ومنها : صوم النذر المشترط فيه سفرا خاصة ، أو سفرا
وحضرا ، كما هو المشهور
بين الأصحاب .
وعن المنتهى : نفي الخلاف فيه ، وعن الحدائق : أنه
اتفاقي ، وعن المفيد
والمرتضى وسلار : وجوب الصوم في السفر ولو مع إطلاق
النذر .
أما النصوص فهي طوائف - غير ما دل بإطلاقه على اعتبار
الحضر في الصوم - :
الأولى : ما تدل على المنع عن الصوم في السفر في مطلق
النذر : كمصحح كرام
قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إني جعلت على نفسي
أن أصوم حتى يقوم القائم
فقال ( عليه السلام ) : صم ولا تصم في السفر ( 1 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 9 . *
[ . . . ]
وخبر مسعدة عنه ( عليه السلام ) : في الرجل يجعل على
نفسه أياما معدودة
مسماة في كل شهر ثم يسافر : لا يصوم في السفر ولا يقضيها
إذا شهد ( 1 ) .
وموثق زرارة عن الباقر ( عليه السلام ) : عن أمة كانت
جعلت عليها نذرا إن
رد الله عليها بعض ولدها من شئ كانت تخاف عليه أن تصوم
ذلك اليوم ما دامت
باقية فخرجت إلى مكة أتصوم أم تفطر ؟ قال ( عليه السلام
) : لا تصوم قد وضع الله
عنها حقه . الحديث ( 2 ) . ونحوها غيرها .
الثانية : ما تدل على عدم مانعية السفر عنه وأنه يصام
فيه : كخبر إبراهيم بن
عبد الحميد عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) : عن الرجل
يجعل لله عليه صوم يوم
مسمى قال ( عليه السلام ) : يصوم في السفر والحضر ( 3 )
. ولكنه ضعيف السند ، لأن
في سنده جعفر بن محمد بن أبي الصباح وليس له ذكر في
الأخبار ، مع أنه معارض
للطائفة الأولى وهي أشهر وأصح سندا منه .
الثالثة : ما استدل بها المشهور في المقام : وهو صحيح
علي بن مهزيار : كتب
بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن
أنا لم أصمه ما يلزمني
من الكفارة ؟ فكتب ( عليه السلام ) وقرأته : لا تتركه
إلا من علة ، وليس عليك صومه
في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك ، وإن كنت أفطرت
منه من غير علة
فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين نسأل الله التوفيق
لما يحب ويرضى ( 4 ) .
وأورد عليه تارة : بجهالة الكاتب وهو بندار ، وأخرى :
بالإضمار ، وثالثة : باشتماله
على ما لا يقول به أحد وهو وجوب الصوم في المرض إذا نوى
ذلك ، ورابعة : باشتمال ذيله
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 10 .
2 - الوسائل باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 3 .
3 - الوسائل باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 7
4 - الوسائل باب 10 من أبواب من يصح منه
الصوم حديث 10 . *
[ . . . ]
على أن كفارة النذر إطعام سبعة مساكين المخالف لغيره من
الأدلة الدالة على أنها
كفارة يمين أو كبرى مخيرة ككفارة شهر رمضان ، وخامسة :
باحتمال أن يكون المراد
بقوله إلا أن تكون نويت أن يكون نوى الصوم ثم سافر .
وفي الجميع نظر : أما الأول : فلأن جهالة بندار لا تضر
بعد قراءة ابن مهزيار
المكتوب الشريف .
وأما الثاني : فلظهوره في كونه من الإمام لكون الحاكي هو
ابن مهزيار الذي
هو من الأجلاء والمكتوب مشتمل على لفظ سيدي إلى غير ذلك
من القرائن ،
أضف إليه إثبات الأعاظم الخبر في كتبهم المعدة لجمع
أحاديث المعصومين عليهم
السلام .
وأما الثالث : فلأن الجملة المركبة من المستثنى
والمستثنى منه تدل على أنه لا
يجوز الصوم في السفر والمرض ، ويجوز الصوم مع النية ،
ويكفي في صدق ذلك جواز
الصوم في السفر خاصة . وبعبارة أخرى : أن المفهوم
المستفاد من الاستثناء وإن كان
مطلقا ، إلا أنه يقيد بما دل على أن الصوم في حال يجوز
مع عدم الضرر لا يجوز معه
من غير فرق بين أن ينوي ذلك أم لا ؟ وليس نصا في جوازه
مع النية فتدبر .
وأما الرابع : فلأن سقوط بعض فقرات الرواية عن الحجية
لابتلائه بالمعارض
لا يوجب سقوط الجميع عنها ، مع أن الصحيح مروي عن بعض
نسخ المقنع عشرة
بدل سبعة .
وأما الخامس : فلأنه احتمال خلاف الظاهر .
وأجاب الفاضل النراقي عن ذلك بوجه آخر قال : مع أنه على
فرض الاحتمال
يحصل الإجمال في المخصص والعام المخصص بالمجمل ليس حجة
في موضعه ،
فعمومات المنع من الصوم أو المنذور منه في السفر لا تكون
حجة في المورد ، وتبقى
عمومات الوفاء بالمنذور فارغة عن المعارض فيه .
[ . . . ]
وفيه : أولا : إن المخصص المنفصل لا يسري إجماله إلى
العام ، إذ العام حجة ما
لم تعارضه حجة أقوى ، والمخصص على الفرض مجمل غير حجة ،
وتمام الكلام في محله .
وثانيا : أنه لو سلم ذلك لا وجه للرجوع إلى عمومات النذر
لأنها مقيدة
بالرجحان في متعلقه ، ولا دليل على رجحان الصوم في السفر
.
وإن شئت قلت : إن دليل النذر قيد بما إذا كان المنذور
راجحا ، ومع عدم ثبوت
رجحان الصوم في السفر - ولو من جهة ورود المخصص المجمل
على عمومات
مطلوبية الصوم - التمسك به تمسك بالعام في الشبهة
المصداقية فلا يجوز فالصحيح ما
ذكرناه .
وكما يكون الحضر شرطا في وجوب الصوم ، هل يكون شرطا في
استحبابه فلا
يجوز الصوم المندوب في السفر كما عن الصدوقين والحلي
والقاضي وجماعة من
المتأخرين ، بل عن المفيد ، أنه المشهور بين القدماء ،
وعن الحلي : أنه مذهب جملة
المشيخة الفقهاء المحصلين ؟
أم لا يكون شرطا فيجوز المندوب في السفر على كراهية أو
بدونها كما عن
التهذيبين والنهاية والوسيلة والشرائع والشهيد وجمع
آخرين بل نسب إلى الأكثر ؟
وجهان :
تشهد للأول : مضافا إلى عموم ما دل على أنه لا صيام في
السفر المتقدم : جملة
من النصوص الخاصة : كصحيح البزنطي عن أبي الحسن ( عليه
السلام ) : عن الصيام
بمكة والمدينة ونحن في سفر قال ( عليه السلام ) : أفريضة
؟ فقلت : لا ولكنه تطوع كما
يتطوع بالصلاة فقال ( عليه السلام ) : تقول اليوم وغدا ؟
قلت : نعم فقال ( عليه
[ . . . ]
السلام ) : لا تصم ( 1 ) .
والإيراد عليه بأن سؤاله ( عليه السلام ) عن كون الصوم
فريضة أو نافلة دال
على الفرق بينهما ، وليس إلا كون النهي في التطوع
للكراهة ، إذ لا فرق بينهما غيره
إجماعا ، يندفع بأنه يمكن أن يكون السؤال لغرض آخر ، وهو
أنه لو كان فريضة يأمره
بالمقام والصيام إن أمكن مع تضيقه ، أو أن غرضه أنه إن
كان فريضة للنذر المقيد يأمره
بالصوم ، أو غير ذلك فلا صارف عن ظهور النهي في عدم
الجواز .
وموثق عمار المتقدم : فإنه لا يحل له الصوم في السفر
فريضة كان أو غيره
والصوم في السفر معصية .
والمروي عن تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن الإمام
الصادق ( عليه
السلام ) : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم في
السفر تطوعا ولا فريضة ( 2 ) .
واستدل للقول الثاني : بصحيح الجعفري عن أبي الحسن (
عليه السلام ) : كان
أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ويأمر بظل
مرتفع فيضرب له ( 3 ) .
وبمرسل إسماعيل بن سهل عن رجل قال : خرج أبو عبد الله (
عليه السلام )
من المدينة في أيام بقين من شهر شعبان فكان يصوم ثم دخل
عليه شهر رمضان وهو
في السفر فأفطر فقيل له تصوم شعبان وتفطر شهر رمضان فقال
( عليه السلام ) : نعم
شعبان إلي إن شئت صمت وإن شئت لا ، وشهر رمضان عزم من
الله عز وجل على
الإفطار ( 4 ) . ومثله مرسل الحسن بن بسام ( 5 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 12 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 2 .
2 - الوسائل باب 12 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 6 .
3 - الوسائل باب 12 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 3 .
4 - الوسائل باب 12 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 4 .
5 - الوسائل باب 12 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 5 .
*
[ . . . ]
وجمعوا بين هذه النصوص وبين ما تقدم بحمل تلك النصوص على
الكراهة .
والكلام في موردين : الأول : في دلالة هذه النصوص وسندها
، الثاني : في الجمع
بينها وبين تلك الأخبار .
أما الأول : فالمرسلان ضعيفان للإرسال ولبعض الرجال
الذين في طريقيهما ،
وأما صحيح الجعفري فهو حكاية فعل مجمل ولعله كان صوم
النذر ، واحتمال إرادة أن
صوم يوم عرفة بخصوصه خارج عما دل على عدم جواز الصوم في
السفر ، أو أن
عرفة ليست مسافة ، ومع هذه الاحتمالات لا يصح الاستدلال
به .
وأما الثاني : فالجمع بين الطائفتين على فرض تسليم دلالة
الثانية على القول
الثاني بحمل الأولى على الكراهة لا يصح لوجهين : الأول :
أن ضابط الجمع العرفي
جمع المتنافيين في كلام واحد فإن كان أحدهما قرينة على
الآخر ولم ير العرف
التعارض والتهافت بينهما - فالجمع عرفي ، وإلا فلا وفي
المقام إذا جمعنا قوله شعبان
إلي إن شئت صمت ، أو قوله - في الصحيح كان أبي يصوم يوم
عرفة مع قوله في
النصوص الأولى لا يحل له الصوم في السفر فريضة أو غيره
والصوم في السفر
معصية - لا إشكال في أن العرف يرونهما متهافتين .
الثاني : أن الكراهة في المقام هي الكراهة في العبادة ،
بمعنى أقلية الثواب ،
فكيف يصح حمل قوله الصوم في السفر معصية على أنه عبادة
مطلوبة للشارع غايته
ثوابه أقل ، فالطائفتان متعارضتان والترجيح للأولى لكونه
أشهر وأصح سندا
وموافقتها لعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسنته ،
فالأظهر عدم جواز الصوم
المندوب في السفر . نعم يستثنى عن ذلك صوم ثلاثة أيام
للحاجة في المدينة ، بلا خلاف ،
والنصوص دالة عليه ، وسيأتي في آخر كتاب الحج إن شاء
الله تعالى .
[ . . . ]
3 - المشهور بين الأصحاب : أنه يجوز السفر اختيارا في
شهر رمضان وإن كان
للفرار من الصوم . وعن الحلبي : أنه إذا دخل عليه الشهر
وهو حاضر لا يحل له السفر .
يشهد للأول : مضافا إلى الأصل : أن الحضر شرط لوجوب
الصوم بمقتضى
الآية الكريمة ( 1 ) ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) كان
ذلك بمنزلة الشرط كما
صرح به المفسرون ، أي إذا حضر أم لم يكن ، فإن الشهود
مأخوذ في موضوع وجوب
الصوم ، وظاهر أخذ كل عنوان في الموضوع دخله فيه حدوثا
وبقاء ، وبديهي أن تحصيل
شرط الوجوب ليس بواجب ويجوز إعدامه .
فإن قيل : إن لازم ذلك عدم صدق الفوت بترك الصوم في
السفر ووجوب
القضاء لأن انتفاء شرائط الوجوب يقتضي انتفاء الملاك
المشرع للواجب ، ومع انتفائه
لا معنى للفوات والقضاء .
قلنا : إنه لولا النص الخاص لقلنا به ، ولكن دل الدليل
من الكتاب والسنة
على وجوبه ، أما الكتاب فقوله تعالى في ذيل الآية ( فعدة
من أيام أخر )
والنصوص الكثيرة : كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله ( عليه
السلام ) عن الرجل يدخل
عليه شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا ثم يبدو له ما
يدخل شهر رمضان أن
يسافر ، فسكت فسألته غير مرة فقال ( عليه السلام ) :
يقيم أفضل إلا أن تكون له
حاجة لا بد له من الخروج فيها أو يتخوف على ماله ( 2 ) .
وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : عن
الرجل يعرض له
……………………………………………
1 -
البقرة آية 185 .
2 - الوسائل باب 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 1 . *
[ . . . ]
السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيام فقال (
عليه السلام ) : لا بأس بأن
يسافر ويفطر ولا يصوم ( 1 ) . ونحوهما غيرهما ، وسيأتي
طرف منها .
واستدل للقول الآخر : بخبر أبي بصير الذي رواه المشايخ
الثلاثة باختلاف
يسير لا يضر بالاستدلال عن أبي عبد الله ( عليه السلام )
: عن الخروج إذا دخل شهر
رمضان فقال ( عليه السلام ) : لا إلا فيما أخبرك به خروج
إلى مكة ، أو غزو في سبيل
الله تعالى ، أو مال تخاف هلاكه ، وأنه ليس أخا من الأب
والأم ( 2 ) .
ونحوه خبره الآخر ( 3 ) ، ومرسل علي بن أسباط ( 4 ) ،
وحديث الأربعمائة ( 5 ) وخبر الحسين
ابن المختار ( 6 ) .
وهي وإن كانت أخص من جملة من نصوص الجواز كصحيح محمد ،
ولكن
يعارضها صحيح الحلبي وما شاكله ، ولأجلها تحمل هذه
النصوص على ما لا ينافي
الجواز .
ونصوص الجواز مختلفة من حيث تضمن بعضها أفضلية المقام ،
وبعضها الآخر
أفضلية بعض الأسفار ، والثالث التساوي بينهما .
والحق أن يقال : إن المستفاد من مجموع النصوص بعد ضم
بعضها إلى بعض
أن السفر في شهر رمضان إما أن يكون لحاجة يفوت بتأخيرها
إلى خروج الشهر ، أو
لا يكون كذلك .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 2 .
2 - الوسائل باب 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 3 .
3 - الوسائل باب 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 7 .
4 - الوسائل باب 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 6 .
5 - الوسائل باب 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 4 .
6 - الوسائل باب من يصح منه الصوم حديث 8 . *
[ . . . ]
وعلى الأول : قد تكون الحاجة من الأمور الراجحة شرعا
كالحج ومشايعة
الأخ وما شاكل ، وقد تكون من الأمور المباحة ، وفي الأول
يكون السفر أرجح :
لصحيح محمد عن أحدهما عليه السلام في الرجل يشيع أخاه
مسيرة يوم أو يومين أو
ثلاثة قال ( عليه السلام ) : إذا كان شهر رمضان فليفطر
قلت : أيهما أفضل أن يصوم أو
يشيعه ؟ قال : يشيعه إن الله قد وضعه عنه ( 1 ) . ونحوه
غيره بضميمة عدم الفصل .
وفي الثاني : يكون هو بالخيار لخبر أبي بصير .
وفي الثالث : يكون الأفضل المقام لصحيح الحلبي وما تضمن
أن المقام والصوم
أفضل من السفر وزيارة أبي عبد الله ( عليه السلام ) .
والله العالم .
وأفضلية المقام في موردها إنما هي قبل مضي ثلاث وعشرين
يوما ، وإلا فلا
فضيلة له كما تضمنت النصوص لذلك .
ثم إنه صرح غير واحد : بأنه لا يجوز السفر اختيارا في
الصوم الواجب المعين ،
وعن صاحب الجواهر والشيخ الأعظم والسيد الشيرازي : جوازه
.
يشهد للأول : أن مقتضى إطلاق دليله عدم تقيد وجوبه
بالحضر ، وإنما هو من
شرائط الواجب فيجب تحصيله ويحرم تفويته كسائر شرائط
الواجب .
واستدل بعض الأعاظم من المعاصرين للقول الثاني : بأن
شرائط الواجب
على قسمين : أحدهما ما يؤخذ مطلق وجوده شرطا للواجب ،
الثاني : ما يؤخذ شرطا له
وجوده لا بداعي الأمر ، وفي القسم الأول يجب تحصيل الشرط
، وفي الثاني لا يجب بل
يمتنع للزوم الخلف ، فإن حصوله يكون بداعي الأمر ، وعليه
فحيث إن الحضر بالنسبة
إلى الواجب المعين من الصوم من قبيل الثاني ، لقاعدة
الإلحاق بصوم رمضان التي
استقر بنائهم على العمل بها في سائر الحدود المعتبرة في
صوم رمضان وسائر الموارد إلا
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 10 من أبواب صلاة المسافر حديث 3 . *
[ . . . ]
أن يقوم دليل على خلافها فلا يجب تحصيله ، فيجوز
المسافرة اختيارا .
أقول يرد على ما أفاده قده : أن تقسيم شرائط الواجب إلى
قسمين غير
صحيح ، فإن الفرق بين شرط الوجوب وشرط الواجب ليس إلا في
أن الأول مفروض
الوجود في الخطاب ، والثاني يتعلق به الخطاب ، ففرض كون
الشرط شرطا للواجب
وخارجا عن حيز الخطاب خلف .
وبالجملة : إنا لا نتعقل الأمر بشئ ولو بنحو الشرطية ،
وكون المطلوب وجود
ذلك الشئ من باب الاتفاق ولا بداعي الأمر ، وهل هذا إلا
التناقض الواضح ، مع
أن قاعدة الإلحاق التي أشار إليها لا مجرى لها في مثل
القيود السابقة على الأمر ،
والخارجة عن حيزه بل فيها لا بد من الرجوع إلى دليل ذلك
الأمر ، وقد عرفت أنه
يقتضي عدم جواز السفر .
وقد يستدل للجواز بنصوص : كخبر عبد الله بن جندب : سمعت
من زرارة عن
أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل جعل على
نفسه نذر صوم يصوم
فحضرته نية في زيارة أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال (
عليه السلام ) : يخرج ولا يصوم
في الطريق فإذا رجع قضى ذلك ( 1 ) . وقريب منه غيره .
وفيه : أنه لم يفرض في هذه النصوص كون المنذور صوم معين
، بل بقرينة
فرض السائل أنه خرج في نية ظاهرة في النذر غير المعين .
وإن شئت قلت : إن محط السؤال والجواب هو الصوم في السفر
وعدمه لا جواز
السفر وعدم الجواز ، نعم بعض نصوص نذر الصوم في السفر
متضمن للسفر مع كون
المنذور صوما معينا كخبر زرارة المتقدم ، ولكنه في مقام
بيان أحكام أخر من عدم جواز
صومه في السفر ولزوم القضاء ، وليس فيها خبر يدل على
جواز السفر اختيارا ، وإن
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 5 . *
[ والخلو من
الحيض والنفاس ]
كانت أكثرها مشعرة به ، والاحتياط طريق النجاة .
( و )
الخامس والسادس : ( الخلو من الحيض والنفاس ) في مجموع النهار فلا
يجب معهما وإن كان حصولهما في جزء من الزمان ، إجماعا
محققا ومحكيا مستفيضا .
والنصوص الدالة عليه متواترة كصحيح الحلبي عن الإمام
الصادق ( عليه
السلام ) : عن امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو
كان العشي حاضت أتفطر ؟
قال ( عليه السلام ) : نعم وإن كان وقت المغرب فلتفطر ،
قال : وسألته عن امرأة رأت
الطهر في أول النهار في شهر رمضان فتغتسل ولم تطعم فما
تصنع ذلك اليوم ؟ قال ( عليه
السلام ) : تفطر ذلك اليوم فإنما أفطرها من الدم ( 1 ) .
وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : عن
المرأة ترى الدم
غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال قال ( عليه السلام
) : تفطر ( 2 ) .
وصحيح البجلي عن أبي الحسن ( عليه السلام ) : عن المرأة
تلد بعد العصر أتتم
ذلك اليوم أم تفطر ؟ قال ( عليه السلام ) : تفطر وتقضي
ذلك اليوم ( 3 ) . ونحوها غيرها .
ومقتضى إطلاقها بل صراحة بعضها أنه لا يصح صومها إذا
فاجأها الدم قبل
الغروب ولو بلحظة ، أو انقطع عنهما الدم بعد الفجر ولو
بلحظة ، وأما المستحاضة فقد
مر الكلام فيها مفصلا في الجزء الثالث من هذا الشرح في
مبحث الاستحاضة ، وبينا
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 1 .
2 - الوسائل باب 25 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 3 .
3 - الوسائل باب 26 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 1 .
*
[ وشرائط
القضاء البلوغ ]
أن الحق توقف صحة صومها على الأغسال النهارية وأنه يجب
الصوم عليها فراجع .
( وشرائط
) وجوب ( القضاء ) أمور :
منها : ( البلوغ ) : فلا يجب على البالغ ما فاته أيام
صباه بلا خلاف ، وفي الجواهر :
بل الإجماع بقسميه عليه ، وفي المنتهى : وهو قول كل من
يحفظ عنه العلم .
واستدل له بوجوه :
الأول : ما في المنتهى وهو أن الصغير لا يتناوله الخطاب
وقت الأمر بالصوم ولم
يوجد فيه شرطه وهو العقل فلا يتناوله خطاب القضاء .
وفيه : أنه يجب القضاء على من لم يجب عليه الأداء في
موارد كالنائم والحائض
وما شاكل ، فليس القضاء تابعا للأداء ، فلا بد من ملاحظة
الدليل في مقام الإثبات وإلا
فلا محذور من ناحية مقام الثبوت .
الثاني : إن الدليل لو كان فإنما يدل على وجوب القضاء
وصدق هذا المفهوم
متوقف على التكليف بالأداء ، والصبي حيث لا يكون مكلفا
بالأداء فلا يجب عليه
القضاء ، استدل به سيد الرياض .
وفيه : أن القضاء عبارة عن إتيان العبادة ذات الوقت
المحدود المعين ، خارجا
عنه سواء كان في الوقت مأمورا به أم لا .
الثالث : حديث رفع القلم عن الصبي ( 1 ) .
وفيه : أن الحديث يفيد ما دام صبيا ، والكلام فعلا في
التكليف المتوجه إليه بعد
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات . *
[ وكمال
العقل ]
البلوغ .
والحق أن يستدل له بعد منع وجود إطلاق يدل على وجوب قضاء
الصوم مطلقا
حتى غير الواجب منه : بأصالة البراءة واستصحاب عدم
التكليف به .
ولو بلغ الصبي قبل طلوع الفجر وجب عليه الصوم ، لو تركه
يجب قضاؤه
ولو بلغ بعده فقد مر أنه لا يجب عليه الأداء ، فلا يجب
القضاء أيضا ، بل لو ثبت
وجوب إمساكه أداء لا دليل على وجوب القضاء ، فإن الدليل
يدل على وجوب قضاء
الصوم دون الإمساك مطلقا .
ولو شك في أن البلوغ كان قبل الفجر أو بعده لا يجب عليه
القضاء
لاستصحاب عدم البلوغ إلى ما بعد طلوع الفجر ، ولا يعارضه
استصحاب عدم طلوع
الفجر إلى ما بعد البلوغ ، لأن الموضوع هو البالغ في
النهار ، وهذا العنوان لا يثبت
باستصحاب عدم طلوع الفجر إلى ما بعد البلوغ إلا على
القول بالمثبت ولا نقول
به ، من غير فرق في ذلك بين الجهل بتاريخ البلوغ أو
العلم به ، كما لو علم بأنه بلغ
قبل ساعة وجهل تاريخ طلوع الفجر ، بناء على ما هو الحق
من جريان الأصل في
مجهول التاريخ ومعلومه في الحادثين المعلوم تحققهما والمشكوك
المتقدم منهما والمتأخر .
راجع الجزء الأول من هذا الشرح في المسألة الأولى من
أحكام الوضوء .
( و )
الثاني : ( كمال العقل ) : فلا يجب القضاء على المجنون ما فات منه أيام
جنونه بلا خلاف ظاهر ، وعن الروضة ، دعوى الإجماع عليه .
ويشهد به الأصل بعد عدم شمول ما دل على وجوب القضاء له ،
ونصوص الإغماء الآتية .
[ . . . ]
وعن الإسكافي : وجوبه عليه إذا كان بفعله على جهة الحرمة
، ومال إليه بعض
متأخري المتأخرين لكن قال : لا فرق بين المحرم والمحلل -
وسيأتي وجهه في الإغماء .
وكذا لا يجب على المغمى عليه كما هو المشهور شهرة عظيمة
، وعن غير واحد :
دعوى الإجماع عليه .
وتشهد به نصوص كثيرة : كصحيح أيوب بن نوح : كتبت إلى أبي
الحسن
الثالث ( عليه اليلام ) أسأله عن المغمى عليه يوما أو
أكثر هل يقضي ما فاته أم لا ؟
فكتب ( عليه السلام ) : لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة (
1 ) .
وصحيح علي بن مهزيار عن أبي الحسن الثالث ( عليه السلام
) : عن هذه
المسألة - يعني مسألة المغمى عليه - فقال ( عليه السلام
) : لا يقضي الصوم ولا الصلاة ،
وكلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر ( 2 ) .
وصحيح عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق ( عليه السلام
) : كلما غلب الله
عليه فليس على صاحبه شئ ( 3 ) . ونحوها غيرها .
