[ . . . ]
العاشرة : الكافر المستطيع
يجب عليه الحج بلا خلاف .
وفي التذكرة : الكافر يجب
عليه الحج وغيره من فروع العبادات عند علمائنا
أجمع . انتهى .
وفي الجواهر : بل الاجماع
بقسميه عليه . انتهى .
ويشهد به إطلاق أدلة وجوب
الحج من الآية الكريمة والنصوص ، إذ لا دليل
على التقييد بالمسلم وعدم
تمكنه مادام كافرا من الاتيان بالمأمور به على وجهه لا يمنع
من التكليف بعد كونه قادرا
على أن يسلم ويحج فيكون الاسلام بالاضافة اليه من
قبيل الطهارة للصلاة .
واختصاص بعض خطابات القرآن
المجيد بالمؤمنين كآية الابتلاء بالصيد في
الحج ، وآية قتل الصيد فيه ،
وآية الصوم وغيرها لا يوجب تخصيص سائر أدلة تلك
الابواب المطلقة فضلا عن
غيرها من آيات الاحكام ، لكونهما من قبيل المثبتين الذين
لا تنافي بينهما .
مع أن جملة من الآيات دالة
على تكليفهم بالخصوص بالفروع مثل قوله تعالى :
( وويل للمشركين الذين لا
يؤتون الزكاة ) ( 1 ) وقوله تعالى : ( قالوا الم نك من
المصلين ) ( 2 ) وقوله عز
وجل : ( فلا صدق ولا صلى ) ( 3 ) فلا إشكال في كونه مكلفا
بالحج ، ولكن لا يصح منه
مادام كافرا بلا خلاف ، وعن المدارك دعوى الاجماع عليه
……………………………………………
( 1 ) سورة حم السجدة - آية 7 .
( 2 ) سورة المدثر - آية 44
.
( 3 ) سورة القيامة - آية 31
[ . . . ]
وكذا عن غيرها .
واستدل له بوجوه :
الاول : الاجماع وقد مر ما
فيه مرارا .
الثاني : عدم تمشي قصد القربة
منه ومن المعلوم اعتباره في الحج لكونه من
العبادات .
وقيل في وجه عدم تمشي قصد
القربة منه أنه إن أتى به على وفق مذهبه فغير
صحيح ، وإن أتى به على وفق
مذهبنا فهو معتقد بطلانه فكيف يمكنه أن يقصد القربة .
ولكن يرد عليه : أنه يمكن
فرض خطئه أو اشتباهه ويأتي بالحج على وفق
مذهبنا ، أو يحتمل كونه
صحيحا أيضا .
الثالث : أنه ليس أهلا
للتقرب الى الله تعالى .
وفيه : أن الكلام ليس في
حصول القرب ، وإنما هو في قصد الكافر القربة
والامر ، ألا ترى أن غير
المؤمن أيضا ليس أهلا للتقرب ، ولا يوجب عمله كرامة له
عند الله ولا تقربا اليه ،
ومع ذلك يصح عمله ويقصد الامر .
الرابع : قوله تعالى : ( وما
منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله
وبرسوله ) ( 1 ) .
وفيه : أن قبول العبادات غير
صحتها ، ورب شئ يكون دخيلا في القبول -
كحضور القلب - ولا دخل له في
الصحة ، والقبول عبارة عن ترتب الثواب على العمل
وحصول القرب اليه تعالى ،
ولكن الصحة لا يعتبر فيها ذلك ، بل هي عبارة عن مطابقة
المأتي به للمأمور به .
وبما ذكرناه يظهر عدم صحة
الاستدلال له بالنصوص الدالة على اعتبار
……………………………………………
( 1 ) سورة البراءة - آية 55 .
[ . . . ]
الايمان في قبول العبادات .
والحق أن يستدل له - مضافا
الى الاجماع وتسالم الاصحاب عليه - بأن جملة
من أعمال الحج لا يتمكن
الكافر من إتيانها في حال الكفر كالطواف ، فإنه لا يجوز
للكافر أن يدخل المسجد
الحرام ، ولا يتمكن من الاتيان بشرطه وهو الطهارة ، لنجاسة
بدنه والطهارة شرط في الوضوء
والغسل ، ولا يتمكن من صلاة الطواف ، لعدم الطهارة
ولعدم شهادته بالرسالة ،
وحيث إنه مقصر في جميع ذلك فلا يمكن تصحيح حجه بوجه .
ويؤيد المقصود ما دل من
النصوص على اعتبار الاسلام في النائب الذي يحج
عن غيره كخبر مصادف عن أبي
عبد الله عليه السلام في المرأة تحج عن الرجل
الصرورة فقال : إن كانت قد
حجت وكانت مسلمة فقيهة . الحديث ( 1 ) .
وخبر الآخر قال : سألته أتحج
المرأة عن الرجل ؟ قال عليه السلام : نعم اذا
كانت فقيهة مسلمة . الحديث (
2 ) . فإنهما يدلان على اعتبار الاسلام في النائب .
والظاهر أن وجهه اعتبار
الاسلام في صحة الحج ، ولا يضر في الاشتراط شرط
كونها قد حجت مع أنه غير شرط
لانه قرينة على أن المراد المرأة المستطيعة ، فالاظهر :
اعتبار الاسلام في صحة الحج
فلا يصح من الكافر مادام كافرا .
ولو مات لا يصح القضاء عنه ،
لعدم كونه أهلا للابراء من ذلك ، والكرامة ،
وعموم الادلة له ممنوع ،
فيبقى أصالة عدم مشروعية القضاء عنه سالما . كذا في
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 8 من أبواب النيابة حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 8 من
أبواب النيابة حديث 7 .
[ . . . ]
الجواهر .
وإن أسلم فإن بقي استطاعته
أو استطاع ثانيا وجب عليه الحج لبقاء
الموضوع والسبب بعد الاسلام
، فحديث الجب لا يصلح لرفعه .
وإن زالت استطاعته فاسلم لم
يجب عليه ، كما عن التذكرة والقواعد وكشف
اللثام .
وفي الجواهر : ولم يجب وإن
فرض مضي أعوام عليه مستطيعا في الكفر .
وعن المدارك والمستند
والذخيرة الوجوب .
ويشهد للاول : حديث الجب :
والاسلام يجب ما قبله ، وقد تقدم الكلام في سنده
ودلالته وشموله للتكاليف
ومقدار شموله ، وأنه هل يشمل الاحكام الوضعية ، أم لا ، أم
هناك تفصيل ؟ وتصوير الامر
بالقضاء مع شمول الحديث له وغير ذلك من المباحث
المتعلقة به في مبحث القضاء
من كتاب الصلاة ، وفي كتاب الزكاة فراجع ، ومقتضاه
سقوط وجوب الحج عنه لو أسلم
وهو غير مستطيع .
إنما الكلام في المقام في
امور .
الاول : أنه قد يستشكل في
شمول حديث الجب للحج - المستقر عليه في حال
كفره - بما حاصله : أنه لا
ريب في عدم شمول الحديث للتكاليف التي تكون موضوعاتها
باقية كما لو أسلم في أثناء
الوقت ، فإنه يجب عليه الصلاة ، أو أسلم والآية متحققة ،
فإنه يجب عليه صلاة الآيات ،
أو أسلم والاستطاعة باقية ، فإنه يجب عليه الحج ، وما
شاكل ذلك من الموارد .
وعليه فحيث إن من استطاع
وتوجه اليه التكليف بالحج ولم يأت به يجب عليه
الحج بمقتضى الدليل ولو
متسكعا ، فالحكم الثابت بالدليل الثاني لم يؤخذ في موضوعه
الاستطاعة وهي غير دخيلة في
بقاء وجوب الحج ، بل يجب الحج بحدوث
الاستطاعة ، كما أنه يجب
الصلاة بغروب الشمس ، وبقاؤه لا يكون منوطا بها ، وحينئذ
[ . . . ]
فإن اسلم يكون الموضوع
بتمامه وكماله متحققا فيلزم عدم رفع الحديث وجوب الحج .
وإن شئت قلت : إن بقاء
الاستطاعة في السنوات اللاحقة كالعدم لا يكون
دخيلا في بقاء الوجوب ،
وعليه فما الفرق بين بقائها وعدمه حيث يحكم في الاول بأن
الحديث لا يشمله وفي الثاني
يشمله .
ولكنه فرق بين التكاليف التي
تكون موضوعاتها باقية ، وبين الحج ، فإنه في تلك
الموارد لا يكون شئ آخر
دخيلا في فعلية الحكم ، مثلا : الصلاة في الوقت لا يكون
غروب الشمس دخيلا فيما بل
الدخيل هو الوقت من الغروب الى انتصاف الليل أو
طلوع الفجر ، وعليه فإذا كان
الموضوع باقيا يكون مقتضى الادلة وجوبها عليه ،
وحديث الجب لا يشمل ما بعد
الاسلام .
وأما الحج فوجوبه وإن كان
باقيا بعد زوال الاستطاعة ولا يعتبر فيه
الاستطاعة بقاء إلا أنه لا
ريب في أن السبب لوجوبه هو الاستطاعة المتحققة في العام
السابق وهي دخيلة في الموضوع
بلا كلام ، وحديث الجب بلحاظها يشمل الحج .
وهو نظير قضاء الصلاة التي
يكون سبب وجوبها ترك الصلاة في الوقت ، ونظير
صلاة الآيات التي حدثت الآية
في حال الكفر كالزلزلة ، وما شاكل ، فالفرق بينه وبين
الواجبات الموسعة في أوقاتها
ظاهر .
وإنما لا يشمل الحديث صورة
بقاء الاستطاعة ، فإن الحديث وإن كان صالحا
لشموله لها باعتبار حدوث
الاستطاعة ، والاستطاعة حدوثا وجودها كالعدم ، إلا أنه
بعد الاسلام نفس الاستطاعة
الباقية تصير سببا لوجوب الحج ، والحديث لا يشملها ،
فتدبر .
الامر الثاني : أن في قضاء
الصلاة إشكالا على تقدير شمول الحديث له ، وهو
أن التكليف بالقضاء يكون
لغوا ، إذ لو لم يسلم لم يصح منه ، ولو أسلم يسقط ، فهذا
التكليف غير قابل للداعوية
والبعث ، ولا يعقل الانبعاث منه .
[ . . . ]
وسيد العروة أسرى هذا الاشكال
الى المقام وأورد عليه : بأن في المقام وجوب
الحج بعد زوال الاستطاعة ليس
وجوبا قضائيا ، بل هو بعينه الوجوب المتوجه اليه
حال الاستطاعة ، لا ربط لذلك
الاشكال بالمقام .
وفيه أولا : أن وجوب الحج
بعد زوال الاستطاعة إنما يكون بدليل آخر غير
ما دل على وجوبه على
المستطيع ، فهذا الاشكال إنما هو بالنسبة الى التكليف الثابت
بذلك الدليل .
وثانيا : أن التكليف كما
يعتبر في حدوثه إمكان داعويته كذلك يعتبر في بقائه
ذلك ، وهذا الاشكال إنما هو
في بقائه بعد زوال الاستطاعة .
وأما الجواب عنه فقد مر في
الجزء الخامس من هذا الشرح في مبحث قضاء
الصلاة ، فراجع .
فتحصل : أن الاظهر سقوط وجوب
الحج لو أسلم بعد زوال الاستطاعة .
الثالث : أنه لو حج في حال
الكفر فاسدا وأسلم والاستطاعة باقية فهل يمكن
رفع الفساد بالحديث ويحكم
بصحة الحج وعدم وجوب إعادته بعد الاسلام ، أم لا ؟
الظاهر هو الثاني ، لان
الحديث شأنه النفي لا الاثبات فاثبات الصحة به لا يمكن ،
والفساد ليس حكما مجعولا ،
كي ينتفي به ، بل هو عبارة عن عدم مطابقة المأتي به
للمأمور به .
الرابع : أنه قد اشكل الامر
على بعض المعاصرين على ما نسب اليه مقرره بأن
اللازم مما ذكر أنه لو عقد
على امرأة في حال كفره ثم أسلم ، هو الحكم ببطلان عقده ،
لانه سابق على الاسلام فيجب
بالقاعدة لكن لا مطلقا ، بل فيما إذا كان بطلانه نافعا له
لانها امتنانية ، والالتزام
به مشكل ، كما أن الالتزام بعدم بطلانه أيضا مشكل ، لان
المذكور في الحديث بطلان
الطلاق الصادر قبل الاسلام ، ولا خصوصية للمورد فأي
فرق بين بطلان الطلاق النكاح
؟
[ . . . ]
وفيه : أنه قد وردت الروايات
الكثيرة في الابواب المتفرقة من كتاب النكاح
الدالة على صحة نكاح الكافر
بالمنطوق والمطابقة وبالمفهوم والالتزام .
وأما ما ذكر من أنه يرفع ما
في رفعه منة لكونها قاعدة امتنانية ، فلا وجه له ،
ولذا يرفع الطلاق وأن لم يكن
في رفعه منة .
فروع :
1 - لو أحرم الكافر ثم أسلم
لم يكفه ووجبت الاعادة من الميقات ، لفساد ما
أتى به من الاحرام فكأنه لم
يحرم ، ولو لم يتمكن من العود الى الميقات أحرم من
موضعه . كذا في كلمات
الاساطين .
ولكن يشكل بأنه لا دليل على
الاكتفاء بالاحرام من موضعه ، فإن الدليل إنما
دل على الاكتفاء به في
الناسي والجاهل ، والتعدي منهما يحتاج الى دليل .
وما أفاده سيد المدارك بأن
المسلم في المقام أعذر منهما وأنسب بالتخفيف . فيه :
أن العالم العامد في البقاء
على الكفر من أين علم كونه أنسب بالتخفيف من المسلم
العادل الناسي أو الجاهل .
نعم لو قلنا بذلك في العامد
اذا لم يتمكن من العود نقول به في المقام ، وسيأتي
الكلام في الاصل .
2 - المرتد يجب عليه الحج
لما مر من كون الكفار مكلفين بالفروع ، ولا يقضي
عنه إذا مات على ارتداده ،
لما تقدم في الكافر الاصلي .
وإن أسلم فإن بقي استطاعته
وجب عليه أن يحج ، لما ذكرناه في الكافر ، ويصح
منه لو أتى به ، لما ذكرناه
في الجزء الاول من هذا الشرح في مبحث مطهرية الاسلام
[ . . . ]
من أنه يقبل توبة المرتد الفطري
، ويصح إسلامه وإن وجب قتله وانتقل أمواله منه
الى ورثته وبانت زوجته .
وإن زالت استطاعته ثم أسلم
يجب عليه الحج ولو متسكعا ، لعموم الادلة ، وعدم
شمول حديث الجب له ،
لاختصاصه بالكافر الاصلي كما تقدم في كتاب الزكاة .
3 - لو حج المسلم في حال
إسلامه ثم ارتد ثم أسلم فهل يجب عليه إعادة الحج
كما عن الشيخ في المبسوط ،
أم لا تجب ؟ وجهان .
واستدل الشيخ لما اختاره بأن
إسلامه الاول لم يكن إسلاما عندنا ، لانه لو
كان كذلك لما جاز أن يكفر .
وفي الجواهر علل ما أفاده
الشيخ من عدم كون إسلامه إسلاما بقوله تعالى :
( وما كان الله ليضل قوما
بعد إذ هديهم ) ( 1 ) .
ويرد عليه أولا : ما أفاده
سيد المدارك - ره - قال : يدفعه صريحا قوله تعالى : (
إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم
آمنوا ثم كفروا ) ( 2 ) حيث أثبت الكفر بعد الايمان .
وثانيا : ما ذكره غير واحد
من أنه مخالف للوجدان ولظواهر الكتاب والسنة .
ثالثا : أن الآية مذيلة
بقوله تعالى : ( حتى يبين لهم ما يتقون ) وهو دال على
خلاف ذلك .
وربما يستدل للشيخ بقوله
تعالى : ( ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله ) ( 3 ) .
ومن أعماله الحج ، فهو
كالعدم فلا بد وأن يحج ثانيا .
……………………………………………
( 1 ) سورة التوبة - آية 115 .
( 2 ) سورة النساء - آية 137
.
( 3 ) سورة المائدة - آية 6
.
[ . . . ]
وفيه أولا : أن الآية
الشريفة الاخرى تفسر هذه الآية ، وهي قوله تعالى : (
ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت
وهو كافر فاولئك حبطت أعمالهم ) ( 1 ) . ويدل على
أن الاحباط مختص بمن مات على
كفره .
وثانيا : أن الآية لعلها
مختصة بالعمل حال الكفر .
وثالثا : أن الحبط بمعنى عدم
الاجر والثواب لا البطلان .
والحق عدم وجوب الاعادة ،
لتحقق الامتثال ، ولا يجب الحج في العمر إلا مرة
واحدة .
أضف الى ذلك أن خبر زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام في من كان مؤمنا
فحج ثم أصابته فتنة ثم تاب
يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه ولا يبطل منه
شئ ( 2 ) . يدل على ذلك .
4 - لو أحرم مسلما ثم ارتد
ولم يتم حجه ثم تاب فأتمه بعد التوبة ، فهل يصح
حجه كما صرح به غير واحد من
الاساطين أم لا ؟ وجهان
يشهد للاول : أنه قد اتى
بالمأمور به بجميع قيوده وحدوده في حال الاسلام
فالاجزاء عقلي ، ولم يدل
دليل على مانعية الارتداد في الاثناء أو قاطعيته .
واستدل للثاني بأن المرتد لا
تقبل توبته فما يأتي بعد توبته واقع في حال الكفر ،
وبأن إسلامه الاول لم يكن
إسلاما فما أتى به قبل الارتداد كالعدم ، وبأن الاحرام
عبادة ومع الارتداد في
الاثناء يبطل منه الجزء المقارن للارتداد نظير الارتداد في أثناء
الصوم ، فإنه يوجب بطلان
الصوم بلا كلام .
وفي الكل مناقشة .
……………………………………………
( 1 ) سورة البقرة - آية 218 .
( 2 ) الوسائل باب 30 من أبواب
مقدمة العبادات حديث 1 .
[ . . . ]
أما الاول ، فلما مر من أن
الاظهر قبول إسلامه وتوبته .
وأما الثاني ، فلما تقدم في
الفرع الاول ، وعرفت ما يرد على هذا الوجه .
وأما الثالث ، فلان الاحرام
لم يؤخذ في مفهومه الزمان بحيث يعتبر فيه وقوعه
في زمان متصل محدود كالصوم
فإنه يعتبر فيه الامساك من طلوع الفجر الى غروب
الشمس مع الشرائط ، ولم
يعتبر فيه الهيئة الاتصالية كما في الصلاة ، بل هو من قبيل
الافعال ، ويعتبر فيه أن
يكون محرما من الميقات الى ما يصير محلا فالارتداد في الاثناء
لا يخرج ما أتى به منه عن
قابلية أن يلحق به ما بعده ، ولم يدل دليل على كونه محلا ،
5 - إذا حج المخالف ثم
استبصر ، فالمشهور بين الاصحاب أنه لا تجب عليه
الاعادة .
وعن أبني الجنيد والبراج
وجوب الاعادة .
ثم القائلون بالاجزاء وعدم
وجوب الاعادة منهم من ذهب الى الاجزاء في
خصوص ما إذا أتى بالحج على
وفق مذهبه ، ومنهم من ذهب الى الاجزاء اذا أتى بالحج
على وفق مذهبنا ، ومنهم من
اختار الاجزاء إذا كان حجه موافقا لمذهبنا أو لمذهبه ،
واحتمل بعضهم الاجزاء حتى مع
الاتيان بما اذا كان مخالفا لمذهبه ولمذهبنا ، فالكلام
يقع في موردين : الاول في
الاجزاء وعدمه في الجملة الثاني في ما هو شرط له .
أما الاول فمحصل القول فيه
أن في الباب طوائف من النصوص :
الاولى : ما يدل على الاجزاء
بالنسبة الى جميع عباداته وقد نص على الحج
بالخصوص في جملة منها كصحيح
بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث
[ . . . ]
قال : كل عمل عمله وهو في
حال نصبه وضلالته ثم من الله تعالى عليه وعرفه الولاية
فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة ،
لانه وضعها في غير مواضعها لانها لاهل الولاية ، وأما
الصلاة والحج والصيام فليس
عليه قضاء ( 1 ) .
ومصحح الفضلاء عن السيدين
الصادقين عليهما السلام أنهما قالا في الرجل
يكون في بعض هذه الاهواء
الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف
هذا الامر ويحسن رأيه أيعيد
كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج ، أو ليس عليه
إعادة شئ من ذلك ؟ قال عليه
السلام : ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير الزكاة
ولا بد أن يؤديها . الحديث (
2 ) .
وخبر محمد بن حكيم قال : كنت
عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه
كوفيان كانا زيديين فقالا :
إنا كنا نقول بقول وأن الله من علينا بولايتك فهل يقبل
شئ من أعمالنا ؟ فقال عليه
السلام : أما الصلاة والصوم والحج والصدقة فإن الله
يتبعكما ذلك ويلحق بكما ،
وأما الزكاة فلا . الحديث ( 3 ) .
الثانية : ما يدل على
استحباب الاعادة كصحيح العجلي عن الامام الصادق
عليه السلام عن رجل حج وهو
لا يعرف هذا الامر ثم من الله تعالى عليه بمعرفته
والدينونة به اعليه حجة
الاسلام أو قد قضى فريضته ؟ فقال عليه السلام : قد قضى
فريضته ولو حج لكان أحب إلي
- الى أن قال - وسألته عن رجل وهو في بعض هذه
الاصناف من أهل القبلة ناصب
متدين ثم من الله عليه فعرف هذا الامر يقضي حجة
الاسلام ؟ فقال عليه السلام
: يقضي أحب الي ( 4 ) .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 3 من
أبواب المستحقين للزكاة حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 31 من
أبواب مقدمة العبادات حديث 5 .
( 4 ) الوسائل باب 23 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
[ . . . ]
وحسن عمر بن اذينة قال :
كتبت الى أبي عبد الله عليه السلام اسأله عن رجل
حج ولا يدري ولا يعرف هذا
الامر ثم من الله تعالى عليه بمعرفته والدينونة به أعليه
حجة الاسلام ؟ قال عليه
السلام : قدقضى فريضة الله والحج أحب الي ( 1 ) .
الثالثة ما يدل على وجوب
الاعادة وعدم الاجزاء كخبر أبي بصير عن أبي عبد
الله عليه السلام : وكذلك
الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج ( 2 ) .
وخبر علي بن مهزيار قال :
كتب إبراهيم الى أبي جعفر عليه السلام أني
حججت وأنا مخالف وكنت صرورة
فدخلت متمتعا بالعمرة الى الحج ، قال : فكتب اليه
أعد حجك ( 3 ) .
ومقتضى الجمع بين النصوص هو
البناء على الاجزاء واستحباب الاعادة ، اذ
مضافا الى أن الطائفة الاولى
صريحة في عدم الوجوب والثالثة ظاهرة فيه ، والجمع
يقتضي حمل الثالثة على
الاستحباب - يشهد به الطائفة الثانية .
فإن قيل : إن خبر أبي بصير
مختص بالناصب فمقتضى حمل المطلق على المقيد
البناء على لزوم الاعادة على
خصوص الناصب .
قلنا : إن بعض نصوص الاجزاء
كصحيح العجلي صريح في عدم الوجوب على
الناصب .
فان قيل : إن صحيح العجلي
مطلق من ناحية اخرى وهي عدم الاختصاص
بالحج ، فإنه وارد في جميع
الاعمال فمقتضى حمل المطلق على المقيد البناء على وجوب
إعادة الحج على الناصب دون
غيره من العبادات كالصيام والصلاة وما شاكل .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 23 من أبواب وجوب الحج وشرائط حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 23 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 .
( 3 ) الوسائل باب 23 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 6 .
[ . . . ]
قلنا : إن ذلك الصحيح وإن
كان في مطلق الاعمال لكن الامام عليه السلام في
ذيله يصرح بالحج ، وإنه لا
يجب إعادته ، وإذا صرح بفرد في العام يكون العام نصا فيه
لا يمكن إخراجه عن تحته .
أضف الى ذلك كله ماقيل من
ضعف سند الطائفة الثالثة ، فلا إشكال في عدم
لزوم الاعادة .
وأما ما قيل من حمل الثالثة
على ما لو أخل بركن ، والاولتين على ما لو لم يخل
به . فهو حمل تبرعي لا شاهد
له .
ثم إن النزاع في أن عدم وجوب
الاعادة هل هو من باب تفضل الله تعالى عليه
بعفوه عما سلف من الاتيان
بالعبادات باطلا من جهة أنه في تلك الحال كان فاقدا لما
هو أعظم من بطلان عبادته ،
فإذا عفى عما هو أعظم منه يعفى عما دونه كما عن المدارك
والحدائق ، أم أنه من باب
الشرط المتأخر بمعنى أن العمل في تلك الحال يقع صحيحا
بشرط أن يستبصر ؟ كما اختاره
جمع من المحققين ، ولعله الاظهر من الاخبار ، وإشكال
عدم معقولية الشرط المتأخر ،
أجبنا عنه في محله حيث إنه لا يترتب عليه ثمرة ،
فالاغماض عنه أولى .
وأما المورد الثاني ، فهل
يشترط أن يكون صحيحا في مذهبه كما لعله المشهور ،
أو صحيحا في مذهبنا ، أم
يكون صحيحا في أحد المذهبين ، أم يعم ولو كان فاسدا في
كلا المذهبين ؟ وجوه وبعضها
أقوال .
لا إشكال في أن النصوص واردة
في مقام بيان أن فساد العقيدة إذا صار
صاحبها مستبصرا لا يضر بصحة
العمل وليست في مقام بيان نفي اعتبار سائر الشرائط
أيضا ، كي يستفاد منها الصحة
وإن كان العمل فاقدا لسائر الشرائط ، وعليه فلو كان
العمل باطلا عندنا ، وعندهم
لا يكون مشمولا لهذه الاخبار ، بل هو حينئذ نظير من
لم يأت بالعمل أصلا .
[ . . . ]
ويؤكد ذلك التعليل فيها
للزوم إعادة الزكاة بأنه وضعها في غير محلها ، فإن وجه
التعليل حينئذ أن الزكاة من
حقوق الناس فلا تجزي بخلاف غيرها ، فإنها من حقوق
الله تعالى فاجتزأ به تعالى
.
ومقتضى ذلك وإن كان اختصاص
الاخبار بما إذا أتى بالعمل على وفق مذهب
الحق مع تمشي قصد القربة منه
، ولكن بما أن لازمه حمل النصوص على الفرد النادر
جدا وهو بعيد غايته ، فيلتزم
بأنه لو أتى به على وفق مذهبه أيضا يحكم بالصحة .
وان شئت قلت : بما أن الغالب
الاتيان به على وفق مذهبه ، فمقتضى الاطلاق
المقامي أنه لو أتى به على
وفق مذهبه يحكم بالصحة .
فالمتحصل أنه لو أتى به على وفق
أحد المذهبين وإن كان باطلا في المذهب
الآخر يحكم بالصحة من غير
فرق بين الاخلال بالركن وعدمه .
وإما ما في الشرائع وعن
المعتبر والقواعد والمنتهى والدروس وغيرها من وجوب
الاعادة إذا أخل بالركن .
فالظاهر أن المراد به ما لو أخل بالركن عندنا فينطبق على
ما اخترناه ، فإن كل ما هو
ركن عندنا فهو ركن عندهم ولا عكس ، وعليه لو أخل بما
هو ركن عندنا فالعمل باطل في
المذهبين ، بخلاف ما لو أخل بما هو ركن عندهم
كالحلق فإن العمل يمكن أن
يكون صحيحا عندنا فيشمله الاخبار .
وقد يقال : إن مقتضى مفهوم
العلة لوجوب إعادة الزكاة بأنه وضعها في غير
مواضعها هو عدم وجوب الاعادة
في غير الزكاة من حقوق الله تعالى وإن كان فاسدا
في المذهبين ، ولكن كون
العلة هو ما أشرنا اليه غير ثابت ولعل منشأه شئ آخر ،
فالصحيح ما ذكرناه .
[ . . . ]
تتميم : هل الولاية شرط لصحة
الاعمال كما أصر عليه في الحدائق ، واختاره
سيد المدارك ، ونسب الى
غيرهما ، أم لا ؟ كما لعله المشهور بين الاصحاب .
وملخص القول في ذلك أنه لا
إشكال في أن عمل المخالف باطل إذا كان فاقدا
لجزء أو شرط معتبر في ذلك
العمل ، كما لعله الغالب حتى الجزء أو الشرط غير الركني
في الصلاة ، فإن شمول أخبار
لاتعاد الصلاة للصلاة الفاقدة لجملة من الاجزاء
والشرائط يختص بغير المقصر ،
فمحل الكلام ما لو أتى المخالف بالعمل على وفق
مذهب الحق ، فلو صلى على ميت
مثلا يكتفى به أم لا .
وقد أستدل لعدم الاشتراط
بالاصل ، فإنه يشك في ذلك ، والاصل عدمه .
واستدل للاشتراط بجملة من
النصوص جمعها صاحب الحدائق - ره - منها :
ما لسانه أنه لا ينفعه العمل
بدون الولاية كصحيح ابي حمزة الثمالي قال : قال لنا . علي
بن الحسين عليه السلام : أي
البقاع أفضل ؟ فقلنا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم .
فقال : أفضل البقاع لنا ما
بين الركن والمقام ، ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه
ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم
النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله بغير ولا
يتنالم ينفعه ذلك شيئا ( 1 )
. ونحوه خبر عبد الحميد الآتي .
ولكن يرد : عليه أن عدم الانتفاع
بعمله غير الصحة ، إلا إذا قلنا بأن الثواب
والجزاء على وجه الاستحقاق
لا التفضل وهو خلاف التحقيق .
ومنها : ما يتضمن أنه لا
ثواب لعمله كصحيح زراة عن أبي جعفر عليه السلام
في حديث قال : ذروة الامر
وسنامه ومفتاحه وباب الاشياء ورضى الرحمن الطاعة
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 29 من أبواب مقدمة العبادات حديث 12 .
[ . . . ]
للامام بعد معرفته ، أما لو
أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع
دهره ولم يعرف ولاية ولي
الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على
الله حق في ثواب ولا كان من
أهل الايمان ( 1 ) .
وخبر المعلى بن خنيس قال :
قال أبو عبد الله عليه السلام : لو أن عبدا عبد
الله مائة عام ما بين الركن
والمقام يصوم النهار ويقوم الليل حتى يسقط حاجباه على
عينيه ويلتقي ترافيه هرما
جاهلا بحقنا لم يكن له ثواب ( 2 ) .
وفيه ما تقدم في سابقه من أن
الثواب لو كان بالاستحقاق كان هذه الطائفة
دالة على الاشتراط كما هو
واضح ، ولكن الحق كونه بالتفضل .
ومنها : مادل على أنه لا
يقبل الله تعالى عمل المخالف كخبر ميسر عن أبي جعفر
عليه السلام في حديث قال :
إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام وباب الكعبة وذاك
حطيم إسماعيل ، ووالله لو أن
عبدا صف قدميه في ذلك المكان وقام الليل مصليا حتى
يجيئه النهار وصام النهار
حتى يجيئه الليل ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل
الله منه شيئا أبدا ( 3 ) .
وخبر عبد الحميد بن أبي
العلا عن أبي عبد الله ( ع ) في حديث قال : والله لو
أن إبليس سجد لله بعد
المعصية والتكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله مالم
يسجد لادم . . . وكذلك هذه
الامة العاصية المفتونة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم
وبعد تركهم الامام الذي نصبه
نبيهم لهم فلن يقبل الله لهم عملا . الحديث ( 4 ) .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 29 من أبواب مقدمة العبادات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 29 من
أبواب مقدمة العبادات حديث 13 .
( 3 ) الوسائل باب 29 من
أبواب مقدمة العبادات حديث 14 .
( 4 ) الوسائل باب 29 من
أبواب مقدمة العبادات حديث 5
[ . . . ]
وصحيح محمد بن مسلم عن
الامام الباقر عليه السلام : كل من دان الله عز
وجل بعبادة يجهد فيها نفسه
ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول . الحديث ( 1 ) .
وخبر فضيل عنه عليه السلام :
أما والله مالله عز ذكره حاج غيركم ولا يتقبل
إلا منكم ( 2 ) . ونحوه خبر
معاذ ( 3 ) . وخبر محمد بن سليمان ( 4 ) .
والجواب عن الاستدلال بهذه
النصوص : أن القبول غير الصحة وهو عبارة
عن ترتب الثواب على العمل
وحصول القرب اليه تعالى ، والصحة عبارة عن مطابقة
المأتي به للمأمور به ، ورب
شئ يكون دخيلا في القبول ولا يكون دخيلا في الصحة
كحضور القلب .
ومنها : ما تضمن أن الله
تعالى يعاقب المخالف كخبر سليمان الديلمي عن أبيه
عن مسير عن أبي عبد الله
عليه السلام في حديث : يا ميسر ما بين الركن والمقام روضة
من رياض الجنة ومابين القبر
والمنبر روضة من رياض الجنة ، ووالله لو أن عبدا عمره
الله ما بين الركن والمقام
وما بين القبر والمنبر يعبده ألف عام ثم ذبح على فراشه مظلوما
كما يذبح الكبش الاملح ثم
لقي الله تعالى بغير ولايتنا لكان حقيقا على الله عز وجل
أن يكبه على منخريه في نار
جهنم ( 5 ) . ونحوه خبر محمد بن حسان السلمي ( 6 ) .
وعدم دلالة هذه الطائفة على
الاشتراط واضح ، إذ لا شك في أن من لقي الله
بغير ولاية أمير المؤمنين
عليه السلام وأولاده المعصومين مقره النار ، ولكن هذه
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 29 من أبواب مقدمة العبادات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 29 من
أبواب مقدمة العبادات حديث 8 .
( 3 ) الوسائل باب 29 من
أبواب مقدمة العبادات حديث 9 .
( 4 ) الوسائل باب 29 من
أبواب مقدمة العبادات حديث .
( 5 ) الوسائل باب 29 من
أبواب مقدمة العبادات حديث 16 .
( 6 ) الوسائل باب 29 من
أبواب مقدمة العبادات حديث 15
[ ولو اهمل مع الاستقرار . ]
النصوص لا تدل على أن العقاب
على ترك العبادات ، كي تدل بالالتزام على بطلانها ،
بل ظاهرها أن العقاب على نفس
عدم الولاية .
ومنها : مايدل على أن العمل
بلا ولاية كلا عمل كخبر مفضل بن عمر عن أبي
عبد الله عليه السلام في
كتاب : وأن من صلى وزكى وحج واعتمر وفعل ذلك كله بغير
معرفة من افترض الله عليه
طاعته فلم يفعل شيئا من ذلك . . . الى أن قال : ليس له
صلاة وإن ركع وإن سجد ، ولا
له زكاة ولا حج ، إنما ذلك كله يكون بمعرفة رجل من
الله على خلقه بطاعته وأمر
بالاخذ عنه ( 1 ) .
وخبر إسماعيل بن نجيح عنه
عليه السلام في حديث قال : الناس سواد وأنتم
الحاج ( 2 ) .
ودلالة هذه الطائفة على
الاشتراط واضحة ، فإن نفي الصلاة والزكاة والحج
عما أتى به المخالف ،
والتعبير بأنه لم يفعل شيئا صريح في ذلك إنما الكلام في سندها ،
ولعل نظر صاحب الوسائل
والحدائق وكثير من المحدثين في اشتراطهم الولاية الى
خصوص هذه الطائفة ، وإنما
ذكروا غيرها تأييدا للمطلب ، والله تعالى أعلم .
