فقه الصادق

تأليف

فقيه العصر سماحة آية الله العظمى

السيد محد صادق الحسينى الروحانى

مد ظله

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى أوجب الحج تشييدا للدين ، وجعله من القواعد التى عليها

بناء الاسلام ، والصلاة على محمد المبعوث على كافة الانام وعلى آله هداة الخلق

وأعلام الحق .

وبعد فهذا هو الجزء العاشر من كتابنا فقه الصادق ، وقد وفقنا لطبعه ،

والمرجو من الله تعالى التوفيق لنشر بقية الاجزاء فإنه ولى التوفيق .

 

 

 [ الباب الثانى في أنواعه ، وهى ثلاثة :

تمتع بالعمرة الى الحج ، وقران ، وإفراد ] .

 

الباب الثانى : في أنواعه

 

( وهى ثلاثة : تمتع العمرة الى الحج ، وقران وإفراد ) بلا خلاف بين

العلماء كما في التذكرة ، وبلا خلاف أجده بين علماء الاسلام ، بل

الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر ، وهو موضع وفاق كما عن المدارك .

والنصوص الشاهدة بذلك كثيرة ، بل في الجواهر دعوى تواترها كصحيح

معاوية بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : الحج ثلاثة اصناف :

حج مفرد ، وقران ، وتمتع بالعمرة الى الحج ، وبها أمر رسول الله صلى الله عليه وآله

والفضل فيها : ولا نأمر الناس إلا بها ( 1 ) .

وصحيح زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : الحاج على ثلاثة وجوه رجل

أفرد الحج وساق الهدى ورجل أفرد الحج ولم يسق الهدى ، ورجل تمتع بالعمرة الى

الحج ( 2 ) . ونحوهما غيرهما .

والذى يظهر من الروايات أنه في صدر الاسلام لم يكن حج التمتع مشروعا ،

وإنما شرع في حجة الوداع ، لاحظ : النصوص الكثيرة المتضمنة أن رسول الله صلى

……………………………………………..

 ( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب أقسام الحج حديث 1

( 2 ) الوسائل باب 1 من أبوب أقسام الحج حديث 3 ( * )

 

 

[ . . . ]

الله عليه وآله أذن بالحج في عام حجة الوداع وأحرم وأحرم الناس كلهم بالحج

لا ينون عمرة ولا يدرون ما المتعة حتى اذا قدموا مكة وعند فراغه صلى الله عليه

وآله من سعيه جاءه جبرئيل وأمره أن يأمر الناس أن يحلوا إلا سائق هدى فبلغ صلى

الله عليه وآله فقال له رجل من القوم وهو عمر : لنخرجن حجاجا وشعورنا تقطر .

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : اما أنك لن تؤمن بعدها أبدا ، فسأله رجل إن هذا

لعامنا هذا أو لما يستقبل ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : بل هو للابد الى يوم

القيامة ، ثم شبك أصابعه بعضها الى بعض ، وقال : دخلت العمرة في الحج الى يوم

القيامة ( 1 ) .

قال سيد المدارك : وجه التسمية : أما في الافراد : فلا نفصاله عن العمرة وعدم

ارتباطه بها ، وأما القران : الاحرام بسياق الهدى ، وأما التمتع فهو لغة : التلذذ

والانتفاع وإنما سمى هذا النوع بذلك : لما يتحلل بين حجه وعمرته من التحلل

المقتضى لجواز الانتفاع والتلذذ بما كان قد حرمه الاحرام قبله مع الارتباط بينهما

وكونهما كلشئ الواحد ، فيكون التمتع الواقع بينهما كأنه حاصل في أثناء الحج .

انتهى .

والعمرة في حج التمتع مرتبطة بالحج كما أشار أليه السيد ، ونطقت به النصوص

فلا يجوز الاتيان بأحدهما منفردا ، وهذا بخلاف إخويه : لعدم ارتباطها به فيما ،

وكونها واجبة مستقلة ، والفرق بينهما كما أفاد السيد : أنه إذا ساق الهدى في حجه سمى

قرانا وإلا سمى إفرادا ولذا قال في المنتهى : إن العمرة إن تقدمت على الحج كان تمتعا ،

وإن تأخرت فإن انضم اليه سياق فهو قران ، وإلا فإفراد ، والجمهور قالوا : التمتع أن

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب أقسام الحج ( * )

 

 

[ . . . ]

يقدم العمرة ، والمفرد أن يؤخرها في الاحرم ، والقارن أن يجمع بينهما .

ولا يجوز الجمع بين النسكين عند الامامية وخالفهم ابن أبى عقيل ، وعن

الشيخ في الخلاف : ينعقد إحرامه بالحج وسيأتى الكلام في ذلك .

