابواب زكاة الغلات -
حديث 1 - 2
] الفصل الرابع فيما يستحب فيه الزكاة يستحب الزكاة في مال
التجارة [
( الفصل الرابع : فيما تستحب فيه الزكاة ) وهو امور :
احدها : مال
التجارة .
والبحث فيه يقع في مواضع : الاول : في حكمه ، الثاني :
في موضوعه ، الثالث : في
شرائطه ، الرابع : في الاحكام المترتبة عليه .
اما الاول : فالمشهور بين الاصحاب : انه ( تستحب الزكاة
في مال
التجارة ) ، وعن ابن بابويه في الفقيه : الوجوب ، وعن
ابن ابي عقيل : نسبته الى طائفة
من الاصحاب ، واستظهر بعض من كلام الشيخ وظاهر الحدائق
نفي الاستحباب
ايضا ، واستظهره من المحدث الكاشاني ره .
ومنشأ الاختلاف وجود طائفتين من النصوص :
الاولى : ما تدل على عدم الوجوب : كصحيح زرارة قال : كنت
قاعدا عند ابي
جعفر عليه السلام وليس عنده غير ابنه جعفر عليهما السلام
فقال : يا زرارة ان اباذر
وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال عثمان : كل مال من ذهب
او فضة يدار به ويعمل به ويتجر به ففيه زكاة اذا حال
عليه الحول ، فقال ابوذر : اما
ما يتجر به او دير وعمل به فليس فيه زكاة انما الزكاة
فيه اذا كان ركازااو كنزا
موضوعا ، فاذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في
ذلك الى رسول الله صلى الله
عليه وآله فقال : القول ما قال ابوذر .
فقال ابو عبد الله عليه السلام لابيه : ماتريد الا ان
يخرج مثل هذا فيكف
الناس ان يعطوا فقرائهم ومساكينهم فقال ابوه عليه السلام
: اليك عني لا اجد منها
[ . . . ]
بدا ( 1 ) .
وموثق ابن بكير وعبيد وجماعة من اصحابنا قالوا : قال ابو
عبد الله عليه
السلام : ليس في المال المضطرب زكاة ، فقال له اسماعيل
ابنه : يا ابه جعلت فداك
اهلكت فقراء اصحابك ، فقال : أي بني حق أراد الله ان
يخرجه فخرج ( 2 ) ونحوهما
غيرهما ، مضافا الى مفهوم الاخبار الحاصرة وجوب الزكاة
في التسعة .
الثانية : ما ظاهرها الوجوب : كحسن محمد بن مسلم عن
الامام الصادق عليه
السلام : عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه وقد زكى ماله قبل
ان يشتري المتاع
متى يزكيه ؟ فقال : ان كان امسك متاعه يبتغي به رأس ماله
فليس عليه زكاة ، فان كان
حبسه بعدما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعدما امسكه بعد
رأس المال ( 3 ) .
وصحيح اسماعيل بن عبد الخالق قال : سأله سعيد الاعرج
وانا حاضر اسمع
فقال : انا نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة فربما مكث
عندنا السنة والسنتين
هل عليه زكاة ؟ قال : فقال عليه السلام : ان كنت تربح
فيه شيئا أو تجد رأس مالك
فعليك زكاته ، وان كنت انما تربص به لانك لاتجد الا وضيعة
فليس عليك زكاة حتى
يصير ذهبا أو فضة ، فاذا صار ذهبت أو فضة فزكه للسنة
التي اتجرت فيها ( 4 ) . ونحوهما
غيرهما ، مضافا الى المستفيضة المتقدمة في اول الكتاب
الواردة في مال اليتيم والمجنون .
والاصحاب قدس الله اسرارهم جمعوا بين الطائفتين بحمل
الثانية على
الاستحباب .
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة
وما تستحب فيه - حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة وما
تستحب فيه - حديث 5 .
( 3 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة وما
تستحب فيه - حديث 3 .
( 4 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة وما
تستحب فيه - حديث 1
[ . . . ]
والقائلون بالوجوب اخذوا بظاهرها ، والنافون للاستحباب
حملوها على التقية .
اقول : اما الحمل على التقية فيأباه أمران : الاول :
ماتقدم في التجار بمال اليتيم
من اشتمال نصوصه على مايخالف العامة وهو نفي الوجوب عن
اصل المال وثبوته عند
التجارة .
الثاني : ان بيان مثل هذا الحكم مع عدم السؤال وعدم وجود
ملجئ آخر من
جهة ان زكاة مال التجارة مما لايعلم بتحقق شرائطه غالبا
الا مالكه لا محالة يكون في
مقام اظهار الواقع لا التقية ، فلا مناص عن الاخذ بنصوص
الثبوت ، وحيث ان الطائفة
الاولى كالنص في عدم الوجوب فالجمع يقتضي البناء على
الاستحباب ، فتأمل فان
في ذلك مجالا للكلام .
واما الثاني : ففي الشرائع وغيرها : هو المال الذي ملك
بعقد معاوضة وقصد به
الاكتساب عند التملك .
وحق القول فيه : ان القيود التي وقع الكلام في اعتبارها
في موضوع هذا الحكم
امور :
احدها : انه هل يعتبر ان يكون انتقال المال اليه بعقد
المعاوضة ، ام يكفي
الانتقال اليه بمثل الهبة او الصلح المجاني او الارث ؟
وجهان : المشهور بين الاصحاب
هو الاول ، ومال صاحب الجواهر ره الى الثاني اذا كان مع
نية التجارة به وكان هو
كذلك عند المنتقل اليه ، واختاره جمع .
اقول : ان المنساق الى الذهن من مال التجارة هو المال
الذي استعمل في عمل
[ . . . ]
التجارة بان بدل بمال آخر بقصد الاكتساب ، كيف وهل ينكر
احد ظهور مال الاجارة
في المال بعد تحقق الاجارة ، فكذلك مال التجارة ، وان
ابيت عن ذلك فلا اشكال في
ان الموضوع المأخوذ في نصوص الباب وهو المال الذي عملت
به أو اتجر به او ما شابه
هذه التعابير ذلك ، فلا يصدق مال التجارة على المال
المنتقل اليه بعقد هبة او وارث وان
كان من نيته التجارة به ، من غير فرق في ذلك بين كونه
كذلك عند المنتقل عنه وعدمه .
وقد استدل للثاني اي للقول بكفاية النية : بخبر شعيب عن
الامام الصادق
عليه السلام : كل شئ جر عليك المال فزكه ، وكل شئ ورثته
أو وهب لك فاستقبل به ( 1 ) .
وبخبر خالد بن الحجاج عنه عليه السلام : عن الزكاة فقال : ما كان من تجارة
في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها الا لتزداد فضلا عن
فضلك فزكه ، وما كان
من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك شئ آخر ( 2 ) .
وبخبر محمد بن مسلم : كل ما عملت به فعليك فيه الزكاة
اذا حال عليه
الحول ، قال يونس : تفسيره ان كل ما عمل به للتجارة من
حيوان وغيره فعليه فيه
الزكاة ( 3 ) .
وبموثق سماعة عنه عليه السلام : ليس على الرقيق زكاة الا
رقيق يبتغي به
التجارة ، فانه من المال الذي يزكي ( 4 ) .
وبالنبوي : أمرنا صلى الله عليه وآله ان نخرج الصدقة مما
يعد للبيع اذ بالنية
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 16 - من ابواب زكاة الذهب والفضة -
حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة وتستحب
فيه - حديث 5 .
( 3 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة وتستحب
فيه - حديث 8 .
( 4 ) الوسائل - باب 17 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة وتستحب
فيه - حديث 1
[ . . . ]
يصير معدا للبيع ( 1 ) .
وبصدق مال التجارة على المنتقل بعقد هبة بل بارث مع نية
التجارة به اذا كان
هو كذلك عند المنتقل منه ، وبان رأس المال الموجود في
النصوص لا يعتبر فيه كونه
من مالك العين اذ المراد به ثمن المتاع في نفسه وان كان
من الواهب والمورث .
وفي الجميع نظر : اما الاول : فلأن المراد بالخبر بعد
مالم يكن مطلق الجر هو تحقق
المعاملة وحصول المعاوضة .
واما الثاني : فلأن العمل ظاهر في المعاوضة .
واما الثالث : فلأن قوله لتزداد فضلا ظاهر في زيادة
السعر على رأس ماله
الذي عاوض عليه .
واما الرابع : فلأنه ظاهر في ارادة العبد الذي اريد
بتملكه الاتجار لا الخدمة ، مع
انه لا اطلاق له من حيث العقد الايجابي لكونه مسوقا
لبيان العقد السلبي .
واما الخامس : فلأنه ضعيف السند .
واما السادس : فلمنع صدق التجارة بمجرد النية كما عرفت .
واما السابع : فلأن الظاهر من رأس المال ما كان للمالك
لاثمن المتاع في نفسه ،
مع انه لو كان المراد منه ذلك لزم التعارض في التطبيق
اذا كان رأس ماله عند المنتقل
اليه غير رأس ماله عند المنتقل منه .
فتحصل : ان الاظهر اعتبار كون المال هو المال المتجر به
، وبعبارة اخرى : انه
لا يكفي النية في ذلك .
ثانيها : هل يعتبر قصد الاسترباح بالمعاوضة كما هو
المشهور ، بل عن المدارك ،
…………………………………………..
( 1 ) سنن البيهقي ج 4 ص 147
[ . . . ]
نسبته الى علمائنا ، وعن المعتبر : انه موضع وفاق ، ام
لا يعتبر ذلك كما عن الجواهر وفي
العروة وغيرهما ؟ وجهان .
قد استدل للثاني بوجوه :
( 1 ) اطلاق الادلة .
وفيه : ان الموضوع في الادلة هو المال الذي اتجر به او
عمل به او نحو ذلك ،
هذه العناوين لا تصدق مع قصد الاقتناء ، ويتوقف صدقها
على قصد الاسترباح
والاستنماء .
( 2 ) صدق التجارة عليه عرفا بذلك ، وهو كما ترى .
( 3 ) انه كما تقدح نية القنية في التجارة اتفاقا تقدح نية
التجارة في القنية .
وفيه : ان موضوع الزكاة ليس هو ما لم يتخذه للقنية كي
يجدي قدح نية
التجارة في القنية في اثبات المدعى كما لايخفى .
( 4 ) ان بعض النصوص لم يشتمل على التجارة ولا على ما يؤدى
مؤداها كموثق
سماعة : عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده
السنة والسنتين واكثر
من ذلك قال عليه السلام : ليس عليه زكاة حتى يبيعه الا
ان يكون قد اعطى به رأس
ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل ، فاذا هو فعل ذلك وجبت
فيه الزكاة ( 1 ) . ونحوه
غيره .
ولكن يرد عليه : ان الظاهر من رأس المال مابدل بمال آخر
بقصد الاسترباح
كما لا يخفى .
وبه يظهر ضعف الاستشهاد بعموم حسن محمد - بن مسلم
المتقدم وغيره
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة
وما تستحب فيه - حديث 6
] بشرط الحول وان يطلب برأس المال أو بزيادة في الحول كله
وبلوغ قيمته
النصاب [ .
لاشتمالها على رأس المال ، فالاظهر اعتبار عدم كون قصده
القنية .
ثالثهما : هل يعتبر ان يكون ما يتجر به من الاعيان كما
عن المقنعة وغيرها ام
يكفي ان يكون من المنافع كما عن المسالك التصريح به ؟
وجهان يشهد للثاني : عموم
قوله عليه السلام في خبر ابن مسلم المتقدم : كل ما عملت
به فعليك فيه الزكاة اذا
حال عليه الحول .
واستدل للاول : باشتمال جملة من النصوص على المتاع أو
نحوه غير الشامل
للمنافع .
وفيه : انه لا مفهوم لها كي يوجب تخصيص العموم المزبور ،
فالاظهر هو
العموم .
واما الثالث : فالمعروف بين الاصحاب ان استحباب الزكاة
في هذا المورد
مشروط ( بشروط ) ذكرها المصنف ره بقوله ( الحول ، وان
يطلب برأس المال او بزيادة
في الحول كله ، وبلوغ قيمته النصاب ) ( واضاف اليها
بعضهم غيرها -
وتحقيق القول في المقام ان ما ذكره شرطا امور :
احدها : بلوغه حد نصاب احد النقدين بلا خلاف اجده فيه ،
بل عن ظاهر
التذكرة وغيرها : الاجماع عليه ، بل عن صريح نهاية
الاحكام ذلك ، بل في المعتبر
ومحكى المنتهى وكشف الالتباس وغيرها : انه قول علماء
الاسلام ، وكذا في الجواهر ، وفي
الحدائق : هو مجمع عليه بين الخاصة والعامة .
[ . . . ]
وقد استدل له بوجوه : منها : الاصل
وفيه : انه لا يرجع اليه مع اطلاق النصوص .
منها : ان خلو النصوص عن اعتبار النصاب مع معهوديته في
النقدين يكون
دالا على اعتبار نصابهما .
وفيه : ان خلوها كما يلائم مع ذلك يلائم مع عدم الاعتبار
رأسا فلا بد من متابعة
ظواهر النصوص .
ومنها : الروايات الدالة على شرعية هذه الزكاة حيث انها زكاة المال
المتحرك
في التجارة المحفوظة ماليته في ضمن ابداله الذي يكون في
الغالب من جنس النقدين
فلا ينسبق الى الذهن الا ارادة زكاة الدينار والدرهم
المستعمل في التجارة .
وفيه : منع الانسباق المذكور ومنها : صحيح محمد بن مسلم
عن الامام الصادق
( ع ) : عن الذهب كم فيه من الزكاة ؟ قال : اذا بلغ قيمته
مائتي درهم ( 1 ) . بناءا على ان
المراد الذهب المتجر به .
وفيه : ان الظاهر السؤال عن الزكاة الثابتة في الذهب بما
هو ذهب لا بما هو متجر
به .
ومنها : اطلاق ما دل على انه لا زكاة في الذهب اذا لم
يبلغ عشرين دينارا ، ولا
في
الفضة اذا لم تبلغ مائتي درهم ، الشامل للزكاة الواجبة
والمستحبة ، ويتم الحكم في
غيرهما بعدم القول بالفصل .
وفيه : ما تقدم في سابقه .
ومنها : خبر اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم عليه السلام
قال : قلت له :
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب زكاة الذهب والفضة -
حديث 2
[ . . . ]
تسعون ومائة درهم وتسعة عشر دينارا أعليها في الزكاة شئ
؟ فقال عليه السلام : اذا
اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة
لان عين المال الدراهم وكل
ما خلا الدراهم من ذهب او متاع فهو عرض مردود ذلك الى
الدراهم في الزكاة
والديات ( 1 ) .
وفيه : ان صدر الخبر لم يعمل به ، وذيله من قبيل الكبرى
الكلية المنطبقة على
صدره فتأمل ، فاذا العمدة في المقام هو الاجماع ، ولا
بأس بذكر هذه الوجوه مؤيدة
للمطلب .
وبه يظهر انه كالنقدين في النصاب الثاني ايضا ، اذ لم
يعرف فيه تأمل الا من
الشهيد الثاني في فوائد القواعد ، ورده سبطه في محكي
المدارك : بان الدليل على اعتبار
الثاني هو الدليل على اعتبار الاول .
الشرط الثاني مضى الحول من حين التكسب بلا خلاف فيه .
ويشهد له صحيح محمد بن مسلم : عن الرجل توضع عنده
الاموال يعمل بها
فقال عليه السلام : اذا حال عليه الحول فليزكها ( 2 ) .
ونحوه غيره .
الشرط الثالث : بقاء قصد الاكتساب طول الحول ، والظاهر
انه لا خلاف
يعرف في اعتباره ، ودليله دليل اعتبار مضي الحول ، اذ
الظاهر منه اعتبار حول الحول
على المال بماله من الخصوصيات المعتبرة فيه ، وقد عرفت
ان منها قصد الاسترباح .
الشرط الرابع : بقاء رأس المال بعينه طول الحول ، يعني
بقاء عين السلعة
المعاوض عليها بقصد الاسترباح . نسب اعتبار ذلك الى
الشيخين والمحقق والمدارك
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب زكاة الذهب والفضة
- حديث 7 .
( 2 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة - حديث 3
[ . . . ]
والذخيرة وغيرهما ، ولا يهمنا اطالة الكلام في صحة
النسبة وعدمها ، انما المهم البحث
عن الدليل ، فقد استدل له : بانه مال تثبت فيه الزكاة
فيعتبر بقاؤه كغيره ، وبأنه مع
التبدل تكون الثانية غير الاولى فلا تجب فيها الزكاة
لانه لا زكاة في مال حتى يحول
عليه الحول .
اقول : ان نصوص الباب انما تتضمن ثبوت الزكاة في المال
الذي يتجر به او
يعمل به او نحو ذلك ، ومعلوم ان المراد بما يتجر به ليس
خصوص السلعة التي عوض
عليها ، فان التاجر يدفعها الى طرفه ويأخذ بدلها ، بل
المراد به تلك بلحاظ ماليتها
السارية فيها وفي ابدالها ، فالموضوع هو المال المتقلب
في التجارة لا خصوص ما اشتراه
للتجارة .
وما في بعض النصوص الواردة في المتاع الذي يمكث عند
صاحبه انه ان طلب
برأس ماله او بزيادة ففيه الزكاة لا ينافي ذلك ، اذ لا
مفهوم له كي يدل على عدم ثبوتها
في غير مورد السؤال ، فالاظهر ما هو المشهور من عدم
اعتبار الحول في نفس السلعة ،
نعم يعتبر في المال الذي يتجر به باعتبار ماليته .
الشرط الخامس : ان يطلب برأس المال او زيادة طول الحول ،
اي لا ينقص
قيمته السوقية بلا خلاف في ذلك ، بل عن المعتبر والمنتهى
وغيرهما : دعوى الاجماع
عليه .
وتشهد له جملة من النصوص : كصحيح محمد بن مسلم عن الامام
الصادق
عليه السلام : عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه متاعه وقد
زكى ماله قبل ان يشترى
المتاع متى يزكيه ؟ فقال : ان كان امسك متاعه يبتغي به
رأس ماله فليس عليه زكاة ،
وان كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما
أمسكه بعد رأس
[ . . . ]
المال ( 1 ) . ونحوه غيره .
فلو كان رأس ماله مائة دينار فنقصت قيمته السوقية ولو
حبة من قيراط لم
تستحب الزكاة ، نعم اذا مضى وهو على النقيصة احوال زكاه
لسنة واحدة استحبابا
لما رواه الشيخ باسناده عن العلاء عن ابي عبد الله عليه
السلام قال : قلت له : المتاع
لا اصيب به رأس المال علي فيه الزكاة ؟ قال : لا قلت :
امسكه سنتين ثم ابيعه ماذا
علي ؟ قال : سنة واحدة ( 2 ) . ونحوه غيره .
الزكاة في المقام ايضا متعلقة بالعين
واما الرابع : فتنقيح القول فيه بالبحث في مسائل :
الاولى : المشهور كما عن جماعة ان الزكاة في المقام
تتعلق بالقيمة لا بالعين ، بل
عن المفاتيح : نسبته الى اصحابنا .
وقد استدل له : بان النصاب معتبر بالقيمة ، وبمنافاة الاستحباب لملك
العين ،
وبان موضوع الزكاة مال التجارة من حيث انه مال بلا دخل
للخصوصيات فيها
فالموضوع نفس المالية ، وباستصحاب خلو العين عن الحق ،
وبقوله عليه السلام في
موثق اسحاق : كل ماعدا الاجناس فهو مردود الى الدراهم
والدنانير ( 3 ) .
وفي الجميع نظر : اما الاول : فلانه اعم من المدعى .
واما الثاني : فلأنه ان كان منافيا لملك العين كان
منافيا لملك القيمة ايضا .
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة -
حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة - حديث 9
.
( 3 ) الخلاف ج 1 ص 345 الطبعة الثانية عام 1377 كتاب الزكاة
المسألة 11
[ . . . ]
واما الثالث : فلأن مقتضاه تعلقها بالعين بما لها من
المالية لا بما هو خارج عن
العين ، وقد مر ان الامر في جميع موارد الزكاة كذلك
فراجع .
واما الرابع : فلأنه معارض باستصحاب ملك القيمة .
واما الخامس : فلاجماله . والحق انها متعلقة بالعين كما
في الزكاة الواجبة ، لأن
مساق أدلتها مساق أدلة الزكاة الواجبة ، لاحظ قوله عليه
السلام كل مال عملت به
اذا حال عليه الحول ففيه الزكاة . ونحوه غيره .
اذا كان مال التجارة من النصب الزكوية
المسألة الثانية : اذا كان مال التجارة من النصب الزكوية
مثل اربعين شاة او
ثلاثين بقرة أو عشرين دينارا أو نحو ذلك ، واجتمعت شرائط
كلتيهما لا تجتمع
الزكاتان بلا خلاف ، بل عن غير واحد : دعوى الاجماع عليه .
ويشهد له : النبوي : لاثنيا في الصدقة ( 1 ) .
ومصحح زرارة : قلت لابي عبد الله عليه السلام : رجل دفع
الى رجل مالا قرضا
على من زكاته على المقرض او على المقترض ؟ قال عليه السلام
: لا بل زكاتها ان كانت
موضوعة عنده حولا على المقترض ، قلت : فليس على المقرض
زكاتها ؟ قال عليه
السلام : لايزكي المال من وجهين في عام واحد ( 2 ) .
وعلى هذا فهل تكون الزكاة المستحبة ساقطة كما هو المشهور
شهرة عظيمة .
…………………………………………..
( 1 ) النهاية لابن الاثير ثنى وثنى على وزن الى .
( 2 ) الوسائل - باب 7 - من ابواب من تجب عليه الزكاة - حديث 1
[ . . . ]
ام الواجبة ؟ وجهان : قد استدل للاول : بان الواجب مقدم
على الندب .
واورد عليهم صاحب الجواهر بما حاصله : ان هذا البرهان
يتم في المتزاحمين ولا
يكون تاما في المتعارضين ، والمقام من قبيل الثاني .