لو
استقر عليه الحج ثم زالت الاستطاعة
الحادية عشر : ( ولو أهمل مع
الاستقرار ) فتارة يكون حيا ولكن يزول عنه
الاستطاعة ، واخرى يموت فإن
زال عنه الاستطاعة فتارة لا يتمكن من أن يحج ولو
متسكعا ، واخرى يتمكن من ذلك
، فإن لم يتمكن من الحج لا إشكال في سقوطه ، غاية
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 29 من أبواب مقدمة العبادات حديث 18 .
( 2 ) الوسائل 29 من أبواب
مقدمة العبادات حديث 7 .
[ . . . ]
الامر يشتغل ذمته به ، فلو
مات وله مال يخرج نفقة حجه من ماله ، وإلا فإن تبرع عنه
متبرع برئت ذمته ، وإن تمكن
من الحج من دون أن يلزم منه العسر والحرج وجب بلا
إشكال لتوجهه اليه وتمكنه من
إسقاطه .
إنما الكلام فيما لو تمكن
منه مع استلزامه العسر والحرج ، فإنه قد يقال بسقوط التكليف
عنه كالصورة الاولى نظرا الى
أدلة العسر والحرج بدعوى : حكومة أدلتها على أدلة
جميع الاحكام منها : ما دل
على وجوب الحج على من استقر عليه وإن زالت الاستطاعة ،
وتقييدها بما اذا لم يستلزم
ذلك كما لو تمكن من أن يحج بإيجار نفسه أو الخدمة وما
شاكل .
وقد استدل لعدم كونها صالحة
لذلك وأن الوجوب يكون باقيا بوجوه :
الاول : الاجماع ، فإن
الظاهر تسالم الاصحاب على وجوب الاتيان به ولو
استلزم العسر والحرج لمن
استقر عليه .
وفيه : أنه لو سلم وجوده
كونه تعبديا غير ظاهر .
الثاني : أنه أوقع نفسه بسوء
اختياره في هذا المحذور ، ولا ريب في أنه كما يحكم
العقل بأن الامتناع
بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا ، وأنه اذا صار المكلف به غير
اختياري بسوء اختيار المكلف
للمولى أن يعاقب على مخالفة التكليف ، وإنما لا يحكم
ببقاء الحكم ، لقبح التكليف
بما لا يطاق ، كذلك يحكم بأنه لو لم يصل الى حد عدم
القدرة يجب امتثاله والاتيان
به وإن استلزم العسر والحرج .
وفيه : أن هذا الحكم من
العقل صحيح لولا أدلة نفي العسر والحرج حاكمة على
جميع أدلة الاحكام الموجبة
لارتفاع الوجوب .
الثالث : ما دل من النصوص
على وجوب الحج ولو على حمار أجدع أبتر وليس
أن يستحيى في الاستطاعة
البذلية . وفي حكمها الاستطاعة المالية .
وفيه : أنها واردة في الحج
عام الاستطاعة وغير مربوطة بما هو محل الكلام .
[ . . . ]
الرابع : خبر أبي بصير عن
أبي عبد الله ( ع ) المتقدم في الآية الكريمة ، قال
عليه السلام : يخرج ويمشي إن
لم يكن عنده . قلت : لا يقدر على المشي . قال عليه
السلام : يمشي ويركب . قلت :
لا يقدر على ذلك . أعني المشي ، قال عليه السلام : يخدم
القوم ويخرج معهم . بدعوى :
أن الجمع بين هذا النص والنصوص الدالة على اعتبار
الزاد والراحلة وغيرهما مما
يعتبر في الاستطاعة المالية يقتضي اختصاصه بصورة
استقرار الحج عليه .
وفيه : أنه جمع تبرعي لا
شاهد له ، بل الشاهد على خلافه وهو وروده تفسيرا
للآية الشريفة ، وظاهر الخبر
وجوب الحج على المكلف ولو لم يكن عنده الراحلة ، وحمله
على صورة الاستقرار يحتاج
الى قرينة ، بل عرفت وجود القرينة على خلافه ، وعليه
فالخبر مطروح كما تقدم .
أضف الى ذلك ضعف سنده ،
لاشتراك قاسم بن محمد بين من هو ضعيف أو
مجهول ، ومن هو مهمل والثقة
وهو في السند .
الخامس : النصوص المتضمنة
لذم تارك الحج ، ولها مضامين .
جملة من تلك النصوص متضمنة لانه
يموت يهوديا أو نصرانيا كصحيح معاوية
عن الامام الصادق عليه
السلام في الآية الكريمة : هذه لمن كان عنده مال وصحة فإن
سوفه للتجارة فلا يسعه ذلك -
الى أن قال - ومن ترك فقد كفر . قال : ولم لا يكفر وقد
ترك شريعة من شرائع الاسلام
. الحديث ( 1 )
وخبر حماد بن عمرو وأنس عن
أبيه عنه عليه السلام في وصية النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال : يا علي
كفر بالله العظيم من هذه الامة عشرة وعد منهم من وجد
سعة فمات ولم يحج ، ثم قال :
يا علي تارك الحج وهو مستطيع كافر - الى أن قال - يا علي
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 7 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .
[ . . . ]
من سوف الحج حتى يموت بعثه
الله يوم القيامة يهوديا او نصرانيا ( 1 ) . ونحوهما صحيح
ذريح المحاربي ( 2 ) .
وجملة منها متضمنة لانه يحشر
يوم القيامة أعمى كصحيح معاوية بن عمار قال :
سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن رجل له مال ولم يحج قط ، قال : هو ممن قال الله
تعالى ( ونحشره يوم القيامة
أعمى ) قال : قلت سبحان الله أعمى ! قال أعماه الله عن
طريق الحق ( 3 ) . ونحوه
أخبار محمد بن فضيل ، وأبي بصير ، وكليب ( 4 ) .
وجملة من تلك النصوص تتضمن
أنه من ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع
الاسلام كصحيح حماد عن
الحلبي عن امامنا الصادق عليه السلام : إذا قدر الرجل
على ما يحج به ثم دفع ذلك
وليس له شغل يعذره به ترك شريعة من شرائع الاسلام ( 5 ) .
ونحوه غيره من الاخبار
الكثيرة .
وفيه : أنه لاكلام في أن
التارك له مذنب يعاقب عليه اذا لم يتب ، إنما الكلام في
أنه هل يجب بعد زوال
الاستطاعة مع استلزامه العسر والحرج أم لا ؟ ومقتضى قاعدة
نفي العسر والحرج سقوط
التكليف به ، وهذا لا ينافي استحقاقه العقاب ، نتيجة
ذلك أنه لو تاب يغفر له ولا
شئ عليه .
ولكن يمكن أن يستدل له بأنه
لا ريب فتوى ونصا في أن الحج يبقى في ذمة
من استطاع وزالت استطاعته ،
ولذا لو مات فإن كان له مال يخرج نفقة الحج من
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 7 من أبواب وجوب الحج شرائطه حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 7 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 6 من أبواب
وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 6 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 8 - 5 - 12 .
( 5 ) الوسائل باب 6 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3
[ حتى مات قضي من صلب ماله من أقرب الاماكن ولو لم يخلف غير الاجرة
]
صلب ماله كما سيمر عليك ،
ولو كانت أدلة نفي العسر والحرج شاملة له لزم سقوطه
عن ذمته رأسا ، فمن ذلك
يستكشف عدم شمولها له كما عليه بناء الاصحاب وتسالمهم
عليه ، فالاظهر أنه يجب عليه
أن يحج وإن استلزم العسر والحرج .
وإن أهمل من استقر عليه الحج
( حتى مات قضي من صلب ماله من أقرب
الاماكن ولو لم يخلف غير
الاجرة ) بلا خلاف في شئ من ذلك ، وتفصيل الكلام
بالتكلم في مباحث :
الاول : فيما يتحقق به
الاستقرار ، وقد اختلفت كلمات الاصحاب في ذلك ،
والمستفاد منها أقوال :
أحدها : مضي زمان يمكن الاتيان بجميع أفعاله فيه مع الشرائط
وهو الى اليوم الثاني عشر من
ذي الحجة ، وهو الذي اختاره المصنف - ره - في التذكرة .
قال فيها : تذنيب استقرار
الحج في الذمة يحصل بالاهمال بعد حصول الشرائط
بأسرها ، ومضي زمان جميع
أفعال الحج . انتهى ، بل هو المنسوب الى المشهور .
ثانيها : مضي زمان يمكن إتيان
الاركان فيه جامعة للشرائط فيكفي بقاؤها الى
مضي جزء من يوم النحر يمكن
فيه الطوافان والسعي .
وفي المستند نسب الى التذكرة
.
وعن كشف اللثام أنه غير
موجود فيما عندنا ، ولكن قد يستفاد ذلك مما ذكره
فيها من أن من تلف ماله قبل
عود الحاج وقبل مضي إمكان عودهم لم يستقر الحج في
ذمته .
ثالثها : كفاية بقائها الى
زمان يمكن فيه الاحرام ودخول الحرم ، وقد احتمله
المصنف - ره - في التذكرة .
[ . . . ]
وفي المستند نسبه بعضهم الى
التذكرة ، واستحسنه بعض المتأخرين إن كان
زوال الاستطاعة بالموت .
رابعها : توجه الخطاب بالحج
ولو ظاهرا . اختاره في المستند ، وعن صريح
المفاتيح وشرحه ، وظاهر
المدارك .
خامسها : اعتبار بقاء
الشرائط الى زمان يمكن فيه العود . وعن المدارك حكايته
عن التذكرة .
سادسها : اعتبار بقاء
الشرائط الى آخر ذي الحجة . اختاره سيد العروة في
المسألة الرابعة والستين من
هذا الباب .
ويتضح ما هو الحق ببيان امور
:
1 - أن لفظ الاستقرار ليس في
النصوص كي نبحث عن مفهومه سعة وضيقا ،
كما أنه لم يرد نص خاص في
المقام إلا في خصوص الموت قبل أن يحرم ، وقد مر الكلام
فيه ، ولا يتعدى عنه الى
غيره .
فما في المستند من الاستدلال
بتلك النصوص في غير محله ، بل الميزان هو ثبوت
التكليف بالحج ، فمع فقد شرط
من شرائط الوجوب لا يكون الحج مستقرا فلا قضاء
عليه .
2 - أن الشرائط مختلفة ،
بعضها شرط إيابا وذهابا كالاستطاعة المالية والسربية
والبدنية ، وبعضها شرط الى
آخر الاعمال كالعقل ، وبعضها يكون حدوثه شرطا ولا
يعتبر بقاؤه حتى بعد الاعمال
كالرجوع الى الكفاية ، وقد مر أنه لو تلف ما به الكفاية
لا يكشف ذلك عن عدم وجوب
الحج من الاول .
3 - أن إطلاقات وجوب القضاء
ليست في مقام بيان أنه يجب القضاء حتى مع
ظهور عدم وجوب الاداء عليه ،
كي يتمسك بها ، ويكتفى بتوجه الخطاب ظاهرا وإن
انكشف عدم وجوبه واقعا ، كما
في المستند .
[ . . . ]
وبما ذكرناه يظهر أنه يعتبر
في الاستقرار بقاء الاستطاعة المالية والسربية
والبدنية الى زمان العود الى
وطنه إن أراد الرجوع ، وإن أراد المقام بمكة فإلى آخر
الاعمال ، وأما بالنسبة الى
العقل فيكفي بقاؤه الى آخر الاعمال ، لان فقد بعضها
يكشف عن عدم الوجوب واقعا
وأن التكليف بالخروج مع الرفقة كان ظاهريا .
هذا في غير الموت ، وإما فيه
فإن شرع في الحج فقد مر حكمه وإلا فإن مات
بعد مضي زمان يتمكن من الاتيان
بأعمال الحج يجب القضاء ، ولا يعتبر بقاء الشرائط
الى زمان العود الى وطنه ،
لعدم الحاجة حينئذ اليها .
وإن مات قبل ذلك كما لو مات
بعد مضي زمان يمكن فيه أن يحرم ويدخل
الحرم فالظاهر عدم استقرار
الحج عليه ، لان النصوص مختصة بمن شرع في الحج
ومات في الطريق ، ولا تشمل
من لم يشرع فيه ، والتعدي يحتاج الى دليل ، ولذا لو علم
بأنه يموت قبل تمام الاعمال
لا يجب عليه الحج .
كما أنه ظهر مما ذكرناه ضعف
سائر الاقوال .
أما الاول ، فلانه كما يعتبر
في الحج بقاء الاستطاعة الى آخر الاعمال يعتبر
بقاؤها الى العود الى وطنه ،
وقد مر ذلك ، وأما الرجوع الى الكفاية فقد مر أن تلف ما
به الكفاية بعد العود لا يضر
بالوجوب ولا ينافيه ، نعم يتم ذلك في الحياة والعقل .
وأما الثاني ، فلان الظاهر
أنه لا مدرك له سوى أن باقي الاجزاء والشرائط لو
تركت لعذر أو لا لعذر لا يجب
تداركها ، ولا ينافي صحة الحج .
ولكن يرد عليه : أن ذلك أعم
من عدم اعتبار وجود شرائط الاستطاعة فيها ،
بل مقتضى ظواهر الادلة
اعتبارها فيها على حد اعتبارها في الاركان فمع فقدها
يستكشف عدم الوجوب .
وأما الثالث ، فلان مدركه
إلحاق المقام بما لو مات بعد الاحرام ودخول الحرم ،
وقد عرفت عدم الالحاق وأنه
لا وجه للتعدي وإلا لزم وجوب الحج على من علم باننفاء
[ . . . ]
الشرائط بعد دخول الحرم من
الاول ، ولم يلتزم بذلك أحد .
وأما الرابع ، فلان مدركه
إطلاق أدلة القضاء ونصوص الموت قبل الاحرام وقد
عرفت ما فيه .
وأما الخامس ، فلانه وإن كان
تاما بالنسبة الى جملة من الشرائط إلا أنه لا يتم
بالنسبة الى جميعها ، وأيضا
لا يتم بالنسبة الى من يريد المقام بمكة ، فراجع ما ذكرناه .
وأما السادس ، فلم يظهر لي
مدركه حتى أجعله مورد البحث .
ولو علم من الاول بقاء
الشرائط الى آخر ما يعتبر فلا إشكال في وجوب
خروجه ، كما مر وجهه ، ولو
علم بعدم بقائها اليه لا إشكال في عدم وجوب الخروج ،
ولو شك في ذلك فبناء على
المختار من جريان الاستصحاب في الامر الاستقبالي
يجري ويحكم بوجوب الخروج
ظاهرا .
ولو لم يخرج الى الحج وزالت
استطاعته قبل مضي زمان حكمنا فيه باستقرار
الحج ، فإن كان زوالها
مستندا الى عدم خروجه الى الحج فلا إشكال في استقرار الحج
عليه .
وإن علم بعدم دخل الذهاب الى
الحج وعدمه في الزوال لا كلام في عدم
الاستقرار ، لانه يكشف التلف
حينئذ عن عدم استقرار الحج في ذمته ، ولو شك في ذلك
لامحالحة يشك في الاستقرار
وعدمه ، وبالتبع يشك في وجوب القضاء وعدمه فيرجع الى
أصالة البراءة المقتضية لعدم
الوجوب .
لو
زال بعض الشرائط في أثناء حجه
الثاني : لو زال بعض الشرائط
غير الحياة في الاثناء فأتم الحج على تلك الحال
فهل يكفي عن حجة الاسلام ؟
فيه وجوه وأقوال ، ثالثها : ما في العروة من التفصيل
[ . . . ]
بين الاستطاعة البدنية
والسربية والمالية ونحوها فيكفي عنها ، وبين مثل العقل فلا
يكفي .
رابعها : ما اختاره بعض
الاعاظم وهو التفصيل بين الاستطاعة المالية ، فلو
زالت في أثناء العمل لم يجزئ
عن حجة الاسلام ، وبين غيرها من الشرائط فيجزي
عنها وإن زالت في الاثناء .
وملخص القول في ذلك : أنه لا
ينبغي التوقف في أن الاستطاعة التي هي
موضوعة لوجوب الحج لا يراد
بها الحدوث فقط ، بل هي كسائر الموضوعات يدور الحكم
مدارها حدوثا وبقاء ، نعم لو
استقر الحج وأهمل يجب الحج وإن زالت ، ولكنه فرع آخر
غير مربوط بالمقام .
وما ذكره بعض الاعاظم من أن
شرائط الاستطاعة على قسمين :
الاول : ما دل دليل بالخصوص
على اعتباره .
الثاني : ما دخل تحت عنوان
العذر وهو ما يصح الاعتذار به عند العقلاء في
ترك الحج .
فالقسم الاول ، إذا حج مع فقده
ولو في الاثناء لم يكن حجه حجة الاسلام ،
لفقد شرطها وهو الاستطاعة .
والقسم الثاني ، إذا حج مع
فقد أجزأه وكان حج الاسلام ، لان دليل اعتباره
يختص بما لو ترك الحج معتذرا
به ، فلا يشمل ما لو حج مقدما عليه .
وعد من القسم الاول
الاستطاعة المالية ، وبقية الشرائط غير الاستطاعة
السربية والبدنية من القسم
الثاني .
وأما هما فحيث إن المراد من
صحة البدن ما يقابل الاحصار ، ومن تخلية السرب
ما يقابل الصد فلا يمكن فرض
الحج مع انتفائهما قابل للمناقشة من وجوه :
أحدها : أن بعض ما لم يدل
دليل على إعتباره بالخصوص يدل على اعتباره
[ . . . ]
قاعدة نفي العسر والحرج لولا
كلها ، وعليه فمقتضى إطلاقها أيضا اعتبارها في جميع
الافعال والى آخر الاعمال .
ثانيها : أن المراد من صحة
البدن وتخلية السرب أعم مما أفاده ، راجع ما ذكرناه ،
وعليه فحكم انتفائهما في
الاثناء حكم انتفاء الاستطاعة المالية .
ثالثها : أن اختصاص اعتبار
ما دخل تحت العذر بما لو ترك الحج غير ظاهر
الوجه ، فإن النصوص المستفاد
منها ذلك وإن كان موردها صورة ترك الحج ، ولكن
يستفاد من مفهومها اعتبار
عدم العذر مطلقا كما لا يخفى .
رابعها : أن نفقة العود الى
الوطن لمن يريد الرجوع اليه قد مر في محله دلالة
النصوص عليها ، فلا وجه
لاخراج العود الى الوطن ، وعلى ما ذكرناه فالاظهر عدم
إجزاء الحج الذي زال بعض
الشرائط في أثنائه عن حج الاسلام من غير فرق بينها .
ودعوى : استفادة الاجزاء لو
زال بعد دخول الحرم من نصوص الاجزاء لو
مات بعد دخوله بتقريب : أن
زوال بعض الشرائط مع إتيان الحج بتمامه أولى بالاجزاء
من الموت الموجب لعدم إتمام
العمل . فيها : أن ذلك لا يخرج عن القياس بعد عدم العلم
بالمناط ، ولعله للموت
خصوصية .
لو
مات المستطيع في عام استطاعته
الثالث : لو مات المستطيع
فإن كان ذلك بعد استقرار الحج يجب القضاء عنه
بلا خلاف ، ولا كلام نصا
وفتوى ، وفي المستند : بالاجماع المحقق والمحكي في الخلاف
والمنتهى والتذكرة . انتهى .
ويشهد به جملة كثيرة من
النصوص كصحيح معاوية بن عمار عن الامام
الصادق ( ع ) عن الرجل يموت ولم
يحج حجة الاسلام ويترك مالا ، قال عليه السلام :
[ . . . ]
عليه أن يحج من ماله رجلا
صرورة لا مال له ( 1 ) .
وصحيح محمد بن مسلم عن
الامام الباقر عليه السلام عن رجل مات ولم يحج
حجة الاسلام يحج عنه ؟ قال
عليه السلام : نعم ( 2 ) .
وصحيح رفاعة عن سيدنا الصادق
عليه السلام عن رجل يموت ولم يحج حجة
الاسلام ولم يوص بها أيقضى
عنه ؟ قال عليه السلام : نعم ( 3 ) . ونحوها غيرها من
النصوص الكثيرة .
وتضمنها الجملة الخبرية لا
يضر ، فإنها أصرح في الوجوب من الامر .
ولو مات قبل أن يستقر الحج
عليه ، كما لو مات قبل أن يمضي زمان يمكن
فيه إتيان جميع الاعمال
فالظاهر أنه لا خلاف في عدم وجوب القضاء عنه .
وربما يقال بأنه يجب القضاء
عنه ، وذلك لانه لم يدل دليل تعبدي على اعتبار
الحياة في الاستطاعة وإنما
كانت دخالتها لاجل دخلها في القدرة العقلية التي ليست
من شرائط الاستطاعة شرعا ،
بل هي شرط لحسن الخطاب عقلا ، فيجب القضاء عنه
لتمامية الموضوع ، كما هو
المفروض .
ولان الظاهر كفاية فوت
الملاك التام في وجوب القضاء ، والمفروض عدم دخل
القدرة في الملاكات ، ودخلها
في حسن الخطاب .
ولاطلاق النصوص المتقدمة
آنفا ، فإنها بإطلاقها تدل على أنه يجب القضاء عن
كل من مات وترك من المال ما
يحج به ولو لم يكن مستطيعا في حال حياته لفقد شرط
آخر ، لكن قيد إطلاقها بما
دل من النصوص على أن وجود مقدار نفقة الحج من تركة
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 28 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 28 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 28 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 6 .
[ . . . ]
الميت لايكفي في وجوب القضاء
عنه كصحيح معاوية بن عمار عن امامنا الصادق عليه
السلام في حديث : ومن مات ولم
يحج حجة الاسلام ولم يترك إلا قدر نفقة الحمولة وله
ورثة فهم أحق بماترك ( 1 ) .
وخبر هارون بن حمزة الغنوي
عنه عليه السلام في رجل مات ولم يحج حجة
الاسلام ولم يترك إلا قدر
نفقة الحج وله ورثة ، قال عليه السلام : هم أحق بميراثه .
الحديث ( 2 ) . ونحوهما
غيرهما ، فيبقى إطلاقها بالنسبة الى من مات في عام استطاعته
بحاله .
ولان مقتضى إطلاق ما دل على
أن من مات في طريق الحج إن كان الموت قبل
دخول الحرم وقبل أن يحرم يجب
القضاء عنه - عدم الفرق بين كون الحج في عام
الاستطاعة وكونه بعد
استقراره ، ويتم فيمن لم يذهب الى الحج بعدم الفصل .
وفي الكل نظر .
أما الاول : فلان الحياة
معتبرة في الاستطاعة ، لان النصوص المفسرة توسع
دائرة الاستطاعة ولا تضيقها
، مع أن الاستطاعة السربية بمعنى تخلية السرب له
وتمكنه من المسير ،
والاستطاعة البدنية تستلزمان الحياة .
وأما الثاني ، فلان عدم دخل الحياة
في ملاك الحج لا يحرز إلا بعلم الغيب أو
بإخبار العالم به .
وأما الثالث ، فلانها ليست
في مقام بيان من يجب القضاء عنه ومن لا يجب ، بل
في مقام بيان أن من يجب
القضاء عنه يخرج حجه من ماله ، وأنه لا يتوقف الوجوب
على الايصاء ولو لم يوص به
أيضا يخرج من ماله .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 25 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 14 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1
[ . . . ]
مع أنه لو سلم ثبوت الاطلاق
لها من هذه الجهة أيضا يقيد إطلاقها بصحيح
الحلبي عن امامنا الصادق
عليه السلام قال : سألني رجل عن امرأة توفيت ولم تحج
فأوصت أن ينظر قدر ما يحج به
فإن كان أمثل أن يوضع في فقراء ولد فاطمة عليها
السلام وضع فيهم ، وإن كان
الحج أمثل حج عنها ، فقلت له : إن كان عليها حجة
مفروضة فان ينفق ما أوصت به
في الحج أحب الي من أن يقسم في غير ذلك ( 1 ) .
ومعلوم أن المراد من الاحبية
الاحبية التعينية نظير الاولوية في آية الارث ، فإنه
عليه السلام علق تعين صرفه
في الحج على كون الحج مفروضا ، فمفهومه أنه مع عدم
استقرار الحج عليها لا يتعين
صرف مالها في الحج ، فيقيد به إطلاق تلك النصوص لو
كان لها إطلاق .
وأما الرابع ، فلان عدم
القول الفصل غير ثابت ، بل الثابت خلافه ، فالاظهر
عدم وجوب القضاء ، ولكن
الاحتياط بالقضاء عنه لا ينبغي تركه .
حجة
الاسلام تقضى من أصل التركة
الرابع : تقضى حجة الاسلام
من أصل التركة إذا لم يوص بها بلا خلاف ، وفي
التذكرة : عند علمائنا أجمع
، وفي المستند : والظاهر أنه إجماعي ، وفي الجواهر : بلا خلاف
أجده فيه بيننا ، بل الاجماع
بقسميه عليه .
ويشهد به حسن الحلبي عن
مولانا الصادق عليه السلام يقضى عن الرجل
حجة الاسلام من جميع ماله (
2 ) .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 65 من كتاب الوصايا حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 28 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 .
[ . . . ]
وموثق سماعة عن الامام
الصادق عليه السلام عن الرجل يموت ولم يحج حجة
الاسلام ولم يوص بها وهو
موسر ، فقال عليه السلام : يحج عنه من صلب ما له لا يجوز
غير ذلك ( 1 ) .
وصحيح العجلي عنه ( ع ) عن
رجل استودعني ما لا وهلك وليس لولده شئ
ولم يحج حجة الاسلام ، قال
عليه السلام : حج عنه وما فضل فأعطهم ( 2 ) . ونحوها
غيرها .
وأما صحيح معاوية ، وخبر
الغنوي المتقدمان في المبحث الثالث ، وفي الاول :
من مات ولم يحج حجة الاسلام
ولم يترك إلا قدر نفقة الحمولة وله ورثة فهم أحق بما
ترك . وفي الثاني بدل ( نفقة
الحمولة ) : ( نفقة الحج ) فلا يصلحان لمعارضة تلك ، فإنهما في
غير من استقر عليه الحج ،
لان مجرد نفقة الحمولة أو الحج لا يوجب الاستطاعة
للتوقف على نفقة العيال
والعود الى الكفاية .
وكذا تقضى حجة الاسلام من
صلب ماله إذا أوصى بها من غير تعيين كونها
من الاصل أو الثلث ، كما
يشهد به مصحح معاوية بن عمار عن الامام الصادق عليه
السلام عن رجل مات فأوصى أن
يحج عنه ، قال عليه السلام : إن كان صرورة فمن
جميع المال ، وإن كان تطوعا
فمن ثلثه ( 3 ) . ونحوه صحيح الحلبي عنه عليه السلام ( 4 ) .
وأن أوصى بإخراجها من الثلث
وجب إخراجها منه عملا بالوصية .
ودعوى : أن مقتضى إطلاق
المصحح والصحيح إخراجها من الاصل ، وإن
أوصى بها من الثلث فيصرف
الثلث في سائر مصالحه إن أوصى به أيضا . يدفعها : أن
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 28 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 13 من
أبواب النيابة حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 25 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 25 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .
[ . . . ]
الظاهر من الخبرين كون
السؤال عن أن الحج هل هو كسائر المصالح إن أوصى به
يخرج من الثلث ؟ فأجاب ( ع )
بأن الوصية بالحج لا يلحقها حكم الوصية ، بل هو
بحسب الوظيفة الاولية
الشرعية يخرج من الاصل وإن أوصى به ، ولا تعرض فيهما
لصورة ما إذا عين الموصي
إخراج الحج من الثلث أو الاصل ، فالمرجع في ذلك هو أدلة
الوصية ، وعلى هذا فإن لم
يزاحمه شئ فلا كرام .
وإن زاحمه وصية اخرى كما لو
أوصى بإخراج حجه من الثلث وأوصى بالصدقة
عنه ولم يكن الثلث وافيا
بهما فتارة تكون تلك الوصية من الوصايا المستحبة ، واخرى
تكون من الوصايا الواجبة .
فإن كانت من الوصايا
المستحبة يقدم الحج عليها لا لما قيل من أن المستحب
لا يصلح أن يزاحم الواجب ،
وأنه كلما وقع التزاحم بينهما يقدم الواجب فالحج الواجب
يقدم على غيره ، فإنه يدفعه
: أن الوجوب والاستحباب متوجهان الى الميت ، ولا تزاحم
بينهما ، وإنما التزاحم في
وجوب العمل بالوصية ، وفي كلا الموردين يكون وجوب الوصية
ثابتا في نفسه ، ونسبته
اليهما على حد سواء ، فلا وجه لترجيح الواجب بعد اشتراكهما
في المناط ، بل لجملة من
النصوص كصحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق ( ع )
عن امرأة أوصت بمال في
الصدقة والحج والعتق ، فقال ( ع ) : ابدأ بالحج فإنه مفروض ،
فإن بقي شئ فاجعله في العتق
طائفة وفي الصدقة طائفة ( 1 ) .
وخبره الآخر قال : إن امرأة
هلكت وأوصت بثلثها يتصدق به عنها ويحج عنها
ويعتق عنها فلم يسع المال
ذلك - الى أن قال - فسالت أبا عبد الله ( ع ) عن ذلك ،
فقال : ابدأ بالحج فإن الحج فريضة
، فما بقي فضعه في النوافل ( 2 ) .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 30 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 30 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .
[ . . . ]
وإن كانت من الوصايا الواجبة
، فقد يقال بأنه حيث لا نص خاص فيه فيرجع
الى أدلة الوصية ، ومقتضاها
تقديم السابقة إذا كانت مترتبة ، ورجوع النقص على
الجميع على النسبة إذا كانت
غير مترتبة ، ولكن يمكن أن يقال بتقديم الحج في هذه
الصورة أيضا ، لعموم التعليل
.
توضحيح ذلك : أن التعليل في
بادئ النظر يحتمل فيه أمران :
الاول : أن يكون المراد : أن
الحج كان واجبا على الميت وغيره مستحب ، فعند
المزاحمة يقدم الواجب ،
وعليه فلا ربط له بهذه الصورة .
الثاني : أن يكون المراد أن
الحج يجب إخراجه مع قطع النظر عن الوصية وإن
لم يسعه الثلث ، بخلاف غيره
الذي لا يجب إخراجه اذا لم يسعه الثلث ، فيقدم الاول
لكونه رافعا للثاني .
وبعبارة اخرى : النسبة
بينهما نسبة الواجب المطلق والمشروط ، وعليه فمقتضى
عموم العلة تقديم الحج في
المقام ، والظاهر هو الثاني ، إذ الظاهر من التعليل كونه تعليلا
بأمر ارتكازي عرفي ، ولازم
الاول حمله على التعبد الصرف ، لما عرفت من أن الواجب
على الميت والمستحب عليه
نسبتهما الى وجوب العمل بالوصية على حد سواء ، مع أن
ظهور الوصف في الفعلية يقتضي
ذلك ، كما هو واضح ، فالاظهر تقديم الحج على سائر
الوصايا مطلقا .
الخامس : لو كان عليه دين أو
خمس أو زكاة ولم يحج حجة الاسلام وأوصى بها
أو لم يوص بها ، وقصرت
التركة ، فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجودا
قدم ذلك ، لما تقدم من
تعلقهما بالعين ، فقبل أن يموت كان المال متعلقا لحق الغير
[ . . . ]
وهكذا يبقى بعده ، والدين والحج
وإن تعلقا به إلا أنه بعد الموت ، فقبل تعلقهما يكون
المال غير طلق ، وتعلق حق
الغير به قبلا مانع عن تعلقهما به وهو واضح ، وإن كانا في
الذمة فحكمهما حكم سائر
الديون وحكم الحج أيضا حكمها ، لما دل من النصوص
على أن الحج بمنزلة الدين ،
فالجميع متساوية من هذه الجهة لا ترجيح لاحدها على
غيره ، كي يقدم فلا بد من
الالتزام بالتوزيع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس .
وفي المقام قولان آخران :
أحدهما : تقديم دين الناس ، ثانيهما : تقديم الحج .
أما الاول فقد استدل له
بأهمية حق الناس من حق الله تعالى ، وقد مر في بعض
المباحث المتقدمة ما في هذه
الكبرى الكلية .
وأما الثاني فقد أستدل له
بمصحح معاوية بن عمار ، قلت له : رجل يموت وعليه
خمسمائة درهم من الزكاة
وعليه حجة الاسلام وترك ثلاثمائة درهم فأوصى بحجة
الاسلام وأن يقضى عنه دين
الزكاة ، قال عليه السلام : يحج عنه من أقرب ما يكون
ويخرج البقية في الزكاة ( 1
) .
وخبره الآخر عن الامام
الصادق عليه السلام في رجل مات وترك ثلاثمائة درهم
وعليه من الزكاة سبعمائة
درهم وأوصى أن يحج عنه ، قال : يحج عنه من أقرب المواضع
ويجعل ما بقي في الزكاة ( 2
) .
وأورد على الاستدلال بهما
صاحب الجواهر - ره - بقوله : إنه يمكن كون
ما ذكره فيهما مقتضى التوزيع
أيضا . انتهى .
واجيب عنه بأنه لا يجب الحج
البلدي ، بل الميقاتي يكون مجزيا ، وعليه فتكون
حصة الحج على التوزيع غير
كافية فيه ، فالحكم بأن يحج عنه من أقرب ما يكون ينافي
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب المستحقين للزكاة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 42 من
أبواب أحكام الوصايا حديث 1 .
[ . . . ]
التوزيع .
أقول : كون الحج الواجب هو
الميقاتي ليس من الواضحات ، فليكن هذان
الخبران مما يدل على وجوب
البلدي ، ومجرد هذا الاحتمال المؤكد بقوله : من أقرب ما
يكون ، يكفي في بطلان
الاستدلال ، مع أنه يمكن أن يكون المراد ( من أقرب ما يكون )
مكة ، وعليه فيتم حتى بناء
على وجوب الميقاتي ، فالحق أن هذا بضميمة إعراض
الاصحاب واختصاصهما بالزكاة
يكفي في بطلان هذا القول أيضا فالاظهر هو
التوزيع .
وعليه فإن وفت حصة الحج بأحد
النسكين : الحج والعمرة ، ففي مثل حج
القران والافراد حيث إن كلا
منهما عمل مستقل واجب غير مرتبط بالآخر وجب
صرفها في أحدهما ، فإن لم
يحتمل أهمية الحج تخير بينهما ، وأن احتمل تلك - نظرا الى
ما ورد فيه من الاخبار
المتضمنة للتشديدات التي لم ترد في العمرة ، والى ما دل من
النصوص على أنه يخرج من
الاصل وإن كانت العمرة أيضا كذلك على ما ستعرف
إلا أنه ليس لدليل خاص -
يتعين تقديم الحج ، لان من مرجحات باب التزاحم احتمال
الاهمية .
وأما في حج التمتع ، فقد
يحتمل تقديم الحج ، لما مر .
وربما يحتمل تقديم العمرة ،
لانها متقدمة زمانا بناء على كون التقدم الزماني
من المرجحات وإن لا نسلمه .
وربما يحتمل التخيير .
ولكن الاظهر هو السقوط وعدم
لزوم صرفها في شئ منهما ، لانهما في حج
التمتع عمل واحد لم يثبت
مشروعية أحدهما بدون الآخر .
وقاعدة الميسور - مضافا الى
صعف سند ما استدل به لها - تختص بالميسور من
الافراد ، ولا تشمل الميسور
من الاجزاء ، كما حققناه في الجزء الثاني من حاشيتنا على
[ . . . ]
الكفاية .
لو
كان عليه الحج ولم تف التركة به
السادس : إذا كان على الميت
الحج ولم تكن تركته وافية به حتى من مكة ولم
يكن دين ، فتارة لا يعين
مالا له ولا يوصي به ، واخرى يعين ذلك .
وإن لم يعين فإن وفت التركة
بأحد النسكين ففي مثل حج القران والافراد
يتعين صرفه في أحدهما إما
تخييرا أو خصوص الحج على الخلاف في الفرع السابق ،
وفي مثل حج التمتع لا يجب
صرفها في شئ منهما ، بل لا يجوز كما عرفت ، وعليه
فالظاهر كونها للورثة ، إذ
المانع عن الميراث هو وجوب الحج ، فمع فرض عدم
الوجوب لعدم كفاية المال لا
مانع من الميراث .