 

حج التمتع قسمان

 

وحج التمتع قد يكون ابتداء كمن يحرم اولا بالعمرة ثم بعد قضاء مناسكها

يحرم بالحج وهذا لا كلام في مشروعيته وسيأتى أنه فرض النائى لا يجوز غيره له مع

الاختيار وإنما يجوز العدول عنه في بعض الموارد

ولم يخالفنا الجمهور في مشروعية ذلك ولذا ترى الفقهاء والمحصلين منهم حملوا

نهى عمر عن متعة الحج على فرض كون مورد نهيه ذلك لا القسم الثانى منه على

وجه الاستحباب لا على الخطر

قال السيد المرتضى في الانتصار فإن الفقهاء والمحصلين من مخالفينا حملوا نهى

عمر من هذه المتعة على وجه الاستحباب لا على الخطر انتهى

وقال النووى في شرح صحيح مسلم جلد 8 ص 169 قلت والمختار أن عمر

وعثمان وغيرهما إنما نهوا عن المتعة التى هى الاعتمار في أشهر الحج من عامه

ومرادهم نهى اولوية للترغيب في الافراد لكونه أفضل وقد انعقد الاجماع بعد هذا على

جواز الافراد والتمتع والقران من غير كراهة وإنما اختلفوا في الافضل منها انتهى

ونحو ذلك كلمات غيرهما

وقد يكون بالعدول من حج الافراد فإن من دخل مكة محرما بحج الافراد

فالافضل له إن يعدل بإحرامه الى عمرة التمتع ويتم حج التمتع ومنعه جميع فقهاء

 

[ . . . ]

العامة

قال المحقق في المعتبر وزعم فقهاء الجمهور أن نقل الحج المفرد الى التمتع

منسوخ

لنا ما اتفق عليه الرواة من أن النبى صلى الله عليه وآله أمر أصحابه حين

دخول مكة محرمين بالحج فقال من لم يسق الهدى فليحل وليجعلها عمرة فطافوا

وسعوا وأحلوا وسئل عن نفسه فقال إنى سقت الهدى ولا ينبغى لسائق الهدى أن

يحل حتى يبلغ الهدى محله وروى ذلك ومعناه جماعة منه جابر وعائشة وأسماء بنت أبى

بكر وقالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فلما قدمنا مكة قال رسول الله

صلى الله عليه وآله من لم يكن معه هدى فليحل فأحللت وكان مع الزبير هدى

فلبست ثيابى وخرجت فجلست الى جانب الزبير فقال قومى عنى فقلت أتخشى

إن اثب عليك انتهى

اختلف المجوزون للعدول فمنهم من جوزه حتى في فرض العين ومنهم من

جوزه في الندب والفرض غير المتعين

قال في الروضة البهية وقيل لا يختص جواز العدول باللافراد المندب بل

يجوز العدول عن الحج الواجب أيضا سواء كان متعينا أو مخيرا بينه وبين غيره كالناذر

مطلقا وذى المنزلين المتساويين لعموم الاخبار الدالة على الجواز كما أمر به النبى صلى

الله عليه وآله : من لم يسق من الصحابة من غير تقيد بكون المعدول عنه مندوبا أو

غير مندوب وهو قوى لكن فيه سؤال الفرق بين جواز العدول عن المعين إختيارا

وعدم جوازه ابتداء بل ربما كان الابتداء أولى للامر بإتمام الحج والعمرة لله ومن ثم

خصه بعض الاصحاب بما اذا لم يتعين عليه الافراد وقسيميه كالمندوب والواجب

المخير جمعا بين ما دل على الجواز مطلقا وما دل على اختصاص كل قوم بنوع هو

 

 

[ . . . ]

أولى إن لم نقل بجواز العدول عن الافراد الى التمتع ابتداء . النتهى .

أقول : لا إشكال في مشروعية هذا القسم من المتعه .

ويشهد به : مضافا الى الخبر المتفق على نقله المشار اليه المتقدم في أول البحث

المتضمن لامر النبى صلى الله عليه وآله أصحابه بذلك - جملة من النصوص كصحيح

معاوية بن عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل لبى بالحج مفردا فقدم

مكة وطاف بالبيت وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم ( عليه السلام ) وسعى بين الصفا

والمروة ، قال ( عليه السلام ) : فليحل وليجعلها متعة إلا أن يكون ساق الهدى ( 1 ) . ونحوه

غيره ، وقد عقد لها في الوسائل باب وذكر فيه روايات كثيرة ، كما لا إشكال في أن فرض

الحاضر هو الافراد أو القران لا يجوز له التمتع ، وسيأتى تفصيل القول فيه ، وسيمر

عليك النصوص الدالة على انه ليس لاهل مكة متعة ، والجمع بين النصوص يقتضى

البناء على اختصاص مشروعية هذا القسم بغير من وجب عليه الافراد تعيينا .

وقد اختلفت كلمات أصحابنا والجمهور في المتعة التى حرمها عمر ، ففى

الانتصار والمنتهى والجواهر ، وعن النووى في شرح صحيح مسلم ، وغيرهم في غيرها :

إنه الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه ، وهو القسم الاول من حج التمتع .

وعن المعتبر ، وفى كنز العرفان وعن المازى والقاضى عياض : أنه فسخ الحج

الى العمرة وهو القسم الثانى من حج التمتع .

وأما الكلام في بطلان ذلك وأنه ليس لعمر ذلك فموكول الى محل آخر : لعدم

وضع الكتاب لذلك ومن أراد الوقوف على ما هو الحق الذى لا ريب فيه فليراجع

كتاب البيان في تفسير القرآن - للمرجع الدينى الاعلى المحقق الخوئى دام ظله

……………………………………………..