ولا يعارضها : خبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله ( عليه
السلام ) : عن المغمى
عليه شهرا أو أربعين ليلة فقال ( عليه السلام ) : إن شئت
أخبرتك بما آمر به نفسي
وولدي : أن تقضي كل ما فاتك ( 4 ) .
ولا خبر حفص بن البختري عنه ( عليه السلام ) : يقضي
المغمى عليه ما
فاته ( 5 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 24 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 1 .
2 - الوسائل باب 24 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 6 .
3 - الوسائل باب 24 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 3 .
4 - الوسائل باب 24 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 4 .
5 - الوسائل باب 24 من أبواب من يصح منه الصوح حديث 5 .
*
[ . . . ]
إذ مضافا إلى صعف سند الثاني ، وكون الأول في قضاء
الصلاة ، أنهما لا
يصلحان لمعارضة ما تقدم لوجوه غير خفية .
وإنما وقع الخلاف في المقام في موردين :
الأول : أن المحكي عن المفيد والسيد - والشيخ في الخلاف
: أنه يقضي إن لم
تسبق منه النية ، وإن سبقت منه النية لم يقض ، وحيث إنهم
قائلون بصحة صوم المغمى
عليه مع سبق النية فهم مخالفون في أصل المسألة ، يعني
بناؤهم على وجوب القضاء
على المغمى عليه إن لم يصم وعن المصنف ره في المختلف :
الاستدلال لهم : بما دل على
وجوب القضاء على المريض بدعوى صدقه على المغمى عليه ،
وبما دل على وجوب
قضاء الصلاة عليه .
ويرد الأول : أنه لو سلم صدق المريض عليه يقيد إطلاق تلك
النصوص
بالنصوص المتقدمة الدالة على عدم وجوب القضاء عليه .
ويرد الثاني : أنه في غير المقام والقياس باطل عندنا ،
مع أنه لم يعمل به في
مورده كما مر في كتاب الصلاة .
الثاني : أن المنسوب إلى بعض المحققين : وجوب القضاء
عليه إذا كان الإغماء
حاصلا بفعله .
واستدل له : بمفهوم التعليل في جملة من النصوص كلما غلب
الله عليه فليس
على صاحبه شئ أو فالله أولى بالعذر فإنه كما يتعدى عن
مورده إلى كل عذر كان
من قبل الله تعالى ، كذلك يقيد إطلاق النصوص بمفهومه وهو
أنه إن لم يكن مما غلب الله
عليه فالقضاء ثابت عليه وبعبارة أخرى العلة تعمم وتخصص
كما في سائر العلل ، وهذا
هو الوجه فيما أفاده بعض المتأخرين من أن الجنون إن كان
حاصلا بفعله فعليه
القضاء .
أقول يرد عليه : أولا : أنها كبرى كلية ذكرت في ذيل
النصوص للتعدي عن
[ والاسلام
]
موردها إلى سائر الموارد ولم تذكر علة للحكم حتى يكون
لها مفهوم ، فلا مفهوم لها كي
توجب تقييد النصوص .
وثانيا : أنه لو سلم ثبوت المفهوم لها يقع التعارض بين
إطلاق بقية النصوص
غير المذيلة بتلك وهذه الجملة ، والنسبة عموم من وجه ،
والترجيح مع النصوص المطلقة
للشهرة وغيرها .
وثالثا : أنه لو سلم ثبوت المفهوم لها لا تدل على أن
الأعذار الأخر إذا حصلت
بفعل المكلف على صاحبها القضاء ، ألا ترى أنه لو قال :
أكرم هؤلاء لأنهم علماء ، لا
يدل التعليل على عدم وجوب إكرام غير هؤلاء إذا لم يكن
عالما ، بل مفهومه عدم لزوم
إكرام من يكون من هذا الجمع غير عالم ، ووجوب إكرام
العالم من غيرهم وعليه
فهذه الجملة لوكان لها مفهوم يكون مفهومها لزوم القضاء
على المغمى عليه إذا حصل
الإغماء بفعله ، وعدم لزوم القضاء على المجنون مثلا إن
حصل الجنون لا بفعله ، ولا تدل
على وجوب القضاء على المجنون إن كان الجنون بفعله ،
فتدبر فإنه دقيق .
( و )
الثالث : ( الاسلام ) : فلا يجب على من أسلم إجماعا .
وتشهد به مضافا إلى حديث الجب نصوص خاصة : كصحيح العيص
بن
القاسم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : عن قوم أسلموا
في شهر رمضان وقد مضى
منه أيام وهل عليهم أن يصوموا ما مضى منه أو يومهم الذي
أسلموا فيه ؟ فقال ( عليه
السلام ) : ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه
إلا أن يكونوا أسلموا قبل
طلوع الفجر ( 1 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 22 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 1 . *
[ . . . ]
وصحيح الحلبي عنه ( عليه السلام ) : عن رجل أسلم في
النصف من شهر
رمضان ما عليه من صيامه ؟ قال ( عليه السلام ) : ليس
عليه إلا ما أسلم فيه ( 1 ) . ونحوهما
غيرهما .
وأما خبر الحلبي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : عن
رجل أسلم بعد ما
دخل شهر رمضان أيام فقال ( عليه السلام ) : ليقض ما فاته
( 2 ) . فلصراحة النصوص
المتقدمة في عدم الوجوب يحمل على الاستحباب .
وأما ما عن الشيخ من حمله على ما إذا كان الفوت بعد
الإسلام ، أو المرتد إذا
أسلم ، فليس جمعا عرفيا ولا شاهد له ، إذ مقتضى الجمع
العرفي ما ذكرناه ، ومع الإباء
عنه لا بد من طرحه لا الجمع التبرعي . ولو أسلم في أثناء
اليوم لا يجب عليه صوم ذلك اليوم ، فإن
دليل الجب يشمل بعض اليوم الذي لم يصم فيه عمدا ، والباقي لا أمر به ،
لأن بعض الصوم لا أمر به
إلا في موارد ، مع أن قوله في صحيح العيص - ولا يومهم
الذي أسلموا فيه ظاهر في
عدم وجوبه عليه ، فلو أفطر لا يجب عليه القضاء لعين ما
ذكر في الصبي .
وعن الشيخ في المبسوط ، والمحقق في المعتبر : أنه إن
أسلم قبل الزوال وجدد
النية كان صومه صحيحا وإن ترك قضى .
واستدل له : بأن وقت النية في الصوم إلى الزوال كما يظهر
من الموارد المختلفة ،
فالوقت باق والتكليف متوجه إليه فيجب عليه أن يأتي به ،
وبقوله في صحيح الحلبي
ليس عليه إلا ما أسلم فيه بدعوى أن المراد اليوم الذي
أسلم فيه .
وفيهما نظر : أما الأول : فلأن التعدي عن الموارد الخاصة
يحتاج إلى دليل أو
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 22 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 2 .
2 - الوسائل باب 22 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 5 . *
[ والمرتد
يقضي ما فاته من زمان ردته ]
استفادة الكبرى الكلية منها ، وكلاهما مفقودان .
وأما الثاني : فظاهره بقرينة السؤال : أن المراد النصف
الثاني من رمضان ،
فالأظهر أنه لا يجب عليه الصوم ولا قضائه .
( و ) هل ( المرتد يقضي ما فاته من زمان ردته ) أم لا ؟
المشهور بين الأصحاب : هو الأول ، بل عن الذخيرة : أنه
لا خلاف فيه بين
الأصحاب ، وعن المدارك : أنه قطعي .
وقد ناقش فيه الشيخ الأعظم ره نظرا إلى أنه لا عموم لنا
يدل على وجوب
قضاء الصوم سوى الإجماع ، قال : لأن ما استدل به لذلك
إنما هو صحيح الحلبي عن
أبي عبد الله ( عليه السلام ) : إذا كان على الرجل شئ من
صوم شهر رمضان فليقضه
في أي شهور شاء أياما متتابعة ، فإن لم يستطع فليقضه كيف
شاء ، وليحص الأيام
فإن فرق فحسن ، وإن تابع فحسن ( 1 ) .
وصحيح عبد الله بن سنان عنه ( عليه السلام ) : من أفطر
شيئا من شهر رمضان
في عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل ، وإن قضاه متفرقا
فحسن ( 2 ) .
وشئ منهما لا يدل على ذلك ، فإن الأول في مقام بيان
التوسعة لمن عليه القضاء
لا في مقام بيان من عليه القضاء ، والثاني مضافا إلى
وروده في ذوي الأعذار ، في مقام
بيان الرخصة في تفريق القضاء لمن عليه القضاء ، ثم في
آخر كلامه ينكر وجود الإجماع
أيضا .
أقول : بعد فرض أن المرتد مكلف بالأداء ، وحديث الجب لا
يشمله فهو كسائر
من ترك الصوم عامدا ، فهل يتوهم أحد أن ينكر وجود دليل
يدل على وجوب القضاء
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 26 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 5 .
2 - الوسائل باب 26 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 4 . *
[ . . . ]
على من ترك الصوم في الشتاء نظرا إلى عدم الدليل عليه ،
والسر أن المستفاد من
النصوص الواردة في من أفطر متعمدا والمريض والحائض
والنفساء والمسافر وناسي
الجنابة وغيرهم وجوب القضاء على كل مكلف ترك الصوم عن
علم وعمد ولو كان
معذورا ، إلا من خرج بالدليل ، بل يظهر من النصوص الأخر
أن وجوب القضاء كان
أمرا مفروغا عنه .
وإلى ما ذكرناه نظر صاحب الجواهر ره ، حيث استدل له
بعموم من فاتته وغيره
مما هو دال على وجوب القضاء لكل تارك وخصوص العامد الذي
هو محل الفرض ،
وليس نظره الشريف إلى المرسل المعروف من فاتته فريضة
فليقضها كما فاتته حتى
يورد عليه بأنه ليس في كتب الحديث ، مضافا إلى اختصاصه
بالصلاة ، ومن الغريب
أن بعض المعاصرين مع اعترافه بوجود قولهم عليهم السلام
من أفطر متعمدا فعليه
القضاء في غير واحد من النصوص ، مع ذلك ينكر وجود دليل
يدل على وجوب
القضاء بنحو يشمل المرتد ، ولا أدري أي قصور في هذه
الجملة كي لا تشمل المرتد
المفطر متعمدا ، والانصاف أن التشكيك في ذلك يشبه
التشكيك في الواضحات .
وربما يستدل له : بذيل الآية الكريمة ( ولتكملوا العدة )
( 1 ) بدعوى ظهوره
في تعليل وجوب القضاء على المريض والمسافر فيؤخذ بعمومه
في غير مورده ، فمقتضى
الأدلة وجوب القضاء على المرتد .
ولكن قد يقال : إن النصوص المتقدمة الدالة على عدم وجوب
القضاء على من
أسلم تشمل المرتد بناء على قبول إسلامه كما هو الحق .
وأجيب عنه : بظهورها كحديث الجب في الكافر الأصلي ، وفيه
توقف .
ثم إن الكلام في أنه : هل يجب القضاء على المخالفين
مطلقا ، أو في بعض
……………………………………………
1 -
البقرة آية 185 . *
[ ويتخير
قاضي رمضان في إتمامه إلى الزوال فيتعين ]
الموارد ؟ تقدم في مبحث الزكاة ، وسيأتي البحث فيه مفصلا
في كتاب الحج .
يجوز لقاضي رمضان الإفطار قبل
الزوال
مسائل : الأولى : ( و ) المشهور بين الأصحاب : أنه (
يتخير قاضي رمضان في
إتمامه إلى الزوال فيتعين ) وعليه الكفارة ، بل عن
المدنيات الأولى دعوى الإجماع
على الحكم الأول ، وعن الانتصار والغنية : دعوى الإجماع
على الثاني ، والثالث ، وعن
العماني والحلي وابن زهرة عدم جواز الإفطار قبل الزوال
أيضا ، وعن التهذيبين : عدم
الحرمة بعد الزوال أيضا ، أما الكفارة فقد مر الكلام
فيها .
وأما الحكمان الآخران فتشهد لما هو المشهور فيهما جملة
من النصوص : كخبر
بريد العجلي عن الباقر ( عليه السلام ) : في رجل أتى
أهله في يوم يقضيه من شهر
رمضان : إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شئ عليه إلا
يوم مكان يوم ، وإن
كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة
مساكين ، فإن لم يقدر
صام يوما مكان يوم ، وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع ( 1
) .
وصحيح جميل عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : في الذي
يقضي شهر
رمضان : أنه بالخيار إلى زوال الشمس فإن كان تطوعا فإنه
إلى الليل بالخيار ( 2 ) .
وصحيح عبد الله بن سنان عنه ( عليه السلام ) : صوم
النافلة لك أن تفطر ما
بينك وبين الليل متى شئت ، وصوم الفريضة لك أن تفطر إلى
زوال الشمس فإذا زالت
الشمس فليس لك أن تفطر ( 3 ) ، ونحوها غيرها .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 4 من أبواب وجوب الصوم حديث 1 .
2 - الوسائل باب 4 من أبواب وجوب الصوم ونيته حديث 4 .
3 - الوسائل باب 4 من أبواب وجوب الصوم حديث 9 . *
[ . . . ]
واستدل للقول الثاني : بصحيح عبد الرحمن بن الحجاج : عن
الرجل يقضي
رمضان أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له ؟
فقال ( عليه السلام ) : إذا كان
نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتم صومه
( 1 ) . وبالنصوص
المتقدمة المتضمنة لثبوت الكفارة على من أفطر في قضاء
شهر رمضان مطلقا كخبر
زرارة ( 2 ) ، وبحرمة إبطال العمل .
ولكن الأول يحمل على الاستحباب للنصوص المتقدمة الصريحة
في الجواز ،
والثاني يقيد إطلاقه بها ، والثالث قد مر ما فيه وأنه لا
دليل على حرمة إبطال العمل
مطلقا ، وعلى فرض وجوده يقيد إطلاقه بما تقدم .
واستدل للثالث : بأن غاية ما يستفاد من النصوص المتقدمة
ثبوت الكفارة على
من أفطر بعد الزوال وهو أعم من الحرمة .
وفيه : أولا : إن قوله ( عليه السلام ) في صحيح ابن سنان
فإذا زالت الشمس
فليس لك أن تفطر يدل على عدم الجواز بالمنطوق .
وثانيا : إن جملة من النصوص الأخر كخبر العجلي بمفهوم
الغاية تدل عليه .
وثالثا : إن قوله ( عليه السلام ) في موثق عمار عن
الإمام الصادق ( عليه السلام )
فيمن أفطر بعد ما زالت الشمس قد أساء ( 3 ) . كالصريح
فيه ، وأما صحيح هشام بن
سالم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : عن رجل وقع على
أهله وهو يقضي شهر رمضان :
إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شئ عليه يصوم يوما
بدل يوم ، وإن فعل بعد
العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين الحديث ( 4 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 4 من أبواب وجوب الصوم حديث 6 .
2 - الوسائل باب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان جديث 3 .
3 - الوسائل باب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 4
4 - الوسائل باب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 2 . *
[ . . . ]
فلعدم عمل أحد بما فيه من التفصيل يطرح أو يحمل على ما
ذكره الشيخ ره
وهو إرادة دخول وقت العصر وهو عند الزوال ، لأنه إذا
زوالت الشمس دخل الوقتان .
وها هنا فروع لا بد من التنبيه عليها :
1 - صرح الشهيد ره بأنه لو أفطر بعد الزوال يجب عليه
الإمساك بقية النهار ،
واستدل له بوجوه : منها : قوله ( عليه السلام ) في صحيح
هشام : وإن فعل بعد العصر
صام ذلك اليوم .
وفيه : أن الظاهر منه بواسطة إطلاق الصوم وقرينة السياق
إرادة صوم بدل
ذلك اليوم .
ومنها : ما في خبر زرارة المتقدم : لأن ذلك اليوم عند
الله من أيام رمضان .
وفيه : أنه لعدم المساواة بينهما في جميع الأحكام قطعا
يحمل على إرادة التنزيل
في خصوص الكفارة .
ومنها : استصحاب وجوب الإمساك الثابت قبل الإفطار فإنه
يشك بعد الإفطار
في أنه هل يتبدل وجوبه بالعدم أم بعد باق فيستصحب .
وفيه أولا : أن الاستصحاب في الأحكام الكلية لا يجري كما
ذكرناه في هذا الشرح
مرارا ، وثانيا : إن الموضوع متبدل فإن الإمساك كان
واجبا من باب كونه صوما ، وهذا
الإمساك ليس صوما قطعا فالأظهر عدم وجوبه كما عن جماعة
للأصل .
2 - إن هذا الحكم يختص بما لو لم يتضيق الوقت إن قلنا به
، وإلا فلا يجوز
الإفطار قبل الزوال لدليل التعيين الذي لا يعارضه على
فرض وجوده هذه النصوص ،
فإنها تدل على الجواز من حيث إنه قضاء ،
وأما لو انطبق عليه عنوان آخر استلزم عدم
جواز الإفطار ، فهذه غير ناظرة إليه ، ألا ترى أنه لو
نذر أن لا يفطر لو صام قضاء ،
فإنه لا يشك أحد في عدم جواز الإفطار من جهة النذر ، ولا
ينافي ذلك مع النصوص
المتقدمة ، وكذلك في المقام .
[ . . . ]
3 - إن هذا الحكم حكم لقضاء رمضان ، فمن يقضي احتياطا إن
أراد أن يحتاط
لا يفطر بعد الزوال ، وإن كان لو أفطر لا بأس به ، ولكن
لا من جهة انصراف
النصوص عن ذلك ، وكونه مندوبا بالعنوان الثانوي ، فإنهما
فاسدان ، بل من جهة أنه
لا يجب عليه الصوم للحجة الشرعية على عدم اشتغال الذمة ،
وهي الحجة على عدم
كون صومه قضاء .
4 - مقتضى إطلاق جملة من النصوص : أنه لا يختص هذا الحكم
بالقضاء
لنفسه ، بل يعم القاضي عن غيره ولاية وتبرعا أو إجارة ،
ودعوى تبادر القاضي
لنفسه ممنوعة .
الثانية : المشهور بين الأصحاب : أنه لا يجب الفور في
القضاء ، ويشهد به
صحيحا الحلبي وابن سنان المتقدمان في المرتد ، وصحيح
البختري عن أبي عبد الله
( عليه السلام ) : كن نساء النبي صلى الله عليه وآله إذا
كان عليهن صيام أخرن ذلك
إلى شعبان كراهة أن يمنعن رسول الله صلى الله عليه وآله
فإذا كان شعبان صمن وصام
معهن ( 1 ) فما عن أبي الصلاح من جوب الفورية ضعيف .
إنما الكلام في أنه : هل يجوز التأخير إلى ما بعد رمضان
آخر ، أم لا ؟ نسب إلى
المشهور : عدم الجواز ، وعن المحقق القمي في الغنائم :
أنه لا خلاف فيه ، ولعله
كذلك ، فإن الأصحاب يذكرونه في ضمن مسائل متفرقة كحكم
مفروغ عنه .
قال المصنف ره في محكي المختلف في مسألة سقوط القضاء مع
استمرار العذر
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 27 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 4 . *
[ . . . ]
إلى رمضان آخر في مقام الاستدلال على سقوط القضاء : بأن
العذر قد استوعب وقت
القضاء - إلى أن قال - وأما استيعاب وقت القضاء فلأن
وقته بين الرمضانين ، إذ لا
يجوز التأخير عنه . انتهى ، ونحوه كلام غيره .
وكيف كان : فقد استدل له بوجوه : منها : النصوص - الآتية
- الدالة على ثبوت
الفدية إذا صح بين الرمضانين ولم يقض فإن الكفارة إنما
هي على ترك الواجب .
ومنها : التعبير عن ترك الصوم بين الرمضانين إذا صح
بينهما ولم يصم بالتهاون
والتواني والتضييع ، ولولا تعين الوجوب لم يكن تركه
تهاونا ولا توانيا ولا تضييعا .
وفيه : أن المراد بتلك النصوص على ما قيل أنه إن صح ولم
يصم وكان عازما
على ترك القضاء تجب عليه الفدية ، فإطلاق هذه العناوين
باعتبار بنائه على ترك
القضاء ، مع أنه يصح إطلاقها على ترك الراجح أيضا .
ومنها : قوله ( عليه السلام ) في خبر أبي بصير - الآتي -
: فإن صح بين الرمضانين
فإنما عليه أن يقضي الصيام فإن تهاون . . إلى آخره ( 1 )
بدعوى ظهوره في أن عليه أن
يقضي الصيام بين الرمضانين .
وفيه : أنه يدل على أن المريض إن استمر مرضه فعليه
الفدية خاصة ، وإن صح كان
عليه القضاء دون الفدية ، وإن أخره حينئذ كان القضاء
والفدية ، ولا يدل على أنه
إن صح يجب عليه القضاء في زمان الصحة الذي بين الرمضانين
تعيينا .
ومنها : مصحح الفضل عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) -
في حديث - : أن قال :
فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من
سفره أو لم يقو من مرضه
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 6 . *
[ . . . ]
حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأول وسقط
القضاء ، وإذا أفاق
بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء أو الفداء ؟
قيل : لأن ذلك الصوم إنما وجب
عليه في تلك السنة في هذا الشهر ، فأما الذي لم يفق فإنه
لما مر عليه السنة كلها وقد
غلب الله تعالى عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائها سقط
عنه - إلى أن قال - لأنه
دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا في
سنته للمرض الذي
كان فيه ووجب عليه الفداء . الحديث ( 1 ) .
وفيه : أنه ليس في هذا الخبر سوى أنه إذا صح يتوجه إليه
التكليف بالصوم
وهذا مما لا كلام فيه ، إنما الكلام في أن هذا التكليف
هل يكون مقيدا بما بين الرمضانين
أم لا ؟ وليس في الخبر إشعار بذلك ، فضلا عن الدلالة .
فالحق أنه لا دليل على لزوم المبادرة ، بل هو من
الواجبات الموسعة إلى آخر
العمر ، وسبيله سبيل تلك الواجبات .
ويشهد به - مضافا إلى الأصل - : مرسل سعد بن سعد عن رجل
عن أبي
الحسن ( عليه السلام ) : عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان
ثم يصح بعد ذلك
فيؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ما عليه من ذلك
؟ قال : أحب له تعجيل
الصيام ، فإن كان أخره فليس عليه شئ ( 2 ) .
وأيضا المشهور بينهم : عدم وجوب التتابع في قضاء الصوم
ولا التفريق ، وتشهد
بهما نصوص منها صحيحا الحلبي وابن سنان المتقدمان في
مسألة المرتد ، نعم يستحب
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 8 .
2 - الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 7 . *
[ . . . ]
التتابع لجملة من النصوص ، وبإزائها وإن كانت نصوص أخر
دالة على أفضلية
التفريق لكنها أشهر وأصح سندا فتقدم .
ولا يجب الترتيب أيضا بلا خلاف ، وقيل : يستحب ولا دليل
عليه .
إنما الكلام في أنه هل يجب تعيين الأيام فلو كان عليه
أيام فصام بعددها لا
يكفي بل لا بد وأن يعين ولو بنحو الإطلاق المنصرف إلى
الأول فالأول ، أم لا يجب
التعيين فلو كان عليه أيام وصام بعددها كفى ؟ وجهان .
قد استدل للثاني : بأن التعيين فرع التعين ، والتعين
تابع لاعتبار خصوصية في
كل من ما أمر به غير الخصوصية المعتبرة في الآخر كخصوصية
الظهرية والعصرية ،
وليس في المقام ما يوجب ذلك ، فإن قضاء الصوم الفائت
ماهية واحدة قد يكون
الواجب منها فردا واحدا وقد يكون متعددا ، وفي صورة التعدد
لا مائز بين الفردين
سوى أن لكل منهما وجودا غير وجود الآخر ، وعليه فلا
يعتبر التعيين ، بل لا مجال له .
نعم لو كان وقوع الصوم في اليوم الأول وكذا في سائر
الأيام عنوانا مأخوذا
في المأمور به صح لزوم التعيين ، لكنه ليس كذلك بل
المأمور به في الأداء صوم رمضان ،
وفي قضائه أيضا كذلك .
أقول : إنه بعد فرض تعدد ما في ذمة المكلف ، وأن لكل من
الأفراد أمرا متعلقا
به غير ما تعلق بالآخر ، إن أتى المكلف بفرد من الصوم
غير المعين لكونه امتثالا لأي
أمر من الأوامر - والفرض صلاحيته لوقوعه امتثالا لكل
واحد منها - لا يعقل وقوعه
امتثالا للجميع - وهو واضح - ولا امتثالا لواحد معين
لكونه ترجيحا بلا مرجح ، وهو
ممتنع قطعا ، ولا لواحد غير معين لعدم كونه فردا خارجيا
، فلا بد وأن لا يقع امتثالا
لشئ منها ، وعلى هذا فيجب التعيين فرارا عن هذا المحذور
.
نعم لا يجب الترتيب بل له أن يعين اللاحق قبل السابق
لأصالة البراءة عن
وجوبه بعد فقد الدليل على الاعتبار .
[ . . . ]
دوران الفائت بين الأقل والأكثر
الثالثة : إذا علم أنه فاته أيام من شهر رمضان ودارت بين
الأقل والأكثر ، فهل
يجب الإتيان بالأكثر ، أم يجوز الاكتفاء بالأقل ، أم
يفصل بين ما لو كان الترك على
فرضه على وجه غير جائز فيجوز الاكتفاء بالأقل ، وبين ما
إذا كان على وجه جائز
كما لو كان مريضا وأفطر في مرضه ولكن لا يعلم أنه كان
مرضه خمسة أيام أم سبعة -
فيجب الإتيان بالأكثر - ؟ وجوه .