نعم لو احتمل كفايتها للحج
بعد ذلك أو وجود متبرع بدفع التتمة لمصرف
الحج وجب إبقاؤها ، للزوم الاحتياط
عند الشك في القدرة .
وأما إن عين مالا له وأوصى
به فمقتضى القاعدة وإن كان ما ذكر ، إلا أنه دل
دليل خاص على لزوم صرفه في
التصدق عنه ، وهو خبر علي بن مزيد ( فرقد خ ل ، مرثد
خ ل ، يزيد خ ل ) عن امامنا
الصادق عليه السلام عن رجل مات وأوصى بتركته أن
أحج بها فنظرت في ذلك فلم
يكفه للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا : تصدق
بها . فقال عليه السلام : ما
صنعت بها ؟ فقلت : تصدقت بها . فقال عليه السلام : ضمنت
إلا أن لا يكون يبلغ ما يحج
به من مكة ، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس
عليك ضمان ( 1 ) . فإنه يدل
بالاطلاق على أن الوصي إذا صرف المال الموصى به للحج
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 37 من أبواب أحكام الوصايا حديث 2
[ . . . ]
في الصدقة عنه مع عدم وفائه
بالحج من دون أن يراجع الورثة في ذلك لم يفعل حراما ،
ولا يكون ضامنا ، ولولا
تعينه لذلك كان المال للورثة ولم يكن يجوز للوصي ذلك ، فمن
الحكم بالجواز يستكشف عدم
الانتقال الى الورثة .
ودعوى : أنه ضعيف السند من
جهة أن الراوي مهمل مجهول الحال . فيها : أن
الخبر مروي بسند صحيح عن ابن
أبي عمير الذي هو من أصحاب الاجماع فلا ينظر
الى من قبله من الرجال ، فلو
كان الذي يروي عنه ابن أبي عمير معلوم الضعف يكون
الخبر معتبرا لو صح سنده
اليه فضلا عما اذا كان مجهولا كما في المقام ، فالاظهر أنه
يتعين في هذه الصورة صرفه في
التصدق عنه ، ولو علم بعدم الخصوصية لصورة التعيين
يتعدى عنها الى الصورة
الاولى ، وإلا فيقتصر عليها .
والظاهر اختصاص الخبر بالحج
الواجب ، وإلا فلو كان مستحبا لما كانت
الوصية بإخراجه من جميع
التركة نافذا ، فحيث إن ذلك مفروغ عنه سؤالا وجوابا
فيستكشف كونه واجبا .
وفي المقام فرع آخر يناسب
ذلك وهو : أنه لو أوصى الميت بالحج عنه وتبرع
متبرع عن الميت ، فتارة يكون
الحج واجبا ، واخرى يكون مستحبا أوصى به من
الثلث ، فإن كان واجبا ، فإن
عين مقدارا له لا يبعد القول بلزوم صرفه في التصدق عنه ،
لخبر علي المتقدم ، فإن
مورده وإن كان هو الوصية بتمام التركة لكنه لا يبعد التعدي
الى المقام ، وإن لم يعين ذلك
، فإن احرز عدم الخصوصية للتعيين يتعدى عن مورد الخبر
ويحكم بلزوم التصدق ، وان لم
يحرز ذلك رجعت اجرة الاستيجار الى الورثة ، لما مر من
أن المانع من الارث الحج
فإذا جئ به لا مانع من الارث ، وإن كان مستحبا ، فالظاهر
تعين صرفه في الحج عنه لانه
بتبرع المتبرع لا ينتفي الموضوع وهو واضح .
ثم انه لا كلام في صحة
التبرع ، بل لا خلاف فيه ولا إشكال نصا وفتوى كما صرح
به صاحب الجواهر - ره - .
[ . . . ]
ويشهد به جملة من النصوص
كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه
السلام عن رجل مات ولم يكن
له مال ولم يحج حجة الاسلام فأحج عنه بعض إخوانه
هل يجزي ذلك عنه أو هل هي
ناقصة ؟ قال عليه السلام : بل هي حجة تامة ( 1 ) . وهو
محمول على ما لو وجب عليه
الحج من قبل ، ولكن حين الموت لم يكن له مال كما لا
يخفى .
وخبر عامر عنه عليه السلام ،
قال : قلت له : بلغني عنك أنك قلت : لو أن رجلا
مات ولم يحج حجة الاسلام فحج
عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه ، فقال عليه السلام :
نعم ، اشهد بها على أبي أنه
حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه رجل
فقال : يا رسول الله إن أبي
مات ولم يحج . فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
حج عنه فإن ذلك يجزي عنه ( 2
) . ونحوهما غيرهما فلا إشكال في الحكم .
الواجب
الحج البلدي أو الميقاتي
السابع : هل الواجب
الاستيجار عن الميت من الميقات أو البلد ؟ والمسألة ذات
أقوال ثلاثة :
الاول : أنه يستأجر من البلد
مع السعة في المال وإلا فمن الميقات . نسب ذلك
في المستند الى الشيخ في
النهاية ، والصدوق في المقنع ، والحلي والقاضي ، والجامع ،
والمحقق الثاني ، والدروس ،
وظاهر اللمعة .
الثاني : أنه يستأجر من
البلد مع السعة وإلا فمن الاقرب اليه فالاقرب . حكاه
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 31 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 31 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .
[ . . . ]
في الشرائع قولا ، ونسب الى
الدروس والحلي .
الثالث : أنه يستأجر من أقرب
المواقيت الى مكة إن أمكن وإلا فمن الاقرب
اليه فالاقرب . اختاره المصنف
في المتن والتذكرة وغيرهما من كتبه ، والفاضل النراقي
في المستند ، والمحقق في
الشرائع .
وفي الجواهر بعد نقل ذلك عن
المحقق : عن الاكثر ، بل المشهور ، بل عن
الفقيه الاجماع عليه . انتهى
.
وفي المستند : كما هو مختار
المبسوط والخلاف والوسيلة والغنية والفاضلين في
كتبهما والمسالك والروضة
والمدارك والذخيرة وأكثر المتأخرين بل مطلقا ، وفي الغنية :
الاجماع عليه . انتهى .
وعن المدارك : احتمال آخر
وهو وجوب الاستيجار من البلد مع السعة وإلا
فالسقوط ، ولكن قال : لا
نعرف بذلك قائلا .
وفي المستند : لا يعرف قائله
كما صرح به جمع ، بل نفاه بعضهم .
والتحقيق : أنه يجب
الاستيجار من الميقات ، والظاهر أن مراد الاصحاب من
أقرب المواقيت ما هو أقل
قيمة ، فمرادهم أنه لا يجب على الورثة ما هو أكثر قيمة فلا
دليل عليه ، كما سيمر عليك .
والوجه في ذلك : أن الواجب
على الميت إنما هو أداء المناسك في المشاعر
المخصوصة ومبدؤها الميقات ،
وأما السير من البلد الى الميقات فهو مقدمة عقلية
للواجب ولا يكون جزءا ولا
شرطا ، ولذا قلنا : أنه لو خرج الى التجارة ثم جدد نية
الحج عند المواقيت أجزأه
فعله ، فعلمنا أن قطع الطريق غير مطلوب للشرع ، وبالجملة
وجوب السير ليس إلا عقليا ،
ولو سلم كونه شرعيا فهو ليس داخلا في الحج شرطا
أو شطرا ، كي يجب الاتيان به
أيضا .
وليس للاصحاب في مقابل هذا
البرهان سوى امور :
[ . . . ]
أحدها : ما نقله في التذكرة
قال : إن الحج وجب على الميت من بلده فوجب أن
ينوب عنه منه ، لان القضاء
يكون على وفق الاداء .
وفيه : ما تقدم من منع
الوجوب من البلد أولا ، وعدم لزوم قضائه ثانيا ، لعدم
كونه جزءا للحج أو شرطا له .
الثاني : النصوص الدالة على
أن من لم يتمكن من المباشرة يستنيب شخصا
آخر .
وفيه أولا : أنه في تلك المسألة
أيضا لا تدل النصوص على لزوم الاستنابة من
البلد ، إذ ليس في تلك
النصوص إلا ما بهذا المضمون : عليه أن يجهز رجلا من ماله ،
ولا ظهور لذلك في التجهيز من
البلد أو الميقات .
وثانيا : أنه لا يخرج عن
القياس بعد عدم العلم بالمناط كما لا يخفى .
الثالث : الاخبار الواردة في
الوصية بالحج ، فإن في جملة منها صرح بأنه يستأجر
من البلد ، فبعد إلغاء
الخصوصية يتم المطلوب .
أقول : تلك النصوص ستمر عليك
، وستعرف أن الجمع بينها يقتضي البناء على
كونه من الميقات ، مع أنه
يحتمل أن يكون للوصية حكم خاص من جهة التعارف ، كما
اشار اليه سيد المدارك قال :
ولعل القرائن الحالية كانت دالة على إرادة الحج من البلد ،
كما هو المنصرف من الوصية
عند الاطلاق في زماننا ، فلا يلزم مثله مع انتفاء الوصية .
انتهى .
الرابع : خصوص الخبر المروي
عن مستطرفات السرائر من كتاب المسائل
بسنده عن عدة من أصحابنا
قالوا : قلنا لابي الحسن - يعني علي بن محمد عليهما
السلام - إن رجلا مات في
الطريق وأوصى بحجه وما بقي فهو لك ، فاختلف أصحابنا ،
فقال بعضهم : يحج عنه من
الوقت فهو أوفر للشئ أن يبقى . وقال بعضهم : يحج عنه
[ . . . ]
من حيث مات . فقال عليه
السلام : يحج عنه من حيث مات ( 1 ) .
وفيه : - مضافا الى أنه وارد
في الوصية - أنه يحتمل - لو لم يكن هو الظاهر -
أن يكون المراد من قوله :
بحجه . إتمام حجته فيكون من باب الوصية بذلك وخارجا
عما نحن فيه ، فإذا لا ينبغي
التوقف في كفاية الميقاتي .
والغريب مع ذلك دعوى بعضهم
تواتر الاخبار بالحج من البلد ، فلنعم ما أفاد
المحقق في محكي المعتبر
والمصنف - ره - في محكي المختلف من أنه لم نقف في ذلك على
خبر شاذ فكيف يدعى التواتر !
؟ هذا كله مع عدم الوصية .
ولو أوصى بالاستيجار من
البلد أو الميقات وجب ، وهل يحسب الزائد عن اجرة
الميقاتية من الثلث كما في
المدارك والجوار والعروة ، أم يحسب من الاصل ؟ وجهان .
يمكن الاستدلال للثاني
بإطلاق موثق ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه سئل عن رجل أوصى بماله
في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده ، قال عليه
السلام : فيعطى في الموضع
الذي يحج به عنه ( 2 ) بتقريب : أن الظاهر منه الوصية بجميع
ماله ، ومن جهة ترك
الاستفصال يكون مطلقا من حيث كون الحج واجبا أو مندوبا ،
فمفاده أن الحج يجب إخراجه
من جميع المال من أي مكان وسع المال وبه يقيد إطلاق
ما دل من النصوص على عدم
نفوذ الوصية في الزائد عن الثلث .
واورد عليه إيرادان :
الاول : أن كلمة ماله في
الخبر كما يمكن أن يكون بكسر اللام ، فيدل على
ما افيد ، يمكن أن يكون بفتح
اللام بأن يكون ما موصولة واللام جارة ، فلا يدل على
ذلك كما لا يخفى .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب النيابة حديث 9 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من
أبواب النيابة في الحج وشرائطه حديث 2
[ . . . ]
وفيه : أن ذلك - أي احتمال
كون اللام مفتوحة - خلاف الظاهر جدا .
الثاني : أن في باب الوصية
طوائف من النصوص ، منها : ما يدل على نفوذ
الوصية بأكثر من الثلث كخبر
أبي بصير عن الامام الصادق عليه السلام في حديث :
فإن أوصى به فليس له إلا
الثلث ( 1 ) . ونحوه غيره .
ومنها : ما يدل على جواز
الوصية بتمام المال اذا لم يكن له وارث ، كخبر السكوني
عنه عليه السلام عن أبيه
عليه السلام فيمن لا وارث له ، قال : يوصي بماله حيث شاء
في المسلمين والمساكين وابن
السبيل ( 2 ) ونحوه غيره .
ومنها : موثق ابن بكير .
فإذا قيدنا إطلاق الطائفة
الاولى بالثانية تنقلب النسبة بين الثالثة والاولى من
العموم المطلق الى العموم من
وجه ، فإن لهما مادة الاجتماع وهي الوصية بأزيد من
الثلث في غير الحج مع وجود
الوارث ، ومادتي الافتراق وهما الوصية بأزيد من الثلث
في غير الحج مع وجود الوارث
، والوصية بأزيد من الثلث مع عدم وجوده ، فلا تصلح
الثالثة لتقييد الاولى .
وفيه : إنا لا نقول بانقلاب
النسبة ، سيما فيما إذا ورد عام وخاصان ، بل يلاحظ
النسبة بين العام والخاصين دفعة
واحدة ، فالاظهر أنه يخرج من الاصل ، ولا وجه
لاحتسابه من الثلث .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 10 من أبواب الوصايا حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 12 من
أبواب الوصايا حديث 1 .
[ . . . ]
الواجب
في صورة الوصية الحج البلدي أو الميقاتي
ولو أوصى بالاستيجار عنه ولم
يعين شيئا ولم يكن هناك انصراف ، فهل تكفي
الميقاتية أم لا ؟
وملخص القول فيه :
أن النصوص الواردة فيه على
طوائف :
الاولى : ما يدل على أنه إن
وفى المال وجب الحج عنه من البلد ، وإلا فمن
الميقات كصحيح الحلبي عن
الامام الصادق عليه السلام : وإن أوصى أن يحج عنه
حجة الاسلام ولم يبلغ ماله
ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت ( 1 ) . فإنه بالمفهوم يدل
على أنه مع وفاء المال يحج
عنه من البلد ، وبالمنطوق يدل على أنه مع عدم الوفاء يحج
عنه من الميقات .
وصحيح علي بن رئاب عنه عليه
السلام عن رجل أوصى أن يحج عنه حجة
الاسلام ولم يبلغ جميع ما
ترك إلا خمسين درهما ، قال عليه السلام : يحج عنه من بعض
المواقيت التي وقتها رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم من قرب ( 2 ) . ومفهومه وإن كان
أنه مع وفاء المال يحج عنه
مما قبل الميقات ولم يعين البلد ، ولكن لعدم الفصل يتم
المطلوب .
الثانية : ما يدل على أنه مع
وفاء المال يحج عنه من البلد وإلا فمن المكان الذي
يفي به المال ، كموثق عبد
الله بن بكير عن الامام الصادق عليه السلام أنه سأل عن
رجل أوصى بما له في الحج
فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده ، قال : فيعطى في الموضع
……………………………………………
( 1 ) لم أقف على هذه الصحيحة في كتاب الوسائل ، وإنما ذكره صاحب
المدارك في نفس المسألة .
( 2 ) الوسائل باب 2 من
أبواب النيابة في الحج حديث 1 .
[ . . . ]
الذي يحج به عنه ( 1 ) .
وخبر محمد بن عبد الله قال :
سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل
يموت فيوصي بالحج من أين يحج
عنه ؟ قال عليه السلام : على قدر ماله إن وسعه ماله
فمن منزله ، وإن لم يسعه
ماله من الكوفة ، وإن لم يسعه فمن المدينة ( 2 ) .
ومحمد بن عبد الله وإن كان
مجهولا إلا أن الراوي عنه البزنطي الذي هو من
أصحاب الاجماع ، فلا إشكال
فيه من حيث السند ، ودلالته على المطلوب واضحة .
وخبر أبي سعيد عنه عليه
السلام عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجة ،
قال عليه السلام : يحج بها
عنه رجل من موضع بلغه ( 3 ) .
وخبر أبي بصير عمن سأله قال
: قلت له : رجل أوصى بعشرين دينارا في حجه
فقال : يحج له رجل من حيث
يبلغه ( 4 ) .
وخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد
الله عليه السلام عن رجل أوصى بحجه فلم
تكفه ، قال : فيقدمها حتى
يحج دون الوقت ( 5 ) . ونحوه خبره ( 6 ) الآخر .
وأما المروي عن مستطرفات
السرائر المتقدم فليس مما نحن فيه ، لوروده في
خصوص من مات في الطريق .
والجمع بين هاتين الطائفتين
واضح ، فإنهما متوافقتان من حيث إنه إن وفى المال
يجب الحج من البلد ، وإنما
الاختلاف بينهما فيما لو لم يف به ، فإن الاولى تدل بالاطلاق
على أنه يحج عنه من الميقات
، والثانية تدل على أنه يحج عنه من المكان الذي يفي به
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب النيابة في الحج حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من
أبواب النيابة في الحج حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 2 من
أبواب النيابة في الحج حديث 5 .
( 4 ) الوسائل باب 2 من
أبواب النيابة في الحج حديث 8 .
( 5 ) الوسائل باب 2 من
أبواب النيابة في الحج حديث 7 .
( 6 ) الوسائل باب 2 من
أبواب النيابة في الحج حديث 6 .
[ . . . ]
المال ، وإن لم يف إلا من
الميقات فهي أخص من الاولى فيقيد إطلاقها بها فتكون
النتيجة : أنه إن وفى المال
يحج عنه من البلد ، وإن لم يف به فمن المكان الذي يفي به ،
وإن لم يف إلا من الميقات
فمنه .
الطائفه الثالثة : ما يدل
على أنه يحج عنه من الميقات مطلقا ، وهو خبر زكريا
ابن آدم قال : سألت أبا
الحسن عليه السلام عن رجل مات وأوصى بحجة أيجوز أن
يحج عنه من غير البلد الذي
مات فيه ؟ فقال عليه السلام : أما ما كان دون الميقات
فلا بأس ( 1 ) . وقد ذكروا
روايات اخر ولكنها ما بين ما لا يدل على هذا القول ، وما يكون
مورده غير ما نحن فيه .
وللاصحاب في الجمع بين هذه
الطائفة وما تقدم مسالك :
أحدها : ما أصر عليه بعض
الاعاظم من المعاصرين وهو حمل الاولتين على ما
إذا عين مالا للحج كما ورد
في موثق عبد الله بن بكير ، وحمل الاخيرة على ما اذا أطلق
بتقريب : أنه يقيد خبر زكريا
ابتداء بموثق ابن بكير ، ويحمل على صورة عدم الوصية
بمال معين ، ثم بعد ذلك يحمل
النصوص المطلقة الاخر - كخبر محمد بن عبد الله -
على ذلك لانه أولى من حمله
على صورة الضرورة .
وفيه أن هذا يبتنى على القول
بانقلاب النسبة ولا نقول به ، فلا وجه لتقييد
إطلاق خبر زكريا أولا ثم
ملاحظة النسبة بينه وبين سائر النصوص ، والموثق بنفسه
لا يصلح لتقييد إطلاق سائر
النصوص ، لانهما متوافقان .
ثانيها : حمل خبر زكريا على
غير حجة الاسلام ، والطائفتين الاولتين على حجة
الاسلام ، والشاهد عليه صحيح
الحلبي وصحيح ابن رئاب الواردان في خصوص حجة
الاسلام .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب النيابة في الحج حديث 4 .
[ . . . ]
وفيه : أنه لو كنا قائلين
بانقلاب النسبة إذا ورد دليلان متبائنان ، وكان لاحدهما
مقيد لزم من تقييده انقلاب
النسبة بينه وبين معارضه الى العموم المطلق - صح ما افيد ،
فإنه يقيد إطلاق خبر زكريا
بالصحيحين ، والنسبة بينه بعد التقييد وبين سائر
النصوص عموم مطلق فيقيد
إطلاقها به ، ولكن أثبتنا في محله عدم تمامية الانقلاب
حتى في هذه الصورة .
ثالثها : حمل الطائفتين
الاولتين على الاستحباب أي استحباب الحج البلدي .
ولكن الاظهر في مقام الجمع
هو الوجه الرابع وهو أن خبر زكريا الدال على
الحج الميقاتي مطلق من حيث
وفاء المال وعدمه ، فيقيد إطلاقه بالطائفتين الاولتين ،
فتكون النتيجة هو لزوم الحج
البلدي مع وفاء المال ، وإلا فمن الاقرب فالاقرب ، ومع
عدمه فمن الميقات .
وعلى ما اخترناه لو خولف
واستؤجر من الميقات برئت ذمته لتحقق الحج
الواجب عليه من الميقات ،
ولزوم الاخراج من البلد يكون تكليفا زائدا لا شرطا أو
شطرا للحج ، فما عن المدارك
من الاشكال في الاجزاء لعدم الاتيان بالمأمور به على
وجهه على هذا التقدير فلا
يتحقق الامتثال . ضعيف .
المراد
من البلد في الحج البلدي
الثامن : اختلفت كلمات القوم
في المراد من البلد في الحج البلدي على أقوال :
1 - بلد الموت . نسب ذلك الى
ابن إدريس وسيد المدارك وغيرهما .
2 - بلد الاستيطان . اختاره
صاحب الجواهر - ره - وتبعه بعض محققي العصر .
3 - ما احتمله صاحب الجواهر
- ره - وسيد العروة - وحكي عن بعض العامة
- وهو البلد الذي صار
مستطيعا فيه .
[ . . . ]
4 - ما قواه صاحب العروة وهو
القول بالتخيير بين البلدان التي كان فيها بعد
الاستطاعة .
والحق : أنه إن مات في أثناء
الطريق فالاول ، للمروي عن مستطرفات السرائر
المتقدم المصرح فيه بأنه يحج
عنه من حيث مات . وإلا فالثاني ، لان نصوص الحج
البلدي متضمنة لكلمة منزله
كما في خبر محمد بن عبد الله ، وبلاده كما في موثق ابن
بكير ، وما شاكل ، وواضح أن
المراد من تلك ما اتخذه مقرا له ومنزلا وهو بلد
الاستيطان ، وإنكار كون
المنساق من النص ذلك مكابرة .
واستشهد لكون المراد بلد
الموت مطلقا بأنه آخر مكان كان مكلفا فيه بالحج ،
وبخبر زكريا المتقدم :
أيجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه .
ولكن يرد على الاول : أن طي
الطريق والمسافة ليس داخلا في الحج ، ولذا قلنا
في صورة عدم الوصية تكفي
الميقاتية ، وإنما بنينا على لزوم البلدية في صورة الوصية ،
للنصوص الخاصة وقد مر مفادها
.
ويرد على الثاني : أن ذلك في
السؤال لافي الجواب ، والتقرير غير ثابت ، بل
الظاهر منه الردع ، فإنه
عليه السلام ردعه عن أصل اشتراط البلدية في الحج عنه ،
فلا يدل على أنه على فرض
الاشتراط يكون الميزان بلد الموت .
واستدل لكون الميزان بلد
الاستطاعة بأنه هو البلد الذي توجه اليه الخطاب
بالحج منه .
وفيه : - مضافا الى ما تقدم
من عدم تعلق التكليف بالطريق ومبدئه - أن توجه
الخطاب اليه منه إنما هو في
صورة عدم انتقاله عنه ، وإلا فمن المحل المنتقل اليه ، ولذا
نسب الى الحلي الاستدلال
بهذا الوجه للقول بكون الميزان هو بلد الموت .
واستدل للقول بالتخيير
بإطلاق النصوص ، ومنع انسباق بلد الاستيطان منها .
وفيه : ما عرفت من أن ما
فيها من الالفاظ من قبيل منزله وبلاده ظاهرة
[ . . . ]
في بلد الاستيطان ، مع أن
لازمه التخيير بين جميع البلدان لا خصوص البلدان التي كان
فيها بعد الاستطاعة .
وقد يستدل له بتوجه الخطاب
اليه بالحج في كل بلد من البلدان التي كان فيها
بعدها ، وحيث لا يمكن البناء
على وجوب الجميع تعين البناء على التخيير .
وفيه : ما عرفت من أن السير
من البلد الى الميقات ليس داخلا في الحج لا
شرطا ولا شطرا ، مع أنه لو
سلم ذلك في كل من البلد المنتقل اليه يتوجه تكليف تعييني
بالحج منه ، والتكليف بالحج
من البلد المنتقل عنه يكون ساقطا ، فلو تم هذا لزم البناء
على أن الميزان هو بلد الموت
، فالمتحصل مما ذكرناه : أنه إن مات في الطريق فالمدار
على بلد الموت وإلا فبلد
الاستيطان .
التاسع : إذا اختلف تقليد
الميت والوارث أو الوصي في اعتبار البلدية أو
الميقاتية فهل المدار على
تقليد الميت كما في العروة ، أو الوارث أو الوصي كما عن جمع
من المحققين منهم المحقق
النائيني - ره - ؟ وجهان .
وغير خفي أن هذه المسألة من صغريات
الكبرى الكلية التي لها مصاديق
وصغريات عديدة في الفقه ،
مثل : الصلاة الثابتة في ذمة الميت وما شاكل ، بل والعقود
والايقاعات التي يجريها
الوكيل .
وملخص القول فيها : أنه إن
قلنا بالتصويب وأن لفتوى المجتهد موضوعية ،
ودوران الحكم الواقعي مدار
اجتهاد المجتهد لا إشكال في أن المدار على تقليد الميت ،
فإن الحكم الواقعي الثابت له
هو ما يقتضيه تقليده ، والوصي أو الوارث مكلف بإبراء ذمة
الميت .
[ . . . ]
اللهم إلا أن يقال : إنه
بناء على المختار من كفاية الميقاتية مع عدم الوصية
ولزوم البلدية معها ، أن لزوم
البلدية ليس من جهة كونها الثابتة في ذمة الميت ، فإن
الثابت هو الميقاتي ، بل هو
من أحكام الوصية المتوجهة الى الوصي ، وعليه فالمدار على
تقليد الوصي إلا أن الذي
يسهل الخطب فساد المبنى .
وإن قلنا بطريقة فتوى
المجتهد كسائر الامارات الشرعية الى ما هو الوظيفة
الواقعية ، وأن الحكم
الواقعي بالنسبة الى الجميع واحد ، والاختلاف في الطريق ، وأنه
في صورة الخطأ ليس هناك سوى
المعذورية كما عليه بناء المخطئة - وهو الصحيح -
فالمدار على تقليد الوارث أو
الوصي ، فإنه يرى بمقتضى تقليده أن الحكم الواقعي
الثابت حتى في ذمة الميت هو
هذا ، وأن الميت كان مخطئا فيما يراه من الحكم المخالف
لذلك ، فإذا كان الوارث يرى
لزوم البلدية ، والميت كان وظيفته بحسب التقليد أو
الاجتهاد هي الميقاتية ،
فعلى الوارث أن يعمل بوظيفته ، فإنه يرى أن لزوم البلدية
وظيفة الجميع حتى الميت ،
وأنه كان مخطئا فيما يراه من كفاية الميقاتية ، غاية الامر كان
معذورا في مخالفته ، فالاظهر
أن المدار على تقليد الوصي أو الوارث .
واذا اختلف الورثة في
التقليد فهل يعمل كل بوظيفته أم يرجع الى الحاكم ؟
وجهان ، وتنقيح القول فيه
يتوقف على بيان أمرين :
الاول : أنه مع ثبوت الدين -
ومنه الحج - في ذمة الميت ، أو الوصية ، هل ينتقل
المال بتمامه الى الورثة
والواجب على الورثة التوزيع والتحصيص ، أم لا ينتقل اليهم
إلا مقدار ما زاد على الدين
أو الوصية ، وأما ما يساويهما فلا ينتقل اليهم ؟ المنسوب الى
كثير من كتب المصنف - ره -
وجامع المقاصد وغيرها الاول .
[ . . . ]
وعن الحلي والمحقق وبعض كتب
المصنف - ره - الثاني .
وعن المسالك نسبة الى الاكثر
.
وقد ذكروا لكل من القولين
وجوها غير خالية عن المناقشة والاشكال ليس
المقام موردا لنقلها إلا أن
الاظهر - بحسب ما يستفاد من الآية الشريفة والنصوص
- هو الثاني .
أما الآية فهي قوله تعالى :
( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) ( 1 ) فأنه
ظاهر في أن الوصية والدين
مقدمان على الارث .
وأما النصوص فمنها ، خبر
محمد بن قيس عن الامام الباقر على السلام عن
أمير المؤمنين عليه السلام
أن الدين قبل الوصية ثم الوصية على أثر الدين ثم الميراث
بعد الوصية ، فإن أول القضاء
كتاب الله تعالى ( 2 ) .
وخبر السكوني عن أبي عبد
الله عليه السلام أول شئ يبدأ به من المال الكفن
ثم الدين ثم الوصية ثم
الميراث ( 3 ) . ونحوهما غيرهما ، فإن ظاهر النصوص الترتيب في
التعلق فلا يتعلق الميراث مع
الدين أو الوصية .
ودعوى : أنه يمكن أن يكون
المراد عدم جواز تصرف الورثة في التركة بعنوان
الارث قبل إخراج ديون الميت
والوصية ، لا أنه لا إرث قبلهما . فيها : أن ذلك وإن كان
محتملا إلا أنه خلاف الظاهر
.
فإن قيل : إنه مع عدم
الانتقال الى الورثة إما أن يلتزم ببقائه على ملك الميت ،
أو يلتزم ببقائه بلا مالك ،
والميت غير قابل لان يكون مالكا ، والمال يستحيل أن يبقى
……………………………………………
( 1 ) النساء - آية 11 .
( 2 ) الوسائل باب 28 من
أبواب كتاب الوصايا حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 28 من أبواب
كتاب الوصايا حديث 1 .
[ . . . ]
بلا مالك .
قلنا : لا مانع من الالتزام
بشئ منهما ، إما الاول ، فلان الملكية من الامور
الاعتبارية فأي مانع عقلي أو
شرعي في اعتبار شئ ملكا للميت ، وصرفه في مصالحه
وأما الثاني ، فلان المستحيل
بقاء الملك بلا مالك لابقاء المال بلا مالك ، فيلتزم في المقام
ببقاء ما يساويهما بلا مالك
، غاية الامر يثبت حق الاختصاص للورثة متعلقا بالمال
يمنع من أن يحوزه غيرهم
كسائر المباحات الاصلية .
ويترتب على ما اخترناه عدم
جواز تصرف الورثة ، لكونه تصرفا في مال الغير .
ودعوى : أنه لا إشكال في
ولاية الورثة على تعيين حصة الديان ونفقة الحج ولو
من غير تركة الميت ، كما أن
لهم الولاية على تعيينها من مال مخصوص ، وعلى فلو افرز
حصة الديان ، أو نقة الحج
وإن لم تؤد خارجا لزم جواز تصرفهم في البقية . فيها : أن
هذه الولاية لا تنكر إلا أنه
مادام لم تؤد خارجا لا يجوز لهم التصرف ، فان ثبوت هذه
الولاية أعم من تعيين حصة
الديان أو نفقة الحج فيما افرز ، ومع عدم تعيينها فيه يكون
المال مشتركا لا يسوغ التصرف
فيه لاحد الشريكين .
نعم خرج بدليل خاص ما لو لم
يكن الدين مستوعبا للتركة ، فإنه دل دليل
خاص على جواز التصرف في بعض
التركة كصحيح البزنطي بإسناده أنه سئل عن
رجل يموت ويترك عيالا وعليه
دين أينفق عليهم من ماله ؟ قال عليه السلام : إن
استيقن أن الذي عليه يحيط
بجميع المال فلا ينفق ، وإن لم يستيقن فلينفق عليهم من
وسط المال ( 1 ) . ونحوه
موثق عبد الرحمان بن الحجاج ( 2 ) .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 29 من أبواب كتاب الوصايا حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 29 من
أبواب كتاب الوصايا حديث 2 .
[ . . . ]
وبذلك ظهر أن ما عن جامع
الشرائع وميراث القواعد وحجر الايضاع ورهنه
وغيرها من عدم الفرق بين
الدين المستغرق وغيره في المنع عن التصرف مستندا الى
وجوه لا يعتني بها في مقابل
النص . غير تام ، كما أن ما في العروة من تخصيص الجواز
بما إذا كان التركة واسعة
جدا . في غير محله .
وأيضا دل دليل خاص على أنه
اذا ضمن الورثة أو غيرهم الدين ورضي الديان
بذلك برئت ذمة الميت ، ويجوز
للورثة حينئذ التصرف في التركة .
فما عن بعض المحققين من جواز
التصرف حتى في الدين المستغرق مع تعهد
الاداء وإن لم يرض الديان .
في غير محله ، وتمام الكلام في هذه المسألة وفروعها موكول
الى محله
الامر الثاني : أنه اذا وقع الخلاف
بين شخصين ، فتارة لا يكون مرجع اختلافهما
الى إثبات حق أو مال على آخر
، واخرى يكون مرجعه الى ذلك ، لا إشكال في أنه في
الصورة الاولى لا يرجع الى
الحاكم من غير فرق بين كون اختلافهما في الموضوعات
أو الاحكام .
وإما في الصورة الثانية ،
فتارة يمكن الجمع بينهما بأن يعمل كل بما هو وظيفته
كما لو أقر أحد الشريكين
بشريك ثالث وأنكره الآخر فإنه يمكن الجمع بتوجيه
الضرر الى خصوص المعترف ،
واخرى لا يمكن الجمع كما لو رآى أحد الشخصين أن
المتنجس لا ينجس وكان معتقد
الآخر التنجيس فأدخل الاول يده المتنجسة في دهن
الثاني ، فإنه يرى عدم
الاتلاف ، وصاحب الدهن يرى الاتلاف ، فإن أمكن الجمع لا
يرجع الى الحاكم ، وإلا
فيرجع اليه ، وتفصيل الكلام موكول الى محله .
وبعد تمهيد هذين الامرين
نقول في المقام : إنه لابد من الرجوع الى الحاكم
فإن القائل بالبلدية يجب
عليه إخراجها قبل أن يأخذ حصته من التركة بمقتضى
الامر الاول ، وعليه فالقائل
بالميقاتية اذا لم يرض بالزائد عن اجرة الميقاتية يلزم ورود
[ . . . ]
الخسارة أي خسارة التفاوت
بأجمعها على القائل بالبلدية ، والحال أنه يرى أن نصف
تلك الخسارة عليه ، فيقع
النزاع ، ومرجع الاختلاف الى إثبات المال ، ولا يمكن الجمع
بينهما فيتعين الرجوع الى
الحاكم الشرعي لقطع النزاع .
ومثله ما لو اختلف الوصي
والورثة في ذلك بأن رأى الوصي أن الواجب إخراج
البلدية ، والورثة يعتقدون
كفاية الميقاتية ، فإن الواجب على الوصي أخذ اجرة البلدية
من التركة ، والورثة ينكرون
ذلك ، ففي الفرضين يرجع الى الحاكم وهو يعمل بوظيفته ،
فإن لم يعلم فساد مدركه يجب
على كل من المتنازعين العمل بحكمه وعدم نقضه ،
وينتقض به الفتوى ، وإن علم
فساده ولم يكن هناك حاكم آخر يتعين التراضي
والمصالحة .
الاستيجار
لا يكفي في براءة ذمة المنوب عنه
العاشر : اذا استؤجر للحج ،
فتارة يعلم بإتيان الاجير الحج عن الميت ، واخرى
يعلم بعدم إتيانه عنه ،
وثالثة يشك في ذلك مع الشك في أصل الحج أو العلم به والشك
في قصده عن الميت .
فإن علم بإتيان الاجير الحج
عن الميت لاإشكال في الاكتفاء به ، وسقوط
التكليف عنه وإن شك في صحة
عمله وفساده ، أما لو علم بالصحة فالحكم من
الواضحات ، وأما لو شك في
ذلك فلجريان أصالة الصحة في فعل الاجير ، وببركتها
يحكم بالصحة ومطابقة المأتي
به للمأمور به .
