فقه الصادق

تاليف

فقيه العصر سماحة آية الله العظمى

السيد محمد صادق الحسيني الروحاني

مد ظله

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي اوجب الحج تشييدا للدين وجعله من القواعد التي عليها بناء

الاسلام ، والصلاة على محمد المبعوث على كافة الانام وعلى آله هداة الخلق واعلام

الحق .

وبعد فهذا هو الجزء التاسع من كتابنا فقه الصادق ، وقد وفقنا لطبعه ، والمرجو

من الله تعالى التوفيق لنشر بقية الاجزاء فانه ولي التوفيق .

 

 

كتاب الحج

 

بفتح الحاء المهملة ، وقد تكسر .

وهو لغة : القصد المتكرر الى من يراد تعظيمه .

وشرعا : عبارة عن القصد الى بيت الله لاداء مناسك مخصوصة عنده متعلقة بزمان

مخصوص ، كما في المبسوط وعن جماعة ، او هو اسم لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر

المخصوصة ، كما في الشرائع .

واورد المحقق على التفسير الاول بانه يخرج عنه الوقوف بعرفة والمشعر لانهما

ليسا عند البيت الحرام مع كونهما ركنين من الحج اجماعا .

واورد الشهيد الاول على التفسير الثاني بان لازمه النقل ولازم التفسير الاول

التخصيص ، والتخصيص اولى من النقل .

واورد ثاني الشهيدين عليه بان الاتي بالبعض التارك للبعض الذي لامدخل

له في البطلان يصدق عليه الحاج فلايكون الحج اسما للمجموع ، وايضا انه يصدق

على العمرة .

وحق القول في المقام ان يقال : - بعد مالا ريب في ان للحج معنى شرعيا

يستعمل فيه في لسان الشارع الاقدس وتابعيه ، وذلك اما بالوضع التعييني بالاستعمال

فيه بداعي وضعه له - ، او التعيني الحاصل من كثرة الاستعمال - انه كسائر الفاظ

 

 

[ . . . ]

العبادات موضوع لعدة اجزاء المعبر عنها بالاركان فصاعدا بحيث يكون الزائد عن

الاجزاء المقومة على فرض تحققه داخلا في المسمى ، وعدمه غير مضر بصدقه ،

ولامحذور في دخول شئ في مركب اعتباري عند وجوده وخروجه عنه عند عدمه اذا اخذ

المقوم له لا بشرط ، كما في لفظ الدار ، فانه موضوع للساحة المحاطة بالحيطان مع غرفة ،

فان كان هناك غير ذلك من غرفة اخرى او بئر او ما شاكل يكون من اجزاء الدار ،

وإلا فلا ، ولايرد على هذا شئ ، اذ لم تثبت اولوية التخصيص من النقل ، وعلى فرض

ثبوتها لاتصلح منشئا لتعيين الموضوع له ، بل المثبت له هو التبادر ، وهو يعين ما ذكرناه .

وصدق الحاج على الاتي بالبعض التارك لاخر ، وعلى الاتى بالمجموع لاينافي

ما ذكرناه ، بل يعينه ، وصدقه على العمرة ينفى بالتقييد بزمان خاص .

 

وجوب الحج من ضروريات الدين

 

لاكلام ولا خلاف بين علماء الامة الاسلامية في ان وجوب الحج من ضروريات

الدين ، ويدخل من انكره في سبيل الكافرين .

وزاد في الجواهر ، وقال : بل لعل تاكد وجوبه كذلك فضلا عن اصل الوجوب

كما هو واضح ، ولذا سمى الله تعالى تركه كفرا في الكتاب العزيز انتهى .

وفيه : ان الكفر في الاية انما هو في مقابل الشكر ، كما عن جماعة من المفسرين ،

فالمراد به ترك المامور به ، فان امتثال امر الله شكر لنعمته ، وترك المامور به كفران لها ،

مع انه ليس في الاية الكريمة ( 1 ) ما يشهد باطلاق الكفر على تركه ، ولعل المراد منها

جحود فرض الحج وعدم رؤيته واجبا كما عن ابن عباس والحسن .

……………………………………………

( 1 ) سورة آل عمران آية 97

 

 

[ . . . ]

ويعضده خبر علي بن جعفر الاتى ، قال قلت : فمن لم يحج منا فقد كفر ، قال

عليه السلام : لا ولكن من قال : ليس هذا هكذا فقد كفر ( 1 ) فغاية ما تدل عليه كون

وجوب الحج من ضروريات الدين .

وكيف كان فهو من اركان الدين ، قال : امامنا الباقر ( ع ) على ما في صحيح

زرارة : بنى الاسلام على خمسة : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ( 2 ) ونحوه

ما في سائر النصوص المروية عنهم عليهم السلام .

بل هو من اعظم اركان الاسلام وافضلها ، لما فيه من اتعاب البدن وصرف المال

والتجرد عن الشهوات والتغرب عن الوطن ورفض العادات وغير ذلك ، وقد قال

الامام ابو الحسن ( عليه السلام ) على ما في خبر محمد بن مسلم : من قدم حاجا حتى اذا دخل

مكة دخل متواضعا فاذا دخل المسجد الحرام قصر خطاه من مخافة الله فطاف بالبيت

طوافا وصلى ركعتين كتب الله له سبعين الف حسنة وحط عنه سبعين الف سيئة ورفع

له سبعين الف درجة وشفعه في سبعين الف حاجة وحسب له عتق سبعين الف رقبة

قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم ( 3 ) .

وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) كما في خبر معاوية نقلا عن آبائه عليهم السلام : ان

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقيه اعرابي فقال له : يا رسول الله اني خرجت

اريد الحج ففاتني وانا رجل مميل فمرني ان اصنع في مالي ما ابلغ به مثل اجر الحاج ،

فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : انظر الى ابي قبيس فلو ان ابا

قبيس لك ذهبة حمراء انفقته في سبيل الله ما بلغت به ما يبلغ الحاج ، ثم قال : ان الحاج

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب وجوب مقدمة العبادات حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 43 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 6

 

 

[ وفيه ابواب : الباب الاول في اقسامه وهي حجة الاسلام ، وما يجب

بالنذر وشبهه ، وبالاستيجار والافساد فحجة الاسلام واجبة باصل ]

 

اذا اخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه الا كتب الله له عشر حسنات ومحى عنه عشر

سيئات ورفع له عشر درجات فاذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه الا كتب الله له

مثل ذلك ، فاذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه فاذا سعى بين الصفا والمروة خرج من

ذنوبه . الحديث ( 1 ) .

ونحوهما غيرهما من الاخبار الكثيرة المروية عن المعصومين عليهم السلام ( 2 ) .

( و ) كيف كان ف ( فيه ابواب : الباب الاول : في اقسامه ) .

وتنقيح القول في هذا الباب في طي فصول :

الفصل الاول : اقسام الحج الواجب اربعة :

الاول : ما وجب باصل الشرع من دون ان ينطبق عليه عنوان آخر ( وهي

حجة الاسلام ) ويطلق عليها هذا العنوان من جهة انها احد اركان الاسلام كما تقدم .

 ( و ) الثاني : ( ما يجب بالنذر وشبهه ) من العهد واليمين .

( و ) الثالث : ما يجب ( بالاستيجار ) .

( و ) الرابع : ما يصير واجبا ب ( الافساد ) اي افساد الحج في العام السابق .

 

لايجب حجة الاسلام الا مرة واحدة

 

الفصل الثاني : في كيفية وجوب حجة الاسلام وشرائطه - واحكامها ( ف )

الكلام في مطالب :

الاول : ( حجة الاسلام واجبة ) على كل من اجتمعت فيه الشرائط الاتية ( باصل

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 42 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

( 2 ) راجع الوسائل باب 1 من ابواب مقدمة العبادات وجملة من

ابواب وجوب الحج وشرائطه من كتاب الحج

 

 

[ الشرع مرة واحدة . ]

 

الشرع مرة واحدة ) بلا خلاف في ذلك .

وفي الجواهر : اجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين انتهى .

وعن الصدوق في العلل وجوبها على اهل الجدة في كل عام .

ويظهر من المصنف - ره - في المنتهى الارتياب في ثبوت ذلك ، وقد استدل لعدم

وجوبها اكثر من مرة في الجواهر وغيرها بوجوه :

احدها : الاصل بتقريب : ان وجوب الحج مرة واحدة معلوم ، والزائد عليها

وجوبه مشكوك فيه فيرتفع بالاصل .

وفيه : ان الاصل انما يرجع اليه مع عدم الدليل ، وحيث ان في المقام روايات

تدل على وجوبه في كل عام - كما ستمر عليك - فلا سبيل الى الاستدلال به .

الثاني : اطلاق الامر في الكتاب والسنة بتقريب : ان الظاهر من تعلق الامر

بالطبيعة كون المطلوب صرف وجودها المنطبق على اول الوجودات ، فبه يحصل

الغرض والمطلوب ويسقط الامر لا محالة .

وفيه : انه متين لولا الاخبار الخاصة .

الثالث : الاجماع قديما وحديثا ، ولذا رد المصنف - ره - في المنتهى ما نسب الى

الصدوق بمخالفته للاجماع .

وفيه : ان الاجماع الحجة هو ما كان تعبديا غير معلوم المدرك فانه يكون حينئذ

كاشفا عن راي المعصوم عليه السلام ، واما الاجماع الذي يكون مدرك المجمعين

معلوما وبايدينا فلا يكون كاشفا عنه فلا يكون حجة ، والمقام من هذا القبيل كما هو

واضح .

الرابع : الاخبار الخاصة كصحيح هشام المروي عن المحاسن والخصال عن ابي

عبد الله عليه السلام : ما كلف الله العباد الا ما يطيقون ، انما كلفهم في اليوم والليلة

 

 

[ . . . ]

خمس صلوات - الى ان قال - وكلفهم حجة واحدة وهم يطيقون اكثر من ذلك ( 1 )

وخبر محمد بن سنان ان ابا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام كتب

اليه فيما كتب من جواب مسائله قال : علة فرض الحج مرة واحدة ، لان الله تعالى وضع

الفرائض على ادنى القوم قوة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغب

اهل القوة على قدر طاقتهم ( 2 ) .

وخبر الفضل بن شاذان عنه عليه السلام : انما امروا بحجة واحدة لا اكثر من

ذلك لان الله تعالى وضع الفرائض على ادنى القوة : كما قال : ( فما استيسر من

الهدى ) الى ان قال : فكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا الحديث ( 3 ) .

ونحو ذلك جملة من النصوص كخبر دعائم الاسلام ( 4 ) وما عن غوالي اللالي ( 5 ) ،

والنبوي المروي عن العوالي ( 6 ) .

وهذه النصوص وان كانت معتبرة ، ودلالتها على المطلوب ظاهرة . الا انه

يعارضها طائفة اخرى من النصوص كصحيح ابي جرير القمي عن ابي عبد الله عليه

السلام قال : الحج فرض على اهل الجدة في كل عام ( 7 ) .

وخبر حذيفة بن منصور عنه عليه السلام قال : ان الله عزوجل فرض الحج

والعمرة على اهل الجدة في كل عام ( 8 ) .

وخير علي بن جعفر عن اخيه الامام عليه السلام قال : ان الله تعالى فرض

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 3 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .

( 4 ) المستدرك باب 3 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .

( 5 ) ( 6 ) المستدرك باب 3 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .

( 7 ) الوسائل باب 2 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .

( 8 ) الوسائل باب 2 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2

 

 

[ . . . ]

الحج على اهل الجدة في كل عام وذلك قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من

استطاع اليه سبيلا ) ( 1 ) ونحوها غيرها .

وقد قيل في الجمع بين الطائفتين وجوه :

الاول : ان يكون الظرف في الطائفة الثانية اي قوله : في كل عام متعلقا باهل

الجدة ، فيكون المعنى : انه يجب الحج على اهل جدة السنة في كل عام فلا يجب الا مرة

واحدة ، فان من وجب عليه الحج في السنة الماضية فهو اهل جدة تلك السنة لا اهل

جدة هذه السنة فلا يجب عليه مرة اخرى .

وبعبارة اخرى : كل من تمكن من الحج يكون اهل جدة سنة واحدة لاسنوات

متعددة .

ولكن ذلك خلاف الظاهر ، فان الظاهر تعلقه بفرض كما لايخفى ، فالمصير اليه

يحتاج الى قرينة .

الثاني : ان يكون المراد : من فرض الحج في كل عام ان وجوب الحج ليس

وجوبا موقتا ، بل هو وجوب ثابت الى الابد ، وانه واجب الى يوم القيامة .

ويمكن تاييده بما في المنتهى : وروى انه قيل : يا رسول الله احجنا لعامنا هذا ام

للابد ؟ فقال عليه السلام : بل للابد .

فيكون مفاد هذه النصوص مفاد ما دل على ان حلال محمد حلال الى يوم

القيامة ، وحرامه حرام الى يوم القيامة .

ولكنه ايضا خلاف الظاهر ، اذ الظاهر من النصوص كون كل عام ملحوظا

مستقلا وموضوعا براسه لا ان المجموع ظرف لاستمرار حكم البدل بمعنى ان من

وجب عليه الحج فلم يفعل في السنة الاولى وجب عليه في الثانية ، وهكذا في كل عام ،

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1

 

 

[ . . . ]

فيكون وجوبه في كل عام بدليا ومترتبا على تركه في العام السابق .

وفيه انه تصرف في ظاهر النصوص ، وتقييد لاطلاقها من دون ان يشهد به

شاهد .

الرابع : ما ذهب اليه في الوسائل ومال اليه سيد العروة وهو حمل الاخبار الدالة

على الوجوب في كل عام على الوجوب الكفائي بمعنى انه يجب الحج كفاية على كل

احد في كل عام اذا كان متمكنا بحيث لاتبقى مكة خالية من الحاج ، واستشهد لذلك

بطوائف من النصوص :

منها : ما دل على عدم جواز تعطيل الكعبة ن الحج كصحيح حماد عن ابي عبد

الله عليه السلام قال : كان علي صلوات الله عليه يقول لولده : يا بني انظروا بيت ربكم

فلا يخلو منكم فلا تناظروا ( 1 ) ونحوه غيره .

ومنها : ما دل على ان الناس لو تركوا الحج لوجب على الامام ( عليه السلام ) - كما في بعضها

- وعلى الوالي - كما في آخر - ان يجبر الناس على الحج والمقام في مكة كصحيح عبد

الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه السلام قال : لو عطل الناس الحج لوجب على الامام

 عليه السلام ان يجبرهم على الحج ان شاؤوا وان ابواب فان هذا البيت انما وضع

للحج ( 2 ) .

وصحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال : لو ان الناس تركوا الحج لكان

على الوالي ان يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ، ولو تركوا زيارة النبي صلى الله عليه

وآله وسلم لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ، فان لم يكن لهم

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 5 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1

 

 

[ . . . ]

مال انفق عليهم من بيت مال المسلمين ( 1 ) . ونحوهما غير هما .

ومنها : مادل على ان الناس لو تركوا الحج نزل عليهم العذاب كخبر ابي بصير

قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : اما ان الناس لو تركوا حج هذا البيت

لنزل بهم العذاب وما نوظروا ( 2 ) . ونحوه غيره .

وتقريب الاستدلال : بها انها تدل على وجوب الحج كفاية على المسلمين وانه

يسقط بحج البعض ، ومع ترك الجميع يجبر بعضهم الامام او الوالي والا نزل بهم

العذاب .

وفيه اولا ان هذه النصوص التي استشهد بها لاتختص باهل الجدة : والاخبار

التي استدل بها لوجوبه في كل عام تختص بهم وايضا هذه تختص بصورة حصول

التعطيل وتلك لاتختص بها .

وثانيا : ان نصوص عدم جواز تعطيل الكعبة لاتدل على وجوب الحج في كل

عام كفاية لانه كما يحصل عدم التعطيل بالحج يحصل بالعمرة ونصوص الاجبار

ونزول العذاب يمكن ان يورد عليها بانه حيث لايتفق عادة عدم وجود مستطيع

ضرورة في كل عام ، فيمكن ان يكون المراد بها كون وجوب الاجبار ونزول العذاب

لاجل تركهم حجة الاسلام الواجبة عينا في تمام العمر مرة واحدة وحيث لا اطلاق

لها من هذه الجهة فلا يصح الاستدلال بها .

الخامس : حمل الطائفة الثانية على الاستحباب . اختاره الشيخ - ره - والمحقق

في المعتبر وسيد المدارك وصاحب الجواهر وغيرهم .

وتقريب ذلك : ان نصوص الوجوب مرة واحدة نص في عدم وجوب الاكثر

ونصوص الوجوب في كل عام ظاهرة في ذلك ، فان الفرض في اللغة بمعنى الثبوت ،

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 7

 

 

[ على الذكور والاناث والخناثي بشروط ستة البلوغ . ]

 

وهو كما يلائم مع الوجوب يلائم مع الاستحباب ، فبنصوصية الطائفة الاولى تحمل

الثانية على الاستحباب .

وهذا مضافا الى كونه جمعا عرفيا يشهد به جملة من النصوص الصريحة في

استحباب الحج والعمرة بقدر القدرة كصحيح ابن عمير عن ابي محمد الفراء قال :

سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :

 تابعوا بين الحج والعمرة فانهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد ( 1 ) .

 ونحوه غيره .

وقد عقد لذلك في الوسائل بابا وذكر فيه اربعا وثلثين حديثا ثم قال وتقدم

ما يدل على ذلك وياتي ما يدل عليه .

وان ابيت عن كون ذلك جمعا عرفيا فلا بد من طرح نصوص الوجوب لان

جملة من المرجحات مع نصوص النفي كما هو واضح فالاظهر عدم وجوبه اكثر من

مرة .

 

شرائط وجوب حجة الاسلام

 

المطلب الثاني : انما تجب حجة الاسلام ( على الذكور والاناث والخناثي

بشروط ستة ) احدها : ( البلوغ ) واعتباره في وجوبها مما لاكلام فيه ولاخلاف بل

عليه العلماء كافة كما عن المعتبر وفي التذكرة وعن غيرهما .

واستدل له بوجوه :

الاول : الاجماع ففي الجواهر : اجماعا بقسميه :

وفي المستند اجماعا محققا ومحكيا مستفيضا .

وفي الرياض : عليه اجماع علماء الاسلام كما في عبائر جماعة .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 45 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1

 

 

[ . . . ]

وفيه : ان مدرك المجمعين حيث يكون معلوما فهذا الاجماع ليس تعبديا كاشفا

عن راي المعصوم .

الثاني حديث رفع القلم . ففي محكي الخصال عن ابن الظبيان عن امير

المؤمنين علي ( عليه السلام ) في سقوط الرجم عن الصبي اما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة :

عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ ( 1 )

وفي موثق عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن الغلام متى يجب عليه الصلاة ؟

قال ( عليه السلام ) : اذا اتى عليه ثلاث عشرة سنة فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة

وجرى عليه القلم ( 2 ) .

وخبر ابي البختري عن جعفر عن ابيه عن علي ( عليه السلام ) انه كان يقول : في

المجنون والمعتوه الذي لايفيق والصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطا تحمله العاقلة وقد

رفع عنهما القلم ( 3 ) .

واورد عليه بعض المعاصرين تبعا للشيخ الاعظم الانصاري - ره - بان الظاهر

منه قلم المؤاخذة لاقلم جعل التكليف .

وفيه اولا انه لاشاهد لهذا الحمل بل الظاهر منه قلم جعل التكليف بل موثق

عمار كالصريح في ذلك حيث انه سؤالا وجوابا في مقام بيان زمان وجوب الصلاة .

وثانيا : ان مورد بعض هذه النصوص القصاص وثبوت الدية وهما ليسا من

قبيل المؤاخذة على مخالفة التكليف بل من قبيل الحكم الوضعى .

وثالثا : ان المراد لو كان رفع فعلية المؤاخذة مع ثبوت الاستحقاق فيكون

مقتضاه العفو كان ذلك مما يقطع بخلافه وان كان المراد رفع الاستحقاق فهو لايصح

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث 11 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث 12 .

( 3 ) الوسائل باب 34 من ابواب القصاص في النفص حديث 2

 

 

[ والعقل والحرية ]

 

الا مع رفع الحكم الذي هو منشا هذا الحكم العقلى فالحق تمامية الاستدلال بهذه

النصوص المعمول بها التي لو فرض ضعف اسنادها يكون منجبرا بالعمل والاستناد

بلا كلام .

الثالث : الروايات الواردة في المقام كموثق اسحاق بن عمار عن ابي الحسن

عليه السلام عن ابن عشر سنين يحج قال : عليه حجة الاسلام اذا احتلم وكذلك

الجارية عليها الحج اذا طمثت ( 1 ) . ومثله خبر شهاب عن ابي عبد الله عليه السلام ( 2 ) .

وخبر مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله عليه السلام في حديث قال : لو ان غلاما

حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الاسلام ( 3 ) .

ودلالتها على المطلوب

واضحة .

( و ) الشرط الثاني : كمال ( العقل ) لاخلاف في اعتباره ، وقد تكرر في كلماتهم دعوى

اجماع علماء الاسلام عليه .

ويشهد به النصوص العامة المتقدمة - اي نصوص رفع القلم - وقد مر تقريب

الاستدلال بها .

( و ) الشرط الثالث : ( الحرية ) فلا يجب على المملوك - وان اذن له مولاه وكان

مستطيعا من حيث المال بناء على القول بملكه او بذل له مولاه الزاد والراحلة -

اجماعا بقسميه عليه منا ومن غيرنا كما في الجواهر .

ويشهد به ما في موثق الفضل بن يونس عن ابي الحسن موسى عليه السلام :

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 12 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 - .

( 2 ) الوسائل باب 12 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 13 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .

 

 

[ والزاد والراحلة ]

 

ليس على المملوك حج ولاعمرة حتى يعتق ( 1 ) . ونحوه غيره .

وحيث انه لاموضوع لذلك في هذه الازمنة فالصفح عن التعرض له نقضا

وابراما والفروع المتفرعة عليه اولى .

 

اشتراط الزاد والراحلة

 

( و ) الشرط الرابع والخامس : ان يكون له ( الزاد والراحلة ) بلا خلاف في

اعتبارهما في الجملة .

وفي المنتهى اتفق علماؤنا على ان الزاد والراحلة شرطان في الوجوب .

وفي الرياض بعد دعوى اجماع علماء الاسلام على اعتبار الاستطاعة : والمراد

بالاستطاعة عندنا الزاد والراحلة ان لم يكن من اهل مكة ولابها بالاجماع كما في

الناصريات والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة والسرائر . ونحوهما كلمات غيرهم من

الاساطين .

ويشهد به تفسير الاستطاعة - التي هي شرط لوجوب حجة الاسلام بالاجماع

والكتاب والسنة .

قال : الله تبارك وتعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه

سبيلا ) ( 2 ) .

وقال ابو جعفر عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم بعد ما ساله عن قوله

تعالى ( ولله . . . ) الى آخره : يكون له ما يحج به ( 3 ) . ونحوه غيره وستمر عليك جملة

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 15 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

( 2 ) آل عمران آية 97 .

( 3 ) الوسائل باب 8 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

منها .

وقال في الجواهر : باجماع المسلمين والنص في الكتاب المبين والمتواتر من سنة

سيد المرسلين بل لعل ذلك من ضروريات الدين كاصل وجوب الحج . انتهى - بالزاد

والراحلة في جملة من النصوص كصحيح هشام بن الحكم عن ابي عبد الله عليه السلام

في قوله عزوجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ) ما يعني

بذلك ؟ قال عليه السلام من كان صحيحا في بدنه مخلى له سربه له زاد وراحلة ( 1 ) .

وصحيح محمد بن يحيى الخثعمي قال : سال حفص الكناسي ابا عبد الله عليه

السلام - وانا عنده - عن قول الله عزوجل : ( ولله على الناس حج البيت من

استطاع اليه سبيلا ) ما يعني بذلك ؟ قال عليه السلام : من كان صحيحا في بدنه مخلى

في سربه له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج - او قال - ممن كان له مال . فقال له

حفص الكناسي : فاذا كان صحيحا في بدنه مخلى في سربه وله زاد وراحلة فلم يحج

فهو ممن يستطيع الحج ؟ قال : عليه السلام نعم ( 2 ) . ونحوهما غيرهما من الاخبار

الكثيرة .