 ( 1 ) الوسائل باب 5 من أبواب الحج حديث 4 ( * )

 

 

[ أما التمتع فصورته

وهذا فرض من نأى عن مكة ]

 

صورة حج التمتع

 

( أما التمتع فصورته : الاحرام بالعمرة الى الحج من الميقات والطواف

بالبيت سبعا وصلاة ركعتين في مقام إبراهيم ( عليه السلام ) ، والسعى بين الصفا

والمروة سبعا والتقصير ، والاحرام ثانيا من مكة بالحج والوقوف بعرفات تاسع ذي

الحجة الى الغروب والافاضة الى المشعر ، والوقوف به بعد الفجر ، ورمى جمرة

العقبة ، ثم الذبح ثم الحلق يوم النحر بمنى ، وطواف الحج وركعتاه وسعيه ،

وطواف النساء وركعتاه والمبيت بمنى ليلة الحادى عشر والثانى عشر ورمى

الجمار الثلاث في اليومين ، ثم إن أقام الثالث عشر رمى ) هذه صورة التمتع إجمالا ،

وسيمر عليك تفصيل ذلك ، ولعله هناك كلام في بعض مواضعها

 

التمتع فرض من كان بعيدا عن مكة

 

( هذا ) أى التمتع ( فرض من نإى عن مكة ) بلا خلاف لا يجزيه غيره

اختيارا ، إجماعا محكيا عن الانتصار والخلاف والغنية .

وفى التذكرة : أجمع علماؤنا كافة على أن فرض من نأى عن مكة التمتع لا يجوز

لهم غيره إلا مع الضرورة . انتهى

وفى المنتهى : قال علماؤنا أجمع : فرض الله على المكلفين ممن نأى عن المسجد

الحرام وليس من حاضريه التمتع مع الاختيار لا يجزيهم غيره ، وهو مذهب فقهاء إهل

البيت

 

 

[ التمتع فرض من كان بعيدا عن مكة ]

 

وفى الجواهر : بإجماع علمائنا . ونحو ذلك كلمات غيرهم

واستدل له : - مضافا الى ذلك - بالكتابة والسنة

أما الكتاب فقوله تعالى ( فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر

من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة

كاملة ذلك لمن يكن أهله حاضرى المسجد الحرام ) ( 1 )

وتقريب الاستدلال به : أن ذلك إما أن يرجع الى جميع ما تقدم أو أنه يرجع

الى التمتع نظرا الى ما نص عليه أهل العربية من ان ذلك للبعيد

نعم الاية لا تدل على عدم إجزاء غيره : لان ظاهرها حصر التمتع بالنائى لا

حصر وظيفة النائى به

وقوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ( 2 ) بتقريب : أن الامر بالاتمام أمر

بإيجادهما تأمين للاجزاء والشرائط نظير قوله تعالى : ( إنا لا نضيع أجر من أحسن

عملا ) ( 3 ) أى من أتى بعمل حسن ونظير قولنا : أطل جلفة قلمك وما شاكل

وفى صحيح ابن أذينة عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن قوله تعالى :

( وأتموا الحج والعمرة ) يعنى بتمامها أداءهما ( 4 )

وفى صحيح معاوية عنه ( عليه السلام ) : العمرة واجبة على الخلق مثل الحج

على من استطاع : لان الله عز وجل يقول : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ( 5 ) والامر ظاهر

……………………………………………..

( 1 ) سورة البقرة آية 196

( 2 ) سورة البقرة آية 196

( 3 ) الكهف آية 30

( 4 ) الوسائل باب 1 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 2

( 5 ) الوسائل باب 1 من أبواب وجوب الحج وشرائطه حديث 5 ( * )

 

 

[ . . . ]

في الواجب فتدل الاية على وجوب كل منهما ووجوب كل واحد من الاجزاء يستلزم

وجوب الماهية المركبة منها والاية وإن كانت مطلقة إلا أنه يقيد إطلاقها بما دل على

أن فرض من بمكة غير ذلك

وأما السنة فنصوص كثيرة كصحيح زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) في

قول الله عز وجل : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام ) قال : يعنى أهل

مكة ليس عليهم متعة كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان

كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الاية وكل من كان إهله وراء ذلك فعليهم

المتعة ( 1 )

وصيح الحلبى عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : قال : دخلت العمرة في الحج

الى يوم القيامة ، لان الله تعالى يقول : ( فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر

من الهدى ) فليس لاحد إلا أن يتمتع : لان الله أنزل ذلك في كتابه وجرت به السنة

من رسول الله صلى الله عليه وآله ( 2 ) وهذا كالاية مطلق يقيد إطلاقه بما سيأتى

ونحوهما غيرهما .

وحج الافراد والقران فرض من كان حاضرا أى غير بعيد كما هو المشهور

شهرة عظيمة ولم يخالف أحد غير الشيخ في أحد قوليه ويحيى بن سعيد

ويشهد للمشهور : الاية الاولى كما عرفت والنصوص لاحظ : صحيح

الفضلاء عن الامام الصادق ( عليه السلام ) ليس لاهل مكة ولا لاهل مر ( 3 ) ولا لاهل

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب أقسام الحج حديث 3

( 2 ) الوسائل باب 3 من أبواب أقسام الحج حديث 2

( 3 ) مر بالتشديد موضع بقرب مكة من جهة الشام نحو مرحلة ( * )

 

 

[ حد البعد الموجب للتمتع ]

[ اثنى عشر ميلا فما زاد من كل جانب ]

 

سرف ( 1 ) متعة وذلك لقول الله عز وجل : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد

الحرام ) ( 2 )

وخبر سعيد الاعرج : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ليس لاهل سرف ولا

لاهل مر ولا لاهل مكة متعة يقول الله تعالى : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى

المسجد الحرام ) ( 3 ) ونحوهما غيرهما

واستدل - لما ذهب اليه الشيخ وابن سعيد بصحيحى عبد الرحمن بن الحجاج

الاتيين في مسألة أن أهل مكة إذا خرجوا الى بعض الامصار يجوز لهم التمتع

وموردهما خاص لا يتعدى عنه

 

حد البعد الموجب للتمتع

 

وقد اختلفت كلماتهم في حد البعد الموجب للتمتع على قولين :

أحدهما : ما في المتن والشرائع والجواهر وعن السرائر والارشاد والاقتصاد

والمبسوط والتبيان ومجمع البيان وفقه القرآن وروض الجنان والجمل والعقود الغنية

والكافى والوسيلة والجامع والاصباح والارشاد والقواعد - وهو البعد عن مكة ( اثنى

عشر ميلا فما زاد من كل جانب )

ثانيهما : ما عن علي بن إبراهيم والصدوقين والشيخ في التهذيب والنهاية

……………………………………………..

( 1 ) سرف بالمهملة : كتف موضع من مكة على عشرة اميال

( 2 ) الوسائل باب 6 من أبواب أقسام الحج حديث 1

( 3 ) الوسائل باب 6 من أبواب أقسام الحج حديث 6 ( * )

 

 

[ . . . ]

والمحقق في النافع والمعتبر والمصنف في المختلف والتذكرة والمنتهى والتحرير

والشهيدين وسيد المدارك وصاحب الذخيرة وغيرهم من التأخرين ، بل عند أكثرهم

كما عن الاخرين وعن شرح المفاتيح : أنه المشهور وعن المعتبر أن القول الاخر

شاذ نادر - وهو : البعد عن مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب

والكلام تارة مع قطع النظر عن النصوص الخاصة واخرى بلحاظها أما

الاول فقد استدل للقول الاول بوجوه :

أحدهما : ما في المستند والجواهر وغيرهما وهو : أن الاية الشريفة وجملة من

النصوص المتقدم بعضها تدل على أن التمتع فرض كل أحد خرج عنهم ما دون اثنى

عشر ميلا بالاجماع والمتيقن من النصوص فيبقى الباقى وعبروا عن هذا الوجه

بالاصل ومرادهم به اصالة العموم

ثانيها : ما عن كشف اللثام وغيره وهو : أن الاية تدل على أن من لم يكن أهله

حاضرى المسجد الحرام وظيفته التمتع والحاضر مقابل المسافر والسفر أربعة فراسخ

وهى أثنا عشر ميلا

ولا يرد على هذا الوجه ما أفاد جمع من المحققين من انه يكون مفاد الاية

حينئذ أن من كان أهله مسافرا عن المسجد فعليه التمتع وإلا فعليه القران

وهذا كما ترى لا يرتضيه أحد فإنه يمكن الجواب عنه بأن المستدل يدعي أن

الحضور مقابل السفر ولكل منهما حد خاص في الشريعة والاية تدل على أن المتوطن

في أحد الحدين يجب عليه الافراد أو القران والخارج عنه يجب عليه التمتع

فان قيل : إن السفر الموجب للقصر والافطار ثمانية فراسخ لا أربعة

قلنا : إنه حيث يكون من يذهب أربعة فراسخ ويرجع يقصر لصيرورة

المجموع ثمانية فراسخ فأقل حد البعد الموجب لصدق السفر أربعة فراسخ

 

 

[ . . . ]

ولكن يرد على هذا الوجه ؟ أولا : منع كون ذلك حد المسافر شرعا بحيث إن

الشارع الاقدس حدد مفهوم السفر بذلك ، ويكون ذلك حقيقة شرعية له يحمل عليه

هذا اللفظ إذا وقع في لسان الشارع

وثانيا : منع كون الحاضر مقابل المسافر وإنما هو اصطلاح طار بعد نزول الاية

ثالثها : أن الحاضر المعلق عليه وجوب التمتع أمر عرفى وأهل العرف لا

يساعدون على أزيد من اثني عشر ميلا

وفيه : أن أهل العرف يرون اختصاص حضور لاهل المسجد الحرام بالمواطنين

بمكة خاصة وأما المواطن لخارجه ولو على خمسة اميال من مكة فهو غير حاضرى

المسجد الحرام فنظر العرف لا يكون متبعا هنا قطعا فالعمدة إذا هو الوجه الاول

وأما النصوص الخاصة فهى على طوائف :

الاولى : ما يدل على التحديد بثمانية وأربعين ميلا كصحيح زرارة المتقدم في

وجوب التمتع على من نأى عن مكة : كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات

عرق وعسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الاية وكل من كان أهله

وراء ذلك فعليه المتعة ( 1 )

وصحيحه الاخر أو موثقه عن الامام الباقر ( عليه السلام ) عن قول الله

عز وجل : ( ذلك لمن لم يكن ) الى آخره قال : ذلك أهل مكة ليس لهم متعة ولا عليهم

عمرة قال : قلت : فما حد ذلك ؟ قال : ثمانية وأربعين ميلا من جميع نواحى مكة دون

عسفان ودون ذات عرق ( 2 )

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب أقسام الحج حديث 3

( 2 ) الوسائل باب 6 من أبواب أقسام الحج حديث 7 ( * )

 

 

[ . . . ]