كما أنه لو علم عدم إتيانه
به لا ينبغي التوقف في لزوم الاستيجار ثانيا ، فإن
المامور به إتيان الحج ولو
بالتسبيب عن الميت والفرض عدم تحققه .
وأما إن شك في ذلك فإن شك في
الاتيان به وعدمه ، فإن أصالة الصحة - كان
[ ولا يجوز لمن وجب عليه الحج ان يحج تطوعا ولا نائبا ]
مدركها السيرة أو غيرها - لا
تجري مالم يحرز ذات العمل ، فإنها من القواعد المصححة
ولا نظر لها الى أصل الوجود
نظير قاعدة التجاوز المثبتة لاصل الوجود .
وكذا إن علم الاتيان به وشك
في الاتيان عن نفسه أو عن الميت فإنه لا مجرى
لاصالة الصحة ، وقد أثبتنا
في رسالتنا في القواعد الثلاث أن جريان أصالة الصحة
متوقف على إحراز ذات الموضوع
وهو في الفرض مشكوك فيه ، وذكرنا أن هذا هو
السر في فرق الاصحاب بين
الصلاة عن الميت والصلاة على الميت ، فإنه في الاولى
التزموا بعدم جريان أصالة
الصحة ، لانها ذات وجهين ، فأصل العمل غير محرز ، وأنها
تجري في الثانية فإنها ذات
وجه واحد ، ويدور أمرها بين الصحة والفساد .
وبالجملة إنما تجري أصالة
الصحة فيما إذا دار الامر بين الصحة والفساد ، وأما
اذا دار بين العملين
الصحيحين فلا مجرى لاصالة الصحة ، وهو من الوضوح بمكان .
نعم لو أتى الاجير بالعمل
المردد وأخبر أنه أتى به عن الميت يكتفي به إن
كان ثقة بناء على المختار من
حجية خبر الواحد في الموضوعات إلا ما خرج بالدليل ،
بل مطلقا ، فإن النية من
الامور التي لا تعلم إلا من قبله ، فيشملها ما دل على حجية
قول المخبر في هذه الصورة .
هذا كله مع قطع النظر عن
النصوص ، وأما بملاحظتها فسيأتي الكلام فيه في
مبحث النيابة في شرائط
النائب ، فانتظر .
الثانية عشر : ( ولا يجوز
لمن وجب عليه الحج أن يحج تطوعا ولا نائبا ) ولو
خالف فالمشهور البطلان .
وادعى صاحب الجواهر - ره -
عدم وجدان الخلاف في الثاني أعم من أن يكون
[ . . . ]
بإجارة أو تبرع .
وعن الفاضل النراقي - ره -
الاجماع عليه فيه .
وتردد صاحب المدارك في الحكم
.
وتنقيح القول بالبحث في
موردين : الاول : في الحكم التكليفي . الثاني في الحكم
الوضعي بمعنى الصحة والفساد
.
أما الاول فلا إشكال في كونه
عاصيا في ترك ما وجب عليه بناء على كون
وجوب الحج فوريا كما هو الحق
، وقد تقدم الكلام فيه .
وهل يكون ما يأتي به من الحج
التبرعي أو الاجاري أو التطوعي مبغوضا
ومنهيا عنه أم لا ؟ وجهان
مبنيان على اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن ضده ، وعدمه ،
وحيث إن المختار عدم اقتضائه
له فالاظهر عدم المبغوضية .
وإما الثاني فقد استدل لما
هو المشهور من البطلان بوجوه :
1 - أن الامر بالشئ يقتضي
النهي عن ضده ، والنهي عن العبادة مقتض
للفساد ، وفيما نحن فيه
الامر بالحج الاسلامي يقتضي النهي عن غيره فيقع فاسدا لو
أتى به .
وفيه أولا : أن الامر بالشئ
لا يقتضي النهي عن ضده .
وثانيا : أن النهي التبعي لا
يقتضي الفساد .
2 - أنه يجب عليه الحج عن
نفسه فهو غير قادر على تركه شرعا فلا يكون
قادرا على الحج عن الغير ولا
على الحج الندبي .
وفيه : أنه إن اريد بذلك أن
وجوب الحج يستلزم نفي القدرة على غيره عقلا
فهو بديهي البطلان .
وإن اريد أنه يوجب سلب القدرة
شرعا فهو متين إلا أن القدرة الشرعية غير
دخيلة في المقام لا لما نسب
الى بعض أعاظم العصر تاره بأن القدرة الشرعية شرط
[ . . . ]
للتكليف لا للامتثال ، واخرى
بأن أخذ القدرة في لسان دليل الحج لعله لكونه إرشادا
الى ما يحكم به العقل لا من جهة
دخلها في الملاك ، وثالثة بأن الاستطاعة المأخوذة في
دليل الحج فسرت في النصوص
بامور ليس منها عدم المزاحمة مع واجب آخر ، فإنه يرد
الاول : أنه لو سلم أخذها
شرطا للتكليف لزم منه البطلان ، فإنه مع فقدها لا تكليف
فلا يكون صحيحا .
ويرد الثاني : أن كونه
إرشادا الى ما يحكم به العقل خلاف الظاهر ، فإن الظاهر
من الدليل أن كل ما اخذ فيه
يكون له موضوعية ولا يكون معرفا لشئ آخر .
ويرد الثالث : أن النصوص
المفسرة منها ما دل على مانعية كل عذر شرعي كما
تقدم ، فمن جملة تلك القيود
عدم المزاحمة مع واجب آخر كما تقدم ، بل لان أخذ القدرة
إنما هو بالنسبة الى حجة
الاسلام لا بالنسبة الى الحج الندبي والحج عن الغير ، فإنهما
أمر بهما ولو متسكعا ،
وبالجملة الاستطاعة شرط للحج الاسلامي لا للحج الندبي
والحج عن الغير .
3 - أن دليل وجوب الحج عن
نفسه يقتضي التوقيت فالزمان مختص به لا يقبل
لغيره كالصوم في شهر رمضان
وصلاة الظهر في أول الوقت وما شاكل .
وفيه : أنه لا إشكال في
الاختصاص الفعلي بمعنى أنه يكون مأمورا فعلا بأن
يوقع حجة الاسلام فيه .
وأما الاختصاص بمعنى عدم
صلاحية الوقت لوقوع غيره فيه ولو بنحو
الترتب أو الاتيان بداعي
الملاك فالدليل لا يدل عليه .
وأما في المقيس عليهما فإنما
يلتزم به من التزم من جهة ورود النص الخاص به
المفقود في المقام .
4 - ما عن الشيخ البهائي -
ره - وهو أن الامر بالحج عن نفسه وإن لم يقتض
النهي عن ضده لكنه يمنع عن
الامر بضده هو الحج الندبي أو الحج عن الغير ،
[ . . . ]
لامتناع الامر بالضدين ،
لعدم قدرة المكلف على الجمع بينهما ، واذا امتنع الامر به يقع
فاسدا ، إذ التقرب إنما يكون
بالفعل بداعي الامر ، فمع عدم الامر يمتنع التقرب .
واورد عليه إيرادان :
أحدهما : ما في العروة وهو أنه
يكفي المحبوبية في حد نفسه في الصحة ، كما في
مسألة ترك الاهم والاتيان
بغيره من الواجبين المتزاحمين .
وفيه : أنه مع سقوط الامر لا
كاشف عن المحبوبية والملاك ، والتمسك بالاطلاق
لاثباتهما غير صحيح بعد فرض
عدم كون الدليل واردا لبيانهما ، وإنما هو متضمن
للامر ، وبالالتزام يدل
عليهما ، ومن المعلوم أن الدلالة الالتزامية تتبع الدلالة المطابقية
وجودا وحجية .
ثانيهما : أن الامر بالشئ
يستلزم عدم الامر بضده في عرضه ، وهذا لا ينافي
ثبوت الامر به بنحو الترتب
كما حقق في محله .
وما عن بعض أعاظم المحققين -
ره - بأن الترتب إنما هو في التكليف الذي لم
يؤخذ في متعلقه القدرة شرطا
شرعيا وإلا فلا مورد له ، فإن التكليف بالاهم بنفسه لا
بامتثاله يوجب سلب القدرة عن
المأمور به ، فلا يمكن الامر به بوجه غير تام ، فإن
القدرة إنما اخذت شرطا شرعيا
في حج الاسلام لا في حج التطوع ولا في الحج عن
الغير ، وإن كان حج الاسلام
فإنه يعتبر في حج الاسلام قدرة المنوب عنه لا قدرة
النائب ، فالتكليف بالمهم
الذي يلتزم فيه بالترتب غير مشروط بالقدرة شرعا ،
والتكليف بالاهم وإن اشرطت
فيه القدرة إلا أنه لا يمنع عن الترتب في التكليف
الآخر ، فالمتحصل : عدم
تمامية هذا الوجه أيضا .
5 - الآية الشريفة ( ولله
على الناس حج البيت ) ( 1 ) بتقريب : أن اللام فيها
……………………………………………
( 1 ) آل عمران - آية 97 .
[ . . . ]
ظاهرة في الملك فتدل الآية
على أن الحج مملوك لله تعالى فلا يجوز التصرف فيه بغير
إذن من الله تعالى ، فلو حج
عن غيره أو عن نفسه تطوعا كان ذلك تصرفا فيه بغير
إذنه تعالى فيكون باطلا .
ودعوى : أنه على هذا لا دليل
على وجوب الحج ، فإن الآية دالة على الملكية
لا الوجوب . فيها : أنه
يستفاد وجوبه من الادلة الاخر .
وفيه : أنه لو كان منفعته
الخاصة مملوكة لم يجز التصرف بغير الوجه الخاص ،
وأما لو كان المملوك عمل خاص
في ذمة الاجير ، كما لو استأجره على إتيان عمل
ل ( زيد ) كخياطة ثوبه في
يوم خاص ، لم يحرم التصرف على غير ذلك الوجه بأن يخيط
ثوب عمر ومثلا في ذلك اليوم
.
والسر فيه : أن ما في الذمة من
العمل الخاص لا ينطبق على ما في الخارج قهرا ،
بل يتوقف على القصد ، وعليه
فلا يكون حراما .
أضف الى ذلك منع ظهوره في
الملكية الاعتبارية ، بل هي ظاهرة في الحقيقية
وقد دل الدليل على أن جميع
الواجبات من قبيل الحق والدين .
6 - صحيح سعيد بن أبي خلف عن
أبي الحسن موسى عليه السلام عن الرجل
الصرورة يحج عن الميت ، قال
عليه السلام : نعم اذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن
نفسه فإن كان له ما يحج به
عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحج من ماله وهي تجزي
عن الميت إن كان للصرورة مال
، وإن لم يكن له مال ( 1 ) .
وصحيح سعيد الاعرج عن الامام
الصادق عليه السلام عن الصرورة أيحج
عن الميت ؟ فقال عليه السلام
: نعم اذا لم يجد الصرورة ما يحج به ، فإن كان له مال
فليس له ذلك حتى يحج من ماله
، وهو يجزي عن الميت كان له مال أو لم يكن له
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 5 من أبواب النيابة في الحج حديث 1
[ . . . ]
مال ( 1 ) .
وفي العروة : وهما كما ترى
بالدلالة على الصحة أولى ، فإن غاية ما يدلان عليه
أنه لا يجوز له ترك حج نفسه
وإتيانه عن غيره ، وأما عدم الصحة فلا ، نعم يستفاد
منهما عدم إجزائه عن نفسه .
انتهى .
أقول : يقع الكلام أولا في
صحيح سعد ، ثم في صحيح سعيد .
أما الاول فقد استدل بفقرتين
منه للبطلان :
الاولى : قوله عليه السلام
في صدره : نعم اذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن
نفسه . فإنه بمفهومه يدل على
أنه لو كان واجدا لما يحج به لم يجز له الحج نيابة عن
الميت ، فيكون حجه باطلا
للنهي عنه .
الثانية : قوله عليه السلام
: فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه
حتى يحج من ماله ، فإن
الظاهر منه - بواسطة كون السؤال عن الحج عن الميت -
رجوع الضمير الى الميت لا
الى الرجل النائب ، وذكر الميت ظاهرا بعد ذلك لا ينافي
ذلك .
ودعوى : أن هيئة التركيب تقتضي
أن تكون الضمائر في قوله : عن نفسه . في
الموضعين ، وقوله : يجزي عنه
. وقوله : من ماله . كلها راجعة الى مرجع واحد وهو
الصرورة ، والتفكيك بإرجاع
بعضها الى الصرورة وبعضها الى الميت بعيد عن السياق ،
فيها : أن وحدة السياق في
نفسها تصلح لذلك لولا قرينة اخرى وهي في المقام
موجودة ، فإن الالتزام برجوع
الضمير في قوله : الى الرجل . يستلزم الالتزام بأن الامام
عليه السلام في مقام الجواب
لم يجب أولا عما سئل عنه ، وإنما بين حكما آخر ، ثم أجاب
عن السؤال ، وهذا بعيد عن
البلاغة لا يليق بشأنه عليه السلام ، وعليه فمرجع
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 5 من أبواب النيابة في الحج حديث 3 .
[ . . . ]
الضمير في قوله به : ما ،
وفي قوله : عن نفسه : الرجل ، وفي قوله : يجزي عنه الميت ،
فيدل على المطلوب .
ولكن قد يتوهم التنافي على
هذا بين هذه الجملة ، وبين قوله عليه السلام في
ذيل الخبر : وهي تجزي عن
الميت .
ولكن يندفع هذا التنافي
بالالتزام بأحد أمرين :
أحدهما : البناء على رجوع
الضمير في قوله : عنه الى الرجل لا الى الميت ،
فيدل قوله عليه السلام :
فليس يجزي عنه . على عدم الاجزاء عن نفسه ، فيتم ما أفاده
سيد العروة حينئذ من أن
دلالته عن الصحة أولى ، فإنه في مقام الجواب عن الاجزاء
عن الميت أجاب بعدم الاجزاء
عن نفسه ، وهذا يشعر بالاجزاء عن الميت .
وأما قوله : نعم إذا لم يجد
الصرورة ما يحج به عن نفسه . فيحمل على إرادة
الارشاد الى ما يحكم به
العقل من لزوم الاتيان بالحج عن نفسه ، فإنه لعدم إمكان
الجمع بينهما وفورية وجوب
الحج عن نفسه نهي حينئذ عن الحج عن الغير .
ثانيهما : أن تكون هذه
الجملة متفرعة على الجملة الاولى ، فمفادهما حينئذ أنه
إن كان للصرورة مال فعليه أن
يحج عن نفسه ، ولا يجزي عن الغير لو حج عنه حتى
يحج من ماله ، وبعد أن حج عن
نفسه ، يجزي حجه عن الميت كان له مال أم لم يكن ،
ولا ريب في أن الثاني أولى .
وقد ذكر في رفع التهافت وجوه
اخر واضحة المناقشة ، مثل : أن المقصود من
الصرورة الواقعة في المنطوق
هو الميت لا النائب ، أو أن المقصود دفع توهم إجزاء حج
واحد عن نفسه وعن غيره ، وأن
ما أتى به عنه يقع كذلك ، وعليه الاتيان بالحج عن
نفسه إن كان له مال ،
فالمتحصل : أن هذه الرواية تدل على البطلان وعدم الاجزاء عن
الميت .
وأما الصحيح الثاني فجملتان
منه ظاهرتان في البطلان .
[ . . . ]
إحداهما : قوله عليه السلام
: نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به . فإن مفهومه
أنه لا يحج عنه إن كان له ما
يحج به .
وحمله على مجرد التكليف دون
الوضع كما في بعض الكلمات إن اريد به حمله
على الحرمة المولوية فهي
تستلزم الفساد ، لان النهي عن العبادة مستلزم له ، وإن اريد
حمله على الارشاد الى ما
يحكم به العقل من لزوم أن يحج به عن نفسه فهو خلاف
الظاهر جدا .
ثانيتهما : قوله : فإن كان
له مال فليس له ذلك ، فإنه ظاهر في أنه لو كان
مستطيعا ليس له أن يحج عن
غيره .
وحمله على إرادة أنه إن كان
له من المال ما يوجب الحج عليه فليس له الاكتفاء
بالحج عن نفسه بما أتى به من
الحج عن الميت ، بل عليه أن يأتي به عن نفسه على
حدة . خلاف الظاهر ، فإن
المشار اليه بقوله : ذلك . هو ما سئل عنه كما هو واضح .
وأما قوله عليه السلام في
ذيله : وهو يجزي عن الميت كان له مال أو لم يكن .
فيحمل بقرينة الصدر على أن
المراد منه أنه بعدما حج المستطيع عن نفسه لو حج
عن الميت يجزي عنه كان له -
أي للنائب أو للميت - مال أم لم يكن .
فما عن المدارك من أنه يدل
على صحة حج الصرورة عن غيره مطلقا . غير
تام ، كما أن ما أفاده بعض
الاعاظم من أنه لو رجع الضمير في قوله : له . الى النائب
دل على الصحة . غير صحيح ،
فالحق أنه يدل على البطلان أيضا .
وأما خبر معاوية عن الامام
الصادق عليه السلام في رجل صرورة مات ولم يحج
حجة الاسلام وله مال ، قال :
يحج عنه صرورة لا مال له ( 1 ) . فلا يدل على البطلان لو
حج من له مال عن غيره ، إذ
لا مفهوم له كما لا يخفى ، مع أنه لو دل على ذلك كان
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 5 من أبواب النيابة في الحج حديث 2 .
[ . . . ]
دالا على لزوم استنابة
الصرورة ولم يلتزم بذلك فقيه ، والتفكيك بين القيد والمقيد في
الوجوب بعيد .
وبه يظهر ما في الاستدلال
بصحيح الحلبي وغيره الواردة فيمن عجز عن الحج
وهو مستطيع ، المتضمنة للامر
باستنابة الصرورة الذي لا مال له .
ومورد الصحيحين هو الاستنابة
عن الميت ، والتعدي عنه الى غيره يحتاج الى
دليل مفقود ، فلو استنيب عن
الحي المعذور عن الحج مباشرة يحكم بصحته وإن كان
عاصيا بتأخير الحج عن نفسه ،
لما عرفت من أن إلغاء الخصوصية واستفادة الكبرى
الكلية من النصوص الواردة في
الموارد الخاصة تحتاج الى دليل ، والاستدلال له بخبر
علي بن حمزة المتضمن للامر
بأن يحج عنه صرورة لا مال له . قد عرفت آنفا فساده .
هذا كله مع تمكنه من أن يحج
عن نفسه ، وإلا فظاهر الجواهر وغيرها المفروغية
عن صحة الحج .
وعن الفاضل النراقي - ره -
أنه خالف بعضهم ، ولا وجه له ، ولكن عن ابن
إدريس بطلان النيابة وإن لم
يتمكن إذا كان قد استقر في ذمته ، ونسب ذلك الى إطلاق
الاكثر .
والحق هو الاول ، لان ما ذكر
من أدلة عدم الصحة حتى الاخبار تختص
بصورة التمكن ، أما اختصاص
غير الاخبار فواضح ، وأما هي ، فلان المورد يدخل
تحت إطلاق قوله عليه السلام
: اذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه . المذكور فيها ،
فراجع .
نعم لو تم دلالة الآية
الكريمة على البطلان لزم منه البطلان في المورد كما لا
يخفى .
[ . . . ]
إذا
كان الحج عن الغير صحيحا فالظاهر صحة الاجارة عليه
ولو قلنا بصحة الحج عن الغير
هل الاجارة عليه أيضا صحيحة أم لا ؟ فيه
قولان ، مقتضى العمومات
الدالة على صحة الاجارة على كل عمل يعود نفعه الى
المستأجر صحة الاجارة في
المقام .
وقد استدل للبطلان بوجوه :
الاول : عدم قدرته شرعا على
العمل المستأجر عليه ، لان المفروض وجوبه عن
نفسه فورا . ذكر ذلك في
العروة .
وعن المحقق النائيني - ره -
توضيح ذلك : بأنه يعتبر في صحة المعاملة - مضافا
الى كون كل من المتعاملين
مالكا لما يبذله أو بحكمه ، وإيجادها بسبب خاص وآلة
مخصوصة - أن لا يكون محجورا
عن التصرف فيه من جهة تعلق حق الغير به أو غير
ذلك من أسباب الحجر ليكون له
السلطنة الفعلية على التصرف فيه ، وإيجاب الحج
عن نفسه فورا يوجب سقوط ملك
التصرف ، وسلب الاختيار ودفع السلطنة فلا محالة
تفسد الاجارة .
وفيه : أن توقف صحة المعاملة
على السلطنة الوضعية المستتبعة لكون مورد
المعاملة ملكا مطلقا ، ولم
يتعلق به حق الغير ، وكون المتعاملين بالغين عاقلين مختارين
غير محجورين بأحد أسباب
الحجر من الواضحات .
وأما كون إيجاب الحج عن نفسه
موجبا لسلب هذه السلطنة فهو أول الكلام .
نعم الايجاب يوجب رفع
السلطنة التكليفية المنتزعة من جواز الفعل والترك ،
ونفوذ المعاملة غير متوقف
عليه .
الثاني : أن الامر بالحج عن
نفسه يقتضي النهي عن النيابة فتفسد الاجارة
[ . . . ]
عليها ، لان الله إذا حرم
شيئا حرم ثمنه وان كانت الحرمة تبعية .
وفيه : أولا : أن الامر
بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده .
وثانيا : أن النبوي المشهور
: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه . لا أصل له في
اصول العامة والخاصة : فإن
الموجود في كتب العامة إنما هو هكذا إن الله اذا حرم
على قوم أكل شئ حرم عليهم
ثمنه ( 1 ) فهو لم يثبت كونه رواية .
وأما ما هو الموجود في
اصولهم ، فلضعف سنده وعدم انجباره بشئ لا يعتمد
عليه ، مع أن عمومه على هذا
لم يعمل به أحد ، فإن كثيرا من الامور التي يحرم أكلها
يجوز بيعها ، بل الظاهر أنه
لو كان الموجود في كتب الحديث هو ما اشتهر في ألسنة
الاصحاب لما كان يعتمد عليه
، لضعف السند وعدم الانجبار بالشهرة ، اذ وإن كانت
فتاويهم على وفق مضمونه
حينئذ إلا أنه لم يثبت استنادهم اليه في الفتوى ، بل الظاهر
أنهم استندوا في إفتائهم
بذلك الى اعتبارهم المالية في العوضين المتوقفة على كون
الشئ ذا منفعة محللة ، وإنما
يذكرون النبوي للتأييد .
الثالث : أنه لو قلنا بصحة
الاجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فورا فيلزم
اجتماع أمرين متنافيين فعلا
فلا يمكن أن تكون الاجارة صحيحة .
وفيه : أن المورد حينئذ من
قبيل الواجبين المتزاحمين فيتعلق الامر بالاهم ، وعلى
فرض عصيانه بالمهم لو كان
هناك أهم ومهم ، وإلا فيتعلق التكليف بنحو التخيير
بأحدهما وبالآخر بنحو الترتب
، وبالجملة يدخل المورد في الواجبين المتزاحمين ويجري
حكمهما .
الرابع : ما نسب الى الشيخ
الكبير كاشف الغطاء - ره - وهو أن إيجاب الحج
عن نفسه يوجب صيرورته مملوكا
لله تعالى ومستحقا له ، وحيث إن الانسان لا يملك
……………………………………………
( 1 ) مسند أحمد ج : 1 ص : 247
[ . . . ]
منافعه المتضادة في آن واحد
فلا يكون مالكا للحج عن الغير ، وإذا لم يكن مالكا له
لا يصح أن يؤجر نفسه عليه
فالاجارة باطلة .
وفيه : أن المراد بملكيته
لله تعالى إن كان هي الملكية الاعتبارية فالايجاب لا
يقتضي تلك ، فانه ليس إلا
إبراز شوق المولى بالفعل ، وإن كان ثبوت سلطنة تكوينية
وسلب سلطنة العبد تكوينا فهو
خلاف الواقع والوجدان ، وإن كان بمعنى السلطنة
التشريعية فهي ثابتة قبل
الايجاب ، فإن جميع أفعال العباد تحت سلطان المولى تشريعا
من غير فرق بين ما إذا
أوجبها أو لم يوجبها ، فإن السلطنة التشريعية عبارة اخرى
عن أن زمام هذا العمل بيد
الشارع ، وله جعل أي حكم أراد ، وهذا المعنى موجود قبل
الايجاب فالايجاب لا يوجب
سلطنة مانعة عن التمليك ، نعم هو بسلب سلطنة المكلف
تشريعا عن هذا العمل وهو لا
ينافي التمليك .
فالمتحصل : أنه إن قلنا
ببطلان الحج عن الغير لا يجوز الاجارة عليه ، وهي
باطلة وهو واضح ، وإن قلنا
بصحته كانت الاجارة عليه أيضا صحيحة ، فالتفكيك بين
صحة الحج والاجارة في غير
محله .
ولو قلنا ببطلان الاجارة في
فرض التمكن من أن يحج عن نفسه ، وصحتها مع
عدم التمكن - كما هو الحق -
لو لم يكن متمكنا من الحج عن نفسه فآجر نفسه للحج
عن الغير ، ثم تمكن عن الحج
عن نفسه ، فهل تبطل إجارته أم لا ؟ وجهان .
في العروة ، وعن الدروس
اختيار الثاني .
والحق أنه إن كان التمكن بمال
الاجارة لا تبطل ، فإن بطلانها يوجب عدم
التمكن ، وهو مستلزم لصحة
الاجارة ، وهذا محال ، فإن الشئ لا يمكن أن يكون علة
لعدمه ، وإن كان التمكن بمال
آخر بطلت الاجارة ، فإن التمكن في ظرف العمل
يكشف عن عدم القدرة من الاول
فيكشف عن بطلان الاجارة .
وفي الصورة المفروضة - أي
تمكنه من أن يحج عن نفسه - لو حج تطوعا ، فإن
[ . . . ]
كان عالما بوجوب الحج عليه
وأنه لا يكون مأمورا بالحج تطوعا في هذا العام من جهة
أن حجة الاسلام ليس لها
حقيقة مغايرة للحج الندبي ، كي يلتزم بكون الندبي أيضا
مأمورا به بنحو الترتب ، بل
الحج حقيقة واحدة ، والمكلف لا يتمكن من أن يحج مرتين ،
والفرد الواحد مأمور به
بالامر الوجوبي فلا أمر ندبي في هذه السنة ، فلا إشكال في
البطلان ، لعدم تحقق قصد
الامر .
وإن كان جاهلا بذلك ،
فالظاهر صحته كان قاصدا لامتثال الامر الواقعي
المتوجه اليه وخطأ في
التطبيق وتخيل انه الامر الندبي او كان قاصدا للامر الندبي بنحو
التقييد ، لانه قد عرفت أن
الميزان في صحة العبادة الاتيان بالمأمور بجميع قيوده مضافا
الى المولى ، والمفروض أنه
أتى بالحج بجميع ما يعتبر فيه ، وعدم قصده حجة الاسلام
لا يضر بعد عدم كونها حقيقة
مغايرة للحج الندبي ، بل الفرق بينهما إنما هو في أنه قد
يكون مستطيعا فالحج حجة
الاسلام ، وقد لا يكون كذلك فالحج حج ندبي ، وأضافه
الى المولى وأتى به متقربا
اليه تعالى ، فالاظهر الصحة في الصورتين .
فما عن مبسوط الشيخ من أنه
لو قصد الحج الندبي يقع عن حجة الاسلام .
إن أراد صورة العلم بوجوب
الحج عليه فهو لا يمكن توجيهه بوجه ، وإن أراد صورة
الجهل أو الغفلة فهو متين لا
يرد عليه شئ مما اورد عليه .
ولو كان الحج الواجب عليه
نذريا وكان وجوبه فوريا فهل حكمه حكم حجة
الاسلام أم لا ؟ قولان ،
أظهرهما : الثاني ، لاختصاص النص بحجة الاسلام ، والتعدي
لا دليل عليه ، وعرفت أن
مقتضى القاعدة صحة الحج عن الغير حتى مع وجوب الحج
عليه فورا ، وإنما التزمنا
بعدم الصحة في حجة الاسلام للنص الخاص .
[ ولا يشترط في المرأة المحرم . ]
استطاعة
المرأة لا تتوقف على وجود المحرم
الثالثة عشر : ( ولا يشترط
في ) وجوب الحج على ( المرأة ) واستطاعتها وجود
( المحرم ) بلا خلاف يعرف
كما في الذخيرة ، بل بالاجماع كما عن المنتهى وغيره . كذا
في المستند .
وفي الجواهر : بلا خلاف أجده
بيننا . انتهى .
وفي التذكرة : وليس المحرم
شرطا في وجوب الحج عليها مع الاستغناء عنه عند
علمائنا . انتهى .
ويشهد به جملة من النصوص ،
كصحيح هشام بن سالم عن سليمان بن خالد
عن أبي عبد الله عليه السلام
في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها الحج ؟
قال عليه السلام : نعم إذا
كانت مأمونة ( 1 ) .
وصحيح صفوان الجمال ، قال :
قلت لابي عبد الله عليه السلام : قد عرفتني
بعملي تأتيني المرأة أعرفها
بأسلامها وحبها إياكم وولايتها لكم ليس لها محرم . فقال
عليه السلام : اذا جاءت
المرأة المسلمة فاحملها فإن المؤمن محرم المؤمنة ، ثم تلا هذه
الآية ( والمؤمنون والمؤمنات
بعضهم أولياء بعض ) ( 2 ) .
وصحيح معاوية بن عمار عنه
عليه السلام عن المرأة تحج الى مكة بغير ولي ،
فقال عليه السلام : لا بأس
تخرج مع قوم ثقات ( 3 ) .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 58 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 58 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 58 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 .
[ . . . ]
وصحيحه الآخر عنه عليه
السلام عن المرأة تحج بغير ولي ، قال عليه السلام :
لا بأس وإن كان لها زوج أو
أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها ، وليس لهم سعة فلا
ينبغي لها أن تقعد ، ولا
ينبغي لهم أن يمنعوها ( 1 ) . ونحوها خبر ابي بصير ( 2 ) ، ومرسل
المقنعة ، ( 3 ) ، وخبر
الحسين بن علوان ( 4 ) ، ومقتضى هذه الاخبار وجوب الحج على المرأة
المستطيعة اذا كانت مأمونة
على نفسها .
ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين
كونها ذات بعل أو لا ، بل في صحيح معاوية
صرح بعدم اشتراطه وإن كان
لها زوج .
ولو لم تكن مأمونة يجب عليها
استصحاب من تكون مأمونة باستصحابه ،
لكونه مقدمة الواجب .
وإن لم يمكن ذلك فهل يجب
عليها التزويج تحصيلا للمحرم ؟ وجهان مبنيان
على أن ما في النصوص من تعليق
الحج على أن تكون مأمونة هل يكون من جهة
كون وجوب الحج معلقا على ذلك
فيكون اعتبار الامن لدخله في الاستطاعة نظير
الزاد والراحلة ، أم يكون من
جهة كون الامتثال معلقا عليه لاهمية حفظ العرض
والنفس ؟ إذ على الاول لا
يجب ، فإنه لا يجب تحصيل الاستطاعة ، وعلى الثاني يجب ،
لكونه من قبيل مقدمة الواجب
نظير من له ثمن الزاد والراحلة ويتمكن من تهيئتهما
للسفر ، ولعل ذلك منشأ إشكال
صاحب الجواهر في الحكم .
ولكن الظاهر من النصوص ، هو
الثاني ، فإن السؤال إنما هو عن الامتثال لا
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 58 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 58 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 .
( 3 ) الوسائل باب 58 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 8 .
( 4 ) الوسائل باب 58 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 7 .
[ . . . ]
الوجوب ، فلاحظ النصوص ،
فالاظهر لزوم التزويج .
نعم اذا كان ذلك مهانة لها
ويشق عليها ذلك ، فالظاهر سقوط وجوب الحج ،
لقاعدة نفي العسر والحرج .
ومع عدم الامن وعدم التمكن
من استصحاب من تكون مأمونة مع مصاحبته
ولو بالتزويج - لو حجت فإن
كان عدم الامن قبل الميقات أجزأ عن حجة الاسلام
وإن كان متحققا بعده فالظاهر
عدم إجزائه ، إذ مع فرض أهمية حفظ الفرج والعرض
لا محالة يكون التكليف بالحج
ساقطا ، ولا يمكن الالتزام فيه بالترتب ، لما تقدم من
عدم جريانه فيما يكون مشروطا
بالقدرة الشرعية .
فهل يجب عليها الاستنابة أم
لا ؟ وجهان ، أظهرهما : ذلك ، لما تقدم من وجوب
الاستنابة على الموسر من حيث
المال غير المتمكن من المباشرة .
هذا إذا لم تكن عالمة بحصول
الامن في السنوات اللاحقة ، وإلا فلا يجب
عليها الاستنابة ، وقد تقدم
وجه ذلك وتفصيل الكلام فيه في المسألة السادسة .
اختلاف
الزوج والزوجة في الامنية وعدمها
واذا كانت المرأة ذات بعل ،
وادعى زوجها عدم الامن عليها وأنكرت هي فهل
يقدم قولها مع عدم شاهد
الحال أو البينة كما عن الدروس والمدارك والجواهر والحدائق ،
أم لا ؟ .
أقول : إن اختلافهما تارة
يكون في أن الزوج يخاف عليها وهي تعتقد أن
الطريق مأمون ، واخرى يكون
في أن الزوج يدعي أنها خائفة على نفسها وهي تنكر
ذلك ، وعلى الثاني فقد لا
يستلزم الدعوى إثبات حق لاحدهما على الآخر ، وقد يستلزم
ذلك كان يرجع النزاع الى
بقاء حق الاستمتاع وعدمه ، أو الى بقاء حق النفقة وعدمه
[ ولا اذن الزوج . ]
بأن تدعي الزوجة ثبوته ولو
في حال سفرها ، للامنية ، ويدعي الزوج سقوطه ، لعدمها .
أما في الصورة الاولى فلا
إشكال في أنه لا يسمع دعوى الزوج ، لعدم كون
خوفه موضوع الاثر ، فإن
الموضوع هو خوفها لا خوفه ، فمع كونها آمنة على نفسها
يجب عليها السفر وإن كان
زوجها خائفا عليها نعم مع خوفه له منعها من الخروج
بإيجاد المانع من سفرها
وإجبارها على ترك السفر من جهة أن حفظ النفس والعرض
من الواجبات المهمة ، وقد
حكم بوجوب حفظهما على كل حال .
وأما في الصورة الثانية فلا
مجرى لاحكام المدعي والمنكر والتداعي ، لانه يعتبر
فيها كون مصب الدعوى أو لازمها
حقا من الحقوق ، وعليه فيجب على كل منهما
العمل بما هو وظيفته كما في
الصورة الاولى .
وأما في الصورة الثالثة ،
فإن قلنا بأن الضابط لتشخيص المدعي والمنكر هو أن
الاول من يخالف قوله الاصل ،
والثاني من يوافقه فلابد من التفصيل في المقام بين ما
اذا كانت الحالة السابقة
ثبوت الامنية أو ثبوت عدم الامنية أو عدم العلم بها ، فإنه
على الاول تكون المرأة منكرة
والزوج مدعيا ، وعلى الثاني بالعكس ، وعلى الثالث
يدخل في باب التداعي .
وإن قلنا بغير ذلك مما ذكر
في مقام الضابط فيختلف مع ما ذكر .
الرابعة عشر : ( ولا ) يشترط
( إذن الزوج ) للزوجة في الحج إذا كانت
مستطيعة بلا خلاف يوجد كما
في المستند .
ويشهد به جملة من النصوص
كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام عن
امرأة لها زوج وهي صرورة ولا
يأذن لها في الحج ، قال عليه السلام : تحج وإن لم يأذن
[ . . . ]
لها ( 1 ) .