ثم ان تنقيح القول في هذا المقام يقتضي التكلم في مسائل :

 

لايختص اشتراط الراحلة بصورة الحاجة اليها

 

مسالة 1 : هل يختص اشتراط وجود الراحلة بصورة الحاجة اليها لعدم القدرة

على المشي او كونه كشقة عليه وما شابه ام يشترط مطلقا ولو مع عدم الحاجة ظاهر

الاصحاب هو الثاني .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 8 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 7 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .

 

 

[ . . . ]

وفي المدارك : لانعلم قائلا بالاول بل عن الخلاف والناصريات والغنية وغيرهما

دعوى الاجماع عليه .

وفي المستند : ظاهر المنتهى الاول حيث اشترط الراحلة للمحتاج اليها وهو

ظاهر الذخيرة والمدارك وصريح المفاتيح وشرحه ونسبه في الاخير الى الشهيدين بل

التذكرة بل يمكن استفادته من كلام جماعة قيدوها بالاحتياج والافتقار . انتهى .

اقول : ان سيد المدارك بعد مانقل عن المصنف في المنتهى قوله وانما يشترط

الزاد والراحلة في حق المحتاج اليهما لبعد مسافته . قال ونحوه قال في التذكرة وصرح

بان القريب الى مكة لايعتبر في حقه وجود الراحلة اذا لم يكن محتاجا اليها . ثم استجوده

 ولكن اشكل عليه بيان ضابط القرب .

ثم قال : والرجوع الى اعتبار المشقة وعدمها جيد الا ان اللازم منه عدم اعتبار

الراحلة في حق البعيد ايضا اذا تمكن من المشي من غير مشقة شديدة ولانعلم به

قائلا . انتهى .

وبهذا يظهر وجه النسبة الى التذكرة والمنتهى والمدارك والظاهر ان وجه نسبة

ذلك الى الشهيدين وجماعة آخرين هو ذلك .

وبالجملة الظاهر ان مورد كلام هؤلاء هو القريب ومورد البحث هو البعيد

نعم صرح بعض متاخري المتاخرين بالاختصاص .

واما النصوص فهى على طائفتين :

الاولى : ما يدل على اشترط الراحلة في صدق الاستطاعة الشرعية مطلقا

كصحيحي هشام وابن الخثعمي المتقدمين آنفا .

وخبر السكوني عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : ساله رجل من اهل القدر عن قول

الله تعالى ( ولله على الناس ) الى آخره اليس قد جعل الله لهم الاستطاعة ؟ فقال :

 

 

[ . . . ]

ويحك انما يعني بالاستطاعة : الزاد والراحلة ليس استطاعة البدن ( 1 ) .

وخبر الفضل بن شاذان عن الامام الرضا عليه السلام

في كتابه الى المامون : وحج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا والسبيل : الزاد

والراحلة مع الصحة ( 2 ) .

وخبر عبد الرحمن بن سيابة عن الامام الصادق عليه السلام في الاية الشريفة

قال : من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج ( 3 ) .

الثانية : ما يدل على عدم اشتراطها لمن لايحتاج اليها كصحيح معاوية بن عمار

عن الامام الصادق عليه السلام عن رجل عليه دين اعليه ان يحج ؟ قال عليه السلام

نعم ان حجة الاسلام واجبة على من اطاق المشي من المسلمين ولقد كان اكثر من

حج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم مشاة ولقد مر رسول الله صلى الله عليه وآله

وسلم بكراع الغميم فشكوا اليه الجهد والعناء فقال : شدوا ازركم واستبطئوا . ففعلوا

ذلك فذهب عنهم ( 4 ) .

وصحيح محمد بن مسلم قلت لابي جعفر عليه السلام فان عرض عليه الحج

فاستحيى قال : هو ممن يستطيع ان يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل ( 5 ) .

وصحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام قال : من عرضت عليه نفقة

الحج فاستحيى من ذلك اهو ممن يستطيع اليه سبيلا قال عليه السلام نعم ماشانه

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 8 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 6 .

( 3 ) الوسائل باب 8 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

( 4 ) الوسائل باب 11 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

( 5 ) الوسائل باب 10 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

يستحيى ولو يحج على حمار اجدع ابتر فان كان يطيق ان يمشي بعضا ويركب بعضا

فليحج ( 1 ) .

وخبر ابي بصير عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال قلت له : من عرض عليه الحج

فاستحيى ان يقبله اهو ممن يستطيع الحج ؟ قال ( عليه السلام ) : مره فلا يستحيى ولو على حمار

ابتر وان كان يستطيع ان يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل ( 2 ) .

وخبره الاخر قلت لابي عبد الله قول الله عزوجل : ( ولله على الناس حج

البيت من استطاع اليه سبيلا ) فقال ( عليه السلام ) : يخرج ويمشي ان لم يكن عنده . قلت :

لايقدر على المشي . قال ( عليه السلام ) : يخرج ويمشي ويركب . قلت : لا يقدر على ذلك

 اعني المشي قال ( عليه السلام ) : يخدم القوم ويمشي معهم ( 3 ) ونحوها غيرها .

واكثر هذه الاخبار وان وردت في الاستطاعة البذلية الا ان الظاهر منها انها

تفسر الاستطاعة التي علق عليها وجوب الحج في الكتاب والسنة وعليه فلا عبرة

بخصوص المورد .

وقد ذكر الاصحاب في مقام الجمع بين الطائفتين وجوها .

منها : ما عن الشيخ - ره - وهو حمل الطائفة الثانية على الحج المندوب والاولى

على الحج الواجب .

واورد عليه تارة بان بعض النصوص من الطائفة الثانية كصحيح معاوية

مشتمل على كلمة ( عليه ) وهي ظاهرة في الوجوب واخرى بان كثيرا منها واوردة في

تفسير الاية الشريفة الواردة في الحج الواجب .

واجاب في الجواهر عن الثاني بان المراد من الاية القدر المشترك بين الوجوب

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 10 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 10 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 9 .

( 3 ) الوسائل باب 11 من ابواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

والندب .

وتقريبة : ان كلمة ( على الناس ) في الاية الكريمة انما تكون لمطلق

المحبوبية والاستطاعة ايضا اعم من الاستطاعة للحج الواجب وللمندوب والطائفة

الاولى تفسر الاستطاعة للحج الواجب والثانية تفسر الاستطاعة للحج المندوب .

وعليه ففي الاستطاعة للواجب يعتبر الراحلة ولاتعتبر في الاستطاعة للحج

المندوب .

وبه يظهر الجواب عن الاشكال الاول ولكن يرد عليه اولا ان حمل الاية على

القدر المشترك لايلائم مع قوله تعالى فيها ( ومن كفر فان الله غني عن العالمين ) .

وثانيا : ان هذا الجمع تبرعي لاشاهد له سيما بعد كون النسبة بين الطائفتين

عموما مطلقا فان الاولى تدل على اعتبار الراحلة مطلقا والثانية تدل على عدم

اعتبارها في خصوص صورة اطاقة المشي فمقتضى القاعدة هو تقييد اطلاق الاولى

بالثانية .

ومنها : ما في المستند وهو حمل الاخبار الاولى على من يكون الركوب بالنسبة

اليه اسهل ، والثانية على من لافرق عنده بين المشي والركوب او يكون المشي عنده

اسهل لانصراف الاخبار الاولى عن هذه الصورة .

وبعبارة اخرى : ان الاطلاق منصرف الى صورة احتياج البعيد الى الراحلة

ولو لدفع مطلق المشقة او حفظ شرف النفس ونحوهما .

وفيه ان منشا الانصراف هو الغلبة وحيث ان الانصراف الناشئ عن كثرد

فرد وقلة آخر لايصلح منشئا لتقييد الاطلاق كما حقق في محله فلا يتم هذا الوجه .

ومنها : ان الطائفتين متعارضتان لايمكن الجمع بينهما نظرا الى ما في خبر

السكوني المتقدم : انما يعني بالاستطاعة الزاد والراحلة ليس استطاعة البدن :

فانه ( عليه السلام ) في هذا الخبر نفى كفاية استطاعة المشي فيقع التعارض بينه وبين الطائفة

 

 

[ . . . ]

الثانية المصرحة بكفايتها ، وليست النسبة عموما مطلقا .

وفيه : ان الظاهر ولااقل من المحتمل ان المراد من استطاعة البدن صحته ،

فيكون مفاد الخبر ان صحة البدن بحيث يتمكن من الركوب والسفر من دون ان يلزم

منه مشقة لاتكفي في وجوب الحج ولانظر له الى نفي كفاية اطاقة المشي فلاحظه .

ومنها : ما عن كشف اللثام وهو حمل الطائفة الثانية على من استقر عليه حجة

الاسلام سابقا . وفيه : ان صحيح معاوية الوارد فيمن حج مع النبي

( صلى الله عليه وآله وسلم ) يابى عن هذا الحمل فانه لم يكن الحج ثابتا على من

 حج معه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل تلك السنة كما لايخفى ،

مع انه لاشاهد لهذا الحمل .

ومنها : ما في العروة وغيرها وهو ان المشهور اعرضوا عن الطائفة الثانية مع

كونها بمراى ومسمع منهم ، فيتعين طرحها فان اعراضهم عنها مع صحة السند وكثرة

العدد وامكان الجمع العرفي بينها وبين الطائفة الاولى يكشف عن خلل في جهة الحكم

او الدلالة ، ويوجب سقوط المعرض عنه عن الحجية .

وفيه : ان الاعراض مسقط للخبر عن الحجية ، الا انه لابد من ان يظهر كون

عدم العمل به اعراضا وفي المقام حيث يحتمل ان يكون الوجه في عدم عملهم

بالطائفة الثانية بعض الاحتمالات التي مرت فلا يكون اعراضا فلا يصلح ذلك منشئا

لطرح الخبر فتامل .

ومنها : ان النصوص متعارضة لان الطائفة الثانية تدل على الوجوب حتى مع

المشقة الشديدة والمهانة لاحظ قوله ( عليه السلام ) في صحيح معاوية : ولقد كان اكثر من حج -

الى ان قال - فشكوا اليه الجهد والعناء . وقوله ( عليه السلام ) في صحيح ابن مسلم : ولو على حمار

اجدع ابتر . فان المهانة اللازمة من ذلك ظاهرة ونحوه ما في صحيح الحلبي .

وقوله ( عليه السلام ) في خبر ابي بصير : يخرج ويمشي ان لم يكن عنده - الى ان قال -

يخدم القوم ويمشي معهم . وهذه ظاهر في الوجوب مع المشقة اللازمة من فقد ما يحتاج

 

 

[ . . . ]

اليه والمهانة اللزمة من الخدمة وعلى ذلك فمن الجمع بين الطائفتين وحمل الاولى على

غير مورد الثانية يلزم حمل الاخبار الاولى على صورة العجز حتى مع المشقة والوقوع

في المهانة ، وحيث انه يلزم من ذلك حمل المطلق على الفرد النادر فلا محالة يقع

التعارض بين الطائفتين فلابد من الرجوع الى المرجحات .

والترجيح مع النصوص الاولى وذلك لوجوه :

الاول : كون مفادها مشهورا بين الاصحاب كما تقدم .

وما في المستند من الايراد على ذلك اولا : بان كلمات الاصحاب منصرفة الى

الغالب من الاحتياج الى الراحلة - وثانيا : ان الترجيح بهذه الامور مما لم يثبت

اعتباره . يرد عليه ما تقدم من ان جمعا من الاخرين ، لااقل من الاطلاق وعدم تسليم الانصراف ،

والشهرة الفتوائية مما دل النص على كونها من المرجحات بل هي اول المرجحات

بناء على ان الشهرة المجعولة مرجحة هي الشهرة الفتوائية لا الروائية .

الثاني : انها موافقة للكتاب الدال على نفي العسر والحرج والثانية مخالفة له .

فان قيل : ان الثانية ايضا موافقة لاطلاق الكتاب اي اطلاق آية وجوب الحج .

قلنا اولا : انه لامجال للاخذ به بعد كونه محكوما لدليل نفي العسر والحرج .

وثانيا : انه قيد دليل وجوب الحج بالاستطاعة وصدقها او الكلام .

الثالث : مخالفتها للعامة حيث ان كثيرا منهم ذهبوا الى عدم اعتبار الراحلة مع

عدم الحاجة بل عن المالك عدم اعتبارها مطلقا ولو مع المشقة فتامل .

ولعله الى ذلك الشيخ - ره - في حمل الاخبار الثانية على التقية فالمتحصل

انه يعتبر الراحلة حتى مع عدم الحاجة اليها .

 

 

[ . . . ]

 

اعتبار الراحلة في حق القريب

 

مسالة 2 : هل يشترط وجود الراحلة في حق القريب ايضا كما هو المنسوب الى

اطلاق الاكثر في محكي كشف اللثام ام لايشترط بالنسبة اليه كما عن جماعة بل في

الجواهر : بل لا اجد فيه خلافا بل في المدارك نسبته الى الاصحاب مشعرا بدعوى

الاجماع عليه ؟ وجهان وتنقيح القول بالبحث في مقامات :

( 1 ) في دليل هذا الاستثناء وانه هل هناك مايدل عليه ام لا ؟

( 2 ) في بيان المراد من القريب وانه هل يختص باهل مكة ام لا ؟

( 3 ) في انه لو شك في اعتبارها في حق شحص هل يرجع الى دليل الوجوب

ام الى البراءة ؟ .

اما المقام الاول فقد يقال بانه لافرق بين القريب والبعيد بعد اطلاق الادلة

فان دليل التفصيل انما يدل على التفصيل بين من اطاق المشي وغيره فان اخذنا به

كان المعيار هو ذلك من غير فرق بين القريب والبعيد والا كان اللازم البناء على

اعتباره في حق القريب ايضا .

وان قيل : ان الجمع بين النصوص المتعارضة المتقدمة يقتضي حمل مادل على

اعتبار الراحلة على البعيد وحمل ما دل على عدم اعتبارها على القريب .

قلنا : انه جمع تبرعي لاشاهد له ولكن لايبعد القول بعدم اعتبارها للقريب

للانصراف .

وتقريبه : ان نصوص اعتبارها منصرفة الى المسافة التي تعد الراحلة لها عادة

فلا تشمل غيرها .

وبه يظهر ان منشا هذا الانصراف ليس هو الغلبة كي يقال : ان الانصراف

الناشئ عنها لايصلح تقييدا لاطلاق الادلة بل منشؤه شئ آخر

 

 

[ . . . ]

وفي الجواهر : لكن في كشف اللثام يقوى عندي اعتبارها ايضا للمكي للمضي

الى عرفات وادنى الحل والعود .

ولكن يرد عليه : ان دليل اعتبار الراحلة انما دل على اعتبارها في الاستطاعة

في السفر الى بيت الله الحرام ، فان الاية مختصة بذلك والنصوص تفسر الاية ولادليل

على اعتبارها في السفر الى عرفات وكذا في الخروج الى ادنى الحل للاحرام للحج

او العمرة فاللازم في ذلك هو الرجوع الى القواعد التي تقتضي الاعتبار مع الحاجة

وعدمه مع عدمها كبقية الامور التي ستمر عليك .

واما المقام الثاني فعن جماعة : ان المراد به اهل مكة .

وعن آخرين : اضافة وما قاربها .

وعن العامة اشتراط مسافة القصر .

اقول : بعد ماعرفت من دليل الاستثناء تعرف ان الميزان ان يعدله الراحلة

وعدمه والظاهر كون الفرسخ ايضا مما يعدله الراحلة فضلا عما يزيد عليه فتدبر .

واما المقام الثالث فقد يقال ان المرجع هو البراءة لان الاستطاعة في الاية

الشريفة مع قطع النظر عن النصوص المفسرة لها ظاهرة في العقلية منها ولكن بالنظر

اليها يعلم ان المراد بها الاستطاعة الشرعية ومع عدم بيان الشارع ايها تكون مجملة

وعليه فلوشك في اعتبار الراحلة في حق شخص لامحالة يشك في صدق الاستطاعة

بدون الراحلة والشك في الشرط يستتبع الشك في المشروط وهو وجوب الحج وحيث

انه شك في الموضوع لامجال للتمسك بالاطلاق فيتعين الرجوع الى اصالة البراءة .

اقول : ان ذلك لو تم فانما هو على فرض عدم الاطلاق للنصوص المفسرة

كي تكون مجملة ولكن مع فرض ثبوت الاطلاق لها كان هو المرجع ولاتصل النوبة

الى الاصل العملي .

 

 

[ . . . ]

 

لا يعتبر وجود عين الراحلة والزاد

 

مسألة 3 : قال في التذكرة : لا يشترط وجود عين الزاد والراحلة ، بل المعتبر

التمكن منهما تملكا أو استيجارا . انتهى .

وقال في المستند : لو لم يكن له عين الزاد والراحلة وأمكن شراؤهما أو استيجار

ما يصح استيجاره منهما وجب إجتماعا . انتهى ، ونحوهما كلمات غيرهما .

واستدل في المستند لو جوب الشراء أو الاستيجار بتوقف الواجب عليه . ولكن

الكلام الآن في وجوب الحج ، وإلا فعلى فرضه لا إشكال في وجوب الشراء أو

الاستيجار .

وقد يقال : إن مقتضى الجمود على ما تحت قوله عليه السلام : له زاد وراحلة . هو

اعتبار وجودهما عينا لكن الظاهر أن المراد به أن يكون له ما يحج به سواء كان واجدا

لهما عينا ، أو كان واجدا لثمنهما أو لاعيان لو باعها ثمنها لهما ، كما صرح بذلك

أي ب ( ما يحج به ) في صحيح ابن مسلم المتقدم .

 

لو لم يوجد الزاد والراحلة الا باكثر من ثمن المثل

 

فرق : اذا لم يوجد الزاد أو الراحلة إلا بالزائد عن الثمن والاجرة ، فهل يجب

عليه تحصيلهما والحج ، كما هو المشهور شهرة عظيمة سيما بين المتأخرين ، كما في

الجواهر ، أم لا يحب كما عن الشيخ - ره - في المبسوط ؟ .

وفي التذكرة : فإن كانت يجحف بما له لم يلزمه - أي لم يلزم شراؤه - وإن تمكن

على إشكال .

وعن التحرير : ولو بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر من أجرة المثل ، فإن

 

 

[ . . . ]

تضرر به لم يجب الشراء إجماعا ، وإن لم يتضرر فالاقرب وجوب الشراء . انتهى .

واستدل للاول : بإطلاق أدلة الوجوب بعد صدق الاستطاعة .

واستدل للثاني : بأدلة نفي الضرر .

وللثالث : بدليل نفي العسر والحرج .

وتحقيق القول في المقام : أنه تارة يكون ذلك غير مضر بحاله ، واخرى يكون

مضرا ، فالكلام في موردين :

المورد الاول : ما إذا لم يكن مضرا بحاله ، فإن كان الشراء أو الاستيجار

بالقيمة ولم يكن بأكثر من ثمن المثل وإن كان بأكثر من ثمنه المعتاد ، كما لو كانت

الراحلة في محل يعتبرون لها العقلاء هذا المقدار من المالية لقلتها وكثرة الحاجة اليها ،

أو غير ذلك ، فحيث إنه يصدق عليه المستطيع بمقتضى إطلاق الاية الشريفة

والنصوص .

ولا مجال لتطبيق ( لا ضرر ) لا بلحاظ الشراء أو الاجارة ، ولا بلحاظ الحج .

أما الاول ; فلانه لاضرر في شراء الشئ أو استيجاره بقيمته .

وأما الثانى ; فلانه - مضافا الى ما قيل من أن وجوب الحج مطلقا حكم ضرري

لا قتضائه إتلاف المال فيكون دليلة مخصصا لقاعدة لا ضرر . وإن كان فيه تأمل ونظر -

أن صرف الراحلة أو الزاد في سبيل الحج كصرف المال في المقاصد العقلائية لا يعد

ضررا عرفا وان اشتراه بثمن خطير ، وقد بين المعصوم عليه السلام ذلك بصورة

العلة المنصوصة صفوان الوارد في شراء ماء الوضوء بمائة درهم أو بألف درهم

وهو واجد لها ، بعد حكمه عليه السلام بوجوب الشراء : بأنه يشتري بإزائه مالا

كثيرا ( 1 )

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 25 من أبواب التيمم حديث 1 كتاب الطهارة .

 

 

[ . . . ]

وعليه فيجب الحج في هذه الصورة وإن كان الشراء بأكثر من ثمن المثل ، فمقتضى

القاعدة هو عدم وجوب الحج ; لعموم حديث لا ضرر لكون الشراء أو الاستيجار

بأكثر من ثمن المثل ضررا ماليا اتفاقا ; إلا أن مقتضى عموم العلة المنصوصة المشار

اليها هو الوجوب .

المورد الثاني : ما إذا كان مضرا بحاله على وجه يكون حرجا عليه . فالظاهر

سقوط وجوب الحج لا لادلة نفي الضرر ، بل بقاعدة نفي العسر والحرج .

ولو كان مضرا بحاله في المال فهل يسقط الوجوب أم لا ؟ وجهان ، بل قولان ،

يشهد للاول : عموم مادل على نفي العسر والحرج .

واستدل للثاني بعدم العلم بالبقاء الى وقته ، وبإمكان حصول مال له على تقدير

البقاء

ولكن يرد عليهما : أن استصحاب البقاء وعدم حصول مال آخر يقتضي كون

المورد مشمولا لعموم مادل على رفع الحرج .

فتحصل أن ما أفاده المصنف - ره - في التذكرة والتحرير هو الاقوى .

ومنه يظهر حكم ما لو لم يكن له عين الزاد والراحلة وكان له أموال اخر ولم

يمكن بيعها بثمن المثل ، فإنه يجري فيه ما ذكرناه من التفصيل ، كما لا يخفى .

 

هل يلاحظ الشرف بالنسبة الى الراحلة ؟

 

مسألة 4 : لا اشكال في أن المراد بالزاد هنا المأكول والمشروب وسائر ما يحتاج اليه

المسافر من الاوعية التي يتوقف عليها حمل المحتاج اليه وجميع ضروريات ذلك السفر

بحسب حاله قوة وضعفا ، وزمانه حرا وبردا ، وشأنه شرفا وضعة .

وفي التذكرة : كما يعتبر قدرته على المطعوم والمشروب والتمكن من حمله من

 

 

[ . . . ]

بلده كذا تعتبر قدرته على الالات والاوعية التي يحتاج اليها كالغرائر ونحوها

وأوعية الماء من القرب وغيرها ، وجميع ما يحتاج اليه كالسفرة وشبهها ; لانه مما

لا يستغنى عنه فأشبه علف البهايم . ونحوه كلام غيره .

والوجه فيه : دخوله تحت قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم : ما يحج به .

وما دل على نفي العسر والحرج ، فتدبر كما لا إشكال في أنه يشترط في الراحلة أن

تكون مناسبة لحاله قوة وضعفا ، كما صرح به غير واحد ، لعموم دليل نفي العسر

الحرج ، فلو تعسر عليه الركوب على الراحلة الخاصة لضعفه يعتبر في استطاعته

ووجوب الحج عليه أن يكون واجدا لما لا يكون الركوب عليه عسرا إما عينا او قيمة .

إنما الكلام والاشكال في أنه هل يعتبر أن تكون الراحلة مناسبة لحاله ضعة

وشرفا أم لا ؟ صريح التذكرة ذلك .

قال : فيعتبر في حق الرفيع زيادة على ما يحتاج اليه مما يناسبه .

وهو الظاهر من الشرائع والقواعد .

وفي الشرائع : والمراد بالراحلة راحلة مثله . وكذا عن القواعد .

وعن كشف اللثام والدروس التصريح بعم ملاحظة الشرف .

وعن المدارك جعله الاصح .

واستدل للثاني في محكي كشف اللثام بعموم الاية والأخبار ، وخصوص قول

الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير : من عرض عليه الحج فاستحيى ولو على

حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو ممن يستطيع الحج ( 1 )

ونحوه أخبار اخر ، وبأنهم عليهم السلام ركبوا الحمير والزوامل .

وأيده بعض المعاصرين بأنه صرح في الاخبار بأنه ما شأنه يستحيى ولو على

……………………………………………

 ( 1 ) الوسائل باب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 8 .