قد استدل للأول بوجوه : الأول : استصحاب وجوب الموقت بعد
وقته ، فلو علم
بأنه فات منه صيام أربعة أيام وشك في فوت صوم يوم الخامس
يستصحب بقاء وجوبه
فلا بد من الإتيان به .
والجواب عن ذلك بانتهاء وجب صوم رمضان بدخول العيد الذي
يحرم صومه
كما عن بعض المعاصرين غريب ، فإن صوم يوم العيد حرام لا
أن وجوب قضاء صوم
رمضان بعد يوم العيد بنحو يكون الزمان ظرفا للامتثال لا
للتكليف يرتفع بمجئ يوم
عيد كما لا يخفى .
والحق في الجواب أن يقال : إن القضاء إن كان بالأمر
الأول كان ما أفيد تاما
- مع قطع النظر عما سيمر عليك - ، ولكن الصحيح أنه بأمر
جديد ، وعليه فذلك الأمر
انعدم قطعا ، والأمر الآخر مشكوك الحدوث - واستصحاب
الجامع بينهما من قبيل
استصحاب الكلي القسم الثالث فلا يجري .
الثاني : إن مقتضى عموم الدليل وجوب القضاء على كل من لم
يصم ، وعليه
فيجري استصحاب عدم الإتيان بالصوم المشكوك فيه ، ويترتب
عليه وجوب القضاء ،
وليس موضوع وجوب القضاء الفوت كي يقال إنه أمر وجودي
ملازم لعدم الإتيان
[ . . . ]
بالمأمور به فلا يثبت به .
وفيه : إن كون الموضوع المأخوذ في الدليل عنوان الترك لا
الفوت غير ظاهر .
الثالث : إن مقتضى قاعدة الاشتغال الجارية في مورد العلم
بالتكليف والشك في
الامتثال لزوم الإتيان بالأكثر ، فإن الزائد عن المعلوم
تعلق التكليف به معلوم ، والشك
إنما هو في الامتثال .
وفيه : ما عرفت من سقوط التكليف الأصلي والشك في تكليف
آخر وهو
مشكوك الحدوث ، فيكون مجرى أصالة البراءة لا قاعدة
الاشتغال .
واستدل للقول الثالث بوجوه : منها : أنه إذا كان الفوت
لمانع كالمرض ، وشك
في أن زواله كان يوم الخامس أو الرابع يستصحب بقاء المرض
إلى اليوم الخامس
فيكون صوم ذلك اليوم أيضا فائتا ، وكذا في سائر الأعذار
، وهذا بخلاف احتمال
الترك لا عن عذر .
وفيه : أن استصحاب بقاء المانع إلى زمان الأكثر ، وإن
كان مقتضاه حرمة صومه
فلو كان صائما مع المانع يثبت به أنه صام حراما ، إلا
أنه لا يثبت به مع عدم الصوم
مع المانع فوت الصوم ، بل ولا تركه إلا على القول
بالمثبت .
ومنها : أن الآية الكريمة ( ومن كان مريضا أو على سفر
فعدة من أيام
أخر ) ( 1 ) . وكذا غيرها من أدلة الموانع تقتضي وجوب
قضاء كل يوم مقارن مع المانع ،
فباستصحاب بقاء المانع يثبت وجوب القضاء بلا حاجة إلى
إثبات ترك الصوم .
ولا يصح الجواب عن ذلك بأن وجوب القضاء من آثار عدم
الصوم الصحيح
في أيام الشهر لا من آثار نفس وجود المانع - كالمرض -
فإن الموضوع المأخوذ في الآية
الكريمة وغيرها من الأدلة المريض والمسافر والحائض ومن
شاكل .
……………………………………………
1 -
البقرة آية 185 . *
[ والمندوب
جميع أيام السنة إلا المنهي عنه ]
والصحيح في الجواب حكومة قاعدة الشك بعد خروج الوقت إن
جرت على
ذلك الاستصحاب .
ومنها : أن قاعدة الشك بعد خروج الوقت تجري فيما لو
احتمل الترك لا عن
عذر ، ولا تجري مع احتمال الترك عن عذر .
وفيه : يتعين الرجوع إلى قاعدة الاشتغال وما شاكل .
أقول : إن ما أفيد من جريان قاعدة الشك بعد خروج الوقت
في مورد
احتمال الترك لا عن عذر متين جدا ، إذ مورد تلك القاعدة
وأختيها إن كانت متعددة
هي ما لو علم الأمر وشك في الامتثال ، وأما لو كان الأمر
مشكوكا فيه فلا يجري شئ
منها ، وفي المقام بما أنه إذا كان المانع متحققا لا أمر
فلا تجري القاعدة ، وعليه فمقتضى
أصالة بقاء المانع حسب ما ذكر في الوجه الثاني شمول أدلة
القضاء له ، ولزوم الإتيان
بالأكثر ، ومعه لا مورد لأصالة البراءة . فالقول الثالث
أظهر بحسب القواعد وإن لم
نجد القائل به .
(
والمندوب جميع أيام السنة إلا المنهي عنه ) بلا خلاف ، وفي الجواهر : وقد
ورد فيه من الأخبار ما ظهر بها مرتبة ظهور الشمس في
رابعة النهار ، ولعله كذلك ، فإنه
قد تضمنت النصوص أنه أحد الخمسة التي بني الاسلام عليها
كما في صحيح زرارة ( 1 ) .
وأنه يسود وجه الشيطان كما في خبر إسماعيل بن أبي زياد (
2 ) ، وأنه وكل الله تعالى
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث
2 - الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب
حديث . *
[ . . . ]
ملائكته بالدعاء للصائمين كما في خبر مسعدة بن صدقة ( 1
) ، وأن نوم الصائم عبادة
ونفسه تسبيح كما في خبره الآخر ( 2 ) ، وأن خلوف فم
الصائم أطيب عند الله من ريح
المسك كما في مرسل ابن أبي عمير ( 3 ) ، وأن للصائم
فرحتين فرحة عند إفطاره وفرحة
عند لقاء ربه كما في خبر الكناني ( 4 ) ، وأن الصوم جنة
من النار كما في خبر علي بن
عبد العزيز ( 5 ) ، وأن زكاة الأجساد الصوم كما في خبر
موسى بن بكر ( 6 ) ، وأن الرجل
ليصوم تطوعا يريد ما عند الله فيدخله به الجنة كما في
خبر إسماعيل بن
بشار ( 7 ) ، وأن الصائم في عبادة وإن كان على فراشه ما
لم يغتب مسلما كما في خبر عبد الله
ابن طلحة ( 8 ) ، وأن الصيام جنة من النار كما في خبر
عمر بن جمع ( 9 ) ، وأن نوم الصائم
عبادة وصمته تسبيح وعمله متقبل ودعائه مستجاب كما في
مرسل الصدوق ( 10 ) ، وأن
المؤمن إذا قام ليله ثم أصبح صائما نهاره ولم يكتب عليه
ذنب ولم يخط خطوة إلا كتب
الله له بها حسنة وإن مات في نهاره صعد
بروحه إلى عليين وإن عاش حتى يفطر كتبه الله من الأوابين
كما في خبر محمد بن
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث 3 .
2 - الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث 4 .
3 - الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث 5 .
4 - الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث 6 .
5 - الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث 8 .
6 - الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث 11 .
7 - الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث 12 .
8 - الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث .
9 - الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث .
10 - الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث 17 . *
[ والمؤكد
ستة عشر قسما ، أول خميس من كل شهر ،
وأول أربعاء من العشر الثاني ،
وآخر الخميس من الثالث ]
مسلم ( 1 ) . . . . إلى غير ذلك من المضامين التي
تضمنتها النصوص الكثيرة .
وله أقسام منها : ما لا يختص بسبب مخصوص ولا بوقت معين
وقد تقدم ، ومنها
- : ما يختص بسبب مخصوص وأفراده غير محصورة مذكورة في
كتب الأدعية والآداب ،
ومنها : ما يختص بوقت معين وهو في مواضع .
( والمؤكد ) منها ( ستة عشر قسما ) منها ، ولعله أوكدها
صوم ثلاثة أيام ( أول
خميس من كل شهر ، وأول أربعاء من العشر الثاني ، وآخر الخميس
من الثالث ) .
ففي صحيح حماد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : صام
رسول الله صلى الله
عليه وآله حتى قيل ما يفطر ، ثم أفطر حتى قيل ما يصوم ،
ثم صام صوم داود يوما
ويوما لا ، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله على
صيام ثلاثة أيام في الشهر وقال :
يعدلن صوم الدهر ويذهبن بوحر الصدر .
وقال حماد : الوحر : الوسوسة .
قال حماد : فقلت : وأي الأيام هي ؟ قال ( عليه السلام )
: أول خميس في الشهر ،
وأول أربعاء بعد العشر منه ، وآخر خميس فيه . الحديث ( 2
) ، ونحوه غيره من النصوص
الكثيرة .
وقد وردت في النصوص كيفيات أخر لصوم ثلاثة أيام من كل
شهر كصوم
الخميسين بينهما أربعاء في العشرات الثلاث أو ذلك في شهر
، وأربعاء وخميس وأربعاء
في شهر آخر ، أو الأربعاء والخميس والجمعة ، أو الخميس
بين الأربعائين ، ولكن آكدها ما
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المندوب حديث 39 .
2 - الوسائل باب 7 من أبواب الصوم المندوب حديث 1 . *
[ . . . ]
في المتن .
فروع :
1 - يكره فيها المجادلة والجهل والإسراع إلى الحلف
والإيمان بالله تعالى ، كما
أنه يستحب احتمال من يجهل عليه ، كل ذلك لخبر الفضيل بن
يسار : إذا صام أحدكم
الثلاثة أيام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا
يسرع إلى الحلف بالله والإيمان
بالله ، وإن جهل عليه أحد فليتحمله ( 1 ) .
2 - من ترك هذا الصوم يستحب له القضاء بلا خلاف لصحيح
عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) - في حديث - ولا
يقضي شيئا من صوم التطوع
إلا الثلاثة أيام التي كان يصومها من كل شهر ولا يجعلها
بمنزلة الواجب إلا أني
أحب لك أن تدوم على العمل الصالح ( 2 ) .
وفي ثبوت القضاء على من تركها للسفر أو المرض روايتان ،
فإن أمكن الجمع
بحمل النافية على عدم التأكد ، وإلا فتطرح النافية
لأشهرية المثبتة .
3 - المحكي عن شرح القواعد لفخر الإسلام : الصائم لرمضان
أو النذر المعين
إذا كان فيه أحد الأيام الثلاثة التي يستحب أن يصومها من
كل شهر وأيام البيض
يحصل له ثواب الواجب والمندوب ودخل المندوب
ضمنا ، وكذا لو صام قضاء شهر رمضان أو النذر المعين أو
الكفارات أو أي صوم كان
من الواجبات في الأيام المندوبات . انتهى .
ويمكن أن يستدل له بوجهين : أحدهما : أصالة التداخل التي
بنينا عليها نحن
أيضا ، ما لم يثبت العدم ، الثاني : أن المستفاد من نصوص
الباب وما شاكل رجحان
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 12 من أبواب آداب الصائم حديث 1 .
2 - الوسائل باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 6 .
*
[ ويوم
الغدير ، والمباهلة ، ويوم المبعث ، ]
وجود طبيعة الصوم في تلك الأيام واجبا أو غيره ، ويستفاد
ذلك من ما في الأخبار من
التعليلات المنطبقة على ذلك أيضا ، وهذا ليس من التداخل
في شئ .
4 - إن عجز عن صومها لكبر أو نحوه أو شق عليه ذلك استحب
له أن
يتصدق عن كل يوم بمد من طعام أو درهم للنصوص المستفيضة .
راجع الوسائل الباب
11 - من أبواب الصوم المندوب .
( و ) منها : صوم ( يوم الغدير ) وهو الثامن عشر ذي
الحجة وهو عيد الله
الأكبر .
وتشهد به نصوص كثيرة : كخبر الحسن بن راشد عن الإمام
الصادق ( عليه
السلام ) قال : قلت : جعلت فداك للمسلمين عيد غير
العيدين ؟ قال ( عليه السلام ) :
نعم يا حسن أعظمهما وأشرفهما قلت : وأي يوم هو ؟ قال :
يوم نصب أمير المؤمنين فيه
علما للناس قلت : جعلت فداك وأي يوم هو ؟ قال : إن
الأيام تدور وهو يوم ثمانية عشر
من ذي الحجة قلت : جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه
؟ قال ( عليه السلام ) :
تصومه يا حسن - إلى أن قال - قلت : فما لمن صامه ؟ قال
صيام ستين شهرا ( 1 ) ونحوه
غيره .
( و ) منها : صوم يوم ( المباهلة ) بأمير المؤمنين (
عليه السلام ) وسيدة النساء
وسيدي شباب أهل الجنة ، وهو يوم الرابع والعشرون من ذي
الحجة ، وعن المسالك :
قيل : إنه اليوم الخامس والعشرون ، وقائله غير معلوم ،
وفي الرياض : ولم أجد به رواية ،
نعم رواها الخال العلامة ره مرسلة ، وكفى بها مدركا في
المقام لقاعدة التسامح .
( و ) منها : صوم ( يوم المبعث ) وهو اليوم السابع
والعشرون من شهر رجب لخبر
الحسن بن راشد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : لا تدع
صيام يوم سبعة وعشرين من
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 14 من أبواب الصوم المندوب حديث 2 . *
[ ومولد
النبي ( عليه السلام ) ، ويوم دحو الأرض ، وعاشوراء على وجه الحزن ]
رجب فإنه هو اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد صلى
الله عليه وآله وثوابه مثل
ستين شهرا لكم ( 1 ) . وغيره .
( و ) منها : صوم يوم ( مولد النبي ) صلى الله عليه وآله
وهو السابع عشر من ربيع
الأول على الأشهر رواية وفتوى ، خلافا للكليني فجعله
الثاني عشر منه ، وعن الشهيد
الثاني في فوائد القواعد : الميل إليه ، ففي خبر إسحاق
بن عبد الله عن أبي الحسن علي
ابن محمد ( عليه السلام ) - في حديث - إن الأيام التي
تصام فيهن أربعة : منها يوم مولد
النبي صلى الله عليه وآله يوم السابع عشر من شهر ربيع
الأول ( 2 ) .
وعن المصباح : وروي عنهم عليهم السلام أنهم قالوا : من
صام يوم السابع عشر
من ربيع الأول كتب الله له صيام سنة ( 3 ) . ونحوهما
غيرهما .
( و ) منها : صوم ( يوم دحو الأرض ) وهو اليوم الذي دحت
الأرض أي بسطت
من تحت الكعبة وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة ،
ففي خبر الحسن بن
علي الوشاء عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) - في حديث -
فمن صام ذلك اليوم كان
كمن صام ستين شهرا ( 4 ) . ونحوه غيره من النصوص الكثيرة
.
( و ) منها : صوم يوم ( عاشوراء على وجه الحزن ) هكذا
ذكره غير واحد من
أصحابنا .
وتمام الكلام في المقام أن في الباب طوائف من النصوص
منها النصوص الدالة
على استحبابه : كخبر أبي همام عن أبي الحسن ( عليه
السلام ) : صام رسول الله صلى
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 15 من أبواب الصوم المندوب حديث 1 .
2 - الوسائل باب 19 من أبواب الصوم المندوب حديث 1 .
3 - الوسائل باب 19 من أبواب الصوم المندوب حديث 2 .
4 - الوسائل باب 16 من أبواب الصوم المندوب حديث 1 . *
[ . . . ]
الله عليه وآله يوم عاشوراء ( 1 ) .
وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) عن
أبيه عن علي ( عليه
السلام ) : صوموا عاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب
سنة ( 2 ) .
وخبر القداح عن جعفر عن أبيه عليهما السلام : صيام يوم
عاشوراء كفارة
سنة ( 3 ) . ونحوها غيرها .
ومنها ما تضمن النهي عنه : كخبر عبد الملك عن أبي عبد
الله ( عليه السلام ) :
عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم فقال ( عليه
السلام ) : تاسوعاء يوم
حوصر فيه الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ( رض ) بكربلاء
واجتمع عليه خيل أهل
الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر
الخيل وكثرتها واستضعفوا
الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه كرم الله وجوههم وأيقنوا
أن لا يأتي الحسين ناصر ولا
يمده أهل العراق ، بأبي المستضعف الغريب ، ثم قال : وأما
يوم عاشوراء فيوم أصيب
فيه الحسين صريعا بين أصحابه وأصحابه صرعى حوله ، أفصوم
يكون في ذلك اليوم ؟
كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن
ومصيبة - إلى أن قال -
فمن صام أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب
مسخوط عليه . الحديث ( 4 ) .
وخبر الحسين بن أبي غندر عن أبيه عن أبي عبد الله ( عليه
السلام ) قال : قلت :
فصوم يوم عاشوراء ؟ قال ( عليه السلام ) : ذاك يوم قتل
فيه الحسين ( عليه السلام ) فإن
كنت شامتا فصم - إلى أن قال - إن الصوم لا يكون للمصيبة
ولا يكون إلا شكرا
للسلامة وأن الحسين ( عليه السلام ) أصيب يوم عاشوراء
فإن كنت فيمن أصيب به
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 20 من أبواب الصوم المندوب حديث 1 .
2 - الوسائل باب 20 من أبواب الصوم المندوب حديث 2 .
3 - الوسائل باب 20 من أبواب الصوم المندوب حديث 3 .
4 - الوسائل باب 21 من أبواب الصوم المندوب حديث 2 - 7 .
*
[ . . . ]
فلا تصم ، وإن كنت شامتا ممن سره سلامة بني أمية فصم
شكرا لله تعالى ( 1 ) . ونحوهما
غيرهما .
وقد جمع الشيخ ره بين الطائفتين وقال : إن من صام يوم
عاشوراء على طريق
الحزن بمصاب آل محمد صلى الله عليه وآله والجزع لما حل
بعترته فقد أصاب ، ومن
صامه على ما يعتقده مخالفونا من الفضل في صومه والتبرك
به - والاعتقاد ببركته
وسعادته فقد أثم وأخطأ . ونقل هذا الجمع عن المفيد
وتبعهما جمع من المحققين .
ولكن يرد عليه : مضافا إلى أنه جمع تبرعي لا شاهد له
ومجرد تعقيب النهي عن
الصوم في بعض النصوص الناهية بالنهي عن التبرك لا يقتضي
ذلك : أن في خبر أبي
غندر صرح ( عليه السلام ) بأنه لا يكون الصوم للمصيبة
ولا يكون الصوم إلا شكرا
للسلامة ، وهو يمنع عن هذا الجمع .
وقد يقال : إن الطائفتين متعارضتان ، وحيث إن الأصحاب
عملوا بالأولى
وتركوا الثانية فتقدم .
وفيه : أن الأصحاب لم يعرضوا عن الثانية بل حملوها على
إرادة الصوم على غير
وجه الحزن .
والحق ما أفاده الشهيد الثاني من حمل الأولى على الإمساك
إلى ما بعد العصر
وإبقاء الثانية على حالها لخبر عبد الله بن سنان قال :
دخلت على أبي عبد الله يوم
عاشوراء ودموعه تنحدر على عينيه كاللؤلؤ المتساقط فقلت :
مم بكائك ؟ فقال : أفي
غفلة أنت ، أما علمت أن الحسين ( عليه السلام ) أصيب في
مثل هذا اليوم ؟ فقلت : ما
قولك في صومه ؟ فقال لي : صمه من غير تبييت ، وأفطره من
غير تشميت ، ولا تجعله
يوم صوم كملا ، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على
شربة من ماء فإنه في
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 21 من أبواب الصوم المندوب حديث 7 . *
[ وعرفة لمن
لا يضعفه عن الدعاء ، ]
مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن رسول الله
صلى الله عليه وآله .
الحديث ( 1 ) .
وذهب صاحب الحدائق ره إلى حرمة صوم يوم عاشوراء للروايات
المتقدم
طرف منها ، ولكن لا بد من حملها على الكراهة لقوله (
عليه السلام ) في حديث الزهري :
إن من الصوم الذي صاحبه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر
صوم عاشوراء .
فالمتحصل من النصوص : أن صوم يوم عاشوراء كملا مكروه ،
وصومه إلى ما
بعد صلاة العصر مستحب ، والمراد بالكراهة هي الكراهة في
العبادة ، وهي في أمثال
المقام من العبادات التي لا بدل لها إنما تكون بمعنى أن
الفعل وإن كان ذا مصلحة ولكن ينطبق
على الترك عنوان آخر أرجح من الفعل أو يلازمه . وتمام
الكلام في محله .
( و ) منها : صوم يوم ( عرفة ) وهو يوم التاسع من ذي
الحجة ( لمن لا يضعفه )
الصوم ( عن ) ما عزم عليه من ( الدعاء ) ، وتحقق الهلال
على وجه لا يقع في صوم العيد
كما صرح بذلك كله غير واحد ، وأنكر بعضهم استحبابه
بالخصوص ، ولنصوص الباب
مضامين مختلفة .
الأولى : ما تدل على الاستحباب : كخبر عبد الرحمن عن أبي
الحسن ( عليه
السلام ) : صوم يوم عرفة يعدل السنة ( 2 ) .
ومرسل الفقيه قال الصادق ( عليه السلام ) : صوم يوم
التروية كفارة سنة ويوم
عرفة كفارة سنتين ( 3 ) . ونحوهما غيرهما .
الثانية : ما ظاهرها عدم الاستحباب : كخبر محمد بن قيس
عن أبي جعفر
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 20 من أبواب الصوم المندوب حديث 7 .
2 - الوسائل باب 23 من أبواب الصوم المندوب حديث 5 .
3 - الوسائل باب 23 من أبواب الصوم المندوب حديث 11 . *
[ . . . ]
( عليه السلام ) : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم
يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر
رمضان ( 1 ) وقريب منه غيره .
الثالثة : ما تدل على عدم استحبابه بالخصوص غير المنافي
لاستحبابه بما أنه
أحد أيام السنة : كخبر يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (
عليه السلام ) : عن صوم
يوم عرفة فقال ( عليه السلام ) : إن شئت صمت وإن شئت لم
تصم ( 2 ) .
وخبر سالم عنه ( عليه السلام ) - في حديث - دخل رجل يوم
عرفة على الحسن
( عليه السلام ) وهو يتغذى والحسين ( عليه السلام ) صائم
، ثم جاء بعد ما قبض الحسن
( عليه السلام ) فدخل على الحسين ( عليه السلام ) يوم
عرفة وهو يتغذى وعلي بن
الحسين ( عليه السلام ) صائم ، فقال له الرجل : إني دخلت
على الحسن ( عليه السلام )
وهو يتغذى وأنت صائم ، ثم دخلت عليك وأنت مفطر ؟ فقال (
عليه السلام ) : إن الحسن
كان إماما فأفطر لئلا يتخذ صومه سنة وليتأسى به الناس ،
فلما قبض كنت أنا الإمام
فأردت أن لا يتخذ الناس صومي سنة فيتأسى الناس بي ( 3 )
.
وهذا الخبر كالنص في عدم الخصوصية وإنما يصام كأحد
الأيام .
الرابعة : ما تدل على أنه مستحب ما لم يزاحم الدعاء ولم
يحتمل التصادف مع
يوم العيد : كخبر سدير عن أبيه عن جعفر ( عليه السلام )
: عن صوم يوم عرفة فقلت :
جعلت فداك إنهم يزعمون أنه يعدل صوم سنة
فقال ( عليه السلام ) : كان أبي لا يصومه
قلت : ولم ذاك ؟ قال ( عليه السلام ) : إن يوم عرفة يوم
دعاء ومسألة وأتخوف أن يضعفني
عن الدعاء وأكره أن أصومه وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم
أضحى وليس بيوم صوم ( 4 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 23 من أبواب الصوم المندوب حديث 7 .
2 - الوسائل باب 23 من أبواب الصوم المندوب حديث 8 .
3 - الوسائل باب 23 من أبواب الصوم المندوب حديث 13 .
4 - الوسائل باب 23 من أبواب الصوم المندوب حديث 6 . *
[ وأول ذي
الحجة ، وأول رجب ، ورجب كله ، وشعبان كله ، وأيام البيض ، ]
والجمع بين النصوص يقتضي البناء على عدم استحبابه
بالخصوص ، وحمل ما
دل عليه على التقية كما يشهد عليه خبرا سدير وسالم ، وإنما
يستحب بما أنه أحد الأيام
ما لم يضعفه عن الدعاء ولم يلتبس أول الشهر ، وإلا فيكره
.
( و ) منها : صوم ( أول ذي الحجة ) لجملة من النصوص :
ففي مرسل الفقيه :
وروي : إن في أول يوم ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الله (
عليه السلام ) فمن صام ذلك
اليوم كان كفارة ستين سنة . الحديث ( 1 ) . ومثله غيره .
( و ) منها : صوم ( أول رجب ورجب كله ) أو بعضه ( وشعبان
كله ) أو بعضه
للنصوص المستفيضة الدالة على ذلك ( 2 ) . وفي جملة منها
الترغيب إلى صوم بعض كل
منهما ، ويستكشف من المجموع أن كل يوم من الشهرين مطلوب
ومرغوب فيه ،
ولبعض أيامهما خصوصية زائدة ، وما ورد في شعبان على
خلافه يطرح أو يؤول .
( و ) منها : صوم ( أيام البيض ) من كل شهر إجماعا كما
عن المنتهى والتذكرة ،
والنصوص الدالة عليه ( 3 ) ضعيفة سندا ، لكنها بالعمل
منجبرة ، مضافا إلى قاعدة
التسامح ، ولا ينافيها ما في خبر الزهري من جعل صوم تلك
الأيام من المخير إن شاء
صام وإن شاء لم يصم ، فإنه يحمل على إرادة نفي الوجوب ،
وما يظهر من بعض
النصوص من نسخ صومها بصوم الخميس والأربعاء ، للإجماع
على خلافه مطروح .