وصحيح محمد بن مسلم عنه عليه
السلام عن المرأة لم تحج ولها زوج وأبي أن
يأذن لها في الحج فغاب زوجها
فهل لها أن تحج ؟ قال عليه السلام : لا إطاعة له عليها
في حجة الاسلام ( 2 ) .
وصحيح معاوية بن وهب عن
الامام الصادق عليه السلام عن امرأة لها زوج
فأبى أن يأذن لها في الحج
ولم تحج حجة الاسلام فغاب عنها زوجها وقد نهاها أن تحج ،
فقال عليه السلام : لا طاعة
له عليها في حجة الاسلام ولا كرامة لتحج إن شاءت ( 3 ) .
ونحوها غيرها .
وهل يختص ذلك بالحج الاسلامي
أم يعم كل حج واجب بالنذر وغيره ؟
وجهان ، أقواهما : الثاني ،
وذلك ليس لاجل إلغاء خصوصية المورد في النصوص المشار
اليها ، لعدم الدليل عليه ،
ولا للاجماع ، لعدم كونه تعبديا ، بل للمرسل المشهور : لا
طاعة لمخلوق في معصية الخالق
. المنجبر ضعفه بالاستناد اليه في الموارد المتعددة ، ولكن
هذا فيما إذا انعقد النذر
جامعا للشرائط ، وهو واضح .
ولو كان الواجب موسعا
فالظاهر أن له المنع قبل تضيقه ، لان ما دل على عدم
اعتبار إذن الزوج إنما يدل
على عدم اعتباره في أصل الواجب لا في الخصوصيات
ففيها يرجع الى عموم ما دل
على اعتبار إذن الزوج وأن له المنع ، وهو مقدم على أصالة
عدم سلطنته عليها في ذلك
التي استدل بها الشهيد - ره - لانه ليس له المنع في الموسع
الى محل التضيق ، هذا في
الحج الواجب .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 59 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 59 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 59 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 .
[ ويشترط في المندوب ]
( ويشترط ) إذن الزوج ( في )
الحج ( المندوب ) كما هو المشهور .
وفي المنتهى : ولا نعلم فيه
خلافا . انتهى .
وفي المستند : بلا خلاف يعرف
كما في الذخيرة ، ولا نعلم فيه خلافا كما عن
المنتهى ، بل الاجماع كما في
المدارك ، بل لعله إجماع محقق . انتهى .
واستدل له المصنف - ره -
وغيره بأن حق الزوج واجب فليس لها تفويته بما
ليس بواجب .
وأورد عليه سيد المدارك - ره
- بأنه إنما يقتضي المنع من الحج إذا استلزم
تفويت حق الزوج ، والمدعى أعم
من ذلك .
ولكن يرد على السيد - ره -
أنه من حقوق الزوج على الزوجة أن لا تخرج
من بيتها إلا بإذنه ، لاحظ .
صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في
حقوق الزوج على الزوجة : ولا
تخرج من بيتها إلا بإذنه ( 1 ) . ونحوه غيره ، فخروجها
بغير إذنه يستلزم تفويت حقه
مطلقا .
وقد يستدل له بموثق إسحاق بن
عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته
عن المرأة الموسرة قد حجت
حجة الاسلام تقول لزوجها : أحجني مرة اخرى أله أن
يمنعها ؟ قال عليه السلام :
نعم ويقول لها : حقي عليك أعظم من حقك علي في هذا ( 2 ) .
وقد جعله المصنف - ره - في
المنتهى ، والفاضل النراقي في المستند مؤيدا نظرا
الى أنه لا يدل على اعتبار
الاذن ، بل يدل على أن له منعها من ذلك .
وفي الجواهر : بل يؤمى اليه
أيضا حق الاسكان الذي تعيينه الى الزوج ، وكذا
عن كشف اللثام .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 79 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 59 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2
[ . . . ]
ولكن ذلك متفرع على مطالبة
الزوجة بنفقة الاسكان ، وأما إذا أسقطت حقها
من ذلك فلا يتم هذا الوجه ،
فالعمدة ما عرفت .
وإن كانت الزوجة مطلقة فإن
كانت رجعية فهي كالزوجة ما دامت في العدة
بلا خلاف ، بل الظاهر تسالم
الاصحاب على ذلك .
ووجهه واضح ، فإن الرجعية
بحكم الزوجة ، بل هي زوجة ما دامت في العده ،
فيجري التفصيل السابق .
ويشهد به - مضافا الى ذلك -
جملة من النصوص كصحيح منصور بن حازم
عن الامام الصادق عليه
السلام عن المطلقة تحج في عدتها ، قال عليه السلام : إن كانت
صرورة حجت في عدتها ، وإن
كانت حجت فلا تحج حتى تقضي عدتها ( 1 ) . ونحوه
غيره .
ومقتضى إطلاقها عدم جواز
الحج المندوب حتى مع إذنه ، ولكن يقيد إطلاقها
بموثق معاوية بن عمار عنه
عليه السلام : المطلقة تحج في عدتها إن طابت نفس
زوجها ( 2 ) . وبه يقيد ايضا
إطلاق ما دل على أن المطلقة تحج في عدتها .
وإن كانت بائنة فلا خلاف
بينهم في أنه لا يعتبر إذن الزوج ، وعللوه بانقطاع
عصمتها منه ومالكيتها لنفسها
ولكن إطلاق النصوص المتقدمة يشملها .
اللهم إلا أن يقال : إن
النسبة بينها وبين ما دل على أن البائنة تملك نفسها ولا
سبيل له عليها كصحيح سعد بن
أبي خلف ( 3 ) . عموم من وجه ، فيقدم ذلك ، للاشهرية ،
وتختص نصوص المقام بالرجعية
، أو يقال : إنها بمناسبة الحكم والموضوع مختصة
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 60 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 22 من
أبواب العدد حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 20 من
أبواب العدد حديث 1 .
[ . . . ]
بالرجعية .
وأما المعتدة للوفاة فيجوز
لها الحج واجبا كان أو مندوبا بلا خلاف .
ويشهد له - مضافا الى الاصل
- جملة من النصوص ، كموثق زرارة عن إمامنا
الصادق عليه السلام عن
المرأة التي يتوفى عنها زوجها أتحج ؟ فقال عليه السلام :
نعم ( 1 ) . ونحوه غيره .
الحج
الواجب بالنذر والعهد واليمين
الفصل الثالث : في الحج
الواجب بالعارض ، وله أنواع ثلاثة : الواجب بالنذر
وأخويه ، الواجب بالنيابة ،
والواجب بالافساد ، وحيث إن الاخير يذكر في طي مسائل
الحج وموارد فساده فيكتفى في
المقام بذكر الاولين ، فهاهنا مطلبان : الاول : في الواجب
بالنذر وأخويه - والمصنف -
ره - مع أنه أشار اليه في اول هذا الباب لم يتعرض لمسائله ،
وكيف كان فتنقيح القول فيه
في طي مسائل :
1 - قال في المنتهى : النذر
والعهد واليمين أسباب في وجوب الحج إذا تعلقت به
بلا خلاف - الى أن قال - ولا
خلاف بين المسلمين في ذلك . انتهى .
وفي المستند : لا شك في
انعقاد نذر الحج وعهده ويمينه ، وانعقد عليه الاجماع ،
ودلت عليه النصوص بالعموم
والخصوص . انتهى ، ونحوهما كلمات غيرهما .
وتفصيل القول في ذلك وبيان
حقيقة النذر والعهد واليمين ، وأن النذر والعهد
من الايقاعات واليمين من
قبيل الوعد ، وأنه هل هو من نوع الخبر أم لا ، ووجوب
الوفاء بكل واحد منها - موضح
في أبوابها .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 61 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .
[ . . . ]
2 - ويشترط في انعقادها امور
.
منها : كمال العقل ، فلا
تنعقد من الصبي وإن بلغ عشرا ، ولا من المجنون بلا
خلاف فيه كما في المدارك ،
كذا في الجواهر هنا ، وعن نذرها دعوى الاجماع بقسميه
عليه ، واستدل له بوجوه :
الاول : حديث رفع القلم الذي
رواه في محكي الخصال عن ابن الظبيان عن
أمير المؤمنين عليه السلام
في سقوط الرجم عن الصبي : أما علمت أن القلم يرفع عن
ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم
، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ( 1 ) .
وروي عن قرب الاسناد عن علي
عليه السلام .
واورد عليه بامور :
1 - ما عن الشيخ الاعظم - ره
- وهو أن الظاهر منه قلم المؤاخذة لا قلم جعل
الاحكام .
وفيه أولا : أنه لا شاهد لهذا
الحمل ، بل الظاهر منه قلم جعل الاحكام ولا أقل
من الاطلاق . وثانيا أن
المراد لو كان رفع فعلية المؤاخذة مع ثبوت الاستحقاق فيكون
مقتضاه العفو كان ذلك مما
يقطع بخلافه وإن كان المراد رفع الاستحقاق فهو لا يصح
إلا مع رفع الحكم الذي هو
منشأ هذا الحكم العقلي .
2 - ما عن الشيخ الاعظم - ره
- وتبعه غيره ، وهو أن المشهور على الالسنة أن
الاحكام الوضعية ليست مختصة
بالبالغين فلا مانع من كون عقده سببا فعليا للوجوب
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث 11
وباب 36 من أبواب
القصاص في النفس حديث 2 .
[ . . . ]
التعليقي أي وجوب الوفاء بعد
البلوغ ، ويكون هذا الوجوب منشأ انتزاع الوضع ،
لعدم اختصاص منشأه بالوجوب
الفعلي المنجز .
وفيه : أن ما هو المشهور
بينهم إنما هو ثبوت الوضع في حقه في الجملة في قبال
عدم ثبوت التكليف اللزومي
بقول مطلق لا ثبوت الاحكام الوضعية في حقه مطلقا ،
كيف وقد اشتهر بينهم بطلان
عقد الصبي ، وعلى أي حال إطلاق الحديث يدفع ذلك .
3 - أنه لو كان المراد
بالقلم قلم التكليف كان المراد خصوص قلم التكليف
الالزامي ، وذلك بقرينه
الرفع ، فإن مناسب مادة الرفع رفع ما في حمله كلفة وثقل
ومشقة ، وبقرينة كلمة
المجاوزة الظاهرة في رفع منشأ الثقل ، فلا يشمل الاحكام
الوضعية ، فإطلاق أدلة سببية
الاسباب الشامل لغير البالغ محكم .
وفيه : أن الرفع يصح إسناده
الى كل ما يصح إسناد الوضع اليه ، لانهما
متقابلان ، فلا وجه للاختصاص
ببعض الاحكام ، وكلمة المجاوزة لا تصلح قرينة لما
ذكر ، فإنها تعين الموضوع
خاصة ، فالاظهر شمول الحديث لجميع الاحكام ومنها سببية
النذر والعهد واليمين لثبوت
الحج في ذمته ، بل أفاد المحقق النائيني - ره - أنه يدل على
كون الصبي والمجنون مسلوبي
العبارة ، فإن الظاهر من قوله عليه السلام : رفع القلم
عنهما . ما هو المتعارف بين
الناس والدائر على ألسنتهم من أن فلانا رفع القلم عنه ،
ولا حرج عليه ، وأعماله
كالعدم .
الثاني : النصوص المتضمنة أن
عمد الصبي خطأ وهي صحيح محمد بن مسلم
عن الامام الصادق عليه
السلام : عمد الصبي وخطؤه واحد ( 1 ) .
وخبر إسحاق بن عمار عن جعفر
عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام
كان يقول : عمد الصبيان خطأ
يحمل على العاقلة ( 2 ) . ونحوهما غيرهما ، بتقريب : أنها
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة حديث 2 من كتاب الديات .
( 2 ) الوسائل باب 11 من
أبواب العاقلة حديث 3 .
[ . . . ]
تدل على أن الاحكام المترتبة
على الافعال مع القصد والعمد لا تترتب على أفعال
الصبي ، وأن أعماله عن قصد
كالاعمال الصادرة عن غيره بلا قصد ، فنذره وعهده
ويمينه كالنذر والعهد
واليمين الصادرة من الهازل والنائم .
وفيه : أن صريح الاخبار أن
الفعل الصادر عن عمد منه حكمه حكم الفعل
الخطئي لا أن قصد الصبي كلا
قصد ، مع أنها مختصة بباب الجنايات ، لانه في ذلك
الباب يتصور العمد والخطأ
حيث إن الامور فيه لها واقع محفوظ وهي قد تترتب على
أسبابها عمدا ، وقد تترتب
عليها خطأ ، وأما الامور المتوقف تحققها على القصد كباب
العقود والايقاعات حيث إنها
لا تتحقق بدون القصد فلا يتصور فيها الخطأ .
ولان تنزيل شئ منزلة آخر
إنما يصح اذا كان للمنزل عليه أثر ليكون التنزيل
بلحاظه كما في القتل ، فلا
تشمل هذه النصوص المقام .
الثالث : ما في الجواهر ،
وهو سقوط عبارتهما .
وفيه : أنه لم يدل دليل على
ذلك ، فالعمدة حديث الرفع .
وبه يظهر أنها لا تصح من
الساهي والغافل والمكره ، لحديث رفع التسعة ، مع
أن الساهي والغافل لا قصد
لهما وبانتفائه تخرج عن موضوع الادلة .
ومنها : ما عن الشيخ في الخلاف
وابن إدريس ، وهو الاسلام . قالا : لا يصح
النذر وأخويه من الكافر .
وعن المشهور موافقتهما في
خصوص النذر ، بل عن الجواهر : لا أجد خلافا في
عدم صحته بين أساطين الاصحاب
كما اعترف به في الرياض ، وحكي عن سيد
المدارك التأمل فيه ، وكذا
عن الكفاية ، وحكي عن الرياض أنه لا يخلو من قوة إن لم
[ . . . ]
يكن الاجماع على خلافه كما
هو الظاهر ، اذ لم أر مخالفا سواهما يعني سيد المدارك
وصاب الكفاية من الاصحاب .
انتهى .
واستدل للمشهور بأنه يعتبر
في النذر قصد القربة ، ولا يتحقق ذلك من الكافر
فلا يصح نذره ، بخلاف أخويه
، فإنه لا يعتبر فيهما قصد القربة ، فالدليل مركب
من أمرين : اعتبار قصد
القربة في النذر ، وعدم تحققه من الكافر ، وتفصيل القول فيهما
موكول الى كتاب النذر ،
وإنما نشير اليهما هنا إجمالا .
أما الاول فملخص القول فيه
أنه قد استدل لاعتبار قصد القربة فيه بوجوه :
أحدها : أن صيغة النذر تقتضي
ذلك ، وهي قول الناذر : لله علي كذا . فإن مفاده
الالتزام بالفعل أو الترك
لله تعالى ، وليست القربة المعتبرة في العبادة إلا ذلك .
وفيه : أنه فرق بين كون فعل
لله تعالى بمعنى قصد امتثال الامر به والتقرب
به اليه تعالى ، وبين كونه
له بحيث يصير تعالى مالكا لذلك الفعل بالمعنى المناسب له ،
والذي يدل عليه صيغة النذر
هو الثاني ، وقصد القربة الموجب لكون العمل عبادة هو
الاول ، وبينهما بون بعيد .
ولنعم ما أفاد صاحب الجواهر
- ره - في ذلك المبحث ، قال : ولا يخفى عليك أن
كون الفعل لله تعالى بمعنى
امتثالا لامره بمائن لكونه له بمعنى أنه يعتبر في التزام
النذر كون الصيغة الالتزام
له لا لغيره ، ولا مدخلية له في نية القربة كما هو واضح ، وحينئذ
فالمعتبر في النذر كونه لله
بالمعنى الذي ذكرناه لا غيره ، وهذا يجامع نذر المباح وغيره ،
فان فض إرادتهم من نية
القربة المعنى المزبور كما هو ظاهر سيد المدارك - الى أن
قال - فمرحبا بالوفاق إلا
أنه لا وجه للقول بعدم صحته من الكافر لتعذر نية القربة
منه . انتهى .
ثانيها : الاجماع ، فإن صاحب
الجواهر - ره - في مبحث النذر عند شرح قول
المحقق - : يشترط مع الصيغة
نية القربة فلو قصد منع نفسه بالنذر لا لله لم ينعقد -
[ . . . ]
ادعى الاجماع بقسميه على
الحكم المذكور ، وكذا غيره .
وفيه : - مضافا الى عدم كونه
إجماعا تعبديا - أن القوم اختلفوا في المراد منها ،
فعن المسالك استظهار أن
المراد جعل شئ لله تعالى في مقابل جعل شئ لغيره ، أو
جعل شئ من دون ذكر أنه له
تعالى أو لغيره ، وجعله أصح .
وصاحب الجواهر جعل المراد
منها رجحان المنذور وكونه عبادة في مقابل نذر
المباح .
واحتمل بعضهم أن يكون المراد
ما يقابل النذر شكرا على المعصية أو زجرا
عن الطاعة ، وقد مر عبارة
الجواهر ، وعليه فلا إجماع على اعتبار نية القربة فيه ، بل
ولا شهرة عليه .
ثالثها : جملة من النصوص
كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه
السلام إذا قال الرجل : علي
المشي الى بيت الله - وهو محرم بحجة - على هدي كذا
وكذا . فليس بشئ حتى يقول :
لله علي المشي الى بيته . أو يقول : لله علي هدي كذا
وكذا إن لم أفعل كذا وكذا (
1 ) .
وصحيح الحلبي عنه عليه
السلام في حديث : كل يمين لا يراد بها وجه الله
عز وجل فليس بشئ في طلاق أو
عتق ( 2 ) .
وموثق إسحاق ، قال : قلت
لابي عبد الله عليه السلام : إني جعلت على نفسي
شكرا لله تعالى ركعتين
اصليهما في السفر والحضر أفاصليهما في السفر بالنهار ؟ فقال
عليه السلام : نعم ( 3 ) .
ونحوها غيرها .
……………………………………………
( 1 ) الرسائل باب 1 من كتاب النذر والعهد حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 14 من
أبواب كتاب الايمان حديث 10 .
( 3 ) الوسائل باب 6 من كتاب
النذر والعهد حديث 1 .
[ . . . ]
وفيه ان جملة منها - كموثق
إسحاق - تدل على انعقاد النذر إذا كان متعلقه
الطاعة ، وجملة منها - كصحيح
الحلبي - تدل على اعتبار أن يكون النذر له تعالى
لا لغيره بالمعنى الذي
ذكرناه في الوجه الاول ، ونقلناه عن الجواهر ، فإذا لا دليل على
اعتبار نية القربة في النذر
.
بل يمكن أن يستدل لعدم
اعتبارها بوجهين :
أحدهما : الاصل فإنه يشك في
اعتبارها وعدمه والاصل يقتضي عدمه .
ثانيهما : إطلاق أدلة النذر
بناء على ما هو الحق من إمكان أخذ قصد القربة في
متعلق الامر ، وتمام الكلام
في المبنى موكول الى محله في الاصول .
وقد يستدل له بما دل على
كراهة النذر ، كموثق إسحاق المتقدم ، قال ، قلت لابي
عبد الله عليه السلام : إني
جعلت على نفسي شكرا لله تعالى ركعتين . . . الى أن قال :
إني لاكره الايجاب أن يوجب الرجل
على نفسه . الحديث ، ونحوه غيره .
وتقريب الاستدلال بها ، أن
نية القربة متوقفة على الامر والمحبوبية ، وحيث
إن الاحكام متضادة لا يمكن
اجتماع فردين منها في مورد واحد ، فما دل على كراهة
النذر يدل على عدم الامر به
وعدم محبوبيته فلا يمكن التقرب به وقصد القربة بالنذر .
ولا بأس به .
فالمتحصل : أنه لا يعتبر فيه
قصد القربة ، وأولى منه في ذلك العهد واليمين ،
فإنه لايجري فيهما أكثر ما
استدل به في النذر كما لا يخفى .
وأما الثاني فقد مر في مبحث
تكليف الكافر بالحج منع عدم تمشي قصد القربة
منه ، سيما الكافر القائل
بثبوت الصانع لهذا العالم ، نعم من لا يعتقد وجوده حتى
بالنحو الذي يعتقده عابد
الصنم - فإنه يعبد الصنم ليقربه الى الله تعالى كالمادي -
لا يتمشى منه قصد القربة .
وقد يقال بعدم صحة نذر
الكافر الحج ، لعدم تمكنه منه ، فإنه من العبادات ولا
[ . . . ]
يتمكن الكافر من إتيانها ،
وهذا الوجه يجري في العهد واليمين أيضا .
ولكن يرد عليه : أنه متمكن
من أتيان الحج بأن يسلم ويأتي به فهو مقدور
لمقدورية مقدمته فيجب عليه
حال كفره كسائر الواجبات .
فرع : لو نذر الكافر الحج ثم
أسلم ، فتارة يسلم مع بقاء وقت النذر ، واخرى
يسلم بعد مضيه ومخالفته
ووجوب الكفارة عليه ، فإن أسلم مع بقاء الوقت فالظاهر
سقوط وجوب الحج عنه ، لحديث
الجب ( 1 ) .
فإن قيل : إنه لاريب في عدم
شمول الحديث للواجبات الموسعة لو أسلم في
أثناء الوقت كما لو أسلم
ووقت صلاة الظهر باق فإنه لا كلام في وجوبها عليه بعد
الاسلام ، والنذر غير المقيد
بوقت ماض من هذا القبيل .
قلنا : إنه في الواجبات
الموسعة إنما نلتزم بوجوبها عليه بعد الاسلام من جهة
أن شيئا آخر غير ما هو موجود
بعد الاسلام لا يكون دخيلا في الوجوب ، وحديث
الجب لا يشمل بعد الاسلام .
وأما الحج النذري فسبب وجوبه
النذر المتحقق في حال الكفر فحديث الجب
يشمله ، وهو نظير قضاء
الصلاة الذي يكون سبب وجوبه ترك الصلاة في الوقت
ونظير صلاة الآيات التي حدثت
الآية في حال الكفر ، وما شاكل .
ودعوى انصراف الحديث عن
المقام . غير مسموعة ، كما هو واضح .
وإن أسلم بعد مضي الوقت فلا
أشكال في سقوط وجوب الحج ، لان خصوصية
……………………………………………
( 1 ) وقد مر مصادر الحديث في كتاب الصلاة في مسألة عدم وجوب
القضاء على الكافر إن أسلم .
[ . . . ]
الوقتية دخيلة في متعلق
النذر ، فلو مضى ذلك الوقت يحكم بسقوط وجوبه ولو قلنا
بوجوب القضاء لو مضى وقت
النذر ولم يأت بالحج فيسقط بالاسلام لحديث الجب .
وأما الكفارة ، فسقوطها
بالحديث وعدمه مبنيان على أن حديث الجب مطلق ،
أم يكون مختصا بالاحكام التي
في رفعها منة على الكافر نفسه ، أم يكون مختصا بالحكم
الذي في رفعه منة على الامة
؟ فعلى الاولين يشملها الحديث ، وعلى الاخير لا يشملها ،
فإنه يلزم منه خلاف الامتنان
في حق الغير ، وقد مر الكلام فيه في مبحث الزكاة ،
وعرفت أن الاظهر هو الاول -
فراجع - فلو أسلم يسقط الكفارة .
ومنها : الحرية ، فلا يصح
نذر العبد إلا بإذن مولاه ، وحيث إن بناءنا في مولفاتنا
على إلغاء المباحث المتعلقة
بالعبيد والاماء فالصفح عن التعرض لهذا الشرط وما
يتفرع عليه أولى .
والكلام في نذر الزوجة بدون
إذن الزوج ، ونذر الولد بدون إذن الوالد موكول
الى محله في كتاب النذر .
نذر
الزوجة الحج بدون إذن الزوج
وإنما نتعرض لامور مربوطة
بنذر الزوجة للحج المختصة بكتاب الحج وهي
خمسة :
1 - قد يقال بأنه يعتبر إذن
الزوج في نذر الزوجة الحج الندبي وإن لم نقل
باعتبار إذنه في نذرها في
غير المقام ، نظرا الى ما دل من النص على أنه يشترط في الحج
التطوعي إذن الزوج .
وفيه : أنه فرق بين الاذن في
الحج وبين الاذن في النذر ، والذي دل عليه النص هو
الاول ، وما يكون مورد البحث
هو الثاني ، وإثباته بما دل على الاول لا يتم .
[ . . . ]
2 - ربما يقال أنه يعتبر في
متعلق النذر الرجحان ، وعليه فلو نذرت الحج الندبي
بدون إذن الزوج بما أنه
مستلزم لتفويت حق الزوج من الاستمتاع وغيره ، بل عرفت
أن نفس خروجها الى السفر
بدون إذنه تفويت لحقه وهو عدم الخروج من بيتها بدون
إذنه لا محالة يكون مبغوضا
فلا محبوبية فيه فلا يكون النذر منعقدا .
وفيه : أنه يرتفع هذا
المحذور بالاذن في الحج وإن لم يأذن في النذر .
3 - أن مقتضى إطلاق صحيح عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام :
ليس للمرأة مع زوجها أمر في
عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلا
بإذن زوجها إلا في حج أو
زكاة أو بر والديها أوصلة قرابتها رحمها خ ل ( 1 ) أن نذرها
للحج لا يتوقف على إذن الزوج
.
توضيحه : الظاهر أن قوله :
إلا في حج . . . الى آخره ، استثناء من الجملة
الاخيرة ، وهي : لا نذر في
مالها إلا بإذن زوجها ، إذ مضافا الى أنه في الجمل المتعقبة
بالاستثناء لولا القرينة
يكون مرجع الاستثناء الجملة الاخيرة كما حقق في محله أنه
يلزم من إرجاعه في الحديث
الى ما قبلها من الجمل الالتزام بكون الاستثناء منقطعا ،
وعليه فيدل الحديث على أنه
لا يعتبر إذن الزوج في نذر الحج ، ومقتضى إطلاقه عدم
الفرق بين الحج الواجب
والندبي ، كما أن مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الزكاة
الواجبة وغيرها ، واشتمال
الحديث على ما لا نقول به لا يقدح في العمل به ، ولم أر من
تنبه لذلك ، وهذا يقتضي
التأمل أزيد من ذلك ، والله العالم .
ثم إن دلالة صدر الحديث على
أن نذر الزوجة يتوقف على إذن زوجها لا ينبغي
إنكارها .
4 - هل يختص الحكم أعم من ما
اشتمل عليه المستثنى والمستثنى منه بالزوجة
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 15 من أبواب كتاب النذر والعهد حديث 1 .
[ . . . ]
الدائمة ، أم يعم المنقطعة ؟
وجهان .
افاد سيد الرياض أنه ينبغي
القطع بالاختصاص ، وذكر في وجهه أمران :
أحدهما : قوة احتمال كون
صدقها عليها على سبيل المجاز دون الحقيقة .
ثانيهما : عدم تبادرها منها
عند الاطلاق .
ولكن يرد على الاول : أن
الزوجية الدائمية متحدة مع الانقطاعية ،
والانقطاعية إنما جاءت من
قبل الشرط في ضمن العقد ، كما اختاره صاحب الجواهر
- ره - ، مع أنه لو سلمنا
دخولها في مفهوم الزوجية الانقطاعية ، وكونها من قبيل
الفصول المميزة بينها وبين
الدائمية كما اختاره الشيخ الاعظم - ره - لا وجه لدعوى
عدم صدق الزوجية عليها حقيقة
وأن إطلاقها عليها مجاز .
ويرد على الثاني : منع
الانصراف والتبادر ، فالاظهر عدم الاختصاص .
5 - إذا نذرت المرأة الحج
حال عدم الزوجية ثم تزوجت فهل يجب عليها العمل
به وإن كان منافيا للاستمتاع
بها وليس للزوج منعها ، أم لا يجب العمل به إلا بإذن
الزوج ؟ وجهان ،
قد يقال بأنه للزوج حل النذر
، نظرا الى عموم ما دل على اعتبار إذن الزوج
في انعقاد نذر الزوجة ،
فمجرد ما صارت ذات زوج يحكم بعدم انعقاد النذر من الاول ،
لكونه فاقدا لشرط الصحة وهو
الاذن .
ولكن يندفع ذلك : بأن الظاهر
من النص اعتبار إذن الزوج حال النذر ، ولا
يشمل الزوج الحاصل بعده فلا
دليل على اعتبار إذنه والاصل عدمه .
وربما يقال : إن النذر واجد
لجميع ما يعتبر في نفوذه حتى رجحان المتعلق فإنه
[ . . . ]
راجح حين النذر فيكون نافذا
، ويجب الوفاء به ، وليس للزوج منعها من ذلك ، إذ لا
طاعة للمخلوق في معصية
الخالق .
ولكن يرد عليه : أن المعتبر
هو رجحان المتعلق حين العمل بالنذر ، وعليه فحيث
إن نذر الحج مطلقا يكون متعلقه
منافيا لحق الزوج فلا يكون المتعلق حين العمل
راجحا ، فينحل نذرها .
لا يقال : إن متعلق النذر
حين العمل راجح في نفسه وإنما يكون ملازما لامر
مرجوح وهو فوت حق الزوج ،
والمعتبر رجحان العمل في نفسه .
فإنه يقال : إن الحج مصداق
للمفوت فينطبق العنوان المرجوح عليه فيصير
بنفسه مرجوحا .
فإن قيل : إنه يصير نذرا
لغير المشروع إذا تقدمت الزوجية وإلا قيسقط حق
الزوج بسبق النذر فلا يكون
العمل مرجوحا .
قلنا : إن منافاته لحق الزوج
ثابتة على كل تقدير ، وإنما يجب العمل بالنذر إن
سقط حق الزوج ، وسقوطه متوقف
على وجوب العمل بالنذر فيلزم الدور ، وتمام الكلام
في كتاب النذر .
فتحصل : أن الاظهر على القول
باعتبار إذن الزوج في نذر الحج عدم الفرق
بين الزوج حين النذر والزوج
المتحقق بعده .
مسألة 3 : إذا نذر الحج من
مكان معين فحج من غير ذلك المكان لم يبرأ ذمته ،
وما أتى به لعدم مطابقته
للمنذور بالنسبة الى الامر النذري كالعدم .
ولو نذر أن يحج من غير تقييد
بمكان ثم نذر نذرا آخر أن يكون ذلك الحج
[ . . . ]
المنذور من مكان معين ، أو
نذر أن يحج حجة الاسلام من بلد معين فخالف وحج من
غير ذلك المكان فهل يبرأ من
المنذور الاول ويجزيه عن حجة الاسلام أم لا ؟ وعلى
فرض سقوط الامر الاول فهل
يجب عليه الكفارة لخلف النذر الثاني أم لا ؟ فالكلام
في موردين .
أما الاول فقد يقال : إن
الظاهر من النذر الثاني أخذ الحج الواجب قيدا ، فإنه
ينذر أن يحج الحج الاسلامي أو
النذري من مكان كذا ، ومرجع ذلك الى القول بأن
لا يحج إلا من ذلك المكان ،
فيجب المحافظة على قيد المنذور ، وهو يقتضي عدم إتيان
الحج الواجب من غير ذلك
المكان والمنع عنه ، فإنه يوجب تفويت الموضوع فيكون
حراما ، فلا يمكن التعبد به
فيبقى الحج الاول بذمته ، ولا يجزي ما أتى به عنه .
أقول : إن الحج من مكان معين
تارة يكون نذرا للحج من ذلك المكان بأن
يكون متعلق النذر الحج
المقيد بذلك ، واخرى يكون نذرا للقيد خاصة .
ففي الفرض الاول يصح النذر
ويجب الوفاء به وإن لم يكن ذلك المكان ذا
مزية ، فإن المعتبر في النذر
رجحان المنذور نفسه لا بجميع قيوده وحدوده ، فيتعين الحج
الواجب في الحج في ذلك
المكان ذلك لا يوجب شرطية ذلك بالنسبة الى الحج
الاسلامي ، أو الواجب بالنذر
الاول التي هي حكم وضعي .
نعم إن قلنا بأن الامر بالشئ
يقتضي النهي عن ضده يلزم من الامر بالحج
من ذلك المكان النهي عن الحج
عن غيره فيفسد لذلك ، كما أنه لو لم نقل بالترتب لقلنا
بفساده ، لعدم الامر ، ولكن
بما أن الامر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده ، والترتب
معقول كما حقق في محله فالحج
من غير ذلك المكان يكون مأمورا به بنحو الترتب ،
فلو أتى به يكون مجزيا عن
أمره فيسقط الامر الثاني أيضا ، لانتفاء موضوعه .
وأما الفرض الثاني ، فإن لم
يكن ذلك المكان ذا مزية لم ينعقد النذر لاعتبار
الرجحان في متعلقه ، وإن كان
كذلك انعقد ويجري فيه ما ذكرناه في الفرض السابق .
[ . . . ]
وأما المورد الثاني ، فقد
يقال : إنه إن أخذ الحج الواجب بالاصل أو بالنذر
شرطا للنذر فمع سقوطه
بالاداء لا مجال للكفارة ، إذ لا حنث .
وفيه : أنه إن أخذ شرطا
والمفروض حصول الشرط فكيف لا يكون حنث ، نعم
لو أخذ شرطا فترك الحج رأسا
لا حنث بالنسبة الى النذر الثاني ، لعدم تحقق الشرط .
لا
تجب المبادرة الى الحج النذور
مسألة 4 : إذا نذر أن يحج
ولم يقيده بزمان ولم يكن هناك انصراف ، فالمعروف
جواز تأخيره وعدم وجوب
المبادرة اليه الى أن يتضيق الوقت بظن الوفاة .
وعن المسالك نفي الخلاف فيه
.
وعن المدارك نسبته الى قطع
الاصحاب ونسب الى تذكرة المصنف - ره -
احتمال الفورية ، ولكنه في
كتاب الحج يصرح بعدم الفورية ، وكذا في المنتهى .
وفي الجواهر : وقد يقال
باستحقاق العقاب بالترك تمام عمره مع التمكن منه في
بعضه وإن جاز له التأخير الى
وقت آخر يظن التمكن منه ، فإن جواز ذلك - بمعنى
عدم العقاب عليه لو اتفق
حصول التمكن له في الوقت الثاني - لا ينافي استحقاق
عقابه لو لم يصادف بالترك في
أول أزمنة التمكن . انتهى .
والاظهر هو الاول ، إذ الامر
لا يدل إلا على مطلوبية الفعل وكونه طرف شوق
المولى من غير دلالة له على
الفور أو التراخي .
واستدل لوجوب المبادرة اليه
بوجوه :
الاول : انصراف المطلق اليها
كما قيل في الاوامر المطلقة .
وفيه : منع الانصراف أولا ،
وعلى فرض تسليمه فهو بدوي يزول بالتامل .
الثاني : أنه إن لم نقل بها
لم يتحقق الوجوب إما لجواز الترك مادام حيا ، أو
[ . . . ]
لضعف ظن الحياة هنا ، لانه
إذا لم يأت به في عام لا يمكنه الاتيان به إلا في عام آخر .
وفيه أولا : النقض بالواجب
الموسع ، فإنه يجري فيه جميع ما ذكر .
وثانيا : أنه إذا حصل له
الظن بالوفاة يجب المبادرة اليه ، ومع عدمه إنما يجوز
التأخير ظاهرا ، وهذا لا
ينافي الوجوب الواقعي .
الثالث : إطلاق بعض الاخبار
الناهية عن تسويف الحج .
وفيه : أن جملة من تلك
النصوص مصرحة بتسويف حجة الاسلام ، وجملة منها
واردة في تفسير آية الحج ،
وجملة منها متضمنة لحكم تسويف من له مال أو موسر ،
واختصاص هذه النصوص بحجة
الاسلام واضح ، وبعضها غير وارد في مقام البيان
من هذه الجهة فلا إطلاق له ،
والمتيقن الحج الاسلامي ، وبعضها ضعيف السند ، وإن
بقي شئ فهو منصرف الى الحج
الاسلامي .
الرابع : ما ذكره بعض
الاعاظم من المعاصرين ، قال : إن النذر اذا كان
مستوجبا حقا لله تعالى كان
تأخير الحق بغير إذن ذي الحق حراما . انتهى .