 

 

[ . . . ]

حمار أجدع أبتر . وتلك الاخبار وإن وردت في مورد البذل لكن الظاهر منها أنها واردة

في مقام بيان مفهوم الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج ، ولا يختلف الحال باختلاف

مناشئ حصولها ، وحيث إنه لا يمكن حمل تلك الاخبار على صورة عدم كون ركوبه

على حمار أجدع عسريا عليه لصراحتها في خلاف ذلك ، فلا وجه للتمسك لرعاية

الشرف بأدلة نفي العسر والحرج ; لانها مخصصة بهذه الاخبار .

أقول : أما عموم الاية والاخبار ، فهو يخصص بأدلة نفي العسر والحرج .

وأما الاخبار الخاصة فقد مر أنها معارضة بغيرها مما يجب تقديمه عليها .

وأما حجهم عليهم السلام - فمضافا الى ما قيل من أنه لا يظن إمكان الالتزام

بأنهم عليهم السلام كانوا يوقعون أنفسهم في المهانة التي حرجية ، بل الظاهر أنه كان

في زمان لا نقص فيه ركوب ذلك - أنه لم يعلم وقوع ذلك منهم في حج الاسلام بحيث

لم يكونوا مستطيعين إلا بذلك ، وعلى هذا فأدلة نفي العسر والحرج تكون حاكمة على

الاطلاقات وتوجب مراعاة حال الشخص بالنسبة الى الراحلة ضعة وشرفا ، نعم اذا

لم يكن بحد الحرج وجب معه الحج ، ووجهه ظاهر .

وهل تقتضي هذه الحكومة نفي الوجوب خاصة ، فلو أقدم المكلف على مافيه

العسر والحرج كان مقتضى الجمع بين دليل نفي الحرج والاطلاقات الدالة على

الوجوب هو الصحة والاجزاء عن حج الاسلام ، أم تقتضي نفي المشروعية فلو أقدم

عليه لم يجزئ عن حج الاسلام ؟ وجهان .

قد استدل للاول تارة بأنه - بناء على أن الاختلاف بين الوجوب والاستحباب

إنما يكون بالاختلاف في الترخيص في تركه وعدمه - أدلة نفي العسر والحرج لا ترفع

الطلب ، وإنما تقتضي الترخيص فيرفع الوجوب ، فالطلب يكون باقيا بحاله بلا

نقص فيه أصلا .

واخرى بأن مادل على وجوب الحج عند الاستطاعة إنما يدل على أن الحج ولو

 

 

[ . . . ]

كان حرجيا واجب ، وواجد للملاك ، ودليل نفي الحرج إنما يوجب تقييد ذلك الدليل

من جهة دلالته على وجوب الحج ، وأما دلالته على واجدية الحج ولو كان حرجيا

للملاك فهي باقية بحالها ، ولا دليل على تقييد إطلاقة من هذه الجهة فإنه إذا كان

للكلام دلالات وظهورات متعددة وسقط بعضها عن الحجية فلا موجب لسقوط

الاخر ، وعليه فيصح الاتيان بداعي الملاك .

ولكن يرد على الوجه الاول : أن أدلة نفي العسر والحرج نافية للتكليف

لا مثبتة ، فلا يثبت بها الترخيص ، وهي إنما ترفع الاحكام الشرعية لا العقلية ، فلا

تصلح أن تكون رافعة لحكم العقل بوجوب إتيان ما أمر به المولى ، فلا محالة تكون

رافعة للطلب المتعلق بالفعل الذي هو المنشأ لحكم العقل بلزوم الاتيان بما تعلق به .

ويرد على الوجه الثاني : أن التمسك بالاطلاق فرع كون الكلام مسوقا للبيان ،

وكونه مسوقا لبيان حكم لا يكفي في التمسك بالاطلاق في حكم آخر ، ودليل وجوب

الحج إنما يكون في مقام بيان وجوب الحج لا كونه واجدا للملاك ، وإنما يستكشف ذلك

من الحكم ، فاذا فرضنا تقييد الحكم وعدم ثبوته للحج الحرجي فلا كاشف عن وجود

الملاك ولا إطلاق حتى يتمسك به ، فالاظهر أنها تقتضي نفي المشروعية ، نعم مقتضى

الادلة الاخر كونه مستحبا ولكن لا يجزئ عن الحج الواجب .

 

يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده

 

مسألة 5 : قال في المستند : لا يعتبر في الاستطاعات المذكورة حصولها من بلد

المكلف ، فلو حصلت له في موضع آخر مطلقا حتى الميقات واستطاع الحج ، والعود

الى بلده وجب عليه الحج وإن لم يكن له الاستطاعة من بلده وفاقا للذخيرة والمدارك

وبعض آخر من المتأخرين ، بل الاكثر . انتهى .

 

 

[ . . . ]

وعن الشهيد الثاني : اعتبار الاستطاعة من بلده إلا أن تكون إقامته في البلد

الثاني على وجه الدوام أو مع انتقال الفرض .

واستدل للاول بصحيح معاوية بن عمار ، قلت لابي عبد الله عليه

السلام : الرجل تمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من بلدان وطريقه بمكة فيدرك

الناس وهم يخرجون الى الحج فيخرج معهم الى المشاهد يجزيه ذلك عن حجه الاسلام

؟ قال عليه السلام : نعم ( 1 ) .

وفيه : أن الظاهر من السؤال أن المسئول عنه صحة الحج وإجزاؤه عن حجة

الاسلام مع عدم قصده من بلد ، لا إجزاؤه عنه مع عدم استطاعة من البلد ، كما

لا يخفى .

ولكن الظاهر عدم الإشكال في الحكم دخل المكان ولا في

موضوعه ، فان الموضوع ومن وجه اليه الخطاب هو المستطيع ، فلو حصل هذا العنوان

في أي مكان ولو قبيل الميقات صار الحكم فعليا ، وعليه فمقتضى العمومات الدالة على

وجوب الحج على المستطيع وجوبه عليه - وإن كان مشيه الى ذلك البلد والمكان

متسكعا أو لحاجة اخرى وكان له هناك ما يمكن أن يحج به وجب عليه .

إنما الاشكال فيما أفاده في العروة بقوله : بل لو أحرم مستكعا فاستطاع وكان

أمامه ميقات آخر أمكن أن يقال بالوجوب عليه . انتهى .

وجه الاشكال أنه بناء على كون الاحرام جزء من أعمال الحج لا من شرائطه ،

ومقتضى الادلة أن الحج إنما يصير حجة الاسلام إذا تحققت الاستطاعة من أول

الاعمال الى آخرها ، يكون صيرورة حج هذا الشخص حجة الاسلام متوقفة على

بطلان إحرامه أو إبطاله أو العدول به ، وكلها خلاف القاعدة ، ولا فرق في ذلك بين أن

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 22 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

يكون أمامه ميقات آخر أم لا ; إذ ليس له تجديد الاحرام في الميقات الثاني ما لم يبطل

إحرامه .

 

يعتبر وجود نفقة العود

 

مسألة 6 : قال في الشرائع : والمراد بالزاد قدر الكفاية من القوت والمشروب

ذهابا وعودا . انتهى .

وفي التذكرة : والمراد منه أن يملك ما يبلغه الى الحج - الى أن قال - وعوده الى

وطنه سواء كان له أهل وعشيرة يأوي اليهم أو لم يكن .

وفي المستند : أكثر الاصحاب اعتبروه ، بل عن الشهيد الثاني الاجماع

عليه .

واستدل له بعموم مادل على نفي الضرر والحرج ، فإن في التكليف بالإقامة

في غير الوطن مشقة شديدة وحرجا عظيما حتى من ليس له أهل وعشيرة يأوي

إليهم إذ النفوس تطلب الاوطان .

واورد عليه في محكي المدارك وفي المستند - بأن ذلك يتم في صورة تحقق المشقة

لذلك ، أما مع انتقائه كما اذا كان وحيدا لا تعلق له بوطن ولا يريد العود اليه ، أو

أراد العود ولكن ترك العود لا يوجب حرجا عليه ; لتساوي البلاد عنده أو غير ذلك

فلا يتم ، وحيث إن زاد العود غير داخل في استطاعة الحج ، فمقتضى عموم

الكتاب والسنة عدم اعتبار زاد العود .

أقول : إن منشأ اعتبار زاد العود لو كان ما ذكرتم ما أفاداه .

ولكن ذكر بعض المعاصرين وجها آخرا لطيفا ، وهو : أن نفس الاخبار

الواردة - الدالة على لزوم اعتبار الزاد والراحلة في تحقق الاستطاعة - تدل على لزوم

 

 

[ . . . ]

اعتبار نفقة العود ، لانه لم يقيد الزاد والراحلة في تلك الاخبار بخصوص الذهاب

ألا ترى أنه لو قال المولى لعبده : اذهب الى السفر وعلي ثمن الزاد والراحلة .

لا يشك العرف في أن المولى أراد بذلك ثمنهما ذهابا وإيابا ، وعليه فلو أراد الاياب

الى وطنه يعتبر في وجوب الحج أن يكون واجدا لنفقة العود أيضا وإن لم يكن تركه

الرجوع الى وطنه حرجيا عليه ، نعم لو أراد المقام بمكة لا يعتبر ذلك في حقه .

ولو أراد المقام في بلد آخر ، فإن كان نفقة الرجوع اليه أقل من نفقة

الرجوع الى بلده أو مساوية لها كفى كونه واجدا لها ، وإن كانت أزيد فإن كان

تركه الرجوع اليه حرجيا عليه يعتبر كونه واجدا لها ، وإلا فيكفي كونه واجدا

لنفقة الرجوع الى بلده .

 

فاقد الزاد اذا كان كسوبا

 

مسألة 7 : قال في التذكرة : لو لم يجد الزاد ووجد الراحلة وكان كسوبا يكتسب

ما يكفيه وقد عزل نفقة أهله مدة ذهابه وعوده ، فإن كان السفر طويلا لم يلزمه الحج

- الى أن قال - وإن كان السفر قصيرا فإن كان تكسبه في كل يوم بقدر كفاية ذلك

اليوم من غير فضل لم يلزمه الحج - الى أن قال - وإن كان كسبه في كل يوم يكفيه

لايامه لم يلزمه الحج أيضا . انتهى .

وفي المستند : ولو لم يجد الزاد ولكن كان كسوبا يتمكن من الاكتساب في

الطريق لكل يوم بقدر ما يكفيه وظن إمكانه بجريان العادة عليه من غير مشقة وجب

الحج . انتهى .

والمصنف - ره - وإن استدل لما اختاره بلزوم المشقة ، وبإمكان انقطاعه من

الكسب ; إلا أن الظاهر - كما نبه عليه بعض أعاظم العصر - أنه كان جريا على مذاق

 

 

[ . . . ]

المخالفين ، فإيراد المستند عليه : أنه منازعة لفظية ، فإن محل الكلام ما لو يكن

مشقة وظن إمكانه . في غير محله ، والحق أن منشأ الوجهين صدق الاستطاعة وعدمه .

واستدل في المستند - في ضمن فرع آخر تعرض له بعد صفحات - لصدق

الاستطاعة بأن المراد بها الاستطاعة العرفية ، فإن الالفاظ الواقعة في لسان

الشارع تحمل على معانيها العرفية ما لم يصرف عنه صارف ، والصارف المتوهم

وجوده في المقام هو النصوص المفسرة للاستطاعة بأن يكون له أو عنده زاد

وراحلة ، وهذه لا تصلح أن تكون صارفة ; لأنه - بعد ما ليس المراد وجود عين الزاد

وراحلة ; إذ يكفي وجود ثمنهما أو ما يصلح أن يكون إزاء لهما أو لثمنهما إجماعا ، بل

هو من ضروريات الدين - يتعين حملها على المعنى المجازي ، وهو كما يمكن أن

يكون عينا موجودة أو منفعة مملوكة فلا تصدق الاستطاعة في المقام ، يمكن أن يعم

ما يقتدر ويتمكن من تحصيله من غير مشقة فتصدق .

وبعبارة اخرى : مجازه كما يمكن أن يكون الاعم من وجود العين والثمن

يمكن أن يكون القدرة على تحصيلها التي هي حقيقة الاستطاعة ، فلا نعلم إرادة

معنى آخر غير الحقيقي للفظ الاستطاعة فيجب الرجوع اليه وهي تصدق في المقام

كما مر .

أقول : قد مر أن المراد بالاستطاعة ليس هو معناها الحقيقي لتفسيرها بوجود

الزاد والراحلة ، ولذلك بنينا على عدم وجوب الحج على من يطيق المشئ إن لم يكن

له زاد وراحلة .

ثم أن أكثر النصوص المفسرة متضمنة لو جود الزاد والراحلة ، ومقتضى

الجمود على ظاهر اللفظ وإن كان اعتبار وجودهما عينا ولكن بقرينة مناسبة الحكم

والموضوع ، وقوله عليه السلام في بعض النصوص : ما يحج به . التزمنا بأن المراد بهما

أعم من وجودهما عينا وثمنا ، والبناء على إرادة الاعم من ذلك لا قرينة عليه ظهور

 

 

[ . . . ]

ما يحج به في وجود ما يملك بالفعل ، فتدبر ، فإنه دقيق ، فالاظهر عدم وجوب

الحج على فاقد الزاد وإن كان كسوبا .

 

مستثنيات الحج

 

مسألة 8 : قد عرفت لا يعتبر وجود عين الزاد والراحلة ولال وجود أثمانها من

النقود ، بل يجب عليه بيع ما عنده من الاموال لشرائعها ، لكن المشهور بين

الاصحاب أنه يستثنى من ذلك ما يحتاج اليه في ضروريات معاشه ، فلا يباع خادمه

سكناه اللائقة بحاله ، ولا كتاب العلم لاهله وما شاكل .

وعن المعتبر والمنتهى والتذكرة وغيرها دعوى الاجماع على أكثر ما ذكر ، بل

في المستند : وعلى أكثرها حكاية الاجماع مستفيضة .

وقد استدل لذلك بوجوه :

أحدها : ما في المستند ، وهو أن صحيح المحاربي المتقدم : من مات ولم يحج

حجة الاسلام ما يمنعه من ذلك حاجة يجحف به . . . فليمت يهوديا أو نصرانيا .

وصحيح ابن عمار : من مات ولم يحج الاسلام ولم يترك إلا بقدر نفقة الحج

فورثته أحق بما ترك إن شاؤوا حجوا عنه وإن شاؤوا أكلوا ( 1 )

يدلان عليه ; فانهما دالان على عدم كفاية نفقة الحج في الاستطاعة واستقرار الحج في

الذمة ، بل لا بد من الزائد عليها ، ولعدم تعين الزائد يدخل الاجماع في العمومات

والاطلاقات ، فلا بحكم بالوجوب إلا في موضع اليقين وهو بعد استثناء نفقة العيال

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 14 من أبواب وجوب الحج وشرائطه .

 

 

[ . . . ]

والامور المذكورة طرا .

ثم قال : ومنه يظهر جواز مراعاة المناسبة لحاله بحسب عادة زمانه ومكانه في

العز والشرف .

وفيه : أنه قد حقق في محله من الاصول من أن إجمال المخصص المنفصل

لا يسري الى العام ، بل العام حجة في غير المورد المتيقن .

ثانيها : ما دل من الاخبار على اعتبار اليسر أو السعة في المال كخبر عبد

الرحيم القصير عن الامام الصادق عليه السلام قال : ساله حفص الاعور عن آية

الحج ، قال عليه السلام : ذلك القوة في المال واليسار ( 1 ) . ونحوه غيره مما سيمر عليك

في مسألة اعتبار الرجوع الى الكفاية .

وفيه : أن الخبر المشتمل على السعة في المال قد فسر فيه ذلك بأن يكون معه

وما يحج ببعضه ، ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله .

وأما خبر اليسار فأولا : أنه ضعيف السند فتأمل .

وثانيا : أنه يمكن أن يكون المراد به نفقة العيال حال السفر وقد رمز الامام

عليه السلام عنه بذلك ، ويمكن أن يكون المراد به الزاد والراحلة ;

ثالثها : قاعدة نفي العسر والحرج ، بتقريب : أن التكليف بصرفها في الحج

مستلزم للعسر والحرج .

وأورد عليه بعض من عاصرناه بأنه لو توقف حجة عليه بيع بعض المستثنيات لم يكن

 نفس الحج حرجيا عليه ; لامكان أن يبيع بعضها ويحج بثمنه مع كمال الراحة ،

نعم ذلك مستلزم لامر حرجي وهو فقده ما يحتاج اليه في معيشته ، فالحرج ليس ثابتا

في أصل حجة ، بل يكون ثابتا في لازمه ، وعليه فيشكل التمسك بقاعدة نفي الحرج

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 9 من أبواب الحج وشرائطه حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

وإثبات عدم وجوب الحج بها ; فإن القاعدة إنما تنفي الحكم الحرجي والمفروض أن

وجوب الحج ليس حكما حرجيا عليه ، وإنما الحرج في لازمه .

وأجاب هو عنه بأن قاعدة نفي الحرج وإن لم تكن جارية بالنسبة الى وجوب

الحج ولكن تجري بالنسبة الى التكليف بصرف نا احتاج اليه من المستثنيات ،

وجريانها بالنسبة اليه دليل على أن المراد بما في الاخبار من اشتراط كونه واجدا للزاد

وراحلة في وجوب الحج هو وجدانه لهما زائدا على ثمن المستثنيات ; لان شمول الزاد

والراحلة لثمنهما مناف لجريان القاعدة بالنسبة الى تلك المستثنيات .

ثم إنه قال : وإن شئت قلت : إن صرف ما يكون محتاجا اليه من المستثنيات

يكون مقدمة للحج ، والمفروض أنه حرجي ، والقاعدة إنما تجري فيما يكون رفعة بيد

الشارع ، ووجوب المقدمة وإن لم يكن بنفسه قابلا لأن يرفعه

بيد الشارع برفع منشئه وهو وجوب ذي المقدمة . انتهى ملخصا .

أقول : إن الايراد المذكور وإن كان محل النظر وقابلا للدفع ، إلا أن جوابه غير

كاف .

اما الاول ; فلان النفي في قاعدة الحرج ، والضرر إن كان من قبيل نفي الحكم

بلسان نفي الموضوع ، كما في قوله : لاربا بين الوالد والولد . ولارهبانية في الاسلام .

وماشاكل ، وكان مفاد قاعدة الحرج نفي الاحكام إذا كانت موضوعاتها حرجية كما

اختاره المحقق الخراساني - ره - في قاعدة لا ضرر ، تم الايراد ولم يمكن الجواب عنه .

وأما إذا كان المنفي كل حكم ينشأ منه الحرج سواء ناشئا من نفس

الحكم أم من متعلقه كما اختاره الشيخ الاعظم - ره - أو بنينا على أن المنفي أعم منهما

كما اخترناه ، فاليراد واضح الدفع ; فان الحج وإن لم يكن حرجيا إلا أنه مستلزم

لامر حرجي والحكم بوجوبه ينشأ منه الحرج فيكون منفيا بالقاعدة ، وحيث إنا قد

أثبتنا المبنى في رسالتنا الخاصة بقاعدة لا ضرر فجر يانها في المقام لا إشكال فيه .

 

 

[ . . . ]

وأما الثاني ; فلانه لو سلم أن القاعدة إنما تنفي الحكم الذي يكون متعلقه

حرجيا ، فجوابه غير كاف فإن وجوب المقدمة بما أنه عقلي غير قابل للرفع ،

وهذا يلزم منه عدم شمول القاعدة له ، لا شمولها ورفعها منشأه .

وبعبارة اخرى : إن القاعدة على هذا المسلك تختص بما اذا كان متعلق الحكم

الشرعي حرجيا ، وفي المقام ما تعلق به الحكم الشرعي - وهو وجوب ذي المقدمة -

ليس حرجيا ، وما يكون حرجيا لم يتعلق به الحكم الشرعي فلا مورد للقاعدة .

ولو لم يكن له زاد وراحلة زائدا على المستثنيات ولكن مع ذلك صرف بعضا

منها في زاد السفر والراحلته وتحمل ما توجه اليه من العسر والحرج ، فهل يكون حجة

مجزيا عن حجة الاسلام أولا ؟ لا إشكال في الاجزاء لو قلنا بإن حج غير المستطيع مجز

عن حجة الاسلام - إلا في الصبي والعبد .

إنما الاشكال فيما لو قلنا بعدم إجزائه ، فقد يقال - كما عن العلمين الذين

عاصرناهما - بالاجزاء ، وذكرا لذلك وجهين ذكرناهما مع جوابهما في ذيل المسألة

الرابعة فراجع ، وبه يظهر أن الاظهر عدم الاجزاء .

ولو شك في مورد في صدق عنوان العسر والحرج ، فهل يجب الحج أم لا ؟

والحق أن الشك في صدقه إنما يكون من جهة الشك في سعة مفهومهما وضيقه فالشبهة

مفهومية ، وعليه فحيث أثبتنا في محلة أن إجمال المخصص وكون مفهومه مرددا بين

الاقل والاكثر لا يسري الى العام ، بل المرجع في صورة الشك هو العام ، فيرجع

في المقام في صورة الشك الى عموم أدلة وجوب الحج من الاية والاخبار ، لا الى

البراءة .

 

 

[ . . . ]

 

يجب بيع دار المملوكة لو كان بيده دار موقوفة

 

مسألة 9 : لو كان بيده دار موقوفة تكفية لسكناه وكان عنده دار مملوكة ،

فعن جماعة منهم : سيد العروة - ره - يجب بيع المملوكة اذا كانت وافية لمصارف الحج

أو متممة لها .

وعن الدروس : لا يجب بيعها لو كان يمكنه الاعتباض عنها بالاوقاف

العامة ، ومنشأ الاختلاف الاختلاف في صدق الاستطاعة .

والحق أن يقال : إنه تارة ليس بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه ولكن يمكن

تحصيلها ، واخرى تكون بيده ، وفي الفرض الثاني تارة يكون الاعتياض منافيا

لشأنه أو يكون فيه حرج ، واخرى لا يكون منافيا لشأنه وليس فيه حرج ،

وظاهر وجوب الحج في الصورة الاخيرة دون الاولتين .

أما عدم وجوبه في الاولى ; فلعدم صدق الاستطاعة ، فإنه حينئذ متمكن من

أن يحصل الاستطاعة لا أنه مستطيع بالفعل ، والموضوع هو المستطيع فعلا .

أما عدم وجوبه في الثانية ; فلقا نفي العسر والحرج .

وأما وجوبه في الاخيرة ; فلصدق الاستطاعة ، وظاهر أن نظر الشهيد - ره

- وصاحب الجواهر الى الصورتين الاولتين ومحل كلام سيد العروة الصورة

الاخيرة ، فلا نزاع .

ولا يخفى ما في التعبير بوجوب بيع الدار المملوكة من المسامحة ; فإنه لا يجب

قطعا ، بل له أن يحج مستكعا ولا يبيع داره ، وحجه ، حينئذ مجز عن حجة الاسلام

بلا كلام هو هي ، والظاهر أن المرادهم من وجوب البيع صدق عنوان المستطيع

عليه فيجب عليه الحج .

 

 

[ . . . ]

 

تبديل المستثنيات للصرف في الحج

 

مسألة 10 : إذا لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها لكن

كانت زائدة بحسب القيمة وأمكن تبديلها بما يكون أقل قيمة مع كونه لائقا

بحاله ، فان كان التبديل اذا لم يكن مستلزما للحرج أو الضرر لا كلام في عدم الوجوب .

وأما اذا لم مستلزما لشئ منهما ، ففي التذكرة : الاقرب وجوب البيع

وشراء الادون مما تقوم به كفايته . انتهى .

وفي الجواهر : الاقوى وجوب البيع لو غلت وأمكن بيعها وشراء ما يليق به من

ذلك بأقل ثمنها ، كما صرح في التذكرة والدروس والمسالك وغيرها .

وعن المحقق الكركي عدم الوجوب واحتمله كاشف اللثام .

دليل الاول : صدق الاستطاعة وكونه واجدا لما يحج به .

واستدل للثاني بوجوه :

أحدها : أن مقتضى الاصل عدم وجوب الاعتياض لفرض الشك فيه ،

والمرجع أصالة البرائة .

ثانيها : أن الاعتياض قد يوجب الحرج العظيم فمقتضى قاعدة نفي الحرج

والعسر عدم وجوبه .

ثالثها : أن أعيان المستثنيات المفروضة لا تزيد على الحاجة فمقتضى دليل

الاستثناء عدم وجوب الاعتياض لفرض الاستثناء .