واورد عليهما بأن ذات عرق وعسفان - على ما صرح به في القاموس

والتذكرة - على مرحلتين من مكة وبموجب كون المرحلتين عبارة عن مسافة يومين

كما عن أهل اللغة واليومان عبارة عن ثمانية وأربعين ميلا يكون الموضعان المذكوران

خارجين عن حدود مكة وملتحقتين بالافاق والموجب كون الحج التمتع مع أنهما من

توابع مكة وداخلتان في مسافة الثمانية والاربعين كما صرح به في الصحيح الاول

واخرى : بأن ظاهر الخبر الاول أنه ليس لاهلهما متعة وصريح الثانى

خروجهما عن الحد فالخبران متعارضان في ذلك

وثالثة : بأن قوله : ذات عرق وعسفان في الخبر الاول إن جعل تمثيلا للثمانية

والاربعين فهو تفسير بالاخفى ولا يناسب موضوع الشرطية وإن جعل تفسيرا لما

دونها كان مخالفا لما ذكره الاصحاب من أنهما على مرحلتين من مكة مضافا الى أن

قوله فيه : كما يدور حول الكعبة لم يتضح ارتباطه بما قبله

ورابعة : بأن ظاهر الخبر الثانى أن الثمانية والاربعين دون عسفان وذات عرق

مع أن المذكور في كلماتهم أنهما على مرحلتين وتكون أنفسهما

أقول : إن قوله في الخبر الاول : ذات عرق وعسفان . يكون تفسيرا لثمانية

وأربعين ميلا

ودعوى : كونه تفسيرا بالاخفى غريبة حيث إنهما موضعان كانا معروفين عند

الاصحاب والبعد بينهما وبين مكة كان معينا عندهم فكيف يكون تفسيرا بالاخفى ؟

وقوله فيه : كما يدور حول مكة . أى بالمقدار الذى بين الموضعين ومكة يلاحظ

من جميع نواحيها ، وعليه فيرتفع الاشكالات الثلاثة الاول

وأما الاشكال الرابع فيمكن دفعه : بأن قوله : دون عسفان تفسير للمحدد دون

الحد وهو واضح فإذا لا إشكال أصلا

 

 

[ . . . ]

وأما خبر أبى بصير المتضمن أنه ليس لاهل عسفان وذات عرق متعة ( 1 ) فهو

لا بد وأن يطرح لمخالفته للاجماع أو يحمل على ان أهلهما في ذلك الزمان كانوا

مواطنين بين مكة والموضعين ، والله العالم

أضف الى ذلك أن شيئا من هذه الاشكالات لا يصلح لرفع اليد عما يكون

الخبران ظاهرين فيه وهو أن حد البعد ثمانية وأربعون ميلا إذ اشتمال الرواية على

امور مشكلة إذا لم يقدح في دلالتها على الحكم لا يضر بحجيتها والاستناد اليها

الطائفة الثانية : ما دل على أنه ثمانية عشر ميلا وهو صحيح حريز عن أبى

عبد الله ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : ( ذلك لمن لن يكن أهله حاضرى

المسجد الحرام ) قال ( عليه السلام ) : من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين

يديها وثمانية عشر ميلا من خلفها وثمانية عشر ميلا عن يمينها وثمانية عشر ميلا عن

يسارها فلا متعة له مثل مر وأشباهه ( 2 )

ولكن يرد عليه أولا : أن مر - على ما عن القاموس وغيره - موضع من مكة

على مرحلة والمرحلة عبارة عن مسافة يوم كما صرح به إهل اللغة واليوم عبارة عن

أربعة وعشرين ميلا فقوله ( عليه السلام ) : مثل مر وأشباهه لا يلائم مع ثمانية عشر

ميلا

وثانيا : أن الخبر ليس واردا لبيان آخر حد حاضرى المسجد الحرام وإنما يبين

حكم فرد من الحاضرين وهو أن من يكون على رأس ثمانية عشر ميلا لا متعة عليه

وإن شئت قلت : إن منطوقه لا ينافى ما استفيد من الطائفة الاولى ولا مفهوم

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب أقسام الحج حديث 12

( 2 ) الوسائل باب 6 من أبواب أقسام الحج حديث 10 ( * )

 

 

[ . . . ]

له فهو نظير صحيح الفضلاء وخبر سعيد الاتيين وعلى فرضه يقيد إطلاقه بمنطوق

الطائفة الاولى

الطائفة الثالثة : ما دل على أنه دون الميقات كصحيح الحلبى عن أبى عبد الله

( عليه السلام ) في حاضرى المسجد الحرام قال ( عليه السلام ) : ما دون المواقيت الى

مكة فهو حاضرى المسجد الحرام وليس لهم متعة ( 1 )

وصحيح حماد بن عثمان عنه ( عليه السلام ) في حاضرى المسجد الحرام قال

( عليه السلام ) : ما دون الاوقات الى مكة ( 2 )

واورد عليها : بأن الظاهر أن المراد ما دون جميعها دون خصوص الاقرب منها

وما دونها أعم من أن يكون ثمانية وأربعين ميلا أو أزيد فيلزم منه اختلاف الحد

باختلاف الجهات المسكونة فكل موضع يكون بين الميقات ومكة يكون حكم أهله أن

لا متعة لهم وكل موضع يكون وراء الميقات يكون حكم أهله التمتع وهذا لا قائل به

ولكن يمكن الجواب عنه : بأنه ( عليه السلام ) لم يقل ما دون كل ميقات الى

مكة فهو حاضر بل قال : ما دون المواقيت فلا بد ملاحظة الاقرب منها الى مكة

فما فوق ميقات واحد مع اختلاف المواقيت ليس ما دون المواقيت بل ما بينها وهذا

سيما مع ملاحظة أن الميقات لا خصوصية له وأن المراد تحديد البعد الموجب للتمتع

ظاهر لا سترة عليه وحيث إن أقرب المواقيت هو ذات عرق ويلملم وقرن

المنازل وبين كل واحد منها ومكة مرحلتان كما صرح بذلك في الاول أهل اللغة

والمصنف وفى الثانى اليعقوبى في محكى تاريخ البلدان والمصنف في محكى التذكرة

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب أقسام الحج حديث 4

( 2 ) الوسائل باب 6 من أبواب أقسام الحج حديث 5 ( * )