وفيه اولا : أن استيجابه لحق
مماثل للحق الثابت لنا ممنوع .
وثانيا : أن الحق الثابت إن
كان موسعا يجوز تأخيره ، وإنما لا يجوز على فرض
تضيقه ، فالاظهر أنه لا تجب
المبادرة اليه ، ويجوز تاخيره الى زمان ظن الوفاة .
وأما القول الثالث فلا وجه
له بعد جواز التأخير سوى أن العقاب تابع للواقع
لا للاقدام على المخالفة ،
وهو بين الفساد .
وهل يجب قضائه عنه لو مات أم
لا ؟ المقطوع به في كلام الاصحاب الاول ،
كما في الحدائق : بلا خلاف
أجده فيه ، بل هو مقطوع به في كلام الاصحاب كما اعترف
[ . . . ]
به في المدارك . كما في
الجواهر .
وظاهر سيد المدارك الثاني ،
ومثله فتوى ودليلا : ما لو نذر الحج وقيده بسنة
معينة فإنه لو أخر عمدا وعصى
بذلك يجب عليه القضاء عند الاصحاب ، وخالفهم
السيد - ره - ، نعم يثبت فيه
الكفارة زائدا على ما يثبت بترك الحج في الصورة الاولى ،
لمخالفته النذر .
وكيف كان فقد استدل على وجوب
القضاء في الصورتين بوجوه ، ولا يبعد
اختصاص بعضها بإحدى الصورتين
:
الاول : الاجماع ، وقد مر ما
في الاستدلال به غير مرة .
الثاني : الاخبار الدالة على
وجوب القضاء لو نذر أن يحج رجلا من ماله .
وتقريب الاستدلال بها على ما
في الحدائق ، بدعوى : ظهورها في أن المراد من
أن يحج به هو أن يمضي ذلك
الرجل حتى يوصله المناسك ويأتي بجميع أفعال الحج
وهو قائم بمؤونته ، لا أن
يعطيه مالا يحج به ، لان المتبادر من مادة الافعال المباشرة لا
السببية ، فهي تدل على وجوب
قضاء حجة النذر في الجملة ، وحيث إنها تدل على أن
نذر الحج يجب قضاؤه بعد
الموت فيبطل قول من يدعي أن النذر يقتضي وجوب الاداء
والقضاء يحتاج الى أمر جديد
، وكون متعلق النذر حجه بنفسه أو أن يحج غيره لا
مدخل له في تغير الحكم ، فإن
الموجب للقضاء هو النذر وتمكنه من الفعل وتفريطه حتى
مات .
وفيه أولا : أن الاصحاب لم
يعملوا بتلك الاخبار في موردها ، فإنها متضمنة
لاخراجه من الثلث ولم يفت
أحد بذلك ، بل التزموا بخروجه من الاصل .
وثانيا : أن الاحجاج بالغير
بأي معنى كان يكون تسبيبيا لا مباشريا ، وإيصال
الرجل المناسك وإتيانه بجميع
الافعال لا يجعله مباشريا ، والظاهر من الاحجاج
بالغير هو بذل المال له ليحج
بنفسه ، وعليه فنذر الاحجاج نذر دين مالي فتشمله
[ . . . ]
الاخبار الدالة على وجوب
أداء الدين ، وهذا بخلاف نذر الحج الذي هو عبارة عن
أعمال مخصوصة ، وليس بذل
المال داخلا فيه ، فالفرق بينهما واضح ، فلا يصح التعدي .
وثالثا : أنه لو سلم عدم
الفرق بينهما من هذه الجهة ، دعوى : أن المستفاد من
النصوص كون الموجب للقضاء هو
النذر من غير فرق بين كون متعلقه الحج بنفسه
أو أن يحج غيره . غير مسموعة
، إلا ممن هو محيط بملاكات الاحكام ، أو مع وجود
قرينة عليه ، وإلا فظاهر
النص الاختصاص بالمورد الثاني ، والتعدي يحتاج الى دليل
مفقود .
الثالث : ما في الحدائق أيضا
، وحاصله : أن نذر الحج مطلقا غير مقيد بوقت
خاص يقتضي استقرار الحج في
ذمته مادام لم يأت به وإن مات ، وليس في الاخبار ما
يدل على اختصاص الخطاب حال الحياة
، ليكون القضاء بعد الموت يحتاج الى أمر
جديد ، وإنما إطلاق
الاستقرار واشتغال الذمة اقتضى بقاء ذلك الى أن تحصل البراءة
بالاتيان بالفعل .
نعم يجب المباشرة مادام حيا
ولكن النذر اقتضى شيئين : المباشرة ، واستقراره
في الذمة ، وبالموت يسقط
الاول ويبقى الثاني .
وفيه أولا : أن من ينذر الحج
ينذر الفعل مباشرة ، وبالموت وتعذر المباشرة يسقط
المقيد ، وليس المنذور من
قبيل تعدد المطلوب .
وثانيا : أنه لو نذر استقرار
الحج في ذمته وإن مات فإنما يوجب ذلك القضاء
عنه لو ثبت مشروعية القضاء
عنه ، وإلا فهو نذر غير مشروع ، فإثبات المشروعية به
دور واضح .
وثالثا : أن ما أفاده من أنه
ليس في الاخبار ما يدل على اختصاص الخطاب
بحال الحياة ، يدفعه : أن
نفس الامر بالوفاء بالنذر يقتضي المباشرة كسائر الخطابات
الشرعية .
[ . . . ]
الرابع : ما في الجواهر ،
قال : إن الخطاب بالحج من الخطابات الدينية على معنى
ثبوته في الذمة على نحو ثبوت
الدين فيها لا أنه مثل خطاب السيد لعبده يراد منه
شغل الذمة بإيجاده في الخارج
وإن لم يثبت في الذمة ثبوت دين ، ومن هنا وجب في حج
الاسلام إخراج قيمة العمل من
أصل التركة ، وبهذا المعنى كان واجبا ماليا لا من
حيث احتياجه الى المقدمات
المالية - الى أن قال - إن متعلق النذر الحج على حسب
مشروعيته . انتهى .
وفيه : أن المراد من شغل
الذمة وثبوته فيها إن كان بمعنى كونه المطلوب منه
فهو سار في جميع الواجبات
ولا اختصاص للحج به ، وإن كان بمعنى ثبوته فيها زائدا
على الامر بإيجاده في الخارج
على نحو ثبوت الدين فيها الملائم مع سقوط التكليف
به ، فهذا لا دليل عليه ،
وقد عرفت أن الآية الكريمة من جهة تضمنها اللام - أيضا
لا تدل على ذلك .
مع أن كون متعلق النذر الحج
حسب ما شرع في الحج الاسلامي ، ممنوع ، بل
متعلقه إيجاد الاعمال المخصوصة
في الخارج ، ولم يظهر الفرق بين خطاب النذر وسائر
الخطابات حتى يدعى أن خطاب
النذر نحو الخطاب بالاجارة وأولى من الخطاب
الاصلي بذلك كما في الجواهر
.
الخامس : أن الحج واجب مالي
ثابت في الذمة فيجب قضاؤه .
وذكر صاحب الحدائق - ره - في
وجه كونه واجبا ماليا : أن الاتيان به متوقف
على المال وإن تفاوت قلة
وكثرة باعتبار مراتب البعد والقرب .
وفيه أولا : النقض بالصلاة ،
فإنها متوقفة على الساتر وتحصيله يتوقف على
المال ، بل على المكان وما
شاكل .
وثانيا : أن وجوب بذل المال
إنما هو في مقدمات الحج لا في أعماله .
وثالثا : أن لزوم بذل المال
أعم من ثبوته في الذمة ، ألا ترى أن أداء نفقة
[ . . . ]
الاقارب واجب مع أنها ليست
دينا .
ورابعا : لو سلمنا كونه دينا
إلا أن وجوب أداء كل دين حتى ما لو كان الدين
في سبيل الله لم يدل عليه
دليل .
السادس : الاستصحاب .
وفيه : أن التكليف بالاداء
ساقط بالموت قطعا ، والتكليف بالقضاء مشكوك
الحدوث ، واستصحاب الجامع
بينهما من قبيل القسم الثالث من أقسام الاستصحاب
الكلي ولا نقول به ، سيما في
مثل المقام مما يكون للقضاء وقت منفصل عن الاداء .
فإن قيل : إنه في وقت الاداء
كانت الذمة مشغولة بالحج وبعد مضيه يشك في
فراغ الذمة فيستصحب الشغل
فيجب أن يقضى عنه ، كي تفرغ .
قلنا : إن اشتغال الذمة به
زائدا على ما هو مقتضى التكليف بإتيانه مباشرة
غير معلوم من الاول ، والاصل
يقتضي عدمه ، فتدبر ، فإذا لا دليل على وجوب القضاء
والقاعدة تقتضي عدم الوجوب
بعد كون القضاء بأمر جديد كما هو مختار المدارك
والذخيرة والمستند وغيرها ،
ولكن تسالم الاصحاب على وجوبه ، وكونه عندهم من
المسلمات يوقفنا عن الافتاء
بعدم الوجوب ، فالاحتياط لا يترك .
هل
الواجب القضاء من أصل التركة أو الثلث ؟
ثم إنه بناء على وجوب القضاء
عنه لو مات ، فهل الواجب القضاء من أصل
التركة كما عن السرائر ، وفي
الشرائع ، وعن إطلاق المقنعة والخلاف ، أم من الثلث كما
عن الصدوق ، والنافع ، وأبي
علي والشيخ في النهاية والتهذيب والمبسوط ، وعن المعتبر
والجامع ، وفي المستند ؟
قولان .
وقد استدل للاول بوجوه :
[ . . . ]
الاول : أن الحج واجب مالي ،
وقد تقدم تقريبه في الفرع السابق ، وقد حصل
الاتفاق بينهم على أن الواجب
المالي بخرج من أصل التركة ، ولكن قد عرفت ما في
دعوى كونه واجبا ماليا .
الثاني : ما نسب الى بعض
الاعاظم من المعاصرين ، وهو أن الواجب المالي هو
ما كان وجوده متوقفا على
المال ، وكذلك وجوبه ، والحج كذلك ، ولا يقدح فيه وجوبه
من دون مال على أهل مكة ،
لانه بحكم النادر ، والواجبات المالية تخرج من الاصل
إجماعا .
وفيه : أن الحج الاسلامي
وجوبه متوقف على المال ، ولا كلام في خروجه من
الاصل ، وقد دل النص عليه
أيضا ، وأما وجوب الحج النذري فهو غير متوقف عليه ،
ومحل الكلام هو الثاني .
الثالث : ما أفاده صاحب
الجواهر - ره - وهو أن الحج واجب ديني ، والواجب
الديني يخرج من الاصل .
توضيح ما أفاده : أن الحج
واجب ديني ، وذلك لوجوه :
1 - أنه بالموت لا يسقط عن
ذمة الميت ، بل ذمته مشغولة به ، والنائب يأتي بما
اشتغلت ذمة المنوب عنه به ،
وليس معنى الدين إلا ذلك .
2 - أن الوجوب مطلقا عبارة
عن جعل المادة في ذمة المكلف ، وإليه يشير ما في
بعض الاخبار : دين الله أحق
أن يقضى ، فإنه يدل على أن كل واجب دين .
3 - أن النذر مفاد صيغته جعل
المنذور لله سبحانه ، يعني أن الذمة تشتغل
بالعمل لله تعالى .
4 - ما في صحيح ضريس : إنما
هو مثل دين عليه . وفي حسن معاوية : إنما هو
بمنزلة الدين الواجب . وفي
خبر الحارث : إنما هي دين عليه . وستأتي جميعها في هذا
المبحث .
[ . . . ]
وكل واجب ديني يخرج من الاصل
.
ويشهد به حسن معاوية في رجل
توفي وأوصى أن يحج عنه ، قال : إن كان
صرورة فمن جميع المال ، إنه
بمنزلة الدين الواجب عليه وإن كان قد حج فمن ثلثه ( 1 ) .
فإن مقتضى عموم العلة خروج
كل واجب ديني من الاصل .
وخبر حارث بياع الانماط أنه
سأل أبو عبد الله عن رجل أوصى بحجة ، فقال :
إن كان صرورة فهي من صلب
ماله ، إنما هي دين عليه ( 2 ) . وهو أيضا بعموم العلة يدل
على أن كل واجب ديني يخرج من
الاصل .
وبما ذكرناه في تقريب كونه
دينا . يندفع ما قيل بانصراف الدين عن الحج
وسائر ديون الله تعالى الى
أموال الناس ، فإنه لا وجه للانصراف ، وعلى فرضه فهو
بدوي يزول بأدنى تأمل ، فإنه
انصراف ناشئ من انس الذهن بالفتاوي .
وأضعف منه ما قيل بأن إطلاق
الاشتغال عليه مبني على ضرب من المسامحة ،
وليس فيه أمر وضعي حتى يسمى
بالاشتغال ، وإنما يجب العمل وجوبا تكليفيا صرفا ،
فإن الميت لا يكون مكلفا
بتكليف صرف ، بل لا يعقل ذلك ، فلا محالة يكون ذمته
مشغولة به .
وظني أن المستشكل توهم أنا
ندعي اشتغال ذمة الميت بالمال . وهو توهم فاسد ،
بل المدعى اشتغال ذمته بالحج
، والذمة كما تشتغل بالمال كذلك تشتغل بالاعمال ،
وبلحاظه يطلق عليها الديون ،
وإنكار ذلك مكابرة .
وأضعف منهما : أنه لو تم ذلك
لزم إخراج جميع الواجبات حتى البدنية من
الاصل ، فإنه يرد عليه : أنا
نلتزم بذلك ولا محذور فيه بعد مساعدة الدليل عليه .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 25 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 25 من
أبوب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 .
[ . . . ]
وأما ما عن المدارك من القطع
بعدم وجوب إخراج الواجبات البدنية من
الاصل ، وما عن الرياض : لا
خلاف في أنها تخرج من الثلث مرسلين له إرسال
المسلمات . انتهى ، فلعدم كون
ذلك إجماعا تعبديا لا يصلح دليلا على إخراجها من
الثلث ، ولو سلم ذلك فيها
فحيث لا إجماع في الحج النذري كما مر أن جماعة من
الفحول قائلون بإخراجه من
الاصل فهو الفارق .
فالمتحصل : مما ذكرناه أن
جميع الواجبات سيما الحج النذري تخرج من الاصل .
وقد استدل للزوم إخراجه من
الثلث بصحيح ضريس ، وقد سأل أبا جعفر
عليه السلام عن رجل عليه حجة
الاسلام نذر نذرا في شكر ليحجن به رجلا الى مكة ،
فمات الذي نذر قبل أن يحج
حجة الاسلام ومن قبل أن يفي بنذره الذي نذر ، قال
عليه السلام : إن ترك مالا
يحج عنه حجة الاسلام من جميع المال وأخرج من ثلثه ما
يحج به رجلا لنذره وقد وفى
بالنذر ، وإن لم يكن ترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة
الاسلام حج عنه بما ترك ،
ويحج عنه وليه حجة النذر ، إنما هو مثل دين عليه ( 1 ) .
وبصحيح عبد الله ابي يعفور
سأل الامام الصادق عليه السلام رجل نذر لله
إن عافى الله ابنه من وجعه
ليحجنه الى بيت الله الحرام فعافى الله الابن ومات الاب
فقال : الحجة على الاب
يؤديها عنه بعض ولده . قلت : هي واجبة على ابنه الذي نذر
فيه ؟ فقال : هي واجبة على
الاب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه ( 2 ) .
وتقريب الاستدلال بهما : ما
عن كشف اللثام ، قال : فإن إحجاج الغير ليس
إلا بذل المال لحجه فهو دين
مالي محض بلا شبهة ، فإذا لم يجب إلا من الثلث فحج
نفسه أولى .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 29 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 29 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 .
[ . . . ]
وفيه أولا : أن الاصحاب لم
يعملوا بهما في موردهما ، فإن بناءهم على إخراج
موردهما من الاصل - وفي
المستند : قيل : لم يفت به فيه أحد - فكيف يعمل بها في غير
موردهما .
وثانيا : نمنع الاولوية ،
لعدم معلومية العلة والمناط .
وثالثا : أنه يعارضهما حسن
مسمع بن عبد الملك أو صحيحه ، قلت لابي عبد
الله عليه السلام : كانت لي
جارية حبلى فنذرت لله تعالى إن ولدت غلاما أن أحجه أو
أحج عنه . فقال : إن رجلا
نذر لله عز وجل في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج
عنه ، فمات الاب وأدرك الغلام
بعده فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله
عن ذلك فأمر رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم أن يحج عنه مما ترك أبوه ( 1 ) . فإن
ظاهره الحج عن أصل التركة لا
من الثلث ، وليس ذلك بالاطلاق ، كي يقال : إنه يقيد
إطلاقه بالصحيحين .
والاصحاب حملوا الصحيحين على
محامل :
الاول : ما عن مختلف المصنف
- ره - وهو حملهما على صورة كون النذر في حال
المرض بناء على خروج
المنجزات من الثلث .
وفيه أولا : أن المنجزات
تخرج من الاصل .
وثانيا : أنه لم يفرض المرض
فيهما .
وثالثا : أن الواجب المالي
يخرج من الاصل وإن أوصى به .
ورابعا : أنه حمل لا شاهد له
.
الثاني : حملهما على صورة
عدم إجراء الصيغة .
وفيه أولا : أن المصرح به
فيهما تحقق النذر ، والنذر بلا صيغة لا يكون نذرا .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 16 من كتاب النذر حديث 1 .
[ . . . ]
وثانيا : أنه لا يجب الوفاء
به فلا وجه لاخراجه من الثلث .
الثالث : حملهما على صورة
عدم التمكن من الوفاء به .
وفيه : أن النذر الذي لا
يمكن الوفاء به باطل من أصله فلا يخرج من الثلث
أيضا .
وصاحب المعالم - ره - حملهما
على الندب المؤكد الذي قد يطلق عليه الوجوب
نظرا الى عدم ظهورهما في
الموت بعد التمكن من المنذور .
ولكن يرد عليه : أنه لا موجب
له .
فتحصل مما ذكرناه : أن الحج
النذري لا دليل على وجوب قضائه ، وإنما جعلناه
أحوط نظرا الى تسالم الاصحاب
عليه ، وعلى فرض القول به يخرج من الاصل لا من
الثلث ، وكذا جميع الواجبات
التي يجب قضاؤها عن الميت كالصلاة والصيام وما شاكل
تخرج من الاصل .
وإن نذر مطلقا أو مقيدا بسنة
ولم يتمكن من الاداء حتى مات لم يجب القضاء
عنه ، لما مر ، ولعدم وجوب
الاداء عليه الكاشف عن عدم انعقاد النذر فإنه يعتبر في
متعلقه التمكن منه .
مسألة 5 : لو نذر الحج معلقا
على أمر كشفاء مريضه أو مجئ مسافره فمات
قبل حصول المعلق عليه ، فهل
يجب القضاء عليه أم لا ؟ وجهان ابتناهما سيد العروة
على أن التعليق من باب الشرط
، أو من قبيل الوجوب المعلق ، فعلى الاول لايجب ،
لعدم الوجوب عليه بعد فرض
موته قبل حصول الشرط ، وعلى الثاني يمكن أن يقال
بالوجوب ، لكشف حصول الشرط
عن كونه واجبا عليه من الاول ، إلا أن يكون نذره
منصرفا الى حياته الى حين
حصول الشرط .
أقول : بناء على ما ذكرناه
من عدم الدليل - غير الاجماع - على وجوب قضاء
[ . . . ]
الحج النذري ، فعدم الوجوب في
المسألة واضح .
وأما على القول بوجود الدليل
عليه فيمكن أن يقال بعدم وجوب القضاء ، نظرا
الى أنه يعتبر في النذر
التمكن من متعلقه في ظرفه ، ومع عدم التمكن منه لا ينعقد النذر ،
فإنه بالموت وعدم التمكن من
الاتيان بالحج وعدم وجوب أدائه ينكشف عدم انعقاد
النذر فلا يجب قضاؤه .
ومع الاغماض عن ذلك وتسليم
عدم اعتبار التمكن من متعلقه في انعقاد النذر ،
ما ذكر - ره - من أنه لو كان
شرطا لا يجب القضاء . غير تام ، بل لابد وأن يفصل بين
أخذه من قبيل الشرط المتأخر
أو المقارن ، وعلى الاول يجب القضاء ولا يجب على
الثاني .
والظاهر أخذ القيد شرطا
للنذر لا قيدا للمنذور ، وكونه بنحو الشرط المقارن ،
وعليه فلا يجب القضاء قطعا .
وقد نسب الى بعض الاعاظم من
المعاصرين أنه لو كان المعلق عليه أمرا غير
اختياري لا يعقل أخذه قيدا
للمنذور ، لخروجه عن حيز القدرة ، فيكون القيد راجعا
الى نفس النذر فلا وجوب قبل
حصوله .
وفيه أولا : النقض بزمان
الحج ، فإنه قيد للحج لا لوجوبه .
وثانيا بالحل ، وهو أنه فرق
بين الشرط والجزء ، ففي الجزء يكون الدخيل في
المأمور به القيد والتقيد به
، وفي الشرط يكون المأمور به التقيد به دون نفس القيد ،
ولذا لا مانع من كونه غير
اختياري ، مثلا وجود الكعبة شرط في الصلاة ، ومعناه أن
الصلاة متقيدة بأن تقع
مستقبل القبلة ، وهكذا سائر الشرائط غير الاختيارية
للمكلف ، وكم له نظير في
الفقه ، عصمنا الله من الخطأ .
[ . . . ]
مسألة 6 : لو نذر الاحجاج
معلقا على شرط كمجئ المسافر أو شفاء المريض
فمات قبل حصول الشرط مع فرض
حصوله بعد ذلك وتمكنه منه قبله فهل يجب
القضاء عنه أم لا ؟ وجهان .
المسألة معنونة في كلمات
الفقهاء ، ولكن صاحب الرياض - ره - يدعي أن
مفروض المسألة في كلماتهم
حصول الشرط المعلق عليه النذر في حال الحياة ، وعليه
فيكون وجوب القضاء على وفق
القاعدة ، لانه حق مالي تعلق بتركته فيجب القضاء
عنه ، ولذا اعتبر الشهيد -
ره - التمكن من المنذور حال الحياة ، ولم يتعرضوا لحكم ما
لو حصل الشرط بعد الموت .
وصاحب الجواهر ينكر ذلك
ويدعي أن المفروض المسألة في كلماتهم هو حصول
الشرط بعد الموت ، ولذا أن
الشهيد الثاني في المسالك اعترف بأن الاصل في هذا الحكم
حسنة مسمع ، وسبطه في
النهاية أتعب نفسه في تصحيح الخبر - الى أن قال - مع تلقي
الاصحاب لها بالقبول واشتهار
مضمونها بينهم حيث لا يتحقق فيه خلاف ، وهذا كله
يدل على العمل بمضمون
الرواية وإن خالف القواعد ، بل تعبير الاصحاب بمضمونها
كالصريح في ذلك ، ولو كان
مفروض المسألة كما ذكره من الموت بعد التمكن لم يحتج
الى هذه المتعبة العظيمة .
أقول : لا بد أولا من نقل
الخبر بتمامه ، ثم بيان سنده ودلالته ، ثم ملاحظة أن
الاصحاب عملوا به أو أعرضوا
عنه .
أما الخبر فهو حسن مسمع بن
عبد الملك أو صحيحه المتقدم ، قال : قلت لابي
عبد الله : كانت لي جارية
حبلى فنذرت لله عز وجل إن ولدت غلاما أن أحجه أو أحج
عنه ، فقال عليه السلام : إن
رجلا نذر لله عز وجل في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو
[ . . . ]
يحج عنه ، فمات الاب وأدرك
الغلام بعد فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغلام
فسأله عن ذلك فأمر رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أن يحج عنه مما ترك أبوه .
وأما سنده فطريقه الى مسمع
صحيح .
وأما هو فعن النجاشي : أنه
كان شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها وسيد
المسامعة ، وأنه روى عن ابي
جعفر عليه السلام روايات كثيرة ، وروى عن ابي عبد
الله عليه السلام أكثر واختص
به ، وقال له أبو عبد الله : إني لاعدك لامر عظيم . وهذا
المدح لا يقصر عن التوثيق
فلا إشكال في سنده .
وأما دلالته فالخبر متضمن
لفرضين : أحدهما - وهو المسئول عنه - وهو : ما إذا
نذر إن ولد له ولد أن يحجه
أو يحج عنه فولد له ثم مات الوالد ، فالموت مفروض فيه
بعد حصول الشرط .
ثانيهما : ما نقله الامام
عليه السلام عن واقعة في زمان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وهي : إن نذر رجل
إن ادرك ابن له أن يحجه أو يحج عنه فمات الاب وأدرك
الغلام بعد . فالموت مفروض
فيها قبل حصول الشرط ، ويدل الخبر على لزوم القضاء
عنه في الفرضين .
أما في الفرض الثاني ، فلان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بذلك .
وأما في الاول ، فلانه عليه
السلام في مقام الجواب عنه بين حكم رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ،
فيعلم حكم الفرض الاول منه .
والاصحاب - رضوان الله تعالى
عليهم - وإن لم يتعرضوا للفرض الثاني وإنما
الموجود في كلماتهم الفرض
الاول ، لاحظ الشرائع والنافع والقواعد وغيرها ، بل حتى
المسالك فإن الشهيد فيها ذكر
أن الاصل في المسألة هو رواية مسمع ، ثم قال : إن
القاعدة أيضا تقتضي ذلك ،
وكذا كشف اللثام ، فإن القاعدة - وهي لزوم أداء الحق
المالي المتعلق بالتركة من
الاصل - إنما هي في الفرض الاول دون الثاني .
[ . . . ]
ولكن بما أن الفرض الاول
متفرع في الخبر على الفرض الثاني وإنما يستفاد
حكمه من حكم الفرض الثاني ،
فلا يبقى مجال للقول بعدم عمل الاصحاب بالخبر
في الفرض الثاني .
فما أفاده صاحب الجواهر من
عمل الاصحاب بالخبر في الفرض الثاني . هو
الصحيح ، فمفاد الخبر لزوم
القضاء عنه كان الموت قبل حصول الشرط أو بعده .
وأما ما في نذر الجواهر :
الظاهر بناء على العمل بالرواية الاقتصار على
مضمونها الذي هو رزق الولد
وإدراك الغلام ، ولا يتعدى منهما الى غيرهما ومن هنا عبر
الاصحاب بذلك ولم يجعلوا
العنوان أمرا كليا شاملا له ولغيره . انتهى ، وتبعه بعض
الاعاضم من المعاصرين ، فلا
يمكن المساعدة عليه ، فإن الامام عليه السلام عند بيان
حكم الفرض الاول اقتصر على
بيان حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في
الثاني ، فلو كان الحكم
مختصا بالمثال لما صح إيكال استفادة أحد الفرضين مما بين في
الفرض الثاني ، فمن الايكال
اليه يستكشف عدم الخصوصية للمورد ، فتدبر ، فإنه
دقيق .
نعم الخبر مختص بما إذا نذر
الحج أو الاحجاج بنحو التخيير ، فإسراء الحكم
الى ما لو نذر الاحجاج فقط
يتوقف على إلغاء خصوصية المورد ولا بأس به ، ولا يبعد
أن يكون قوله : أو يحج عنه
من باب الافعال ، فيكون المنذور هو الاحجاج معينا .
وأولى بذلك ما لو نذر
الاحجاج في سنة معينة مع تمكنه أو مطلقا ، أو معلقا على
شرط وقد حصل ، وتمكن منه ،
فإنه يجب أن يحج مما ترك ، وتقتضيه القاعدة أيضا ، فإنه
حق مالي تعلق بالتركة فيجب
إخراجه منها .
وأما صحيحا ضريس وابن أبي
يعفور فقد عرفت ما فيهما .
[ . . . ]
مسألة 7 : لو نذر الحج فتارة
ينذر حج الاسلام ، واخرى ينذر غير حج
الاسلام ، وثالثة ينذر الحج
ويطلق ولا يقيد بحج الاسلام ولا بغيره ، فالكلام في موارد
ثلاثة :
الاول : لو نذر حج الاسلام
فقد يكون مستطيعا وقد يكون غير مستطيع ، فإن
كان مستطيعا ففي التذكرة
والمنتهى والمستند والحدائق وظاهر الجواهر انعقاده ، بل في
الحدائق : والاظهر الاشهر
انعقاد نذره ، وعن ظاهر المرتضى والشيخ وأبي الصلاح
وابن إدريس الاشكال في انعقاده
، فإنهم وإن لم يتعرضوا لذلك إلا أنهم ذكروا ما لو
نذر أن يصوم أول يوم من شهر
رمضان ، وقالوا بعدم انعقاد نذره ، وذكروا لها وجها
يجري في المقام ، وكيف كان
فقد استدل لعدم انعقاد نذره بوجوه :
الاول : أنه يعتبر في النذر
القدرة على متعلقه بلا خلاف ، والحج بعد الاستطاعة
يصير واجبا لا يقدر المكلف
شرعا على تركه فلا يكون فعله أيضا مقدورا ، لان القدرة
على الفعل إنما تكون إذا كان
الترك مقدورا له ، والممتنع شرعا كالممتنع عقلا .
وفيه : أنه اذا كان دليل من
كتاب أو سنة أو إجماع دال على اعتبار القدرة في
متعلق النذر كان الاستدلال
متينا جدا ، ولكن بما أن دليل اعتبارها لا يدل عليه إلا
من باب أن الممتنع الذي لا
يمكن حصوله يكون نذره مستلزما للتكليف بالمحال أو
يكون لغوا ، ومن المعلوم
اختصاص هذا الوجه بالممتنع عقلا فلا يشمل الممتنع شرعا .
الثاني : أن إيجاب العمل
يوجب صيرورته ملكا لله تعالى ، ويتأكد ذلك في
خصوص الحج بناءا على أن
الظاهر من اللام في قوله تعالى : ( ولله على الناس
حج البيت ) هو الملكية ،
فاذا كان حج الاسلام مملوكا لله تعالى لا يصح تمليكه له
تعالى ثانيا بالنذر .
[ . . . ]
وفيه : أن المراد من الملكية
لله تعالى إن كان هي الملكية الاعتبارية فالايجاب لا
يقتضي تلك ، ولا اللام ظاهرة
فيها ، وإن كان ثبوت سلطنة تكوينية له تعالى وسلب
سلطنة العبد فهو خلاف
الوجدان والواقع ، وإن كان بمعنى السلطنة التشريعية فهي
ثابتة قبل الايجاب ، لان
أفعال العباد تحت سلطانه له أن يجعل لها أي حكم شاء ، وكونه
موجبا لسلسب سلطنة العبد
تشريعا لا ينافي النذر والتمليك .
الثالث : أن نذر ما هو واجب
بالاصل لغو لا يترتب عليه أثر .
وفيه : أنه يمكن أن يكون
العبد لا ينبعث من التكليف بالحج وحده ، ولكن إذا
تأكد ذلك بالتكليف بالوفاء
بالنذر سيما مع ثبوت الكفارة في مخالفته التي هي أثر زائد
ينبعث فلا يكون لغوا ويلتزم
بالتأكد .
فتحصل أن الاظهر انعقاد نذره
، ويكفيه حج واحد كما هو واضح ، وإن تركه
ثبت عليه مضافا الى القضاء
الكفارة .
وإن نذر حج الاسلام في العام
الاول ، وخالف نذره بالتأخير يجب عليه
الكفارة ، ويجب عليه الاتيان
بالحج في العام القابل ، فإن أتى به فيه لا يجب عليه
القضاء ، فإن بالاتيان به
يرتفع الموضوع فلا شئ ، كي يجب قضاؤه ، فإن المنذور حج
الاسلام فقد أتى به وبرئت
ذمته منه فلا مورد لوجوب القضاء .
وإن كان غير مستطيع فنذره ،
فهل يجب عليه تحصيل الاستطاعة أم لا ؟
المعروف بين المتأخرين
الثاني ، لاحظ : الروضة والمدارك والمستند وكشف اللثام
والجواهر .
والحق أن يقال : إنه تارة
ينذر أن يحج حج الاسلام إن وجب عليه ، واخرى
ينذر أن يحجه مطلقا ، ففي
الاول لا يجب تحصيل الاستطاعة ، لانه من قبيل شرط
الوجوب ، وفي الثاني يجب ،
لانه مقتضى إطلاق النذر ، وتكون الاسطاعة حينئذ من
قبيل شرط الواجب بالنسبة الى
النذر .
[ . . . ]
المورد الثاني : ما لو نذر
حجا غير حج الاسلام ، فإن كان مستطيعا وأطلق نذره
أو قيده بسنة متأخرة عن سنة
الاستطاعة انعقد نذره بلا كلام ، ووجبا معا ولم يتداخلا
اتفاقا كما عن التحرير
والمختلف والمسالك وغيرها ، ويجب تقديم حج الاسلام ، وهذا
كله ظاهر لا غبار عليه .
وإن قيد نذره بسنة الاستطاعة
، فإن قيده بزوالها انعقد ووجب عليه الحج إن
زالت استطاعته .
وإن قيده ببقائها فالمشهور
بطلان نذره وعدم انعقاده ، وعللوه بأنه نذر ما لا
يصح ، ولكنه يبتنى على أن لا
يصح عن المستطيع غير حج الاسلام ، وقد مر الكلام
فيه في المسألة الثانية عشر
من الفصل السابق ، وعرفت صحته في بعض الفروض .
وربما يقال : إنه وان صح غير
حج الاسلام في عام الاستطاعة إلا أنه لا يصح نذره
وذكر في وجه ذلك وجوه :
الاول : عدم قدرته شرعا على
العمل المنذور لوجوب الحج الاسلامي ، ويعتبر
القدرة في متعلق النذر .
وفيه : أن القدرة المعتبرة
هي العقلية وهي موجودة ، والقدرة الشرعية لا دليل
على اعتبارها فيه .
الثاني : أن الامر بالحج
الاسلامي يقتضي النهي عن غيره المضاد معه ، فإذا كان
منهيا عنه لا يصح النذر
لاعتبار الرجحان في متعلقه .
وفيه : أن الامر بالشئ لا
يقتضي النهي عن ضده كما حقق في محله .
الثالث : أنه لو قلنا بصحة
النذر لا يسقط وجوب الحج الاسلامي فورا فيلزم
اجتماع أمرين متنافيين فعلا
، فلا يمكن أن ينعقد النذر .
[ . . . ]
وفيه : أن المورد حينئذ يكون
من قبيل الواجبين المتزاحمين ويجري حكمهما .
الرابع : أن إيجاب حج
الاسلام يوجب صيرورته مملوكا لله تعالى ومستحقا له ،
وحيث إن الانسان لا يملك
منافعه المتضادة في آن واحد فلا يكون مالكا لحج آخر ،
وإذا لم يكن مالكا له ليس له
أن يملكه لله تعالى بالنذر .
وقد مر الجواب عنه في
المسألة السابقة فراجع فالاظهر صحة نذره بناء على
صحة حج غير حج الاسلام في
عام الاستطاعة .
وإن أطلق نذره ولم يقيده
بزوال الاستطاعة ولا بقائها ، فعن المدارك احتمال
البطلان ، لانه نذر في عام
الاستطاعة غير حج الاسلام ، واحتمال الصحة حملا للنذر
على الوجه المصحح وهو ما اذا
فقدت الاستطاعة .
وفيه : أن الحمل على الصحة
إنما هو فيما إذا شك لا مع فرض العلم بانتفاء
القصد والابهام ، فالحق أن
يقال : بناء على صحة النذر وانعقاده لو قيده ببقاء
الاستطاعة فلا كلام في الصحة
، وإلا فالاظهر البطلان ، لان الجامع بين المشروع وغير
المشروع غير مشروع ، نعم إذا
زالت الاستطاعة يمكن البناء على الصحة من جهة
أن زوالها يكشف عن صحة النذر
حال وقوعه ، وعدم كونه نذرا للحج في عام
الاستطاعة غير حج الاسلام ،
فتدبر .