وفي الكل مناقشة .

أما الاول ; فلان الاصل لا يرجع اليه مع الدليل وهو في المقام اطلاق الاية

والاخبار الدالة علي وجوب الحج على المستطيع المقتضية لوجوب الاعتياض .

وأما الثاني ; فلان محل الكلام صورة عدم الحرج ، مع أنه لا وجه للبناء على

 

 

[ . . . . . ]

عدم الوجوب بقول مطلق لوجود الحرج في بعض الموارد .

وأما الثالث : فلان استثناء المذكورات لو كان لدليل لفظي كان هذا الوجه

تاما ، ، ولكن بما أن دليله هو دليل نفي الحرج فلا يتم كما لايخفى وجهه .

فتحصل أن الاظهر وجوب التبديل بمعنى وجوب الحج في الرض .

ومقتضى ما ذكرناه عدم الفرق بين أن يكون الزيادة قليلة لايعتنى بها ، أم

معتدا بها إذا كانت الزيادة القليلة متممة لنفقة الحج على ما هو مفروض المسألة فما في

العروة من إمكان دعوى عدم الوجوب اذا كانت الزيادة قليلة ضعيف .

وأضعف منه : استدلال بعض المعاصرين له بانصراف الدليل ، فإنه مع عدم

الدليل اللفظي كيف يدعي الانصراف ! ؟

 

حكم شراء المستثنيات وترك الحج

 

مسألة 11 : اذا لم يكن عنده من المستثنيات لكن كان عنده ما يمكن شراؤها

به من النقود ، ففي الجواهر : استثنى له أثمانها : كما في الدروس والمسالك

وغيرهما واستجوده في المدارك إذا عدت الضرورة اليه انتهى .

ونسب الى بعض وجوب الحج في الفرض ، وعدم جواز شراء المستثنيات

بما عنده .

وفي العروة فصل بين ما اذا كان واجدا للاعيان ، وبين ما اذا كان واجدا

لاثمانها ، وحكم في الاول بكونها مستثناة الحاجة اليها ، وفي الثاني اعتبر

الوصول الى حد الحرج .

أقول : الظاهر أنه لانزاع بين الاعلام في الحكم ، ويظهر ذلك ببيان أمرين .

أحدهما : أن دليل الاستثناء في المسألتين قاعدة نفي الحرج والعسر ، وعليه

 

 

[ . . . ]

فالميزان هو لزوم الحرج وعدمه فيهما .

ثانيهما : أن بيع الانسان ما عنده من ضروريات معاشه سيما اذا جرت عادته

باستعماله يكون حرجيا لامحالة لصعوبة ترك العادة والاستعمال فلو كان عنده

أعيانها ويستعملها وهو محتاج اليها يكون بيعها لامحالة حرجيا ، وهذا بخلاف ترك

الشراء لما ليس عنده ، فانه مع الحاجة اليه قد يكون الترك حرجيا ، وقد لا يكون

كذلك .

ومن هذين الامرين يظهر وجه تفصيل سيد العروة ، كما يظهر أن نظر

القائلين بعدم الاستثناء الى صورة عدم لزوم الحرج ، ونظر المفتين بالاستثناء الى

صورة لزومه .

وذكر السيد في العروة فيما لو كان عنده أعيان المستثنيات بأنه إن باعها بقصد

التبديل لم يجب صرف ثمنها في الحج ، ولو باعها لا بقصد التبديل وجب بعد البيع

صرفع ثمنها في الحج إلا مع الضرورة اليها على حد الحرج في عدمها .

وأورد عليه جمع ممن تأخر عنه بأنه لا فارق بين البيع بقصد التبديل وعدمه ،

إذ مع الضرورة اليها لا يجب صرف ثمنها في الحج مطلقا ، ومع عدم الضرورة يجب

صرفه كذلك .

وقد انتصر للسيد بعضهم بأنه يمكن أن يقال : أذا باع لا بقصد التبديل فقد

أقدم على الحرج ، ومع الاقدام على الحرج لا مجال لتطبيق دليل نفي الحرج .

أقول : يرد على ما انتصر به له أولا : أن الاقدام إنما يكون على البيع وبقاء

الثمن عنده لا على الحج الحرجي .

وثانيا : أن الاقدام لا يمنع عن شمول القاعدة كما حققناه في رسالة قاعدة

لا ضرر ، ولذا لو أقدم على تحمل الضرر ، أو الحرج وحج لا يجزئ حجه عن حجة

الاسلام كما تقدم .

 

 

[ . . . ]

ولكن يمكن أن يكون نظر السيد في هذا الفرق الى ما ذكرناه من الامر

الثاني ، فإن من يقدم على بيع ما يحتاج اليه وبنائه على عدم التبديل يوطن نفسه

على ترك عادته وبعد ذلك قد يكون ترك شراء بدله حرجيا عليه ، وقد لا يكون

كذلك ، ولذا استثنى السيد - ره - من حكمه بوجوب الحج في هذا الفرض ما لو

كانت الضرورة اليها على حد الحرج في عدمها ، وأما من يبيعها بقصد التبديل

فهو غير تارك لما عليه عادته ، فوجوب الحج دائما يكون حرجيا عليه ، ولذا

أفتى بعدم وجوبه ، فتدبر فإنه دقيق ، وعلى هذا فلا يرد عليه شئ مما أورده

المعاصرون عليه .

 

لو كان له ما يحج به ونازعته نفسه الى النكاح

 

مسالة 12 : لو كان له ما يحج به وتاق الى النكاح ، ففي المنتهى والتذكرة

والشرائع ، وعن القواعد والمبسوط والخلاف والسرائر : لم يجز صرفه في النكاح وكان

عليه الحج .

وفي بعضها : التصريح بوجوبه وإن خاف العنت .

وفي المنتهى ، وعن الدروس والتحرير : لو خاف من ترك النكاح المشقة

العظيمة فالوجه تقديم النكاح .

وعن المدارك أنه لو أوجب ترك النكاح حدوث مرض أو الوقوع في الزنا

ونحوه يقدم النكاح .

فالكلام في فروض : -

الاول : اذا لم يكن ترك النكاح موجبا للمشقة ولا حدوث مرض ولا الوقوع في

الزنا لاكلام في وجب الحج ، حينئذ لان النكاح مستحب والحج فرض ،

 

 

[ . . . ]

والفرض مقدم .

الثاني : ما لو أوجب تركه المشقة البالغة حد الحرج ، فقد مر تصريح جمع من

الاساطين بتقديم الحج .

وأورد عليهم غير واحد من أهل العصر بانه بعد فرض وجود قاعدة نفي

العسر والحرج لا وجه للتوقف في تقديم النكاح ، فإن مقتضاها سقوط وجوب الحج .

ولكن الظاهر أن منشا بنائهم على عدم جريان القاعدة في المقام أن نظر هؤلاء

الاساطين في مفاد القاعدة أنها تكون من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما

أفاده المحقق الخراساني - ره - فتختص بما إذا كان المتعلق - وهو في المقام الحج -

حرجيا ، وحيث إنه في المقام لا يكون الحج حرجيا ، بل هو مستلزم لامر

حرجي ، فلا مورد للقاعدة ، فالمحكم إطلاق أدلة وجوب الحج ، وعليه

فالمتعين في الايراد عليهم منع المبنى كما أشرنا اليه في بعض المسائل المتقدمة ، وقلنا :

إن المنفي بها كل موضوع حرجي ، وكل حكم استلزم الحرج ، وحيث إن في

المقام وجوب الحج مستلزم للحرج فيكون منفيا بها ، فالاظهر تقديم النكاح في هذا

الفرض .

ولو لم يحرز أنه يكون ترك التزويج حرجيا عليه وشك في ذلك فهل يسقط

وجوب الحج ؟ الظاهر ذلك ، فإنه بعد تخصيص عمومات الحج بدليل نفي العسر

والحرج يكون التمسك بالعمومات في مورد الشك في الحرج من قبيل التمسك بالعام

في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز ، فيتعين الرجوع الى أصالة البراءة ، نعم إذا

كان منشأ الشك عدم إحراز مفهوم الحرج صح التمسك بدليل وجوب الحج ، كما

لا يخفى .

الفرض الثالث : ما أوجب ترك النكاح حدوث مرض ، فقد استدل بعض

الاعاظم لتقديم النكاح في هذا الفرض بأن الاضرار بالنفس حرام ، فدليل حرمته

 

 

[ . . . ]

كسائر أدلة الواجبات والمحرمات رافع لموضوع الاستطاعة ، فيرتفع الموضوع .

أقول : سيأتي التعرض لهذه المسألة أي رافعية أدلة الواجبات والمحرمات

لموضوع الاستطاعة ، لكن الكلام في المقام في الصغرى ، فإن الاضرار بالنفس

سيما هذا المقدار من الضرر لا دليل على حرمته ، ولكن يمكن أن يستدل لسقوط

وجوب الحج بدليل لا ضرر ، فإن الحج حينئذ مستلزم للضرر ، فمقتضى ، ذلك

الدليل رفع وجوبه .

الفرض الرابع : مالو علم أنه لو ترك النكاح لوقع في الزنا اختيارا ، فقد

استدل بعض الاعاظم لتقديم النكاح بأن أدلة المحرمات رافعة لموضوع الاستطاعة

فيرتفع الوجوب .

وفيه : أن رافعيتها له إنما تكون فيما لو وقعت المزاحمة بين دليل وجوب الحج

ودليل الحرمة ، كما لو توقف الحج على مقدمة محرمة ، وأما مع عدم المزاحمة وإمكان

متابعة الدليلين والمكلف إنما يقع في الحرام بسوء اختياره ، فلا يكون دليل الحرمة

رافعا لموضوع الاستطاعة ، والمقام من هذا القبيل ، وعليه فإن لم يكن ترك

النكاح وعدم الزنا حرجيا ولا موجبا لحدوث مرض يجب الحج وإن علم بأنه يقع في

الزنا باختياره لو ترك النكاح .

ولو كانت له زوجة دائمة ونفقتها تمنع عن الاستطاعة ولم يكن له حاجة فيها

لا يجب أن يطلقها وصرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحج ، لان ذلك تحصيل

للاستطاعة وهو غير واجب .

 

لو كان له دين بمقدار مؤونة الحج

 

مسالة 13 : لو لم يكن عنده ما يحج به ولكن كان له دين على شخص بمقدار

 

 

[ . . . ]

مؤونته أو ما تتم به مؤونته ، ففي المنتهى : إن كان على حال موسر باذل بقدر

الاستطاعة وجب الحج ، ولو كان معسرا أو مانعا أو كان الدين مؤجلا سقط الوجوب .

انتهى ، ونحوه في التذكرة وغيرها .

وتحقيق الكلام : أنه تارة يكون الدين حالا ، واخرى يكون مؤجلا ، وعلى

الاول تارة يكون المديون موسرا واخرى يكون معسرا ، وعلى الاول تارة يمكن

اقتضاؤه بنفسه أو وكيله او بواسطة حاكم الشرع ، واخرى يمكن ذلك بواسطة

حاكم الجور ، وثالثة لا يمكن بوجه ، وإن كان الدين مؤجلا فتارة يكون المديون

باذلا قبل الاجل مع عدم المطالبة ، واخرى يكون باذلا إياه لو طالبه ، وثالثة

لا يكون باذلا ، وفي الصورة الاخيرة تارة يمكن الاستدانة ، واخرى لا تمكن .

فإن كان الدين حالا ولم يمكن الاقتضاء ولو بالواسطة لا إشكال في عدم

وجوب الحج ، لان الاستطاعة غير حاصلة ، إذ وجود المال مع عدم قدرته على

التصرف فيه لا يوجب صدق الاستطاعة وهو واضح .

فإن قيل : إن الاستطاعة فسرت بالزاد والراحلة ، وبينا أن المراد بهما أعم

من وجود عينهما وثمنهما ، وعليه فحيث إنه بمقدار الزاد والراحلة يكون مالكا للمال

فتصدق الاستطاعة الشرعية .

قلنا : أولا : أن الظاهر من النصوص المفسرة التوسعة في الاستطاعة

لا التضييق .

وثانيا : أنه في جملة من النصوص صرح عليه السلام بما يكون ظاهرا في اعتبار

القدرة الفعلية أيضا ، لاحظ : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام إذا قدر

الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع

الاسلام ( 1 )

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

 

وصحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام : قال الله تعالى : ( ولله عليه الناس

حج البيت من استطاع اليه سبيلا ) قال عليه السلام هذه لمن كان عنده مال

وصحة - الى أن قال - إذا هو يجد ما يحج به ( 1 )

وخبر على بن أبي حمزة الذي رواه الصدوق بإسناده عنه عن الامام الصادق

عليه السلام أنه قال : من قدر على ما يحج به وجعل يدفع ذلك وليس له شغل يعذره

الله فيه حتى جاء الموت فقد ضيع شريعة من شرائع الاسلام ( 2 ) ونحوها غيرها .

فالمتحصل منها أنه يعتبر في الاستطاعة زائدا عن وجود الزاد والراحلة أو ثمنهما

القدرة الفعلية على التصرف في المال .

وإن كان الدين حالا وكان المديون باذلا وجب الحج بلا كلام ، لصدق

الاستطاعة بما لها من القيود المعتبرة فيها .

وان كان الدين حالا وكان المديون مماطلا وتوقف استنقاذ الدين على

الاستعانة بالحاكم الشرعي أو غيره ، فعن بعض الاساطين في حاشيته على العروة :

عدم وجوب الحج .

وعلله بعض المعاصرين بانه مع المماطلة لا قدرة فعلية ، والفرض اعتبارها ، نعم

القدرة على الاستعانة به قدرة على تحصيل الاستطاعة فلا يجب معه الحج .

وفيه : أن القدرة على السبب قدرة على المسبب حقيقة لا أنه قادر على تحصيل

القدرة ، ألا ترى أنه لو كان له مال موجود مودع في صندوق في بلد آخر ، مع أنه لا يقدر

على التصرف فيه إلا بالسفر الى ذلك البلد وفتح الصندوق وأخذ ما فيه ، ومع ذلك

لا يتوقف أحد في صدق القدرة والتمكن ، وكذلك في المقام ، وعليه فلا يبقى الشك في

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حدييث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 6 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 9 .

 

 

[ . . . ]

وجوب الحج في هذا الفرض .

وأن كان الدين حالا وكان المديون مما طلا وتوقف استنقاذ الدين على

الاستعانة بالحاكم الجائر ، فقد اختار صاحب الجواهر عدم وجوب الحج حينئذ للنهي

عن الركون اليه والاستعانة به .

ثم قال : وإن حملناه على الكراهة مع التوقف عليه ترجيحا لما دل على الجواز

بالمعنى الشامل للوجوب من دليل المقدمة وغيره ومثله لا يتحقق معه الاستطاعة بعد

فرض أن الجواز المزبور كان بعد ملاحظة المعارضة بين ما دل على المنع وما دل على

خلافه من المقدمة وغيرها . انتهى .

أقول : بناء على حرمة الاستعانة بالحاكم الجائر - كما لعله الاظهر ، وقد أشبعنا

الكلام فيه في مبحث الاجتهاد والتقليد ، وقد طبع - لا إشكال في سقوط وجوب الحج ،

لان دليل الحرمة رافع للاستطاعة .

وأما بناء على الجواز فلم يظهر لي وجه سقوط وجوب الحج ، فإنه مع عدم

الحرمة لا مزاحم له فكيف يسقط مع ثبوت موضوعه وفعليته وعدم المزاحم .

وإن كان الدين مؤجلا وكان المديون باذلا قبل المطالبة ، فقد استدل لوجوب

الحج في هذه الصورة بأنه بثبوته في الذمة وبذل المديون له بمنزلة المأخوذ وصدق

الاستطاعة ووجدان الزاد والراحلة عرفا بذلك .

وقد استشكل في الجواهر في ذلك وقال : يمكن منع ذلك كله . انتهى .

والظاهر : أن نظر صاحب الجواهر - ره - في المنع الى أن المديون إنما يتبرع

بالبذل ، لان له التأجيل على الفرض ، فلا يجب على الدائن قبوله ، نظير الهبة التي

لا يجب على المتهب قبولها .

ولكن يرد عليه : أن الدائن في المقام مالك لما في ذمة المديون ، وببذل المديون

إياه يحصل له القدرة الفعلية عليه فيصدق عليه المستطيع فيجب الحج ، ولا يقاس ذلك

 

 

[ . . . ]

بالهبة التي يكون الملك فيها متوقفا على القبول ، فلا يجب القبول ، لعدم وجوب تحصيل

الاستطاعة ، فالاظهر وجوب الحج في هذا الفرض .

وإن كان الدين مؤجلا وكان بذل المديون إياه متوقفا عليه المطالبة ، ففي العروة

حكم بوجوب الحج مستدلا بصدق الاستطاعة .

ولكن قد تقدم أنه يعتبر في صدق الاستطاعة أمران : أن يكون له ما يحج

به ، والقدرة الفعلية عليه ، وفي المقام القيد الاول موجود ، وأما الثاني فلا ،

لان السلطنة له شرعا غير متحققة ، لان للمديون - أن يؤخر الاداء حتى مع

المطالبة ، وهذا بخلاف صورة كون الدين حالا فإنه هناك القيد الثاني أيضا

موجود ، لان له السلطنة شرعا على أخذ ما له من المديون ولو جبرا ، وعليه

فيتوقف صدق الاستطاعة على البذل ، ومعلوم أن تحصيل الاستطاعة غير واجب .

وقد نسب الى صاحب الجواهر - ره - الحكم بعدم الوجوب في هذه

الصورة ، مع أن محل كلامه - قده - الصورة السابقة وهو لم يتعرض لهذه الصورة

في الجواهر ، فراجعها .

وبما ذكرناه يظهر حكم ما لو كان الدين مؤجلا والمديون غير باذل حتى مع

المطالبة فإنه يسقط وجوب الحج بلا كلام .

وإن كان الدين مؤجلا والمديون لا يبذله وإن طالبه ، ولكن يمكن الاستدانة

للحج وأداؤه من ماله بعد الاجل ، ويكون واثقا بحصول الدين بعد ذلك ، فهل

يجب الحج كما في المستند والجواهر والعروة ، وعن الدروس والمدارك وغيرهما ، أم

لا كما في المنتهى ؟ وجهان .

واستدل للاول بصدق الاستطاعة ، وبقول الامام الصادق عليه السلام في

خبر جفية : مالك لا تحج استقرض وحج ( 1 )

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 50 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

وأورد على الاول بأن المراد الاستطاعة من ماله وإلا لوجب الاستدانة لو لم

يكن له مال أيضا ، بل طلب البذل إذا علم أنه يبذل له لو طلب وهو خلاف الاجماع ،

ومنة القبول وذل الطلب حاصلان في الاستدانة أيضا .

وأجاب صاحب المستند - ره - عنه بمنع التقيد بالاستطاعة من ماله أولا ، وحصولها

 بالتمكن من تحصيل المال ثانيا ، وخرج الاستدانة من غير مال والسؤال

بالاخبار والاجماع .

أقول : قد مر أن نصوص الزاد والراحلة دالة على اعتبار أن يكون له - أي

ملكا له - الزاد والراحلة ، والتمكن من تحصيل المال لا يوجب حصوله بالفعل .

فالحق أن يقال : إنه وإن لم يعتبر في الاستطاعة ملكية شخص الزاد والراحلة ،

بل يكفي أن يكون مالكا للمال بمقدار قيمتهما ، ولكن يعتبر أن يكون له القدرة الفعلية

والسلطنة الشرعية على التصرف في المملوك ، وهذا الشخص لو استدان وتملك المال

بالاستدانة وإن كان يصير مستطيعا فإنه مالك لمقدار من المال يكفي للحج وله

السلطنة عليه ، وما عليه من دين يقابله ماله ، ولكن قبل الاستدانة لا يكون مسلطا

على ما يملكه فلا يصدق عليه المستطيع ، نعم يكون قادرا على تحصيل الاستطاعة وهو

غير واجب ، وأما الخبر فهو في الحج المندوب ، فالاظهر عدم وجوب الحج في هذه

الصورة .

ونظير ذلك : ما لو كان له مال حاضر لا راغب في شرائه ، أو مال غائب لا يمكن

صرفه في الحج فعلا ولو بتبديله بواسطة وكيله فإنه يسقط عنه وجوب الحج ، لان ماله

من المال لا يمكن له التصرف فيه ولو ببدله فلا يكون عنده ولا قادرا على ما يحج به ،

والاستدانة تحصيل للاستطاعة فلا تكون واجبة ، فما عن الدروس من الجزم بوجوب

الحج ضعيف .

 

 

[ . . . ]

 

لو كان عنده ما يكفيه للحج وكان عليه دين

 

مسألة 14 : اذا كان عنده ما يكفيه للحج وكان عليه دين بقدره فهل بجب عليه

الحج أم لا ؟ القدماء من الاصحاب لم يتعرضوا لهذه المسألة فلا يعلم فتاويهم ، وأما

المتأحرون فلهم فيها فتاوى مختلفة .

فعن جماعة منهم : المحقق في الشرائع ، والمصنف في المنتهى وبعض كتبه

الاخر ، والشهيد في الدروس : عدم وجوب الحج ، إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم

بالحج .

وعن المدارك ، والمحقق الاردبيلي وغيرهما وفي المستند : الوجوب إلا مع

الحلول والمطالبة .

وعن كشف اللثام ، وفي الجواهر : عدم الوجوب إلا مع التأجيل وسعة الاجل

للحج والعود .

وفي العروة : البناء على عدم الوجوب إلا مع التأجل والوثوق بالتمكن من

أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحج .

والظاهر من هؤلاء الاساطين بأجمعهم سقوط وجوب الحج لو كان الدين حالا

مطالبا به ، لكن في المستند بنى على التخيير بين الحج ووفاء الدين ، وتبعه بعض

المعاصرين .

والحق : أن الدين قد يكون حالا ، وقد يكون مؤجلا ، وعلى الاول قد يكون

مطالبا به ، وقد يكون غير مطالب به ، وعلى الثاني قد لا يسع الاجل لتمام المناسك

والعود ، وقد يسع ذلك ، وعلى الثاني قد يثق بالتمكن من أداء الدين إذا صرف ما عنده

في الحج ، وقد لا يثق بذلك .

فان كان الدين حالا ، ولم يكن الدائن راضيا بالتأخير ففيه وجوه

 

 

[ . . . ]

واحتمالات .

1 - تقديم الدين . ذهب اليه جل من تعرض للمسألة ، واستدل له بوجوه :

الاول : أن خبري أبي الربيع ، وعبد الرحيم القصير - المتقدمين والآتيين في

مسألة اعتبار الرجوع الى الكفاية - يدلان على اعتبار السعة واليسار وهما غير

حاصلين مع الدين إذا لم يزد ما يحتاج اليه في الحج على ما يقابل الدين .

وفيه : ما تقدم من أن خبر عبد الرحيم ضعيف السند ، وخبر أبي الربيع فسر

فيه السعة بأن يكون معه ما يحج ببعضه ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله .

الثاني : أن الدائن كما يكون مطالبا للمال قبل الحج يكون مطالبا به بعده ،

فيجب أن يعطيه فإنه متمكن من الاداء وإذا أدى دينه لا يبقى له الرجوع الى الكفاية

الذي هو من قيود الاستطاعة .

وفيه : إن ذلك وإن كان تاما في بعض الصور إلا أنه لا يتم في جميعها ، مثلا :

لو كان واثقا بالتمكن من الاداء بعد الحج مع وجود ما به الكفاية ، فلا يتم كما هو

واضح .

الثالث : صحيح معاوية بن عمار المتقدم عن الامام الصادق ( ع ) عن رجل

عليه دين أعليه أن يحج ؟ قال : نعم إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من

المسلمين ( 1 ) .

وتقريب الاستدلال به : أنه يدل بالمنطوق على وجوب الحج على من أطاق

المشي ولو كانت ذمته مشغولة بدين ، ومفهومه : أن من لم يطق المشي لم يذهب الى

الحج ، بل عليه أن يؤدي دينه تعيينا .

وفيه : ما تقدم في مسألة اعتبار الزاد والراحلة من معارضة هذا الصحيح وما ماثله

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 11 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

مع طائفة اخرى من النصوص ، وتقدم تلك الطائفة ، وتطرح هذه أو تحمل على

بعض المحامل ، فراجع .