وهو جيد ، فان تقدم دليل الحكم الالزامي على دليل الحكم
غير الالزامي انما
يتم في موارد : الاول : في المتزاحمين ، الثاني : فيما
اذا كان دليل الحكم غير الالزامي
مشروطا بان لا يلزم من موافقته مخالفة الحكم الالزامي ،
الثالث : ما اذا كان الحكم غير
الالزامي مترتبا على الشئ بعنوانه الاولى والحكم
الالزامي متعلقا به بعنوانه الثانوي .
واما في غير هذه الموارد - فلا وجه لدعوى تقدم دليل
الحكم الالزامي الا دعوى
احد امور ثلاثة على سبيل منع الخلو . احدها : عدم ثبوت
الاطلاق لدليل الحكم غير
الالزامي بنحو يشمل مورد الحكم الالزامي ، ثانيها .
انصرافه عن هذا المورد ، ثالثها :
ظهوره في تقييد ما تضمنه من الحكم بعدم المخالفة للحكم
الالزامي ، والجميع كما ترى .
واما دعوى ان مقتضيات الاحكام غير الالزامية لاتصلح
لمزاحمة مقتضيات
الاحكام الالزامية ، فمندفعة بان هذا اجنبي عن المقام ،
اذ هو يكون فيما اذا ثبت
المقتضيان ، وهو في المقام معلوم العدم ، فيتعين الرجوع
الى قواعد التعارض وهي في
موارد التعارض بين العامين من وجه ان كان دلالة كل منهما
لحكم المورد بالاطلاق
تقتضي التساقط والرجوع الى الاصل العملي وهو البراءة ،
الا ان الظاهر تسالم
الاصحاب على عدم سقوط الزكاة في الفرض رأسا ، وعليه
فيتعين البناء على عدم
سقوط الزكاة الواجبة كما هو المعروف بينهم والله العالم .
وان شئت قلت : ان الاصحاب تسالموا على سقوط زكاة التجارة
عند اجتماعها
مع المالية ، فلا مقيد لاطلاق دليل زكاة المال .
[ . . . ]
المسألة الثالثة : اذا ظهر في مال المضاربة الربح . كانت
زكاة الاصل على رب
المال مع بلوغه النصاب بلا كلام لانفراده بملكه ، واما
زكاة الربح فالكلام فيها تارة
يقع في حصة المالك من الربح ، واخرى في حصة العامل .
اما حصة المالك : فقد يتوهم عدم ثبوت الزكاة فيها من جهة
ان الربح من
حيث هو ليس مندرجا في موضوع ادلة زكاة التجارة ، لانه لا
يصدق عليه مال اتجر به
او عمل به او غير ذلك من العناوين المأخوذة في الموضوع
في الادلة ، ولكن يرد عليه :
ان المراد من مال التجارة هو المال الذي وردت التجارة
عليه وهو رأس المال ، وانما
يصدق هذا العنوان على المتاع لبدليته عنه ، وعليه فالربح
ايضا يصدق عليه هذا
العنوان بهذه العناية ، فلا اشكال في شمول ادلة زكاة
التجارة له ، فاذا لم يكن رأس
المال بالغا حد النصاب لا بضميمة الربح ضم اليه الربح
ويكون مبدأ الحول حين
ظهور الربح ، واما لو كان رأس المال بالغا حد النصاب
الاول فيكفي في ثبوت الزكاة
في الربح بلوغه النصاب الثاني ولو بضميمة مقدار العفو من
رأس المال ، فهل يكفي
مضي حول الاصل ام يعتبر مضي الحول من حين ظهوره ؟ وجهان
بل قولان فقد
استدل للاول : بانه انما تتعلق الزكاة بالربح من جهة
كونه جزءا من الجملة التي دير
رأس المال اليها ، فهو لايكون ملحوظا مستقلا بل تبعا
للاصل ، فيتبعه في الحول ايضا .
وفيه : انه ان لم يلاحظ باستقلاله لم يكن وجه للحاظه
نصابا ثانيا ، وان لوحظ
كذلك لابد من لحاظ الشرائط بأجمعها بالاضافة اليه نفسه ،
ولا فرق بين مضي الحول
وسائر الشرائط ، فالاظهر هو القول الثاني .
[ . . . ]
واما حصة العامل : فالمنسوب الى المشهور ثبوت الزكاة
فيها اذا بلغت
النصاب ، وعن المحقق الكركي : عدم ثبوت الزكاة فيها
وتبعه غيره .
واستدل للثاني بوجوه :
( 1 ) انها من قبيل اجرة المثل ، وعلى فرض كونها من قبيل الحصة
انما يملكها
العامل بعد القسمة .
وفيه : ان هذا خلاف المشهور ، فان المشهور انها من قبيل
الحصة وانها تملك
بالظهور .
( 2 ) انها وقاية لرأس المال فلا تكون ملكا طلقا .
وفيه : ان كونها وقاية معناه كونها في معرض الزوال والانتفاء لا كونها غير طلق .
( 3 ) انه لايجوز له التصرف فيها مالم تقسم ، فليس فيها الزكاة
لفقد هذا
الشرط ، أي التمكن من التصرف .
وفيه : ان المنع عن التصرف الناشي من الشركة لايقدح في
ثبوت الزكاة ، لانه
يتمكن من التصرف بالتمكن من القسمة مهما اراد .
( 4 ) ان حصة العامل لا تكون مندرجة في موضوع أدلة زكاة
التجارة لعدم
كونها مالا اتجر به او عمل به ، بل هي بنفسها ربح
التجارة المتعلقة بمال الغير وقد ملكه
العامل بعقد المضاربة لا بالتجارة .
وفيه : ما تقدم من ان الموضوع هو مال التجارة أعم من
العين والمنفعة ، وعمل
العامل من قبيل الثاني ، فالمضاربة قسم من التجارة على
العمل .
( 5 ) موثق سماعة الاتي : عن رجل يربح في السنة خمسمائة
وستمائة وسبعمائة
هي نفقته واصل المال مضاربة قال عليه السلام : ليس عليه
في الربح زكاة .
] ويقوم بالنقدين [
وفيه : ان ظاهر قوله عليه السلام نفقته عدم حول الحول
عليها كما لايخفى .
فتحصل : ان الاظهر ثبوت الزكاة فيها - .
المسألة الرابعة : ( ويقوم ) المتاع لمعرفة مقدار ماليته
( بالنقدين ) لانهما هما
الاصل الممحض في المالية وبملاحظتهما يعرف مقدار مالية
الاشياء في باب الغرامات
وغيره .
واذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الاخر
فهل تتعلق الزكاة
بها ام لا ، ام يكون العبرة بخصوص الدراهم ام بالنقد الغالب
؟ وجوه : نسب الى
المشهور اختيار الاول .
ويشهد له : حصول النصاب الذي هو الشرط في ثبوتها ، وان
شئت قلت : ان
عمومات ادلة زكاة مال التجارة تقتضي ثبوتها وان لم تبلغ
النصاب ، وقد خرج عن
ذلك ما نقص عن مائتي درهم وعشرين دينارا ، واما مانقص عن
احدهما دون الاخر
فهو مشكوك الخروج ويكون باقيا تحتها ، ولكن هذا يتوقف
على ثبوت العموم لها من
هذه الجهة ، والا فالمتيقن ثبوت الزكاة فيما بلغ النصاب
بهما معا وما نقص عن احدهما
مشكوك ثبوتها فيه والمرجع اصالة البراءة .
واما موثق اسحاق المتقدم وكل ما خلا الدرهم من ذهب او
متاع فهو عرض
مردود ذلك الى الدراهم في الزكاة والديات ، الذي هو
مستند الوجه الثالث ، فلعدم عمل
الاصحاب به لابد من طرحه ، اللهم الا ان يقال : ان نصاب
الدراهم بمقتضى العادة
هو الادنى فيكون القول باعتباره بالخصوص موافقا مع ماهو
المشهور .
] ويستحب في الخيل بشرط الحول والسوم والانوثة [
فالقول الاول لو لم يكن اظهر لاريب في انه احوط .
هذا فيما اذا كان رأس ماله من غير النقدين ، واما لو كان
من احدهما فهناك
قول آخر مشهور بين المتأخرين وهو : ان الاعتبار بما
اشترى به نظرا الى ان المتبادر
الى الذهن من دليل وجوب الزكاة في مال التجارة ارادة
زكاة ذلك المال المحفوظ ماليته
في تقلباته ، وهذا وان كان قويا الا ان الاول احوط .
الثاني من الموارد التي يستحب الزكاة فيها - ماذكره
المصنف ره بقوله - : ( و
يستحب في الخيل بشرط الحول والسوم والانوثة ) بلا خلاف
في شئ من
ذلك .
ويشهد له : صحيح زرارة : قلت لابي عبد الله عليه السلام
: هل في البغال شئ ؟
فقال عليه السلام : لا فقلت : فكيف صار على الخيل ولم
يصر على البغال ؟ فقال عليه
السلام : لان البغال لا تلقح والخيل الاناث ينتجن ، وليس
على الخيل الذكور شئ
قلت : فما في الحمير ؟ قال عليه السلام : ليس فيها شئ (
1 ) .
وصحيح زرارة ومحمد عنهما عليهما السلام قالا : وضع أمير
المؤمنين عليه السلام
على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين ،
وجعل على البراذين
دينارا ( 2 ) - .
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 16 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة -
حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 16 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه -
حديث 1
] فيخرج عن العتيق ديناران وعن البرذون دينار واحد ويستحب
فيما تخرج
الارض عدى الاجناس الاربعة من الحبوب بشرط حصول شرائط
الوجوب
في الغلات ويخرج كما يخرج منها
الباب الثالث في المستحق للزكاة وهم ثمانية اصناف الاول
الثاني : [
وهما مضافا الى عدم ظهورهما في انفسهما في الوجوب ،
محمولان على
الاستحباب للاجماع ولخبر زرارة عن احدهما ( ع ) : ليس في
شئ من الحيوان زكاة
غير هذه الاصناف الثلاثة : الابل والبقر والغنم ( 1 ) .
ونحوه غيره من النصوص الحاصرة
للزكاة الواجبة فيما عداها ، ودلالتها على اعتبار الشروط
المشار اليها واضحة .
( فيخرج عن العتيق ) وهو ما كان ابواه عربيين ( ديناران ،
وعن
البرذون ) وهو خلافه ( دينار واحد ) لصحيح الفاضلين
المتقدم
آنفا . ( و ) الثالث : ( يستحب - فيما يخرج من الارض عدا
الاجناس
الاربعة من الحبوبات بشرط حصول شرائط الوجوب في الغلات
ويخرج كما يخرج منها ) وقد تقدم الكلام في ذلك في مبحث
ما تجب فيه الزكاة
فراجع .
( الباب الثالث : في المستحق للزكاة ، وهم ثمانية
اصناف ) بالنص والاجماع في محكي المنتهى تارة ، ولا خلاف
فيه بين المسلمين اخرى ،
وباجماع المسلمين في التذكرة ، بل الاجماع ظاهر الغنية
ايضا او صريحها كذا في
الجواهر ، وقريب منه ما عن غيرها ، ولكن في الشرائع عدها
سبعة . ومنشأ الخلاف
الاختلاف في اتحاد الفقير والمسكين وتغايرهما ، وستعرف
الحق فيه . ( الاول والثاني :
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 17 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة
وما تستحب فيه - حديث 4
] الفقراء والمساكين [
الفقراء والمساكين ) وقد اختلف الاصحاب في ترادف هذين
اللفظين وتغايرهما على
اقوال ، وربما يرتقى مجموعها الى ثلاثة عشر اصولها سبعة
:
( 1 ) ما عن جمع منهم المحقق ره وهو : الترادف والاتحاد من حيث
المفهوم .
( 2 ) ما عن ظاهر بعض الاساطين وهو : الاتحاد من حيث المصداق
دون
المفهوم .
( 3 ) ما عن المصنف ره في المنتهى وهو : التغاير من حيث العموم
والخصوص ،
وكون الفقير أعم .
( 4 ) ما احتمله بعض وهو : أعمية المسكين من الفقير .
( 5 ) انهما في الاية الشريفة ونظائرها مما اجتمعت فيه
الكلمتان متغايران ، ولدي
انفراد كل منهما عن الاخر متساويان في الصدق .
( 6 ) انهما متغايران والفقير اسوء حالا من المسكين .
( 7 ) تغايرهما مع اسوئية المسكين .
ثم ان القائلين بالتغاير على احد الوجهين اختلفوا فيما
يتحقق به التغاير ، فقيل : انه الفقير هو المتعفف الذي
لا يسأل ، والمسكين
هو الذي يسأل ، وهو المحكي عن ابن عباس وجماعة ، وقيل :
بالعكس كما عن الشيخ
أبي علي الطبرسي ، وقيل الفقير هو المزمن المحتاج ،
والمسكين هو الصحيح المحتاج ،
وهو الذي اختاره الصدوق على مانسب اليه ، وعن بعض
المفسرين : الفقراء
المهاجرون ، والمساكين غير المهاجرين .
هذه هي اقوال المسألة ، والمشهور بين الاصحاب تغايرهما
عند الاجتماع ،
واسوئية المسكين عن الفقير ، وترادفهما عند الانفراد .
اقول : الاظهر هو تغايرهما واسوئية المسكين من الفقير
حالا ، وذلك لصحيح
أبي بصير : قلت لابي عبد الله عليه السلام : قول الله
تعالى انما الصدقات للفقراء
[ . . . ]
والمساكين قال عليه السلام : الفقير الذي لا يسأل الناس
، والمسكين اجهد منه ،
والبائس اجهدهم ( 1 ) .
وصحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليه السلام : انه سأله عن
الفقير
والمسكين فقال عليه السلام : الفقير الذي لايسأل ،
والمسكين الذي هو اجهد منه
الذي يسأل ( 2 ) .
ودعوى انهما واردان لتفسير المسكين والفقير في آية الزكاة ،
مندفعة بعدم
القرينة على ذلك لا سيما في الصحيح الثاني .
وقد استدل للاقوال الاخر بوجوه ضعفها واضح ، مع ان هذا
الخلاف لا تترتب
عليه ثمرة في المقام بناءا على عدم وجوب البسط على اصناف
المستحقين كما ستعرف ،
فالاولى صرف عنان الكلام الى بيان الحد المسوغ لتناول
الزكاة في هذين الصنفين
فانه المهم في المقام .
حد الفقر والمسكنة المسوغ لتناول الزكاة
والظاهر انه لا خلاف عندهم في انه متى تحقق عدم الغنى
استحق صاحبه
الزكاة ، كما انه لا كلام في انه متى تحقق الغنى او ما
في حكمه تحرم الزكاة ، وانما وقع
الخلاف بين الاصحاب فيما يتحقق به عدم الغنى من جهات :
الاولى : من حيث ان المدار في عدم الغنى على عدم تملك
مؤونة السنة ، او على
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 2
[ . . . ]
عدم تملك احد النصب الزكوية . فالمشهور بين الاصحاب هو
الاول ، وعن الشيخ في
الخلاف : اختيار الثاني ، ونسب ذلك الى المفيد والسيد ،
وعليه فمن ملك خمسة اوسق
من الشعير لاتفي بمؤونة سنته لا يجوز له تناول الزكاة .
وعن المفاتيح اختيار قول ثالث وهو : ان الفقير من لم
يقدر على كفايته وكفاية
من يلزمه من عياله عادة على الدوام بربح مال او غلة او
صنعة حاكيا له عن المبسوط .
والاظهر هو الاول ، ويشهد له : صحيح ابي بصير : سمعت ابا
عبد الله عليه
السلام يقول : يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة اذا لم يجد
غيره قلت : فان صاحب
السبعمائة تجب عليه الزكاة ؟ قال عليه السلام : زكاته
صدقة على عياله ولا يأخذها
الا ان يكون اذا اعتمد على السبعمائة انفذها في اقل من
سنة فهذا يأخذها ولا تحل
الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما تجب فيه الزكاة ان يأخذ
الزكاة ( 1 ) .
وصحيح علي بن اسماعيل عن ابي الحسن عليه السلام : عن
السائل عنده
قوت يوم أله ان يسأل ، قال عليه السلام : يأخذ وعنده قوت
شهر مايكفيه لسنة من
الزكاة ، لانها انما هو من سنة الى سنة ( 2 ) .
اذ الظاهر من العلة ان الزكاة انما شرعت لئلا يبقى محتاج
في السنة ، وان
المدار فيها السنة كما لايخفى .
ومرسل يونس بن عمار : سمعت الصادق عليه السلام يقول :
تحرم الزكاة على
من عنده قوت السنة ، وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة
( 3 ) - .
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 7 .
( 3 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 10
[ . . . ]
اذ الوصف له مفهوم اذا كان الكلام في مقام التحديد كما
لايخفى ، وتشهد له
ايضا النصوص الاتية ، فان الظاهر من اطلاق الكفاية والقوت
فيها انها بلحاظ السنة .
واستدل للقول الثاني بجملة من النصوص :
منها : النبوي المروي مضمونه في نصوصنا ايضا ، قال صلى
الله عليه وآله لمعاذ
حين بعثه الى اليمن : انك تأتي قوما اهل كتاب فادعهم الى
شهادة ان لا اله الا الله و
ان محمدا رسول الله ، فان هم اطاعوا لذلك فاعلمهم ان
الله تعالى قد فرض عليهم
صدقة تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم ( 1).
وتقريب دلالته على هذا القول انه جعل الغني من تجب عليه
الزكاة ، ومقتضاه
انمن لا تجب عليه الزكاة ليس بغني فيكون فقيرا .
وفيه : ما عن تذكرة المصنف ره من انه مسوق لبيان الحكم
دون المصرف ، فلا
دلالة له على المطلوب ، مع ان غاية ما هناك استعمال
الغني في المالك للنصاب ، وهو
أعم من الحقيقة ، وليس وارد البيان تفسير الغني والفقير
كي يصح الاستدلال به .
ومنها : صحيح زرارة : لاتحل لمن كان عنده اربعون درهما
يحول عليها الحول
ان يأخذها وان اخذها اخذها حراما ( 2 ) .
وعن المحقق الاردبيلي ره الاستدلال به .
وفيه : ان اربعين درهما ليست من النصب ، لان النصاب
الاول مائتا درهم فلا
ينطبق على الدعوى ، فلابد اما من الحمل على النصاب
الثاني او على صورة عدم
الحاجة بحيث تزيد على نفقته ، والثاني اظهر بقرينة قوله
عليه السلام يحول عليها
…………………………………………..
( 1 ) سنن البيهقي ج 4 - ص 96 .
( 2 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 5
] وهم الذين لا يملكون قوت سنتهم لهم ولعيالهم [
الحول .
ومنها : ما في ذيل صحيح ابي بصير المتقدم : ولا تحل الزكاة لمن
كان محترفا و
عنده ما تجب فيه الزكاة يأخذ الزكاة ( 1 ) - .
وفيه : انه يدل على تحريم الاخذ لذي الحرفة مع وجود
النصاب عنده ، والظاهر
ان المراد بالحرفة هو التكسب والتجارة ، والمراد مما يجب
فيه هو رأس ماله بان يكون
رأس ماله الذي يكتسب به بمقدار نصاب احد النقدين ، وعليه
فهو اجنبي عن المقام .
واستدل للقول الثالث : بان من لم يكن له حرفة أو ممر
معيشة واف بمؤونته
عادة على سبيل الاستمرار لايعد في العرف غنيا ، وان كان
بالفعل مالكا لما يفي بمؤونة
سنة أو سنتين .
وفيه : مضافا الى ان هذا الشخص يعد في العرف غنيا ، انه
لا يقاوم النصوص
المتقدمة - .
فتحصل : ان الاظهر ان الفقراء ( و ) المساكين - ( هم
الذين لا يملكون
قوت سنتهم لهم ولعيالهم ) .
رأس المال لا يمنع عن اخذ الزكاة
الجهة الثانية : من حيث ان قوت السنة يعتبر من جميع ما
يملكه من الاصل و
النماء ، او من خصوص النماء وجهان : وقد نسب المقدس
الاردبيلي الاول الى
الاصحاب ، لكنه تأمل فيه ، وعن بعض المتأخرين : نسبته
الى المشهور . ولكن
المستشعر من المدارك والذخيرة كون الثاني مقتضى اطلاق
كلام المحقق في الشرائع
وعامة المتأخرين .
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1
[ . . . ]
وكيف كان : فقد استدل للقول الثاني : باطلاق النصوص
الدالة على ان حد
الفقر الذي يجوز معه اخذ الزكاة ان لا يملك مؤونة السنة
له ولعياله المطلقة من حيث
كون ذلك من النماء او من رأس المال : كصحيح علي بن
اسماعيل ( 1 ) ، ومرسل يونس
( 2 ) المتقدمين ، وبصحيح ابي بصير المتقدم ( 3 ) .
قال المقدس الاردبيلي بعد نقله : وهذا مع اعتبار سنده
صريح في اشتراط
الكفاية سنة وانه لا يجوز لصاحب السبعمائة الا مع عدم
كفايتها له سنة ، وانه لو كفت
لم يأخذ ، وان لم يقدر على ان يعيش بربحه .
وبخبر سماعة عن الامام الصادق عليه السلام : قد تحل
الزكاة لصاحب
السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهما ، فقلت له :
وكيف يكون هذا ؟ فقال : اذا
كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم
يكفه ، فليعف عنها نفسه
وليأخذها لعياله ، واما صاحب الخمسين فانه يحرم عليه اذا
كان وحده وهو محترف يعمل
بها وهو يصيب منها ما يكفيه .
قال المقدس : وفي قوله : فلو قسمها . . . الخ ( 4 )
دلالة على انه لو كفي لم يأخذ ،
ولو لم يبق منها ولم يربح مايكفيه .
وفي الجميع نظر : اما الاول : فلأنه يتعين تقييد اطلاق
هذه النصوص بطائفة
اخرى من النصوص صريحة في ان العبرة بالربح والفائدة
والنماء دون رأس المال :
كصحيح معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام : عن الرجل
يكون له ثلاثمائة
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 7 .
( 2 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 10 .
( 3 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1 .