والمشهور بين الأصحاب : أن أيام البيض هي : الثالث عشر ،
والرابع عشر ،
والخامس عشر ، كما في خبر الصدوق ، وما عن ابن أبي عقيل
من أنها أربعاء بين
خميسين لمخالفته للمجمع عليه ، والخبر ، وعدم انطباقه
على ما جاء في وجه التسمية في
اللغة وغيرها لا بد من طرحه .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 18 من أبواب الصوم المندوب حديث 5 .
2 - الوسائل باب 12 و 22 و 24 من أبواب الصوم المندوب .
[ وكل خميس
، وكل جمعة ، ]
( و )
منها : صوم : ( كل خميس وكل جمعة ) ، قيل : لخبر الزهري عن علي بن
الحسين : وأما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار فصوم
يوم الجمعة والخميس .
الحديث ( 1 ) .
ولخبر عبد الله بن سنان قال : رأيت أبا عبد الله ( عليه
السلام ) صائما يوم الجمعة
فقلت له : جعلت فداك إن الناس يزعمون أنه يوم عيد ؟ فقال
( عليه السلام ) : كلا إنه
يوم خفض ودعة ( 2 ) .
ولما دل على الترغيب على عمل الخير في يوم الجمعة كخبر
هشام بن الحكم
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : في الرجل يريد أن
يعمل شيئا من الخير مثل
الصدقة والصوم ونحو هذا قال ( عليه السلام ) : يستحب أن
يكون ذلك يوم الجمعة ،
فإن العمل يوم الجمعة يضاعف ( 3 ) .
ولكن شيئا منها لا يدل على استحباب الصوم فيهما بالخصوص
، أما الأول :
فلأنه يدل على التخيير وأنه لا يجب ولا يدل على استحبابه
بالخصوص .
وأما الثاني : فلأن فعله ( عليه السلام ) لا يدل إلا على
الاستحباب لا على
استحبابه بالخصوص .
وأما الثالث : فلأن تلك النصوص دالة على حسن الصوم في
الجمعة بما أنه
عبادة لا بما أنه صوم .
فالصحيح أن يستدل له بخبر العيون بإسناده عن الإمام
الرضا ( عليه
السلام ) : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من صام
يوم الجمعة صبرا واحتسابا
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 5 من أبواب الصوم المندوب حديث 1 .
2 - الوسائل باب 5 من أبواب الصوم المندوب حديث 5 .
3 - الوسائل باب 5 من أبواب الصوم المندوب حديث 4 . *
[ ويستحب
الإمساك وإن لم يكن صوما للمسافر القادم بعد الزوال أو قبله
وقد أفطر ، والمريض إذا برئ كذلك ، وكذا الحائض والنفساء
إذا طهرتا ، والكافر
الأصلي إذا أسلم ، والصبي إذا ]
أعطي ثواب صيام عشرة أيام غر زهر لا تشاكل أيام الدنيا (
1 ) . وهو يختص بالجمعة .
وأما الخميس فلم أعثر على رواية تدل عليه ، إلا أن يستدل
له بخبر الزهري
من جهة ذكره في عدد الأيام التي يستحب صيامها ، وإن كان
الخبر مسوقا لبيان عدم
الوجوب لا لبيان الاستحباب ، أو بخبر أسامة : أن النبي
صلى الله عليه وآله كان يصوم
الاثنين والخميس . لكنه وردت روايات أخر أن ذلك كان في
أول الأمر ثم تحول إلى
صيام أيام أخر .
والمحكي عن الإسكافي : أنه لا يستحب فردا يوم الجمعة إلا
أن يصوم معه ما
قبله أو ما بعده ويشهد به خبران ضعيفان أحدهما عن أبي
هريرة ( 2 ) والآخر عن دارم
ابن قبيصة ( 3 ) ، ولكنهما لا يصلحان لتقييد إطلاق خبر
العيون ، فإن التسامح في أدلة
السنن إنما هو في إثبات الاستحباب لا لنفيه وتضييقه .
مسائل : الأولى : ( و ) قد صرح الأصحاب بأنه ( يستحب
الإمساك ) تأديبا
( وإن لم يكن صوما للمسافر القادم بعد الزوال أو قبله
وقد أفطر ، والمريض إذا برئ
كذلك ، وكذا الحائض والنفساء إذا طهرتا ، والكافر الأصلي
إذا أسلم ، والصبي إذا
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 5 من أبواب الصوم المندوب حديث 2 .
2 - الوسائل باب 5 من أبواب الصوم المندوب حديث 6 .
3 - الوسائل باب 5 من أبواب الصوم المندوب حديث 3 . *
[ بلغ ،
والمجنون إذا أفاق ، والمغمى عليه . ]
بلغ ، والمجنون إذا أفاق ، والمغمى عليه ) من غير فرق
فيها بين ما قبل الزوال وما
بعده كما تقدم الكلام فيها مفصلا .
الثانية : إذا صام ندبا ودعي إلى طعام الأفضل له الإفطار
بلا خلاف ، وعن
المعتبر : أن عليه الاتفاق .
وتشهد به نصوص : كخبر الخثعمي عن أبي عبد الله ( عليه
السلام ) : عن الرجل
ينوي الصيام فيلقاه أخوه الذي هو على أمره أيفطر ؟ قال (
عليه السلام ) : إن كان
تطوعا أجزأه وحسب له ، وإن كان قضاء فريضة قضاه ( 1 ) .
وصحيح جميل عنه ( عليه السلام ) : أيما رجل مؤمن دخل على
أخيه وهو صائم
فسأله الأكل فلم يخبره بصيامه فيمن عليه بإفطاره كتب
الله جل ثناؤه له بذلك اليوم
صيام سنة ( 2 ) .
وخبر الرقي عنه ( عليه السلام ) : لإفطارك في منزل أخيك
المسلم أفضل من
صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا ( 3 ) .
وخبر عبد الله بن جندب : قلت لأبي الحسن الماضي ( عليه
السلام ) : أدخل على
القوم وهم يأكلون وقد صليت العصر وأنا صائم فيقولون أفطر
، فقال : أفطر فإنه
أفضل ( 4 ) . إلى غير ذلك من النصوص الدالة عليه .
ثم إن مقتضى إطلاق النصوص وصراحة خبر عبد الله عدم الفرق
بين ما قبل
الزوال وما بعده .
كما أن مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الإعلام بالصوم
وكتمانه ، وعن الحلي :
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 8 من أبواب آداب الصائم حديث 2 .
2 - الوسائل باب 8 من أبواب آداب الصوم حديث 5 .
3 - الوسائل باب 8 من أبواب آداب الصوم حديث 6 .
4 - الوسائل باب 8 من أبواب آداب الصوم حديث 7 . *
[ . . . ]
التخصيص بالثاني ، ولعله لصحيح جميل المتقدم ، ولكنه لا
مفهوم له كي يقيد به إطلاق
سائر النصوص .
قال صاحب الحدائق ره : المستفاد من هذه الأخبار تعليق
الاستحباب على
الدعوة إلى الطعام ، وأما ما اشتهر في هذه الأوقات سيما
في بلاد العجم من تعمد تفطير
الصائم لشئ يدفع إليه من تمرة أو يسير من الحلواء أو نحو
ذلك لأجل تحصيل
الثواب بذلك ، فليس بداخل تحت هذه الأخبار ، ولا هو مما
يترتب عليه الثواب
المذكور فيها .
وفيه : أن أكثر نصوص الباب وإن تضمنت الإفطار بالدعاء
إلى الطعام ، ولكن
خبر الخثعمي مطلق شامل لما اشتهر في هذه الأوقات من غير
تعمد تفطير الصائم بشئ
قليل يدفع إليه ، ولا وجه لتقييد إطلاقه بتلك النصوص
لعدم التنافي بينهما .
ومقتضى إطلاق النصوص وصريح خبر الخثعمي عدم اختصاص هذا
الحكم
بالمندوب ، وشموله للواجب الموسع كالقضاء ، إلا بعد
الزوال الذي قد مر عدم جواز
الإفطار حينئذ .
وقد نص المصنف ره وغيره على اختصاص الحكم بالمؤمن ،
واستدل له بأنه
المتبادر من الأخ ، وبأنه الذي رعايته أفضل من الصوم .
وهو كما ترى .
الثالثة : المعروف بين الأصحاب أنه لا يجوز التطوع
بالصوم لمن عليه قضاء
رمضان ، بل قيل : لا خلاف فيه إلا من السيد في المسائل
الرسية ، وعن جماعة : موافقته
منهم المصنف ره في القواعد .
تشهد للأول جملة من النصوص : كصحيح زرارة عن أبي جعفر ( عليه
السلام )
[ . . . ]
عن ركعتي الفجر قال ( عليه السلام ) : قبل الفجر ، أتريد
أن تقايس ، لو كان عليك
من شهر رمضان أكنت تتطوع ، إذا دخل عليك وقت الفريضة
فابدأ بالفريضة ( 1 ) .
وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : عن
الرجل عليه من شهر
رمضان طائفة أيتطوع ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا حتى
يقضي ما عليه من شهر
رمضان ( 2 ) . ومثله خبر الكناني ( 3 ) .
ونقل المصنف ره عن السيد أنه استدل على ما ذهب إليه
بأصالة البراءة ، وهو
كما ترى .
وهذا لا كلام فيه ، إنما الكلام في أنه إذا كان عليه
واجب آخر غير رمضان من
نذر أو كفارة أو ما شاكل ، فعن ظاهر الأكثر : عدم الجواز
وعن السيد ، وظاهر الكليني
والصدوق وسيد المدارك وغيرهم : الجواز .
واستدل للأول بوجوه :
1 - إن المندوب لا يصلح للتزاحم مع الواجب بل لا محالة
يكون أمره ساقطا .
وفيه : أولا : إنه لو سلم فإنما هو في الواجب المعين ،
والكلام إنما هو في الموسع .
وثانيا : إن لازم ذلك ليس فساد النافلة ، بل تكون
النافلة مع القضاء كسائر
المتزاحمين اللذين يكون أحدهما أهم ، فإنه يصح الإتيان
بالآخر لصحة الترتب .
2 - ما أفاده الشيخ الأعظم ره - وهو : أن الصوم حقيقة
واحدة في الواجب
والمندوب ، وليس بين فردين منه أحدهما واجب والآخر مندوب
اختلاف إلا اختلاف
الزمان ، نعم قد يختلف حكم الواجب والمندوب بعد تحقق
وصفي الوجوب والندب ، فإذا
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 1 .
2 - الوسائل باب 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 5 .
3 - الوسائل باب 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 6 . *
[ . . . ]
طلب حقيقته في يوم من الأيام تخييرا على وجه لا يرضى
الطالب بتركه فيستحيل أن
يطلبه في بعض هذه الأيام على وجه يرضى بتركه .
وبالجملة ليس له أن ينوي بما يأتي به أولا الندب ، لأن
ما يقع أولا لا يجوز تركه
إلا إلى بدل ، ولا يمكن أن يقال إن الثاني أيضا كذلك ،
لأن المفروض عدم تغاير في
حقيقتهما .
أقول : قد تقدم في مبحث النية أن صوم رمضان وكذا الصيام
المستحب في أيام
السنة كما أفاده لا اختلاف فيهما حقيقة ، ولكن الصيام
الآخر كالنذر والكفارة وما
شاكل تكون عناوين أخر دخيلة في الحكم فيها وعليه فذات
الصوم من حيث هو
مندوب ومقيدا بعنوان آخر واجب ، فلو قصد الذات خاصة لا
يقع عن الواجب ، فلا
مانع من وقوعه عن المندوب .
أضف إلى ذلك أنه لو سلم كون الواجب منه بأقسامه والمندوب
حقيقة واحدة
يرد على ما أفاده من أنه إذا طلب حقيقته في يوم من
الأيام تخييرا على وجه لا يرضى
الطالب بتركه فيستحيل أن يطلبه في بعض هذه الأيام على
وجه يرضى بتركه إنه إن
أراد بذلك عدم معقولية طلب الصوم ندبا في جميع الأزمنة
الصالحة لوقوع الواجب
فيها ، فهو خلاف المقطوع به ولا وجه له ، وإن أراد به
عدم معقوليته في زمان يساوي
زمان الواجب ، مثلا لو وجب عليه صوم أحد يومين تخييرا -
لا أمر ندبي بصوم كل من
اليومين بل الأمر الندبي أيضا متعلق بصوم أحدهما - فأحد
اليومين صومه واجب
والآخر مندوب ، وعليه فكما أن الأمر الوجوبي يكون فعليا
من الأول كذلك الأمر
الندبي ، وكما يجوز أن يترك الواجب ولا يأتي بشئ منهما
يجوز أن يأتي بالمندوب ، فالأمر
موجود والزمان صالح لوقوعه ، فأي محذور في الإتيان
بالمندوب . وقد مر في مبحث النية
ما له نفع بالمقام .
3 - ما في الوسائل عن الصدوق بإسناده عن الحلبي وبإسناده
عن أبي
[ . . . ]
الصباح الكناني جميعا عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) :
أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل
بالصيام وعليه شئ من الفرض ( 1 ) ، قال : وقد وردت بذلك
الأخبار والآثار عن الأئمة
عليهم السلام ( 2 ) ، وفي كتاب المقنع قال : اعلم أنه لا
يجوز أن يتطوع الرجل وعليه
شئ من الفرض ، كذلك وجدته في كل الأحاديث ( 3 ) .
والإيراد عليه بأن الخبرين مطلقان من حيث قضاء رمضان
وغيره فيقيد
إطلاقهما بما تقدم من النصوص المختصة بقضاء رمضان ، في
غير محله لما تكرر منا من
عدم حمل المطلق على المقيد في غير المتخالفين .
ولكن الذي يرد على هذا الوجه : أن الصدوق هكذا أفاد في
الفقيه باب الرجل
يتطوع بالصيام وعليه شئ من الفرض : وردت الأخبار والآثار
عن الأئمة عليهم
السلام أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام وعليه شئ من
الفرض ، وممن روى
ذلك الحلبي وأبو الصباح الكناني عن أبي عبد الله ( عليه
السلام ) ، وهذا غير ما نقله
في الوسائل ، وعلى هذا فالصدوق يروي مرسلا ، ويحتمل أن
يكون مراده بالخبرين
السابقين في قضاء شهر رمضان ، بأن فهم منهما عدم
الخصوصية وأن الميزان هو
الفريضة ، ويحتمل أن يكون غيرهما .
ويؤيد الأول أن الكليني والشيخ ره اقتصرا على ذكر
الخبرين ، وعليه فلا يصح
الاستدلال به ، فإنه حينئذ استدلال بما فهمه الصدوق من
الأخبار ، وأما ما عن المقنع
فهو أيضا يحتمل أن يكون مراد المفيد منه ما تقدم من
الخبرين ، وبهذا التقريب يندفع .
الوجه الرابع : الذي استدل به الفاضل النراقي قال : وما
يدل عليه ما في المقنع
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 2 .
2 - الوسائل باب 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 3 .
3 - الوسائل باب 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 4 . *
[ . . . ]
والفقيه وهما بمنزلة خبرين مرسلين مجبورين بحكاية الشهرة
، بل بالشهرة المعلومة .
انتهى : فإنه لم يثبت كونهما خبرين آخرين غير ما تقدم ،
مع أن استناد الأصحاب
إليهما غير ثابت ، ولعلهم كالصدوق فهموا من الصحيحين
المتقدمين في قضاء شهر
رمضان مطلق الفرض .
فالمتحصل : أنه لا دليل على عدم جواز التطوع لمن عليه
فريضة إلا قضاء شهر
رمضان .
ولو لم يتمكن من أداء القضاء كما إذا كان مسافرا ، وقلنا
بجواز الصوم المندوب
في السفر ، أو كان في المدينة وأراد صيام ثلاثة أيام
للحاجة فهل يصح صومه المندوب
كما عن جماعة منهم الشهيد وسيد المدارك ، أم لا يصح كما
قواه صاحب الجواهر ؟
وجهان : من إطلاق النصوص ، ومن انصرافها إلى ما لو تمكن
من القضاء بقرينة ارتكاز
أهمية الفرض المانعة من صلاحية التطوع لمزاحمته ، ولا
مجال لذلك مع عدم التمكن
منه .
وأظهرهما الأول ، فإن المسافر إذا تمكن من الإقامة
والصوم فهو متمكن منه ،
وإلا فلا يجب عليه القضاء ، وليس التطوع حينئذ من قبيل
التطوع لمن عليه فريضة .
ولو نسي الواجب وأتى بالمندوب لا يبعد القول بالصحة كما
أفاده صاحب
الجواهر ره نظرا إلى أن وجوب القضاء يرتفع بجديث رفع
النسيان ، فهو تطوع ممن
ليس عليه فريضة .
ومما ذكرناه يظهر تمامية ما أفاده صاحب الجواهر من تقوية
البطلان في الفرع
الأول والصحة في الثاني ، فلا يرد عليه ما أفاده بعض
المعاصرين من أنه فرق من
دون فارق ، بل الصحة مع النسيان أخفى .
[ . . . ]
نذر التطوع بالصوم ممن عليه قضاء
ولو نذر التطوع على الإطلاق صح وإن كان عليه واجب ، لأن
الاشتغال به
يمنع عن صحة التطوع لا عن صحة نذره ، فإذا تحقق النذر
فهل يجوز الإتيان بالمنذور
قبل ما عليه من القضاء نظرا إلى أنه بعد النذر ليس تطوعا
بل هو فريضة غير
مشمولة للنصوص ، أم لا لما أفاده بعض المعاصرين من أنه
إذا كان لا يجوز التطوع
لمن عليه الفرض فلا يجوز أن يكون للمنذور إطلاق يشمله بل
يختص بغيره فلا يكون
الإتيان به قبل الواجب فردا للمنذور ؟ وجهان : أظهرهما
الثاني - وسيأتي الكلام فيه
في الفرع اللاحق ، وبه يظهر حكم المقام وهو ما لو نذر
أياما معينة لا يمكن إتيان
الواجب قبلها ، ففي صحة نذره إشكال فاختار السيد الفقيه
الطباطبائي صحة النذر ،
وكذلك المحقق النائيني ره .
واستدل السيد لذلك : بأن متعلق النذر وإن كان لا بد وأن
يكون راجحا إلا أن
المعتبر هو الرجحان ولو بالنذر ولا يعتبر كونه راجحا مع
قطع النظر عن النذر ، وعليه
فإذا نذر التطوع فحيث إنه بالنذر يخرج عن كونه تطوعا
فيكون راجحا فتشمله أدلة
الوفاء بالنذر .
وفيه : أن صيرورته بالنذر راجحا متوقفة على شمول دليل
الوفاء له ليصير
واجبا ويخرج عن كونه تطوعا ، وشمول الدليل متوقف على
كونه راجحا ، إذ لو لم
يكن راجحا لما شمله الدليل لتقيده بذلك ، وهذا دور واضح
، مع أنه خلاف ظاهر
الأدلة ، فإنها ظاهرة في اعتبار الرجحان مع قطع النظر عن
النذر .
واستدل المحقق النائيني ره له : بأن الصوم في نفسه عادة
راجحة يجوز تعلق
النذر بها ، فيكون بعده واجبا ، ويخرج بذلك عن موضوع
التطوع فلا تشمله الأدلة
[ ولا يصح
صوم الضيف تطوعا بدون إذن المضيف ]
المانعة ، إذ المفروض أن فعل الصوم المنذور قبل الفريضة
فعل الواجب لا فعل
المندوب .
وفيه : أن الصوم مطلقا ليس عبادة راجحة ، فإن الواقع منه
ممن عليه قضاء ليس
عبادة راجحة بمقتضى الأدلة ، فالأظهر عدم صحة النذر .
وبذلك يظهر أن المنذور إذا كان مطلقا لا يصح الإتيان به
قبل القضاء ، مع أن
ظاهر النصوص النهي عن الصوم الذي يكون مندوبا بعنوانه
ولو صار واجبا بعنوان
آخر ، فلو أمر به الوالد لا يجوز وكذلك النذر ، فلو كان
ما عليه من الصوم الواجب
استيجاريا ، فهل يجوز التطوع قبله أم لا ؟ الظاهر ذلك
لاختصاص النصوص بقضاء
نفسه ، ولا تشمل ما يقضيه عن غيره .
الرابعة : المعروف بين الأصحاب تقيد صيام التطوع لطوائف
الإذن ، وبه
تدل الأخبار الآتية ، والكلام إنما هو في أنه على وجه
اللزوم أو الفضيلة ، وتنقيح القول
بالبحث في كل واحدة من تلك الطوائف مستقلا .
الأول : ( و ) قد صرح غير واحد منهم : الشيخان ، والحلي
، والمحقق في المعتبر
والنافع ، والمصنف في المقام بأنه ( لا يصح صوم الضيف
تطوعا بدون إذن المضيف ) .
وعن سلار وابني زهرة وحمزة وفي المنتهى : أنه يصح لكنه
مكروه ، بمعنى أن
الأفضل أن يستأذن وإن لم يأذن لا يصوم وإن كان لو صام
يصح ، وعن ظاهر الدروس
وفخر المحققين وفي الشرائع : اختيار الأول مع النهي ،
والثاني مع السكوت .
واستدل الأولون : بجملة من الأخبار : كخبر الفضيل بن
يسار عن أبي عبد الله
( عليه السلام ) : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف
[ . . . ]
على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف
أن يصوم إلا بإذنهم
لئلا يعملوا له الشئ فيفسد عليهم ، ولا ينبغي لهم أن
يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا
يحشمهم فيشتهي الطعام ( 1 ) .
وخبر الزهري عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) - في حديث
- وأما صوم
الإذن فإن المرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها ، والعبد
لا يصوم تطوعا إلا بإذن
سيده ، والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ( 2 ) .
وخبر هشام بن الحكم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) :
قال رسول الله صلى
الله عليه وآله : من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا
بإذن صاحبه ( 3 ) .
وخبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه جميعا عن الصادق
( عليه
السلام ) عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله
عليه وآله لعلي ( عليه
السلام ) : يا علي لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها
، ولا يصوم العبد تطوعا إلا
بإذن مولاه ، ولا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه ( 4 )
.
وهذه النصوص وإن كانت جملة منها ظاهرة في عدم الجواز ولا
يصغى إلى ما
قيل من عدم ظهور الجملة الخبرية في اللزوم ، أو إلى أن
قوله في خبر الفضيل : ولا
ينبغي للضيف . . . إلى آخر ظاهر في الكراهة وبه ترفع
اليد عن ظهور غيره لا أقل
من التساوي ، فيرجع إلى الأصل أو إلى أنه في خبر الزهري
جعل صوم الإذن في مقابل
الصوم المحرم ، وهذا أية عدم الحرمة فإنه يرد الأول : ما
تقدم مرارا من أن الجملة
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 9 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث 1 .
2 - الوسائل باب 10 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
1 .
3 - الوسائل باب 10 من أبواب ابصوم المحرم والمكروه حديث
2 .
4 - الوسائل باب 10 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
4 . *
[ ولا
المرأة بدون إذن الزوج ]
الخبرية الظاهرة في اللزوم ، ويرد الثاني : أن لا ينبغي
في الأخبار ليس ظاهرا في الكراهة ،
ويرد الثالث : أنه يمكن أن يكون جعله في مقابل الصوم
الحرام ، إن هذا الصوم وإن لم
يصح بدون الإذن إلا أنه يصح معه .
ولكن جميعها ضعيفة سندا سيما ما كان منها ظاهرا في
اللزوم ، وعليه فلا تصلح
مدركا إلا للحكم غير اللزومي ، بمعنى أن الأفضل أن لا
يصوم بدون إذنه .
وأما القول الثالث فقد تصدى صاحب الجواهر ره لذكر وجه له
، ولكن
الاعتراف بعدم العثور على مدركه أليق بشأنهم مما ذكره ،
ثم إنه إذا جاء الضيف نهارا
وكان صائما تطوعا فهل يشترط إذن المضيف صحة أو فضلا أم
لا ؟ الظاهر هو الثاني
لظهور النصوص في ابتداء الصوم ، وعلى فرض شمولها
للاستدامة أيضا لو جاء قبل
الزوال فلا كلام ، ولو جاء بعد الزوال فقد يقال إنه يقع
التعارض بين ما دل على
اشتراط الصوم بالإذن وبين ما دل على كراهة رفع اليد عن
الصوم المندوب بعد الزوال ،
والنسبة عموم من وجه ، والترجيح مع الثاني لأصحية السند
.
( و ) الثاني : المشهور بينهم شهرة عظيمة أنه ( لا ) يصح
صوم ( المرأة ) تطوعا
( بدون إذن الزوج ) .
وعن المعتبر : دعوى الإجماع عليه ، وهو ظاهر المنتهى .
وتشهد به نصوص ، لاحظ صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (
عليه
السلام ) : قال النبي صلى الله عليه وآله : ليس للمرأة
أن تصوم تطوعا إلا بإذن
زوجها ( 1 ) .
وصحيحه الآخر عنه ( عليه السلام ) : جاءت امرأة إلى
النبي صلى الله عليه
وآله فقالت ، يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة قال
صلى الله عليه وآله : أن تطيعه
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 8 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث 1 . *
[ . . . ]
ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعا
إلا بإذنه ( 1 ) .
وخبر هشام المتقدم : ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم
تطوعا إلا بإذنه
وأمره . ونحوها غيرها وظهورها في عدم الجواز لا ينكر .
إلا أنها بإزائها خبرين : أحدهما : خبر علي بن جعفر عن
أخيه : عن المرأة تصوم
تطوعا بغير إذن زوجها قال ( عليه السلام ) : لا بأس ( 2
) .