الرابع : أن حق الناس أهم من حق الله تعالى ، فيقدم الدين على الحج من

باب الاهمية .

وفيه : أن هذا - أي تقديم حق الناس - وإن كان مشهورا إلا أنه لا دليل عليه .

وغاية ما قيل في وجهه : ما ورد من أن الذنوب ثلاثة : ذنب يغفر ، وذنب

لا يغفر ، وذنب لا يترك ، فالذي يغفر ظلم الانسان نفسه ، والذي لا يغفر ظلم

الانسان ربه ، والذي لا يترك ظلم الانسان غيره ( 1 ) .

ولكن يرد عليه : أنه إنما يدل على أن ظلم الانسان غيره لا يغفر إلا بمراجعة

ذلك الغير لكونه حقا له ، ولا نظر له الى الاهمية ، بل في بعض المسائل أفتى

الفقهاء بعدم التقديم ، كما لو فرض كونهما عليه بعد الموت فإنهم أفتوا بتوزيع

التركة على الحج والدين بعد الوفاة ، وهذا كاشف عن بناء الاصحاب على عدم

أهمية الدين من الحج .

الخامس - وهو الصحيح - وهو : أنه من مرجحات باب التزاحم كون أحدهما

مشروطا بالقدرة شرعا ، والآخر غير مقيد بها شرعا ، ويكون وجوبه مطلقا ،

فإنه يقدم الثاني من جهة أن التكليف المطلق بنفسه لا بامتثاله يكون معجزا شرعا

فيرتفع موضوع الآخر ، وتمام الكلام في محله .

وفي المقام حيث إن وجوب أداء الدين مطلق ، ووجوب الحج مشروط

بالاستطاعة الشرعية فالتكليف بأداء الدين مستلزم لرفع الاستطاعة فيقدم أداء

الدين لكون وجوبه واردا على وجوب الحج .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 78 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

ويمكن أن يقال تأييدا لهذا الوجه . أنه قد مر اعتبار القدرة الفعلية على

التصرف في المال زائدا على اعتبار وجوده ، والتكليف بصرفه في أداء الدين معجز

مولوي عنه وموجب لسلب القدرة ، ومع انتفاء قيد الوجوب يكون مرتفعا لامحالة .

2 - تقديم الحج ، وقد استدل له بوجوه :

الاول : أن جملة من النصوص تدل على تقديم الحج على الدين كصحيح معاوية

المتقدم : عن رجل عليه دين أعليه أن يحج ؟ قال عليه السلام : نعم إن حجة الاسلام

واجبة على من أطاق المشي من المسلمين . ( 1 )

وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام : الحج واجب

على الرجل وإن كان عليه دين ( 2 ) .

وصحيح الكناني عنه عليه السلام قال : قلت له : أرأيت الرجل التاجر ذا المال

حين يسوف الحج كل عام وليس يشغله منه إلا التجارة أو الدين ، فقال عليه

السلام : لا عذر له يسوف الحج إن مات وقد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع

الاسلام ( 3 ) .

وخبر معاوية بن وهب عن غير واحد ، قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام :

يكون علي الدين فتقع في يدي الدراهم فإن وزعتها بينهم لم يبق شئ فأحج بها أو

اوزعها بين الغرماء ؟ فقال عليه السلام : تحج بها وادع الله أن يقضي عنك دينك ( 4 )

ونحوه خبر العطار ( 5 ) .

أقول : أما صحيح معاوية فقد مر في مسألة اعتبار الزاد والراحلة معارضته بغيره

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 11 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 5 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 6 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .

( 4 ) ( 5 ) الوسائل باب 50 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 10 .

 

 

[ . . . ]

من النصوص المقدمة عليه ، ويكون مطروحا .

وأما خبر عبد الرحمن فهو ضعيف السند ، فان في طريقه القاسم بن محمد .

وأما صيح الكناني ، فالمفروض في السؤال فيه كون الرجل ذا المال

ويكون تركه الحج تسويفا ، وعليه فهو أجنبي عن المقام ، وإنما يدل على أن

التعلل والتهاون في الحج - بالاعتذار تارة بالتجارة واخرى بالدين - لايجوز .

وأما صحيح معاوية ، ونحوه صحيح عطار فلم يذكر فيه أن الحج وجوبي أو

استحبابي ، وأن الدين كان حالا أو مؤجلا ، ولا غير ذلك من الخصوصيات فلا

يصح الاستدلال به .

الثاني : ما دل على أن دين الله أحق أن يقضى ، كالخبر المتضمن أن امرأة

خثعمية سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أبي أدركه فريضة الحج شيخا زمنا

لا يستطيع أن يحج إن حججت أينفعه ذلك ؟ فقال ( ص ) . أرأيت لو كان على أبيك دين

فقضيته كان ينفعه ذلك ؟ قالت : نعم . قال : فدين الله أحق بالقضاء . كذا في محكي

الذكرى ( 1 ) .

ونقل الحديث في التذكرة ، وفي ذيله : فدين الله أحق أن يقضى ( 2 ) .

ولكن الخبر مروي في المستدرك بأدنى اختلاف في متنه سؤالا وجوابا ، وفي

ذيله : فدين الله أحق ( 3 ) . ومثل هذه القضية مروي عن العامة .

ومورد القضية في رواياتهم : أمرأة نذرت أن تحج وماتت وسألته صلى الله عليه

وآله وسلم وارثتها عن حجها عنها ، وفي أحد النقلين : فهو أحق بالقضاء ( 4 ) . وفي

……………………………………………

( 1 ) الذكرى في الحكم الخامس من أحكام الاموات .

( 2 ) التذكرة في مسالة عدم وجوب الحج على الفقير والزمن .

( 3 ) المستدرك باب 18 من أبوب وجوب الحج وشرائطه .

( 4 ) الذكرى في الحكم الخامس من أحكام الاموات .

 

 

[ . . . ]

الآخر : فالله أحق بالوفاء ( 1 ) .

أقول : أولا : هذه النصوص ضعيفة الاسناد .

وثانيا : أن السؤال في المتضمن قضية الخثعمية إنما هو عن انتفاع أبيها بالنيابة

عنه فمفاده أجنبي عن المقام ، فإنه يدل على أنه إذا انتفع بأداء دينه فانتفاعه بالحج

عنه أولى .

وأما المروي عن طرق الجمهور فلا يدل على أن حق الله أهم فيقدم عند

التزاحم ، بل يدل على أن من يهتم بحق الناس ينبغي أن يهتم بحق الله تعالى ،

وإلا يكون ذلك كاشفا عن أن الله تعالى صغير في عينه ولا يعتني به بمقدار اعتنائه

بالناس ، والله العالم .

الثالث : أهمية احج من الدين كما يظهر ذلك من ملاحظة النصوص الواردة

في تركه وتسويفه والاهمية من مرجحات أحد المتزاحمين .

وفيه أولا أن أهميته من الدين غير ظاهرة فإنه ورد التشديدات في ترك أداء

الدين أيضا .

وثانيا : أن ذلك لو تم فإنما هو في غير ما اذا كان أحد المتزاحمين مشروطا

بالقدرة شرعا ، وإلا فيكون الآخر بوجوده رافعا لموضوع ذلك فلا يبقى حتى

يرجح بالاهمية .

3 - تقديم ما هو الاسبق في الوجوب فلو صار مستطيعا ثم أتلف مال الغير

مثلا يقدم الحج ، ولو صار مديونا ثم صار واجدا لما يكفيه للحج يقدم الدين ، لان

الاسبقية من مرجحات باب التزاحم .

وفيه أولا : لا نسلم كونها من المرجحات ، والاصحاب أيضا غير بانين على

……………………………………………

( 1 ) المنتقى - حديث 2320 نقلا عن البخاري .

 

 

[ . . . ]

ذلك كما يظهر لمن راجع الفروع الفقهية .

وثانيا : أن ذلك لو تم ففي غير المقام وأمثاله مما يكون أحد المتزاحمين مشروطا

بالقدرة الشرعية .

4 - التخيير ، ووجهه : عدم ثبوت ترجيح أحدهما على الآخر ، وقد

عرفت ثبوت ترجيح الدين .

نعم يتم ذلك فيما لو استقر عليه الحج سابقا فإن الحج بعد ذلك لا يكون

مشروطا بالقدرة الشرعية ، ولكن إذا لم يتمكن من الجمع بينهما بأداء الدين والحج

متسكعا وإلا فيجب ذلك .

فالمتحصل : أنه إذا كان الدين حالا والمديون لا يرضى بالتأخير يقدم

الدين ، ويلحق بذلك ما لو كان الدين مؤجلا ولا يسع الاجل لتمام المناسك والعود .

وان كان الدين حالا والمديون غير مطالب ، بل كان راضيا بالتأخير ،

ففي المستند : أنه حيث لا يكون مأمورا بالوفاء فيبقى خطاب الحج خاليا عن المعارض

فيجب الحج .

وفي الجواهر بعد الحكم بعدم وجب الحج في الحال قال : وإن لم يطالب به

صاحبه الذي قد خوطب المديون بوفائه قبل الخطاب بالحج . انتهى .

أقول : قد تقدم أن السبق ليس من المرجحات ، وعليه فإن كان المديون

واثقا بتمكنه من أداء الدين بعد الحج أو في كل وقت طالبه الدائن من دون أن يخل

بالعود الى الكفاية ، يجب عليه الحج ، لصدق الاستطاعة بالمعنى الذي ذكر لها في

النصوص ، ولا مانع عنه ، وإلا فلا يجب عليه ، لعدم صدق الاستطاعة .

فما في المنتهى من البناء على عدم الوجوب مطلقا مستدلا بعدم تحقق

الاستطاعة مع الحول . ضعيف .

وإن كان الدين مؤجلا ، فان لم يسع الاجل تمام المناسك والعود فقد مر

 

 

[ . . . ]

حكمه ، وإن وسعها فإن كان واثقا بالتمكن من أداء الدين في ظرفه من دون أن

يخل بسائر قيود وجوب الحج كالرجوع الى الكفاية وجب الحج ، لصدق

الاستطاعة ، والوجوه المذكورة لعدم وجوبه تقدمت عمدتها وما يرد عليها .

ومما استدل به له ما في المنتهى ، قال : وتوجه الضرر مع التاجيل .

وفي محكي المدارك في رد هذا الوجه : ولمانع أن يمنع توجه الضرر في بعض الموارد

كما إذا كان الدين مؤجلا أو حالا لكنه غير مطالب به وكان للمديون وجه للوفاء بعد

الحج . انتهى .

ويرد عليه : - مضافا الى ذلك - أنه إن اريد توجهه الى المديون . فأي ضرر

متوجه اليه في هذا المورد لا يكون متوجها اليه لو كان له هذا المال ولم يكن مديونا ،

فإنه هناك يجب عليه الحج مع أنه ينفد ماله فكذلك في المقام ، غاية الامر : إن حصل

له مال بعد ذلك يؤدي دينه منه وإلا فلا تسلط عليه لوجوب النظرة .

وإن اريد توجهه الى الدائن . فأي ضرر متوجه اليه بعد فرض كون المديون

واثقا بالتمكن من أداء دينه في ظرفه ؟ وإلا لما كان يجوز صرفه في حوائجه مع أنه جائز

بلا كلام .

وأما ما في المستند من الايراد عليه تارة بأن هذا الضرر مما أقدم عليه والضرر

الناشئ من عمل المكلف لا يمنع الاحكام التكليفية ، واخرى بأن الضرر يجب الحج

به مع وجود الدليل الشرعي كما في المقام ، وثالثة بمنع كون ما بإزائه الثواب

والدرجات الرفيعة ضررا . فغريب ، إذ يرد على الاول : أن الاقدام على الضرر

لا يمنع من إجراء حكمه وهو دفع ما في مورده من الاحكام كما حقق في محله .

ويرد على الثاني : أنه لم يرد دليل شرعي في المقام يدل على وجوب الحج حتى

مع الضرر ، بل دليل نفي الضرر حاكم على أدلة وجوب الحج .

ويرد على الثالث : أن لازمه عدم رفع الضرر شيئا من الاحكام التكليفية كما

 

 

[ . . . ]

لو كان الوضوء ضرريا لعين ما ذكر من أن ما بإزائه الثواب لا يكون ضررا .

ومما استدل به على عدم الوجوب : الاخبار الدالة على عدم الاستقراض للحج

مع عدم مال يفي بالقرض كروايتي الواسطي وموثقة عبد الملك ( 1 ) .

وفيه أولا : أن موردها غير ما نحن فيه فإن موردها الاستقراض للحج ، ومحل

الكلام مالو كان القرض لشئ آخر .

وثانيا : أنها معارضة بأخبار اخر كصحيحي ابن أبي عمير ( 2 ) ، وغيرهما ، وقد

استدل ببعض وجوه اخر بين الفساد .

وإن لم يكن واثقا بالتمكن من أذائه في ظرفه لا يجب الحج ، لعدم صدق

الاستطاعة ، وتقدم ما يمكن أن يستدل به للوجوب وما يرد عليه .

فرع : إذا كان عليه خمس أو زكاة وكان عنده ما يكفيه للحج لولاهما ، فإن

فرض تعلقه بعين المال كما اذا كانت العين المتعلقة للخمس موجودة وقلنا بتعلقه بالعين

لا بالذمة . لا إشكال في عدم وجوب الحج ، إذ التعلق بالعين وإن كان بنحو الحقية لا

الملكية مانع عن التصرف فيها على خلاف مقتضى الحق ،

وإن فرض تعلقه بالذمة كما اذا كانت العين المتعلقة له قد تلفت ، فيصير

ذلك دينا فيجري فيه ما ذكرناه في الدين .

 

التصرف في المال قبل خروج الرفقة

 

مسألة 15 : اذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له إتلاف الاستطاعة

قبل أن يتمكن من المسير وقبل خروج الرفقة وقبل أشهر الحج بلا خلاف ، كما أن

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 50 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 7 - 9 - 5 .

( 2 ) الوسائل باب 50 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 - 10

 

 

[ . . . ]

الظاهر التسالم على عدم جواز إتلاف الاستطاعة قبل مجئ وقت العمل وبعد التمكن

من المسير وخروج الرفقة في أشهر الحج .

إنما الكلام في باقي الصور ، فعن الدروس : لا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه

أو بيعه مؤجلا إذا كان عند سير الوفد . انتهى .

وفي المنتهى : لو كان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلا الى بعد فواته سقط

الحج - الى أن قال - وكذا لو كان له مال فوهبه قبل الوقت أو أنفقه . انتهى .

وفي محكي المدارك بعد نقل ذلك عن المنتهى ، وينبغي أن يراد بالوقت وقت

خروج الوفد الذي يجب الخروج معه . انتهى .

أقول : وإن كان يؤيده ما أفاده المصنف في التذكرة قال : لو كان له مال فباعه

نسيئة عند قرب وقت الخروج الى أجل متأخر عنه سقط الفور في تلك السنة

عنه ، لان المال إنما يعتبر وقت خروج الناس . انتهى .

وفي الجواهر : ولا يخفى أن تحريم صرف المال في النكاح إنما يتحقق مع توجه

الخطاب بالحج ، وتوقفه على المال ، فلو صرف فيه قبل سير الوفد الذي يجب الخروج

معه أو أمكنه الحج بدونه انتفى التحريم قطعا . انتهى .

وقد صرح جملة من الاصحاب بأنه لو كان عنده ما يحج به فنازعته نفسه الى

النكاح لم يجز صرفه في النكاح كما تقدم نقل كلماتهم ، وتلك صريحة في أنه لا يصح

الفرار بتفويت الاستطاعة بعد توجه الخطاب بالحج إلا أن المصرح به في كلمات

الاكثر أن الميزان هو حضور وقت السفر وخروج الرفقة .

وفي العروة جعل المدار على التمكن من المسير ، وأضاف بعض الاساطين

الى التمكن أن يكون قبل أشهر الحج .

ثم إن جماعة منهم صرحوا بأنه مع عدم جواز التصرف المخرج لو تصرف

يكون ذلك باطلا ، وعلى ذلك فتنقيح القول بالتكلم في موارد :

 

 

[ . . . ]

الاول : في الدليل على عدم الجواز .

الثاني : في تعيين ما عليه المدار .

الثالث : في أنه هل يبطل ذلك التصرف أم يكون حراما فقط ؟

الرابع : في أنه لو فعل ذلك فهل يكشف عن عدم وجوب الحج عليه لفقد

الاستطاعة بقاء وهي شرط فيه حدوثا وبقاء أم لا ؟

أما المورد الاول ، فقبل بيان ما هو الحق فيه لابد وأن يعلم أن محل الكلام

ما إذا كان التصرف المتلف للاستطاعة موجبا لعدم التمكن من الحج ولو متسكعا أو

بالخدمة ، وإلا فلا ريب في جوازه وإن بقي وجوب الحج ، إذ من يجب عليه الحج

لا يجب عليه أن يحج بعين ماله من المال .

ثم بعد ذلك قد يتوهم أنه لاوجه لعدم الجواز فإن الاستطاعة شرط لوجوب

الحج ، وبديهي أن الوجوب المشروط كما لا يقتضي إيجاد شرطه لا يقتضي حفظه

وإبقاءه ، ألاترى أنه يجب الصوم على الحاضر ، ولا يجب تحصيل ذلك ولا حفظه

بعد حصوله ، وكذا يجب القصر على المسافر ولا يجب تحصيل القيد ولا يحرم إعدامه

إن كان حاصلا ، وبالجملة عدم اقتضاء الدليل المتكفل لبيان الكبرى لزوم حفظ

الصغرى ، والموضوع من الواضحات .

وقد استدل لعدم الجواز بوجوه :

أحدها : الاجماع .

وفيه : ما عرفت مرارا من أن الاجماعات التي تكون مداركها معلومة أو محتملة

لا تكون تعبدية كاشفة عن رأي المعصوم عليه السلام ، فليست بححة .

الثاني : أنه لو جاز إتلاف المال لزم لغوية تشريع الحج ، لجواز إخراج كل

مستطيع نفسه عن تحت عنوان المستطيع .

وفيه : أنه لا داعي لكل أحد من المستطيعين سيما من له ثروة وسعة في المال

 

 

[ . . . ]

إتلاف ماله فرازا عن وجوب الحج ، كيف وقد نرى أن جمعا من المتدينين ،

يسعون في جمع المال لزيارة بيت الله الحرام .

الثالث : أن العقل مستقل بحرمة المقدمة المفوتة ، فلو عجز نفسه في الوقت

عن الصلاة أو عن الطهارة فإنه وإن سقط التكليف للعجز لكنه يكون عاصيا بتفويته

الملاك الملزم .

وبعبارة أخرى : بنظر العقل كما يحرم مخالفة المولى ويصح العقاب عليها كذلك

يحرم تفويت الملاك الملزم في نفسه ، فلو كان المولى عطشانا أو علم العبد بأنه

سيعطش وكان معه الماء فأراقه مع العلم بأنه لا يوجد ماء آخر ، لا إشكال في تقبيح

العقلاء هذا العبد ، ولو عاقبه المولى يرون عقابه صحيحا وفي محله ، وعليه ففي

المقام من استطاع وصار الحج في حقه ذا ملاك ملزم لو أتلف المال وعجز نفسه عن

الحج يكون ذلك تفويتا للملاك الملزم في نفسه فيكون حراما .

وفيه : أن هذا البيان يتم في ما اذا كان الشرط والقيد دخيلا في المكلف به مع

عدم دخله في الملاك كالقدرة العقلية غير الدخيلة في الملاك الدخيلد في الخطاب لقبح

تكليف العاجز ، فإنه يلزم من التعجيز - أي تعجيز المكلف نفسه - تفويت الملاك

الملزم ويكون ذلك بسوء اختياره .

وأما القيود الدخيلة في الملاك التي هي من قيود الموضوع قهرا فإعدامها

وإذهابها وتفويتها ليس بحرام ، لانه لا يلزم منه تفويت الملاك كما مر .

والمقام من هذا القبيل ، فإن الاستطاعة المفسرة بالزاد والراحلة موضوعة

لوجوب الحج ، ولذا لا يجب تحصيلها ، وعليه فهذا البيان لا يجري فيها .

وما ذكره بعض المعاصرين من أن الاستطاعة حدوثا من قيود الموضوع ولكن

بقاء ليست كذلك ، بل الاستطاعة آنا ما موجبة لتحقق الوجوب ، واستظهر

ذلك من قوله تعالى : - ( من استطاع اليه سبيلا ) وقال : الفرق بين هذا التعبير

 

 

[ . . . ]

والتعبير بأنه يجب الحج على المستطيع ظاهر ، فإن التعبير الاول ظاهر في أن

الاستطاعة آناما موجبة لتحقق الوجوب ، وظاهر الثاني إناطة الحكم بالوصف

حدوثا وبقاء ، فإتلاف الاستطاعة وتعجيز نفسه تفويت للملاك ومخالفة للتكليف

فيكون حراما .

يرد عليه : أن الظاهر من كل قيد مأخوذ في التكليف بنحو شرط الوجوب كونه

قيدا له حدوثا وبقاء ، ولذا اشتهر في ألسنة المتأخرين رجوع القضايا الحقيقة

المتكفلة للاحكام الشرعية الى قضايا شرطية مقدمها وجود الموضوع والتالي ترتب

الحكم ، ورجوع القضية الشرطية الى القضية الحقيقية المتكفلة لاثبات الحكم على

فرض وجود الموضوع .

وبما ذكرناه يظهر أنه لا يمكن تصحيح ذلك بالواجب المعلق بأن يقال : إن

الحق صحته ، وعليه فبمجرد تمامية الاستطاعة وتحققها يحكم بوجوب الحج عليه

فيحكم بوجوب حفظ ماله لتحقق موضوعه مقدمة للعمل إذا توقف الحج عليه ،

فانه لا يزيد الواجب المعلق على الواجب المنجز ، وفي المنجز بعد فعلية الحكم

إعدام الموضوع لا محذور فيه ، فإنه ليس مخالفة للتكليف ولا تفويتا للملاك ، ولذا

لا يحرم السفر على الحاضر بعد فعلية وجوب التمام ، ولا السفر بعد فعلية الامر

بالصوم ، وفي المقام بما أن المفروض أن الاستطاعة من قيود الموضوع وشرائط

الوجوب فالالتزام بالواجب المعلق أيضا لا يفيد .

والحق في المقام ما أفاده بعض أعاظم العصر ، وهو : أن الظاهر من أدلة

اعتبار الاستطاعة في وجوب الحج أن الاستطاعة التي لو لم يتلفها عمدا لكانت تبقي

بلا احتياج الى صرفها في مؤونة نفسه وعياله تكون قيدا ومعتبرة في وجوب الحج ،

وهذه الاستطاعة قيد حدوثا وبقاء ، وعليه فحيث إن الاستطاعة بهذا المعنى لا تتلف

بإتلاف المال فإتلافه ليس إعداما للموضوع ، بل بعد إتلافه يكون الموضوع

 

 

[ . . . ]

باقيا ، فيصح التمسك بحكم العقل المتقدم من حرمة المقدمة المفوتة ، أو الالتزام

بالواجب المعلق لاثبات عدم جوازه ، وهذا وإن كان متينا ثبوتا إلا أنه لم يذكر

ما يثبت إرادة هذا المعنى في مقام الاثبات .

ويمكن أن يستدل له بتسالم الاصحاب على عدم جواز إتلاف المال ،

وبتسالمهم على تقديم الحج على النكاح إن لم يكن في ترك النكاح مشقة ولا خوف

الوقوع في الحرام ، وغير ذلك من الفروع التي لا يتم ما ذكره الاصحاب فيها إلا

بذلك ، والله العالم .

وأما المورد الثاني وهو : أنه بعد فرض عدم جواز إتلاف المال هل يحكم بذلك

من أول السنة ، أو يكون المعيار خروج الرفقة كما هو الظاهر من الاصحاب ،

أو التمكن من المسير كما أفاده سيد العروة ، وعلى كل من التقديرين الاخيرين

هل المعيار خروج الرفقة ، أو التمكن من المسير في خصوص أشهر الحج ، أو

المعيار ذلك وإن لم يكن فيها ، وعلى التقدير الاول منهما هل المعيار خروج القافلة

الاولى او الاخيرة ؟ وجوه وأقوال .