 

 

[ . . . ]

وفى الثالث غير واحد فيكون مفاد هذه النصوص : أن الحد هو ثمانية وأربعون ميلا

الطائفة الرابعة : ما دل على أنه لا متعة على أهل مر وسرف كصحيح الفضلاء

وخبر سعيد المتقدمين وعرفت أن بين مر ومكة مرحلة وهى أربعة وعشرون ميلا

ولكن هذه النصوص لا مفهوم لها : كى تدل به على ثبوت المتعة على من

تجاوزهما وعليه فهى تصلح للرد على القول الاخر ولا تنافى هذا القول .

فتحصل مما ذكرناه أن مقتضى النصوص الخاصة أن الحد الموجب لحج التمتع

هو ثمانية وأربعون ميلا وبها يقيد إطلاق الاية الشريفة ويخرج عنها

 

اعتبار الحد من المسجد أو مكة

 

وهل يعتبر الحد المذكور من مكة أو من المسجد ؟ فيه قولان :

أحدهما ما يظهر من الشيخ في المبسوط والاقتصاد والجمل حيث قال : من

كان بين منزله وبين المسجد الحرام اثنا عشر ميلا من كل جانب ومن المصنف في

التحرير وغيرهما في غيرها وهو : اعتبار الحد من المسجد

الثانى : ما عن ظاهر الشيخ في النهاية قال : حد حاضرى المسجد الحرام من

كان من أهل مكة أو يكون بينه وبينها ثمانية وأربعون ميلا من كل جانب والصنف في

محكى القواعد قال : من نإى عن مكة باثنى عشر ميلا من كل جانب ، وفى المنتهى

وغيرها - وهو اعتباره من مكة

وقد استدل للاول بأن صحيح زرارة وخبره المتقدمين لما كان السؤال فيهما عن

الاية الشريفة ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام ) ويفسر ان المراد

من حاضرى المسجد فالمنسبق من التقدير فيهما أن يكون المبدأ نفس المسجد

 

 

[ . . . ]

ولكن يرد عليه أنه في الصحيح يفسر أولا حاضر والمسجد بأهل مكة ثم يبين

الحد ويعقبه بقوله : يدور حول مكة وكذا في الخبر فسر أولا بقوله : ليس لاهل مكة

متعة ثم بين الحد وعقبه بقوله : من جميع نواحى مكة وعليه فالمنسبق من التقدير كون

المبدأ هو مكة لا المسجد الحرام

ويؤيد ما قيل من أن بين عسفان وذات عرق وبين مكة ثمانية وأربعين ميلا

فالمتحصل : أنه يعتبر الحد المذكور من مكة .

وحيث لا يكون ما تضمن هذا الحكم من قبيل القضية الحقيقة بل هو

متضمن لقضية خارجية فالميزان هو سور مكة الذى كان موجودا في زمان صدور

الخبر ولا اعتبار بالتوسعة الحاصلة بعده وفى ذلك لابد وأن يحصل الاطمئنان أو

شهادة ثقة به بناء على كفايتها في الموضوعات كما هى الاظهر .

ومن كان على نفس الحد هل وظيفته التمتع أو الافراد والقران ؟ وجهان مبنيان

على أن التمتع وظيفة من فوق الحد أو أن الافراد والقران وظيفتان من دونه ؟ صريح

قوله ( عليه السلام ) في صدر صحيح زرارة : كل من كان أهله دون الى آخره هو الثانى

وكذا ظاهر صحيح حماد والحلبى ففى أحدهما ما دون الاوقات الى مكة وفى الاخر :

ما دون المواقيت الى مكة بل وخبر زرارة : دون عسفان وذات عرق بناء على أنهما على

مرحلتين من مكة

ولا يعارض ذلك ما في ذيل صحيح زرارة : وكل من كان أهله وراء ذلك

فعليهم المتعة فإنه من جهة ورودة بعد الجملة الاولى الصريحة فيما ذكرناه يكون جاريا

عليه فالمراد من أسم الاشارة فيه : هو المقدار الذى سبق ذكره الذى جعل موضوعا

للقران والافراد لا الثمانية والاربعون فالاظهر : أن من على رأس الحد وظيفته التمتع

ولكن نفس الحد الذى هو خط موهوم بين داخل الحد وخارجه لا يكون مسكنا

 

 

[ من شك في ان وظيفته التمتع او غيره ]

 

لشخص : كى يجرى فيه هذا البحث اللهم إلا أن يفرض كون دار في نفس الحد

نصفها داخل الحد ونصفها خارجه وكانت إقامته في النصفين على حد سواء فتأمل

 

من شك في أن ظيفته التمتع أو غيره

 

 ولو شك في أن منزله في الحد أو خارجه فهل يجب عليه الفحص ومع عدم

تمكنه يراعى الاحتياط أم يجب عليه التمتع أم وظيفته غير ذينك ؟ وقد استدل على

أن وظيفته التمتع بوجوه :