ثانيهما : مرسل القاسم بن عروة عن بعض أصحابه عن أبي عبد
الله عليه السلام :
لا تصلح للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن
زوجها ( 3 ) . بدعوى ظهور لا
يصلح في الكراهة ، ولأجلها اختار جماعة منهم السيدان في
الجمل والغنية وغيرهما
عدم الحرمة .
ولا وجه لما في الحدائق والمستند من حمل خبر علي بن جعفر
على الصوم
الواجب للتصريح فيه على ما في الوسائل بالتطوع ، اللهم
إلا أن يكون ذلك اشتباها
من صاحب الوسائل وهما قد أخذا الرواية من كتاب علي وكان
فيه بدون ذكر
التطوع ، ولكن سنده غير نقي ، والثاني غايته عدم الظهور
في الحرمة لا الظهور في
عدم الحرمة . فإذا لا يصح ما أفاده المشهور من عدم الصحة
بدون إذن زوجها .
ولا فرق بين كون الزوج حاضرا أو غائبا ، ولا في الزوجة
بين الدائمة والمنقطعة
لإطلاق النصوص ، اللهم إلا أن يقال : إن من المعلوم كون
هذا الحكم رعاية لحقه ، فلو
كان غائبا ، لا يكون الصوم بدون إذنه منافيا لحقه ،
وعليه فلو أحرزت رضاه - وإن لم
يأذن صريحا - لا إشكال في الصوم ، ولو كان الزوج طفلا ،
لا يكون مشمولا للنصوص
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 8 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث 3 .
2 - الوسائل باب 8 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
5 .
3 - الوسائل باب 8 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
2 . *
[ ولا الولد
بدون إذن الوالد ولا المملوك بدون إذن المولى والمكروه
النافلة سفرا والمدعو إلى طعام وعرفة مع ضعفه عن الدعاء أو
شك الهلال ]
لظهوره فيمن له قابلية الإذن .
( و ) الثالث : صرح غير واحد بأنه ( لا ) يصح صوم (
الولد بدون إذن الوالد )
ومدركهم خبر هشام المتقدم : ومن بر الولد لأبويه أن لا
يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه
وأمرهما وإلا كان - إلى أن قال - والولد عاقا . بتقريب
أن بر الوالدين واجب وعقوقهما
حرام وسبب الحرام حرام .
ولكن يرد عليه : أنه ضعيف السند بل والدلالة ، فإن كل ما
هو بر بالوالدين
لا يكون واجبا ، والعقوق لا يتحقق بدون النهي ، ولذا ذهب
جماعة منهم المصنف ره في
المنتهى والمحقق في الشرائع إلى الكراهة .
( و ) الرابع : قالوا : ( لا ) يصح صوم ( المملوك بدون
إذن المولى ) وقد ظهر حكمه
مما أسلفناه مع أنه لا يترتب على هذا البحث أثر في
زماننا .
( و ) أما
الصوم ( المكروه ) على حسب كراهية غيره من العبادات ، بمعنى
ترتب عنوان أرجح من الفعل على الترك أو ملازمته معه ،
فله أقسام ، وقد ذكر المصنف
ره ثلاثة منها :
الأول : صوم ( النافلة سفرا ) وقد تقدم أن الأظهر حرمته
إلا ما خرج بالدليل .
( و ) الثاني : ( المدعو إلى طعام ) وقد مر مدركه .
كما أنه قد تقدم مدرك الثالث ( و ) هو صوم يوم ( عرفة مع
ضعفه عن الدعاء
أو شك الهلال ) .
ومما ذكرناه في المباحث المتقدمة ظهر أن له أقساما أخر ،
وحيث إن الكراهة في
[ والمحرم
صوم العيدين ، وأيام التشريق لمن كان بمنى ]
المقام بالمعنى المشار إليه فلا سبيل إلى الاعتراض في
بعض الأقسام بأن النصوص
إنما تدل على أفضلية القطع والإفطار لا كراهة الصوم كما
عن سيد المدارك ، فإن
الكراهة في المقام معناها ذلك ، وإلا فالكراهة بمعنى
مرجوحية الفعل غير متصورة في
العبادات .
( و ) أما
الصوم ( المحرم ) فعشرة كما صرحوا به :
الأول والثاني : ( صوم العيدين ) بإجماع علماء الإسلام
والنصوص المستفيضة ،
كذا في الجواهر ، وفي المنتهى ، وهو مذهب العلماء كافة ،
وفي المستند : بل الضرورة
الدينية كما قيل ، نعم استثنى الشيخ من ذلك خصوص القاتل في
أشهر الحرم فإنه
يصوم شهرين منها وإن دخل فيهما العيد وسيمر عليك وجهه .
الثالث والرابع : ( و ) الخامس : صوم ( أيام التشريق لمن
كان بمنى ) وهي
الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة بلا
خلاف فيه في الجملة .
وفي المنتهى ذهب إليه علمائنا أجمع . انتهى .
لاحظ طرفا من النصوص الدالة على ذلك ، ففي خبر الزهري عن
علي بن
الحسين ( عليه السلام ) - في حديث - : وأما الصوم الحرام
فصوم يوم الفطر ويوم
الأضحى وثلاثة أيام من أيام التشريق . الحديث ( 1 ) .
وصحيح ابن أبي عمير عن كرام عن أبي عبد
الله ( عليه السلام ) : إني جعلت
على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم فقال ( عليه السلام )
: صم ولا تصم في السفر
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث 1 . *
[ . . . ]
ولا العيدين ولا أيام التشريق . الحديث ( 1 ) .
وخبر الحسين بن زيد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن
آبائه : أن رسول
الله صلى الله عليه وآله نهى عن صيام ستة أيام : يو
الفطر ويوم الشك ويوم النحر ،
وأيام التشريق ( 2 ) . ونحوها غيرها .
وهذه النصوص وإن كانت مطلقة شاملة لسائر الأمصار ، إلا
أنه يقيد إطلاقها
بطائفة أخرى من النصوص : كصحيح معاوية بن عمار عن الإمام
الصادق ( عليه السلام ) :
عن صيام أيام التشريق فقال : أما بالأمصار فلا بأس به
وأما بمنى فلا ( 3 ) .
وقريب منه صحيحه الآخر ( 4 ) .
واستثنى من ذلك أيضا القاتل في أشهر الحرم كما في العيد
، حكي عن استثنائه
كسابقه عن المقنع والمبسوط والنهاية والتهذيب والاستبصار
وغيرها ، ويشهد به خبر
زرارة : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : رجل قتل رجلا
خطئا في الشهر الحرام قال
( عليه السلام ) : تغلظ عليه الدية وعليه عتق رقبة أو
صيام شهرين متتابعين من أشهر
الحرم قلت : فإنه يدخل في هذا شئ قال : وما هو ؟ قلت :
يوم العيد وأيام التشريق قال
( عليه السلام ) : يصومه فإنه حق يلزمه ( 5 ) . ومثله
خبره الآخر فيمن قتل رجلا في
الحرم ( 6 ) .
وأورد عليها تارة بضعف السند ، وأخرى بالشذوذ والندرة ،
وثالثة بعدم دلالتهما
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث 8 .
2 - الوسائل باب 1 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
4 .
3 - الوسائل باب 2 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
1 .
4 - الوسائل باب 2 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
2
5 - الوسائل باب 8 من أبواب الصوم المحرم
والمكروه حديث 1 .
6 - الوسائل باب 8 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
2 . *
[ ويوم الشك
على أنه من رمضان ، وصوم نذر المعصية وصوم الصمت ]
على أنه يصوم يوم العيد - وأيام التشريق بمنى .
ولكن يرد على ذلك : أن سند الأول صحيح ببعض طرقه ،
والثاني صحيح
بجميع طرقه ، وإفتاء من ذكرناه من الأعاظم ومن لم نذكره
يخرجهما عن
الشذوذ ، وظهورهما في صوم العيد وأيام التشريق لا ينكر .
نعم لم يصرح فيهما بصومه
أيام التشريق بمنى ، لكنه بقرينة ذكر العيد ظاهر في ذلك
ومع ذلك كله لعدم إفتاء
المعظم به يتوقف في الإفتاء .
( و ) السادس : صوم ( يوم الشك ) في أنه من رمضان أو
شعبان ( على أنه من
رمضان ) وقد تقدم الكلام فيه في مبحث النية .
( و ) السابع : ( صوم نذر المعصية ) وهو أن ينذر الصوم
إن فعل محرما أو ترك
واجبا ويقصد بذلك الشكر على تيسر ذلك له لا الزجر عنه ،
والمائز النية ، ولا خلاف
في حرمته .
ويشهد به خبر الزهري عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) -
في حديث - :
وصوم نذر المعصية حرام ( 1 ) . ونحوه خبر محمد بن حماد
بن عمرو وأنس بن محمد عن
أبيه جميعا عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) المتضمن
لوصية النبي صلى الله عليه
وآله لعلي ( عليه السلام ) ( 2 ) ، وضعف السند منجبر
بالعمل .
( و ) الثامن : ( صوم الصمت ) بلا خلاف فيه .
وفي المنتهى : قاله علمائنا أجمع ، ففي خبر الزهري عن
علي بن الحسين ( عليه
السلام ) : وصوم الصمت حرام ( 3 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 6 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث 1 .
2 - الوسائل باب 6 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
2 .
3 - الوسائل باب 5 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
2 .
[ والوصال ]
وفي صحيح زرارة عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ولا
صمت يوما إلى الليل .
ونحوهما غيرهما .
والمراد بصوم الصمت على ما صرح به الأصحاب هو أن ينوي
الصوم ساكتا
بأن يجمع في النية بين قصد الإمساك عن المفطرات والكلام
على ما كان متعارفا في بني
إسرائيل ، وفسر به قوله تعالى : ( فإما ترين من البشر
أحدا فقولي إني نذرت للرحمن
صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) ( 2 ) لا نية الإمساك عن
الكلام خاصة ، وإن كانت هي
أيضا حراما تشريعا .
وعلى هذا فلو نوى الإمساك عن المفطرات والكلام ، فعن سيد
المدارك أن
الأصحاب وإن أفتوا بفساده ولكن يحتمل الصحة لصدق
الامتثال بالإمساك عن
المفطرات مع النية وتوجه النهي إلى الصمت المنوي ونيته
وهو خارج عن حقيقة
العبادة .
وفيه : أن مدرك الفساد هو الأخبار والإجماع وهما يدلان
على حرمة الصوم
نفسه ، فيكون فاسدا كما أفاده الأصحاب .
( و ) التاسع : صوم ( الوصال ) لا خلاف في حرمته .
وفي المنتهى ذهب إليه علماؤنا أجمع ، ويشهد به صحيح منصور
بن حازم عن
أبي عبد الله - في حديث - لا وصال في صيام ، ولا صمت
يوما إلى الليل ( 3 ) .
وصحيح زرارة عنه ( عليه السلام ) - في حديث - : لا وصال
في صيام ( 4 ) . ونحوهما
غيرهما .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 5 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث 1 .
2 - سورة مريم آية 26 .
3 - الوسائل باب 4 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
2 .
4 - الوسائل باب 4 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
1 . *
[ - والواجب
في السفر إلا النذر المقيد به وبدل دم المتعة والبدنة لمن أفاض
من عرفات قبل الغروب عامدا أو يكون سفره أكثر من حضره وهو
كل من
ليس له في بلد المقام عشرة أيام . ]
وقد وقع الخلاف في المراد من الوصال ، فعن الشيخين
والصدوق وفي الشرائع
وعن المختلف بل الأكثر : أن ينوي صوم يوم وليلة إلى
السحر ، وعن الشيخ في
الاستبصار والحلي والمصنف في بعض كتبه وغيرهم : هو أن
يصوم يومين مع ليلة .
ويشهد للأول منهما : مرسل الصدوق قال الصادق ( عليه
السلام ) : الوصال
الذي نهي عنه هو أن يجعل الرجل عشاءه سحوره ( 1 ) .
وصحيح البختري عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : الواصل
في الصيام يصوم
يوما وليلة ويفطر في السحر ( 2 ) . ونحوه صحيح الحلبي (
3 ) .
ويشهد للقول الثاني : خبر محمد بن سليمان عن أبيه عن
الإمام الصادق ( عليه
السلام ) - في حديث - : وإنما قال رسول الله : ولا وصال
في صيام ، يعني لا يصوم الرجل
يومين متواليين من غير إفطار ( 4 ) .
ولا تنافي بين النصوص ، بل الجمع بينهما يقتضي البناء
على إرادة الأعم كما عن
الاقتصار والمسالك والروضة وفي الجواهر وغيرها .
( و ) العاشر : الصوم ( الواجب في السفر إلا النذر
المقيد به وبدل دم المتعة
والبدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا أو يكون
سفره أكثر من حضره ،
وهو كل من ليس له في بلد مقام عشرة أيام ) وقد مر الكلام
في المستثنى الأول
والمستثنى منه مفصلا ، وسيأتي الكلام في الثاني والثالث
من المستثني في كتاب الحج ،
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 4 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث 5 .
2 - الوسائل باب 4 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
9 .
3 - الوسائل باب 4 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
7 .
4 - الوسائل باب 4 من أبواب الصوم المحرم والمكروه حديث
10 . *
[ . . . ]
وفي الرابع في الباب الرابع ، وأما تعريف كثير السفر بما
أفاده فقد تقدم الكلام فيه في
الجزء الخامس من هذا الشرح .
ثم إنه وقع الكلام في أن حرمة الصوم في الموارد المشار
إليها هل هي ذاتية كما
هو ظاهر كلمات الأصحاب ، أم تشريعية كما هو ظاهر سيد
المدارك ؟ وقبل بيان ما هو
الحق لا بد من بيان موضوع الحرمة الذاتية .
أقول : لا إشكال في أن موضوع الحرمة ليس ذات الصوم - مع
قطع النظر عن
قصد التقرب أو عنوان آخر - إذ لا خلاف بينهم في أن مجرد
البناء على الإمساك بلا
قصد القربة ليس حراما ، كما أنه ليس المراد الصوم بقصد
التقرب الجزمي أو
الاحتمالي ، إذ مع إمكانهما لا يعقل النهي عنهما ، لأن
حسن الإطاعة ذاتي ، ومع عدم
إمكانهما أيضا لا يعقل النهي لعدم القدرة ، بل الموضوع
إما الصوم تشريعا فيكون
التشريع الخاص محرما من حيث كونه تشريعا ومن حيث كونه
تشريعا خاصا ، أو
الصوم المأتي به بعنوان إظهار العبودية والتخضع الذي لا
يتوقف صدق العبادة عليه
إلا على العلم بكونه أدبا يليق الخضوع به ، وقد كشف الشارع
عن ذلك بالأمر فيما
ليس للعرف طريق إلى كشفه ، ولعل هذا مراد
المشهور ، حيث إنه نسب إليهم القول
بالعبادة الذاتية في قبال ما يكون عبادة بالأمر .
فإن قيل : إذا كان الشئ أدبا وحسنا ذاتيا ، فالنهي عنه
يكون نظير النهي عن
الإطاعة .
قلنا : إنه يمكن أن يكون ما يضم إليه موجبا لخروجه عن
ذلك ومانعا عن
اتصافه بالحسن .
[ مسائل :
الأولى الصوم الواجب ينقسم إلى مضيق وهو رمضان
وقضائه والنذر والاعتكاف ومخير وهو صوم كفارة أذى حلق
الرأس وكفارة
رمضان وجزاء الصيد ]
إذا عرفت هذا فاعلم : أن ظاهر النصوص المتضمنة أن صوم
الوصال ، أو صوم
الصمت ، أو صوم العيدين ، أو غير ذلك حرام هو كون الحرمة
ذاتية لا لما قيل من أن
موضوع الحرمة التشريعية التشريع القلبي لا العمل
الجوارحي ، فإن هذا مردود بأن
التشريع إنما يوجب حرمة الفعل الجوارحي ، بل لظهورها
فيها في أنفسها ، فالأظهر
ما هو المشهور من الحرمة الذاتية بالمعنى الذي ذكرناه .
( مسائل :
الأولى : الصوم الواجب ينقسم إلى ) أقسام :
منها : ما يجب الصوم مع غيره ، وهي كفارة قتل العمد ،
وكفارة من أفطر على محرم
في شهر رمضان ، فإنه تجب فيهما الخصال الثلاث إجماعا .
وتشهد للأول نصوص تأتي ، والكلام في الثاني قد مر .
( ومنها ) : ما يجب الصوم ال ( مضيق ) خاصة أي يجب الصوم
معينا ( وهو
رمضان ، وقضائه والنذر ) المعين ( والاعتكاف ) وقد مر
الكلام في الثلاثة الأولى ،
والكلام في الأخير سيأتي في الاعتكاف ، وستعرف أن كفارته
كفارة شهر رمضان .
( و ) منها : ما يجب الصوم ال ( مخير ) بينه وبين غيره (
وهو صوم كفارة أذى
حلق الرأس وكفارة رمضان ) وكفارة إفساد الاعتكاف ( وجزاء
الصيد ) فإن المكلف
مخير في الأول بين دم شاة أو صيام ثلاثة أيام أو التصدق
على ستة مساكين لكل واحد
مدان ، ومخير في الثلاثة الأخيرة بين الخصال الثلاث ،
وقد مر الكلام في الأول منها
وسيأتي في الأخيرين .
[ ومرتب وهو
صوم كفارة اليمين وقتل الخطإ والظهار ودم الهدي وكفارة
قضاء رمضان .
الثانية كل الصوم يجب فيه التتابع إلا النذر المطلق -
وشبهه
والقضاء وجزاء الصيد والسبعة في بدل الهدي . ]
( و )
منها : ما يجب الصوم ال ( مرتب ) على غيره ( وهو صوم كفارة اليمين وقتل
الخطإ والظهار ودم الهدي وكفارة قضاء رمضان ) وسيأتي
الكلام في الأربعة الأولى ،
وقد مر في الأخير .
( الثانية
) : المشهور بين الأصحاب أن ( كل الصوم يجب فيه التتابع إلا )
صوم ( النذر المطلق ) أي المجرد عن التتابع ( وشبهه ) من
يمين وعهد ، ( و ) صوم
( القضاء ) عن رمضان أو غيره ، ( و ) صوم ( جزاء الصيد
والسبعة في بدل الهدي ) وقد
وقع الكلام في كل من الكبرى الكلية ، والأربعة المستثناة
.
أما الكبرى : فعن المدارك : يمكن المناقشة في وجوب
المتابعة في صيام كفارة
قضاء رمضان وحلق الرأس وصوم الثمانية عشر في بدل البدنة
وبدل الشهرين لإطلاق
الأمر بالصوم في جميع هذه الموارد فيحصل الامتثال مع
التتابع وبدونه . انتهى .
وفي الحدائق : وهو جيد إلا بالنسبة إلى كفارة قضاء شهر
رمضان . انتهى .
أقول : إن التتابع لازم في الصوم الذي عين فيه الزمان
كصوم رمضان أو نص
عليه في الكتاب أو السنة ، وفي غير ذينك لا يجب التتابع
للأصل ، ولصحيح عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : كل صوم يفرق إلا
ثلاثة أيام في كفارة اليمين ( 1 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 10 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 1 . *
[ . . . ]
وخبر سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن ( عليه السلام
) - في حديث
- : إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار وكفارة الدم
وكفارة اليمين ( 1 ) . فإنه بالمفهوم
يدل على ذلك .
فإن قيل : إن المراد بالصحيح عدم التفرقة ولو على بعض
الوجوه الآتية ، وإن
الحصر في الخبر إضافي بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان بقرينة
السؤال .
قلنا : يرد الأول : أن مقتضى إطلاقه التفرقة بقول مطلق
لا على بعض الوجوه .
ويرد الثاني : إن كون السؤال عن مورد لا يوجب تقييد
الدليل وجعل الحصر
إضافيا لا حقيقيا .
وأما النذر : فعن الشهيد في الدروس : عن ظاهر الشاميين
وجوب المتابعة في
النذر المطلق ، واستدل له : بأن منصرف الإطلاق التتابع ،
واستشهد عليه بفهم
الأصحاب ذلك في أقل الحيض وأكثره مدة الاعتكاف وعشرة
الإقامة وما شاكل .
وفيه : أن التقدير في تلك الموارد إنما هو لأمر واحد
مستمر ، والصوم ليس كذلك ،
بل هي أعمال متعددة في أزمنة متفرقة ، وقد نقل فيها
أقوال أخر لا مدرك لشئ منها في
مقابل الإطلاقات والأصل .
نعم في خبر الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله - أو أبي
جعفر على اختلاف
الطرق ولعله خبران - في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه
خمسة عشر يوما ثم
عرض له أمر فقال ( عليه السلام ) : إن كان صام خمسة عشر
يوما فله أن يقضي ما
بقي وإن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجزه حتى يصوم شهرا
تاما ( 2 ) .
ولكنه وارد في مقام بيان حكم عروض المانع
عن التتابع في الصوم المنذور الذي
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 10 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 3 .
2 - الوسائل باب 5 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 1 .
*
[ الثالثة
كل ما يشترط فيه التتابع ]
اعتبر فيه التتابع كما لو نذر شهرا بمعنى ما بين
الهلالين ، فلا إطلاق له من الجهة
المبحوث عنها ، بل لا يبعد ظهوره في خصوص ذلك .
وأما صوم القضاء : فقد استقرب الشهيد في محكي الدروس
وجوب التتابع في
قضاء النذر المشروط فيه التتابع كنذر ثلاثة أيام متتابعة
في شهر رجب ، وعن القواعد :
التردد فيه .
واستدل له : بقوله ( عليه السلام ) : من فاته فريضة
فليقضها كما فاتته . وقوله
( عليه السلام ) : اقض ما فات كما فات . وبأن القضاء عين
الأداء فإذا كان الأداء
متتابعا فالقضاء كذلك .
ولكن المرسلين قد مر أنه لا وجود لهما في كتب الأحاديث
حتى في كتب العامة ،
مع أنهما مختصان بالفريضة في نفسها لا بما هو موضوع
النذر ، والأخير يرد عليه أنه
لو سلم وجود الدليل على وجوب قضاء الصوم المنذور فغايته
قضاء الصوم بما هو صوم ،
وأما القيود الخارجة عن مفهومه المأخوذة في موضوع النذر
فلا دليل على لزوم رعايتها
في القضاء .
وعن أبي الصلاح : لزوم التتابع في قضاء رمضان وقد مر ما
فيه .
وأما صوم جزاء الصيد : فعن المفيد والديلمي والسيد
المرتضى : وجوب المتابعة
في صيام ستين بدل النعامة . وسيأتي الكلام فيه في كتاب
الحج منقحا .
وأما السبعة في بدل الهدي : فعن القديمين ، وجوب
المتابعة فيها والكلام فيها
في كتاب الحج .
الإفطار لعذر في أثناء الصوم
المعتبر فيه التتابع
( الثالثة
) : قد صرح جماعة من الأصحاب بأن ( كل ما يشترط فيه التتابع )
[ إذا أفطر
لعذر بنى ]
من أفراد الصوم ( إذا أفطر ) في أثنائه ( لعذر بنى )
عليه بعد زواله .
وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق بين صوم الشهرين وصوم
الثمانية عشر
وصوم الثلاثة ، وأيضا يقتضي عدم الفرق بين كون العذر هو
الحيض أو المرض أو
غيرهما .
وقد وقع الخلاف بينهم في موردين - بعد الاتفاق على ذلك
في صيام الشهرين
إذا أفطر في الأثناء لحيض أو مرض - :
الأول : في اختصاص الحكم بالشهرين والشمول للأقل ، فعن
الانتصار والغنية
والاقتصاد وصريح السرائر وظاهر النافع والإرشاد وصريح
التحرير : الثاني ، بل عن
الأولين : الإجماع عليه ، وظاهر المبسوط والجمل وعن
القواعد والدروس والمسالك
والمدارك وجوب الاستئناف في الثلاثة مطلقا ، وزاد سيد
المدارك فخص البناء
بالشهرين .
الثاني : في أنه هل يختص هذا الحكم بالحيض والمرض أم لا
؟ فيه أقوال : أحدها :
الاختصاص بهما فلا يشمل حتى للإفطار بمثل النسيان .
ثانيها : الاختصاص بمعنى الاقتصار على الأعذار غير
الاختيارية فلا يشمل
مثل السفر الضروري ، ذهب إليه في محكي الخلاف والوسيلة
وظاهر المبسوط والجمل
والاقتصاد ، وظاهر الأول الإجماع عليه .
ثالثها : الشمول للسفر الضروري ، ذهب إليه الشيخ في محكي
النهاية ،
والمصنف في أكثر كتبه ، والمحقق في جملة منها ،
والشهيدان .
وتنقيح القول في المقام : أنه لا ريب في البناء في صيام
الشهرين إذا أفطر في
الأثناء لحيض أو مرض - والنصوص الشاهدة به كثيرة - لاحظ
صحيح رفاعة عن
أبي عبد الله ( عليه السلام ) : يبني عليه الله حبسه قلت
: امرأة كان عليها صيام شهرين
[ . . . . ]
متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها قال ( عليه السلام ) :
تقضيها قلت : فإنها قضتها
ثم يئست من الحيض قال ( عليه السلام ) : لا تعيدها
أجزأها ذلك ( 1 ) .
وصحيح سليمان بن خالد عنه ( عليه السلام ) : عن رجل كان
عليه صيام
شهرين متتابعين فصام خمسة وعشرين يوما ثم مرض فإذا برأ
يبني على صوم أم يعيد
صومه كله ؟ قال ( عليه السلام ) : بل يبني على ما كان
صام ، ثم قال : هذا مما غلب الله
عليه وليس على ما غلب الله عليه شئ ( 2 ) . ونحوهما
غيرهما .