( 4 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 2
[ . . . ]
درهم او اربعمائة درهم وله عيال وهو يحترف فلا يصيب نفقته
فيها أيكسب فيأكلها
ولا يأخذ الزكاة ، أو يأخذ الزكاة ؟ قال عليه السلام :
لا بل ينظر الى فضلها فيقوت بها
نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ويأخذ البقية من الزكاة
ويتصرف بهذه لا ينفقها ( 1 ) .
ونحوه خبر هارون وغيره .
ودعوى انه يجوز ان يكون المراد اخذ الزكاة لنفس الاشخاص
الذين لم
يسعهم ذلك ان كانوا بانفسهم فقراء لا لنفسه وصرفها في
نفقتهم كي ينافيه كونه
غنيا ، مندفعة بان ظاهر قوله ويأخذ البقية هو اخذها
لنفسه وصرفها في نفقتهم كما
لايخفى .
ودعوى ان هذه النصوص اعم من الاولى من جهة اخرى وهي
كفاية رأس
المال لكفاية السنة فتتعارضان فيما اذا كان رأس المال
كافيا لقوت السنة فلا وجه
لتقديم الثانية ، مندفعة بان صحيح معاوية مختص بمورد
الكفاية ، حيث نص الراوي
بأكلها وعدم اخذ الزكاة ، فلو لم تكن تكفيه لما كان لعدم
الاخذ وجه ، فهذه اخص
من الاولى .
واما الاخيران فلأن الظاهر منهما ان السبعمائة ليست برأس
المال للتجارة
بقرينة المقابلة للمحترف ، فالاظهر ان رأس المال يكون
مستثنى مما يحصل به الكفاية .
وينبغي التنبيه على امور :
الاول : ان استثناء رأس المال انما هو بالنسبة الى من
يستنمي بماله فعلا كما
عن التذكرة وغيرها ، واما اذا لم يكن كذلك وكان عنده مال
يكفي لسنته وان كان نماؤه
على تقدير الاسترباح غير واف بذلك ، فالظاهر انه لايجوز
له اخذ الزكاة ، فالعبرة
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1
[ . . . ]
بالاستنماء الفعلي مع عدم كفاية النماء لا عدمها شأنا ،
والنصوص المتقدمة ظاهرة
الدلالة على ذلك .
الثاني اذا كان رأس المال كثيرا كافيا لسنين عديدة ولكن
نمائه لم يكن وافيا
بجميع مصارفه ، فعن بعض الاساطين والشيخ الاعظم ره : عدم جواز اخذه الزكاة .
وقد أفاد جدي العلامة ره في وجه ذلك : ان الاخبار
الصادرة لبيان الحكم
المذكور ليست مشتملة على بيان موضوع كلي كي يتجه الاخذ
بمقتضى العموم ويحكم
باطراد الحكم ، بل المصرح به فيها خصوص من كان له
ثمانمائة او سبعمائة او اربعمائة
او ثلاثمائة درهم وما دون ذلك ، وهذه المقدرات وان كانت
من باب التمثيل دون
التحديد لكن غاية ما يستفاد منها اسراء الحكم صعودا
ونزولا الى ما يقرب منها لا
مطلقا ، وهو جيد ، ويؤيده صدق الغنى عليه سيما اذا كان
رأس المال كافيا لصاحبه
مادام العمر بحيث لا يحتمل ان يكون التصرف فيه
بالاخراجات العادية موجبا لان
يصير المالك في معرض الاحتياج الى الغير .
الثالث : قد مر ان الميزان في كفاية الربح وعدمها
الفعلية دون الشأنية ، فكما
انه اذا لم يكن ربح ماله كافيا لمؤونته غالبا واتفق في
بعض السنين لبعض العوارض
الكفاية لا يجوز له اخذ الزكاة في تلك السنة ، فكذلك اذا
كان ربح ماله كافيا لمؤونته
غالبا واتفق في بعض السنين لبعض العوارض عدم الكفاية
يجوز له الاخذ في تلك
السنة ، فما عن بعض الاساطين من عدم الجواز ضعيف .
من كان ذا صنعة او كسب تحصل منهما المؤونة
الجهة الثالثة : الظاهر عدم الخلاف في انه من كان ذا
صنعة او كسب تحصل
] ويكون عاجزا عن تحصيل الكفاية بالصنعة [
منهما المؤونة لا يجوز له اخذ الزكاة ، عدا ما عن الخلاف
حيث حكى عن بعض
اصحابنا جواز الدفع للمكتسب من غير اشتراط القصور في
كسبه ، وهو مع شذوذه
محجوج بالاخبار المتقدم بعضها الاتي بعضها الاخر .
انما الكلام ( و ) الاشكال في انه هل يعتبر في جواز
الاخذ ان ( يكون عاجزا
عن تحصيل الكفاية بالصنعة ) فلا يجوز للقادر على
الاكتساب الاخذ وان كان
غير مشتغل به فعلا كما في المتن والمحكي عن المقنعة
والغنية والسرائر وغيرها ، بل هو
المنسوب الى المشهور ، بل قيل انه مما لا خلاف فيه أم لا
يعتبر ذلك فيجوز له الاخذ كما
عن النهاية والتحرير والدروس والبيان ؟
يشهد للاول : مصحح زرارة عن الامام الباقر عليه السلام :
سمعته يقول : ان
الصدقة لا تحل لمحترف ولا لذي مرة سوى قوى ، فتنزهوا
عنها ( 1 ) .
وما عن الجواهر : من انه ظاهر في الجواز بقرينة قوله
عليه السلام فتنزهوا
عنها يرد عليه : ان ظهوره في الكراهة غير ثابت ، لا سيما
مع ظهور لاتحل في عدم
الجواز .
وصحيحه عنه عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه
وآله : لاتحل الصدقة
لغني ولا لذي مرة سوى ولا لمحترف ولا لقوي ، قلنا : ما
معنى هذا ؟ قال عليه السلام :
لا يحل له ان يأخذها وهو يقدر ان يكف نفسه عنها ( 2 ) .
ونحوهما غيرهما ، مضافا الى
عدم صدق الفقير على هذا الشخص بل هو غني عرفا .
وقد استدل للثاني : بصحيح معاوية بن وهب : قلت لابي عبد
الله عليه السلام :
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 2 .
( 2 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 8
[ . . . ]
يروون عن النبي صلى الله عليه وآله ان الصدقة لاتحل لغني
ولا لذي مرة سوى ،
فقال : لا تصلح لغني ( 1 ) . اذ الاقتصار على ذكر الغني
ظاهر في الاقتصار في المنع عليه .
وبما عن الفقيه من قوله : وفي حديث آخر عن الامام الصادق
عليه السلام انه
قال : قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تحل
الصدقة لغني ولم يقل ولا لذي مرة
سوى ( 2 ) .
وبما عساه يظهر من بعض من الاجماع على جواز اعطاء ذي
الصنعة اذا
اعرض عنها .
وبالسيرة على الاعطاء .
وباطلاق الادلة .
وفي الجميع نظر : اما الاول : فلان الاقتصار على ذكر
الغني يمكن ان يكون لعدم
الاحتياج الى ذكر ولا لذي . . . الخ لدخوله فيه ، اذ
الغني قد يكون بالفعل وقد يكون
بالقوة ، مع ان الصحيح يدل على ان ما صدر عن النبي صلى
الله عليه وآله انما هو
الجزء الاول ، ولم يصدر الثاني عنه ، ولا يدل على عدم
كونه في الواقع كذلك كي ينافي
مع ماتقدم .
وبذلك يظهر ما في الثاني ، مضافا الى انه يحتمل قويا ان
يكون ما رواه الصدوق
بعينه صحيح معاوية ، ويكون ولم يقل . . . الخ من كلام
الصدوق .
واما الثالث : فلعدم ثبوت الاجماع ، بل ظاهر جماعة من
الاعاظم مخالفته .
واما الرابع : فلأن السيرة ممنوعة ، مع ان هذه السيرة
التي هي سيرة المتشرعة
انما تكون حجة اذا احرز اتصالها الى زمان المعصوم ، وهو
غير ثابت على فرض ثبوت
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 9
[ . . . ]
اصلها .
واما الخامس : فان اطلاق الادلة يقيد بما سبق
فتحصل : ان الاظهر ان من كان ذا صنعة أو كسب تحصل منهما
المؤونة لا يجوز
له اخذ الزكاة .
فروع :
الاول : صرح غير واحد : بان المعتبر في المعتبر في
القدرة على الاكتساب والصنعة كونهما
لا يقين بحاله غير منافين لشأنه ، فلا يكلف الرفيع ببيع
الحطب والحشيش والحرث
والكنس ونحوها ، وهو كذلك ، فانه المستفاد من نصوص
استثناء العبد والخادم بانه يقيه
الحر والبرد ويصون وجهه ووجه عياله .
ويؤيده ما دل على كراهة اعلام المؤمن المرتفع بكون
المدفوع زكاة معللا بقوله
عليه السلام لا تذل المؤمن . ولا شبهة في ان منع الرفيع
من الزكاة والجائه الى مالا
يليق بحاله من المكاسب أشد اذلالا .
واما ادلة نفي الحرج والعسر فلا يصح الاستدلال بها في
المقام لانها في مقام
بيان نفي تشريع الحكم الحرجي ، ولا تصلح لاثبات الحكم
الذي يلزم من عدمه الحرج
والعسر كما حقق في محله .
الثاني : لو لم يكن له صنعة فعلا ولكنه قادر على تعلمها ،
فهل يجوز له ترك التعلم واخذ الزكاة كما صرح به الشيخ
الاعظم ره لصدق
عدم كونه قادرا على ما يكف به نفسه اذ المتبادر منه
القوة القريبة ، والا فقلما يخلو فقير
من القوة البعيدة للتكسب ، ام لايجوز الا مادام كونه
مشغولا بالمقدمات ولم تحصل له
الملكة ؟ وجهان : اظهرهما الاول لصدق الفقير عليه فعلا ،
نعم اذا كان التعلم سهلا بنحو
[ . . . ]
يصدق عرفا كونه قادرا بالفعل على التعيش بلا حاجة الى
الزكاة لم يجز له الاخذ ، ولا
يخفي وجهه .
الثالث : لو ترك المحترف حرفته فاحتاج في زمان لا يقدر
عليها ، كما لو ترك
العمل في الشتاء واحتاج في الصيف ، او ترك العمل في
النهار واحتاج في الليل ، فهل
يجوز له اخذ الزكاة ، ام لا كما عن المستند والشيخ
الاعظم ره ، ام يفصل بين كون ذلك منه
عمديا فلا يجوز وبين عدم كونه كذلك فيجوز ، ام لايجوز
اعطائها اياه من سهم
الفقراء ، وانما تعطي اياه من سهم سبيل الله كما اختاره
جدي العلامة ره ؟ وجوه :
اقواها الاول لصدق الفقير عليه في آن حاجته .
واستدل للثاني : بصدق المحترف عليه ، وبالاجماع .
ولكن يرد على الاول : ان صحيح معاوية ( 1 ) يدل على ان
نفي الجواز منوط
بكونه غنيا لا بكونه ذي مرة ، وكذلك خبر ( 2 ) هارون ( 2
) ، وقد فسر المحترف وذو مرة
في خبر زرارة بمن يقدر على كف نفسه عنها ( 3 ) .
فالمعيار هذا العنوان لا صدق المحترف
وعدمه .
ويرد على الثاني : انه غير ثابت .
واستدل للثالث : بان الممتنع بالاختيار لاينافي الاختيار -
وفيه : ان ذلك انما هو بالنسبة الى العقاب لا غيره ،
ومدرك القول الاخير معلوم
…………………………………………..
( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 4 .
( 3 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 8
[ . . . ]
المشتغل بطلب العلم ياخذ الزكاة
الرابع : لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع
عنه ، فتارة يكون ذلك
مما يجب تعلمه ، واخرى يكون مما يستحب ، وثالثة يكون مما
لا يجب ولا يستحب .
واما في الصورة الاولى : فالظاهر انه لاخلاف بينهم في
جواز الاخذ وترك
التكسب ، اذ الوجوب يوجب صدق كونه غير قادر على ان يكف
نفسه عنها لان المراد
من القدرة أعم من التكوينية والتشريعية .
ولكن قد يناقش في تحقق الصغرى فيما اذا كان التكسب لاجل
حفظ نفسه ،
فان وجوب تحصيل العلم عليه في مثل ذلك ممنوع لتوقفه على
جواز اخذ الزكاة بترك
التكسب ، وهو يتوقف على وجوبه ، والا فالواجب عليه التكسب
لحفظ نفسه ، فلا دليل
على وجوب تحصيل العلم في مثل الفرض حتى يتجه له اخذ
الزكاة مقدمة له لاستلزامه
الدور .
وان ابيت عن ذلك نقول : يدور الامر بين وجوب التكسب لحفظ
النفس
وتحصيل العلم الواجب ، فيتزاحم الواجبان ، والاول هو
الاهم ، نعم لو ثبتت اهمية الثاني
اتجه جواز الاخذ ، وكذا لو كان وجوب التكسب لاجل النفقة
على عياله ، فان مراعاة
اهم الواجبين هنا لازمة .
ويمكن دفعه بان وجوب حفظ النفس لا يقتضي وجوب التكسب
لعدم
انحصار الحفظ به ، اذ لو كان طلب العلم موجبا لانتفاء
القدرة جاز اخذ الزكاة
فتحفظ بها بلا حاجة الى التكسب .
واما الصورة الثانية : فعن صريح الذخيرة وظاهر محكي
نهاية الاحكام
[ . . . ]
والمهذب البارع : عدم جواز الاخذ ، ونسب الى ظاهر حواشي
القواعد ايضا ، وعن
ظاهر المنتهى والتحرير والدروس والبيان والمسالك
والمدارك والروضة وغيرها : الجواز .
واستدل للثاني : بان الامر به استحبابا يستلزم طلب ترك
الحرفة وهو يستلزم
جواز اخذ الزكاة .
وفيه : انه ان اريد بذلك ان الامر الاستحبابي بوجب صدق العاجز
عن
التكسب عليه ، فهو ممنوع ، وان اريد انه مع عدم صدقه
يجوز ، فيرد عليه : انه بعد مالم
يكن مادل على حرمة اخذ الزكاة للمحترف والمكتسب مشروطا
بشرط ، الالتزام
بجوازه هنا ، يتوقف على تقديم الحكم غير اللزومي على
اللزومي عند التزاحم ، وهو
كما ترى ، مع ان الامر به استحبابا لايستلزم طلب ترك
الحرفة كما حقق في مبحث
الضد من الاصول ، فالاظهر عدم جواز الاخذ لصدق الغنى
والمحترف والقادر على
ما يكف به نفسه ، ولا دليل على التخصيص ، هذا بالاضافة
الى سهم الفقراء ، واما
اعطائها اياه من سهم سبيل الله فالظاهر انه لا اشكال فيه
بناءا على ما سيأتي من
ان موضوعه كل قربة ، فانه لا شبهة في كونه من طرق القربة
. وسيأتي تمام الكلام في
ذلك .
وبما ذكرناه ظهر حكم الصورة الثالثة ، وانه لا يجوز
الاخذ كما لا يخفى على
من لاحظ ما ذكرناه .
المقدار الذي يعطى للفقير من الزكاة
مسائل : الاولى : - في المقدار الذي يعطى للفقير من
الزكاة .
المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة : انه يعطى اياه من
مقدار مؤونة سنة
[ . . . ]
دفعة ، بل يجوز جعله غنيا عرفيا ، بل عن المنتهى : يجوز
ان يعطي الفقير ما يغنيه وما
يزيد على غناه ، وهو قول علمائنا اجمع ، وقيل : انه لا
يعطي اياه ازيد من مقدار مؤونة
سنة ، وعن جمع منهم الشهيد في البيان : انه يعطي ذو
الكسب ما يتمم كفايته ، وغيره
يعطي بمقدار يجعله غنيا بل ازيد .
وقد استدل للاول : بالاجماع ، وباطلاق ادلة الزكاة
الاولية ، وبجملة من
النصوص الخاصة : كموثق عمار عن الامام الصادق عليه
السلام : سئل كم يعطي
الرجل من الزكاة ؟ قال : قال ابو جعفر عليه السلام : اذا
اعطيت فاغنه ( 1 ) . ونحوه
صحيح سعيد بن غزوان ( 2 ) . وموثقا اسحاق ( 3 ) وغيرها ؟
وخبر بشر بن بشار : قلت
للرجل يعني - ابا الحسن عليه السلام : ما حد المؤمن الذي
يعطي الزكاة قال عليه
السلام : يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ثم قال عليه السلام :
وعشرة آلاف ، ويعطي الفاجر
بقدر لان المؤمن ينفقها في طاعة الله تعالى والفاجر في
معصية الله تعالى ( 4 ) .
ولكن يرد على الاول : انه لم يثبت كونه اجماعا تعبديا ،
كيف وقد استدل المفتون
بذلك بالنصوص المشار اليها .
ويرد على الثاني : ان الادلة لا اطلاق لها من هذه الجهة
لعدم ورودها في مقام
بيان المقدار المخرج ، مع انه لو سلم الاطلاق يتعين
تقييده بما سيأتي من النصوص .
ويرد على الثالث : ان نصوص الاغناء غير ظاهرة في ذلك ،
اما لما عن كشف
اللثام من ان الاغناء حاصل باعطاء مقدار سنة واحدة
والزايد على الاغناء ،
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 24 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 4 .
( 2 ) الوسائل - باب 24 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 5 .
( 3 ) الوسائل - باب 24 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 3
- 7 .
( 4 ) الوسائل - باب 24 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 8
[ . . . ]
ودعوى ان المنساق من الاغناء المامور به في تلك الاخبار
هو الاغناء العرفي ولا أقل
من كونه المنصرف اليه ، مندفعة بعدم القرينة على التخصيص
بالعرفي ، وقد عرفت
اتفاقهم على ان الزكاة لغير الغني وهو من لا يملك قوت
سنة .
أو لما احتمله الشيخ الاعظم ره من ان يكون المراد اغنائه
بالدفع الواحد حتى
لايقع المؤمن في ذل الطلب ثانيا في هذه السنة .
وخبر بشير ضعيف بالارسال ، واما خبر ابي بصير الدال على
انه يعطي ما
يتصدق به ويحج فهو غير ظاهر في سهم الفقراء .
فاذا لا دليل على جواز الاعطاء أزيد من الكفاية .
ويشهد لعدم الجواز طائفتان من النصوص : الاولى : ماورد
في الفقير : كصحيح
علي بن اسماعيل الدغشي المروي عن العلل قال : سألت ابا
الحسن عليه السلام
عن السائل وعنده قوت يوم ايحل له ان يسأل ، وان اعطي
شيئا من قبل ان يسأل
يحل له ان يقبله ؟ قال عليه السلام : يأخذ وعنده قوت شهر
ما يكفيه لسنته من الزكاة
لانها انما هي من سنة الى سنة ( 1 ) . ونحوه خبر عبد
الرحمان بن الحجاج ( 2 ) .
الثانية : ما ورد في من له رأس مال يقصر ربحه عن مؤونة
سنة : كصحيح معاوية
بن وهب المتقدم المصرح في ذيله بان المحترف اذا لم يكفه
الفضل يأخذ البقية من
الزكاة ( 3 ) .
والايراد عليه كما عن المدارك بانه لا يدل على عدم جواز
اخذ الزايد ، مندفع
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 7 .
( 2 ) الوسائل - باب 24 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 9 .
( 3 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 4
] ويعطى صاحب دار السكنى وعبد الخدمة وفرس الركوب [ .
بانه يدل عليه لو ردوه مورد التحديد وبيان المقدار .
كما ان الايراد عليه بان من الجائز ان تكون العبارة هكذا
ويأخذ للبقية من
الزكاة فيكون في مقام بيان المصرف لا المقدار كما عن
الشيخ الاعظم ره ، مندفع بانه
مخالف لظاهر جل النسخ ، ونحوه
موثق سماعة ( 1 ) وخبر هارون ( 2 ) المتقدمان -
فالاظهر بحسب الادلة عدم جواز اخذ الزايد على مؤونة
السنة مطلقا ، سيما
لذي الكسب القاصر ، ولكن المانع عن الافتاء ذهاب المشهور
كما عرفت الى الجواز ،
والاحتياط سبيل النجاة .
ما لا يمنع وجوده من أخذ الزكاة
الثانية : ( ويعطى ) الزكاة ( صاحب دار السكنى وعبد
الخدمة و
فرس الركوب ) بلا خلاف فيه ، بل الظاهر ان ذكر الثلاثة
من باب التمثيل لكل
ما يحتاج اليه من اثاث البيت وكتب العلم وغير ذلك مما
تمس الحاجة اليه ، ولا يخرج
صاحبه بملكه عن حد الفقر .
وتشهد له جملة من النصوص : كصحيح عمر بن اذينة عن غير واحد - عن
الصادقين عليهما السلام : انهما سئلا عن الرجل له دار او
خادم او عبد ايقبل الزكاة ؟
قالا : نعم ان الدار والخادم ليسا بمال ( 3 ) .
وخبر اسماعيل بن عبد العزيز عن ابيه قال : دخلت انا وأبو
بصير على ابي
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 12 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 4 .
( 3 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 2
[ . . . ]
عبد الله عليه السلام : فقال له ابو بصير - الى ان قال -
قال : جعلت فداك له دار
تسوى اربعة الاف درهم وله جارية وله غلام يستقي على
الجمل كل يوم ما بين
الدرهمين الى الاربعة سوى علف الجمل وله عيال اله ان
يأخذ الزكاة ؟ قال : نعم ، قال :
وله هذه العروض ؟ فقال : يا ابا محمد فتأمرني ان آمره
ببيع داره وهي عزه ومسقط
رأسه ، أو ببيع خادمه الذي يقيه الحر والبرد ويصون وجهه
ووجه عياله ، او آمره ان
يبيع غلامه وجمله وهو معيشته وقوته ، بل يأخذ الزكاة فهي
له حلال ولا يبيع داره ولا
غلامه ولا جمله ( 1 ) .