وحق القول في المقام : أنه لو بنينا على صحة الواجب المعلق كان المتعين هو

اختيار ما ذهب اليه في العروة ، وذلك لان ظاهر الادلة أن الموضوع لفعلية الوجوب

هو الاستطاعة والتمكن من المسير من غير فرق بين أشهر الحج وغيرها ، فلو كان

له زاد وراحلة وكان متمكنا من المسير وتحققت سائر الشرائط يصير وجوب الحج

فعليا ، فلا يجوز تعجيز نفسه .

وأما إن قلنا بامتناعه فعلى القول بوجوب المقدمة التي يلزم من تركها فوت

الواجب فكذلك ، وهو واضح ، وعلى القول بعدم وجوبها فمقتضى القاعدة جعل المدار

خصوص خروج القافلة الاخيرة اقتصارا فيما خالف القاعدة على المقدار المتيقن وهو

ما إذا تضيق الوقت بسير القافلة الاخيرة ، فإن حرمة الاتلاف وعدم جوازه بعد

 

 

[ . . . ]

ما ضاق الوقت من الواضحات فلا بد من مخالفة القاعدة فيه ، وبما ذكرناه يظهر ما

في كلمات القوم في المقام .

وأما المورد الثالث ، فعلى القول بعدم جواز التصرف المتلف للمال المخرج

إياه عن ملكه هل يبطل ذلك التصرف ، فلو وهب ماله مثلا لا يصير ملكا

للمتهب ، أم يصح ؟ وجهان ، مقتضى القاعدة هو الثاني لان الذي دل عليه

الدليل هو وجوب إبقاء المال وجوبا مقدميا ، وقد حقق في محله أن وجوب المقدمة

عقلي لا شرعي ، مع إنه لو سلم كونه شرعيا ، الامر بالشئ لا يقتضي النهي

عن ضده فلا يكون الاتلاف حراما ، أضف الى ذلك أن النهي عن المعاملة إن لم

يكن إرشاديا ولا نهيا عن الآثار - كالتصرف في الثمن - لا يستلزم فسادها ، كان

النهي متعلقا بالاعتبار النفساني أو ما يكون مظهرا إياه من قول أو فعل ، أو

بعنوان خارجي منطبق عليه كما حقق في الاصول وبيناه في أول الجزء الاول من كتابنا

منهاج الفقاهة ، وعليه ففي المقام ما أن حرمة التصرف لو ثبتت ليست من قبيل

أحد الاولين فلا تستلزم فساده .

وأما المورد الرابع وهو أنه لو فعل ذلك وأخرج المال عن ملكه فهل يكشف

عن عدم وجوب الحج عليه أم لا ؟

أقول : بناء على ما اخترناه في وجه حرمة التصرف المتلف يكون وجوب الحج

باقيا فإن القيد هو الاستطاعة التي لو لم يتلفها عمدا لكانت باقية فهي بعد الاتلاف

باقية فيجب الحج ، وكذلك بناء على الوجه الثاني بل الاول أيضا .

وقد استدل على بقاء وجوبه بوجهين آخرين :

أحدهما : أن النصوص الدالة على تقديم الحج على الدين المتقدمة في المسألة

المتقدمة تدل عليه ، بتقريب : أنه لو كان ينتفي وجوب الحج بإتلاف المال عمدا لم

يكن وجه لتقديم الحج ، لامكان أن يؤدي دينه بماله ويوجب ذلك انتفاء وجوب

 

 

[ . . . ]

الحج ، فتلك الاخبار كاشفة عن عدم سقوطه .

وفيه أولا : ما عرفت ما في تلك الاخبار ، وأنه لا يقدم الحج على الدين .

وثانيا : أنه يمكن أن يكون وجه تقديمه عدم جواز التصرف المتلف للاستطاعة

الموجب لسقوط وجوب الحج لا بقاء وجوب الحج .

ثانيهما : جملة من النصوص المصرحة بذلك كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله

عليه السلام : إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد

ترك شريعة من شرائع الاسلام ( 1 ) . لان قوله : ثم دفع ذلك . ظاهر في إرادة دفع ما حصل

له من المال .

وخبر علي بن أبي حمزة عنه عليه السلام : من قدر على ما يحج به وجعل يدفع

ذلك وليس له شغل يعذره الله فيه حتى جاء الموت فقد ضيع شريعة من شرائع

الاسلام ( 2 ) .

وفيه : أن الظاهر من دفع ذلك ، سيما بقرنية : وليس له شغل يعذره : في

الصحيح ، وكلمة ( جعل ) في الخبر عدم العمل وترك الحج ، فيكونان أجنبيين عن المقام .

 

كفاية الملكية المتزلزلة في الاستطاعة

 

مسألة 16 : هل تكفي الملكية المتزلزلة للزاد والراحلة وغيرهما ، كما إذا صالحه

شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له الى مدة معينة ، أم لا ، أم يفصل بين ما يبقى

تزلزله بعد التصرف كما في المثال فلا يكفي ، وبين ما يصير لازما بتصرف المالك كما

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 6 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 9 .

 

 

[ . . . ]

في الهبة من غير ذي رحم فيكفي ؟ وجوه بل أقوال ، فالكلام في مقامين :

الاول : فيما يبقى على تزلزله . مقتضى إطلاق الادلة هو الكفاية ، فإن

الاستطاعة فسرت بالزاد والراحلة ، وهما موجودان في الفرض ، واحتمال الزوال

بأن يفسخ من له ذلك كاحتمال التلف في مورد الملكية اللازمة . فندفع بالاصل أي

استصحاب البقاء بناء على جريانه في الامر الاستقبالي .

وبذلك يظهر أن ما استدل به سيد العروة لعدم الكفاية بأنه لا تصدق

الاستطاعة ، لان الملكية في معرض الزوال . غير تام .

وإن شئت قلت : إن الاستطاعة الواقعية ثبوتا تدور مدار بقاء الملكية كما هو

كذلك في مورد الملك اللازم ، فكما أن هناك لو تلف الملك يستكشف عدم الاستطاعة

من الاول كذلك في المقام لو فسخ ينكشف عدم الاستطاعة ، ولو لم يفسخ يظهر

وجودها واقعا ، وأما في مقام الاثبات ففي كلا المقامين المثبت لها ظاهرا ببقاء الملك

وعدم الرافع من التلف أو الفسخ هو الاصل .

المقام الثاني : فيما يزول تزلزله بالتصرف ، فعلى القول بوجوب الحج في المقام

الاول فالحكم في هذا المقام ظاهر ، وأما على القول الآخر فقد يقال : إنه يمكن

القول بوجوب الحج في هذا المقام بأن يقال : إن له التصرف في الموهوب له فتلزم

الهبة ، كما في العروة .

لكن يرد عليه : أن التزلزل إن كان مانعا عن صدق الاستطاعة فرفع ذلك

بالتصرف الموجب الملزوم تحصيل للاستطاعة وهو لا يكون واجبا قطعا .

والحق ما عرفت من عدم مانعية التزلزل من صدق الاستطاعة ، فإن وجود

الزاد والراحلة محرز بالوجدان ، وبقاؤهما يحرز بالاصل وبضم الوجدان الى الاصل

يحرز الموضوع .

 

 

[ . . . ]

 

اعتبار مؤونة العيال في الاستطاعة

 

مسألة 17 : المشهور بين الاصحاب أنه يعتبر في الاستطاعة - مضافا الى مؤونة

الذهاب والاياب - وجود مايمون به عياله حتى يرجع ، ومع عدمه لا يكون

مستطيعا ، بل في الجواهر : بلا خلاف أجده ، بل ربما ظهر من بعضهم الاجماع

عليه . انتهى .

وفي المنتهى : ولا نعرف في ذلك خلافا .

وفي الحدائق : الحكم اتفاقي لا خلاف فيه .

وفي المستند : بالاجماع المحقق والمحكي . انتهى .

و البحث في موردين : الاول : في الدليل على اعتبار ذلك . الثاني : في أنه هل

يختص بواجبي النفقة أم لا ؟

أما المورد الاول ، فقد استدل له بوجوه :

أحدها : الاجماع ، وقد مر ما في هذه الاجماعات .

الثاني : ما في المنتهى قال : لان نفقتهم واجبة عليه وهي حق الآدمي فيكون

مقدما على الحج ، لان حق الآدمي سابق . انتهى .

أقول : إن كان نظره الشريف الى أن النفقة حق الناس والحج حق الله ،

وعند التزاحم يقدم الاول ، فقد تقدم في المسألة 14 أن ذلك وإن اشتهر إلا أنه

لا أصل له .

وإن كان مراده أن وجوب النفقة سابق على وجوب الحج فيكون مقدما ، كما

استند الى ذلك في الجواهر . فيرد عليه أن سبق الوجود لا يكون من مرجحات باب

التزاحم كما حقق في محله .

الثالث : أن حفظ نفس العيال متوقف على الانفاق ، ولا ريب في أنه مقدم

 

 

[ . . . ]

على الحج .

وفيه : أن هذا أخص من المدعى فإن المدعى والمقصود إثبات اعتبار نفقة

العيال في صدق الاستطاعة وتحققها مطلقا سواء لزم من ترك الانفاق تلف نفوسهم أم

لا .

الرابع : أدلة نفي العسر والحرج ، فإن إبقاء العيال بلا مؤونة في زمان غيبته

والسفر الى الحج عسر وحرجي لكل أحد بلا كلام .

لا يقال : إن الحج ليس حرجيا وعسرا ، بل الملازم له كذلك ، وأدلة نفي

العسر والحرج تختص بما اذا كان متعلق التكليف عسرا وحرجيا .

فإنه يقال : قد مر في بعض المسائل المتقدمة أن المنفي بها ليس خصوص

موضوعات الاحكام لتكون من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، بل المنفي

أعم من ذلك ، ومن كل حكم أوجب الحرج ، وفي المقام الحج وإن لم يكن حرجيا

إلا أن وجوبه موجب للوقوع فيه فيكون منفيا .

الخامس : جملة من الاخبار ، منها : خبر أبي الربيع الشامي - الذي رواه

المشايخ الثلاثة الآتي بتمامه في مسألة الرجوع الى الكفاية الآتية - في تفسير الآية

الشريفة آية الحج ، فقال : السعة في المال اذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا لقوت

عياله ( 1 ) .

ومنها : مرسلة الطبرسي الآتية ، قال في تفسير الآية : المروي عن أئمتنا

عليهم السلام أنه الزاد والراحلة ونفقة من تلزمه نفقته ( 2 ) .

ومنها : خبر الاعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرائع

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 .

 

 

[ . . . ]

الدين ، قال : وحج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا وهو الزاد والراحلة

مع صحة البدن وأن يكون للانسان ما يخلفه على عياله . الخبر ( 1 ) .

ومنها : غير ذلك مما سيمر عليك في المسألة الآتية ، فالحكم كما أفادوه خال

عن الاشكال .

وأما المورد الثاني فمقتضى إطلاق بعض الاخبار عدم الاختصاص بواجبي

النفقة شرعا ، بل ولا بواجبي النفقة عرفا ، فإن قوله : ويبقي بعضا لقوت

عياله . مطلق شامل لكل من يعد من العيال ولو كان أجنبيا تكفل الانفاق عليه .

فإن قيل : إن يقيد إطلاق ذلك بما في المرسل في المجمع .

قلنا : - مضافا الى ضعف سنده - أنه لا يحمل المطلق على المقيد في المتوافقين ،

إذ لا تنافي بينهما كما أن مقتضى أدلة نفي العسر والحرج ذلك كما لا يخفى .

فما في المنتهى المشترط في الفاضل أن يكون نفقة عياله الذين يجب عليه

نفقتهم ، أما من يستحب له فلا ، لان الحج فرض فلا يسقط بالنقل . انتهى ،

غير تام على ما اخترناه وجها لهذا الحكم ، وأما على ما استدل هو - قده - فتام ،

راجع الوجه الثاني .

والظاهر أن ما عن الدروس والمدارك أيضا من دعوى الاختصاص بواجبي

النفقة إنما يكون لذلك .

 

اشتراط الرجوع الى الكفاية

 

مسالة 18 : اختلف علماؤنا في الرجوع الى كفاية ، فعن المفيد وابن البراج

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .

 

 

[ . . . ]

وأبي الصلاح والشيخ وابني زهرة وحمزة وسعيد وظاهر الصدوق : أنه شرط في وجوب

الحج .

وفي المستند : الحق : اشتراط الرجوع الى ضيعة أو بضاعة أو عقار أو نحوها

مما يكون فيه الكفاية عادة بحيث لا يحوجه صرف المال في الحج الى السؤال بعد العود

وفاقا للشيخين والحلي والقاضي وأبني زهرة وحمزة وسعيد ، وهو ظاهر الصدوق ايضا .

وفي المسالك : إنه مذهب أكثر المتقدمين .

وفي الروضة : إنه المشهور فيهم .

وفي المختلف ذلك نقله السيد عن الاكثر .

وعن الخلاف والغنية إجماع الامامية عليه . انتهى .

وعن غير واحد أنه لا يشترط ففي المنتهى : وقال السيد المرتضى : إنه ليس

شرطا . وبه قال ابن إدريس وابن أبي عقيل وأكثر الجمهور ، وهو الاقوى . انتهى .

وفي التذكرة : وقال أكثر علمائنا : لا يشترط الرجوع الى كفاية . وهو قول

الشافعي وهو المعتمد .

وعن المعتبر الرجوع الى الكفاية ليس شرطا ، وبه قال أكثر الاصحاب .

وفي الجواهر : وقيل والقائل المرتضى وابن إدريس وابنا أبي عقيل والجنيد

والمتأخرون : لا يشترط ، بل نسبه غير واحد الى الاكثر ، بل الشهرة ، ومع هذا

الاختلاف وذهاب جمع من الاساطين الى عدم الاشتراط لا وجه لدعوى الاجماع

عليه .

وكيف كان فقد استدل لعدم الاشتراط بصدق الاستطاعة بدونه فمقتضى

إطلاق الادلة عدم اعتباره .

وقداستدل لاشتراطه بوجوه :

أحدها : الاجماع ، وقد مر ما فيه .

 

 

[ . . . ]

ثانيها : الاصل وهو أصالة البراءة عن وجوب الحج مع عدم وجوده .

وفيه : أنه لا يرجع اليه مع إطلاق الادلة .

ثالثها : لزوم الحرج والمشقة لو حج بما عنده مع عدم وجوده فمقتضى أدلة نفي

العسر والحرج سقوط وجوب الحج ، فكما أن مقتضاها استثناء المستثنيات - كما

مر - واعتبار مؤونة العيال كذلك مقتضاها اعتبار الرجوع الى الكفاية .

وما في التذكرة من أن المشقة ممنوعة ، لان الله هو الرزاق . مغالطة ، فإن

رازقيته تعالى لا تنافي الوقوع في الحرج والمشقة لو صرف ما عنده .

رابعها : جملة من النصوص :

منها : خبر أبي الربيع الشامي الذي رواه المشايخ الثلاثة مسندا ، سئل أبو

عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل ( ولله على الناس حج البيت من

استطاع اليه سبيلا ) فقال عليه السلام : ما يقول الناس ؟ قال ، فقلت له : الزاد

والراحلة . فقال ابو عبد الله عليه السلام : قد سئل ابو جعفر عليه السلام عن هذا

فقال : هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني

به عن الناس ينطلق اليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا فقيل له : فما السبيل ؟

قال ، فقال عليه السلام : السعة في المال اذا كان يحج ببعض ، ويبقي بعضا

لقوت عياله . الحديث ( 1 ) .

ورواه المفيد - ره - في محكي المقنعة وزاد فيها في روايته عنه بعد قوله : ويستغني

به عن الناس : يجب عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه ، لقد هلك

الناس إذا ، ثم ذكر تمام الحديث وقال فيه : يقوت به نفسه وعياله .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1

 

 

[ . . . ]

وأورد عليه بإيرادات :

الاول : أنه ظاهر في مؤونة العيال حال السفر .

أقول : إن النسخة الثانية ظاهرة لو لم تكن صريحة في اعتبار مؤونة العيال

والروجوع الى الكفاية ، فإن قوله فيها : ثم يرجع فيسأل الناس بكفة . يدل على

ذلك ، وكذا قوله : ويبقى البعض يقوت به نفسه وعياله . ظاهر في وقت

الرجوع ، وإلا فكيف يقوت نفسه بذلك البعض الباقي مع أنه خرج الى الحج .

وأما النسخة الاولى ففيها احتمالان :

أحدهما : ان يكون المرد إبقاء مقدار من المال لقوت عياله حتى بعد رجوعه

من الحج ، فالمقصود هو ما يقوت به نفسه وعياله ، وعلى هذا الاحتمال يدل على

اعتبار الرجوع الى الكفاية .

ثانيهما : أن يكون المراد إبقاء قوت عياله في مدة غيبته وعليه ، فيدل على

اعتبار مؤونة العيال ، ولهذا قيل : إن الخبر بناء على ما رواه المشايخ الثلاثة محمل .

ودعوى : أن قوله عليه السلام : السعة في المال . يعين الاحتمال الاول . فيها : أنه

فسرت السعة في الخبر نفسه بقوله : إذا كان يحج الى آخره .

ولكن يمكن أن يرجح الاحتمال الاول ، بل يقال : إنه الظاهر من الخبر بقرينة

قول أبي جعفر عليه السلام : من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني

به عن الناس . الخ ، فإنه يشهد بأن مورد الكلام ما لو كان له ما يستغني به عن الناس

وهو عبارة اخرى عن وجود ما به الكفاية بقول مطلق لا خصوص أيام السفر ، ويكون

بحيث لو حج ببعض ما عنده يسلب ذلك عنهم ، ويلزم منه عدم الرجوع الى الكفاية ،

فقال ، عليه السلام في هذا المورد : لا يجب الحج ، وإنما يجب إذا كان له ما يبقي لقوت

عياله . وهو الرجوع الى الكفاية ، فتأمل حتى لا تبادر بالاشكال .

مع أنه لو سلم إجمال هذه النسخة فالنسخة الثانية المبينة يعتمد عليها بلا

 

 

[ . . . ]

معارض ، بل لو فرضنا ظهورها في اعتبار مؤونة العيال يمكن القول بتقديم النسخة

الثانية كانت هي رواية اخرى أم كانتا معا رواية واحدة .

أماعلى الاول : فلان ما رواه المشايخ الثلاثة حينئذ مطلق ، ولا يدل على عدم

اعتبار الرجوع الى الكفاية ، وما رواه المفيد مقيد ودال على اعتباره فيحمل المطلق على

المقيد .

وأما على الثاني ، فلما حقق في محله من الاصول من أنه اذا نقل الخبر بنحوين

وكان في أحدهما زيادة يبني على صدور الزيادة ويرجح احتمال النقيصة على احتمال

الزيادة ، وحيث إن خبر المفيد مشتمل على زيادة بها صار ظاهرا في اعتبار الرجوع

الى الكفاية يكون هو المعتمد .

الايراد الثاني - وهو ما عن المدارك والذخيرة - وهو : أن أقصى ما يستفاد منه

اعتبار بقاء شئ بعد الحج والرجوع ، وهو لا يدل على كونه بقدر الكفاية على الوجه

المتنازع فيه ، فيحتمل أن يكون المراد به قوت السنة له ولعياله إذ ذلك كاف في عدم

السؤال ، إذ به يحصل الغنى الشرعي .

وأجاب عنه في المستند بقوله : ويدل على المطلوب أيضا ما مر من الاجمال في

العمومات والمطلقات الموجب للرجوع . انتهى .

والظاهر أن مراده أنه إذا كان هذا الدليل مجملا فيسري إجماله الى العمومات

والمطلقات فلا بد فيها من الاخذ بالمتيقن وهو وجوب الحج مع الرجوع الى الكفاية ،

وفي غير ذلك يرجع الى أصالة البراءة .

ويرد عليه ما حققناه في محله من أن المخصص المنفصل لا يسري إجماله الى

العام ، بل العام حجة في غير مورد حجية المخصص ، وهو المورد المتيقن دخوله تحت

المخصص ، فالاولى أن يقال : - مضافا الى ما ذكروه من أنه بعد اعتبار بقاء شئ بعد

الحج والرجوع يثبت المطلوب بالاجماع المركب - أن ظاهر قوله : يبقي بعضا يقوت

 

 

[ . . . ]

به نفسه وعياله . إرادة ما يستمر تحصيل القوت منه .

الايراد الثالث : أن سند هذا الحديث ضعيف بوجود أبي الربيع الشامي .

وفيه : - مضافا الى ماعن المولى الوحيد - ره - من أنه من الحسان عند خالي

- يعني المجلسي الثاني - ومضافا الى اعتماد الاصحاب عليه في المقام لاستدلالهم به ،

والى نقله المشايخ الثلاثة - أن في سنده ابن محبوب وهو من أصحاب الاجماع .

الرابع : ما ذكره بعض المعاصرين في خبر المفيد ، بقوله : مع أن منصرف الحديث

صورة العجز على نحو يؤدي الى الهلاك .

وفيه : أن قوله عليه السلام : لقد هلك الناس إذا . اريد به أنه إذا كان الحج

واجبا على مثل هذا الشخص كان أكثر الناس ممن يجب عليه الحج فقد هلكوا بتركهم

إياه ، فلا ربط له بما أفاده ، فلا إشكال في الخبر سندا ودلالة .

ومن الاخبار التي استدل بها لذلك : خبر الاعمش عن جعفر بن محمد عليهما

السلام في تفسير السبيل : هو الزاد والراحلة مع صحة البدن وأن يكون للاسنان

ما يخلفه على عياله وما يرجع اليه بعد حجه ( 1 ) .

والايراد عليه بإجمال ما يرجع اليه بعد حجه من حيث المدة وأنها سنة أو أقل

أو أكثر ومن حيث الكم ، وأنه قليل أو كثير . تقدم الجواب عنه .

ومنها : ما عن مجمع البيان في تفسير الآية الكريمة المروي عن أئمتنا ( ع ) أنه

الزاد والراحلة ونفقة من تلزم نفقته والرجوع الى كفاية إما من مال أو ضياع أو

حرفة . الحديث ( 2 ) .

ولكن يرد عليه : أن ظاهره بيان مضمون الاخبار بحسب فهم الناقل ، غير

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 .

 

 

[ . . . ]

الحجة علينا ، مع أنه وسابقه ضعيفان من حيث السند .

وقداستدل لاعتباره بطوائف اخر من النصوص :

منها : ما تضمن اعتبار اليسار كخبر عبد الرحيم القصير المتقدم عن الامام

الصادق عليه السلام قال : سأله حفص الاعور وأنا أسمع - عن قول الله تعالى : ( ولله

على الناس ) الى آخره ، قال عليه السلام : ذلك القوة في المال واليسار . الحديث ( 1 ) .

وقريب منه خبر عبد الرحمان بن الحجاج الذي رواه العياشي في تفسيره ،

وروى عنه حفص الاعور ( 2 ) .

وفيه أولا : أنها ضعيفة السند .

وثانيا : أن عنوان اليسار في المال والقوة فيه غير معلوم المراد ، ويمكن أن يكون

المراد به خصوص الزاد والراحلة ، أو هما مع مؤونة العيال .

ومنها : ما دل على أن الحاجة المجحفة مانعة عن وجوب الحج كصحيح المحاربي

عن الامام الصادق عليه السلام : من مات ولم يحج حجة الاسلام ولم يمنعه من ذلك

حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو

نصرانيا ( 3 ) .

وتقريب الاستدلال به : أنه يدل على أن الحاجة التي تجحف به مانعة عن

وجوب الحج ، ومعلوم أنه مع عدم وجود ما به الكفاية زائدا على نفقة الحج كان إجحافا

به .

وفيه : أن الاجحاف أيضا من العناوين المجملة وله مراتب ، فلعل المراد من عدم

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 9 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 13 .

( 3 ) الوسائل باب 7 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

الاجحاف كونه واجدا للزاد والراحلة ، أو ذلك بضميمة مؤونة عياله .

ومنها : ما دل على أن من مات وخلف ما لا قدر نفقة الحج ولم يترك زائدا عليه

شيئا لا يجب الحج على ورثته ، فيعلم من ذلك اعتبار شئ آخر في الوجوب غير نفقة

الاياب والذهاب ، وليس هو إلا الرجوع الى الكفاية ، لاحظ صحيح هارون بن حمزة

الغنوي في رجل مات ولم يحج حجة الاسلام ولم يترك إلا قدر نفقة الحج وله روثة ، قال

عليه السلام : هم أحق بميراثه إن شاؤوا أكلوا وإن شاؤوا حجوا عنه ( 1 ) . ومثله صحيح

معاوية بن عمار ( 2 ) .