وبإزائها ما يدل على الفرق بين صيام شهر وشئ من الثاني ،
وبين صيام
الأقل ، فيبني على الأول دون الثاني كخبر أبي بصير عن
أبي عبد الله ( عليه السلام ) :
عن قطع صوم الكفارة : إن كان على رجل صيام شهرين
متتابعين فأفطر أو مرض في
الشهر الأول فإن عليه أن يعيد الصيام ، وإن صام الشهر
الأول وصام من الشهر الثاني
شيئا ثم عرض له ما له فيه عذر فإن عليه أن يقضي ( 3 ) .
وصحيح محمد بن حمران وجميل عنه ( عليه السلام ) : في
الرجل يلزمه صوم
شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض قال ( عليه
السلام ) : يستقبل فإن
زاد على الشهر الأول يوما أو يومين بنى على ما بقي ( 4 )
. ونحوهما صحيح الحلبي في
مطلق الإفطار .
ولكن إن أمكن الجمع بين الطائفتين بحمل الثانية على
الاستحباب ، وإلا
فالمتعين هو طرح الثانية لأرجحية الأولى من وجوه لا تخفى
.
ثم إن النصوص وإن اختصت بالمرض والحيض ولكن من جهة ما
فيها من
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 10 .
2 - الوسائل باب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 12 .
3 - الوسائل باب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 6 .
4 - الوسائل باب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 3 .
*
[ . . . ]
الكبرى الكلية لا إشكال في شمولها لكل عذر غير اختياري ،
ومنه ما إذا نسي النية
حتى فات وقتها بأن تذكر بعد الزوال ، أو إذا نسي فنوى
صوما آخر ولم يتذكر إلا
بعد الزوال ، كما صرح بذلك ثاني الشهيدين وسيد المدارك
وصاحب الجواهر وغيرهم ،
وتوقف فيه صحاب الحدائق ره مستدلا : بأن النسيان ليس من
الله تعالى بل هو من
الشيطان كما يشير إليه قوله تعالى ( فأنساه الشيطان ذكر
ربه ) ( 1 ) .
وفيه : أن المراد من قوله ( عليه السلام ) : ما غلب الله
عليه . . . إلخ هو العارض
غير الاختياري ولو بتوسط المخلوق كما هو الظاهر ، فلا
إشكال في الشمول .
وقد استدل لشمول النصوص للسفر الضروري ونحوه ممن يضطر
إلى سبب
الإفطار بأن ظاهر قوله ( عليه السلام ) الله حبسه وما
ماثله من التعابير هو أن
الموضوع كون المنع من الصوم منه تعالى في مقابل التعمد
للإفطار الذي هو فعل
المكلف ، ولذلك قوى صاحب الجواهر ره الشمول للسفر
الاختياري أيضا .
وفيه : أن الظاهر إرادة حبس الله تعالى من التتابع لا من
التكليف بالصوم ،
ومعلوم أن الدخيل في المنع من الصوم سفر الصائم باختياره
ولو كان ضروريا فالحبس
مستند إلى اختياره لا إلى الله تعالى .
وأجاب عنه في المستند بجواب آخر وهو : أنه لو سلم شمول
التعليل له يقع
التعارض حينئذ بينه وبين صحيح الحلبي الوارد فيمن عليه
شهران متتابعان : فإن
عرض له شئ يفطر منه أفطر ثم يقضي ما بقي عليه وإن صام
شهرا ثم عرض له
شئ فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع أعاد
الصوم كله . والنسبة عموم
من وجه فيرجع إلى الأصل وهو هنا مع عدم سقوط التتابع
لأنه مأمور به فلا يسقط
إلا مع الإتيان به .
……………………………………………
1 - سورة
يوسف آية 42 . *
[ وإن كان
لغيره استأنف إلا ]
وفيه : أن ظاهر قوله عليه السلام فإن عرض له شئ هو عروض
أمر غير
اختياري فيعارض الصحيح مع النصوص المتقدمة ويجري ما
ذكرناه من الحمل على
الاستحباب أو الطرح .
فالأظهر عدم شمول النصوص للسفر الضروري ، فضلا عن
الاختياري .
ولو حدث المرض أو الحيض بالاختيار فهل يشمله هذا الحكم
لإطلاق
النصوص ، أم لا كما عن بعض المعاصرين للتعليل ؟ وجهان :
أظهرهما الأول ، إذ عرفت
أن ما ذكر في ذيل النصوص ليس تعليلا مصطلحا بل كبرى كلية
شاملة لموردها
وغيره ، فلا مفهوم لها كي يقيد به النصوص .
وقد استدل لاختصاص الحكم بالشهرين وعدم الشمول لغيرهما
بأن عموم
التعليل يعارض مع ما دل على اعتبار التتابع في هذا
الصيام بالعموم من وجه
فيتساقطان ويرجع إلى قاعدة عدم الإجزاء بالإتيان
بالمأمور به على غير وجهه .
وفيه : أن عموم التعليل حاكم عليه فإنه يدل على
المعذورية فيما يثبت الاعتبار
فلا تلاحظ النسبة بينهما ، مع أنه لو سلم التعارض لا
يتساقطان بل يرجع إلى
المرجحات ، والترجيح مع نصوص الباب .
وقد استدل لوجوب الاستئناف في الثلاثة بما تضمن نفي
التفريق في خصوصها .
وفيه : أن ذلك نظير ما دل على وجوب التتابع محكوم لعموم
العلة المذكورة ،
فالأظهر هو التعميم .
هذا كله إنما كان مع العذر ( وإن كان ) إفطاره ( لغيره
استأنف إلا ) في مواضع
بلا خلاف في المستثنى منه ، بل الإجماع عليه بقسميه في
الشهرين ، وفي الجواهر : بل
[ . . . ]
يمكن دعوى التواتر المحكي منهما انتهى .
وكيف كان : فالموجود من النصوص مختص بالشهرين ، وقد تقدم
، ولكن استدل
له في غيرهما بأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في
عهدة التكليف .
وأورد عليه : بأن ذلك يتوقف على كون الجميع عبادة واحدة
وعملا واحدا ، وهذا
مما يصعب الالتزام به لحصر مفسدات الصوم بغير ذلك ، ولأن
لازم ذلك الاجتزاء
للجميع بنية واحدة ، فالمتابعة واجبة بالوجوب التعبدي لا
الشرطي ، فغاية ما يلزم من
الإخلال بها الإثم دون البطلان ولزوم الاستئناف .
وفيه : أولا : أن النصوص الآمرة بالتتابع كسائر النصوص
المتضمنة للأمر
بشئ في المأمور به ظاهرة في الشرطية وهذا لا ينافي حصر
المفسدات لأنا لا ندعي
بطلان الصوم بترك التتابع ، بل ندعي عدم امتثال المأمور
به الذي هو مركب من
الصوم وغيره ، وأما النية فقد عرفت أنها عبارة عن الداعي
المحرك ، فلا فرق بين كون
الجميع عملا واحدا أم متعددا كما لا يخفى .
وثانيا : أنه لو سلم كون وجوب التتابع وجوبا آخر غير
وجوب الصيام فلا بد
من الإتيان به وهو يتوقف على الاستئناف فيكون واجبا ،
اللهم إلا أن يقال : إن
الواجب التتابع بين أفراد الصوم الواجبة بعنوان النذر أو
الكفارة وما شاكل ، فعلى
فرض الإتيان ببعضها وحصول الفصل لا يمكن تحقق التتابع
ولو بأن يصوم ثانيا ،
فإنه ليس صوم النذر أو الكفارة كما هو واضح فالصحيح هو
الأول .
وعلى ما ذكرناه لا يلزم بطلان الصوم بل هو عبادة مستحبة
في جميع أيام السنة
فيقع مصداقا لذلك .
ودعوى أنه لم يقصد فيلزم وقوع ما لم يقصد مندفعة بأنه لا
يكون دخيلا في
الصوم المأمور به بالأمر الندبي عنوان آخر وراء عنوان
الصوم المتحقق على الفرض ،
وقصد العنوان الآخر ليس من المبطلات له .
[ من وجب
عليه شهران فصام شهرا ومن الثاني ولو يوما ]
المراد من تتابع الصوم في
الكفارة
فالمتحصل : أن الأظهر ما هو المشهور بين الأصحاب من وجوب
الاستئناف
إذا أفطر لغير عذر إلا لأصناف .
الأول : ( من وجب عليه شهران فصام شهرا ومن الثاني ولو
يوما ) فإنه إذا
كان كذلك بنى ولا يجب الاستئناف - وإن أخل بالمتابعة
عمدا - بلا خلاف أجده فيه ،
بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما متواتر أو
مستفيض كذا في الجواهر .
وتشهد به : النصوص الكثيرة - وقد تقدم طرف منها - ومنها
: صحيح منصور
ابن حازم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : في رجل صام
في ظهار شعبان ثم أدركه شهر
رمضان قال ( عليه السلام ) : يصوم شهر رمضان ويستأنف
الصوم ، فإن هو صام في
الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته ( 1 ) .
ومنها صحيح الحلبي عنه ( عليه السلام ) : عن قطع صوم
كفارة اليمين وكفارة
الظهار وكفارة القتل فقال ( عليه السلام ) : إن كان على
رجل صيام شهرين متتابعين
- والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر شيئا أو أياما
منه - فإن عرض له شئ
يفطر منه أفطر ثم يقضي ما بقي عليه ، وإن صام شهرا ثم
عرض له شئ فأفطر قبل
أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع أعاد الصوم كله ( 2 ) .
ومنها : خبر سماعة : عن الرجل يكون عليه صوم شهرين
متتابعين أيفرق بين
الأيام ؟ فقال ( عليه السلام ) : إذا صام أكثر من شهر
فوصله ثم عرض له أمر فأفطر
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 4 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 1 .
2 - الوسائل باب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 9 .
*
[ ومن وجب
عليه شهر فصام خمسة عشر يوما ]
فلا بأس ، فإن كان أقل من شهر أو شهرا فعليه أن يعيد
الصيام ( 1 ) . إلى غير ذلك من
الأخبار .
وهل يجوز له التفريق في البقية اختيارا كما هو المشهور
بين الأصحاب ، أم لا
يجوز كما عن المفيد والسيد وابني زهرة وإدريس وغيرهم ؟
الأظهر هو الأول : لصحيح
الحلبي المفسر للتتابع بذلك ، فإنه بالحكومة يدل على
اختصاص ما دل على لزوم التتابع
بصيام شهر وشئ من الشهر الثاني ، ولإطلاق قوله ( عليه
السلام ) فلا بأس في
موثقة سماعة ، ولأن وجوب التتابع شرطي كما مر ، فمع سقوط
الشرطية لا معنى لبقاء
وجوبه .
( و ) الصنف الثاني : ( من وجب عليه شهر فصام خمسة عشر
يوما ) فإنه يبني
على ما تقدم ولا يجب عليه الاستئناف على المشهور وعن
الحلي : دعوى الإجماع عليه .
ويشهد به خبر موسى بن بكر عن الفضل بن يسار عن أبي عبد
الله ( عليه
السلام ) : في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر
يوما ثم عرض له أمر
فقال ( عليه السلام ) : إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن
يقضي ما بقي ، وإن كان
أقل من خمسة عشر يوما لم يجزه حتى يصوم شهرا تاما ( 2 )
. ومثله خبره الآخر ( 3 ) .
وأورد عليهما : تارة بضعف السند ، وأخرى : بعدم ظهورهما
في نذر التتابع ،
وثالثة : بتضمنهما الإفطار لعروض أمر لا مطلقا ، ورابعة
: بالاختصاص بالنذر ، فالتعدي
إلى غيره كشهر كفارة قتل الخطإ ، وما شاكل يحتاج إلى
دليل .
ولكن يرد الأول : مضافا إلى حسن سندهما : أنه لو كان ضعف
ينجبر بالعمل .
ويرد الثاني : أن قوله : وإن كان أقل من خمسة عشر لم
يجزه قرينة لإرادة نذر
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 5 .
2 - الوسائل باب 5 من أبواب بقية الصوم الواجب . *
[ والثلاثة
في بدل هدي التمتع إذا صام يومي التروية وعرفة صام الثالث
بعد أيام التشريق . ]
التتابع منهما .
ويرد الثالث : أنهما مطلقان شاملان لمطلق الإفطار بدون
عروض السبب أو
معه كان السبب مما يفطر لأجله إلى الإفطار وغيره .
وأما الرابع : فالظاهر أنه متين .
ودعوى أن غيره أيضا مندرج تحت الجعل ، مندفعة بأن الظاهر
منه جعله لنفسه
ابتداءا ، وذلك مختص بالعهد والنذر واليمين ، فالأظهر
الاختصاص بالنذر وأخويه .
فإن قيل : إنه يمكن استفادة حكم غيرها من الكلية الثابتة
في الشهرين .
قلنا : إن الكلية إنما هي في الشهرين ، وقياس غيرهما
عليهما مع الفارق ، سيما
وأن التتابع في الشهرين قابل لإرادة التتابع في الأيام ،
والتتابع في الشهر الصادق بضم
جزء من الثاني إلى الشهر الأول ، وهذا بخلاف التتابع في
الشهر فإنه لا يتصور فيه
سوى التتابع في الأيام .
وأما ما عن أبي حمزة من اعتبار مجاوزة النصف ولو بيوم ،
فلم يذكر له دليل
سوى القياس على الشهرين ، وهو كما ترى .
وعن ابن زهرة غير ذلك ، لكن لم نظفر على ما يمكن
الاستدلال به له .
( و )
الثالث : من وجب عليه ( الثلاثة في بدل هدي المتعة إذا صام يومي
التروية وعرفة ) فإنه ( صام الثالث بعد أيام التشريق ) .
وسيأتي الكلام فيه مفصلا في كتاب الحج .
[ الباب الرابع
: في المعذورين إذا حاضت المرأة أو نفست أي وقت كان
من النهار بطل صومها وتقضيه ]
الباب الرابع : في المعذورين .
وفيه فصلان :
الأول : فيمن يجب عليه الإفطار وفيه مسائل :
الأولى : ( إذا حاضت المرأة أو نفست أي وقت كان من
النهار بطل صومها )
كما تقدم في شرائط وجوب الصوم وصحته .
( وتقضيه ) بلا خلاف ، بل إجماعا ، وعن المعتبر والسرائر
: أنه مذهب فقهاء
الاسلام ، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة وقد تقدمت جملة
منها في المسائل المتقدمة .
وأما الصوم المنذور فإن كان النذر غير المعين يجب
الإتيان به وليس من القضاء
بشئ ، وإن كان معينا كما لو نذرت صوم يوم الخميس فحاضت ،
فهل يجب عليها
القضاء أم لا ؟ وبهذا العنوان الخاص لو يعنونوا المسألة
، بل المعنون في كلماتهم وجوب
القضاء على من نذر فاتفق سفر أو حيض أو نحوهما .
وكيف كان : فعن المسالك : القطع بوجوبه ، وظاهر المختلف
: أنه لا نزاع في
وجوب القضاء حينئذ ، وعن سيد المدارك : أنه مقطوع به في
كلام الأصحاب .
واستدلوا لذلك بصحيح ابن مهزيار كتب إليه يسأله : يا
سيدي رجل نذر أن
يصوم يوما بعينه فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من
الكفارة ؟ فكتب إليه : يصوم
يوما بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة ( 1 ) . ونحوه مكاتبة
الحسين بن عبيدة ( 2 ) والقاسم بن
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 1 .
2 - الوسائل باب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 2 .
*
[ . . . ]
الصيقل ( 1 ) .
وبرواية عبد الله بن جندب المتقدمة : في رجل جعل على
نفسه صوم يوم
فحضرته نية الزيارة - إلى أن قال - فإذا رجع قضى ذلك ( 2
) .
وبإطلاق ما دل على وجوب قضاء الصوم على الحائض والنفساء
.
أقول : أما ما دل على وجوب قضاء الصوم على الحائض فهو
مختص بصوم شهر
رمضان ، إما للتصريح به ، أو للتعليل بأن الصوم إنما هو
في السنة شهر والصلاة في كل
يوم ، أو لأنه المتيقن بعد عدم كونه في مقام البيان من
هذه الجهة .
وأما خبر ابن جندب : فهو غير ظاهر في المعين ، بل ظاهره
في غير المعين ، والمراد
بالقضاء الفعل كما هو مقتضى حقيقته اللغوية .
وأما المكاتبات : فيحمل الأمر بالصوم فيها على الندب
لخبر مسعدة بن صدقة
عن جعفر عن أبيه ( عليه السلام ) : في الرجل يوقت على
نفسه أياما معروفة مسماة في
كل شهر فيسافر بعده الشهور قال ( عليه السلام ) : لا
يصوم لأنه في سفر ولا يقضيها
إذا شهد ( 3 ) .
وخبر زرارة عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : لا يقضيه
إذا شهد ( 4 ) .
ويشهد لهذا الجمع - مضافا إلى كونه عرفيا - ما رواه ابن
أبي عمير عن صالح
ابن عبد الله : قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : إن أخي
حبس فجعلت على نفسي صوم
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 3 .
2 - الوسائل باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 5 .
3 - الوسائل باب 17 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 1 .
4 - الوسائل باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 3 .
*
[ ولو طهرت
بعد الفجر أمسكت استحبابا وقضته - ولو بلغ الصبي أو
أفاق المجنون قبل الفجر صاما ذلك اليوم
واجبا وإلا فلا ]
شهر فصمت فربما أتاني بعض إخواني فأفطرت أياما فأقضيه ؟
قال ( عليه السلام ) :
لا بأس ( 1 ) . فتأمل .
مع أن المكاتبات مختصة بالإفطار لا لعذر ، والتعدي إلى
ما يكون لعذر يحتاج
إلى دليل ، هذا كله مضافا إلى أنه يكشف بالحيض أو النفاس
فساد النذر لعدم
مشروعية المنذور فلا فوت ولا قضاء .
وما في طهارة الشيخ الأعظم ره من أن ذلك إنما هو فيما
إذا لم يكن النذر تعلق
بذلك الوقت الشخصي بل تعلق بنوعه كما لو نذرت صوم كل
خميس ، فإن اتفاق
الحيض في بعض الخميسات لا يكشف عن فساد النذر ، غير تام
، إذ ذلك وإن لم يوجب
فساد النذر مطلقا لكنه يوجب فساده في أيام المصادفة ، إذ
مشروعية بعض المنذور لا
تكفي في صحة نذر المجموع بعد اعتبار المشروعية في
المتعلق .
فتحصل : أن الأظهر عدم وجوب قضاء المنذور سيما للحائض
والنفساء - لو
لا الإجماع - والاحتياط طريق النجاة .
( ولو طهرت بعد الفجر أمسكت استحبابا ) تأديبا ( وقضته )
كما عرفت .
( و ) قد مر أيضا في شرائط وجوب القضاء أنه ( لو بلغ
الصبي ، أو أفاق
المجنون قبل الفجر صاما ذلك اليوم واجبا ، وإلا فلا ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 17 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 2 . *
[ - والمريض
إذا برئ أو قدم المسافر قبل الزوال ولم يفطرا أمسكا واجبا وأجزأهما
وإلا فلا ]
لو برأ المريض أو قدم المسافر
قبل الزوال
( و )
الثانية : ( المريض إذا برأ ، أو قدم المسافر قبل الزوال ولم يفطرا أمسكا
واجبا وأجزأهما وإلا فلا ) فها هنا فروع :
1 - لو برأ المريض بعد الزوال لم يجب عليه النية
بالإتمام لفوات محل النية ،
ولو برأ قبل الزوال فإن أفطر قبل البرء لا يجب عليه
النية بالإمساك وإن لم يفطر .
فالمشهور بين الأصحاب : أنه ينوي ويصوم ويصح صومه ، وعن
المدارك نسبته
إلى علمائنا أجمع .
واستدل له بوجوه ، منها : أن الأصل يقتضي بقاء محل النية
إلى الزوال ، وقد
تقدم الكلام فيه في مبحث النية .
ومنها : استفادة ذلك مما ورد في المسافر والجاهل لتنقيح
المناط ، بل عن المدارك ،
أن المريض أعذر من المسافر .
وفيه : أن المناط غير محرز ، ولم يثبت كونه العذر كي
ينفع أعذرية المريض .
ومنها : الإجماع .
وفيه : عدم ثبوت كونه تعبديا .
وقد يفصل بين ما إذا كان المريض لا يضره الصوم واقعا وإن
كان هو معتقدا
لإضراره ، وبين ما إذا كان يضره الصوم ولو في أول النهار
فكان إمساكه موجبا لتضرره
ولكن أمسك فبرأ .
فعلى الأول : ينكشف أنه كان يجب عليه الصوم واقعا ،
والفرض أنه أمسك ولم
يفطر فهو كالجاهل الذي علم في أثناء النهار أن اليوم من
رمضان .
وعلى الثاني : فإمساكه إلى حين البرء حيث يكون على الوجه
المحرم المنافي
[ . . . ]
للعبادية ، فلا يصح صومه قطعا .
وفيه : أولا : إن الإضرار بالنفس سيما بمثل هذا الضرر
اليسير الذي تحمله إلى
حين البرء لا يكون حراما ، نعم الفرق بين الصورتين أن في
الأولى يكون الصوم واجبا
واقعا ، وفي الثانية لا يكون كذلك قطعا .
وثانيا : إنه في الفرض الأول حيث يكون عدم نيته الصوم من
أول اليوم على
الوجه المرخص فيه ، فلزوم نيته من حين البرء ، مع أنه
ليس بصوم ، بل بعضه يحتاج
إلى دليل ، واستفادة حكمه مما ورد في الجاهل الذي علم في
أثناء النهار أن اليوم من
رمضان لا تخرج عن القياس ، مع أن الاكتفاء به عن الصوم
الكامل لا دليل عليه ،
فالأظهر عدم وجوب النية ولزوم القضاء عليه .
وهل يجب عليه الإمساك لا بنية الصوم ؟ الظاهر عدم الوجوب
لعدم الدليل
عليه وعن المفيد : وجوبه لأنه وقت يجب فيه الإمساك .
وفيه : أنه وقت وجوب الإمساك بعنوان الصوم غير الواجب
على المريض إلى
هذا الوقت لا وجوب الإمساك المجرد عنه .
وبذلك ظهر حكم ما لو برأ المريض بعد الزوال . نعم لا بأس
بالقول
باستحباب الإمساك لخبر الزهري والإجماع المنقول والشهرة
المحققة ، وكذا من أفطر
لعلة من أول النهار ارتفعت .
2 - لو صام المريض الذي لا يشرع له الصوم جاهلا ففيه
أقوال :
أحدها : وجوب القضاء عليه ، وهو المعروف بين الأصحاب .
ثانيها : عدم وجوبه ، اختاره صاحب الحدائق ره .
ثالثها : التفصيل بين القاصر ، فلا يجب والمقصر فيجب ،
اختاره الفاضل
النراقي ره .
والأظهر هو الأول : لأنه صوم غير مأمور به فلا يكون
مجزيا ، ولخبر الزهري
[ . . . ]
عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) : فإن صام في السفر أو
في حال المرض فعليه
القضاء ، فإن الله عز وجل يقول : ( فمن كان منكم مريضا
أو على سفر فعدة من
أيام أخر ) ( 1 ) . واستدل للقول الثاني : بأخبار
معذورية الجاهل ، وبخبر عقبة بن خالد عن أبي
عبد الله ( عليه السلام ) : عن رجل صام شهر رمضان وهو
مريض قال ( عليه السلام ) :
يتم صومه ولا يعيد يجزيه ( 2 ) .
ولكن يرد على الأول : أنه لم أظفر بخبر يدل على معذوريته
مطلقا بنحو يشمل
أمثال المقام .
ويرد على الثاني : مضافا إلى ضعفه لأن في طريقه محمد بن
عبد الله بن هلال
وهو مهمل : أنه مطلق قابل للحمل على المرض غير المضر ،
وقد حمله الشيخ وغيره
عليه ، ولم يذكر للثالث وجه .
إذا رجع المسافر في أثناء النهار
ولم يفطر
3 - إذا كان مسافرا وحضر بلده أو بلدا يعزم على الإقامة
فيه عشرة أيام ،
فتارة يكون قبل الزوال ، وأخرى يكون بعد الزوال .
فإن كان قبل الزوال ، ولم يتناول المفطر وجب عليه الصوم
بلا خلاف ، ويشهد
به : موثق أبي بصير سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر
رمضان فقال ( عليه
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 22 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 1 .
2 - الوسائل باب 22 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 2 .
*
[ . . . ]
السلام ) : إن أقدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم
ويعتد به ( 1 ) .
وخبر أحمد بن محمد عن أبي الحسن ( عليه السلام ) : عن
رجل قدم من سفر
في شهر رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال قال ( عليه
السلام ) يصوم ( 2 ) .
ومصحح يونس - في حديث - قال في المسافر يدخل أهله وهو
جنب قبل
الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه ،
يعني إذا كانت جنابته من
احتلام ( 3 ) .
وموثق سماعة : عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر ؟ - إلى
أن قال - إن أقدم
بعد زوال الشمس أفطر ولا يأكل ظاهرا ، وإن أقدم من سفره
قبل زوال الشمس فعليه
صيام ذلك اليوم إن شاء ( 4 ) .
ومن الأخير يظهر أنه إن قدم بعد الزوال لا صوم له ويجب
عليه القضاء حينئذ
لما دل على وجوبه على المسافر .
ويشهد به أيضا : معتبر محمد بن مسلم : عن الرجل يقدم من
سفر بعد العصر
في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أيواقعها ؟
قال ( عليه السلام ) :
لا بأس به ( 5 ) .
وأما صحيح محمد بن مسلم عن الإمام الصادق ( عليه السلام
) - في حديث -
فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها
فعليه صوم ذلك اليوم ، وإن
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 4 .
2 - الوسائل باب 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 5 .
3 - الوسائل باب 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 6 .
4 - الوسائل باب 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 1 .
5 - الوسائل باب 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 4 . *
[ . . . ]
دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه وإن شاء صام ( 1 ) .