وإن نذر غير حج الاسلام ولم
يكن مستطيعا فيجب الاتيان بالمنذور بشرط
التمكن العقلي ، ولا يعتبر
في وجوبه الاستطاعة الشرعية ، فإنها شرط في حجة الاسلام
خاصة ، خلافا للمحكي عن
الدروس فتشترط أيضا .
ولكن صاحب الجواهر احتمل
إرادة غير الظاهر من كلامه وإن أراد ما هو
ظاهره فلا وجه له لاختصاص
الادلة بحج الاسلام ، واعتبار القدرة في متعلق النذر
ليس مدلول دليل لفظي ، كي
يحمل على إرادة القدرة الشرعية .
وحينئذ لم يصر مستطيعا فلا
كلام ، وإن صار مستطيعا بعد النذر وقبل الاتيان
[ . . . ]
بالمنذور ، فإن كان نذره
مطلقا أو مقيدا بسنة متأخرة عن عام الاستطاعة لا إشكال
في انعقاد نذره ، لعدم
المزاحمة بين المنذور وحج الاسلام ، بل عليه أن يأتي بحج الاسلام
في عام الاستطاعة ، ويأتي
بالمنذور في العام اللاحق .
وإن كان نذره مقيدا بسنة
معينة وحصل فيها الاستطاعة ، ففيه وجوه وأقوال :
1 - ما عن المحقق النائيني -
ره - وهو بطلان النذر ولزوم الاتيان بحج الاسلام
ولا شئ عليه .
2 - ما عن صاحب الجواهر - ره
- واختاره سيد العروة ، وهو : أنه يجب عليه
الحج المنذور ، فإن بقيت
الاستطاعة الى العام القابل وجب حج الاسلام وإلا فلا .
3 - التخيير بينهما ، فإن
قدم المنذور وبقيت الاستطاعة الى العام القابل وجب
عليه الحج فيه وإلا فلا ،
وإن قدم حج الاسلام سقط وجوب المنذور ولا كفارة عليه .
واستدل للأول بأنه يعتبر في
متعلق النذر الرجحان حين العمل ، ومع عدمه لا
ينعقد النذر ، وإذا استطاع
يصير غير حج الاسلام مرجوحا حين العمل ، فينحل نذره
بمعنى أنه ينكشف عدم انعقاده
من الاول .
أقول : إن هذا الوجه يتم
فيما إذا كان المنذور حجا لا يصح لو أتى به في عام
الاستطاعة وإلا فلا يتم ،
فإن المنذور راجح في نفسه وإن كان حج الاسلام أرجح منه ،
وقد مر تنقيح المبنى في
المسألة الثانية عشر من الفصل السابق ، وعرفت اختصاص
دليل عدم الصحة بالحج عن
الميت .
واستدل للثاني بأن المعتبر
في انعقاد النذر الرجحان حين النذر والمفروض في
المقام وجوده ، لانه نذر في
حال عدم الاستطاعة فينعقد صحيحا ، ويجب الحج ، وإذا صار
مستطيعا لا يعقل أن يصير حج
الاسلام أيضا واجبا ، لعدم القدرة ، فهو وإن استطاع
من جهة المال إلا أنه لا
يصير مستطيعا من جميع الجهات ، فإن من يكون مكلفا
بواجب آخر لا يقدر معه على
الحج يكون ذلك مانعا عن الاستطاعة في حقه .
[ . . . ]
وفيه أن المعتبر في النذر رجحان
المنذور حين العمل لا يحن النذر .
واستدل للثالث بأن كلا من
الدليلين في نفسه يشمل المورد فيقع التزاحم
بينهما .
والحق أن يقال : إن كان
المنذور حجا لا يصح لو أتى به في عام الاستطاعة -
وقد مر ضابطه - بطل النذر
ولزم الاتيان بحج الاسلام ، وإن كان حجا يصح لو أتى
به فيه جرى فيه ما ذكرناه في
المسألة التاسعة من الفصل السابق مفصلا ، فراجع .
المورد الثالث : ما لو نذر
الحج وأطلق من غير تقييد بحجة الاسلام ولا بغيرها
وكان مستطيعا أو استطاع بعد
ذلك ، وفيه أقوال :
1 - أنهما يتداخلان فيكفي حج
واحد عنهما . نسب ذلك الى الشيخ وسيد المدارك
وصاحب الذخيرة .
2 - أنه يجب التعدد . نسب
ذلك الى الخلاف والسرائر والناصريات والغنية
والفاضلين والشهيدين وغيرهم
، بل الى المشهور ، وعن الناصريات : الاجماع عليه .
3 - أنه يكفي نية الحج
النذري عن حجة الاسلام دون العكس . نسب ذلك
الى النهاية والاقتصاد
والتهذيب وغيرها .
ولعل الاظهر هو الاول ، لان
النذر أوجب ثبوت الوجوب لطبيعة الحج ،
والاستطاعة أيضا أوجبت ذلك ،
فطبيعة الحج توارد عليها وجوبان ، ولازم ذلك هو
حدوث الوجوب عند تحقق أول
السببين ، وتأكده عند تحقق السبب الثاني ، فإنه لا يلزم
من ذلك التصرف في شئ من
الظهورات .
فإن قيل : لازمه التصرف في
ظهور الحكم في كونه تأسيسيا .
[ . . . ]
أجبنا عنه : بأن ذلك لا
يستلزم كون شئ من القضيتين في غير مقام إنشاء
الطلب وجعل الحكم ، فإنا
نقول : إن الحكم المجعول في كل من القضيتين إن حدث في
محل فارغ عن مثله يكون
تأسيسيا ، وإن حدث في محل مشغول بمثله فهو تأكيد ، وهذا
بخلاف الالتزام بالتعدد ،
فإنه يلزم منه تقييد إطلاق المادة في كل من القضيتين بفرد
غير الفرد الذي اريد من
المادة الواقعة في حيز الخطاب الآخر .
ولو تنزلنا عن ما ذكرناه وسلمنا
كون ما اخترناه خلاف الظاهر ، ودار الامر بين
الالتزام بهذا الخلاف ، أو
الالتزام بتقييد إطلاق المادة الذي لازمه التعدد ، فقد يقال
بتعين الثاني ، واستدل له
بوجهين :
أحدهما : ما أفاده المحقق
الخراساني - ره - وحاصله : أن ظهور الجملتين في عدم
تعدد الفرد ووحدة المتعلق
إنما يكون بالاطلاق ، وهو يتوقف على عدم البيان ، وظهور
الجملة في كون ما تضمنته
سببا أو كاشفا عن السبب المقتضي لتعدد الفرد يصلح بيانا
لما هو المراد من الاطلاق ،
ومعه لا ينعقد ذلك الاطلاق فلا يلزم على هذا تصرف في
ظهور أصلا .
وفيه أولا : أنه لو تم ذلك
كان لازمه تقييد الاطلاق لا عدم انعقاده ، فيلزم
خلاف الظهور .
وثانيا : أن ظهور الجملة في
سببية ما تضمنته أو كاشفيته عن السبب لا ينافي ما
التزمنا به من الالتزام
بالتأكد ، وعلى فرض التنافي فحيث إن ظهور الحكم في كونه
تأسيسيا لو سلم فإنما هو بالاطلاق
فيقع التعارض بين الاطلاقين فيتساقطان معا ، ولا
وجه لتقديم أحدهما على الآخر
.
ثانيهما : ما أفاده المحقق
النائيني - ره - وهو يتضح ببيان أمرين :
1 - أن كل واحدة من الجملتين
ظاهرة في كون ما تضمنته من السبب مستقلا
في ترتب الوجوب عليه سبقه
الآخر أو قارنه أم لا .
[ . . . ]
2 - أن تعلق الطلب بشئ لا
يقتضي كون المتعلق صرف الوجود وأول
الوجودات ، بل إن ذلك إنما
يكون من جهة حكم العقل بالاكتفاء بوجود واحد عند
تعلق طلب واحد بالطبيعة ،
فاذا فرض ظهور الجملتين في تعدد الطلب يكون ذلك
رافعا ، لحكم العقل بالاكتفاء
بوجود واحد لارتفاع موضوعه وهو الطلب الواحد .
أقول : يرد على الامر الثاني
: أن الطبيعة المتعلقة للطلب لابد أن وتلاحظ على
نهج الوحدة ، أو التعدد ،
لعدم تعقل تعلق الحكم بالمهمل ، وعليه فالاكتفاء بالواحد إنما
يكون بالاطلاق ، ولتمام
الكلام في ذلك محل آخر ، وقد أشبعنا الكلام فيه في حاشيتنا
على الكفاية ، فالمتحصل مما
ذكرناه : أن مقتضى القاعدة هو التداخل لا بالمعنى
المصطلح ، بل بمعنى البناء
على الوجوب المؤكد .
واستدل للقول الثالث بصحيح
رفاعة بن موسى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن رجل نذر أن يمشي الى
بيت الله الحرام فمشى هل يجزيه عن حجة
الاسلام ، قال عليه السلام :
نعم . قلت : وإن حج عن غيره ولم يكن له مال وقد نذر أن
يحج ماشيا أيجزي ذلك عنه من
مشيه ؟ قال عليه السلام نعم ( 1 ) .
وبصحيح محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي
الى بيت الله فمشى هل يجزيه
عن حجة الاسلام ؟ قال عليه السلام : نعم ( 2 ) .
ودلالتهما على إجزاء الحج
المنذور عن حجة الاسلام واضحة .
واورد عليه تارة بما في
العروة من أن ظاهرهما كفاية الحج النذري عن حجة
الاسلام مع عدم الاستطاعة
وهو غير معمول به ، واخرى بما عن كشف اللثام وغيره
بأنه يحتمل أن يكون المراد
بهما ما لو نذر المشي لا الحج ، ثم أراد الحج فسئل عن أنه
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 27 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 - 5 .
( 2 ) الوسائل باب 27 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
[ . . . ]
هل يجزيه هذا الحج الذي أتى
به عقيب هذا المشي ، فأجاب عليه السلام بالكفاية ،
وثالثة بما عن التذكرة
والمختلف ، وهو أنهما يحملان على ما إذا قصد بالنذر حجة
الاسلام ، ورابعة بما عن
المنتهى باحتمال أن يكون النذر إنما تعلق بكيفية الحج لا نفسه
فيكون النذر إنما تعلق بالمشي
وهو طاعة هنا .
ولكن يرد على الاول : أنه لا
قرينة عليه ولم يظهر وجه استظهاره ، بل ظاهرهما
السؤال عن إجزاءه عن حج
الاسلام في ذلك الحين وهو إنما يكون مع الاستطاعة .
ويرد على الثاني : أنه لا
معنى للسؤال عن نذر المشي خاصة ، إذ لا وجه لترتب
السؤال على ذلك ، ولا يحتمل
إجزاء مجرد المشي عن حجة الاسلام حتى يسئل عنه .
فإن قيل : إن قوله : فمشى .
يحمل على إرادة الحج ماشيا .
قلنا : فلم لا يحمل قوله :
نذر أن يمشي الى بيت الله الحرام ، على ذلك .
وبالجملة ، الظاهر أن المراد
من السؤال أن من نذر الحج ماشيا فأتى به هكذا
هل يكفي ذلك عن حجة الاسلام
أم لا ؟ فجوابه عليه السلام يدل على المطلوب ، ويدل
على ذلك صريح السؤال الثاني
في الخبر الاول .
ويرد على الثالث : أن
ظاهرهما كون المنذور هو الحج مطلقا وأتى به ، فيكون
السؤال عن إجزائه عن حجة
الاسلام .
ويرد على الرابع : أن قوله :
أن يمشي . بعدما حملناه على أن يحج ماشيا يكون
ظاهرا في نذر الحج لا
الكيفية .
فالمتحصل : تمامية دلالتهما
على الاجزاء ، ولكنهما لا يدلان على عدم إجزاء
العكس ، وقد عرفت أن القاعدة
فيه أيضا تقتضي العكس ، فهذان الصحيحان
يؤيدان ما اخترناه من
القاعدة ،
[ . . . ]
اذا
كان عليه حج الاسلام والحج النذري
مسألة 8 : إذا كان عليه حجة
الاسلام والحج النذري ولم يمكنه الاتيان بهما
لعدم التمكن إلا من أحدهما
ففيه وجوه :
1 - تقديم الاسبق سببا .
2 - تقديم حجة الاسلام .
3 - التخيير .
وجه الاول : أن من مرجحات
باب التزاحم سبق الوجود بسبق سببه .
وفيه : أنه عد الاصحاب من
المرجحات في ذلك الباب سبق زمان أحد
الواجبين ، وذكروا في وجهه
أنه حين ما يصير وجوبه فعليا لا مزاحم له ، فإذا أتى به
يسقط الآخر ، لعدم التمكن ،
ولم يذكروا سبق السبب من المرجحات ، وعلى فرض
ذكره لا دليل لهم عليه .
ووجه الثاني : أهمية حجة
الاسلام .
واورد عليها . بأنها غير
ظاهرة ، لان تشخيص الاهمية إنما هو بنظر الشارع لا
بنظرنا ، لقصور عقولنا عن
إدراك الملاكات ، بل يمكن أن يقال بأهمية الحج النذري
منهما لترتب الكفارة على
تركه ، وحيث يحتمل أهمية كل منهما ، فالاظهر هو التخيير .
ولكن الروايات المتضمنة
للتوعيدات على ترك حج الاسلام من أنه يموت
تاركه يهوديا أو نصرانيا أو
يموت وهو كافر ، وما شابه لو لم تكن موجبة للعلم بالاهمية
فلا أقل من كونها منشئا
لاحتمالها ، ولا يحتمل أهمية الحج النذري ، فإن ثبوت الكفارة
أعم من ذلك ، وهو يوجب ايضا
تعينه ، فالاظهر تعين حج الاسلام .
وإذا مات وعليه حجتان ولم تف
التركة إلا لاحداهما ، فعن القواعد والنهاية
والمبسوط والسرائر والجامع
والشرائع والاصباح تقديم حجة الاسلام .
[ . . . ]
وفي الجواهر والعروة التخيير
إلا أنه في الاولى احتمل تقديم سببه ، وفي الثانية
احتمل تقديم حجة الاسلام .
واستدل للاول بأن وجوب حج
الاسلام ثابت بأصل الشرع ، وبأنه كان تجب
المبادرة فيه فيجب الابتداء
بإخراجه قضاء ، وبأن المنذور يخرج من الثلث فهو
كالوصية ، وحج الاسلام يخرج
من الاصل ، فهو كالدين والدين مقدم على الوصية ،
وبأهمية حج الاسلام .
ولكن الجميع كما ترى ، فإنه
يرد على الاول : أن كون أحد المتزاحمين مما وجب
بأصل الشرع لم يدل دليل نقلي
أو عقلي على كونه من المرجحات .
ويرد على الثاني : - مضافا
الى أن الحج النذري أيضا قد يجب المبادرة اليه وهو
ما لو تضيق وقته - أن
الواجبين المتزاحمين اذا كان أحدهما موسعا والآخر مضيقا يقدم
المضيق ، وأما إذا صارا
مضيقين فلا وجه لتقديم المضيق على ما كان موسعا قبل .
ويرد على الثالث : - مضافا
الى أن الحج المنذور أيضا يخرج من الاصل - أن
الدين مقدم على الوصية ،
للدليل ، وأما ما هو مثل الدين فتقديمه على ما هو مثل
الوصية ، فلم يدل على دليل .
وأم الوجه الرابع فهو غير
بعيد فيقدم حج الاسلام .
وأما تقديم ما تقدم سببه فقد
عرفت آنفا أنه بلا وجه ، فالمتحصل : أنه يقدم حج
الاسلام .
مسألة 9 : اذا نذر أن يحج أو
يحج انعقد ، ووجب عليه أحدهما على وجه
التخيير ، وهو واضح ، فإنه
نذر مشروع يشمله العمومات ، وإذا تركهما حتى مات يجب
القضاء عنه مخيرا .
[ . . . ]
أما وجوب القضاء فبناء على
وجوب قضاء الحج المنذور على القاعدة أو النص
فواضح ، فإن طرفي التخيير
مما يجب قضاؤه ، فإن الحج واجب قضاؤه على الفرض
والاحجاج دل النص على وجوب
قضائه ، مضافا الى كونه على وفق القاعدة ، كما مر .
وأما بناء على عدم الدليل
على وجوب قضاء الحج المنذور ، وإنما الالتزام به في
صورة نذره معينا لتسالم
الاصحاب عليه ، فقد يقال - كما عن بعض الاعاظم - بأنه
لا يجب القضاء في الفرض
لتعلق النذر بالفعل المباشري وهو معتبر في جميع
الواجبات ، كما أن الخصوصية
الوقتية معتبرة في جميعها ، ولذلك أشكل على المشهور
المفتين بوجوب القضاء في
المقام .
ولكن يرد عليه : أن حسن مسمع
أو صحيحه المتقدم عن الصادق عليه السلام
كانت لي جارية حبلى فنذرت
لله تعالى إن هي ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه ،
فقال : إن رجلا نذر لله عز
وجل في ابن له هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه فمات الاب
وأدرك الغلام بعد ، فأتى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن ذلك فأمر
رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أن يحج عنه مما ترك أبوه ( 1 ) . يدل على وجوب
القضاء ، غاية الامر أنه لما
كان متعلق النذر في الخبر إحجاج شخص ، أو الحج عنه ،
أمر صلى الله عليه وآله وسلم
بأن يحج عنه ، كي ينطبق عليه كلا طرفي التخيير ،
ولو كان حين النذر متمكنا
منهما ، ثم طرأ عليه العجز عن أحدهما تعين ، فإنه
في كل واجب تخييري إذا امتنع
أحد الفردين تعين الآخر .
ولو مات بعد ذلك هل عليه
قضاء ما تعين أخيرا ، فإنه الفائت ، أو يجب القضاء
عنه مخيرا ، نظرا الى أن
التعيين حينئذ عقلي ، والمدار في القضاء على التعيين والتخيير
الشرعيين ؟ وجهان أقواهما :
الثاني .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 15 من أبواب كتاب النذر والعهد حديث 1 .
[ . . . ]
ولو كان حال النذر غير متمكن
إلا من أحدهما معينا ولم يتمكن من الاخر
الى أن مات ، فهل ينعقد نذره
أم لا ؟ وعلى فرض الانعقاد هل يختص القضاء بالذي
كان متمكنا منه أم يجب
القضاء مخيرا ؟ فالكلام في موردين :
أما الاول فعن الدروس ، وفي
الجواهر عدم انعقاد النذر .
عن المسالك والرياض انعقاده
، ووافقهما سيد العروة .
واستدل للاول بأن الناذر
إنما ألزم على نفسه كل واحد من عدلي التخيير على
البدل ، وهو غير مقدور ،
لعدم القدرة على أحد العدلين ، والعدل الآخر وإن كان مقدورا
للناذر لكنه لم يلزمه بخصوصه
، فما تعلق النذر به لا يكون مقدورا ، وما كان مقدورا
لم يتعلق به النذر فلا ينعقد
.
واورد عليه بأيرادات :
الاول : ما عن الشهيد الثاني
- ره - وسيد الرياض وهو أن اشتراط القدرة
على جميع الافراد المخير
بينها في وجوب احدها ممنوع ، كما لو نذر الصدقة بدرهم فإن
متعلقه أمر كلي وهو مخير في
التصدق بأي درهم اتفق من ماله ، ولو فرض ذهابه إلا
درهما واحدا وجب التصدق به .
وهذا الايراد وإن كان لا
يدفعه ما أفاده صاحب الجواهر - ره - بأنه فرق بين
المثال والمقام ، فأن في
المثال يكون عدم التمكن طارئا ، والفرض في المقام ما لو كان عدم
التمكن من الاول ، فان
الظاهر أن نظر العلمين الى ما لو كان ذهاب الدراهم قبل
وقت التصدق ، فحين ما يكون
مكلفا بالتصدق لا يتمكن إلا من التصدق بدرهم ، مع
أنه يمكن فرض عدم التمكن من
الاول بغيره من الامثلة ، كما لو نذر التصدق بدرهم
كلي وكان بعض دراهمه مغصوبا
. إلا أنه يمكن أن يدفع بأن في المثال يكون متعلق
النذر الكلي القابل للصدق
على كل فرد لا الافراد ، ومن المعلوم أن الكلي بما أنه عين
الافراد يكون القدرة على فرد
قدرة على الكلي ، وهذا بخلاف ما لو نذر الفردين على
[ . . . ]
نحو التخيير .
والاولى تنظير المقام بتعلق
التكليف الشرعي ابتداء بأحد الفعلين على نحو
البدل مع عدم التمكن إلا من
أحدهما فانه لا يصح ذلك .
الثاني : ما عن سيد العروة -
ره - وهو أن مقصود الناذر إتيان أحد الامرين
من دون اشتراط كونه على وجه
التخيير ، فليس النذر مقيدا بكونه واجبا تخييريا حتى
يشترط في انعقاده التمكن
منهما .
وفيه : أن ذلك خارج عن الفرض
، فان محل الكلام ما لو كان متعلق النذر هو
أحد العدلين على نحو التخيير
.
الثالث : ما عن بعض الاعاظم
بأن عدم التمكن يوجب عدم انعقاد النذر ،
وعدم التمكن من المنذور لا
يحصل بالنسبة الى المنذور التخييري إلا بعدم التمكن
من العدلين معا ، وعدم
التمكن من أحدهما لا دليل على منعه من انعقاد النذر .
وفيه : أن التمكن من المنذور
شرط إجماعا وهو مما يقتضيه دليل وجوب الوفاء ،
فإنه يجب الوفاء بالنذر أي
يكون انعقاد النذر ووجوب الوفاء به متلازمين ، ووجوب
الوفاء مشروط بالقدرة
والتمكن فكذلك انعقاد النذر ، فكما أن الوجوب لا يتعلق
باتيان أحدهما على نحو
التخيير ، فكذلك النذر لا يكون منعقدا .
والحق أن يقال : إن المتعلق
للوجوب في الواجب التخييري إن كان عنوان
أحدهما الجامع بينهما القابل
للانطباق على كل واحد منهما لابد من البناء على الانعقاد
في المقام ، لما مر من أن
القدرة على الفرد قدرة على الجامع .
وأما إن كان المتعلق كل من
الفردين على نحو التخيير فلا بد من البناء على
عدم الانعقاد ، لما مر ،
وحيث إن الاظهر هو الثاني فما أفاده الشهيد - ره - من عدم
الانعقاد ، هو الاظهر .
وأما المورد الثاني فعلى
القول بعدم انعقاد النذر لا كلام ، وأما على القول
[ . . . ]
بالانعقاد فالظاهر أنه يجب
القضاء مخيرا ، لان فرض انعقاد النذر إنما هو فرض أن
الثابت في الذمة أحدهما بنحو
التخيير ، فيجب القضاء كذلك .
وما في العروة من أنه يمكن
أن يقال بالاختصاص بالذي كان متمكنا منه
بدعوى : أن النذر لم ينعقد
بالنسبة الى ما لم يتمكن منه . غير تام ، إذ النذر لا يقبل
التبعيض في الانعقاد ، فأن
انعقد ففي متعلقه لا في بعضه ، وإلا فكذلك ، فالاظهر أنه
على فرض الانعقاد يجب القضاء
على الولي مخيرا .
مسألة 10 : لو نذر المشي في
سفره الى الحج الواجب أو المستحب بحيث كان
المنذور خصوصية المشي لا
الحج ماشيا انعقد ووجب الوفاء به بلا خلاف فيه في
الجملة ، وإنما الخلاف فيما
اذا كان الركوب أفضل .
وكيف كان فيقع الكلام أولا
فيما يقتضيه القاعدة ، ثم في مقتضى النصوص
الخاصة .
أما الاول فيبتنى على بيان
مسألة وهي : أنه هل المشي الى الحج أفضل أو
الركوب ، أم هناك ؟ تفصيل .
ونخبة القول فيها : أن في
المقام طائفتين من النصوص .
الاولى ما يدل على أفضلية
المشي كصحيح عبد الله بن سنان عن الامام
الصادق ( ع ) : ما عبد الله
بشئ أشد من المشي ولا أفضل ( 1 ) .
وصحيح الحلبي عنه ( ع ) عن
فضل المشي ، فقال : الحسن بن علي ( ع ) قاسم
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 32 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
[ . . . ]
ربه ثلاث مرات حتى نعلا
ونعلا وثوبا وثوبا ودينارا ودينارا ، وحج عشرين حجة ماشيا
على قدميه .
وخبر محمد بن إسماعيل بن
رجاء الزبيدي عنه ( ع ) : ما عبد الله بشئ أفضل
من المشي ( 2 ) .
وخبر الربيع بن محمد المسلى
عن أبي الربيع عنه ( ع ) : ما عبد الله بشئ مثل
الصمت والمشي الى بيته ( 3 )
.
وعن محمد بن علي بن الحسين (
ع ) روي أنه ما تقرب العبد الى الله عز وجل
بشئ أحب اليه من المشي الى
بيته الحرام على القدمين ، وأن الحجة الواحدة تعدل
سبعين حجة ، ومن مشى عن جمله
كتب الله له ثواب ما بين مشيه وركوبه ، والحاج اذا
انقطع شسع نعله كتب الله له
ثواب ما بين مشيه حافيا الى متنعل ( 4 ) .
وخبر أبي اسامة عن الامام
الصادق ( ع ) : خرج الحسن بن علي ( ع ) الى مكة
سنة ماشيا فورمت قدماه ،
فقال له : بعض مواليه لو ركبت يسكن هذا الورم ، قال عليه
السلام كلا . الحديث ( 5 ) .
وخبر أبي المنكدر عن الامام
الباقر عليه السلام : قال ابن عباس : ما ندمت
على شئ صنعت ندمي على أن لم
أحج ماشيا لاني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يقول : من حج بيت
الله ماشيا كتب الله له سبعة آلاف حسنة من حسنات
الحرم . قيل : يا رسول الله
ما حسنات الحرم ؟ قال : حسنة ألف ألف حسنة ، وقال : فضل
……………………………………………
(
1 ) الوسائل باب 32 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 32 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 32 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 7 .
( 4 ) الوسائل باب 32 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 .
( 5 ) الوسائل باب 32 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 8 .
[ . . . ]
المشاة في الحج كفضل القمر
ليلة البدر على سائر النجوم ( 1 ) . ونحوها غيرها من
النصوص الكثيرة .
الطائفة الثانية : ما يدل
على أفضلية الركوب كخبر يعقوب بن يزيد عن ابن
أبي عمير عن رفاعة وابن بكير
جميعا عن الامام الصادق عليه السلام أنه سأل عن
الحج ماشيا افضل أو راكبا ؟
فقال عليه السلام : بل راكبا ، فإن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم حج راكبا ( 2
) .
وخبر سيف التمار عن الامام
الصادق عليه السلام في حديث ، فقلت : أي شئ
أحب اليك نمشي أو نركب ؟
فقال عليه السلام : تركبون أحب إلي فإن ذلك أقوى
على الدعاء والعبادة ( 3 ) .
وخبر عبد الله بن بكير قال :
قلت لابي عبد الله ( ع ) : إنا نريد الخروج الى
مكة مشاة ، فقال : لا تمشوا
واركبوا . فقلت : أصلحك الله إنه بلغنا أن الحسن بن علي
( ع ) حج عشرين حجة ماشيا .
فقال : إن الحسن بن علي ( ع ) كان يمشي وتساق معه
محامله ورحاله ( 4 ) .
وخبر رفاعة في حديث قال :
سأل أبا عبد الله عليه السلام رجل الركوب أفضل
أم المشي ؟ فقال : الركوب
أفضل من المشي ، لان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ركب ( 5 ) .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 32 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 9 .
( 2 ) الوسائل باب 33 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 33 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 .
( 4 ) الوسائل باب 33 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 6 .
( 5 ) الوسائل باب 33 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
[ . . . ]
وخبر أبي بصير عنه ( ع ) أنه
سئل أن المشي أفضل أو الركوب ؟ فقال : إذا كان
الرجل موسرا فمشى ليكون أفضل
لنفقته فالركوب أفضل ( 1 ) .
محمد بن علي بن الحسين ( ع )
قال : الحج راكبا أفضل منه ماشيا لان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم حج
راكبا ، قال : وكان الحسين بن علي عليه السلام يمشي
وتساق معه المحامل والرحال (
2 ) . الى غير ذلك من النصوص الكثيرة .
وللاصحاب في الجمع بين الطائفتين
مسالك :
أحدهما : ما هو المشهور
بينهم وهو أن المشي أفضل إن لم يضعفه عن الدعاء
وإلا فالركوب أفضل .
ويشهد لهذا الجمع صحيح سيف
المتقدم .
ثانيها : أن المشي أفضل لمن
ساق معه المحل والرحل . نسب الى الشيخ في
كتابي الاخبار .
ثالثها : أن الركوب أفضل لمن
كان الحامل له على المشي توفير المال مع
استغنائه عنه دون ما اذا كان
الحامل له على المشي كسر النفس ومشقة العبادة ، نسبه
الشهيد الثاني الى بعض
الافاضل ، واستجوده سيد المدارك نظرا الى أن الشح جامع
لمساوي العيوب كلها كما ورد
في الخبر ، فيكون دفعه أولى من العبادة بالمشي .
ويشهد لهذا الجمع خبر أبي
بصير المتقدم .
رابعها : ما اختاره الشهيد
في محكي الدروس ، واحتمله الشيخ في محكي كتابي
الاخبار ، وهو أن الركوب
أفضل لمن يضعف بالمشي عن التقدم للعبادة .
ويشهد له خبر هشام عن الامام
الصادق عليه السلام المتقدم بعد حكمه عليه
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 33 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 10 .
( 2 ) الوسائل باب 33 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 8 - 9 .
[ . . . ]
السلام بأفضلية المشي ، فقلت
: أيما أفضل نركب الى مكة فنعجل فنقيم بها الى أن
يقدم الماشي أو نمشي ؟ فقال
: الركوب أفضل .
ولكن يرد على الاخير : أنه
يدل على أفضلية التقدم للعبادة من المشي الى
الحج ، ومحل الكلام مقايسة
المشي والركوب .
ويرد على ما قبله : أن من
يرى أفضلية المشي إنما يرى المشي بقصد القربة
وبداعي الامر كذلك لا المشي
بداعي توفير المال .
ويرد على الثاني : أنه يدل
النصوص على أن الانفاق في سبيل الحج أرجح من
المشي ، وهذا غير أفضلية
الركوب ، فالمتعين هو الاول .
ولازم ذلك الجمع مرجوحية
المشي في صورة كون الركوب أقوى على الدعاء
والعبادة ، نظرا الى كونه
موجبا لفوات العنوان الراجح الذي يكون بالركوب ، فهو
يصير مرجوحا بالعرض ، فإذا
صار مرجوحا كان نذره غير صحيح ، إذ لا فرق بين
المرجوح بالذات والمرجوح
بالعرض في عدم انعقاد النذر المتعلق به .
ويترتب على ذلك أن مقتضى
القاعدة انعقاد النذر ووجوب الوفاء به إذا كان
المشي أرجح ، وفي مورد
أرجحية الركوب لا يكون النذر صحيحا لا لارجحية الركوب ،
بل لمرجوحية المشي حينئذ في
نفسه .
فما في العروة من أن أفضلية
الركوب لا توجب زوال الرجحان عن المشي في
حد نفسه . غير تام ، فإن
المشي يصير مرجوحا لا من جهة كونه ضدا للركوب
الارجح ، كي يتم ما أفاده ،
بل لكونه موجبا لفوات العنوان الراجح الذي يكون
بالركوب ،
وأما النصوص الخاصة ، فقد
استدل لانعقاد نذر المشي الى الحج مطلقا بجملة
من النصوص الخاصة ، كصحيح
رفاعة ، قلت لابي عبد الله عليه السلام : رجل نذر أن
يمشي الى بيت الله الحرام ،
قال عليه السلام : فليمش . قلت : فإنه تعب . قال عليه
[ . . . ]
السلام : فإذا تعب ركب ( 1 )
.
وصحيح ابن أبي عمير عن رفاعة
وحفص عن الامام الصادق عليه السلام
عن رجل نذر أن يمشي الى بيت
الله الحرام حافيا ، قال : فليمش فإذا تعب فليركب ( 2 ) .
وهو وإن ورد في نذر المشي
حافيا إلا أنه اذا لم يكن نذر المشي صحيحا لم يكن نذر
المشي حافيا منعقدا كما هو
واضح .
وخبر محمد بن مسلم عن رجل
جعل عليه مشيا الى بيت الله فلم يستطع ، قال
عليه السلام : يحج راكبا ( 3
) .
ولكن الظاهر من النصوص إرادة
الحج ماشيا من السؤال والجواب وهي مسألة
اخرى ستأتي لا خصوصية المشي
الى الواجب أو المستحب الذي هو محل الكلام ،
فإن المشي الى بيت الله
كناية عن الحج كذلك .
وبالجملة الجمود على ظواهر
الالفاظ يقتضي أن المسئول عنه خصوص المشي
الى مكة لا للحج ، وهذا ليس
مورد السؤال قطعا ، بل الظاهر منه ما ذكرناه .
ويشهد به جوابه في خبر محمد
: يحج راكبا . ولم يجب : فليركب .
ومع الاغماض عما ذكرناه ،
أنها مطلقة ، ومقتضى إطلاقها انعقاد النذر مطلقا
حتى مع أفضلية الركوب ، ولا
وجه للرجوع الى ما تقتضيه القاعدة بعد ورود النص
الخاص .
اللهم إلا أن يقال : إن
النسبة بين ما دل على اعتبار الرجحان في متعلق النذر
وأنه لا ينعقد إذا لم يكن
راجحا ، وبين إطلاق هذه النصوص عموم من وجه ، ولا وجه
لتقديمها عليه .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 8 من كتاب
النذر حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 8 من كتاب
النذر حديث 1 .
[ . . . ]
هذا كله اذا كان متعلق النذر
خصوصية المشي ، وأما إذا كان المنذور الحج
ماشيا فلا خلاف في انعقاده
في الجملة ، ووجوب الوفاء به ، بل في الجواهر : بل لعل
الاجماع بقسميه عليه .
ويشهد به - مضافا الى عمومات
صحة النذر ونفوذها ، لانه عبادة راجحة -
جملة من النصوص المتقدمة
كصحيح رفاعة ، وخبر محمد ، وصحيح ابن أبي عمير
المذكروة آنفا ، وقد استشهد
بها صاحب الجواهر وغيره من الاساطين لهذه المسألة ،
وهذا يؤيد ما ذكرناه من عدم
دلالتها على حكم المسألة السابقة ، وكيف كان فلا خلاف
في أصل الحكم .
إنما الكلام فيما اذا لم يكن
المشي أرجح ، فالمشهور انعقاده .
وعن أيمان قواعد المصنف ،
وظار كشف اللثام عدم انعقاد نذره .
وعن الايضاح انعقاد أصل
النذر ولا يلزم المشي .
والاظهر : الاول ، إذ
المنذور الحج ماشيا ولا ريب في رجحانه ، وأفضلية غيره لا
توجب عدم انعقاده ، فإن المعتبر
فيه الرجحان لا الارجحية ، ولا يعتبر كون المنذور
راجحا بجميع قيوده وأوصافه .
ولنعم ما أفاده الشهيد
الثاني - ره - في محكي المسالك ، قال : إن الحج في نفسه
عبادة وهي تتأدى بالمشي
والركوب وغيرهما من أنواع الاكوان الموجبة لانتقاله الى
المشاعر المخصوصة ، فنذره
على إحدى الكيفيات نذر عبادة في الجملة وإن كان غيرها
أرجح منها ، إذ لا يشترط في
انعقاد نذر شئ كونه أعلى مرتبة من جميع أفراده ، ونظيره
نذر الصلاة في الزمان
والمكان الخاليين عن المزية أو المشتملين على المزية الناقصة عن
غيرها . انتهى .