الاول : ما في العروة وحاصله : أن غير التمتع معلق على عنوان الحاضر وهو

عنوان وجودى مسبوق بالعدم فمع الشك فيه يستصحب عدمه فيشمله العام الدال

على أن غير الحاضر يتمتع وليس ذلك من التمسك بالعام بالشبهة المصداقية : كى

يورد عليه : بأنه غير جائز كما أفاد بعض الاعاضم من المعاصرين بل من قبيل

إحراز الموضوع بالاصل

ولكن يرد عليه : أنه إن كان الشخص قبل ذلك مواطنا وراء الحد المذكور

للحاضر وانتقل الى مكان شك في ذلك يستصحب عدم كونه حاضرا كما إنه لو كان

قبل مقيما في الحد يستصحب كونه حاضرا وكلاهما خارجان عن الفرض بل محل

الكلام من لا يكون له حالة سابقة فلا يجرى هذا الاصل

فإن قيل : إن نظرة الشريف الى استصحاب العدم الازلى بتقريب : أنه قبل

وجوده وأهله لم يكن هو ولا حضور في المسجد الحرام وبعد ما وجد يشك في تبدل عدم

الحضور يستصحب ذلك بناء على جريان الاصل في العدم الازلى

قلنا : إن استصحاب العدم الازلى وإن كان يجرى إلا أنه فيما لم يكن عدم القيد

 

 

[ . . . ]

مأخوذا وصفا وقيدا للموضوع وإلا فباستصحاب العدم المحمولى لا يثبت العدم

النعتى الذى هو جزء الموضوع ولا يحرز الموضوع : لانه من الاصول المثبتة ولا يجرى

والمقام من هذا القبيل : فإن عدم كونه حاضرى المسجد الحرام مأخوذ في الاية الشريفة

وصفا فلا يجرى هذا الاصل .

أضف الى ذلك : أن الحاضر وغير الحاضر فسرا في النصوص فالاول هو من

كان أهله دون ثمانية وأبعين ميلا والثانى من كان أهله وراء تلك كما في صحيح زرارة

فكل منهما أمر وجودى فلا مجال لاجراء الاصل ،

الثانى : أن المستفاد من الادلة أن الاستطاعة مقتضية لوجوب حج التمتع

وكونه الحاضرى المسجد الحرام مانع عنه فمع الشك في المانع يبنى على تحقيق المقتضى

بالفتح

وفيه : أنه لو تم ما ذكر يتوقف على تمامية قاعدة المقتضى والمانع وحجيتها ولا

نقول بها مع أنه لعدم العلم بمناطات الاحكام لا نعلم أن الاستطاعة مقتضية لذلك

ولعلها لا تكون مقتضية مع الحضور .

الثالث : أن تعليق الحكم على أمر وجودى سواء كان تكليفيا أو وضعيا بالالتزام

العرفى - يدل على إناطته بإحراز ذلك الامر ودخالة الاحراز في الموضوع فإذا لم يحرز

الحضور الذى هو أمر وجودى يكون موضوع حج الافراد والقران منتفيا واقعا فيجب

عليه التمتع

وفيه اولا : أنه لو كان وظيفة الحاضر هو التخيير بين التمتع وأخويه كان موردا

لهذه القاعدة : فإن تلك القاعدة إنما هى في الحكم الترخصى المعلق على أمر وجودى

لا في كل حكم وإلا فهى بديهى البطلان ومن المفروض أن الحاضر لا يجوز له

التمتع

 

 

[ . . . ]

وثانيا : أنها لا أصل لها لعدم ثبوت كون تلك قاعدة عقلائية ، وبعبارة اخرى :

ما لم يؤخذ العلم في لسان الدليل دخيلا في الموضوع لا يكون الحكم منوطا به من غير

فرق بين الحكم التكليفى والوضعى

الرابع : أن مقتضى العمومات وجوب التمتع على كل أحد خرج عنها الحاضر

فمع الشك فيه يشك في المصداق والمرجع في الشبهة المصداقية هو العموم

وفيه : أن المحقق في محله عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية

فتحصل : أن شيئا مما استدل به على وجوب التمتع عليه لا يتم .

وقد استدل لوجوب الفحص عليه بوجهين :

أحدهما : أنه بدون الفحص يجب عليه الامتثال الاجمالى للعلم الاجمالى بوجوب

 أحدهما والامتثال الاجمالى لا يجوز مع التمكن من الامتثال التفصيلى : لكونه

في طوله .

وفيه : ما حقق في محله من أنه يجوز الامتثال الاجمالى في عرض الامتثال التفصيلى

 ومع التمكن منه .

ثانيهما : أنه إذا ترك الفحص لا بد له من الاحتياط بالجمع بين الحجين وحيث

إنه لا يمكن الجمع بينهما في عام واحد فلا بد من إتيان أحدهما في عام الاستطاعة

والاخر في العام اللاحق فيلزم تفويت فورية الواجب .