فلو كان فاقدا للمذكورات مع الحاجة اخذ الزكاة لشرائها
كما عن سيد
المدارك ، وفي العروة : لانها من النفقة ، وهل يجوز ذلك
مع ارتفاع الحاجة بغير الشراء
ايضا كما لو قدر على الاستئجار مثلا ام لا ؟ وجهان : لا
يبعد البناء على الثاني لان
من يكون واجدا لما يفي بمؤونة سنته واجرة ما يحتاج اليه
من المسكن والخادم ونحوهما
ولم يكن الاستئجار منافيا لعزه وشرفه لا يعد فقيرا ، بل
هو غني .
ولو كان عنده من المذكورات وبعضها ازيد من مقدار حاجته
بحسب حاله ،
وكان الزايد مقدار مؤونة سنته ، فهل يجوز له اخذ الزكاة
ام لا ؟ وجهان : والاوجه منهما
التفصيل بين ما اذا كان الزائد بحكم مال مستقل خارج عن
محل سكناه فلا يجوز ،
وبين غيره فيجوز ، ولا يخفي وجهه .
الثالثة : لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة
بلا خلاف فيه في الجملة .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 3 .
[ . . . ]
ويشهد له جملة من النصوص : كصحيح ابن الحجاج عن ابي
الحسن الاول
عليه السلام : عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا
يقدرون على قضائه وهم
مستوجبون للزكاة هل لي ان ادعه فاحتسب به عليهم من
الزكاة ؟ قال عليه السلام :
نعم ( 1 ) .
وصحيح ابن ابي عمير عن هيثم الصيرفي وغيره عن ابي عبد
الله عليه السلام :
القرض الواحد بثمانية عشر وان مات احتسب بها من الزكاة (
2 ) . ونحوهما غيرهما .
ولا فرق في ذلك بين كون المدين حيا او ميتا لورود جملة
من النصوص في
الاول وجملة منها في الثاني ، ولو كان للميت تركة تفي
بدينه فهل يجوز الاحتساب كما
عن المختلف وظاهر المنتهى ونهاية الشيخ ره والحلي
والمحقق في الشرائع والشهيد ، ام
لا يجوز كما عن المبسوط والوسيلة والتذكرة والتحرير
والدروس والبيان والمدارك
وغيرها ؟ وجهان .
يشهد للثاني : حسن زرارة : قلت لابي عبد الله عليه
السلام : رجل حلت عليه
الزكاة ومات ابوه وعليه دين أيؤدي زكاته في دين ابيه
وللابن مال كثير فقال عليه
السلام : ان كان ابوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم
يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه
عنه من جميع الميراث ولم يقضه من زكاته ، وان لم يكن
اورثه مالا لم يكن احد احق
بزكاته من دين ابيه فاذا اداها في دين ابيه على هذه
الحال اجزأت عنه ( 3 ) . وبه يقيد
اطلاق النصوص المتقدمة .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 46 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 2 .
( 2 ) الوسائل - باب 49 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 8
.
( 3 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1
[ . . . ]
ثم ان المحكي عن المسالك والروضة : ان ذلك فيما اذا امكن
الاستيفاء من
التركة ، والا كما لو امتنع الورثة او غيرهم فيجوز
الاحتساب ، ولا وجه له في مقابل
اطلاق حسن زرارة ، الا دعوى الانصراف الى صورة اقدام
الورثة على الوفاء ، وهي
كما ترى .
لا يجب اعلام الفقير ان المدفوع اليه زكاة
الرابعة : لا يجب اعلام الفقير ان المدفوع اليه زكاة كما
هو المشهور ، وعن غير
واحد : دعوى الاجماع عليه .
ويشهد له : حسن ابي بصير : قلت لابي جعفر عليه السلام :
الرجل من اصحابنا
يستحيى ان يأخذ من الزكاة فاعطيه من الزكاة ولا اسمي له
انها من الزكاة ؟ فقال
عليه السلام : اعطه ولاتسم له ولا تذل المؤمن ( 1 ) .
وحيث ان مورده المستحيى من اخذ الزكاة وانه لايأخذ اذا
علم انها زكاة
فيجوز الدفع وان كان مقرونا بما يتخيل الفقير انها ليست
زكاة ، ولو نصب الدافع
قرينة على انها ليست زكاة بحيث يكون اعتقاد المستحيى من
اخذ الزكاة مستندا الى
ما نصبه الدافع من القول او الفعل فالمعروف انه ملحق
بذلك ، وهو كذلك ، فان مورد
الخبر وان كان عدم الاعلام الا انه لافرق فيما هو المناط
في باب الوضعيات المتقومة
بالقصود بين الاعلام وعدمه ، فاذا كان قصد الخلاف غير
مضر لم يكن فرق بين
الصورتين .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 58 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1
[ . . . ]
مع ان العمومات التي يستفاد منها ان الفقراء مصرف الزكاة
كافية ، مضافا الى
اطلاق قوله عليه السلام : في موثق سماعة : فاذا هي وصلت
الى الفقير فهي بمنزلة ماله
يصنع بها ماشاء ( 1 ) .
وتؤيده طوائف من النصوص : منها ما دل على انها بمنزلة
الدين وان الفرق
بينهما انما هو من جهة لزوم نية التعيين والتقرب من ناحية
الدافع ( 2 ) ، ومنها ما ورد من
انه يجوز احتساب الزكاة على المدين كان حيا او ميتا ( 3
) ، ومنها ما دل على جواز اعطاء
الايتام والشراء لهم بقيمتها ما يحتاجون اليه من غير
توقف على قبض اوليائهم بعنوان
انها زكاة ( 4 ) .
فالمتحصل من مجموع الادلة : ان نية القابض عند الاخذ غير
الزكاة لا تنافي
كونها زكاة .
نعم في مصحح ابن مسلم : قلت لابي جعفر عليه السلام :
الرجل يكون محتاجا
فيبعث اليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من
ذلك ذمام واستحياء
وانقباض أفنعطيها اياه على غير ذلك الوجه وهي منا صدقة ؟
فقال عليه السلام : لا ،
اذا كانت زكاة فله ان يقبلها ، وان لم يقبلها على وجه
الزكاة فلا تعطها اياه ، وما
ينبغي له ان يستحيى مما فرض الله عز وجل انما هي فريضة
الله فلا يستحيى
منها ( 1 ) .
وهو لا ينافي ما تقدم ، فان قوله عليه السلام لا جواب عن
اعطائها على
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 41 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 21 - من ابواب المستحقين للزكاة .
( 3 ) الوسائل - باب 46 - من ابواب المستحقين للزكاة .
( 4 ) الوسائل - باب 6 - من ابواب المستحقين للزكاة
[ . . . ]
وجه غير الزكاة بحيث يكون العنوان المغاير مقصودا للدافع
، واما قوله : فان لم يقبلها
على وجه الزكاة . . . الخ فهو ايضا قابل للحمل على ارادة
النهي عن اعطائها على غير
وجه الزكاة ، واما قوله عليه السلام : وما ينبغي له . .
. الخ فهو بظاهره غير معمول به ،
اذ لاريب في حسن الحياء من مذلة الفقر ، فيحمل على ارادة
التنفر النفسي من الزكاة ،
وان ابيت عن ذلك فخبر ابن مسلم محمول لو لم يكن ظاهرا
فيه على صورة قصد
القابض عنوانا اخر غير الزكاة ، وحسن ابي بصير يختص
بصورة عدم قصد الخلاف .
فيكون المتحصل - انه لا يجوز مالم يقصد القابض عنوانا
آخر غير الزكاة ،
فلو قصد الزكاة أو لم يقصدها بل قصد مجرد التملك صح ،
وهذا هو الاظهر .
الخامسة : لو ادعى الفقر ، فان عرف صدقه او كذبه عومل
بما عرف منه ، ولو
جهل الامران فمع سبق الفقر يعطى من غير يمين ، ومع سبق
الغنى او الجهل بالحالة
السابقة فان كان عادلا او ثقة في النقل من غير يمين ايضا
بناءا على المختار
من ان خبر الواحد حجة في الموضوعات ايضا ، وان لم يثبت
ذلك فالمشهور بين
الاصحاب جواز الاعطاء بمجرد دعوى الفقر من دون حاجة الى
بينة او يمين ، بل
عن المصنف في كتبه الثلاثة انه موضع وفاق .
واستدل لذلك بوجوه : الاول : ما عن المصنف ره في المنتهى
وهو انه ادعى
ما يوافق الاصل وهو عدم المال - .
وفيه : مضافا الى عدم اطراده ، ان هذا انما يجدي في مقام
الترافع لا في حجية
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 58 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 2
[ . . . ]
قوله في غير ذلك الباب كما هو واضح ، بل في ذلك الباب
غاية مايقتضيه هذا الوجه
ان وظيفة اليمين لا البينة .
الثاني : ما عنه قده وهو : ان الاصل عدالة المسلم ، فكان
قوله مقبولا .
وفيه : انه بعد فرض كون العدالة صفة واقعية وعدم كون
ظهور الاسلام مع
عدم تبين الفسق طريقا اليها اصالة العدالة ممنوعة .
الثالث : اصالة الصحة في دعوى المسلم - .
وفيه : ما حققناه في رسالة القواعد الثلاث من قصور ادلة
اصالة الصحة عن
الشمول لمثل ذلك .
الرابع : ما عن معتبر المحقق ره وحاصله : ان دعواه الفقر
من الدعوى بلا
معارض ، وهي مقبولة .
وفيه : ان ذلك انما هو فيما اذا كان المال في يده ، واما
اذا كان في يد الغير وهو
مامور بايصاله الى اهله فسماع دعواه مع عدم ثبوت موضوع
الحكم بها يحتاج الى
دليل آخر .
الخامس : ما افاده المحقق الهمداني ره وهو : ان اخبار
الشخص بفقره
كاخباره بسائر حالاته من الصحة والمرض يكون معتبرا عرفا
وشرعا والا فلا طريق
لمعرفة حاجة المحتاجين في الغالب سوى اخبارهم فلو لم
يقبل دعوى الفقر من اهله
لتعذر عليه غالبا اقامة البينة عليه او اثباته بطريق آخر
، اذ الاطلاع على فقر الغير
من غير استكشافه من ظاهر حال مدعيه او مقاله في الغالب
من قبيل علم الغيب .
وفيه : ان الفقر والغنى من الصفات الظاهرة في الغالب ،
واقامة البينة عليهما
سهلة ، ولذا يكلف مدعي الاعسار بالاثبات اذا علم له اصل
مال .
السادس : السيرة القطيعة على العمل بقوله : استند اليها
بعض المعاصرين
[ . . . ]
وفيه : ان ثبوتها مع عدم كونه ثقة وعدم حصول الاطمئنان
بواسطة القرائن
غير مسلم .
السابع : ما عن الحدائق : من ادلة وجوب البينة واليمين
موردها
الدعاوى لانه المنساق من قوله عليه السلام : البينة
للمدي واليمين على من أنكر .
وفيه : ان الاستدلال ليس بتلك الادلة كي يرد عليه ذلك ،
بل انما هو بان
موضوع الحكم هو الفقير فلا بد من ثبوت ذلك في ترتب الحكم
، ومجرد الدعوى لا
تكون مثبتة . الثامن : ما استند اليه الشيخ الاعظم ره
وهو : ان تكليفه باقامة البينة
حرج عليه .
وفيه : ان اثبات الفقر ليس في الغالب حرجيا ، ولو فرض في
مورد كذلك لا
تصلح ادلة نفي الحرج لاثبات قبول قوله بلا مثبت ، لانها
نافية للحكم ولا تصلح
للاثبات كما مر غير مرة .
التاسع : ما يستفاد مما ورد من نذر للكعبة او اهدى اليها
من انه يباع ويؤخذ
ثمنه وينادي على الحجر الاهل من منقطع نفدت نفقته او قطع
عليه فيات فلان بن
فلان فيعطى الاول فالاول حتى ينفد الثمن - .
وفيه : ان نصوصه واردة في مقام بيان المصرف ، مع ان حجية
اخباره في مورد
لا تلازم حجيته في جميع الموارد . العاشر : خبر عبد
الرحمن العزرمي عن الامام الصادق
عليه السلام : جاء رجل الى الحسن عليه السلام والحسين
عليه السلام وهما جالسان
على الصفا فسألهما فقالا : ان الصدقة لاتحل الا في دين
موجع او غرم مفظع او فقر
مدقع ، ففيك شئ من هذا قال نعم ، فاعطياه ( 1 ) - .
وفيه : اولا : انه قضية في واقعة فلعله حصل لهما العلم
من قوله .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 6
[ . . . ]
وثانيا : ان مورده الصدقة المندوبة التي لا يترتب على
عدم كونه فقيرا شئ
بخلاف الزكاة التي هي واجبة لاتسقط الا باعطائها الفقير
. وبه يظهر حال مصحح
عامر بن جذاعة : رجل اتى ابا عبد الله عليه السلام فقال
: يا ابا عبد الله قرض الى
ميسرة فقال ابو عبد الله عليه السلام : الى غلة تدرك ؟
قال : لا ، قال : الى تجارة تؤوب ؟
قال : لا ، قال عليه السلام : فالى عقدة تباع ؟ قال : لا
، فقال ابو عبد الله عليه السلام :
فانت ممن جعل الله له في اموالنا حقا ، ثم دعا بكيس فيه
دراهم . الحديث ( 1 ) .
وهناك وجوه ضعيفة اخر واضح فسادها .
فتحصل : انه لا دليل على قبول قوله : ان لم يكن ثقة ولم
يحصل الوثوق من
اخباره ، فالاظهر عدم حجيته - .
ثم ان المحكي عن الشيخ ره : تصديقه باليمين ، ولكن يرد
عليه : ان مورد اليمين
هو ما يتوقف قطع الخصومة عليه ، ولذلك لا يمين في الحد .
ودعوى انه يمكن ان يكون نظر الشيخ ره الى النصوص الدالة
على ان من
حلف لكم بالله فصدقوه ، مندفعة بانه لو ثبت حجية خبر
الحالف مطلقا لزم تأسيس
فقه جديد ، بل الظاهر اختصاص تلك النصوص ايضا بمقام
المخاصمة لظهورها في
الحلف الذي يكون مستحقا له . فراجع وتأمل .
السادسة : اذا دفعها على انه فقير فبان غنيا ، فان كانت
العين باقية ارتجعها
كان القابض عالما بانها زكاة ام جاهلا به ، اما اذا كان
عالما فواضح ، واما ان كان
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 7 - من ابواب ما تجب فيه الزكاة وما
تستحب فيه - حديث 1
[ . . . ]
جاهلا به فلانها لاتصير ملكا له ، وان صرفها اليه على
وجه الصلة والهدية لفرض
انه قاصد لعنوان الزكاة واظهار خلاف مانواه ، وان كان
يوجب عدم عقاب القابض
على تصرفه فيها الا انه لا يوجب صيرورتها ملكا له ، اذ
العقود تابعة للقصود .
فما عن المحقق من القطع بعدم جواز الارتجاع معللا بان
الظاهر كونها صدقة
اي مندوبة ، غير تام ، اذ الظاهر انما يستند اليه مع عدم
انكشاف الواقع ، والكلام انما
هو فيما لو انكشف . كما ان ما عن المصنف ره من تعليل عدم
الجواز بان الدفع محتمل
للوجوب والتطوع ، لا يمكن المساعدة عليه .
وان كانت العين تالفة ، فان كان القابض عالما بكونها
زكاة
ضمنها لعموم على اليد من غير فرق بين ان يكون عالما
بحرمة الزكاة
عليه ام جاهلا بها ، اذ الجهل بالحكم الشرعي لا يوجب رفع
الضمان ، و
ان كان جاهلا بانها زكاة لم يضمنها لكونه مغرورا . وان
تعذر ارتجاعها او تلفت بلا
ضمان او معه ولم يتمكن الدافع من اخذ العوض - فان كان الدافع هو
الامام او
المجتهد او المأذون منه لم يكن عليه ضمان كما هو المشهور
شهرة عظيمة ، لان يده يد
امانية وهو من المحسنين فلا يتعقبه ضمان ما لم يكن هناك
تعد وتفريط . وبعبارة
اخرى : اذا كان الدافع عاملا بوظيفته يكون دفعه المال
مرخصا فيه من قبل الشارع
الاقدس الذي يكون ترخيصه اقوى من اذن المالك ، ومعه
لامجال للبناء على ضمانه .
واما ان كان الدافع هو المالك ففي المسألة اقوال :
( 1 ) ما عن جمع وهو عدم الضمان -
( 2 ) - ما عن المفيد والحلبي وصاحب الجواهر والشيخ الاعظم ره
والمحقق
الهمداني ره وهو الضمان وعدم الاجزاء .
( 3 ) ما هو المنسوب الى المشهور وهو التفصيل بين ما اذا اجتهد
فاعطى فلا
ضمان ، وبين ما اذا اعطى اعتمادا على مجرد دعوى الفقراء
واصالة عدم المال فيضمن
[ . . . ]
( 4 ) التفصيل بين ما لو كانت معزولة فلا يضمن ، وبين ما اذا
لم تكن كذلك
فعليه الضمان .
وقد استدل للاول : بقاعدة الاجزاء ، وبان الموضوع
الظاهري موضوع
للحكم الواقعي ، فالفقير الثابت فقره مصرف الزكاة وان لم
يكن فقيرا في الواقع ، و
بصحيح عبيد عن الامام الصادق عليه السلام - في حديث -
قال : قلت له : فانه لم
يعلم اهلها فادفعها الى من ليس هو لها بأهل وقد كان طلب واجتهد ثم علم بعد
ذلك سوة ماصنع ؟ قال عليه السلام : ليس عليه ان يؤديها
مرة اخرى ( 1 ) . وقريب منه
صحيح زرارة ( 2 ) .
وفي كل نظر : اما الاول : فلما حقق في محله من ان امتثال
الامر الظاهري لا
يكون مجزيا عن الواقع .
واما الثاني : فلان ظاهر الادلة كون الموضوع هو الواجد
للصفات الخاصة
واقعا .
واما الثالث : فلان ظاهر صدر الخبرين من حيث توصيف الرجل
فيهما
بالعارف هو الدفع الى غير العارف ، فهما غير مربوطين
بالمقام .
ودعوى الفحوى غير مسموعة ، كيف وقد ادعى الاجماع على
الاجزاء اذا
تبين الخطأ عدا شرط الفقر ، مع انه من الجائز ان يكون
السؤال عن الدفع الى غير
الاهل عالما بعدم كونه اهلا لعدم التمكن من الاهل بعد
الطلب والاجتهاد كما فهمه
سيد المدارك ، فلا ربط لهما بالمقام ، مضافا الى انه لو
سلم ورودهما في مقام بيان حكم
الدفع الى غير الاهل جهلا وعدم اختصاصهما بغير العارف
لابد من تقييد اطلاقهما
بمرسل الحسين بن عثمان عمن ذكره عن ابي عبد الله عليه
السلام : في رجل يعطي
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 2
[ . . . ]
زكاة ماله رجلا وهو يرى انه معسر فوجده موسرا قال عليه
السلام : لايجزى عنه ( 1 ) - .
ودعوى ان النسبة بينهما عموم وجه فيتعارضان في مورد
الاشتباه في الاهلية
من حيث الفقر مع الاجتهاد ، مندفعة بان المفروض في
المرسل الاجتهاد او نتيجته
لقوله وهو يرى انه معسر مع انه لو سلم كون النسبة عموما
من وجه فلا محالة
يتعارضان في مورد الاجتماع ويتساقطان لفرض كون دلالة كل
منهما بالاطلاق ، فيرجع
الى القواعد المقتضية للضمان كما ستعرف .
فان قلت : انه مرسل لايعتمد عليه .
قلت : بعد كون الراوي ابن ابي عمير الذي قيل انه لا يروي الا
عن ثقة
لا اشكال فيه من حيث السند .
وبما ذكرناه ظهر ضعف القول الثالث ، اذ لا مستند له سوى
الصحيحين
الذين عرفت ما فيهما .
واما القول الرابع : فهو وان كان بحسب القواعد متينا
بناءا
على تعين الزكاة بالعزل لفرض عدم التفريط في ايصالها الى
اهلها وجريه على القواعد
الشرعية الظاهرية ، الا ان مقتضى اطلاق المرسل عدم الفرق
بين الصورتين .
فتحصل : ان الاظهر هو الضمان مطلقا ، ويؤيده بل يشهد له
عموم ما دل على
انها كالدين ، وان الموضوع من الزكاة في غير موضعها
بمنزلة العدم . وبما ذكرناه ظهر
انه لو دفع الزكاة الى غني جاهلا بحرمتها عليه ، او
متعمدا ، استرجعها مع البقاء ، او
عوضها مع التلف ، ومع عدم الامكان تكون عليه مرة اخرى .
وكذلك الكلام في تخلف
بقية الصفات ، ولكن قد ادعى الاجماع على عدم الضمان فيها
، فان ثبت الاجماع و
الا فالمتجه هو الضمان . نعم في خصوص تخلف شرط الايمان
يمكن القول بعدم الضمان
للصحيحين المتقدمين فتأمل .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 5
] الثالث العاملون وهم السعاة للصدقات [
( الثالث ) من الاصناف : ( العاملون وهم السعاة للصدقات )
اي
الساعون في تحصيلها وتحصينها باخذها وضبطها وحسابها وايصالها
الى الامام عليه
السلام او نائبه او الى الفقراء على حسب اذنه ، بلا كلام
في شئ من ذلك كله ، انما
الكلام في خصوص من عمله قسمتها وتفريقها بين المستحقين ،
فان صاحب الجواهر
استشكل في كونه من مصاديق العامل استنادا الى المرسل
المروي عن تفسير علي بن
ابراهيم ، وهو كما ترى ، فالمعتمد هو اطلاق الاية
الشريفة الشامل له .
وتمام الكلام بالبحث في مواضع :
الاول : ان المشهور بين الاصحاب : ان الامام او نائبه
مخير بين ان يقرر لهم
جعالة مقدرة او اجرة عن مدة مقدرة ، وبين ان لا يجعل لهم
شيئا من ذلك فيعطيهم ما
يراه .
اقول : لا اشكال في الاخير ، اذ مضافا الى استفادته من
الاية الشريفة ( 1 ) يشهد
له صحيح الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام قال : قلت
له : مايعطي المصدق ؟ قال :
ما يرى الامام ولا يقدر له شئ ( 2 ) .