وصحيحه الآخر عنه ( عليه السلام ) : عن الرجل يقدم من
سفر في شهر
رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار قال ( عليه
السلام ) : إذا طلع الفجر
وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء
أفطر ( 2 ) .
فيحملان على إرادة التخيير قبل القدوم بين أن يمسك إلى
أن يدخل أهله
فيصوم ، وبين الإفطار والبقاء عليه بعد الدخول كما يظهر
ذلك من حديث رفاعة عنه
( عليه السلام ) : عن الرجل يقدم في شهر رمضان من سفر
حتى يرى أنه سيدخل
أهله ضحوة أو ارتفاع النهار فقال ( عليه السلام ) : إذا
طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل
أهله فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر ( 3 ) .
فالمتحصل من مجموع النصوص : أنه إن طلع الفجر عليه وهو
في خارج البلد
يكون مخيرا بين أن يفطر ويبقى على إفطاره إلى الغروب ،
وإن دخل البلد قبل الزوال ،
وله أن يمسك حتى يدخل البلد ، فإن دخل قبل الزوال صام
لزوما كما هو المشهور
بين الأصحاب ، بل لا خلاف فيه كما مر .
ثم إن المعروف بينهم أنه يستحب لمن دخل بعد الزوال ولمن
أفطر ودخل قبله
- أن يمسك بقية النهار :
وتشهد به جملة من النصوص : كموثق سماعة : عن مسافر دخل
أهله قبل زوال
الشمس وقد أكل قال ( عليه السلام ) : لا ينبغي له أن
يأكل يومه ذلك شيئا ولا يواقع
في شهر رمضان إن كان له أهل ( 4 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 3 .
2 - الوسائل باب 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 2 .
3 - الوسائل باب 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 6 .
4 - الوسائل باب 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 1 . *
[ . . . ]
وخبر الزهري عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) - في حديث
- وأما صوم
التأديب - إلى أن قال - وكذلك المسافر إذا أكل أول
النهار ثم قدم أهله أمر بالإمساك
بقية يومه وليس بفرض ( 1 ) . ونحوهما غيرهما .
والنهي عن المواقعة في الموثق محمول على الرجحان لمعتبر
محمد بن مسلم
المتقدم .
4 - اختلف الأصحاب في حكم المسافر في نهار رمضان على
أقوال :
1 - إنه إن خرج إلى السفر قبل الزوال أفطر ، وإن خرج بعده
صام كما عن
الإسكافي والمفيد والكليني والصدوق في الفقيه والمقنع ،
والمصنف في أكثر كتبه ، وولده
فخر المحققين والشهيدين في اللمعة والروضة ، وغيرهم من
المتأخرين .
2 - أنه إن بيت السفر من الليل أفطر متى خرج وإلا صام
كذلك ، كما عن
الشيخ في النهاية والمبسوط والاقتصاد والجمل ، والقاضي ،
وابن حمزة - والمحقق في
المعتبر والنافع والشرائع .
3 - أنه لا يجب الإفطار مطلقا في أي جزء من النهار خرج
وإن لم يبيت الخروج
كما عن والد الصدوق في الرسالة ، والعماني والسيد ،
والحلي ، وابن زهرة .
4 - أنه إن بيت النية من الليل وخرج قبل الزوال أفطر ،
وإلا صام .
5 - التخيير بين الصوم والإفطار إن خرج بعد الزوال وبيت
النية من الليل ،
وتحتم الإفطار إن خرج قبل الزوال مع التبييت ، وتحتم
الصوم إن لم يبيت النية في أي
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 3 . *
[ . . . ]
جزء من النهار خرج ، وهو المحكي في التهذيبين .
6 - التخيير في تمام اليوم ، نفى عنه البعد سيد المدارك
، وهناك أقوال أخر لم
أظفر بما يمكن أن يستدل به لها ، فالإغماض عن بيانها
أولى .
وأما النصوص فهي على طوائف :
الأولى : ما تدل على التخيير مطلقا : لاحظ صحيح رفاعة عن
أبي عبد الله
( عليه السلام ) : عن الرجل يريد السفر في رمضان : إذا
أصبح في بلده ثم خرج فإن
شاء صام وإن شاء أفطر ( 1 ) .
الثانية : ما تدل على تعين أن يصوم مطلقا : كموثق سماعة
: قال أبو عبد الله
( عليه السلام ) : من أراد السفر في رمضان فطلع الفجر
وهو في أهله فعليه صيام ذلك
اليوم .
وفي موثقه الآخر : وإن خرج من أهله قبل طلوع الفجر
فليفطر ولا صيام
عليه ( 2 ) . ونحوهما غيرهما .
الثالثة : ما تدل على تحتم الإفطار متى خرج : كخبر عبد
الأعلى مولى آل
سام : في الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال : يفطر وإن
خرج قبل أن تغيب
الشمس بقليل ( 3 ) . ونحوه مرسل المقنع .
الرابعة : ما تدل على أن الميزان هو تبييت النية وعدمه ،
فعلى الأول يفطر ، وعلى
الثاني يصوم : كموثق علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (
عليه السلام ) : في الرجل
يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله ؟ قال ( عليه السلام
) : إذا حدث نفسه في الليل
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 7 .
2 - الوسائل باب 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 9 .
3 - الوسائل باب 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 14 .
*
[ . . . ]
بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدث نفسه من
الليلة ثم بدا له في السفر
من يومه أتم صومه ( 1 ) .
ومرسل صفوان - المجمع على تصحيح ما يصح عنه عمن رواه عن
أبي
بصير قال ( عليه السلام ) : إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم
تنو السفر من الليل فأتم
الصوم واعتد به من شهر رمضان ( 2 ) .
ومصحح رفاعة عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : عن الرجل
يعرض له
السفر في شهر رمضان حين يصبح قال ( عليه السلام ) : يتم
صوم يومه ذلك ( 3 ) . ونحوها
غيرها .
الخامسة : ما تدل على أن المدار على الخروج قبل الزوال
وبعده : كصحيح محمد
ابن مسلم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : إذا سافر
الرجل في شهر رمضان فخرج
بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر
رمضان ( 4 ) .
وصحيح الحلبي عنه ( عليه السلام ) : عن الرجل يخرج من
بيته وهو يريد
السفر وهو صائم قال ( عليه السلام ) : إن خرج من قبل أن
ينتصف النهار فليفطر
وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتم صومه ( 5 )
.
وموثق عبيد بن زرارة عنه ( عليه السلام ) : إذا خرج
الرجل في شهر رمضان
بعد الزوال أتم الصيام فإذا خرج قبل الزوال أفطر ( 6 ) .
ونحوها غيرها .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 10 .
2 - الوسائل باب 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 12 .
3 - الوسائل باب 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 5 .
4 - الوسائل باب 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 1 .
5 - الوسائل باب 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 2 .
6 - الوسائل باب 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 4 . *
[ لو استمر المرض إلى رمضان آخر ]
وقد استدل للقول الأول : بالطائفة الأخيرة ، وللثاني
بالرابعة ، وللثالث بالثالثة ،
وللرابع بأنه مقتضى الجمع بين الطائفتين الأخيرتين بدعوى
أن التعارض بينهما بالعموم
والخصوص من وجه فيقيد عموم كل منهما بخصوص الأخرى ،
وللخامس : بأنه مقتضى
الجمع بين الطائفة الأولى والأخيرتين ، وللسادس :
بالطائفة الأولى .
وحق القول في المقام أن يقال : إن الطائفتين الأولتين
لعدم القائل تطرحان أو
تحملان على غيرهما ، والطائفة الثالثة ضعيفة سندا ،
فيبقى من النصوص الطائفتان
الأخيرتان ، ومن الأقوال القولان الأولان ، وكل من
الطائفتين متضمنة لشرطيتين إحدى
الأولى منهما : إذا بيت النية أفطر ، وثانيتها : إذا لم
يبيت النية صام ، وإحدى الثانية : إذا
خرج قبل الزوال أفطر ، وثانيتها ، إذا خرج بعد الزوال
صام ، والتعارض إنما هو بين
الأولى من كل منهما مع الثانية من الأخرى ، والنسبة عموم
من وجه ، ويتعين الرجوع
إلى أخبار الترجيح ، والترجيح مع الثانية لأصحية سند
نصوصها ، فإن في نصوص
الأولى ليس خبر صحيح سوى خبر رفاعة ، وعن المعتبر
والمنتهى : أنهما روياه حتى
يصبح بدل حين يصبح ، وعليه فهو ظاهر في خلاف القول
الثاني ، مع أن الجملة
الأولى من الثانية موافقة للكتاب والسنة ومخالفة للعامة
، فتقدم على معارضها ، فيبقى
التعارض بين الثانية منها والأولى من الأولى ، وحيث لا
قائل بوجوب الإفطار
بدون التبييت لو خرج بعد الزوال ، مع القول بوجوب
الإفطار لو خرج قبل الزوال ،
وإن بيت فتطرح هذه الجملة .
فتحصل مما ذكرناه : أن القول الأول هو الأظهر .
الثالثة : ( ولو استمر المرض ) الموجب للإفطار ( إلى
رمضان آخر ) فالأكثر
[ سقط
القضاء وتصدق عن الماضي لكل يوم بمد ]
على أنه ( سقط القضاء وتصدق عن الماضي لكل يوم بمد ) ،
بل نسب إلى المشهور ،
وعن ابن أبي عقيل وابن بابويه والخلاف والغنية والسرائر
والحلبي والتحرير : وجوب
القضاء دون الكفارة ، وعن الشيخ ، دعوى الإجماع عليه ،
وعن ابن الجنيد : وجوبهما
معا .
تشهد للأول : نصوص : كصحيح محمد بن مسلم عن السيدين
الصادقين عليهما
السلام : عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر فقال (
عليه السلام ) : إن
كان برأ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي
أدركه وتصدق عن كل
يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضائه ، وإن كان لم يزل
مريضا حتى أدركه رمضان
آخر صام الذي أدركه وتصدق عن الأول لكل يوم مد على مسكين
وليس عليه
قضائه ( 1 ) .
وصحيح زرارة عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : في الرجل
يمرض فيدركه شهر
رمضان ويخرج عنه وهو مريض ولا يصح حتى يدركه شهر رمضان
آخر قال ( عليه
السلام ) : يتصدق عن الأول ويصوم للثاني ، فإن كان صح
فيما بينهما ولم يصم حتى
أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا ويتصدق عن الأول ( 2 )
. ونحوهما غيرهما .
ونفى صاحب الجواهر البعد عن دعوى تواترها ، وبها يقيد
إطلاق الآية
الكريمة والنصوص الدالة عليه وجوب القضاء على المريض .
وبإزائها خبران : أحدهما : خبر الكناني عن أبي عبد الله
( عليه السلام ) : عن
رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل
قال ( عليه السلام ) :
عليه أن يصوم وأن يطعم كل يوم مسكينا ، فإن كان مريضا
فيما بين ذلك حتى أدركه
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 1 .
2 - الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 2 . *
[ . . . ]
شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام إن صح ، وإن تتابع
المرض عليه فلم يصح
فعليه أن يطعم لكل يوم مسكينا ( 1 ) .
وهذا بضميمة إطلاق الآية والنصوص وأصالة البراءة عن وجوب
الكفارة
مدرك القول الثاني .
ثانيهما : موثق سماعة : عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان
قبل ذلك لم يصمه
فقال : يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان عليه بمد
من الطعام
وليصم هذا الذي أدركه ، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان
عليه ، فإني كنت مريضا
فمر علي ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ثم أدركت رمضانا آخر
فتصدقت بدل كل يوم
مما مضى بمد من الطعام ، ثم عافاني الله فصمتهن ( 2 ) .
وهذا هو مدرك القول الأخير .
أما خبر الكناني : فيرد عليه : أولا : أنه ضعيف لمحمد بن
فضيل .
وثانيا : أنه مجمل - لأن قوله فإن كان مريضا . . . إلخ
وإن كان ظاهرا في القول
المذكور ، إلا أن قوله ( عليه السلام ) بعده : وإن تتابع
المرض عليه . . . إلخ ظاهر في
القول الأول ، ولذا حمل الأول على ما إذا صح بينهما
وأراد القضاء ثم مرض ، والثاني
على استمرار المرض ، وعليه فالخبر دليل القول المشهور ،
ولا أقل من الإجمال .
وثالثا : أنه لو سلم تمامية سنده ودلالته ، لا يصلح
لمعارضة ما تقدم لكونه أشهر .
وأما الآية والنصوص : فقد عرفت أنه تقيد إطلاقها بما ذكر
.
وأما أصل البراءة : فلا مورد له مع الدليل .
وأما مضمر سماعة : فصدره غير ظاهر في استمرار المرض ،
وذيله غير ظاهر في
الوجوب لتضمنه فعله ( عليه السلام ) الذي هو أعم من
الاستحباب .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 3 .
2 - الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 5 . *
[ . . . ]
فالمتحصل : أن ما أفاده المشهور أظهر .
ثم إن المصرح به في النصوص المتقدمة : أنه يتصدق بمد من
طعام ، إلا ما عن
بعض نسخ موثق سماعة من المدين ، وهو معارض بما عن النسخ
الصحيحة من أنه مد
من طعام ، واستظهر صاحب الجواهر أنه اشتباه من قلم
النساخ في لفظة من كما
يشهد له الرسم في طعام ، يعني حيث رسم بالجر ، ولو كان
المد مثنى لرسم بالنصب
على التمييز .
وأما ما ورد في ذي العطاش من لزوم المدين فلا يتعدى عنه
إلى المقام . فما عن
النهاية والاقتصاد والحلبيين - من تعين المدين ضعيف .
وجوب القضاء إذا كان العذر غير
المرض
وتمام البحث في هذه المسألة ببيان فروع :
1 - الظاهر عدم الفرق في الحكم المذكور بين استمرار ذلك
المرض ، أو
الانتقال منه إلى مرض آخر كما يستفاد من الأخبار ، وهل
يلحق بالإفطار أداءا وقضاءا
للمرض الإفطار فيهما - لعذر آخر كالسفر قولان :
قد استدل للأول : بمصحح الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا
( عليه السلام )
- في حديث - قال : فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر
رمضان فلم يخرج من سفره
أو لم يقو من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه
الفداء للأول وسقط
القضاء وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه
القضاء والفداء قيل . . . إلى
آخره ( 1 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 8 . *
[ . . . ]
ولكن يرد عليه : أولا : أن الأصحاب لم يعملوا به ،
وثانيا : أنه لا يدل على ذلك ،
فإن سقوط القضاء عن المسافر مذكور في السؤال ، وفي مقام
الجواب اقتصر ( عليه
السلام ) على بيان سقوط وجوب القضاء على المريض الذي لم
يقو من مرضه ، وهو
يصلح رادعا عما تخيله السائل مع أنه لو سلم دلالته على
ذلك حيث إنه ليس في
مقام البيان من هذه الجهة فيقتصر على المتيقن وهو السفر
الضروري .
ولو كان سبب الفوت هو السفر وكان العذر في التأخير هو
المرض ، بأن مرض
من حين ما رجع من السفر واستمر مرضه إلى الرمضان الثاني
، فعن العماني والشيخ
في الخلاف وصاحب الحدائق وسيد المدارك والفاضل النراقي
وغيرهم : سقوط القضاء
وثبوت الفدية ، وعن المعتبر والمنتهى : التوقف .
يشهد لسقوط القضاء صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد
الله ( عليه
السلام ) : من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان
آخر وهو مريض
فليتصدق بمد لكل يوم ، فأما أنا فإني صمت وتصدقت ( 1 ) .
وأورد عليه : تارة بما عن المختلف وفي رسالة الشيخ
الأعظم بأن المراد بالعذر
المرض بقرينة قوله : ثم أدركه . . . إلى آخره ، وأخرى
بما في رسالة الشيخ ره بأنه لو لم
يتم الظهور المذكور حيث إن الكلام مقترن بما يصلح أن
يكون قرينة صارفة عن
معناه الحقيقي فلا يدل على المطلوب لصيرورته مجملا بذلك
، وثالثة بما عن المختلف
من عدم صلاحيته لتقييد أدلة القضاء .
وفي كل نظر : أما الأول : فلأن القرينة فرع التنافي ،
وإطلاق العذر الشامل
للسفر والمرض يلائم مع ما بعده فكيف يكون قرينة على
التصرف فيه ، وبذلك يظهر
الجواب عن الثاني ، وأما الثالث : فلأنه أخص من أدلة
القضاء ، وظهور المقيد مقدم
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 4 . *
[ ولو برأ
بينهما و ]
على ظهور المطلق ، فالأظهر سقوط القضاء في الفرض وثبوت
الفدية ، نعم يستحب
القضاء لما في ذيل الصحيح .
ولو انعكس الفرض بأن فاته الرمضان للمرض وكان العذر في
التأخير غيره
مستمرا من حين برئه إلى رمضان آخر ، فمقتضى إطلاق أدلة
القضاء وجوبه ، إلا أن
الفاضل النراقي ره ادعى الإجماع على عدم الفرق بين
الفرضين فإن تم لحقه حكمه
وإلا فلا .
2 - لو ارتفع العذر بين الرمضانين بقدر يتمكن من قضاء
بعض ما فاته دون
بعض ، وقضى ما يمكن أو لم يقض ، فهل يسقط قضاء ما لم
يتمكن منه أو لا ؟ وجهان :
من عدم استمرار العذر فلا تشمله أخبار الباب ويكون باقيا
تحت ما دل على وجوب
القضاء ، ومن عدم تمكنه من القضاء ، والأظهر هو الأول
لإطلاق صحيح ابن سنان ،
فإن عدم تمكنه من القضاء عذر .
3 - صرح الشهيدان بأن محل هذه الفدية مستحق الزكاة ،
وحيث إنه صرح في
النصوص بأن محلها المسكين فيتعين صرف كلامهما إلى إرادة
أنها لا تصرف في غير
المستحق من مصارف الزكاة من سبل الخير ، لا أنها تصرف في
كل من هو مستحق
للزكاة حتى المؤلفة قلوبهم مثلا ، وهل تعطى فدية غير
الهاشمي بالهاشمي ؟ وجهان
مبنيان على جواز إعطاء صدقة غير الهاشمي بالهاشمي ، وقد
مر في كتاب الزكاة
وعرفت أن الأظهر حلية الصدقات الواجبة على غير الهاشمي
للهاشمي .
لو ارتفع العذر بين الرمضانين
وأمكنه القضاء
الرابعة : ( لو برأ بينهما ) وتمكن من القضاء فإن قضى
فلا شئ عليه ( و ) إن
لم يقض فتارة يكون عازما على الصوم - بعد ارتفاع العذر
فاتفق العذر عند الضيق ،
[ كان عازما
على الصوم قضاه ولا كفارة وإن تهاون قضى وكفر عن كل يوم بمد ]
وأخرى يكون متعمدا في الترك وعازما عليه ، أو متسامحا
واتفق العذر عند الضيق ، فإن
( كان عازما على الصوم ) ولم يصم ( قضاه ولا كفارة ، وإن
تهاون قضى وكفر عن
كل يوم بمد ) إجماعا في غير نفي الكفارة عمن عزم عليه -
وعلى المشهور فيه ، وعن
الصدوقين والعماني والمحقق في المعتبر والشهيدين وسيد
المدارك وصاحب الذخيرة
والمحدث البحراني والشيخ الأعظم وجمع آخر من متأخري
المتأخرين : ثبوت
الكفارة أيضا في صورة العزم على القضاء .
أما وجوب القضاء في الصورتين والكفارة في الصورة الثانية
، فالنصوص
الكثيرة التي ستمر عليك شاهدة بهما ولا معارض لها ولا
مخالف .
وأما نفي الكفارة في الصورة الأولى ، فقد استدل له بنصوص
:
منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (
عليه السلام ) قال :
سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر - فقالا
عليهما السلام : إن
كان برأ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي
أدركه وتصدق عن كل
يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضائه ، وإن كان لم يزل
مريضا حتى أدركه رمضان
آخر صام الذي أدركه وتصدق عن الأول لكل يوم مد على مسكين
وليس عليه
قضائه ( 1 ) .
وتقريب الاستدلال به : أنه بمفهوم الشرط يدل على عدم
لزوم الكفارة على
من لم يتوان ، ومعلوم أن التواني لا يصدق مع العزم على
القضاء ، وبه يقيد إطلاق ما يدل
على لزوم الكفارة مطلقا كصحيح زرارة عن الإمام الباقر (
عليه السلام ) - في حديث
- فإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان
آخر صامهما جميعا ويتصدق
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 1 . *
[ . . . ]
عن الأول ( 1 ) ونحوه غيره .
وفيه : أولا : أن التواني يصدق على تأخير القضاء مع
وجوبه وإن كان عازما على
الفعل ، لأن التواني في اللغة التمهل في الشئ وعدم
التعجيل فيه ، ومعلوم أن هذا
يصدق على تأخير الصوم لغير عذر ، مع أنه في التأخير آفات
، ويعضده مقابلته بقوله
( عليه السلام ) : وإن كان لم يزل مريضا . . . إلى آخره
وعدم التعرض للقسم الثاني
المقابل للتواني بالمعنى المذكور من قسمي الصحة بين
الرمضانين مع كونه الغالب
وكثرة التفصيل في النصوص المذكورة في الباب وعدم السؤال
عنه .
وثانيا : أنه لو سلم عدم صدق التواني عليه ففي الخبر
شرطيتان وظاهر الكلام
كون الثانية وهي قوله ( عليه السلام ) وإن كان لم يزل
مريضا مفهوم الأولى ، فلا
مفهوم لها غيرها كي يقيد به إطلاق نصوص الكفارة ، ولا
أقل من الإجمال لصلاحيتها
لذلك .
ومنها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) :
إذا مرض الرجل من
رمضان إلى رمضان ثم صح فإنما عليه لكل يوم أفطر فدية
طعام وهو مد لكل مسكين
قال : وكذلك أيضا في كفارة اليمين وكفارة الظهار مدا مدا
، وإن صح فيما بين الرمضانين
فإنما عليه أن يقضي الصيام ، فإن تهاون به وقد صح فعليه
الصدقة والصيام جميعا لكل
يوم مدا إذا فرغ من ذلك الرمضان ( 2 ) .
وتقريب الاستدلال به من وجهين : إحداهما : ما في سابقه ،
وجوابه ما تقدم .
ثانيهما : ما عن المحدث الكاشاني وهو : أن الخبر متضمن
لبيان أحكام الأقسام
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 2 .
2 - الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 6 . *
[ . . . ]
الثلاثة ، بدعوى أن قوله ( عليه السلام ) فإن صح بين
الرمضانين . . . إلى آخره معناه
إن صح بين الرمضانين فلم يقض في أيام صحته مع عدم تهاونه
فيه فعليه القضاء
خاصة ، وقوله ( عليه السلام ) : فإن تهاون . . . إلى
آخره لبيان حكم الترك مع التهاون
وهو ثبوت القضاء والكفارة ، وصدره متضمن لبيان حكم
استمرار المرض .
وفيه : أن الشرطية الأولى في مقام بيان حكم من صح بعد
الرمضان الأول وأنه
يجب عليه القضاء خاصة ، والشرطية الثانية في مقام بيان
حكمه بعد الرمضان الثاني
وأنه لو ترك الصوم بينهما وجب عليه الصوم والكفارة بعد
الرمضان الثاني ويشهد بذلك
- مضافا إلى ظهوره - الضمير المجرور بالباء في قوله
تهاون به إذ لا ريب في رجوعه
إلى القضاء ، فلا بد وأن يكون المراد بالقضاء القضاء بعد
الرمضان الأول لا الثاني كما
لا يخفى .
وبما ذكرناه ظهر الجواب عما أفاده من أن خبر الكناني
المتقدم أيضا متعرض
لبيان أحكام الأقسام الثلاثة بدعوى أن صدره متعرض لحكم
التهاون ، وقوله فإن كان
مريضا فيما بين . . . إلى آخره متعرض لحكم عدم التهاون ،
وقوله ( عليه السلام ) وإن
تتابع . . . إلى آخره متعرض لحكم استمرار المرض ، وقد مر
حال الخبر .
ومنها : المروي عن تفسير العياشي عن أبي بصير قال ( عليه
السلام ) فيه : فإن
صح فيما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء الرمضان
الآخر فإن عليه الصوم
والصدقة جميعا ، يقضي الصوم ويتصدق من أجل أنه ضيع ذلك
الصيام ( 1 ) .
وتقريب الاستدلال به : أنه يدل بمفهوم الشرط ومفهوم
التعليل على عدم
وجوب التصدق على من لم يضيع ، ومعلوم أن من كان عازما
على الصوم فاتفق العذر
لا يكون مضيعا .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 1 . *
[ . . . ]
وفيه : أن التضييع صادق على التأخير من جهة أنه في
التأخير آفات وعدم
الاعتداد بالسلامة عن الأعذار ، سيما مع القرينة
المتقدمة في الصحيح ، وقد أطلق
التضييع في تعليل وجوب القضاء على الحائض للصلاة التي
دخل وقتها ولم يصلها
فاتفق الدم .
ومنها : صحيح الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا ( عليه
السلام ) - في حديث
طويل - قال ( عليه السلام ) : فإن أفاق فيما بينهما ولم
يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه
والصوم لاستطاعته ( 1 ) .
وتقريب الاستدلال به والجواب عنه ما في سابقه .
فتحصل : أنه لا دليل على نفي الكفارة عمن كان عازما على
الصوم وأخر ، بل
مقتضى إطلاق النصوص ثبوت الكفارة عليه أيضا .