وفيه : أن غاية ما يدلان عليه اعتبار شئ زائدا على قدر نفقة الحج ، وأما اعتبار

وجدانه لمقدار الرجوع الى الكفاية فلا يدلان عليه ، ويمكن أن يكون وجدانه لقدر

مؤونة العيال الى زمان العود كافيا ، فالمتحصل أن دليل هذا القيد هو خبر أبي الربيع

وأدلة نفي العسر والحرج .

وينبغي التنبيه على امور :

الاول : أنه بعد ما ثبت اعتبار الرجوع الى الكفاية هل المراد به ما يكفي لقوت

سنة نفسه وعياله ، أم يعتبر كفايته لقوت نفسه وعياله ما دام العمر ؟ المشهور بين

الاصحاب هو الثاني ، بل لم أجد فيه خلافا ، وقد تقدم أن من ما اورد على خبر أبي

الربيع أنه لا يدل على اعتبار وجود ما يكفي له مادام العمر ، واجيب عنه بالاجماع

المركب ، وقد مر هناك أن ظاهر قوله عليه السلام في الخبر : ويبقي بعضا يقوت به نفسه

وعياله . إرادة ما يستمر به تحصيل القوت ، وعليه فالاظهر ما هو المشهور ، بل على

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 14 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 25 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .

 

 

[ . . . ]

الوجه الآخر وهو دليل نفي العسر والحرج أيضا كذلك ، لعدم الوجه للاختصاص

بالسنة .

 

لو تلف بعد الحج ما به الكفاية

 

الثاني : أنه لو تلف ضياعه ، أو انتفى قدرته على التكسب فهل يكشف ذلك

عن عدم وجوب الحج عليه أم لا ؟ وجهان .

فعن المدارك فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لم يؤثر في السقوط

وإلا لوجب إعادة الحج مع تلف المال في الرجوع أو حصول المرض الذي يشق السفر

معه وهو معلوم البطلان . انتهى ونحوه ما عن الذخيرة .

وفي الجواهر - بعد نقل ذلك عنه - قلت : قد يمنع معلومية بطلانه بناء على

اعتبار الاستطاعة ذهابا وإيابا في الوجوب . انتهى .

وقد ذكر بعض الاعاظم في وجه عدم الاجزاء وأن ما فعله لم يكن حجة

الاسلام : بأنه إذا كان ما يحتاج اليه في الاياب - وفي حكمه ما به الكفاية - دخيلا في

حصول الاستطاعة يكون فقده موجبا لانتفائها من أول الامر ، فالاجزاء لابد وأن

يكون من قبيل إجزاء غير الواجب عن الواجب ، وهو يتوقف على دليل يوجب

الخروج عن القواعد سيما وأن المكلف إنما نوى حجة الاسلام ، فإذا لم يصح لم يصح

غيره لانه لم ينوه .

أقول : الاظهر عدم كشفه عن عدم وجوب الحج عليه ، وأن ما فعله مجز عن

حجة الاسلام ، وذلك لان مدرك اعتبار وجوده إن كان دليل نفي العسر والحرج ،

فحيث إنه وارد في مقام الامتنان فيكون مختصا بما كان في رفعه منه ، ورفع وجوب الحج

في المقام خلاف الامتنان ، فلا يشمله هذه القاعدة .

 

 

[ . . . ]

وإن كان مدركه الاخبار ، فالشرط الذي يدل عليه الاخبار هو إبقاء ما به

الكفاية والمفروض في المقام ذلك ، وأما بقاؤه فليس شرطا .

ويؤيد ما ذكرناه خلو النصوص عن التعرض لتلف ما به الكفاية مع كثرة

الطواري الحادثة في كل سنة من مرض وتلف مال ونحو ذلك على جماعة من الحجاج .

وربما يستدل للاجزاء في المقام بما ورد من أنه من مات بعد الاحرام ودخول

الحرم أجزأه عن حجة الاسلام كصحيح ضريس عن إمامنا الباقر عليه السلام في

رجل تخرج حاجا حجة الاسلام في الطريق ، فقال عليه السلام : إن مات في الحرم فقد

اجزأت عن حجة الاسلام . الحديث ( 1 ) ، ونحوه غيره .

وتقريب الاستدلال بها : أنها تدل على الاجزاء مع زوال الاستطاعة البدنية

والمالية معا ، و الاول واضح وأما الثاني ، فلانتقال أمواله الى الورثة ، فإذا فرض الاجزاء

مع انتفائهما معا ، فالاجزاء مع انتفاء أحدهما أولى .

وفيه : أن انتفاء الاستطاعة المالية في مورد الاخبار إنما هو من جهة عدم

أحتياج الحاج الى مؤونة العود وما به الكفاية ، ومن المعلوم اشتراطها إنما هو لمن يحتاج

اليها وهو الحي ، وعليه فالتعدي عن مورد الاخبار - وهو انتفاء الاستطاعة البدنية -

الى ما هو محل الكلام قياس مع الفارق ، مع أن التعدي عن مورد الاخبار الى المقام

مع عدم معلومية مناط الحكم واحتمال الاختصاص بالاموات لا يكون خارجا عن

القياس .

الثالث : أن من يمضي أمره بالوجوه اللائقة به كطلبة العلم اذا حصل لهم

مقدار مؤونة الذهاب والاياب ومؤونة عيالهم الى حال الرجوع ، والفقير الذي شغله

أخذ الوجوه ولا يقدر على التكسب إن لم يكن له ما به الكفاية هل يجب عليهم الحج ،

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 26 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1

 

 

[ . . . ]

أم لا ، أم فرق بين الفرضين ؟

أقول : إن مدرك اعتبار هذا الشرط إن كان دليل نفي العسر والحرج لا يعتبر

وجود ما به الكفاية في وجوب الحج على الطائفتين ومن ماثلهم ، لعدم لزوم العسر

والحرج من وجوب الحج عليهم ، كما هو واضح .

وإن كان هو النص فمقتضى إطلاقه هو لزوم وجود ما به الكفاية بالنسبة اليهم

أيضا ، ولا يبعد الفرق بين من ينطبق عليه الوجوه اللائقة ويعطى ، وبين الفقير بأن

يقال : ظاهر النص أن هذا الشرط إنما يعتبر لئلا يسأل الناس بكفه ، فالفرق بين

الطائفتين ظاهر ، والله العالم .

 

اخذ الوالد من مال الولد للحج

 

مسالة 19 : اختلف الاصحاب فيما لو لم يكن الرجل مستطيعا وكان له ولد ذو

مال ، فعن الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف والقاضي في المهذب ، وظاهر المفيد أنه

يجب عليه أن يأخذ من مال ولده ويحج ويجب على الولد البذل ، بل عن ظاهر الخلاف

عدم الخلاف فيه .

والاشهر بل المشهور كما في الجواهر أنه لا يجوز له أن يأخذ من ابنه ولا يجب

على الابن أن يبذل له .

مقتضى القاعدة الاولية - أي قاعدة السلطنة - والتوقيع الشريف : فلا يحل

لاحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه ( 1 ) . عدم الجواز ، ولكن في المقام طائفتين اخريين

من الاخبارهما منشأ هذا الاختلاف .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 3 من أبواب الانفال وما يختص بالامام ( ع ) من كتاب الخمس حديث 6

 

 

[ . . . ]

إحداهما تدل على المنع كحسن الحسين بن أبي العلاء قال ، قلت لابي عبد الله

عليه السلام : ما يحل للرجل من مال ولده ؟ قال : قوته بغير سرف إذا اضطر اليه ، قال ،

قلت له : فقول رسول الله ( ص ) للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال : أنت ومالك

لابيك ؟ فقال عليه السلام : إنما جاء بأبيه الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

يا رسول الله هذا أبي وقد ظلمني ميراثي من امي فأخبره الاب أنه قد أنفقه عليه وعلى

نفسه ، وقال : أنت ومالك لابيك ولم يكن عند الرجل شئ ، أو كان رسول الله صلى

الله عليه وآله وسلم يحبس الاب للابن ( 1 ) .

وخبر أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام : أن رسول الله صلى الله عليه

وآله وسلم قال لرجل : أنت ومالك لابيك . ثم قال أبو جعفر عليه السلام : ما احب أن

يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج اليه مما لابد منه ، إن الله لا يحب الفساد ( 2 ) .

وخبر علي بن جعفر عن أبي إبرهيم عليه السلام قال : سالته عن الرجل يأكل

من مال ولده ، قال عليه السلام : لا إلا أن يضطر اليه فيأكل منه بالمعروف ولا يصلح

للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذن والده ( 3 ) . ونحوها غيرها .

الطائفة الثانية : تدل على الجواز ، وهي أيضا طائفتان :

إحداهما : تدل على جواز تصرف الاب في مال الابن مطلقا كصحيح محمد بن

مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه ، قال

عليه السلام يأكل منه ماشاء من غير سرف ، وقال في كتاب علي عليه السلام : أن

الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ماشاء ، وله أن

يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 78 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة حديث 8 .

( 2 ) الوسائل باب 78 من أبواب ما يكتسب به حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 78 من أبواب ما يكتسب به حديث 6 .

 

 

[ . . . ]

وآله وسلم قال لرجل : أنت ومالك لابيك ( 1 ) ونحوه غيره .

ثانيتهما : ما يدل على الجواز في خصوص الحج بل الوجوب ، وهو صحيح سعيد

ابن يسار ، سئل الصادق عليه السلام : الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير ، قال عليه

السلام : نعم يحج منه حجة الاسلام ، قلت : وينفق منه . قال عليه السلام : نعم . ثم

قال : مال الولد لوالده . إن رجلا اختصم هو ووالده الى رسول الله ( ص ) فقضى إن

المال والولد للوالد ( 2 ) .

قوله : نعم يحج منه حجة الاسلام جملة خبرية وهي أدل على الوجوب من

الامر ، والورود في مقام توهم الحظر وإن كان في غير المقام يوجب حمل ما هو ظاهر في

نفسه في الوجوب على الجواز ، ولكن في خصوص المقام - بقرينة حجة الاسلام - يبقى

على ظاهره من الوجوب كما لا يخفى .

وأما الجمع بين النصوص فالكلام فيه في موضعين :

الاول : في الجمع بين ما دل على المنع وما دل على جواز التصرف مطلقا .

الثاني : في الجمع بين دليل المنع وخصوص صحيح سعيد .

أما الموضع الاول فالكلام فيه محرر مستوفى في كتاب البيع من هذا الشرح في

مبحث الولاية .

وأما الموضع الثاني ، فقد يقال : إن الصحيح لا يعارضه الاخبار الدالة على عدم

جواز تصرف الوالد في مال الولد ، فإن تلك الاخبار مطلقة قابلة للتقييد بهذا الصحيح ،

ولا وجه في مقام الجمع لحمله على محامل بعيدة . ثم قال : والعمدة إعراض الاصحاب

عنه وهو موهون به .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 78 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة حديث 1 .

( 2 ) نفس المصدر - حديث 4 ، باب 36 من أبواب

 وجوب الحج وشرائطه من كتاب الحج من الوسائل

 

 

[ . . . ]

أقول : أما ما أفاده من عدم المعارضة فيرد عليه : أن ظاهر الصحيح أن جواز

الحج بمال الابن والانفاق منه إنما هو لاجل ما ورد في الخصومة بين الوالد وولده من

قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن المال والولد لوالده . وعليه فيعارضه حسن

حسين بن أبي العلاء المتقدم الوارد فيها ، فلا بد من الرجوع الى المرجحات والشهرة

الفتوائية التي هي أول المرجحات توجب تقديم دليل المنع ، ومع الاغماض عنها فدليل

المنع موافق لعموم المنع عن التصرف في مال الغير بغير إذنه ، فيقدم لذلك ، وعليه

ففرار عن طرح الصحيح التزم الاصحاب بالحمل على محامل بعيدة ، كالحمل على

الاقتراض من ماله مع استطاعته من مال نفسه ، أو على ما اذا كان فقيرا وكانت نفقته

على ولده ولم يكن نفقة السفر الى الحج أزيد من نفقته في الحضر ، فلا يكون الحمل

على هذه المحامل في مقام الجمع كي يرد عليهم ما ذكر ، كيف وهم أهل اللسان وأعرف

بهذه القواعد من غيرهم ، ولا يحتمل في حقهم عدم التوجه الى أن الجمع بين المطلق

والمقيد إنما يكون بحمل المطلق على المقيد لا بالحمل على أمثال هذه المحامل ، وبما

ذكرناه ظهر ما في دعوى إعراض الاصحاب عن الصحيح .

فتحصل أنه لا يجوز أخذ الوالد من مال الولد للحج ، ولا يجب على الولد البذل .

 

الاستطاعة البذلية

 

مسالة 20 : المشهور بين الاصحاب أنه لو لم يكن له زاد وراحلة ولا مؤونة عياله

فبذل له باذل الزاد والراحلة ومؤونة عياله مدة غيبته وجب عليه الحج .

وفي التذكرة : وجب عليه الحج عند علمائنا .

وفي المنتهى : ذهب اليه علماؤنا .

وفي المستند : إجماعا محققا ومحكيا عن صريح الخلاف والغنية .

وفي الجواهر : إجماعا محكيا في الخلاف والغنية ، وظاهر التذكرة والمنتهى وغيرهما

إن لم يكن محصلا .

 

 

[ . . . ]

أقول : أصل الحكم في الجملة لا إشكال فيه ، ويشهد به : صحيح محمد بن مسلم

المروي في كتاب التوحيد ، سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل :

( ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ) قال : يكون له ما يحج به ،

قلت : فمن عرض عليه الحج فاستحيى . قال عليه السلام : هو ممن يستطيع الحج ( 1 ) .

أما ما في المستند والجواهر من دعوى دلالة النصوص المستفيضة على ذلك ،

بل في الجواهر : أو المتواترة . فغير تام ، فإن جملة من تلك النصوص بل عمدتها -

كصحيح الحلبي أو حسنه عن الصادق عليه السلام قال : قلت له : فإن عرض عليه

ما يحج به فاستحيى من ذلك أهو ممن يستطيع اليه سبيلا ؟ قال : نعم ماشأنه يستحيى

ولو يحج على حمار أجدع أبتر ، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا

فليحج ( 2 ) .

وصحيح هشام بن سالم عن ابي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام

يقول : من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبي فهو مستطيع

للحج ( 3 ) .

ونحوهما أخبار اسامة بن زيد ، وأبي بصير ، ومعاوية بن عمار ( 4 ) . وغيرهم ، وقد

تقدمت في مسألة اعتبار الراحلة لغير المحتاج اليها ، ومسألة ملاحظة الشرف فيها -

قد مر أنه من جهة معارضتها مع غيرها من النصوص المقدمة عليها لا يعمل بها ،

وبعضها كصحيح معاوية بن عمار ، قلت لابي عبد الله عليه السلام : رجل لم يكن له

……………………………………………

( 1 ) ذكر صدره في الوسائل باب 8 من أبواب وجوب الحج

وشرائطه حديث 1 ، وذيله في الباب 10 منها حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 .

( 3 ) الوسائل باب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 7 .

( 4 ) الوسائل باب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 10 - 9 - 3

 

 

[ . . . ]

مال فحج به رجل من إخوانه هل يجزيه . ذلك عن حجة الاسلام أم هي ناقصة ؟ قال

عليه السلام : بل هي حجة تامة ( 1 ) . أجنبي عن المقام ، فإنه يدل على الاجزاء عن حجة

الاسلام ، وهو أعم من الوجوب .

ويحتمل انطباق مفاده على ما يدل عليه جملة من النصوص من أن من حج نيابة

عن غيره يجزيه عن حجة الاسلام . وستأتي ، وبعضها ضعيف السند ، فلا يصح

الاستدلال بشئ منها .

ومثله في الاشكال ، الاستدلال بالآية الشريفة بدعوى : صدق الاستطاعة

بالبذل ، فإنه قد فسرت الاستطاعة بما إذا ملك الزاد والراحلة وكان له مؤونة عياله في

مدة غيبته ، والرجوع الى الكفاية ، كما تقدم .

وأضعف منهما : الاستدلال بالاجماع ، لعدم كونه تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم

عليه السلام ، فالعمدة إذا في الحكم المذكور صحيح محمد بن مسلم .

وتمام الكلام في هذه المسألة إنما هو بالبحث في امور :

1 - أن مقتضى إطلاق النص عدم الفرق في عرض الحج بين التمليك

والاباحة ، ولا بين أن يبذل عين الزاد والراحلة أو ثمنهما ، ولا بين أن يكون البذل واجبا

عليه بنذر أو يمين أو نحوهما ، أم لا ، ولا بين كون الباذل موثوقا به أم لا ، لصدق ما اخذ

مضوعا له - وهو عرض الحج - على الجميع ، وفي المقام أقوال اخر .

 

التفاصيل المذكورة وضعفها

 

أحدها : ما عن ابن ادريس ، وهو الاختصاص بصورة التمليك .

وأورد عليه المصنف - ره - في محكي المختلف بأن كلمات الاصحاب خالية عنه ،

وكذا الروايات .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

أقول : بل هو مخالف لصريح النص ، فإنه على ما أفاده لا يجب الحج بمجرد

البذل ، لانه لا يجب القبول الموجب لحصول الملك لكونه اكتسابا ، ومع عدم القبول

لا ملكية فلا يجب الحج ، وهو خلاف صريح النص .

اللهم إلا أن يقال : إن مراد الحلي - قده - ليس اعتبار فعلية التمليك ، بل مراده

كون الباذل في مقام التمليك ، وهذا المعنى لا يتوقف على القبول ، فبالبذل يجب الحج

لتحقق شرطه ، فإذا وجب الحج وجب القبول ، لكونه حينئذ من قبيل شرط الواجب

لا الوجوب ، ولهذا يختلف البذل مع الهبة فيجب القبول مع الثانية دون الاول ، وعليه

فلا يرد عليه ما ذكرناه ولا ما أورده المصنف - ره - في المختلف - بقوله بعد ما نقلناه

عنه آنفا ، بل لو وهب المال لم يجب عليه القبول ، فالصحيح في الايراد عليه أن يقال :

إنه خلاف إطلاق النص .

ثانيها : ما عن المسالك وهو الاختصاص بما اذا بذل عين الزاد والراحلة ، فلو

بذل ثمنهما لم يجب .

واستدل له بأن ذلك يتوقف على القبول وهو شرط للواجب المشروط فلا يجب

تحصيله .

وفيه أولا : النقض ببذل عين الزاد والراحلة ، فإنه يجري فيه هذا التعليل .

وثانيا : أن المشار اليه بقوله : ذلك . إن كان وجوب الحج ، أو إباحة التصرف

فالتوقف ممنوع ، فإنه يجوز التصرف وإن سكت ، وإن كان هو الملكية واللزوم فكونهما

شرطا ممنوع .

وثالثا : أن قوله : فلا يجب تحصيله . إن اريد به أنه لا يجب على القاعدة . فيرد

عليه : أنه لا بد من الخروج عن القاعدة بانص ، وإن اريد به أنه لا يجب إجماعا فهو

كما ترى .

ثم إن بعض الاعاظم نسب ذلك الى التذكرة أيضا ، والظاهر أنه اشتباه ، فإن

 

 

[ . . . ]

المصنف فيها فرق بين بذل الزاد والراحلة ، وبين ما اذا بذل له مال يتمكن به من الحج ،

وسيأتي الكلام في الفرع الثاني .

ثالثها : ما عن جامع المقاصد وفي التذكرة ، وهو الاختصاص بما إذا وجب

البذل .

فعن جامع المقاصد : أما البذل لمجموعها أو بعضها وبيده الباقي ففي وجوب

الحج بمجرده قولان أصحهما : أنه ان كان على وجه لازم كالنذر وجب وإلا لم يجب .

وفي التذكرة : هل يجب على الباذل الشئ المبذول أم لا ؟ فان قلنا بالوجوب

أمكن وجوب الحج - الى أن قال - وإن قلنا بعدم الوجوب ففي إيجاب الحج إشكال ،

أقربه العدم .

واستدل له في التذكرة ، بقوله : لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب .

وفيه : مع أنه اجتهاد في مقابل النص ، أن غاية ذلك عدم استقرار الوجوب

ولا بأس به .

رابعها : ما في الحدائق - نسبته الى جمع من الاصحاب ، وفي المستند نسبته الى

الدروس - وهو : الاختصاص بأحد الامرين من التمليك أو الوجوب .

ولكن في الحدائق : اشترط في الدروس التمليك أو الوثوق به ، ونقل عن جمع

من الاصحاب اشتراط التمليك أو الوجوب بنذر أو شبهه . انتهى ، وقد ذكر في وجه

ذلك ما تقدم ، وقد مر ما فيه .

 

اذا لم يكن الباذل موثوقا به

 

خامسها : ما ذكره جماعة كسيد المدارك وصاحبي الذخيرة والمفاتيح ، والفاضل النراقي ،

ونفي عنه البعد صاحب الحدائق ، وما اليه في الجواهر ، وهو : الاختصاص بما إذا كان

 

 

[ . . . ]

الباذل موثوقا به .

وجه عدم الاختصاص : ما تقدم من إطلاق النص .

واستدل للاختصاص بوجوه :

الاول : ما في المستند وهو انصراف النص الى صورة الوثوق فلا يشمل ما لو لم

يثق به .

واليه أشار في الجواهر قال : للشك في شمول أدلة الوجوب له إن لم تكن ظاهرة

في خلافه .

وفي الحدائق : والظاهر أن الاطلاق في الاخبار بالنسبة إلى هذا القيد الذي

ذكره إنما وقع بناء على ما هو المعروف المعهود يومئذ من وفاء الناس بذلك ، فلا يقاس

على مثل زماننا هذا .

وفيه : أم تمام الموضوع للوجوب في النص هو عرض الحج ، وهذا موضوع

واقعي لادخل للوثوق بالوفاء وعدمه فيه ، فلا وجه لدعوى الانصراف وشبهه .

ودعوى : عن عدم التقييد إنما يكون بلحاظ ذلك الزمان . غريبة ، لعدم كون

القضية شخصية بل قضية حقيقية متضمنة لجعل الحكم الى الابد .

الثاني : ما عن المدارك ، قال : لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم

الوثوق بالباذل من التعرض للخطر على النفس المستلزم للحرج العظيم والمشتقة

الزائدة ، فكان منفيا .

أقول : إذا كان السفر الى الحج مع عدم الوثوق مستلزما للخوف على النفس

كان السفر حراما فلا يكون مستطيعا واقعا ، لحرمة السفر ، وإلا فالسفر لا يكون حراما

، وعليه فإن كان الباذل يفي بما بذل واقعا ولا يرجع يكون مستطيعا واقعا ، وإلا فهو

غير مستطيع ، لان الموضوع هو البذل حدوثا وبقاء ، وأما في الظاهر وإن كان يحتمل

أن يرجع عما بذله إلا أنه كاحتمال تلف المال في الاستطاعة المالية ، فكما أن هناك

 

 

[ . . . ]

لا يعتنى بهذه الاحتمالات استنادا الى استصحاب بقاء المال وعدم التلف وغيره من

الاصول المحرزة للبقاء كذلك في الاستطاعة البذلية لا يعتنى باحتمال الرجوع لتلك

الاصول .

وبالجملة ، عدم الوثوق بالباذل واحتمال رجوعه عما بذله كعدم الوثوق ببقاء

المال ، فكما أنه لا يمنع عن وجوب الحج كذلك عدم الوثوق في المقام .

وبما ذكرناه يندفع الوجه الثالث الذي ذكره بعض الاعاظم ، وحاصله : أن

موضوع وجوب الحج هو البذل الفعلي حدوثا وبقاء لا حدوثا فقط ، ولذا لو رجع الباذل

عن بذله في الاثناء لا إشكال في عدم الوجوب ، وعليه فمع عدم الوثوق بالباذل والشك

في البقاء يشك في صدق الموضوع ، فلا يصح التمسك بالاطلاق ، لكونه من قبيل

التمسك بالعام في الشبهة المصداقية .

وجه الاندفاع : أن موضوع الوجوب الواقعي هو البذل الباقي بلا دخل لعلم

المكلف وجهله فيه ، وفي الظاهر يرجع الى الاصول المحرزة للبقاء كما في الاستطاعة

المالية .