واما الجعل له بعنوان المعاوضة فربما يستشكل فيه من وجوه :
الاول : ان ظاهر الاية الشريفة ولا سيما بقرينة السياق
كون استحقاق
………………………………………….
( 1 ) سورة التوبة - آية 61 .
( 2 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 4
[ . . . ]
العامل منها بجعل الشارع فيعطى مجانا ، لا بجعل الامام
بعنوان المعاوضة - .
وفيه : ان الاية الشريفة انما تدل على ان العامل من
المستحقين للزكاة ، واما
انه هل هو ممن يستحق الزكاة مجانا او انه احتراما لعمله
جعله الشارع ذا حق في
الزكاة فالاية لا تدل عليه ، وعلى الثاني لا مانع من
جعله شيئا معينا له بعنوان
المعاوضة .
الثاني : قوله عليه السلام في الصحيح : ولا يقدر له شئ .
وفيه : ان ظاهره عدم التقدير له في اصل الشرع لا انه لا
يجوز التقدير له .
الثالث : ان الاصحاب اتفقوا على اعتبار شروط خاصة فيه ،
ولا ينبغي التأمل
في جواز استئجار من يفقد جميع هذه الشروط اذا احتيج الى
عمله كالراعي و
السائس والبيطار .
وفيه : انه لابد من ملاحظة ادلة تلك الشروط ، فان كان
مقتضاها اعتبارها
فيه حتى في صورة المعاوضة لزم عليه وتخصيص اطلاق ادلة
الاجارة والجعالة بها ،
والا فلا محذور في الالتزام بعدم اعتبارها فيه ، فالاظهر
هو التخيير .
الثاني : ان الاصحاب ذكروا انه يعتبر في العامل شروط ،
وجمع منهم اضافوا
اليها شروطا اخر . ومجموع ما ذكروه : التكليف بالبلوغ ، والعقل ، والايمان ، والعدالة
والحرية ، وان لايكون هاشميا وان يكون عارفا بالمسائل
المتعلقة بعمله ، وان يكون
فقيها - .
اقول : - اما الثلاثة الاولى : فالعمدة فيها الاجماع ،
والا فسائر الوجوه التي
ذكروها بينة الضعف .
واما الحرية : فقد استدل لاعتبارها المحقق : بان العامل
يستحق نصيبا من
الزكاة والعبد لايملك والمولى لم يعمل .
واورد عليه سيد المدارك : بان عمل العبد كعمل المولى ،
وهو حسن سيما لو
[ . . . ]
بنينا على ان العبد يملك اذا كان باذن سيده ، والصحيح ان
يستدل له : باطلاق قوله
عليه السلام في خبر اسحاق بن عمار : ولا يعطي العبد من
الزكاة شيئا ( 1 ) .
واما اعتبار ان لا يكون هاشميا فيشهد له : صحيح العيص بن
القاسم عن
الامام الصادق عليه السلام قال : ان ناسا من بني هاشم
اتوا رسول الله صلى الله عليه
وآله فسألوه ان يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا :
يكون لنا هذا السهم الذي
جعله الله عز وجل للعاملين عليها فنحن اولى به فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله :
يابني عبد المطلب ان الصدقة لاتحل لي ولا لكم . الحديث (
2 ) .
واما اعتبار ان يكون عارفا بالمسائل المتعلقة بعمله فقد
استدل له : بتوقف
العمل عليه .
ولكن يرد عليه : انه يمكن له الاحتياط ، فاذا لا دليل
على اعتباره ، كما لا
دليل على اعتبار الفقاهة الذي ذكره جمع ، والاصل يقتضي
عدم اعتبارهما .
الثالث : المشهور بين الاصحاب : عدم سقوط هذا القسم في
زمان الغيبة مع بسط يد
نائبه عليه السلام في بعض الاقطار ، وعن النهاية : سقوطه
ولم يظهر وجه له سوى
تفسير العاملين بالسعاة من قبل الامام في بعض ( 3 )
النصوص وبعض الكلمات ، وهو
كما ترى ، اذ التعبير بالامام عليه السلام انما هو من
باب كونه الولي الاصلي .
وان شئت قلت : انه لا مفهوم لذلك النص كي يدل على ان غير
هذا
الشخص ليس بعامل فيوجب تقييد اطلاق الاية الشريفة وسائر
النصوص .
………………………………………….
( 1 ) الوسائل - باب 44 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 29 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1 .
( 3 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 7
] الرابع المؤلفة قلوبهم وهم الذين يستمالون للجهاد وان
كانوا كفارا [
( الرابع ) من الاصناف ( المؤلفة قلوبهم ) وقد اختلفت
كلماتهم في شرح
المؤلفة قلوبهم ، فالمحكي عن المبسوط والخلاف وغيرهما :
اختصاص المؤلفة بالكفار ،
بل استظهر انه المشهور ، بل عن الخلاف : دعوى الاجماع
عليه ( و ) في المتن : ( وهم
الذين يستمالون للجهاد وان كانوا كفارا ) وافق في ذلك
جمعا وتبعهم
آخرون كالمفيد وغيره ، فانهم ذهبوا الى انهم مسلمون
وكافرون ، وعن الاسكافي :
اختصاصهم بالمنافقين ، وفي الحدائق ره : المؤلفة قلوبهم
قوم مسلمون قد اقروا
بالاسلام ودخلوا فيه لكنه لم يستقر في قلوبهم ولم يثبت
ثبوتا راسخا فأمر الله تعالى
نبيه بتآلفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم وتشتد قلوبهم على البقاء
على هذا الدين ،
فالتأليف انما هو لاجل البقاء على الدين والثبات عليه لا
لما زعموه من الجهاد .
وقد سبقه في ذلك المفيد ره في كتاب الاشراف ، قال فيه :
هم الداخلون في
الايمان على وجه يخاف عليهم معه مفارقته ويزيل عنهم بذلك
دواعي الارتياب .
والظاهر ان جماعة منهم الشهيد الاول في محكي حواشي
القواعد ملتزمون
بذلك ، ويمكن ارجاع كلام الاسكافي اليه . وكيف كان :
فالذي يستفاد من النصوص
هو هذا القول الاخير ، ففي مصحح زرارة عن الامام الباقر
عليه السلام : عن قول
الله تعالى المؤلفة قلوبهم قال عليه السلام : هم قوم
وحدوا الله عز وجل وخلعوا عبادة
من يعبد من دون الله عز وجل وشهدوا ان لا اله الا الله
وان محمدا رسول الله صلى
الليه عليه وآله وهم في ذلك شكاكون في بعض ماجاء به محمد
صلى الله عليه وآله ، فأمر
الله نبيه ان يتآلفهم بالمال والعطاء لكي يحسن اسلامهم
ويثبتوا على دينهم الذي
[ . . . ]
دخلوا فيه واقروا به ، وان رسول الله صلى الله عليه وآله
يوم حنين تآلف رؤساء العرب
من قريش وسائر مضر منهم ابو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين
الفزاري و
اشباههم من الناس فغضبت الانصار ( 1 ) . الحديث . ونحوه
خبره الاخر عنه عليه
السلام ( 2 ) ومرسلا القمي ( 3 ) وابن بكير ( 4 ) ، وبه
يظهر المراد مما في خبر زرارة الثالث
عنه عليه السلام : المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قط اكثر
منهم اليوم ( 5 ) . واورد صاحب
الجواهر ره عليه بايرادات :
( 1 ) منافاته لاطلاق الاية .
وفيه : ان النصوص مفسرة لها وحاكمة عليها لا معارضة .
( 2 ) انه طرح لمعقد الاجماع .
وفيه : ان الاقوال في المسألة متعددة وكلمات القوم في
المقام مضطربة ، وقد
تقدم التزام جمع بهذا القول .
( 3 ) ظهور بعض تلك النصوص في غير المسلم .
وفيه : انه ممنوع .
( 4 ) ان في حاشية الارشاد لولد الكركي المروي : انهم قوم كفار .
وفيه : انه مرسل لا يعتمد عليه وبه يظهر حال مابعده .
( 5 ) وهو انه قد ارسل في الدعائم : والمؤلفة قوم يتالفون على
الاسلام من
رؤساء القبائل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطيهم
ليتالفهم ويكون ذلك في
كل زمان اذا احتاج الى ذلك الامام ، مع ان غايته الاطلاق
فيقيد بما سبق .
………………………………………
1 - 2 - 4 - 5 - الاصول ج 2 ص 411 و 412 .
( 3 ) تفسير القمي ص 274 والوسائل - باب 1 - من ابواب
المستحقين للزكاة - حديث 7
] الخامس : في الرقاب [
( 6 ) ان هذا مخالف للصحيح او الحسن عن زرارة ومحمد : انهما
قالا لابي
عبد الله عليه السلام : أرأيت قول الله تعالى انما
الصدقات . . . الخ اكل هؤلاء يعطي و
ان كان لا يعرف ؟ فقال عليه السلام : ان الامام يعطي
هؤلاء جميعا لانهم يقرون له
بالطاعة قال زرارة : قلت : فان كانوا لايعرفون ؟ فقال :
يا زرارة لو كان يعطي من
يعرف دون من لايعرف لم يوجد لها موضع ، وانما يعطي من لا
يعرف ليرغب في الدين
فيثبت عليه ، فاما اليوم فلا تعطها واصحابك الا من يعرف
، فمن وجدت من هؤلاء
المسلمين عارفا فاعطه دون الناس ، ثم قال : سهم المؤلفة
وسهم الرقاب عام ، والباقي
خاص ( 1 ) - .
وفيه : ان الجملات الاولى من الخبر ظاهرة في المسلم ،
واما قوله سهم المؤلفة
عام فمن الجائز ان يكون المراد العموم للمسلم غير العارف
، وان ابيت عن ذلك فهو
مطلق يقيد بما سبق . فتحصل : ان سهم المؤلفة انما هو
لضعفاء الاعتقاد الذين دخلوا
في الاسلام ولم يثبت في قلوبهم ويخاف عليهم ان يعادوا
الى الكفر فيتالفون بها للثبات
على الاسلام ، واما التاليف للجهاد - كان المؤلف مسلما
ام كافرا - فهو غير مربوط
بهذا السهم ، نعم يجوز اعطاء هؤلاء من باب كون ذلك
تشييدا للدين . وسيأتي تمام
الكلام فيه .
( الخامس : في الرقاب ) ، وقد وقع الخلاف في بيان المراد
منها ، فعن بعض
: انهم صنف واحد وهم المكاتبون ، وعن آخرين منهم ظاهر
المصنف ره في المتن حيث
………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1 .
] وهم المكاتبون والعبيد الذين في الشدة [
قال : ( وهم المكاتبون والعبيد الذين في الشدة ) انهم
صنفان ، وعن الاشهر
أو المشهور : هم ثلاثة : الصنفان المتقدمان ، ومطلق عتق
العبد مع عدم وجود المستحق
للزكاة ، وعن بعض : اضافة قسم رابع ، وهو من وجب عليه
كفارة ولم يجد ، فانه يعتق
عنه .
وعن المفيد والمصنف وولده وغير واحد من المتأخرين :
القول بعدم
اختصاص الرقاب بمن ذكر بل جواز صرف الزكاة في فكها ولو
في غير تلك الموارد .
يشهد للاخير : اطلاق الاية الشريفة ( 1 ) ، واما خبر
ايوب بن الحراخي اديم بن
الحر المروي عن العلل : قلت لابي عبد الله عليه السلام :
مملوك يعرف هذا الامر الذي
نحن عليه اشتريه من الزكاة فاعتقه ؟ قال : اشتره واعتقه
قلت : فان هو مات وترك
مالا ؟ فقال : ميراثه لاهل الزكاة لانه اشتري بسهمهم (
بمالهم ) ( 2 ) .
وخبر ابي محمد الوابشي عن الامام الصادق عليه السلام قال
: سأله بعض
اصحابنا عن رجل اشترى اباه من الزكاة زكاة ماله قال عليه
السلام : اشترى خير
رقبة لا بأس بذلك ( 3 ) .
فهما لا يدلان على هذا القول ، اذ ليس فيهما ما يشهد بان
الشراء يكون من
سهم الرقاب ، اذ يمكن ان يكون من سهم سبيل الله بناءا
على عمومه لذلك .
اللهم الا ان يقال : على هذا تقل فائدة هذا البحث بعدما
تقرر في محله من
عدم وجوب البسط على الاصناف ، فانه بمقتضى هذين الخبرين
وغيرهما يجوز صرف
الزكاة في فك الرقاب مطلقا ، وعلى فرض عدم دخول الجميع
في هذا الموضوع الخاص
………………………………………
( 1 ) سورة التوبة الاية 61 .
( 2 ) الوسائل - باب 43 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 3 .
( 3 ) الوسائل - باب 19 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1
] السادس : الغارمون وهم المدينون [
اندرج مايصرف في سهم سبيل الله ، وهذا بضميمة عدم
الموضوع لهذا الصنف في
زماننا - يوجبان الاغماض عن اطالة البحث في المقام .
والله العالم .
( السادس ) من الاصناف : ( الغارمون ) بلا خلاف ، بل
الكتاب والسنة والاجماع
بقسميه دالة على ذلك ، ( وهم ) لغة : ( المدينون ) ،
وكذلك شرعا ، غاية الامر اعتبر
فيهم قيودا في المقام .
وتنقيح الكلام بالبحث في مواضع : الاول : لاخلاف بينهم في ان من كان
موسرا وكان عنده ما يفي بديونه ومؤونته لم يقض عنه ولا
يكون مصرفا لهذا السهم .
واستدل له : مضافا الى الاجماع : بجملة من النصوص : كخبر
محمد بن سليمان
في تفسير قوله تعالى ( وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة
) قال عليه السلام : نعم
ينتظر بقدر ما ينتهى خبره الى الامام عليه السلام فيقضى
عنه ما عليه من سهم
الغارمين اذا كان انفقه في طاعة الله تعالى ، فان كان
انفقه في معصية الله فلا شئ على
الامام ( 1 ) .
وما عن القمي في تفسيره مرسلا عن العالم : والغارمين قد
وقعت عليهم ديون
انفقوها في طاعة الله من غير اسراف ، فيجب على الامام ان
يقضي عنهم ويفكهم من
مال الصدقات ( 2 ) .
وصحيح عبد الرحمان بن الحجاج عن ابي الحسن عليه السلام :
عن رجل
عارف فاضل توفى وترك دينا لم يكن بمفسد ولا مسرف ولا
معروف بالمسألة هل
………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب الدين والقرض - حديث 3
- من كتاب التجارة .
( 2 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 7
[ . . . ]
يقضي عنه من الزكاة الالف والالفان ؟ قال عليه السلام :
نعم ( 1 ) . ونحوها غيرها - .
ولكن يرد عليه : ان هذه الاخبار ما بين مطلق غير مختص
بالعاجز عن الاداء ،
وماهو مورده العاجز ، الا انه لا يدل على عدم كون غير
هذا الشخص من الغارمين
كي يقيد اطلاق الاية به ، وبهذا يظهر اندفاع ما اورده
صاحب الحدائق على القوم
بانهم كيف لم يستدلوا على اعتبار هذا بهذه النصوص - .
وربما يستدل له : بحسن زرارة : قلت لابي عبد الله عليه
السلام : رجل حلت
عليه الزكاة ومات ابوه وعليه دين أيؤدي زكاته في دين
ابيه واللابن مال كثير ؟ فقال عليه
السلام : ان كان ابوه اورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم
يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه
من جميع الميراث ويقضيه من زكاته ، وان لم يكن اورثه مالا
لم يكن احد أحق بزكاته
من دين ابيه فاذا اداها في دين ابيه على هذه الحال اجزأت
عنه ( 2 ) - .
وفيه : انه ليس في الحسن ما يشهد بان هذا انما يكون من
سهم الغارمين .
فالصحيح ان يستدل له - مضافا الى الاجماع - بقوله ( ص )
: لاتحل الصدقة لغني ( 3 ) ،
وبانه المستفاد من ادلة الزكاة الموضوعة لسد خلة
المحتاجين لا لصلة الاغنياء .
ثم انه قد اختلفت كلماتهم في بيان هذا الشرط ، فعن جماعة
: التصريح باعتبار
العجز عن الاداء ، وعن آخرين : اعتبار الفقر .
ثم بعد ذلك وقع نزاع في انه هل النسبة بين العنوانين عموم من وجه
- نظرا الى
ان الفقير في عرفهم من لا يملك مؤونة السنة وان كان
متمكنا من وفاء دينه ، والعاجز
عن الاداء ربما يكون له كسب او مال يفي بمؤونته - او ان
الفقر اخص من العجز
………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 46 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 18 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1 .
( 3 ) سنن البيهقي ج 7 - ص 15
[ . . . ]
عن اداء الدين كما افاده الشيخ الاعظم ره .
اقول : ان الفقير ليس خصوص من لايملك قوت السنة ،
بل اعم منه ، وممن هو مالك له ، ولكنه غير متمكن من اداء
دينه ،
اذ ادائه من جملة مؤونة السنة ، بل قد يكون اهم بقية
المؤن ، وعليه فالفقير اعم من
غير المتمكن عن اداء الدين ، اذ كل من لا يتمكن من اداء
دينه فقير ، وليس كل
فقير غير متمكن من الاداء ، فلو لم يكن المديون عاجزا عن
اداء الدين ولم يكن
فقيرا لا كلام في انه لايستحق من هذا السهم ، ولو كان
عاجزا عنه ومالكا لقوت
السنة استحق منه على القولين لكونه فقيرا وعاجزا .
ولو كان فقيرا ولم يكن عاجزا عن اداء الدين بان كان
بالفعل مالكا لمقدار
من المال يفي بمؤونة سنته ان لم يؤد دينه ويتمكن من اداء
دينه منه لكن بعده لايفي
بمؤونة سنته ، فيمكن البناء على استحقاقه من هذا السهم ،
اذ المتيقن من الدليل
المقيد لاطلاق الاية الشريفة هو العاجز عن اداء دينه
بالعجز العرفي ، وهو من ليس
عنده زائدا عما يحتاج اليه في نفقته اللازمة عليه ما
يصرفه في دينه ، فمثل الشخص
المفروض غير متمكن من اداء دينه ، فعلى هذا يكون
العنوانان متساويين في خصوص
المقام .
فما عن الحلي من عدم جواز اخذ الزكاة مالم يصرف ما عنده
في وفاء دينه لا
من سهم الغارمين لعدم كونه عاجزا عن اداء دينه - ولا من
سهم الفقراء لعدم كونه
فقيرا بالفعل ، ضعيف ، بل يجوز تناولها من كل من السهمين .
واما خبر سماعة عن الامام الصادق عليه السلام : عن الرجل
منا يكون عنده الشئ يتبلغ به وعليه دين ايطعمه عياله حتى
يأتيه الله بميسرة فيقضي دينه ، او يستقرض على ظهره في
جدب الزمان و
شدة المكاسب ، او يقضي بما عنده دينه ويقبل الصدقة ؟ قال
عليه السلام : يقضي بما
] في غير معصية الله تعالى [
عنده ويقبل الصدقة ( 1 ) . فلا يدل على عدم جواز تناول
الزكاة قبل اداء الدين ، فان
الظاهر ان محط السؤال ان المال المحتاج اليه في نفقته هل
هو من مستثنيات الدين
ام لا ؟ وعلى الثاني فهل يصير بعد الاداء من المستحقين
للزكاة ام لا ولا ربط له
بالمقام ؟
ان قلت : فعلى ما ذكرت بماذا يفترق هذا السهم عن سهم
الفقراء ، وما وجه
المقابلة بينهما ؟
قلت : ان قلنا باختصاص سهم الفقراء بنحو التمليك فالفرق
واضح ، اذ في
سهم الفقراء يعتبر القبول ، وفي هذا السهم لايعتبر ، بل
يكون اداء الدين بنفسه من
المصارف التي لايتوقف صرف الزكاة فيها على قبول الفقير ،
بل ولا على وجوده كما
اذا كان الغارم ميتا .
وان قلنا بجواز صرفه في مصلحة الفقير ، فالفرق حينئذ
اختصاص هذا السهم
بجهة خاصة ، وسهم الفقراء يكون حينئذ مصرفه غير
وفاء الدين بقرينة المقابلة .
الثاني : لاخلاف بينهم في اعتبار ان يكون الدين ( في غير
معصية الله
تعالى ) بل عن الخلاف والتذكرة : دعوى الاجماع عليه .
وتشهد له النصوص المتقدمة في الموضع الاول كخبر محمد بن
سليمان ومرسل
القمي وغيرهما ، المنجبر ضعفها بالعمل .
ثم انه بناءا على ما تقدم يجوز اعطاء المدين في المعصية
من سهم الفقراء ان
عجز عن الوفاء ، وما يظهر في بادي النظر من خبر سليمان
من عدم جواز اعطائه
من الزكاة مطلقا لا يعتمد عليه لضعف سنده ولاحتمال
اختصاصه بسهم الغارمين ،
………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 47 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1
[ . . . ]
من غير فرق فيما بنينا عليه بين ان يتوب وعدمه بناءا على
عدم اعتبار العدالة في
الفقير .
الثالث : لو شك في انه صرفه في المعصية ام لا ، فعن
الاكثر - بل المشهور - :
جواز الاعطاء ، وعن الشيخ في النهاية وغيره في غيرها :
عدم جواز الاعطاء .
والاول اظهر ، اذ المستفاد من النصوص بعد ضم بعضها الى
بعض اعتبار
عدم المعصية لا اعتبار الانفاق في الطاعة .
وان شئت قلت : ان ما كان منها صحيح السند ظاهره ذلك ،
وما يكون ظاهره
اعتبار الانفاق في الطاعة لضعفه لا يعتمد عليه ، وعليه
فاصالة عدم صرف الدين في
المعصية ، واصالة الصحة في فعل المسلم تثبتان الموضوع
وتوجبان صحة التمسك
بعموم ادلة جواز صرف الزكاة في اداء الدين فتدبر .
وقد استدل للثاني تارة : بان الانفاق في الطاعة شرط وهو
لا يحرز بالاصل .
وفيه : ما عرفت .