وأما مرسل سعد بن سعد عن رجل عن أبي الحسن ( عليه السلام
) : عن رجل
يكون مريضا في شهر رمضان ثم يصح بعد ذلك فيؤخر القضاء
سنة أو أقل من ذلك
أو أكثر ما عليه في ذلك ؟ قال ( عليه السلام ) : أحب له
تعجيل الصيام ، فإن كان أخره
فليس عليه شئ ( 2 ) فلإرساله - ولإعراض الأصحاب عنه من
جهة ظهوره في عدم
ثبوت الكفارة مع التهاون لا بد من طرحه .
والاستدلال : لعدم وجوبها عليه بأن الكفارة لستر الذنب -
غالبا - فلا تجب
مع عدمه قد مر جوابه من أن هذه الفدية لغير ذلك ،
والشاهد عليه وجوبها على من
استمر مرضه ، مع أنه اجتهاد في مقابل النص ، وأوهن من
ذلك الاستدلال به بأصالة
البراءة .
فالمتحصل : وجوب الكفارة مطلقا .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 8
2 - الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر
رمضان حديث 7 . *
[ وحكم ما
زاد على رمضانين حكم رمضانين ]
الخامسة : ( و ) قد صرح الشيخ وغيره بأن ( حكم ما زاد
على رمضانين حكم
رمضانين ) فيما تقدم ، وعن ظاهر ابن بابويه والصدوق ، أن
الرمضان الثاني يقضى بعد
الثالث وإن استمر المرض ، وعن المختلف : احتمال أن يكون
مرادهما ما إذا صح بعد
الرمضان الثاني ، وعن الحلي : الجزم بذلك ، وعن المبسوط
والتذكرة : أنه إذا أخر قضاء
السنة الأولى إلى سنين عديدة تتكرر الكفارة .
فالكلام في مسألتين : الأولى : ما إذا استمر المرض إلى
سنين ، فالمشهور بين الأصحاب : أنه إن لم
يبرأ بعد كل رمضان إلى رمضان لاحقه ، لا يجب قضاؤه ، بل
تجب الكفارة خاصة .
ويشهد به - مضافا إلى إطلاق الأدلة - خصوص موثق سماعة :
عن رجل أدركه
رمضان وعليه رمضان قبل ذلك لم يصمه فقال ( عليه السلام )
: يتصدق بدل كل يوم من
الرمضان الذي كان عليه بمد من طعام وليصم الذي أدركه ،
فإذا أفطر فليصم
رمضان الذي كان عليه ، فإني كنت مريضا فمر علي ثلاث
رمضانات لم أصح فيهن
ثم أدركت رمضانا آخر فتصدقت بدل كل يوم مما مضى بمد من
طعام ، ثم عافاني الله
وصمتهن ( 1 ) . المحمول ما في ذيله على الاستحباب كما مر
.
وصدر المروي عن تفسير العياشي المتقدم : يتصدق مكان كل
يوم أفطر على
مسكين بمد من طعام - إلى أن قال - فإن استطاع أن يصوم
الرمضان الذي يستقبل
وإلا فليتربص إلى رمضان قابل فيقضيه ، فإن لم يصح حتى
رمضان قابل فليتصدق كما
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 5 . *
[ ويجب
الإفطار على المريض والمسافر فلو صاما لم يجزهما ]
تصدق مكان كل يوم أفطر مدا مدا ( 1 ) .
وأما ما عن الصدوقين فعلى فرض مخالفتهما للأصحاب ، فلا
دليل عليه سوى
ما عن الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا ( عليه السلام ) ،
فإن عبارته كعبارة والد
الصدوق ره ، ولكن مضافا إلى ما مر من عدم حجيته أنه قابل
للحمل على ما أفاده
المشهور كعبارة الصدوقين ، فالأظهر ما هو المشهور .
الثانية : المعروف بين الأصحاب : أن كل صوم أخر إلى
رمضان بعده كفر ، ولكن
لا تتكرر الكفارة بالتأخير إلى الثالث وما زاد . والوجه
فيه اختصاص دليل الكفارة
بالسنة الأولى ، بل مقتضى إطلاق أدلتها ذلك ، وأما ما عن
العلمين فالاعتراف بعدم
العثور على دليلهما ، أليق بشأنهما من أن يقال - أنه قيس
السنة الثانية بالأولى .
الصوم في السفر عن جهل أو نسيان
السادسة : ( ويجب الإفطار على المريض والمسافر ، فلو
صاما لم يجزهما ) إلا في
المواضع المستثناة - إجماعا ، وقد مر الكلام في ذلك في
مبحث شرائط وجوب الصوم
وصحته ، وقد مر بعض المواضع المستثناة .
ومنها : صوم المسافر الجاهل بالحكم ، لا إشكال ولا كلام
في صحة صومه ، وفي
المستند : بالإجماعين .
وتشهد به : نصوص كثيرة : كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (
عليه السلام ) :
عن رجل صام في السفر فقال ( عليه السلام ) : إن كان بلغه
أن رسول الله صلى الله
عليه وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه
فلا شئ عليه ( 2 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 11 .
2 - الوسائل باب 2 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 3 . *
[ . . . ]
وصحيح البجلي عنه ( عليه السلام ) : عن رجل صام شهر
رمضان في السفر
فقال ( عليه السلام ) : إن كان لم يبلغه أن رسول الله
صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك
فليس عليه القضاء وقد أجزأ عنه ( 1 ) .
وصحيح العيص بن القاسم عنه ( عليه السلام ) : من صام في
السفر بجهالة لم
يقضه ( 2 ) . ونحوها غيرها .
وهل الحكم مختص بما إذا جهل أصل الحكم ، أم يعم ما إذا
علمه وجهل بعض
الخصوصيات ، كما إذا ظن أن السفر الذي يعصى فيه يوجب
الإتمام ؟ وجهان : أظهرهما
الثاني كما هو المنسوب إلى إطلاق الأصحاب لإطلاق صحيح
العيص .
فإن قيل : إن الصحيحين الأولين يقتضيان وجوب القضاء على
العالم بأصل
الحكم مطلقا وإن جهل الخصوصيات .
قلنا : إنه يتم لو جعل المشار إليه الصوم في السفر ،
وأما لو جعل المشار إليه
صومه الذي صامه فلا يتم كما لا يخفى ، مع أن النسبة
بينهما عموم من وجه ، والترجيح
وهو الشهرة لصحيح العيص .
وهل يلحق الناسي بالجاهل للاشتراك في العلة وهو العذر ،
أم لا ؟ وجهان :
أظهرهما الثاني : لإطلاق النصوص .
ودعوى انصرافها إلى العامد ، ممنوعة ، والعلة في الحكم
بالصحة النص لا العذر ،
فلا اشتراك في العلة ، وبه يظهر عدم إلحاق المريض به .
ثم إنه إذا علم في الأثناء أفطر وقضى لاختصاص النص
بالجاهل حال الصوم
بتمامه كما لا يخفى .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 2 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 2 .
2 - الوسائل باب 2 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 5 . *
[ وشرائط
قصر الصوم شرائط قصر الصلاة ]
التلازم بين قصر الصلاة والإفطار
( و )
السابعة : ( شرائط قصر الصوم شرائط قصر الصلاة ) إجماعا .
ويشهد به صحيح معاوية بن وهب عن الإمام الصادق ( عليه
السلام ) - في
حديث - هذا واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت ( 1 ) .
وخبر سماعة قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : وليس
يفترق التقصير والإفطار
فمن قصر فليفطر ( 2 ) . ونحوهما غيرهما ، وقد مر - تنقيح
القول في ذلك في الجزء الخامس
من هذا الشرح ، وقد مر هناك بيان السفر وقيوده .
ثم إنه قد استثني من هذه الكبرى الكلية موارد :
1 - ما عن الشيخ في النهاية والمبسوط وابن حمزة من أنه :
إذا كانت المسافة
أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه يتحتم عليه الصوم
ويتخير في الصلاة بين القصر
والإتمام إذا أراد الرجوع من الغد كما عن ابن حمزة ، أو
مطلقا كما عن الشيخ ره ، ولعله
من جهة عدم صدق السفر عليه شرعا ، وإنما يتخير فيه في
الصلاة للدليل الخاص ،
ولكن قد عرفت في كتاب الصلاة أن المتجه لزوم القصر فيه
وصدق السفر عليه ،
فكذلك يجب عليه الإفطار للآية الكريمة والنصوص الكثيرة
المعلقة لوجوب الإفطار
على السفر .
2 - ما عن الشيخ وابني البراج وحمزة وهو أنه : إذا أقام
كثير السفر في بلد
خمسة أيام يقصر في صلاة النهار ، ويصوم ويصلي الليل بغير
التقصير .
واستدل له : بصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (
عليه السلام ) : المكاري
……………………………………………
1 - الوسائل
باب 4 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 1 .
2 - الوسائل باب 4 من أبواب من يصح الصوم حديث 2 . *
[ . . . ]
إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره
بالنهار وأتم صلاة الليل وعليه
صيام شهر رمضان ، فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب
إليه عشرة أيام أو أكثر
وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر في
سفره أفطر ( 1 ) . هكذا
في الصحيح وكذا في غيره لكن بدون قوله وينصرف إلى قوله
قصر .
ولكن الخبر مضافا إلى عدم عمل الأصحاب به وإفتائهم بوجوب
التمام في
صلاة النهار أيضا في الفرض أنه لم يعمل به حتى الشيخ ومن
تبعه ، فإنه متضمن لثبوت
الحكم في الأقل من الخمسة الصادق على نحو الثلاثة ولم
يقل هؤلاء به ، مع أنه متضمن
في طريقه الصحيح لاعتبار إقامة العشرة في المنزل والمكان
الذي يذهب إليه معا
الظاهر في عدم الاكتفاء بها في أحدهما وتمام الكلام في
كتاب الصلاة .
3 - ما عن جماعة وهو : أن المسافر إن خرج للصيد وكان
للتجارة يقصر صومه
ويتم صلاته ، وفي الرياض : والقائل به أكثر القدماء
ومنهم الحلي مدعيا كونه إجماعات
انتهى .
واستدل له : بالإجماع المنقول ، والشهرة المحققة ،
وبالمرسل المروي عن الحلي
والشيخ قالا : ووردت رواية بذلك ، وبالفقه الرضوي .
ولكن الإجماع المنقول ليس بحجة ، وكذا الشهرة مضافا إلى
معارضتها
بالشهرة بين المتأخرين ، بل عن التذكرة : ادعاء الشهرة
المطلقة على أنه يقصر الصلاة
فيه .
والمرسل غير حجة سيما ولم ينقل متنه ، ولعله غير دال على
ذلك .
والفقه الرضوي قد مر أنه لم يثبت لنا كونه كتاب رواية ،
فضلا عن الاعتبار .
فالأظهر أنه يقصر صلاته أيضا . وتمام الكلام في محله .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 12 من أبواب صلاة المسافر حديث 5 . *
[ والشيخ
والشيخة مع عجزهما يتصدقان عن كل يوم بمد ]
4 - لا
إشكال في أن المصلي بالخيار بين القصر والإتمام في الأماكن الأربعة ، بل
الإتمام أفضل ، كما أنه لا إشكال في عدم جواز الصوم فيها
، وقد ذكر ذلك من
المواضع المستثناة .
وعن المسالك : أنه يمكن تكلف الغناء عن استثنائها من
الكلية المذكورة
بالتزام كون القصر فيها واجبا تخييريا بينه وبين التمام
، لأن الواجب وهو الصلاة لا
تتأدى إلا بأحدهما فيكون واحد منهما موصوفا بالوجوب
كالجهر والإخفات في بسملة
القراءة الواجبة الإخفاتية ، وحينئذ تنطبق على الكلية
المزبورة . انتهى .
5 - المسافر بعد الزوال ، أو الداخل بلده بعد الزوال ،
فإن الأول يقصر صلاته
ولا يقصر صومه ، والثاني بالعكس وقد مر الكلام فيهما
مفصلا .
الفصل الثاني :
فيمن وردت الرخصة في إفطاره شهر رمضان .
والكلام فيه في مسائل :
الأولى : ( والشيخ والشيخة مع عجزهما يتصدقان عن كل يوم
بمد )
بلا خلاف فيه في الجملة ، بل الإجماع بقسميه عليه كما في
الجواهر .
وتشهد به نصوص كثيرة : كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (
عليه
السلام ) : الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما
أن يفطرا في شهر
رمضان ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام ولا
قضاء عليهما ، وإن لم
[ . . . ]
يقدرا فلا شئ عليهما ( 1 ) .
ونحوه صحيحه الآخر عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) إلا
أنه قال :
ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام ( 2 ) .
وصحيح ابن سنان : عن رجل كبير يضعف عن شهر رمضان قال (
عليه
السلام ) : يتصدق كل يوم بما يجزئ من طعام مسكين ( 3 ) .
ومرسل ابن بكير عن بعض أصحابنا عنه ( عليه السلام ) : في
قول الله
عز وجل : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال (
عليه السلام ) :
الذين كانوا يطيقون الصوم وأصابهم كبر أو عطاش أو شبه
ذلك فعليهم لكل
يوم مد ( 4 ) .
وصحيح الحلبي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : عن رجل
كبير
يضعف عن صوم شهر رمضان فقال ( عليه السلام ) : يتصدق بما
يجزئ عنه طعام
مسكين لكل يوم ( 5 ) .
وخبر الكرخي : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : رجل
شيخ لا يستطيع
القيام إلى الخلا لضعفه - إلى أن قال قلت - فالصيام ؟
قال ( عليه السلام ) : إذا
كان في ذلك الحد فقد وضع الله عنه ، فإن كانت له مقدرة
فصدقة مد من طعام
بدل كل يوم أحب إلي وإن لم يكن له يسار ذلك فلا شئ عليه
( 6 ) .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 1 .
2 - الوسائل باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 2 .
3 - الوسائل باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 5 .
4 - الوسائل باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 6 .
5 - الوسائل باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 9 .
6 - الوسائل باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 10 .
*
[ . . . ]
وخبر أبي بصير : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) :
أيما رجل كان كبيرا لا
يستطيع الصيام أو مرض من رمضان إلى رمضان ثم صح فإنما
عليه لكل يوم أفطر
فيه فدية طعام وهو مد لكل مسكين ( 1 ) . إلى غير ذلك من
النصوص .
ونخبة القول في المقام بالبحث في أمور :
1 - إن الموضوع في النصوص هو الشيخ الكبير والرجل الكبير
، فما في
الفتاوى من جعل الموضوع الشيخ والشيخة غير تام ، فإن
الشيخ يقال لمن بلغ
أربعين سنة كما صرح بذلك اللغويون .
وأما الشيخ الكبير فتارة يتعذر عليه الصوم ، وأخرى يكون
الصوم عليه
حرجيا وذا مشقة ، وثالثة لا يكون متعذرا ولا حرجيا .
لا إشكال في سقوط الصوم عن الأولين ، أما في الأول :
فلحكم العقل
وأدلة نفي الاضطرار - ونصوص الباب .
وأما في الثاني : فلأدلة نفي العسر والحرج والنصوص
الخاصة .
وأما الثالث : فمقتضى إطلاق صحيحي محمد بن مسلم سقوط
وجوب
الصوم عنه ، إلا أنه يقيد إطلاقها بالإجماع ومناسبة
الحكم والموضوع وسائر
النصوص بما إذا تعذر عليه الصوم أو كان حرجيا .
2 - هل سقوط وجوب الصوم على نحو العزيمة أو الرخصة محل
الكلام
ما إذا كان الصوم حرجيا ، وأما مع التعذر فلا مورد لهذا
البحث ، مقتضى أدلة
نفي العسر والحرج كونه على نحو العزيمة بناء على ما هو
الحق من أنها حاكمة
على جميع أدلة الأحكام وتوجب رفع الحكم رأسا ، ولكن ظاهر
صحيحي محمد بن
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 12 . *
[ . . . ]
مسلم هو الثاني ، ولا يعارضها خبر الكرخي بدعوى أن لفظ
الوضع يقتضي
ذلك ، فإن مورده بحسب الظاهر صورة التعذر ، فما أفاده
صاحب الحدائق وظاهر
السيد الطباطبائي وغيرهما من كونه على وجه الرخصة هو
الصحيح .
3 - لا خلاف بينهم في وجوب الكفارة على من كان الصوم
عليه حرجيا
وذا مشقة ، وهل تجب على من تعذر عليه الصوم وكان غير
قادر عليه كما هو
المشهور ، أم لا تجب كما عن المفيد والسيد وسلار وابني
زهرة وإدريس والمصنف
في بعض كتبه والشهيدين والمحقق الثاني ، بل عن المنتهى :
نسبته إلى الأكثر ،
وعن الانتصار الإجماع عليه .
قد استدل للأول : بإطلاق الأخبار المتقدمة : وخبر أبي
بصير المتقدم ، وبخبره
الآخر عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قلت له : الشيخ
الكبير لا يقدر أن يصوم فقال
( عليه السلام ) : يصوم عنه بعض ولده قلت : فإن لم يكن
له ولد ؟ قال ( عليه السلام ) :
فأدنى قرابته قلت : فإن لم يكن له قرابة ؟ قال ( عليه
السلام ) يتصدق بمد لكل يوم ( 1 ) .
واستدل للثاني بوجوه : منها : الأصل .
وفيه : أنه لا يرجع إليه مع الدليل .
ومنها : تبادر صورة المشقة من النصوص ، سيما من خبر
الهاشمي عن أبي
الحسن ( عليه السلام ) عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة
التي تضعف عن الصوم في
شهر رمضان قال ( عليه السلام ) : تصدق في كل يوم بمد من
حنطة ( 2 ) .
وصحيح ابن سنان المتقدم .
وفيه : منع التبادر ، والضعف يشمل عدم القدرة كما يشمل
الحرج والمشقة .
……………………………………………
1 -
الوسائل باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 11 .
2 - الوسائل باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 4 .
*
[ . . . ]
ومنها : الآية الكريمة ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام
مسكين ) ( 1 )
بضميمة المعتبرات الواردة في تفسيرها ، فإنها تدل على
وجوب الفدية على ذي المشقة ،
وقد فسر في الأخبار بالشيخ الكبير ، فيكون المتحصل أن
الشيخ الكبير الذي يطيقه
تجب عليه الفدية .
وفيه : أولا : أنه لا مفهوم لها كي تدل على عدم وجوبها
على من تعذر عليه الصوم
ويقيد بها إطلاق الأدلة الأخر .
وثانيا : أن مرسل ابن بكير المتقدم المفسر للآية دال على
أن المراد بها الشيخ
الكبير الذي كان يطيقه قبل الكبر لا حاله ، بل الظاهر
منه الذي أصابه الكبر
ولا يطيقه ، وفي خبر ثالث لأبي بصير تفسر الآية الكريمة
بالشيخ الكبير الذي
لا يستطيع ( 2 ) .
ومنها : صحيح الكرخي المتقدم : فإن كانت له مقدرة فصدقة
مد من طعام بدل
كل يوم أحب إلي ، بتقريب أنه دال على استحباب الفدية
للعاجز لظهوره في العاجز ،
فيقيد به إطلاق ما دل على ثبوت الكفارة فيه ، ويوجب حمل
ما دل عليه بالخصوص
على وجوبها فيه على الاستحباب .
وفيه : أنه مطلق غير مختص بالعاجز ، وتخصيصه أولا بما دل
على وجوب الفدية
في القادر مع المشقة ثم تخصيص ما دل على وجوبها على غير
القادر به يتوقف على
القول بانقلاب النسبة ولا نقول به ، فهو معارض لما دل
على وجوب الفدية ، وحيث لا
يمكن حمل جميع تلك النصوص على الاستحباب فيتعين حمل
الأحبية فيه على إرادة
اللزوم ، فالأظهر ثبوت الفدية مطلقا .
……………………………………………
1 -
البقرة الآية 184 .
2 - الوسائل باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث 7 .
*
[ . . . ]
4 - المعروف بين الأصحاب : أن الفدية المأمور بها مد من
طعام ، وأكثر
النصوص المتقدمة شاهدة به ، وما في خبر محمد بن مسلم من
المدين محمول على
الاستحباب ، وما عن الشيخ من الجمع بين النصوص بحمل خبر
المدين على من تمكن
منهما ، وحمل بقية النصوص على غير المتمكن منهما ، جمع
لا شاهد له .
فالمتعين ما أفاده ره في محكي الاستبصار من حمل صحيح
محمد على
الاستحباب .
وما قيل من أنه يجمع بينهما بالبناء على التخيير ، يدفعه
أن معنى التخيير بين
الأقل والأكثر ذلك ، أي وجوب الأقل واستحباب الأكثر ،
مضافا إلى أن مقتضى الجمع
العرفي ما ذكرناه .
5 - ما في خبر أبي بصير من أنه يصوم عنه ولده أو غيره من
ذي قرابته ، حيث
لم يوجد عامل بما هو ظاهره من وجوب ذلك يحمل على الندب
كما عن الشيخ والشهيد
في الدروس .
6 - لو تمكن الشيخ والشيخة من القضاء هل يجب عليهما ذلك
كما هو المشهور
بين الأصحاب ، أم لا يجب كما عن والد الصدوق والمحقق في
النافع وسيد المدارك
وغيرهما من متأخري المتأخرين ؟ وجهان : يشهد للثاني صحيح
محمد بن مسلم المتقدم :
ولا قضاء عليهما . وخبر ابن فرقد : فمين ترك الصيام : إن
كان من مرض فإذا برأ
فليقضه ، وإن كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد .
ودعوى أن النصوص منصرفة إلى الغالب من عدم الاقتدار لأن
الكبر ليس
من قبيل المرض كي يرتفع بل هو لا يزال في الاشتداد
والكبير لا يزال في عدم
الاقتدار ، مندفعة بما أشرنا إليه غير مرة من أن الغلبة
لا تصلح منشئا
للانصراف المقيد للإطلاق ، فالأظهر عدم وجوب القضاء لو
تمكنا .
[ وكذا ذو
العطاش ويقضي مع البرء ]
الثالثة : في ذوي العطاش وهو من به داء لا يروي ولا
يتمكن من ترك شرب
الماء طول النهار أصلا إلا مع المشقة الشديدة ، فكما أن
الشيخ والشيخة يفطران
ويتصدقان بدل كل يوم مدا من طعام ( وكذا ذو العطاش )
يفطر إجماعا حكاه غير
واحد .
وتشهد به : النصوص المتقدمة في الشيخ والشيخة ، مضافا
إلى عمومات سقوط
الصوم عن المريض ، ولو استمر به المرض إلى رمضان قابل يسقط
القضاء عنه لما مر
في المريض وهو من مصاديقه .
( و ) هل ( يقضي مع البرء ) كما عن الأكثر بل حكي عليه
الإجماع ، أم لا كما
عن بعض ؟ وجهان : يشهد للوجوب : عموم ما دل على وجوب
القضاء على المريض
لو برأ بين رمضانين من الكتاب والسنة .
ودعوى عدم شمول إطلاق الكتاب والسنة له لأن ظاهر المريض
غيره كما
يشهد به : خبر ابن فرقد ، مندفعة بأنه مريض عرفا ،
والخبر لا يدل على اختلافه
مع المريض المطلق في بعض الأحكام .
ويشهد للثاني : صحيحا محمد بن مسلم المتقدمان .
وعلى هذا فقد يقال كما أفاده الشيخ الأعظم والفاضل
النراقي : أن النسبة بين
عمومات القضاء والصحيحين عموم من وجه من جهة أن العمومات
أعم من ذي
العطاش وغيره ، والصحيحين أعمان من العمومات من جهة
اختصاص العمومات
بانقطاع المرض والبرء منه ، وتقدم العمومات للشهرة
وموافقة الكتاب .
وأورد على ذلك : بأن الآية الكريمة وما ماثلها من النصوص
غير مختصة بصورة
[ . . . ]
البرء ، فإن المراد من ( أيام أخر ) في الآية ليس أيام
المرض بل غير أيام غير
شهر رمضان ، فهي مطلقة من هذه الجهة ، فالنسبة عموم مطلق
، فيقيد إطلاقها
بالصحيحين .
وفيه : أولا : أن بعض النصوص المتضمنة للقضاء على المريض
مختص بصورة
البرء ، بل مصرح بذلك ، فما ذكراه يجري فيه .
وثانيا : أنه إذا كان المرض مسوغا للإفطار في شهر رمضان
، فمسوغيته للإفطار
في قضائه أولى ، وهذه قرينة على ظهور ( أيام أخر ) في
إرادة أيام غير أيام المرض . وأما
دعوى أن التصدق بدل عن الصوم نفسه فلا قضاء فهي من قبيل
الاجتهاد في مقابل
الدليل . فالأظهر وجوب القضاء عليه .
وهل يجب التصدق عليه مطلقا ، أم لا ؟ الظاهر ذلك للنصوص
المتقدمة في
الشيخ والشيخة الآمرة به ، مضافا في صورة الاستمرار إلى
ما دل على وجوبه على
المريض إن استمر مرضه إلى رمضان قابل .
وعن المصنف ره في جملة - من كتبه ، والمحقق الثاني في
جامع المقاصد : نفي
الفدية مع رجاء البرء لأنه من المريض الذي لا كفارة عليه
، وللأصل : وشئ منهما لا
يصلح لأن يقاوم مع النصوص المصرحة بلزومها .
ودعوى أن النسبة بين ما دل على وجوب الفدية على مطلقا -
أي حتى مع
حصول البرء قبل مجئ رمضان قابل - وما دل على عدم وجوبها
على المريض لو
حصل البرء وقضى ما عليه ، عموم من وجه فيتساقطان ويرجع
إلى أصالة البراءة
مندفعة بأن النسبة وإن كانت عموما من وجه ، إلا أن
الترجيح مع نصوص الوجوب
لأنها أشهر .
مع أنه يمكن أن يقال : إن نصوص نفي الفدية تدل على عدم
وجوبها عليه من
حيث إنه مريض ، ونصوص الوجوب
تدل على لزومها عليه لخصوصية في مرضه فلا