أضف الى ذلك إطلاق النصوص
المتقدمة ، وإما صحيح الحذاء فسيأتي الكلام
فيه .
[ . . . ]
ومما ذكرناه ظهر حكم ما لو
نذر الحج راكبا ، فإنه اذا نذر أن يركب في الحج
بحيث كان النذر واردا على
القيد اعتبر كونه راجحا ، ومع كونه راجحا ينعقد نذره وإن
كان المشئ افضل ، ومع عدمه
لا ينعقد ، وقد مر تنقيح القول في المبنى .
وإما إن كان النذر واردا على
المقيد بالركوب فينعقد في جميع الصور ، إذ لا يعتبر
في النذر كون المتعلق راجحا
بجميع قيوده وحدوده ، فتدبر .
فروع :
1 - لو نذر الحج حافيا ،
فتارة ينذر الحج المقيد بالمشي حافيا ، واخرى ينذر
المشي المقيد بالحفا ،
وثالثة ينذر الحفا في المشي ، والكلام يقع أولا فيما تقتضيه القواعد ،
ثم فيما تقتضيه النصوص
الخاصة كصحيح الحذاء وخبر سماعة وحفص .
أما الاول ففي الصورة الاولى
ينعقد النذر مطلقا ويجب الوفاء به ، لان المنذور
راجح مطلقا وإن كان غيره
أرجح منه ، بل وإن كان قيده مرجوحا ، فإن المعتبر رجحان
المتعلق نفسه كما مر .
وفي الصورة الثانية ينعقد في
مورد رجحان المشي مطلقا وإن كان المشي متنعلا
افضل من المشي حافيا ، لما
مر .
وفي الصورة الثالثة ينعقد
النذر ، لان الحفا في المشي الى الحج راجح بنفسه ،
ففي خبر محمد بن علي بن
الحسين المتقدم : أن الحاج اذا انقطع شسع نعله كتب الله
له ثواب ما بين مشيه حافيا
الى متنعل .
وأما الثاني ، ففي المقام
روايتان :
إحداهما صحيحة أبي عبيدة
الحذاء قال : سألت ابا جعفر عليه السلام عن
[ . . . ]
رجل نذر أن يمشي الى مكة
حافيا ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
خرج حاجا فنظر الى امرأة
تمشي بين الابل ، فقال : من هذه ؟ فقالوا : اخت عقبة بن
عامر نذرت أن تمشي الى مكة
حافية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا عقبة
انطلق الى اختك فمرها فلتركب
، فإن الله غني عن مشيها وحفاها ( 1 ) .
ظاهر الصحيحة
عدم مشروعية نذر الحج ماشيا
حافيا ، فإن المراد من غنى الله سبحانه عدم المشروعية ،
وإلا فالله غني عن العالمين
، وموردها ما ذكرناه لا المشي ولا الحفا فيه ، كما يظهر مما
ذكرناه في النصوص المتقدمة
في الفرع السابق .
وأجاب الاصحاب عنها بوجوه :
الاول : ما في المنتهى ، قال
: إن ذلك حكاية حال فلا عموم ، وإنما تناول صورة
واحدة ، فلعل النبي صلى الله
عليه وآله وسلم علم من حال المرأة العجز عن المشي ،
فأمرها بالركوب . انتهى ،
ونحوه ما عن المعتبر ، وقد تبعهما سيد العروة .
وفيه أولا : أن ما في ذيلها
من التعليل يدفع ما افيد ، فإنه ظاهر في أن المحذور
عدم مطلوبية مشيها وحفاها .
وثانيا : أن الامام عليه
السلام في مقام بيان الجواب عما سأله الراوي اكتفى
ببيان هذه الواقعة ، ولو كان
كما أفادوا من كونها قضية في واقعة لما صح ذلك كما لا
يخفى .
الثاني : حملها على صورة
التضرر أو إيجابه كشفها أو ما شابه ذلك .
وفيه : - مضافا الى أنه حمل
لا شاهد له - يأبى عنه ما في ذيلها من التعليل .
الثالث : أنها تحمل بقرينة
ما فيها من التعليل بعدم مطلوبية مشيها وحفاها
على إرادة المشي حافيا ، كما
عن الدروس وسيد المدارك ، لا نذر الحج ماشيا حافيا .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 4 .
[ . . . ]
لكنه أيضا لا يلائم مع كون
نقله جوابا عما سأله الرجل عن الامام الباقر
عليه السلام ، إلا أن يقال :
إن السؤال أيضا يكون عن نذر المشي حافيا .
وعليه فيعارضه الخبر الآخر
وهو خبر سماعة وحفص قالا : سألنا أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل نذر يمشي
الى البيت الله حافيا ، قال عليه السلام : فليمش
فإذا تعب فليركب ( 1 ) .
والترجيح مع الخبر . بل الصحيح اعرض الاصحاب عنه ولم يعملوا به
لو
نذر الحج ماشيا أو حافيا مع كونه حرجيا عليه
2 - لو نذر الحج ماشيا أو
حافيا على نحو نذر الخصوصية مع عدم تمكن الناذر
منه لم ينعقد ، لانتفاء
الشرط .
ولو نذر مع تضرره به فإن
قلنا بحرمة الاضرار بالنفس لا إشكال في عدم
انعقاد النذر ، لان المشي أو
الحفا وإن كان بعنوانه الاولي راجحا لكنه بعنوانه الثانوي
وهو كونه مضرا يصير مرجوحا
فلا ينعقد النذر .
وإن لم نقل بحرمته فحكمه حكم
ما لو كان حرجيا .
وملخص القول فيه : أنه تارة
لا يعلم حين النذر بكون المشي الى الحج أو
الحفافيه في وقته حرجيا لا
كلام في انحلال نذره ، بل في انكشاف عدم انعقاده من
الاول لا من جهة تقيد نذره
بكونه غير حرجي ، فإنه ربما لا يكون ملتفتا الى ذلك ،
كي يقصده ، بل لاطلاق أدلة
نفي العسر والحرج الحاكم على جميع الادلة الاولية ، ولازم
ذلك عدم وجوب الوفاء به ،
وعدم مشروعيته لا خصوص الاول منها ، لما مر في بعض
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 10
[ . . . ]
المسائل السابقة في الفصل
السابق من أن حديث نفي الضرر ودليل نفي العسر
والحرج إنما ينفيان كل حكم
أعم من التكليفي والوضعي ، وبعده لا كاشف عن وجود
الملاك ، وإنما أفيد - من
أنهما يرفعان العقاب او اللزوم ، او الحكم مع بقاء الملاك لا
يمكن المساعدة على شئ من ذلك
.
نعم لو أتى بالحج ماشيا أو
حافيا حينئذ يكون ذلك عبادة مطلوبة للشارع ،
لان دليل نفي العسر لا يصلح
لرفع الحكم الاستحبابي ، لوروده مورد الامتنان .
وأما إذا علم من الاول كونه
حرجيا عليه ، فالظاهر وجوب الوفاء به ، فإن دليل
نفي العسر والحرج لوروده
مورد الامتنان لا يشمل ما كان في رفعه خلاف ذلك ، وعليه
فمن علم بأن المنذور حرجي
ومع ذلك يقدم على ذلك ويجعله في ذمته ، أو علم أنه
ضرري وأقدم عليه مع عدم كون
الاضرار بالنفس حراما أو كان الضرر ماليا لا
يكون نذره ذلك مشمولا لادلة
نفي العسر والحرج أو الضرر ، فتشمله العمومات
والمطلقات الدالة على الصحة
والنفوذ ، إذ الفرض أن استحباب الحج ماشيا أو حافيا
بحاله فالمتعلق راجح في نفسه
، ودليل وجوب الوفاء بالنذر أيضا غير مشمول لتلك
الادلة فيجب الوفاء به .
ويؤيد ذلك ما دل من الأدلة
على وجوب الوفاء بنذر الحج ماشيا أو حافيا ، فإنه
حرجي بحسب الغالب ، وكذا ما
دل على وجوب الوفاء بنذر الصدقة ، وما شاكل ، فإنه
ضرري ، فيعلم من ذلك عدم
مشمولية الموردين لادلة نفي العسر والحرج والضرر ،
فتدبر .
[ . . . ]
3 - في تعين مبدأ المشي
ومنتهاه خلاف بين الاصحاب ، فالكلام في موردين :
الاول : في المبدأ وفيه
أقوال :
منها : ما عن الشيخ في
المبسوط ، والمصنف - ره - في التحرير ، والمحقق في
الشرائع ، وغيرهم في غيرها
أنه بلد النذر .
ومنها : ما عن الشهيد - ره -
في الدروس ، ومال اليه صاحب الحدائق - ره -
وهو بلد الناذر .
ومنها : أنه الاقرب من
البلدين الى الميقات .
ومنها : أنه البلد الذي يقصد
منه الى الحج ، ذهب اليه كاشف اللثام .
ومنها : أنه حين الشروع في
افعال الحج اختاره الشهيد الثاني وسيد المدارك
وصاحب الجواهر - ره - وغيرهم
.
أقول : لا ينبغي الكلام في
أنه إن كان الناذر قصد محلا معينا وتعلق النذر به
كذلك كان هو المتعين ، لان
المشي راجح من أي محل شرع فيه فيتبع في تعيينه تعيين
الناذر .
ودعوى أن المشي الراجح هو من
مكة ، لصحيح رفاعة المتقدم الدال على أن
الحسن بن علي ( ع ) كان مبدأ
مشيه مكة . تندفع : بأنه وإن كان يتضمن الحديث
أفضلية الركوب إلا من مكة ،
إلا أنه يعارضه عدة من النصوص الدالة على أن مشيه
الى الحج كان من المدينة ،
فراجع ، وكذلك اذا كان هناك انصراف وإلا فالقول الاخير
لا يخلو من قوة ، لما أفاده
جمع من الاساطين بان المشي حال من الحج وهو اسم
للمناسك المخصوصة فلا يجب
المشي إلا حالة الحج والاشتغال بأفعاله .
[ . . . ]
اللهم إلا أن يقال : إن ذلك
يتم فيما لو قال الناذر : لله علي أن أحج ماشيا . وأما
لو نذر وأجرى الصيغة بما
تضمنته النصوص وهو هكذا : لله علي المشي الى بيت الله
أو الى مكة . وما شاكل ،
فإنه لا يأتي فيه البرهان المزبور ، بل يمكن منعه في الاول أيضا
كما عن الشيخ في المبسوط بأن
يراد من الحج القصد لا الافعال فيجب المشي من حين
الشروع في قصد البيت .
وعلى ذلك ، فالاظهر هو القول
الرابع ، فإن المتبادر الى الذهن من نذر الحج
ماشيا ما هو المتبادر اليه
من نظائره كنذر زيارة الحسين عليه السلام ماشيا وهو المشي
من حين الشروع في السفر ،
والى ذلك يرجع ما عن كشف اللثام من التعليل له بتطابق
العرف واللغة ، ويؤيده
النصوص المتضمنة للقيام في المعبر الآتية ، ولو تم ما ذكرناه وإلا
فمقتضى أصالة البراءة عدم
الوجوب إلا من أول أفعال الحج .
المورد الثاني في منتهاه ،
فعن الدروس والشرائع أن منتهاه مع عدم التعيين
طواف النساء .
وعن المسالك أنه المشهور بين
الاصحاب ، وذهب أصحاب المسالك والمدارك
والجواهر وغيرهم من الاساطين
أنه رمي الجمار ، وربما يحتمل أن يكون المنتهى الافاضة
من عرفات .
ويشهد للثاني جملة من النصوص
كصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه السلام :
إذا حججت ماشيا ورميت الجمرة
، فقد انقطع المشي ( 1 ) .
وصحيح إسماعيل بن همام عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال أبو عبد
الله عليه السلام في الذي
عليه المشي في الحج : إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا ( 2 ) .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 35 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 35 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3
[ . . . ]
وصحيح الحلبي أنه سأل أبا
عبد الله عن الماشي متى ينقضي مشيه ؟ قال عليه
السلام : إذا رمى الجمرة
وأراد الرجوع راكبا فقد انقضى مشيه وإن مشى فلا
بأس ( 1 ) . ونحوها غيرها .
ثم إن الظاهر أن مورد النصوص
هو ما اذا لم يعين الناذر المنتهى في نذره ، وإنما
نذر الحج ماشيا وأطلق من حيث
المنتهى ، وعلى فالنصوص على وفق القاعدة ، فإن
آخر أفعال الحج رمي الجمار ،
فلو كان قصده المشي بعد ذلك وجب .
ولعله لذلك أفتى المشهور -
على ما نسب اليهم - بأن منتهى المشي طواف
النساء ، فإنه وإن لم يكن من
أجزاء الحج ولكن عدم كونه من أجزائه لا ينافي ما ذكرناه
بعد كونه من توابع الحج ،
وعلى أي تقدير تكفي النصوص المتقدمة في ردهم .
وبما ذكرناه ظهر مدرك القول
الاول وضعفه .
واستدل للثالث بخبر يونس بن
يعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام
متى ينقطع مشي الماشي ؟ قال
عليه السلام : إذا أفاض من عرفات ( 2 ) .
وفيه : أنه لم يعرف القائل
به ، ولا يصلح لمعارضته النصوص المتقدمة ، ولا يمكن
الجمع بتقييده بما إذا افاض
ورمى كما هو واضح ، فالمتعين طرحه أو حمله على بعض
المحامل .
لا
يجوز لمن نذر المشي أن يركب البحر
4 - إذا نذر المشي الى الحج
لا يجوز له أن يركب البحر بلا خلاف ، لمنافاته
للنذر .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 35 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 35 من
أبواب وجوب الحج وشرائطة حديث 6 .
[ . . . ]
ولو اضطر اليه لعروض المانع
من سائر الطرق ، فقد يقال بأن النذر ينعقد ولا
ينحل ويجب المشي إلا فيما لا
يمكن ، لان نذر المشي ينصرف الى ما يصح المشي فيه ،
فيكون موضع العبور مستثنى
بالعادة ، ولكن ذلك فيما لو علم بذلك من الاول .
وأما الجاهل به ، بل المعتقد
تمكنه من المشي في جميع الطريق فلا يتم فيه ذلك ،
فإنه ينصرف الى المشي في
الجميع ، والفرض أنه غير متمكن من ذلك ، فيسقط نذره .
نعم إذا كانت النقطة التي
يمتنع المشي فيها قصيرة جدا بحيث لا ينافي صدق
المشي في طريق الحج لا يسقط
نذره ، بل يركب البحر .
وأما خبر السكوني الآتي ، فلعدم
وروده في مقام بيان موارد انعقاد النذر لا
إطلاق له من هذه الجهة ،
وسيأتي الكلام فيه .
وبهذا يظهر حكم ما لو كان
الطريق منحصرا فيه من الاول ، فإنه إن علم به
ومع ذلك نذر المشي انعقد
نذره ، وينحصر المشي الواجب في المقدار الممكن ، ولا مانع
من الركوب الذي يحتاج اليه .
وإن كان جاهلا به فإن كان
المقدار الذي يحتاج فيه الى الركوب قصيرا بحد
لم يكن مضرا بصدق أنه حج
ماشيا انعقد ايضا ، ولا يضر الركوب في ذلك المقدار ، وإلا
فالظاهر عدم انعقاد نذره ،
لعدم التمكن من متعلقه ، والاستدلال بقاعدة الميسور
لوجوب الباقي في غيرمحله ،
لعدم تماميتها في أجزاء الواجب .
وقد نسب الى المشهور أنه في
ما يجوز الركوب ويكون النذر غير منحل يجب
أن يقوم في المركب .
وفي التذكرة والمنتهى وعن
التحرير والقواعد الحكم باستحباب القيام فيه .
وذهب جماعة الى عدم وجوبه
وعدم استحبابه .
واستدل للاول بقاعدة الميسور
بتفريب : أن المشي مركب من القيام والحركة ،
فإذا تعذر أحدهما لم يسقط
الآخر .
[ . . . ]
وفيه : - مضافا الى عدم
تمامية قاعدة الميسور في أجزاء المركب - أنه لا يكون
القيام ميسور المشي عرفا ،
بل مفهوم المشي لم يؤخذ فيه القيام ، وإنما اجتماعهما غالبي .
وربما يستدل له بخبر السكوني
الذي رواه المشايخ الثلاثة عن جعفر عليه
السلام عن أبيه عن آبائه
عليهم السلام أن عليا عليه السلام سئل عن رجل نذر أن
يمشي الى البيت فعبر في
المعبر ، قال عليه السلام : فليقم في المعبر قائما حتى يجوزه ( 1 ) .
والايراد عليه بضعف السند في
غير محله ، لان السكوني والنوفلي الموجودين في
السند من المعتمدين عليهم
عند الاصحاب ، وقد بينا القرائن الموجبة للوثوق بوثاقتهما
في بعض مباحث هذا الشرح .
وأضعف منه دعوى الاعراض ،
فإنه مع إفتاء الاصحاب بوجوب القيام كيف
يدعي الاعراض ، فالاظهر هو
وجوب القيام .
ثم إن الخبر من جهة وروده في
مقام بيان الوظيفة مع الركوب في المعبر لا دلالة
له على جواز الركوب فيه
وعدمه ، وعليه فمن جهة عدم معلومية مورد الجواز لابد وأن
يقتصر على المتيقن ، وهو ما
تقدم من الموارد التي تقتضي القاعدة جوازه فيها .
وبما ذكرناه ظهر ضعف ما عن
المصنف - ره - من حمل الامر فيه على
الاستحباب ، إذ لا وجه له
إلا أحد أمرين : إما ضعف سنده والحكم بالاستحباب
لقاعدة التسامح في أدلة
السنن ، أو أن نذر المشي ينصرف الى ما يصح المشي فيه
فيكون موضع العبور مستثنى
بالعادة فلا يتعلق النذر به مطلقا ، كما في المنتهى ، وقد
عرفت ما فيهما .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 37 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1
[ . . . ]
لو
نذر المشي في الحج فحج راكبا
5 - إذا نذر المشي فخالف
نذره فحج راكبا ، ففيه صور :
الاولى : أن ينذر الحج ماشيا
في سنة معينة .
الثانية : أن ينذر الحج
ماشيا مطلقا من غير تقييد بسنة معينة فخالف وأتى به
راكبا .
الثالثة : أن ينذر المشي في
حج معين منذور بنذر آخر أو حجة الاسلام مثلا ، أو
ما شابه ذلك .
أما في الصورة الاولى
فالكلام تارة في صحة ما أتى به من الحج راكبا واخرى
في إجزائه عن الحج المنذور ،
وثالثة في وجوب القضاء والكفارة .
أما صحة ما أتى به فمقتضى
القاعدة تلك ، فإنه وإن خالف المنذور إلا أن
المأتي به عبادة في نفسه وقع
على وفق أمره فيكون صحيحا .
وعن سيد المدارك وغيره
بطلانه ، واستدل للبطلان بوجوه :
الاول : أن الامر بالحج
المنذور وهو الحج ماشيا يقتضي النهي عن ضده وهو
الحج راكبا ، والنهي عن
العبادة يقتضي الفساد .
وفيه أولا : أن الامر بالشئ
لا يقتضي النهي عن ضده ، كما حقق في الاصول .
وثانيا : أن التضاد إنما هو
بين الركوب والمشي ، وشئ منهما لا يكون داخلا في
الحج ومن أجزائه ، فلو كان
هناك اقتضاء فإنما هو اقتضاء الامر بالمشي للنهي عن
الركوب لا عن الحج ، إلا أن
يأتي ببعض أفعال الحج راكبا كالطواف والسعي ، فإنه
حينئذ يتحد المأمور به
والمنهي عنه فيفسد على فرض تسليم المبنى ، وأما الركوب في
الطريق فلا يوجب فساد ما بعده
من الاعمال .
[ . . . ]
الثاني : ما ذكره بعض
الاعاظم من المعاصرين وهو أنه بناء على أن السير من
الميقات الى مكة من أجزاء
الحج تشكل صحته من جهة أن السير راكبا تفويت
لموضوع النذر ، فيكون حراما
من باب أن علة الحرام حرام ولو عقلا على نحو يكون
مبعدا ، فيمتنع أن يكون
مقربا ، وحرمة السبب المبعد المفوت للواجب لا ترتبط بحرمة
الضد .
وفيه أن ما ذكر أحد الوجوه
التي استدل به للاقتضاء ، وهو يجري في جميع
موارد التضاد ، مثلا :
الصلاة والازالة يجري فيهما عين هذا البرهان ، ويقال : إن الصلاة
مفوتة للازالة الواجبة فتكون
حراما من باب أن علة الحرام حرام .
والحل : أن العلة التامة
والسبب التوليدي للحرام حرام لا العلل المعدة ، وفي
المقام على فرض ترك الحج
راكبا يمكن أن يحج ماشيا ويمكن أن لا يحج أصلا ، وتمام
الكلام في محله .
الثالث : ما دل على أنه لا
تطوع في وقت الفريضة ، فإن الحج راكبا تطوع ،
والواجب عليه الحج ماشيا فهو
ممنوع عنه .
وفيه أولا : أنه يختص الدليل
بالصلاة ولا مورد له في غيرها إلا بالقياس .
وثانيا : أنه لا مانع من
التطوع في وقت الفريضة حتى في الصلاة كما حقق في
محله .
وثالثا : أنه وإن وجب الحج
ماشيا إلا أن المأتي به أيضا ربما يكون واجبا بإجارة
وشبهها .
الرابع : ما عن سيد المدارك
وهو أن الحكم بوجوب الاعادة يستفاد منه كون
الحج المأتي به فاسدا .
وفيه : أنه لم يدل دليل على
وجوب الاعادة ، ولو كان هناك إجماع فإنما تكون
الاعادة من جهة قضاء ما تركه
من الواجب بالنذر ، ولا يستفاد منه عدم صحته
[ . . . ]
لمطابقته للمأمور به بأمر
آخر غير الامر النذري .
الخامس : أن الحج النذري
الذي هو المقصود لم يقع وما يحكم بوقوعه لم يقصد .
وفيه أولا : أنه لو تم لاختص
بما اذا لم يقصد الحج الآخر ، بل قصد الحج
النذري ، ومحل الكلام أعم من
ذلك .
وثانيا : أن النذر لا يكون
منوعا للحج ولا يوجب قيدية المشي له ، وإنما يوجب
وجوب المقيد ، وعليه فمن أتى
به وإن قصد الحج المنذور يكون آتيا بالحج المأمور به
بالامر التطوعي مثلا مع جميع
قيوده وحدوده مضافا الى الله تعالى ، ولا يعتبر في الامتثال
وسقوط الامر أزيد من ذلك ،
والاتيان به بعنوان الوفاء بالنذر لا يكون أحد الموانع
عن التقرب إلا إذا علم بعدم
كونه كذلك ، فينطبق عليه عنوان التشريع المحرم .
وبذلك يظهر ما في كلام بعض
الاعاظم ، قال : إن الناذر حين ما يأتي بالج
المنذور يأتي به بعنوان
الوفاء بالنذر ، والوفاء من العناوين التقييدية لا من قبيل
الداعي ، فمع انتفائه لا قصد
للفاعل ، وحينئذ لا يكون عبادة لانتفاء قصد الامر ، وقد
مر تفصيل ذلك في مسألة من
وجب عليه حجة الاسلام وأتى بغيرها ، فراجع ،
فالمتحصل : أن الاظهر صحته .
وأما إجزاؤه عن الحج المنذور
فالاظهر عدمه ، لان المشي داخل في تحقق الحج
المنذور ، فمع الاخلال به لا
يتحقق الوفاء بالنذر ، لعدم تحقق متعلقه .
وما نسب الى المصنف - ره -
والمحقق وغيرهما من الاجزاء فالظاهر أن محل
كلامهم نذر المشي خاصة لا
الحج ماشيا ، فراجع كلماتهم .
أما الجهة الثالثة ، فوجوب
الكفارة عليه لا إشكال فيه ، لحنث النذر ، وأما
وجوب القضاء فقد مر الكلام
فيه مفصلا ، وعرفت أنه لا دليل عليه سوى الاجماع
وتسالم الاصحاب عليه .
وأما في الصورة الثانية وهي
ما لو نذر الحج ماشيا غير مقيد بسنة معينة ، فلو
[ . . . ]
حج راكبا صح حجه وأجزأ عما
أتى به بعنوانه - غير عنوان النذر - بلا كلام ، ولا كفارة
عليه ، لعدم المخالفة .
نعم يجب عليه الاتيان به
ماشيا في العام اللاحق أو فيما بعده من السنوات
بعنوان الاداء لا القضاء ،
وهذا واضح .
وأما في الصورة الثالثة ، وهي
ما لو نذر المشي في الحج المعين كما لو نذر الحج
مطلقا ثم نذر نذرا آخر
بإتيان المنذور ماشيا فحج راكبا ، فالكلام في صحة ما أتى به
هو الكلام فيها في الصورة
الاولى قولا ودليلا ، فالاظهر صحته .
وأما إجزاؤه عن حجه المنذور
فالظاهر ذلك ، فإن النذر الثاني لا يوجب قيدية
المشي للمنذور بالنذر الاول
، وعليه فيكون مجزيا عنه كما صرح به المصنف - ره - في
أغلب كتبه .
وأما الكفارة فالظاهر ثبوتها
للمخالفة للنذر الثاني ، وعدم وجوب القضاء واضح
لا سترة عليه .
ولو ركب بعضا ومشى بعضا
فحكمه حكم ركوب الكل ، لان المقصود من نذر
قطع المسافة بالمشي قطعها
كذلك في عام واحد ، وعليه فما عن الشيخ وجمع من
الاصحاب من أنه يقضي ويمشي
موضع الركوب . غير تام ، كما أن الاستدلال لذلك
بما عن المختلف من أن الواجب
عليه قطع المسافة ما شيا وقد حصل بالتلفيق فيخرج
عن العهدة . في غير محله .
وقد أجاب هو - قده - ايضا عن
ذلك بالمنع من حصوله مع التلفيق ، والظاهر
أن ما ذكرناه واضح لا حاجة
الى إطالة الكلام فيه .
[ . . . ]
6 - لو نذر أن يحج ماشيا
وانعقد نذره لتمكنه منه ثم عجز عن المشي سقط
وجوب المشي بلا كلام ، لعدم
التمكن ، ففي وجوب الحج راكبا أقوال :
أحدها : وجوبه راكبا مع سياق
بدنة . نسب الى الشيخ وجماعة من الفقهاء ،
وعن الخلاف دعوى الاجماع
عليه .
ثانيها : وجوبه راكبا بلا
لزوم سياق بدنة ، وهو المنسوب الى المفيد وابن الجنيد
وابن سعيد والشيخ في نذر
الخلاف ، وعن كشف اللثام : أنه يحتمله كلام الشيخين
والقاضي ونذر النهاية
والمقنعة والمهذب .
ثالثها : سقوط وجوب الحج إذا
كان الحج مقيدا بسنة معينة ، أو كان مطلقا مع
اليأس من التمكن بعد ذلك
وتوقع المكنة مع الاطلاق وعدم اليأس ، نسب الى الحلي
والمصنف في الارشاد والمحقق الثاني
في حاشية الشرائع ، وهو الظاهر من المنتهى .
رابعها : وجوب الركوب مع
تعيين السنة أو اليأس في صورة الاطلاق وتوقع
المكنة مع عدم اليأس فيها ،
وهو المنسوب الى المصنف في المختلف ، والشهيد الثاني في
المسالك .
خامسها : وجوب الركوب مع
سياق بدنة إذا كان بعد الدخول في الاحرام ،
وإذا كان قبله فالسقوط مع
التعيين وتوقع المكنة مع الاطلاق ، وهو الذي اختاره سيد
المدارك ، هذه هي أقوال
المسألة .
وأما المدرك ، فلا بد من
التكلم في موردين : الاول : فيما تقتضيه القاعدة . الثاني
في مقتضى النصوص الخاصة .
أما الاول ، فإن كان المنذور
مقيدا بسنة معينة سقط وجوب الحج مع العجز عن
[ . . . ]
المشي ، لعدم التمكن من
المشي الذي هو قيد للمنذور .
والتمسك بقاعدة الميسور في
وجوب الباقي . قد مر غير مرة أنه غير تام ، لعدم
تمامية القاعدة في إجزاء
الواجب .
وما عن الشهيدين من أن نذر الحج
ماشيا يرجع الى نذرين : نذر الحج ونذر
المشي ، فإذا تعذر الثاني
بقي الاول . يرد عليه أنه غير ظاهر ، فإن النذر واحد ورد على
المقيد بالمشي ، وإرجاعه الى
نذرين خلاف قصد الناذر .
وإن كان المنذور غير مقيد
بسنة معينة ، فإن ارتفع العذر وتمكن وجب الاتيان
به ، إذ المفروض أن وقت
المنذور موسع وهو متمكن من العمل به ، ومجرد العجز في
بعض الوقت مع التمكن منه
بعده لا يوجب سقوطه من غير فرق بين اليأس من
المكنة أو الرجاء لها ، وهذا
هو القول الثالث مع اختلاف يسير .
وأما المورد الثاني ، ففي
المقام طوائف من النصوص :
الاولى : ما يدل على وجوب
الحج راكبا مع سياق بدنة كصحيح الحلبي ، قلت
لابي عبد الله عليه السلام :
رجل نذر أن يمشي الى بيت الله وعجز عن المشي . قال
عليه السلام : فليركب وليسق
بدنة فإن ذلك يجزي عنه إذا عرف الله تعالى منه
الجهد ( 1 ) .
وصحيح ذريح المحاربي ، سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حلف
ليحجن ماشيا فعجز عن ذلك فلم
يطقه ، قال عليه السلام : فليركب وليسق الهدي ( 2 ) .
وخبر أنس أن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم رآى رجلا يهاوي بين ابنيه وبين
رجلين قال : ما هذا ؟ قالوا
: نذر أن يحج ماشيا . قال : إن الله تعالى غني عن تعذيب
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 34 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2 .
[ . . . ]
نفسه ، مروه فليركب وليهد (
1 ) .
وهذه النصوص ظاهرة في وجوب
الحج راكبا مع سياق بدنة من غير فرق بين
كون النذر مقيدا بسنة معينة
أو مطلقا مع عدم توقع المكنة ، أما مع توقعها والعلم بالمكنة
عبد ذلك فالظاهر عدم شمول
النصوص له ، فإن موضوعها العجز عن الاتيان
بالمنذور ، فلابد وأن يكون
في المطلق عاجزا في تمام العمر ، فحينئذ إن علم بذلك حج
راكبا وساق بدنة وإن علم
بالمكنة توقعها ، وإن شك في ذلك يستصحب العجز ، فتشمله
النصوص ، وفي الصورتين إذا
تمكن أتى بالمنذور ، فإنه ينكشف به عدم شمول
النصوص له من الاول .
الطائفة الثانية : ما يدل
على وجوب الحج راكبا من دون تعرض لسياق بدنة
كصحيح رفاعة بن موسى قال :
قلت لابي عبد الله عليه السلام : رجل نذر أن يمشي
الى بيت الله . قال : فليمش
. قلت : فإنه تعب . قال : فإذا تعب ركب ( 2 ) .
وصحيح محمد بن مسلم سأل
أحدهما عليه السلام عن رجل جعل عليه مشيا
الى بيت الله تعالى فلم
يستطع ، قال عليه السلام : يحج راكبا ( 3 ) .
ونحوهما - أخبار سماعة وحفص
ومحمد بن مسلم وحريز ، ومرسل الصدوق ( 4 ) ،
وبعضها في نذر المشي حافيا .
والجمع بين الطائفتين يقتضي
أن يلتزم بوجوب السياق ، فإن السكوت عن بيان
القيد لا يزيد عن المطلق
الذي يقيد إطلاقه بالمقيد .
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 8 .
( 2 ) الوسائل باب 34 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 34 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 9 .
( 4 ) الوسائل باب 34 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 10 - 11 - 12 - 5 .
[ . . . ]
الطائفة الثالثة : ما يكون
صريحا في عدم وجوب سياق بدنة كخبر عنبسة بن
مصعب قال : قلت له - يعني
لابي عبد الله عليه السلام - : اشتكى ابن لي فجعلت لله
علي إن هو برأ أن أخرج الى
مكة ماشيا وخرجت أمشي حتى انتهيت الى العقبة فلم
استطع أن أخطو فيه فركبت تلك
الليلة حتى اذا أصبحت مشيت حتى بلغت فهل
علي شئ ؟ قال ، فقال لي :
اذبح فهو أحب إلي . قلت له : أي شئ هو الي لازم أم ليس
لي بلازم ؟ قال : من جعل لله
على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شئ عليه ، وكان الله
أعذر لعبده ( 1 ) .
وإيراد صاحب المدارك عليه
بأن الراوي لها واقفي ناووسي . في غير محله ، فإن
الراوي عنه البزنطي الذي هو
من أصحاب الاجماع ، مضافا الى اعتماد الشيخ وجماعة
عليه ، مع أن ابن أبي عمير
يروي عن جميل في نفقة الاقارب رواية فيها قال جميل :
قد رووا أصحابنا - وهو عنبسة
بن مصعب وسودة بن كلب . الحديث ، وهذه كلها تكفي
في كون الخبر موثقا ، ولذا
عده في الجواهر من قسم الموثق .
والجمع بينه وبين النصوص
المتقدمة يقتضي حملها على الاستحباب من جهة
حمل الظاهر على النص ، ويؤيد
ذلك الطائفة الثانية .
ومقتضى إطلاق النصوص عدم
الفرق في وجوب الركوب بين أن يكون العجز
قبل الشروع في الذهاب أو
بعده ، ومن غير فرق أيضا بين قبل الدخول في الاحرام
أو بعده ، واختصاص بعض
النصوص بما بعد الاحرام لا يوجب تقييد إطلاق غيره ،
لكونهما متوافقين .
وبما ذكرناه ظهر مدارك سائر
الاقوال وما يرد عليها .
والمستفاد من صحيح رفاعة
وخبر حفص وسماعة المتقدمين ان الحرج والتعب
……………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 34 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 6 .
[ . . . ]
يكفي في وجوب الركوب وإن لم
يصل الى حد العجز .
وربما يورد على الاستدلال
بالنصوص لوجوب الركوب بأن الامر فيها لوروده
مورد توهم الحظر لا يستفاد
منه أزيد من الجواز ، فلا دليل على وجوب الركوب ، ولذلك
التجأ بعضهم للاستدلال على
الوجوب تارة بالاجماع ، واخرى بقاعدة الاحتياط ،
وثالثة بقاعدة الميسور ،
والكل كما ترى .
ولكن يرد على الاشكال : أنه
في الفرض يحتمل السائل ابتداء عدم وجوب
الحج أصلا ، ووجوبه راكبا ، ولا
يحتمل شيئا آخر ، فلا صارف عن ظهور الامر في
الوجوب .
وبعبارة اخرى : احتمال المنع
عن الركوب إنما هو في ظرف القدرة على المشي
لا في صورة العجز عنه ،
فتدبر ، مع أن قوله في صحيح الحلبي بعد الامر بالركوب ، فإن
ذلك يجزيه ، كالصريح في
اشتغال الذمة بالحج بعد العجز أيضا ، وأن الحج راكبا يجزي
عنه ويسقطه ، ومع هذا
التعليل لا معنى لاحتمال ورود الامر مورد توهم الحظر ،
فتحصل أنه لا مناص عن البناء
على وجوب الحج راكبا .
ولا فرق فيما ذكرناه من
مقتضى القاعدة ، وفيما يستفاد من النصوص الخاصة
بين أن يكون العجز عن المشي
لضعف في الاستعداد ، أو لمرض ، أو لوجود مانع في
الارض من ماء ونحوه ، أو
لمانع آخر من عدو أو حيوان .
وانصراف النصوص الا خصوص ما
اذا كان العجز عن قصور في الفاعل
فيختص بالاولين لو سلم فهو
بدوي يزول بأدني تأمل .