واخرى : بان في خبر محمد بن سليمان المتقدم : قلت : فما لهذا
الرجل الذي
ائتمنه وهو لا يعلم فيما انفقه في طاعة الله عز وجل ام
في معصيته ؟ قال عليه السلام :
يسعى له في ماله ويرده عليه وهو صاغر ( 1 ) .
وفيه : ان السؤال ليس عن تكليف الدافع ، بل عما يستحقه صاحب الدين ،
فانه بعد سماعه الحكم من الامام عليه السلام تحير نظرا
الى ان الدائن غير الدخيل
في معصية المديون العاجز عن اداء دينه كيف يجوز عن حقه
فأجابه عليه السلام بان
على المديون السعي في ماله ورده اليه وهو صاغر ، فما في
كلامه من فرض عدم العلم
انما هو اشارة الى ماذكرناه ويكون مبالغة في عدم صدور
فعل من الدائن يناسب
حرمانه ، فالاظهر جواز الاعطاء .
………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب الدين والقرض - حديث
كتاب التجارة
[ . . . ]
بقى في المقام فروع : الاول : اذا كان الدين مؤجلا فهل
يجوز ادائه من هذا
السهم قبل حلول اجله ام لا ؟ وجهان : من اطلاق النص والفتوى
، ومن ان المؤجل
لايعد من النفقات الا بعد الحلول فينصرف الدليل عنه .
والاول اظهر كما لايخفى .
الثاني : لو كان كسوبا متمكنا من اداء دينه من كسبه فعن
نهاية الاحكام : احتمال
الاعطاء بخلاف الفقير والمسكين لان حاجتهما تتحقق يوما
فيوما ، والكسوب يحصل
في كل يوم ما يكفيه ، وحاجة الغارم حاصلة في الحال لثبوت
الدين في ذمته ، وانما يقدر
على ما يقضى به الدين على التدريج ، واحتمال المنع
تنزيلا للقدرة على التكسب منزلة
القدرة على المال .
اقول : احتمال الجواز اقوى اذا كان يصدق الحاجة والعجز
عن الاداء كما اذا
كان حالا غير مؤجل ، من غير فرق بين المطالبة وعدمها .
ودعوى انصراف الدليل الى صورة وقوع المديون في ضيق
المطالبة كما يشير
اليه التعبير بالفك في مرسل القمي ( 1 ) ، مندفعة بانه
لا وجه له ، والمراد بالفك في المرسل
افراغ الذمة ، واحتمال المنع اقوى اذا كان بنحو لايصدق
ذلك ، كما اذا كان دينه
بنحو يصير حالا بالتدريج وهو يقدر على اداء كل مقدار منه
صار كذلك ، ولا يخفي
وجهه .
الثالث : قد طفحت كلماتهم : بانه لو كان للمالك دين على
الفقير جاز ان يقاصه
به من الزكاة ، وكذا لو كان الغارم ميتا جاز ان يقضي عنه
وان يقاص به .
والمراد بالمقاصة كما صرح به الشهيدان وغيرهما : ان
يحتسب ماعنده من
………………………………………
( 1 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 7
[ . . . ]
الزكاة للمديون فتكون له ثم يأخذها وفاءا عما عليه من
الدين
وقد اورد على جواز المقاصة سيد المدارك : بانه مع عدم
قبول المديون وعدم
قبضه وعدم ولاية للداين عليه كيف يحكم بذلك ؟
وفيه : ان هذا بحسب القواعد وان كان تاما الا انه لا
مجال له بعد ورود النص
المعتبر بذلك ، ففي موثق سماعة : في الرجل يكون له الدين
على رجل فقير يريد ان
يعطيه من الزكاة قال عليه السلام : ان كان الفقير عنده
وفاء بما كان عليه من دين
من عرض من دار او متاع من متاع البيت او يعالج عملا
يتقلب فيها بوجهه فهو
يرجو ان يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا بأس ان يقاصه
بما اراد ان يعطيه من الزكاة
او يحتسب بها ، فان لم يكن عند الفقير وفاء ولا يرجو ان يأخذ
منه شيئا فيعطيه من
الزكاة ولا يقاصه بشئ من الزكاة ( 1 ) .
وما في الخبر من التفصيل كالامر بالاعطاء من زكاته لخصوص
هذا الشخص
البالغ فقره حد اليأس عن قدرته على الاداء محمول على
الاستحباب ، ولا فرق فيما
ذكرناه بين الحي والميت كما تقدم تفصيل الكلام في ذلك من
هذه الجهة ومن جهة انه
يعتبر في احتساب الزكاة عن الميت قصور تركته عن الوفاء
به . فراجع .
الرابع : لو كان الدين على من تجب نفقته على من تجب
الزكاة عليه جاز ان
يقضي عنه حيا وميتا وان يقاص به بلا خلاف .
ويشهد له : موثق اسحاق عن الامام الصادق عليه السلام : عن
رجل على
ابيه دين ولابنه مؤونة أيعطي اباه من زكاته يقضي دينه ؟
قال : نعم ، ومن احق من
ابيه ( 2 ) . ونحوه غيره .
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 46 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 18 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 2
] السابع : في سبيل الله وهو كل مصلحة او قربة كالجهاد والحج
وبناء القناطر
والمساجد [
وما في جملة النصوص من المنع عن اعطاء الزكاة لابيه وامه
( 1 ) وغيرهما
محمول على ارادة اعطائهم للنفقة الواجبة ، وقضاء الدين
لا يلزمه اتفاقا كما ادعاه
صاحب الجواهر .
( السابع : في سبيل الله ، و ) هل ( هو ) الجهاد خاصة كما
عن المفيد و
سلار وصاحب الاشارة والشيخ في النهاية ، او جميع سبل
الخير اذا كانت من المصالح
العامة الدينية كما عن بعض الاساطين ، ام جميع سبل الخير
، وبعبارة اخرى ( كل
مصلحة او قربة كالجهاة والحج وبناء القناطر والمساجد )
كما هو
المشهور ، بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه ؟ وجوه .
يشهد للاخير : مضافا الى
اطلاق الاية الشريفة ، اذ السبيل هو الطريق فاذا اضيف
الى الله سبحانه كان عبارة
عن كل ما يكون وسيلة الى تحصيل رضا الله وثوابه : جملة
من النصوص : مثل ما رواه
علي بن ابراهيم في تفسيره عن العالم عليه السلام . قال :
وفي سبيل الله قوم يخرجون
الى الجهاد وليس عندهم ما يحجون به ، او في جميع سبل
الخير ، فعلى الامام ان يعطيهم
من مال الصدقات حتى يقووا على الحج والجهاد ( 2 ) .
وصحيح علي بن يقطين : قلت لابي الحسن الاول عليه السلام
: يكون عندي
المال من الزكاة أفأحج به موالي واقاربي ؟ قال : نعم ( 3 ) .
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب المستحقين للزكاة .
( 2 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 7 .
( 3 ) الوسائل - باب 42 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1
[ . . . ]
وصحيح جميل عن الامام الصادق عليه السلام : عن الصرورة
ايحجه الرجل
من الزكاة ؟ قال : نعم ( 1 ) . ونحوها غيرها .
وغير المرسل وان اختص بالحج الا ان الظاهر انه من باب
المثال ، اذ لا قائل
بالفصل بينه وبين سائر سبل الخير .
واما خبر الحسن بن راشد عن ابي الحسن العسكري عليه
السلام : عن رجل
اوصى بمال في سبيل الله فقال : سبيل الله شيعتنا ( 2 ) .
فلا ينافي ماذكرناه ، اذ الظاهر انه
وارد في بيان افضل المصاديق لا انحصار سبيل الله فيما
يصرف الى الشيعة ، اذ لا شاهد
في الخبر على الحصر .
وقد استدل للاول : بالانصراف ، وبخبر يونس بن يعقوب :
فيمن
أوصى عند موته ان يعطى شئ في سبيل الله وكان لا يعرف هذا
الامر فقال ابو
عبد الله عليه السلام : لو ان رجلا اوصى الي بوصية ان
اضع في يهودي او نصراني لوضعته
فيهما ، ان الله عز وجل يقول فمن بدله بعد ماسمعه فانما
اثمه على الذين
يبدلونه فانظر الى مايخرج الى هذا الوجه يعني الثغور
فابعثوا به اليه ( 3 ) .
ولكن يرد على الاول : انه ممنوع ، مضافا الى النصوص
المتقدمة .
ويرد على الثاني : اولا : انه لا دلالة في الخبر على كون
سبيل الله منحصرا بذلك
الوجه ، بل هو يلائم مع كونه احد المصاديق .
وثانيا : ان المتبع في باب الوصية عرف الموصى وقصده .
وثالثا : انه لو سلم دلالته على ذلك كان معارضا مع ما
يدل على ان الوصية في
سبيل الله تصرف في مطلق الشيعة ، وما دل على ان سبيل
الله مطلق سبل الخير وان
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 42 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 4 .
( 2 ) الوسائل - باب 32 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1
- 4 .
( 3 ) الوسائل - باب 33 - من ابواب كتاب الوصايا - حديث 4
[ . . . ]
افضلها الحج .
وهل يشترط الحاحه الى الزكاة مصرف هذا السهم كما عن
المدارك و
غيرها ، ام لا ؟ وجهان يشهد للاول : ما ورد من ان الصدقة
لا تحل لغني ( 1 ) ، بتقريب
انه يدل على ان الزكاة لا تعطى بمن هو غني عنها في
المصرف الذي تعطى لاجله ،
فلا يعطي الزكاة للمعاش لمن لا يحتاج اليها في معاشه ،
ولا لاداء الدين لمن لا يحتاج
اليها فيه ، ولا لسبل الخير لمن لا يحتاج اليها فيها .
وبهذا البيان يظهر عدم مراعاة النسبة بينه وبين اطلاق
دليل في سبيل الله ،
وما ورد من انه يقسم الزكاة على الاصناف بقدر ما يستغنون
( 2 ) ، اذ ظاهر ذلك عدم
حصول الغنى قبله ، وحسن ( 3 ) زرارة المتقدم المتضمن
لاعتبار العجز عن اداء الدين
في اعطاء المديون والمنع عن اعطاء القادر ، اذ المنع من
الاعطاء مطلقا ظاهر في ارادة
عدم جواز الاعطاء ولو من سهم سبيل الله ، ومرسل القمي
المتقدم ، واضف الى ذلك
استمرار السيرة على النكير على من اعطى الزكاة لمن
لايحتاج اليها ما ذكرناه من
اعتبار الحاجة انما هو في الدفع الى من يريد بنفسه فعل
الخير كالحج فيعينه بدفعها اليه ،
واما اذا كان مقصوده حصول الفعل في الخارج من حيث انه
سبيل من سبل
الخير كما اذا كان قصده ازدياد الحجاج تعظيما للدين
والشعائر ولم يكن للمباشر
بنفسه داع الى العمل ، فالظاهر عدم اعتبار الحاجة ، اذ
المصرف حينئذ هو ذلك العمل
الخير لا الفاعل ، فيكون من قبيل الصرف في التسبيلات
العامة كالمضايف والخانات
والعمارات المعدة للزوار والحجاج التي يجوز للاغنياء
ايضا الانتفاع بها ، فما في العروة
من ان الاقوى جواز دفع هذا السهم في كل قربة مع عدم تمكن
المدفوع اليه من
......................................................
( 1 ) سنن البيهقي ج 7 - ص 15 .
( 2 ) الوسائل - باب 24 - من ابواب المستحقين للزكاة - وباب 28
منها - حديث 3 .
( 3 ) الوسائل - باب 18 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1
[ . . . ]
فعلها بغير الزكاة ، بل مع تمكنه ايضا لكن مع عدم اقدامه
الا بهذا الوجه ، هو الصحيح ،
وان كان البناء على الجواز حتى مع وجود الداعي له ، ان
كان المصرف هو ذلك الفعل
وتلك الجهة الخاصة لا الفاعل كما افتى به الشيخ الاعظم
قويا ، ولا ينافي مع مادل
على عدم حلية الزكاة للاغنياء ، اذ المزكي لايصرف صدقته
على الغنى بل في تحصيل
امر قربى وسبيل الخير ، ولكن الاحتياط سبيل النجاة .
وهل يعتبر الفقر بان لايكون مالكا لقوت سنته ام لا ؟
وجهان : اقواهما الثاني
لعدم الدليل على اعتباره بعد ما عرفت من معنى لاتحل
الصدقة لغني وماشابهه
من النصوص .
وقد استدلوا على اعتباره بوجوه لو تمت دلالتها لدلت على
اعتبار الحاجة اليها
في ذلك العمل لا على اعتبار الفقر بمعنى عدم مالكية قوت
السنة ، ولعل مراد المشهور
القائلين باعتبار الفقر هو الفقر في ذلك السبيل فيرجع
كلامهم الى ما ذكرناه ، والله
العالم .
] الثامن : ابن السبيل وهو المنقطع به في الغربة وان كان
غنيا في بلده . [
( الثامن : ابن السبيل وهو ) على ما في المتن وغيره (
المنقطع
به ) في سفره بذهاب نقته او نفادها او نحو ذلك ( في
الغربة وان كان غنيا
في بلده ) بلا خلاف فيه في الجملة ولا اشكال .
وفي مرسل القمي : وابن السبيل ابناء الطريق الذين يكونون
في الاسفار في
طاعة الله تعالى فيقطع عليهم ويذهب مالهم ، فعلى الامام
ان يردهم الى اوطانهم
من مال الصدقات . وتنقيح الكلام بالبحث في موارد :
الاول : ان الموضوع هو ابن السبيل الذي يتوقف صدقه بحسب
المتفاهم
العرفي على السفر ، ولكن لا يعتبر السفر الشرعي بل يكفي
السفر العرفي فلا يقدح
عدم قطع المسافة ولا اقامة العشرة ولا التردد ثلاثين
يوما ولا غير ذلك من موانع
التقصير ، فما قيل من عدم جواز الاعطاء بغير المسافر
الشرعي - دعوى بلا بينة - .
الثاني : نسب الى المشهور : اشتراط عدم تمكنه من الاستدانة او بيع شئ من امواله
مثلا ، وعن المدارك : اعتبار عجزه عن التصرف في امواله
ببيع ونحوه دون الاستدانة ،
وعن المعتبر : عدم اعتبار العجز عن شئ منهما ، وعن
المسالك : الميل اليه ، والاظهر هو
الاول اذا كانت الاستدانة أو البيع امرا ميسورا له كاغلب
التجار المعروفين في البلاد
النائية وذلك لوجهين ( 1 ) .
عدم صدق ابن السبيل المتقوم عرفا بالحاجة والاحتياج .
( 2 ) ما دل على انه لاتحل الصدقة لغني ( 1 ) بالتقريب المتقدم
، ويؤيده المرسل ،
اذ الانقطاع كناية عن عدم التمكن من السير .
......................................................
( 1 ) سنن البيهقي ج 7 - ص 15
] والضيف اذا كان سفرهما مباحا [
واما اذا كانت الاستدانة او البيع امرا غير ميسور عرفا
بان كان حرجيا او
مخالفة لشأنه ، فالاظهر انه يعطي من الزكاة كما لايخفي
وجهه .
) و ) الثالث : قد صرح غير واحد : بان ( الضيف ) ايضا من
المصارف ، ولكن
اختلفوا ، فمنهم من اطلقه كما في المتن ، ومنهم من قيده
بكونه محتاجا الى الضيافة ،
والمفيد قيده بكونه محتاجا اليها في السفر .
اقول : الضيف من حيث هو لا يصدق عليه ابن السبيل ، ومعه
لا وجه لجعله
مصرفا ، وما في كلماتهم من نسبته الى رواية لايكون مما
يعتمد عليه في الافتاء . فالاظهر
عدم كونه مصرف هذا السهم .
الرابع : لاخلاف ظاهرا في اشتراط ان لايكون سفره في
معصية ، ويشهد له :
مرسل القمي ( 1 ) المتقدم المنجبر ضعفه بالعمل ، وما فيه
من اعتبار كون السفر في طاعة
الله يكون المراد به ما يقابل سفر المعصية فيعم المباح
ايضا .
فما عن الاسكافي من اعتبار كون السفر في طاعة الله غير
تام ، كما ان
استشكال صاحب الحدائق ره فيه في غير محله ، فما ذكره
المصنف ره بقوله ( اذا كان
سفرهما مباحا ) تام .
الخامس : المنقول عن الاسكافي والشهيد في الدروس واللمعة
: القول باندراج
المريد للسفر الذي ليس له نفقة السفر في ابن السبيل .
ويرد عليهما : ان ذلك مناف لما يفهم من ابن السبيل بحسب
المتفاهم العرفي ،
فان صدقه يتوقف على التلبس بالسفر .
نعم الميزان هو السفر العرفي لا الشرعي ، فمن هو في محل
اقامته ويريد العود
الى وطنه اذا تمت نفقته يكون من افراد ابن السبيل ، وما
دل على قاطعية الاقامة
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب
المستحقين للزكاة - حديث 7
[ . . . ]
للسفر لا حكومة له على ادلة ابن السبيل كما لايخفى ، فلو
تلبس بالسفر من
ليس
عنده مؤونة السفر اندرج بعد مسافرته في ابن السبيل ،
ويشمله اطلاق دليل ابن
السبيل . وما في المرسل من التعبير بذهاب المال يكون
المراد به الحاجة في الرجوع
كما هو واضح - .
السادس : ان ابن السبيل انما يعطى من الزكاة قدر الكفاية
اللائقة
بحاله من النقدين او العروض الى ان يصل الى بلده بعد
قضاء وطره من سفره او
يصل الى محل يمكنه تحصيل مؤونة السبيل فيه ، اذ الاية (
1 ) الشريفة ظاهرة في ان
المصرف هو هذه الجهة اي جهة السبيل لا الشخص ، نظير
الغارمين والرقاب . فلو
دفع اليه مقدار وفضل منه شئ فهل يعاد كما هو المشهور ،
ام لايرتجع كما عن
الخلاف ، ام يفرق بين النقدين والعروض ، والنقد يعاد
والعروض لا يعاد كما عن
المصنف ره ؟ وجوه . اقواها الاول لما عرفت من ظهور الاية
في ان المصرف هي الجهة ،
فلو زاد عليها شئ لابد من اعادته .
واستدل للثاني : بانه يملكه بالقبض ، فما يفضل منه بعد
الوصول الى بلده ليس
الا كما يفضل في يد الفقير من مال الصدقة بعد صيرورته
غنيا .
وفيه : ان مايملكه الفقير غير مقدر بقدر خاص بخلاف ما
يملكه ابن السبيل
فانه يملك ما يوصله الى بلده .
واستدل للثالث : بان المزكي انما يملك المستحق عين ما دفعه اليه ،
والمنافع
تابعة ، والواجب على المستحق رد ما زاد من العين ، ولا
زيادة في غير النقدين الا في
المنافع ، ولا اثر لها مع ملكية تمام العين .
وفيه : انه اذا كان المصرف هي الجهة فلا محالة تكون
ملكية ابن السبيل للعين
ملكية متزلزلة ، وهي تنفسخ بمجرد الاستغناء . وان شئت
قلت : ان المستحق في
......................................................
( 1 ) سورة التوبة الاية 61
] ويعتبر
في الاولين الايمان [
الحقيقة نفس الجهة لا ذو الجهة .
( ويعتبر في الاولين ) امور :
الاول - ( الايمان ) يعني الاسلام والولاية للائمة
الاثنى عشر عليهم السلام ،
فلا تعطى الكافر بجميع اقسامه ، ولا لمن يعتقد خلاف الحق
من فرق المسلمين بلا
خلاف فيه على الظاهر ، وعن غير واحد : دعوى الاجماع عليه
. وتشهد له جملة من
النصوص : كصحيح الفضلاء عن الامامين الصادقين عليهما
السلام انهما قالا في الرجل يكون
في بعض هذه الاهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية
والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا
الامر ويحسن رأيه ايعيد كل صلاة صلاها او صوم او زكاة او
حج او ليس عليه اعادة
شئ من ذلك ؟ قال عليه السلام : ليس عليه اعادة شئ من ذلك
غير الزكاة ، ولابد
ان يؤديها لانه وضع الزكاة في غير موضعها ، وانما موضعها اهل الولاية (
1 ) .
وصحيح العجلي عن الامام الصادق عليه السلام - في حديث -
كل عمل
عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله عليه وعرفه
الولاية فانه يؤجر عليه
الا الزكاة فانه يعيدها لانه وضعها في غير موضعها لانها
لاهل الولاية ( 2 ) . ونحوهما
غيرهما من النصوص المستفيضة . وتمام الكلام بالبحث في
مواضع :
الاول : لو شك في اسلام الفقير او ولايته لايجوز الدفع
اليه ، وذلك لاصالة
عدم الايمان لانه امر وجودي مسبوق بالعدم - .
ودعوى ان ذلك العدم ليس كفرا لكونه من قبيل عدم الملكة
والعدم عما من
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 3 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 2 .
( 2 ) الوسائل - باب 3 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1
[ . . . ]
شأنه ان يكون مسلما ليس له حالة سابقة حال الصغر ، مندفعة
بان هذا لا يوجب
تعدد المشكوك فيه والمتيقن بل هما شئ واحد ، غاية الامر
العدم حال كونه متيقنا لم
يكن ينطبق عليه الكفر ، وفي حال كونه مشكوكا فيه ينطبق
عليه ذلك ، وهذا لايوجب
تعدد الموضوع كي لايكون ابقائه استصحابا - .
ودعوى ان الاسلام هو مقتضى الاصل الثانوي الثابت بحديث الفطرة ( 1 ) - ،
مندفعة بانه مضافا الى ضعفه قد ادعى صاحب الجواهر ره في
كتاب اللقطة اعراض
الاصحاب عنه ، فيحمل على ما حمله عليه بعض الاصحاب من ان
كل مولود لو بقى
وصار مميزا يصير مسلما بالطبع ، الا ان يمنع مانع - .
ودعوى ان ذلك يتم في غير ارض المؤمنين ، واما فيها في
امارة للايمان ،
مندفعة بان هذا يتم في الاسلام لما حققناه في الجزء
الثالث من هذا الشرح من اماريتها
لكون من فيها مسلما ، ولم يثبت في الايمان ذلك .