الوجه الرابع : ما في المستند ، وهو عدم صدق الاستطاعة بدونه عرفا ولا لغة ،

فيتعارض ما ينفي الوجوب بدونها كمفهوم الآية وغيره مع الاطلاق بالعموم من وجه ،

ويرجع الى الاصل .

وفيه : - مضافا الى صدق الاستطاعة بضميمة الاصل المحرز - أن الاطلاق

لوروده في مقام تفسير الاستطاعة - لا حظ النص - يكون حاكما على ما ينفي الوجوب

بدونها ، فيقدم عليه وإن كانت النسبة عموما من وجه .

فتحصل مما ذكرناه أنه لا وجه للاختصاص بصورة الوثوق أيضا .

 

 

[ . . . ]

 

لو كان له بعض النفقة فبذل له البقية

 

2 - المشهور بين الاصحاب أنه لو كان له بعض النفقة فبذل له البقية وجب

الحج .

واستدل له بوجوه :

الاول : ما في التذكرة ، قال : لانه ببذل الجميع مع عدم تمكنه من شئ أصلا

يجب عليه ، فمع تمكنه من البعض يكون الوجوب أولى ، وتبعه في هذا الاستدلال

صاحب المدارك والجواهر .

وفيه : أن الاولوية تامة اذا كان متمكنا من البعض ولكن الباذل بذل له تمام

النفقة ، وأما مع بذله البعض المتمم فهي غير ظاهرة .

الثاني : أن ثبوت الحكم في الاستطاعة المالية والبذلية كاشف عن كون

الموضوع هو الجامع بينهما بلا دخل لشئ من الخصوصيتين فيه ، والجامع موجود في مورد

التبعيض .

وفيه : أن الظاهر من الدليل دخالة كل ما اخذ قيدا في الحكم وإلغاء

الخصوصيتين ، مع تضمن الدليل لهما يحتاج الى قرينة ودليل خاص مفقود في المقام .

الثالث : أن ظاهر النص كونه مبينا للاستطاعة حقيقة ، وأن المبذول له يصير

بالبذل مستطيعا ، وبه يصرف ما ظاهره اعتبار الملك في الاستطاعة ، ويحمل على ارادة

اعتبار القدرة المالية أعم من أن تكون بالملك أو البذل أو بهما .

وفيه : أن الجمع بين الدليلين يقتضي البناء على أن للاستطاعة فردين : ملكيا

وبذليا ، كما عليه بناء الاصحاب ، ولذا لم يفتوا بوجوب قبول الهبة ، ولو كان الموضوع

هو القدرة المالية كانت تلك متحققة بمجرد الهبة ، فيجب القبول لكونه حينئذ من قبيل

شرط الواجب .

 

 

[ . . . ]

الرابع : إطلاق دليل البذل ، فإنه يصدق ببذل التتمة كما يصدق ببذل الجميع .

وفيه أن الموضوع المأخوذ في الدليل عرض الحج وهو ظاهر في بذل الجميع .

فإذا لا دليل على ذلك ، ولكن الظاهر من كل من تعرض للمسألة التسالم على

ذلك ، راجع القواعد والتذكرة والمسالك وجامع المقاصد والمستند وغيرها .

ومما ذكرناه ظهر حكم ما لو بذل له نفقة الذهاب فقط ولم يكن عنده نفقة

العود ، فإنه لا ينبغي التوقف في عدم وجوب الحج ، لظهور عرض الحج في بذل ما يحتاج

اليه في الذهاب والاياب .

 

اشتراط مؤونة العيال في الاستطاعة البذلية

 

3 - ظاهر كلمات الاصحاب اعتبار بذل مؤونة العيال في الاستطاعة البذلية مدة غيبته ،

بل يظهر من عبارة الجواهر الاجماع على الاعتبار ، قال فيها : بل إن لم يقم الاجماع

على اعتبار بذل مؤونة العيال في الوجوب أمكن منعه في المعسر عنها . انتهى .

وتحقيق الكلام : أن من يبذل له مؤونة السفر تارة يكون له ما يمون به عياله ،

واخرى لا يكون له ذلك ، وعلى الثاني قد يتمكن من الانفاق على العيال مع ترك الحج ،

وقد لا يتمكن من ذلك ، وعلى الثاني إما أن يجب عليه نفقة من في عيلولته وإما لا تجب

عليه ، وعلى الثاني قد يكون ترك الانفاق حرجيا عليه - أي على المعيل - وقد لا يكون

كذلك .

فإن كان له ما يمون به عياله لا يعتبر بذل مؤونة العيال في وجوب حج ، لان

مقتضى إطلاق النص عدم اعتباره ، ولا دليل آخر على اعتباره ، وما دل على اعتبار

المؤونة إنما يدل على اعتبار وجودها المتحقق في الفرض ، مع أنه مختص بالاستطاعة

المالية .

 

 

[ . . . ]

وإن لم يكن له ذلك ولم يتمكن من نفقتهم على فرض ترك الحج فكذلك لما

تقدم من إطلاق النص وعدم ما يدل على اعتبارها في الاستطاعة البذلية إلا أن يقوم

إجماع على اعتبارها .

وإن لم يكن له ما يمون به عياله ولكن على فرض ترك الحج يتمكن من

الانفاق عليهم بالتكسب ونحوه ، فإن كان العيال واجبي النفقة فوجوب الانفاق

كسائر الاعذار الشرعية رافع للاستطاعة ، فإنه معجز مولوي .

وإن شئت قلت : إنه عند تزاحم الواجبين إن كان أحدهما مشروطا بالقدرة

الشرعية دون الاخر يقدم ما هو مشروط بها ، ففي المقام بما أن وجوب الانفاق غير

مشروط بها بخلاف الحج ، والفرض وقوع التزاحم بينهما فيقدم دليل وجوب الانفاق .

وإلى هذا المعنى يشير صحيح الحلبي المتقدم : اذا قدر الرجل على ما يحج به ثم

دفع ذلك وليس له شغل يعذره الله تعالى فيه فقد ترك فريضة من فرائض الاسلام .

فإنه ظاهر في أن العذر مطلقا رافع للفرض .

وإن لم يكن العيال واجبي النفقة ، وكان ترك نفقتهم حرجيا على المعيل سقط

وجوب الحج بدون بذل مؤونة العيال ، لان أدلة نفي العسر والحرج رافعة له .

ودعوى : أن الحج لا يكون حرجيا فكيف يرتفع وجوبه بدليل نفي الحرج .

يدفعها ما تقدم منا في هذا الكتاب مكررا من أن دليل نفي العسر والحرج ينفي كل

حكم كان متعلقه حرجيا أو كان مستلزما بذلك .

وإن لم يكن العيال واجبي النفقة ولم يكن ترك نفقتهم حرجيا على المعيل وإن

كان حرجيا على العيال لا دليل على اعتبارها في وجوبه كما تقدم ، إلا أن يقوم إجماع

على اعتبارها .

 

 

[ . . . ]

 

لا يمنع الدين في الاستطاعة البذلية

 

4 - هل الدين يمنع عن وجوب الحج في الاستطاعة البذلية أم لا ، أم يفرق بين ما إذا

كان الدين حالا وكان الديان مطالبين فلا يكون مانعا عنه ، وبين ما اذا لم يكن حالا

او لم يكن الديان مطالبين فلا يكون مانعا ؟ وجوه وأقوال ، مقتضى إطلاق كلمات

الاصحاب عدم كونه مانعا عنه مطلقا .

ففي الجواهر : ولا يمنع الدين الوجوب بالبذل وإن منعه في غيره . انتهى .

وفي المستند : ولا يمنع الدين وإن كان معجلا من وجوب الحج على تقدير البذل

والهبة . انتهى ، ونحو ذلك كلمات غيرهما ، لاحظ : المسالك وكشف اللثام والمدارك

وغيرها .

وقد استدل لعدم المنع في المدارك بإطلاق النص .

وأورد عليه بأن النص إنما يتعرض للمساواة بين البذل والملك ، ولا يصلح

للتعرض للشروط الاخر التي منها : تخلية السرب عقلية كانت أو شرعية ، بل كل منها

باق بحاله ، فإذا قلنا بعدم الوجوب لعدم تخلية السرب الشرعية لوجوب الحضر إذا

كان الدين حالا والدائن مطالبا وهو يتمكن من الاداء لو ترك الحج ، لم يكن ذلك

منافيا لاطلاق النص ، وعليه فالاظهر عدم الوجوب في هذا الفرض .

أقول : إنه اذا كان السفر حراما صح دعوى عدم تخلية السرب ولكنه في المقام

يتوقف على أمرين لم يثبت شئ منهما .

أحدهما : وجوب مقدمة الواجب شرعا ، كي يجب الحضر مقدمة لاداء الدين

الواجب .

ثانيهما : كون الامر بالشئ مقتضيا للنهي عن ضده ، كي يحرم السفر المضاد

للحضر ، وحيث إن المبنيين ممنوعان فلا يصح هذا الايراد .

 

 

[ . . . ]

والحق أن يقال : إن عمدة الوجه لتقديم الدين على الحج في الاستطاعة المالية

إنما هي تزاحم الواجبين وكون وجوب أداء الدين مطلقا ووجوب الحج مقيدا بالقدرة

والاستطاعة ، فيكون الاول بنفسه معجزا مولويا ورافعا لموضوع الثاني ، وهذا الوجه

جار في المقام أيضا فيما اذا كان الدين حالا والدائن مطالبا وهو يتمكن من الاداء لو

ترك الحج ولو تدريجا ، ولا يتمكن مع الحج منه فإنه يقع التزاحم بين وجوب أداء الدين

ووجوب الحج ، فيقدم الاول لما ذكر ، وأما في غير ذلك كما إذا كان الدين مؤجلا ، أو

الدائن راضيا بالتأخير وإن كان على فرض ترك الحج غير متمكن من الاداء أو إن

كان متمكنا منه لو حج أيضا فلا يكون الدين مانعا عن وجوب الحج في الاستطاعة

البذلية والاجماع على مانعيته غير ثابت ، وعلى فرض ثبوته ليس تعبديا .

 

لا يشترط الرجوع الى الكفاية فيها

 

5 - لا خلاف ظاهرا في عدم اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة البذلية .

وأورد بعض الاعاظم على من التزم باعتبار مؤونة العيال وعدم اعتبار الرجوع

الى الكفاية فيها بأن حكمهما واحد ، فكما أنه لم يرد دليل تعبدي بالنسبة الى الرجوع

الى الكفاية لم يرد دليل تعبدي بالنسبة الى اعتبار مؤونة العيال فيها .

والظاهر أن الفرق بينهما إنما هو من ناحية وجوب الانفاق الذي هو كسائر

الاعذار الشرعية مانع عن وجوب الحج ، راجع ما ذكرناه وهو غير متحقق في المقام .

وكيف كان ، فإن كان دليل اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة المالية

هو خبر أبي الربيع فقد يتوهم أن مقتضى إطلاقه اعتباره في الاستطاعة البذلية أيضا

بدعوى : أن دليل الاستطاعة البذلية متعرض للتساوي بين الملك والبذل ، ولانظر له

الى سائر الشرائط كالبلوغ والصحة وما شاكل .

 

 

[ . . . ]

ولكن يرد عليه : ان خبر أبي الربيع ظاهر فيما لو انفق في الحج من كفايته ،

لاحظ : قوله عليه السلام فيه : لئن كان من له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله

ويستغني به عن الناس يجب عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه . الحديث ،

فلا يشمل الاستطاعة البذلية ، فالمحكم فيها إطلاق النص .

وقد أجاب عن ذلك في المستند بوجه آخر ، قال : ومع ذلك يعارضها إطلاق

وجوب الحج بالبذل وهي أقوى وأكثر فيرجع الى عمومات وجوب الحج والاستطاعة

العرفية . انتهى .

ويرد عليه - قده - امور :

الاول : أنه على فرض شمول ذلك الدليل للمقام يكون حاكما على إطلاق

دليل وجوب الحج كحكومته على إطلاق دليل الحج بالاستطاعة المالية .

وان شئت قلت : إن نسبته حينئذ مع كل واحد منهما عموم من وجه ، ومعهما معا

عموم مطلق ، فحينئذ إما أن يقدم هو على الدليلين ، إؤ يقدمان عليه ، أو يقدم هو على

أحدهما ويقدم الآخر عليه ، وفي الاخير ترجيح بلا مرجح ، وفي الثاني طرح للدليل

رأسا ، فيتعين الاول فيقيد الاطلاق به ، فتأمل .

الثاني : إنه بعد ما فسرت الاستطاعة في النصوص وعلم أنه لم يرد منها القدرة

العقلية ، لاسبيل الى الرجوع اليها ، وإن اريد الرجوع اليها بما لها من التفسير فهو

يتوقف على صدق الاستطاعة المالية المفروض عدمه في المقام .

الثالث : أنه إن كان مبناه في تعارض العامين من وجه ، الرجوع الى أدلة

الترجيح والتخيير كما هو المختار عندنا ، فما معنى قوله : فيرجع الى عمومات وجوب

الحج ؟ لانه إن كان لاحدهما مرجح فهو يقدم وإلا يحكم بالتخيير .

وإن كان مبناه التساقط ، فما معنى قوله : وهي أقوى وأكثر ؟ إذ لا دخل

للاكثرية والاقوائية في هذا المقام .

 

 

[ . . . ]

هذا كله اذا كان مدرك اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة المالية هو

خبر أبي الربيع وأما إن كان مدركه دليل نفي العسر والحرج بالتقريب المتقدم ، فهو

في المقام وإن كان يقتضي اعتباره أيضا إلا أنه إنما يختص بما لو فرضنا أنه لو حج

وقع في الحرج ومع ترك الحج يظفر بمال تجارة أو غيره ، وإلا فلو فرض أنه لا يتفاوت

عدم وجدانه للكفاية بعد الحج بين قبوله البذل وعدمه كما هو الغالب فلا مورد

لتطبيقه .

فالمتحصل : أنه لايشترط الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة البذلية الموجبة

لوجوب الحج إلا في فرض التفاوت بأن يكون على فرض عدم الحج ظافرا بمال يكفيه

ولا يظفر به على تقدير الحج والظاهر أن إطلاق كلمات الاصحاب حيث أفتوا بعدم

اعتباره فيها منزل على الغالب ، والله العالم .

 

اذا وهبه ما يكفيه للحج

 

6 - لو وهبه ما يكفيه للحج فهل يجب عليه القبول أم لا ؟ فيه صور :

الاولى : أن يهبه لان يحج به .

الثانية : أن يهبه ويخيره بين أن يحج به أو يزور الحسين عليه السلام مثلا .

الثالثة : أن يهبه ويطلق . أي لم يقيده بأن يحج به ولو بنحو التخيير .

أما الصورة الاولى ، فعن ظاهر كلام جماعة من الاصحاب عدم وجوب القبول .

وفي الحدائق : بل الظاهر أنه المشهور بين المتأخرين .

وفي الحدائق والمستند والعروة ، وعن مجمع البرهان والذخيرة والمدارك وغيرها :

وجوب القبول .

وقد أستدل للاول المصنف في التذكرة والشهيد الثاني - ره - في المسالك ،

 

 

[ . . . ]

وتبعهما صاحب الجواهر وغيره ، بأن قبول الهبة نوع من الاكتساب غير الواجب للحج ،

لان وجوبه مشروط بالاستطاعة فلا يجب تحصيل شرطه .

وفيه : أن المأخوذ في دليل الاستطاعة البذليه هو عرض الحج ، وهذا العنوان

كما يصدق على ما لو أباح الزاد والراحلة كذلك يصدق على ما لو وهبهما او وهب ثمنهما ،

فاذا تثبت الاستطاعة بمجرد الهبة فيصير الحج واجبا من دون توقف على القبول ،

فيكون القبول من قبيل شرط الواجب لتوقف امتثاله عليه فيكون واجبا .

وان شئت قلت : إن تحقق الملكية وإن كان متوقفا على القبول إلا أن إباحة

التصرف لا تتوقف عليه ، فإنه يجوز التصرف وإن سكت قولا وفعلا ، والاستطاعة

البذلية لا تتوقف على الملكية ، بل على إباحة التصرف ، فإذا وجب الحج وجب القبول

مقدمة للحج .

أضف الى ذلك أن دليل الاستطاعة البذلية يدل على وجوب الحج بمجرد

عرض الحج على المبذول له كان العرض بعنوان الاباحة أو الهبة ، فإذا وجب الحج ،

وإن لم يقبل وجب القبول مقدمة له ، وبه يخرج عن القواعة المقتضية لعدم وجوب

القبول .

وبعبارة اخرى : أن الاستطاعة المالية فسرت بملك الزاد والراحلة أو ثمنهما ،

والاستطاعة البذلية فسرت بما يكون معنى لغويا للاستطاعة وهو التمكن من أن يحج ،

فمع الهبة يتمكن من الحج فيجب القبول مقدمة له .

وبما ذكرناه ظهر ما في التعليل لعدم الوجوب بأن قبولها مشتمل على المنة .

وأما الصورة الثانية ، فالظاهر أن حكمها حكم الصورة الاولى ، وذلك لصدق

عنوان العرض على كل من طرفي التخيير نطير صدق الواجب على كل من عدلي

التخيير ، وعليه فلو بذل له المال وخيره بين الحج وزيارة سيد الشهداء عليه السلام

يصدق على كل منهما أنه عرض عليه ، وبذل مؤونته ، فمع صدق عنوان عرض الحج

 

 

[ . . . ]

وبذل مؤونته يجب الحج فيجب القبول ، لما مر .

وأما الصورة الثالثة ، ففي المستند : فقيل : إن المشهور عدم وجوب القبول .

انتهى .

وفي الشرائع : لو وهبه ما لا لم يجب قبوله . انتهى ونحوه ما في المنتهى .

وفي التذكرة : لو بذل له مال يتمكن به من الحج ويكفيه في مؤونته ومؤونة عياله

لم يجب عليه القبول . انتهى ، ونحوها كلمات غيرهم .

والظاهر تمامية ما أفادوه ، فإن موضوع وجوب الحج البذلي عنوان عرض الحج ،

ومن الواضح أن هذا العنوان لا يصدق في هذه الصورة فلا يصير الحج واجبا فلا يجب

القبول ، ولو قبل فإن صار به مستطيعا بالاستطاعة المالية وجب عليه الحج لذلك وإلا

فلا .

وبما ذكرناه يظهر ما في المستند ، حيث قال : فقيل : المشهور عدم وجوب القبول

لكونه اكتسابا ، وجوابه قد مر - ومراده ما ذكره من صدق الاستطاعة العرفية فيجب

الاكتساب المتوقف عليه الحج - مع أنه لا فرق في ذلك بين الاطلاق والتقييد . انتهى ،

فإنه في صورة التقييد بنينا على وجوب القبول من جهة صدق عنوان عرض الحج

المأخوذ موضوعا للحج البذلي ، وهذا لا يصدق في صورة الاطلاق فلا يجب الاكتساب ،

وهذا هو الفارق بين الصورتين .

كما أنه ظهر ما في التذكرة ، قال : لو وهب المال فإن قبل وجب الحج وإلا

فلا . انتهى ، فإنه إذا قبل إنما يجب الحج اذا صدق الاستطاعة المالية بما لها من القيود

حتى الرجوع الى الكفاية لامطلقا .

وبذلك كله ظهر حكم ما لو وقف شخص لمن يحج ، أو أوصى أو نذر كذلك ،

فبذل المتولي أو الوصي أو الناذر له وجب عليه الحج ، لاطلاق النص ، إذ لا فرق في

صدق عنوان العرض بين كون المال ملكا للعارض أو تحت سلطنته .

 

 

[ . . . ]

 

إذا أعطاه الخمس وشرط عليه الحج

 

7 - لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا أو زكاة وشرط عليه أن يحج به ، فهل يجب

عليه الج أم لا ؟ وتحقيق القول في المقام يقتضي التكلم في جهات :

الاولى : هل يجوز أعطاء الخمس أو الزكاة من غير سهم سبيل الله للفقير

بمقدار الاستطاعة المالية دفعة واحدة أم لا ؟ وقد تقدم الكلام في ذلك في كتابي الزكاة

والخمس ، وعرفت ما هو الحق عندنا ، فراجع .

الثانية : هل للمالك ولاية وسلطنة على تعيين المصرف أم لا ؟

أقول : بعدما لا كلام ولا إشكال في أن له الولاية على إعطائه بكل مستحق

شاء ، أنه كما له أن يعطي المستحق من غير أن يقيده بشئ كذلك له أن يعطيه مقيدا

بكونه يحج به ، فهذا القيد ليس شيئا زائدا على أن تعيين المستحق بيد المالك حتى

يقال : إنه ما الدليل على هذا ، بل هو عبارة عن تقييد المدفوع اليه وإعطاء المال إياه

على تقدير دون آخر .

ودعوى : أن الشخص الخارجي لا يقبل الاطلاق والتقييد فيها : أن الفعل

الخارجي على قسمين :

الاول : ما لا يعتبر في تحققه القصد كالضرب .

الثاني : ما يعتبر فيه ذلك كالبيع ،

والقسم الاول لا يقبل التقييد والتعليق ، والثاني قابل له ، والمقام من قبيل

الثاني ، فإن الاعطاء بعنوان الهبة أو إباحة التصرف من الافعال القصدية .

ويمكن أن يقال : إن المعطي إذا دفع المال وشرط أن يحج به يكون المدفوع

اليه مطلقا ، وهذا القيد إنما يكون من قبيل شرط العمل عليه .

وما ذكره بعض الاعاظم من أن صحة هذا الشرط موقوفة على ثبوت ولاية

 

 

[ . . . ]

المالك على مثل ذلك ، ودليله غير ظاهر ، وعمومات صحة الشروط لا تصلح لاثبات

السلطنة عليه عند الشك فيها . يدفعه : أن الشرط إنما يكون فعلا خارجيا مباحا ،

ولا يعتبر في صحة الشرط سوى عدم كونه حراما ، فالمتحصل أنه يمكن تصوير هذا

التقييد بأحد نحوين .

الجهة الثالثة : اذا أعطاه المال بعنوان الخمس أو الزكاة ، فإن صار مستطيعا

بالاستطاعة المالية فلا كلام في وجوب الحج عليه بناء على جواز الاعطاء بقدر

الاستطاعة ، وإن اعطاه لا بهذا المقدار فإن لم يقيد بأن يحج به لا يجب عليه الحج ، وإن

قيده بذلك وكان بمقدار مؤونة الحج البذلي فهل يجب عليه ذلك أم لا ؟ .

قد يقال - كما عن بعض الاعاظم - إنه لا يجب عليه ذلك ، ولا ربط لهذه المسألة

بمسألة البذل ، لانه في البذل إنما يعطيه المال بعنوان السير الى الحج بإباحة أو تمليك ،

وأما فيما نحن فيه فليس ما يعطيه بهبة ولا إباحة لعدم كون المعطي مالكا له ، بل إنما

يعطى الفقير حقه ، لانه شريك معه فيما تعلق به الخمس أو الزكاة .

ولكن يرد عليه : أن هذا الفرق ليس بفارق فيما هو المناط ، فإن موضوع

وجوب الحج ليس هو البذل ، بل عرض الحج ، وهذا العنوان كما يصدق في البذل من

ماله يصدق في إعطاء الخمس أو الزكاة ايضا .

هذا على تقدير صحة التقييد بأن يحج به ، وأما على تقدير عدم صحة ذلك ، فقد

يقال - كما عن بعض المعاصرين - بأنه يمكن أن يدعى الوجوب بلحاظ صدق

العرض فتشمله نصوص البذل فيجب عليه الحج للاستطاعة البذلية لا لصحة

الشرط .

ولكن يدفعه : أن الموضوع هو عرض الحج ممن له ذلك فلو فرض عدم صحة

عرضه وكونه كالعدم من حيث الاثر لعدم ولايته عليه فلا يشمله النصوص ، بل يكون

حينئذ نظير ما لو عرض الحج بإعطاء مال الغير ، فكما أن النصوص لا تشمله كذلك

 

 

[ . . . ]

في المقام .

فالمتحصل : ان ما أفاده في العروة من أنه على تقدير صحة الشرط يجب عليه

هو الصحيح ، وقد عرفت صحته .

هذا كله في غير سهم سبيل الله من الزكاة ، وأما فيه فلا إشكال في صحة

الشرط ويكون المصرف هو الحج لاغير ، ويجب الحج البذلي بلاكلام .