الثاني : لا اشكال في ان ذلك ، اي اعتبار الايمان ، انما
هو غير المؤلفة قلوبهم ،
واما هم فلا يعتبر فيهم الايمان بناءا على تفسير المؤلفة
بالكفار ، واما بناءا على ما
اخترناه فحكمهم حكم سائر الاصناف .
وعن المدارك والمسالك : الحاق بعض افراد سبيل الله ،
ولعلهما ارادا الغازي
......................................................
( 1 ) اصول الكافي ج 2 - من طبعة طهران
[ . . . ]
كما صرح به صاحب الوسيلة ، وعن بعض مشايخ الشيخ الاعظم
ره : استثناء مطلق
سبيل الله وعن الغنية : الحاق العاملين بالمؤلفة ،
والمنسوب الى ظاهر جماعة : اختصاص
هذا الشرط بالفقراء والمساكين .
والتحقيق : ان مقتضى اطلاق النصوص - المتقدم بعضها
المانعة
عن صرف الزكاة الى غير اهل الولاية - هو عدم جواز الصرف
من
شئ من السهام في غير اهل الولاية حتى من سهم سبيل الله
اذا كان صرفا فيه ، و
اما لو كان صرفا في الحقيقة في المصلحة كما اذا قام
المخالف بمصلحة كالغزو ونحوه ،
فالظاهر جوازه لخروج ذلك عن منصرف النصوص المانعة .
وبعبارة اخرى : اذا كان الفعل مع مباشرة المخالف سبيلا
وقربة بان لم يكن
من العبادات بل كان من الامور المحصلة للغرض من اي فاعل
صدر كالغزو ، واراد
الدافع من الزكاة مجرد وجود ذلك ، يجوز الدفع من سهم
سبيل الله ، اذ الفعل حينئذ
هو الذي صرف فيه الزكاة ، نظير بناء القناطر والمساجد ،
والفاعل له بمنزلة الالة ،
فلا تشمله الاخبار المانعة ، لانها تمنع عن وضعها في
المخالف ، وفي الفرض انما توضع
في تحصيل الفعل المذكور من الخارج .
وبهذا يظهر عدم منافاة ذلك للحصر في قوله انما موضعها
اهل الولاية لان
ذلك انما هو في غير مايصرف في المصالح كما هو واضح .
الثالث : مع عدم وجود المؤمن وسبيل الله تحفظ الزكاة الى
حال التمكن من
احدهما ولا تعطى المخالف فضلا عن الكافر على المشهور ،
وفي الجواهر : بلا خلاف
اجده فيه ، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه .
ويشهد له - مضافا الى اطلاق ادلة المنع - خصوص خبر
ابراهيم الاوسي عن
الامام الرضا عليه السلام : سمعت ابي يقول : كنت عند ابي
عليه السلام يوما فأتاه
رجل فقال : اني رجل من اهل الري ولي زكاة فالى من ادفعها
؟ فقال عليه السلام :
الينا ، فقال : اليس الصدقة محرمة عليكم ، فقال عليه
السلام : بلى اذا دفعتها الى شيعتنا
[ . . . ]
فقد دفعتها الينا ، فقال : اني لا اعرف لها احد ، فقال :
انتظر بها سنة ، قال : فان لم اصب
لها احدا ؟ قال عليه السلام : انتظر بها سنتين ، حتى بلغ
اربع سنين ، ثم قال له : ان لم
تصب لها احد أفصرها صررا واطرحها في البحر فان الله
تعالى حرم اموالنا واموال
شيعتنا على عدونا ( 1 ) - .
والظاهر ان ما في ذيلها من الامر بالقائها في البحر
كناية عن ان اتلافها
عند التعذر من صرفها في الشيعة اولى من ايصالها الى
المخالفين .
واما خبر يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح عليه
السلام قال : قلت
له : الرجل منا يكون في ارض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله
؟ فقال عليه السلام :
يضعها في اخوانه واهل ولايته ، قلت : فان لم يحضره منهم
فيها احد ؟ قال : يبعث بها
اليهم قلت : فان لم يجد من يحملها اليهم ؟ قال عليه
السلام : يدفعها الى من لا ينصب
قلت : فغيرهم ؟ قال عليه السلام : ما لغيرهم الا الحجر (
2 ) . فلضعف سنده كما عن
المعتبر ، وشذوذه كما عن المنتهى مطروح او محمول على
مالا ينافي ماتقدم .
الرابع : المشهور بين الاصحاب - على مانسب اليهم - : عدم
الفرق بين زكاة
المال الفطرة ، وعن جماعة منهم الشيخ واتباعه والمحقق في
الشرائع : انه مع عدم وجود
المؤمن يجوز دفع الفطرة الى المستضعف المستحق ، اي غير
المعاند للحق من المخالفين .
ويشهد للاول : اطلاق الاخبار ففي مصحح اسماعيل بن سعد عن
الامام
الرضا عليه السلام : عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف ؟
قال عليه السلام : لا و
لازكاة الفطرة ( 3 ) . ونحوه غيره . وبازاء هذه النصوص
طائفتان من الاخبار :
الاولى : ما ظاهرها الجواز مطلقا : كصحيح علي بن يقطين
عن ابي الحسن
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 5 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 8 .
( 2 ) الوسائل - باب 5 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 7 .
( 3 ) الوسائل - باب 5 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1
[ . . . ]
الاول عليه السلام : عن زكاة الفطرة ايصلح ان تعطى
الجيران والظؤرة ممن لا يعرف
ولا ينصل ؟ فقال عليه السلام : لا بأس بذلك اذا كان محتاجا (
1 ) .
وموثق اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم عليه السلام : عن
صدقة الفطرة
اعطيها غير اهل ولايتي من فقراء جيراني ؟ قال عليه
السلام : نعم الجيران احق بها
لمكان الشهرة ( 2 ) - . ونحوهما غيرهما .
الثانية : ماتدل على الجواز عند عدم وجود المؤمن : كموثق
الفضيل عن الامام
الصادق عليه السلام قال : كان جدي يعطي فطرته الضعفاء
ومن لا يجد ومن لا
يتولى ، فقال : وقال ابو عبد الله : هي لاهلها الا ان
لاتجدهم ، فان لم تجدهم فلمن لا
ينصب ولا تنقل من ارض الى ارض ، وقال : الامام يضعها حيث
يشاء يصنع فيها
مايرى ( 3 ) - . ونحوه غيره .
اما الاولى : فمقتضى القاعدة وان كان الجمع بينها وبين
ما تقدم
بالبناء على مرجوحية اعطائها اياهم ، ولكن لعدم افتاء
احد بذلك ، ولما في
بعضها من امارة التقية وهو قوله عليه السلام في موثق
اسحاق لمكان الشهرة اذ
المراد به على الظاهر ان الامر بالاعطاء انما هو للتحرز
عن ان يشهر بينهم كونه
رافضيا ، يتعين حملها على الاعطاء في مكان التقية .
والله العالم .
واما الثانية : فالجمع العرفي يقتضي تقييد اطلاق ما تقدم
بها ، وحيث ان
الاصحاب لم يعرضوا عنها وافتوا بمضمونها فالاشبه بحسب القواعد
هو البناء على
ذلك ، والله العالم ، فالقول الثاني اظهر .
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 15 - من ابواب زكاة الفطرة - حديث 6 .
( 2 ) الوسائل - باب 15 - من ابواب زكاة الفطرة - حديث 2 .
( 3 ) الوسائل - باب 15 - من ابواب زكاة الفطرة - حديث 3
] ويعطى اولاد المؤمنين [
سهم الفقراء يعطى لاطفال المؤمنين
( ويعطى ) الزكاة ( اولاد المؤمنين ) بلا خلاف فيه ، وعن
غير واحد : دعوى
الاجماع عليه .
وتشهد له نصوص كثيرة : كمصحح ابي بصير : قلت لابي عبد
الله عليه السلام :
الرجل يموت ويترك العيال أيعطون من الزكاة ؟ قال عليه
السلام : نعم حتى ينشأوا
ويبلغوا ويسألوا من اين كانوا يعيشون اذا قطع ذلك عنهم ،
فقلت : انهم لايعرفون
فقال : يحفظ فيهم ميتهم ، ويحبب اليهم دين ابيهم ، فلا
يلبثون ان يهتموا بدين ابيهم ،
واذا بلغوا وعدلوا الى غيركم فلا تعطوهم ( 1 ) .
وخبر يونس بن يعقوب عن الامام الصادق عليه السلام قال :
له عيال
المسلمين اعطيهم من الزكاة فاشتري لهم منها ثيابا وطعاما
وارى ان ذلك خير لهم ،
ققال : فقال عليه السلام : لابأس ( 2 ) . ونحوهما غيرهما
واختصاصها بأولاد المؤمنين
ظاهر .
ثم ان اعطاء الزكاة للطفل يكون بأحد وجهين : واما بالصرف
عليهم مباشرة ،
او بالتمليك . ويشهد للاول - مضافا الى عدم الدليل على
لزوم التمليك لا في سهم
الفقراء ولا في غيره واطلاق الادلة ينفيه - خبر يونس
المتقدم ، واما الثاني : فلا كلام
فيه .
انما الكلام في انه هل يعتبر الدفع الى الولي او الى الطفل
مع اذنه ، ولو دفع اليه
بدون اذنه لايكفي كما عن جماعة منهم المصنف ره في
التذكرة ، ام لايعتبر ذلك بل
يجوز الدفع اليه كما عن بعض ؟ وجهان . وقد استدل السيد
ره في حاشيته على
المكاسب : على ان قبض الصبي يترتب عليه الاثر ولا يعتبر
فيه اذن الولي بوجوه :
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 6 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 6 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 3
] ولو اعطى المخالف مثله اعاد مع الاستبصار
[
( 1 ) السيرة عليه في الصدقات .
وفيه : ان المتيقن منها اعطائها باذن الولي .
( 2 ) اطلاق نصوص الكفارة الدالة على جواز اعطائها بيد الصغير .
وفيه : ان تلك النصوص واردة في مقام بيان حكم آخر لايصح
الاستدلال
باطلاقها من هذه الجهة ، وبه يظهر ما في الوجه الثالث
وهو ما ورد في الزكاة الدال
على جواز اعطائها بالصغير . والحق ان قبض الصبي من حيث
هو باستقلاله لايترتب
عليه الاثر ولا عبرة به لما دل على عدم جواز امر الصبي (
1 ) - ، واما قبضه مع اذن الولي
فالظاهر كفايته لان ذلك قبض منه واستيلاء على المال ، اذ
القبض الذي يترتب
عليه الاثر عبارة عن الاستيلاء على المال المتحقق في
الفرض .
وما افاده المصنف ره من ان ذلك تضييع لمال الصبي فلا
يجوز وان اذن الولي ،
غير تام لعدم كونه تضييعا بل اقباض للولي .
فتحصل : ان الاظهر كفاية الدفع اليه ، لكن مع اذن الولي
لا بدونه .
ومورد النصوص ما لو كان الاب مؤمنا ، فلو كان ابوه
مخالفا او كافرا وامه
مؤمنة لا دليل على جواز اعطائه ، وما عن البيان والمسالك
وفي العروة من اعطائها اياه
نظرا الى انه يلحق باشرف الابوين غير تام .
) ولو اعطى المخالف مثله اعاد مع الاستبصار ) بلا خلاف ،
بل عن غير
واحد : دعوى الاجماع عليه .
ثم ان ظاهر التعليل انه لو اعطاها فقراء الشيعة او صرفها
الى جهة من
الجهات التي يجوز صرف الزكاة فيها لم يجب عليه اعادتها .
ودعوى انه يعارضه اطلاق الحكم المعلل ، مندفعة بحكومة
العلة عليه ، فما هو
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب
كتاب الحجر
] - وان
لا يكونوا واجبي النفقة عليه من الابوين وان علوا والاولاد وان نزلوا
والزوجة والمملوك [
ظاهر المتن وغيره من عدم وجوب الاعادة حينئذ هو الاظهر .
( و ) الثاني : ( ان لا يكونوا واجبي النفقة عليه من
الابوين وان علوا و
الاولاد وان نزلوا والزوجة والمملوك ) اجماعا كما عن غير
واحد اذا كان
المنفق قادرا وباذلا . وتشهد له : جملة من النصوص :
كصحيح ابن الحجاج عن
الامام الصادق عليه السلام : خمسة لا يعطون من الزكاة
شيئا : الاب والام والوالد
والمملوك والمرأة انه عياله لازمون له ( 1 ) .
ومصحح اسحاق بن عمار عن ابي الحسن موسى عليه السلام قلت
: فمن
الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا احتسب الزكاة عليهم ؟
قال عليه السلام : ابوك
وامك قلت : ابي وامي ؟ . قال ( ع ) الوالدان والولد ( 2
) ونحوهما غيرهما .
وبازائها مكاتبة عمران ( 3 ) ، والمرسل عن محمد بن جزك (
4 ) ، وهما يدلان على
جواز اعطائها للولد ، ولذا اختار كاشف الغطاء ان هذا
الحكم في غير الزوجة والمملوك
على الندب جمعا بين النصوص ، ولكن لاعراض الاصحاب عنهما
لا يعتمد عليهما ،
مضافا الى ارسال الثاني .
ثم ان تنقيح القول في المقام بالبحث في جهات :
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 13 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 2 .
( 3 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 3 .
( 4 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 4
[ . . . ]
الاشكال في تحقق الفقر مع بذل النفقة
الاولى : يجوز لمن تجب نفقته على غيره ان يأخذ الزكاة من
غير من تجب عليه
اذا لم يكن قادرا على انفاقه او كان قادرا ولكن لم يكن
باذلا كما صرح به غير واحد ،
بل ظاهر المدارك : دعوى الاجماع عليه ويقتضيه اطلاق الادلة . واما اذا كان
باذلا
فهل يجوز الاخذ كما عن جماعة منهم المصنف ره في جملة من
كتبه ، والشهيد في
الدروس والبيان ، والمحقق الثاني في فوائد الشرائع ،
والسيد في المدارك ، ام لايجوز
كما عن التذكرة ومجمع البرهان وشرح المفاتيح ؟ وجهان .
قد استدل للاول : بوجهين :
احدهما : صحيح ابن الحجاج عن ابي الحسن الاول : عن الرجل
يكون ابوه او عمه
او اخوه يكفيه مؤونته أيأخذ من الزكاة فيوسع به ان كانوا
لا يوسعون عليه في كل
ما يحتاج اليه ؟ فقال عليه السلام : لابأس ( 1 ) .
وفيه : انه لايخرج عن الفقر بالانفاق ، فكما يجب على
القريب الانفاق عليه
لكونه فقيرا ، كذلك يجوز لغيره دفع الزكاة اليه .
وبعبارة اخرى : الفقر موضوع
لوجوب الانفاق وجواز دفع الزكاة ، فكما لا ينتفى الفقر
ببذل الزكاة بحيث يخرج عن
كونه موضوعا لوجوب الانفاق ، كذلك لا ينتفى ببذل النفقة
بحيث يخرج عن
موضوع الزكاة ، واجاب عنه الشيخ الاعظم ره : بان موضوع
وجوب الانفاق هو عدم
القدرة على مؤونة نفسه ، وهذا حاصل وان تكفله رجل من باب
الزكاة ، واما جواز
دفع الزكاة فموضوعه الحاجة والفقر ويرتفع بتملكه على
غيره المؤونة ولو بالتكليف
ببذلها ، فموضوع الزكاة يرتفع بالانفاق الواجب بخلاف
العكس .
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1
[ . . . ]
وفيه : انه كما لايصدق الفقير على من يجب نفقته على غيره
مع بذله ، ولذا لا
يصدق الفقير على اولاد الاغنياء من دون الثروة ، كذلك لا
يصدق غير القادر على
النفقة مع جواز دفع الزكاة اليه ودفعها في الخارج ، فكل
منهما يصلح لرفع موضوع
الاخر . وبذلك يظهر ما في الاستدلال المزبور ولكن الذي
يدفع الاشكال : ان ادلة
الانفاق لا اطلاق لشئ منها كي يستدل به على وجوبه عند الشك
لعدم ورودها
في مقام البيان من هذه الجهة ، فلا بد من الاقتصار على
المتيقن ، فلا دليل على وجوبه
في الفرض ، اي فرض بذل الزكاة وعدم المانع من التعيش بها
، فدليل الزكاة يصلح
حاكما على دليل وجوب الانفاق ويوجب ارتفاعه . نعم لو بذل
والحال هذه لايجوز له
اخذ الزكاة لانتفاء الفقر بذلك ، اللهم الا ان يمتنع عن
قبول البذل والهبة لان له
ذلك . وبما ذكرناه تظهر امور الاول : انه لافرق بين ان
يكون لهذا الذي يجب نفقته
على غيره عيال غير واجبي النفقة على ذلك الغير وعدمه ،
اذ في الصورتين دليل
الزكاة يقدم على دليل الانفاق ، كما انه في الصورتين لو
بذله ما يكفيه وقبل ليس له
قبول الزكاة ، وله الامتناع عن قبول البذل في الصورتين
ليقبل الزكاة .
الثاني : انه لا فرق في البذل بين ان يكون من من تجب
نفقته عليه ، وبين ان
يكون من غيره ، اذ في الفرضين له الامتناع عن قبول البذل
فيأخذ الزكاة ، وله قبوله
فلا يأخذ .
الثالث : عدم الاشكال في ما استقر عليه العمل في هذه
الاعصار من اعطاء
الحقوق والكفارات وغيرها للعيال صغيرهم وكبيرهم ، مع ان
اكثر الصغار تجب
نفقتهم على غيرهم .
لايقال : انه لابد من البناء على عدم جواز اخذ الزكاة
للنصوص المتقدم
بعضها .
[ . . . ]
فانه يقال : انها مختصة باعطاء المنفق الزكاة ، والتعدي
يحتاج الى دليل آخر .
بقي في المقام فروع : منها : ان ماذكرناه انها هو في غير
زوجة الموسر الباذل ، واما
فيها فالظاهر انه لا خلاف في عدم الدفع اليها ، وادعى
صاحب الجواهر ره امكان
تحصيل الاجماع عليه . والظاهر ان الفرق بينهما وبين
غيرها من الاقرباء عدم وجوب
الانفاق مع بذل الزكاة في سائر الاقرباء ، ووجوبه مع
بذلها فيها . ومنها : انه يجوز دفع
الزكاة الى الزوجة المتمتع بها غير الواجب نفقتها على
الزوج بالشرط او نحوه ، وعن
بعض : المنع لاطلاق بعض نصوص المنع .
وفيه : ان ما فيها من التعليل بلزوم النفقة حاكم على هذا
الاطلاق . ومنها :
انه اذا كانت الزوجة ناشزة وكانت نفقتها ساقطة هل يجوز
دفع الزكاة اليها ام لا ؟
وجهان : فعن المعتبر : دعوى الاجماع على الثاني .
اقول : وهو الاظهر لا لاطلاق النصوص لما مر من اشتمالها
على التعليل بلزوم
الانفاق المستلزم ذلك لعدم شمول ما تضمنه من الحكم للغير
مورد لزومها ، بل لانها
من جهة تمكنها من تحصيل النفقة بترك النشوز لايصدق عليها
الفقير ، فلا يجوز لها اخذها .
ومنها : انه اذا عال باحد تبرعا جاز له دفع زكاته له
فضلا عن غيره اجماعا كما عن
المدارك لاطلاق الادلة ، واما خبر ابي خديجة : لا تعطى
الزكاة احدا ممن تعول ( 1 ) :
فمحمول على واجبي النفقة لو لم يكن ظاهرا فيه .
ومنها : انه يجوز للزوجة ان تدفع زكاتها الى زوجه لاطلاق
الدلة ، وعن
الصدوق : المنع عنه ، ولم يظهر وجهه ، ثم على فرض الدفع
يجوز له ان يصرفها في
نفقتها بان ينفقها عليها ، وما عن الاسكافي من المنع غير
ظاهر الوجه .
الجهة الثانية : انه انما لايجوز اعطاء الزكاة لواجبي
النفقة
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 6
[ . . . ]
من سهم الفقراء ولاجل الفقر ، واما من غيره من السهام
كسهم الغارمين اذا كان
منهم او سبيل الله او ابن السبيل او الرقاب اذا كان من
احد المذكورات فالظاهر انه
لاخلاف في جوازه ، وعن الذخيرة : انه مقطوع به بين
الاصحاب .
ويشهد له : عموم الادلة ، ونصوص المنع لا تشمله ، كما ان
ما فيها من العلة
غير شاملة له ، وما دل على جواز قضاء دين الاب من سهم
الغارمين واشتراء الاب
من سهم الرقاب - .
لا يجوز دفع الزكاة لواجبي النفقة له للتوسعة
الجهة الثالثة : هل يجوز اعطاء زكاته لواجبي النفقة له
للتوسعة كما عن المحقق
والشهيد الثانيين وغيرهما ، ام لايجوز ؟
اقول : الكلام يقع في موردين : الاول : في التوسعة
الموجبة لكون النفقة لائقة
بحاله ، كما اذا كان في معيشته بحسب شأنه فتور بدون
الاخذ .
الثاني : في التوسعة الزائدة على النفقة اللائقة .
اما الاول : فقد استدل الشيخ الاعظم للجواز : باطلاق
الادلة بضميمة دعوى
انصراف ما دل على المنع بصورة قيام المنفق بالانفاق
اللائق ، وبموثق سماعة عن الامام
الصادق عليه السلام : عن الرجل يكون له الف درهم يعمل
بها وقد وجب عليه فيها
الزكاة ويكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم
وكسوتهم ولا يسعه
لادامهم وانما هو ما يقوته في الطعام والكسوة قال عليه
السلام : فلينظر الى زكاة ماله
ذلك فليخرج منها شيئا قل او كثر فيعطيه بعض من تحل له
الزكاة وليعد بما بقى من
[ . . . ]
الزكاة على عياله فليشتر بذلك ادامهم وما يصلحهم من
طعامهم ( 1 ) . ونحوه صحيح
صفوان عن اسحاق بن عمار ( 2 ) .
اقول : اما الوجه الاول فيرد عليه : ان الانصراف ممنوع ،
كيف وقد علل بانهم
عياله لازمون له لا بقيام المنفق بالانفاق ، وان شئت قلت
: ان المنع ليس بواسطة
صيرورتهم اغنياء كي تصح الدعوى المزبورة بل من جهة لزوم
الانفاق فتدبر - .
ودعوى اختصاصها بالدفع للقوت اللازم ولا تشمل الدفع
للتوسعة من جهة
التعليل ، فيها ان ظاهر التعليل ان اللزوم مانع عن
اعطائهم شيئا من الزكاة ولو
للتوسعة .
ويرد على الوجه الثاني : ان مورد الخبرين صورة عدم
القدرة على الانفاق
اللازم وانه يدفع الزكاة لتتميمه لا للتوسعة ، وهذا
اجنبي عن المقام ، فان محل الكلام
هو الدفع للتوسعة مع قدرته على الانفاق اللازم ، مع ان
موردهما زكاة مال التجارة ، و
التعدي منها الى الزكاة الواجبة غير ظاهر الوجه ،
فالاظهر عدم الجواز .
واما الثاني : اي الاعطاء للتوسعة الزائدة على النفقة
اللائقة ، فعن ظاهر
جماعة جوازه .
واستدل له بوجهين : الاول : صحيح ابن الحجاج عن ابي
الحسن الاول عليه
السلام : عن الرجل يكون ابوه او عمه او اخوه يكفيه
مؤونته أيأخذ من الزكاة فيوسع
به ان كانوا لايوسعون عليه في كل ما يحتاج اليه ؟ فقال
عليه السلام : لابأس ( 1 ) .
وفيه : ان مورده اخذ الزكاة من غير المنفق مع عدم قيام
المنفق بكل ما يحتاج
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 2 .
( 2 ) الوسائل - باب 14 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1
.
( 3 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب المتسحقين للزكاة - حديث 1
[ . . . ]
اليه الذي عرفت جوازه فلا ربط له بالمقام .
الثاني : خبر ابي بصير : عن رجل من اصحابنا له ثمانمائة
درهم وهو رجل خفاف
وله عيال كثير اله ان يأخذ من الزكاة الى ان قال فقلت :
فعليه في ماله زكاة تلزمه ؟
قال عليه السلام : بلى قلت : كيف يصنع ؟ قال عليه السلام
: يوسع بها على عياله في
طعامهم وكسوتهم ويبقى منها شيئا يناله غيرهم ( 1 ) .
بدعوى انه من جهة ما في صدره
من فرض زيادة الربح عن القوت يكون ظاهرا في التوسعة ،
وصريحة اعطاء المنفق .
وفيه : ان مورده زكاة مال التجارة ، والتعدي مع احتمال
الفصل يحتاج الى
دليل فالاظهر عدم جوازه ايضا لاطلاق ادلة المنع فراجع .
لو عجز من يجب النفقة عليه عن الانفاق
الجهة الرابعة : اذا عجز من تجب النفقة عليه من الانفاق
فهل يجوز له دفع
زكاته لواجبي نفقته ، ام لايجوز ، ام يفصل بين العجز عن
اعطاء تمامه فلا يجوز ، وبين
العجز عن اتمام ما يجب عليه فيجوز ؟ وجوه واقوال اظهرها
الاول ، لان نصوص المنع
من جهة ما فيها من التعليل بانهم لازمون له وانه يجبر
على نفقتهم تختص بصورة
وجوب الانفاق الساقط في الفرض لعدم القدرة ، فلا مقيد
لاطلاق الادلة بعد
صدق الفقير عليه .
واستدل للثاني : باطلاق الاخبار ومعاقد الاجماعات
المانعة من دفع الزكاة الى
واجبي النفقة .
وفيه : ان النصوص من جهة ما فيها من التعليل مختصة بما
اذا كان الانفاق
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 4
] وان لايكونوا هاشميين اذا كان المعطى من غيرهم وتمكنوا من
الخمس وتحل
للهاشمي المندوبة ويجوز اعطاء مواليهم
[
واجبا .
واستدل للثالث : اي الجواز في صورة العجز عن الاتمام
بالنصوص الواردة في
التوسعة المتقدمة في الجهة الثالثة ، بدعوى شمولها
للتتمة لانها ايضا نوع من التوسعة .
اقول : قد مر ان جملة منها مختصة بالتتمة ولا تكون شاملة
للتوسعة ، وهي و
ان كان موردها العجز عن الاتمام الا انها على الجواز في
صورة العجز عن التمام
بالفحوى ، فالاظهر هو الجواز في الصورتين .
) و
) الثالث : ( ان لا يكونوا هاشميين اذا كان المعطي من غيرهم وتمكنوا
من الخمس وتحل للهاشميين المندوبة ويجوز اعطاء مواليهم ) .
فها هنا مسائل :
الاولى : لا اشكال في تحريم زكاة غير الهاشمي على الهاشمي
، وفي التذكرة و
عن غيرها : دعوى اجماع المسلمين عليه .
وتشهد له جملة من النصوص : كصحيح عبد الله بن سنان عن
الامام الصادق
عليه السلام : لا تحل الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم
من بني هاشم ( 1 ) - .
ومصحح الفضلاء عن السيدين الصادقين عليهما السلام : قال
رسول الله صلى
الله عليه وآله : ان الصدقة اوساخ ايدي الناس وان الله
تعالى قد حرم علي منها و
من غيرها ما قد حرمه ، وان الصدقة لا تحل لبني عبد
المطلب ( 2 ) . ونحوهما غيرهما .
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 29 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 29 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 2
[ . . . ]
واما ما رواه الصدوق عن ابي خديجة سالم بن مكرم الجمال
عن ابي عبد الله
صلى الله عليه وآله قال : اعطوا الزكاة من ارادها من بني
هاشم فانها تحل لهم ، وانما
تحرم على النبي صلى الله عليه وآله وعلى الامام الذي من
بعده وعلى الائمة ( ع ) ( 1 ) .
فلعدم عمل القوم به ومعارضته مع ما تقدم يتعين طرحه او
حمله على صورة الاضطرار .
الثانية : المشهور بين الاصحاب : انه لا تحرم الصدقة
المفروضة على بني المطلب
اخي هاشم ، بل عن الخلاف : دعوى الاجماع عليه ، وعن
المفيد في الغرية : تحريم
الزكاة عليهم ايضا ، وهو منقول عن ابن الجنيد .
ويشهد للاول : عموم الاية الشريفة ، خرج عنه من انتسب
بهاشم وبقى
الباقي ، وقول الامام الكاظم عليه السلام في مرسل حماد
الطويل : من كانت امه من
بني هاشم وابوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له ( 2 ) - .
واستدل للثاني : بموثق زرارة عن الامام الصادق عليه
السلام : لو كان العدل
ما احتاج هاشمي ولا مطلبي الى صدقة ، ان الله جعل لهم في
كتابه ما كان فيه سعتهم ( 3 ) - .
وبالنبوي قال صلى الله عليه وآله وسلم : انا وبني المطلب
لم نفرق في جاهلية
ولا اسلام ، نحن وهم شئ واحد ( 4 ) .
وبانهم قرابة النبي صلى الله عليه وآله فيدخلون في ذوي
القربى المستحقين
للخمس فيحرم عليهم الزكاة .
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 29 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 5 .
( 2 ) الوسائل - باب 30 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1 .
( 3 ) الوسائل - باب 33 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1 .
( 4 ) كنز العمال ج 7 ص 140 الرقم 1237
[ . . . ]
وفي الجميع نظر : اما الاول : فلانه من الجائز ان يكون
المراد بالمطلب في الموثق
من انتسب الى عبد المطلب ، فان النسبة الى مثله قد تكون
بالنسبة الى الجزء الثاني
حذرا من الالتباس كما في منافي ، بل عن المبرد : انه ان
كان المضاف يعرف بالمضاف
اليه والمضاف اليه معروف بنفسه ، فالقياس حذف الاول
والنسبة الى الثاني ، والمقام
من هذا القبيل كما اعترف به نجم الائمة .
لايقال : انه على هذا يلزم عطف الشئ على مرادفه .
فانه يقال : لا محذور في ذلك ، اذ العطف التفسيري شائع
قال الله تعالى لا
ترى فيها عوجا ولا امتا ( 1 ) ومعلوم ان هاشم لم يعقب
الا من عبد المطلب .
واما الثاني : فهو نبوي ضعيف .
واما الثالث : فلأن ذوي القربى هم الائمة عليهم السلام
كما سيأتي في كتاب
الخمس ، فالاظهر حلية الصدقة لبني المطلب اخى هاشم .
الثالثة : صرح جماعة : بانه لافرق بين سهم الفقراء وغيره
من السهام حتى
سهم العاملين وسبيل الله في حرمتها على الهاشمي اذا كانت
الزكاة من غيره .
يشهد له : اطلاق الادلة ، وفي صحيح العيص عن الامام
الصادق عليه
السلام : ان ناسا من بني هاشم اتوا رسول الله صلى الله
عليه وآله فسألوه ان يستعملهم
على صدقات المواشي وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعل
الله عز وجل للعاملين
عليها فنحن اولى به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
يابني عبد المطلب - ( هاشم )
ان الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكني قد وعدت الشفاعة .
الحديث ( 2 ) - .
ولكن المنساق من النصوص - سيما بواسطة ما فيها من
التعليل بانها اوساخ
......................................................
( 1 ) سورة طه الاية 107 .
( 2 ) الوسائل - باب 29 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1
[ . . . ]
ايدي الناس - عدم الحرمة في سهم الرقاب والغارمين وسبيل
الله اذا صرف في
المصالح العامة كالمدارس ، واراد الهاشمي التصرف فيها ،
اما الاولان : فلان ذينك
السهمين يصرفان في فك الرقاب وافراغ الذمة ولا يصرفان فيهم
، واما الاخير :
فلأن الزكاة تصرف في الجهة لا في الشخص وهو انما ينتفع
بها والنصوص لاتدل على المنع
عنه .
الرابعة : لا خلاف على الظاهر في جواز اخذ الهاشمي
الزكاة من الهاشمي .
وتشهد له جملة من النصوص : كخبر اسماعيل بن الفضل
الهاشمي : سألت
ابا عبد الله عليه السلام عن الصدقة التي حرمت على بني
هاشم ماهي ؟ قال : هي
الزكاة قلت : فتحل صدقة بعضهم على بعض ؟ قال عليه السلام
: نعم ( 1 ) .
ومويق زرارة عنه ( ع ) قال : قلت له : صدقات بني هاشم
بعضهم على بعض
تحل لهم ؟ فقال : نعم ، صدقة الرسول تحل لجميع الناس من بني هاشم وغيرهم و
صدقات بعضهم على بعض تحل لهم ولا تحل لهم صدقات انسان
غريب ( 2 ) . ونحوهما
غيرهما .
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 32 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 5 .
( 2 ) الوسائل - باب 32 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 6
[ . . . ]
الهاشمي يأخذ الزكاة اذا لم يكفه الخمس
الخامسة : لا خلاف بين الاصحاب على ما نقله غير واحد في
جواز اعطائهم
من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس عن كفايتهم ، كذا في
الحدائق ، وعن المنتهى :
ان فتوى علمائنا اجمع على تناول الزكاة مع قصور الخمس عن
كفايتهم ، وعن المعتبر :
قال علمائنا ، اذا منع الهاشميون من الخمس حلت لهم
الصدقة ، ونحوها كلمات غيرهم .
ومدرك الحكم موثق زرارة عن الامام الصادق عليه السلام :
انه لو كان العدل
ما احتاج هاشمي ولا مطلبي الى صدقة ، ان الله جعل لهم في
كتابه ما كان فيه سعتهم
- ثم قال - ان الرجل اذا لم يجد شيئا حلت له الميتة ،
والصدقة لاتحل لاحد منهم
الا ان لايجد شيئا ويكون ممن يحل الميتة .
واما باقي الوجوه من قبيل ادلة التحريم لمثل الفرض فيبقى
عموم
ادلة الزكاة بحاله ، وان المتيقن من الخروج عن خبر ابي خديجة
المتقدم الدال على
جواز اخذ الهاشمي الزكاة هو حال التمكن من الخمس فيبقى
غيره ، وان الخمس
عوض عن الزكاة ، فاذا سقط ما عوضوا به لم تحرم عليهم
الصدقة ، فواضحة الفساد ،
اما الاول : فلان ادلة التحريم مطلقة ، واما الثاني :
فلما تقدم من تعين طرح خبر ابي
خديجة . واما الثالث : فلان المعاوضة انما تكون في الحكم
لا في غيره .
وظاهرا لموثق اعتبار الضرورة المبيحة لاكل الميتة ، فلو
لم يتمكن من اخذ
الخمس ولكن تمكن مما يجوز اخذه كزكاة مثله والصدقات
المندوبة بل الواجبة على
القول بجواز اخذها ، ليس له اخذ الزكاة ، بل ظاهره
اعتبار شدة الحاجة في جواز
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 33 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 1
[ . . . ]
التناول ، وهذا لا يلائم مع فتاوى القوم ، فانها متضمنة
لجواز اخذها بمجرد عدم
التمكن من الخمس ، بل ظاهر الشرائع ان عدم تملك قوت
السنة يسوغ اخذ الزكاة .
ودعوى ان صدر الموثق ظاهر في كفاية قصور الخمس وحده عنها
، وظاهر ذيله
مخالف للاجماع اذ لا يعتبر في جواز التناول هذه المرتبة
من الاضطرار قطعا واجماعا
فلا بد من البناء على ان الكلام الوارد في مقام التحليل
قد تم عند قوله سعتهم ، وما
بعده كلام منفصل غير موجب لتقييد الصدر ، مندفعة بان
منطوق صدره انه لو كان
العدل لم يكن احد من الهاشميين محتاجا ، فمفهومه انه حيث
لا عدل فيحتاج بعض
الهاشميين الى الصدقة ، واما من هو هل هو من لا يتمكن من
اخذ الخمس خاصة
او المضطر ، فهو لايدل عليه ، فلابد من الاقتصار على
المتيقن ، وهو صورة الاضطرار ،
ويمكن حمل كلمات القوم ايضا على ذلك بان يقال : ان ذكرهم
الخمس في كلماتهم من
باب المثال لكل ما يصح لهم اخذه ، فالاظهر اعتبار
الاضطرار .
هذا كله في حال التناول ، واما المقدار المتناول : فعن
الاكثر : عدم التقدير بقدر
بل يجوز اخذه بمقدار يصير غنيا ، وعن الدروس وجامع
المقاصد : انه يأخذ بمقدار
كفاية السنة ، وعن ابن فهد والمحقق والشهيد الثانيين :
انه يأخذ بقدر قوت يوم و
ليلة ، وعن كشف الرموز : انه يأخذ بمقدار الرمق .
واستدل للاول : بان الدليل المسوغ للتناول ليس في مقام
بيان هذه الجهة
فيرجع فيها الى مادل بعمومه على جواز اعناء من يستحق
الزكاة .
وفيه : ان ظاهر الموثق ومعاقد الاجماعات : انما هو
اشتراط الاخذ
بقصور الخمس ، فحينئذ لابد من ملاحظة القاصر فان احرز
القصور في تمام السنة
جاز اخذ مؤونة السنة ، وان
احرز القصور يوما وليلة جاز اخذ مؤونتهما ، وهكذا .
وبذلك يظهر ما هو المختار عندنا ، فلا حاجة الى نقل ما
استدل به على سائر
[ . . . ]
الاقوال ، اللهم الا ان يقال : ان المتيقن من النص
والفتوى اشتراط الاخذ بالضرورة
والاضطرار فيجوز بمقدار ترتفع به الضرورة فيتعين الاقتصار
على مقدار قوت يوم
وليلة ، لان ضابط التعيش في العرف والشرع من حيث الاكل
على مايستفاد من
باب النفقات هو التقوت يوما فيوما ، ومن حيث الكسوة عند
الحاجة اليها ، نعم اذا
علم انه لا يتمكن من اخذها مؤونة سنته مرة واحدة وعلم
بعدم تمكنه من
سائر ما يسوغ له اخذه جاز له اخذ مقدار مؤونة السنة كما
لا يخفى .
يحل للهاشمي غير زكاة المال الواجبة
السادسة : يجوز للهاشمي اخذ الصدقة المندوبة من هاشمي
وغيره ، بلا خلاف
اجده فيه بيننا كما اعترف به غير واحد ، بل الاجماع
بقسميه عليه ، والمحكى منه
صريحا وظاهرا فوق الاستفاضة ، كذا في الجواهر .
ويشهد له : مصحح جعفر بن ابراهيم الهاشمي عن الصادق عليه
السلام قلت
له : اتحل الصدقة لبني هاشم ؟ فقال عليه السلام : انما (
تلك ) الصدقة الواجبة على
الناس لاتحل لنا ، فاما غير ذلك فليس به بأس ؟ ولو كان
كذلك ما استطاعوا ان
يخرجوا الى مكة هذه المياه عامتها صدقة ( 1 ) . ونحوه
غيره وبها يقيد اطلاق مادل
حرمة الصدقة على الهاشمي ( 2 ) .
واما ما اشتهر من حكاية منع سيدتنا زينب وام كلثوم
عليهما السلام السبايا عن
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 31 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 29 - من ابواب المستحقين للزكاة
[ . . . ]
اخذ صدقات اهل الكوفة معللتين بكونها صدقة ، فيمكن حمله
على الكراهة او الحرمة
اذا كان الدفع على وجه المهانة نظرا الى ان اهل الكوفة
كانوا يدفعون اليهم الفداء
المقصود بها دفع البلية .
واما ما في نهج البلاغة : اصلة ام زكاة ام صدقة فذلك
محرم علينا اهل البيت ( 1 )
الظاهر في تحريم الصدقة المقابلة للزكاة ، فهو مختص باهل
البيت عليهم السلام ولا
يشمل غيرهم من بني هاشم .
واما خبر ابراهيم بن محمد بن عبد الله الجعفري : كنا نمر
ونحن صبيان
فنشرب من ماء في المسجد من ماء الصدقة فدعانا جعفر بن
محمد فقال عليه السلام :
يابني لا تشربوا من هذا الماء واشربوا من مائي ( 2 ) .
فلا يدل على الحرمة لعدم كون
المخاطبين بالغين .
وهل يجوز له اخذ الصدقة الواجبة غير الزكاة كما عن المصنف في
القواعد ،
والمقداد في التنقيح ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ،
والشهيد الثاني في الروضة و
المسالك ، وغيرهم في غيرها ، ام يكون المنع عاما لجميع
افراد الصدقة الواجبة كما عن
السيد والشيخ والمحقق والمصنف في جملة من كتبه ؟ وجهان .
قد استدل للثاني : باطلاق ما دل على حرمة الصدقة له ،
وبالاجماع ، وبمصحح
الهاشمي المتقدم .
وفي الجميع نظر : اما الاول : فلانه يتعين تقييده بخبر
زيد الشحام عن سيدنا
الصادق عليه السلام : عن الصدقة التي حرمت عليهم فقال
عليه السلام : هي الزكاة
المفروضة ، ولم تحرم علينا صدقة بعضنا على بعض ( 3 ) .
ونحوه خبر اسماعيل بن
......................................................
( 1 ) المستدرك - باب 16 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 8 .
( 2 ) الوسائل - باب 31 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 2 .
( 3 ) الوسائل - باب 32 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 4
[ . . . ]
الفضل الهاشمي ( 1 ) .
ودعوى انهما ضعيفان سندا لان في طريق الاول مفضل بن صالح
، وفي طريق
الثاني قاسم بن محمد ، مندفعة بانجبار ضعف سنديهما بعمل
من عرفت ، مع ان بعض
تلك النصوص متضمن للتعليل بانها اوساخ الناس وذلك مختص
بالزكاة.
واما الثاني : فهو ممنوع .
واما الثالث : فلان الظاهر من الصدقة الواجبة الزكاة
لانها لكثرتها وكثرة
الابتلاء بها ترى كانها واجبة على جميع الناس بخلاف
غيرها من الصدقات الواجبة
كالكفارة ، ولا اقل من الاجمال والمتيقن منها الزكاة ،
ولكن مع ذلك في النفس شيئا ،
فالاحتياط لايترك .
وعلى القول بحرمة الواجبة مطلقا ، فالظاهر خروج المنذورة
والموصى بها و
الصدقة بمجهول المالك ونحوها لعدم تعلق الوجوب فيها
بالصدقة ، بل بعنوان آخر ،
والصدقة بعنوانها موضوع للامر الاستحبابي ، اذ الوجوب في
المنذورة تعلق بالوفاء
بالنذر ، وفي
الموصى بها بالعمل بالوصية ، وفي الصدقة بمجهول المالك بالنيابة عن
المالك .
السابعة : الظاهر انه لاخلاف في جواز اعطاء الصدقة
لموالي بني هاشم ، و
المراد بهم على مافي الذكرة من اعتقه هاشمي .
وتشهد له عموم الادلة ، وصحيح سعيد بن عبد الله الاعرج
قال : قلت لابي
عبد الله ( ع ) : تحل الصدقة لموالي بني هاشم ؟ فقال :
نعم ( 2 ) . ونحوه غيره .
واما موثق زرارة عنه ( ع ) - في حديث - قال : مواليهم
منهم ولا تحل الصدقة
......................................................
( 1 ) الوسائل - باب 32 - من ابواب المستحقين للزكاة -
حديث 5 .
( 2 ) الوسائل - باب 34 - من ابواب المستحقين للزكاة - حديث 1
[ . . . ]
من الغريب لمواليهم ، ولابأس بصدقات مواليهم عليهم ( 1 )
- . فمحمول على الكراهة
جمعا بينه وبين غيره .
فرع ، من شك في كونه هاشميا يعطى الزكاة مالم تكن هناك
امارة مثبتة لكونه
هاشميا من البينة وخبر الثقة والشياع المفيد للاطمئنان ،
واقرار موجب لمؤاخذته له
باقراره ، لاصالة عدم الانتساب .
وفي طهارة الشيخ الاعظم : انها الاصل المعمول عليه لدى
العلماء في جميع
المقامات . انما الاشكال في تعيين وجه عمل العقلاء
والعلماء به ، والظاهر انه هو
الاستصحاب - اي استصحاب عدم انتساب هذا الشخص الى هذه
القبيلة - وقد
اشبعت الكلام فيه في الجزء الثاني من هذا الشرح في مبحث الحيض فراجع .