وبعبارة اخرى : لا يمكن الاحتياط الى فورية الواجب ، فيجب

الفحص مقدمة الامتثال ذلك الوجوب

وأجاب عن ذلك بعض الاعاضم : بأنه يمكن الاحتياط في العام الواحد وهو

أن يحرم من الميقات ويدخل مكة ويأتى بأعمال العمرة رجاء ويقصر ويجدد الاحرام

احتياطا بعد التقصير لاحتمال أن يكون تكليفه حج التمتع الذى يكون إحرامه في

 

 

[ . . . ]

مكة ويأتى بالعمرة بعد الحج رجاء

فما أتى به من الحج يكون تمتعا على تقدير كون تكليفه التمتع وإفراد على

تقدير كون تكليفه الافراد وما أتى به من أعمال العمرة قبل الحج يكون بناء على

كون تكليفه الافراد فعلا لغوا غير مضر بالحج والتقصير المأتى به على فرض كونه

إفرادا حرام وعلى فرض كون تكليفه تمتعا ليس بحرام ، فيشك في حرمته فيجرى

فيه الاصل .

أقول : بعد تصحيحه بأن الاحرام الذى يأتى به من الميقات يقصد فيه ما هو

وظيفته الفعلية أعم من الحج أو العمرة - يرد عليه : أنه يحصل له العلم الاجمالى بأنه

إما أن يحرم عليه التقصير إن كان حجه إفرادا أو يجب عليه الهدى إن كان تمتعا وهذا

العلم الاجمالى بتوجه أحد التكليفين الالزاميين الذى هو كالعلم الاجمالى بثبوت

تكليف إلزامى معين - يمنع عن جريان الاصل في التقصير فبمقتضى قاعدة وجوب

دفع الضرر المحتمل لا بد من تركه

فإن قيل : إنه يدور أمر التقصير بين الوجوب والحرمه فهذا العلم الاجمالى

يمنع عن تأثير العلم الاجمالى المزبور .

قلنا : إنه حيث لا يكون هذا العلم منجزا لعدم التمكن من المخالفة ولا الموافقة

القطعيتين فالعلم الاجمالى الذى أشرنا اليه يكون منجزا ، وعلى ذلك فلا يمكن

الاحتياط في عام واحد فيجب الفحص مقدمة للامتثال ولو فحص ولم يظهر له شئ

لا مناص له عن الاحتياط في عامين

وما ذكرناه تبعا للاصحاب من أن التمتع وظيفة النائى والافراد والقران

وظيفة الحاضر - إنما هو بالنسبة الى الحج الاسلامى وأما الحج المندوب فيجوز لكل

من النائى والحاضر كل من الاقسام الثلاثة بلا خلاف فيه من أحد وإن كان الافضل

 

 

[ . . . ]

اختيار التمتع

وفى الجواهر : لا خلاف أيضا في أفضلية التمتع على قسمين لمن كان الحج

مندوبا بالنسبة اليه لعدم استطاعته أو حصول حج الاسلام منه والنصوص

مستفيضة فيه أو متواترة بل هو من قطعيات مذهب الشيعة بل في بعضها عن الامام

الصادق ( عليه السلام ) : لو حججت الفى عام ما قدمتها إلا متمتعا انتهى ( 1 ) .

ويشهد به : نصوص كثيرة كصحيح عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله ( عليه

السلام ) قلت له : إنى قرنت العام وسقت الهدى فقال : ولم فعلت ذلك ؟ التمتع والله

أفضل لا تعودن ( 2 )

وصحيح معاوية بن عمار قال : قلت لابى عبد الله ( عليه السلام ) ونحن بالمدينة :

إنى اعتمرت في رجب وأنا اريد الحج فأسوق الهدى أو افراد الحج أو أتمتع قال ( عليه

السلام ) : في كل فضل وكل حسن قلت : فأى ذلك أفضل ؟ فقال : إن عليا ( عليه

السلام ) كان يقول : لكل شهر عمرة تمتع فهو والله أفضل ( 3 ) ونحوها غيرها من

النصوص الكثيرة

وبها يقيد ما ظاهره تعين التمتع للبعيد مطلقا كصحيح الحلبى عن الامام

الصادق ( عليه السلام ) المتقدم قال : دخلت العمرة بالحج الى يوم القيامة لان الله

تعالى يقول : ( فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى ) فليس لاحد إلا

أن يتمتع لان الله أنزل ذلك في كتابه وجرت به السنة من رسول الله صلى الله عليه

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب أقسام الحج حديث 14

( 2 ) الوسائل باب 4 من أبواب أقسام الحج حديث 17

( 3 ) الوسائل باب 4 من أبواب أقسام الحج حديث 18 ( * )

 

 

[ . . . ]

وآله ( 1 ) ويحمل على الفرض

 

من له وطنان داخل الحد وخارجه

 

مسألة : من كان له وطنان أحدهما في الحد والاخر خارجه - لزمه فرض

أغلبهما بلا خلاف أجده فيه كما في الجواهر

ويشهد به صحيح زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : من أقام بمكة سنتين

فهو من أهل مكة ولا متعة له فقلت لابى جعفر ( عليه السلام ) : أرأيت إن كان له أهل

بالعراق وأهل بمكة قال ( عليه السلام ) : فلينظر أيهما الغالب فهو من أهله ( 2 )

والظاهر اختصاص الحكم بما إذا كان كل منهما وطنا له إذ ظاهر قوله : له أهل

بالعراق وأهل بمكة ذلك لا مجرد وجود أهل بالعراق وأهل بمكة .

والمستفاد من الخبر حكمان :

أحدهما : أن ذا المنزلين متى غلبت عليه الاقامة في أحدهما وجب عليه الاخذ

بفرضه أعم من أن يكون أقام بمكة سنتين أو لم يقم فلو فرضنا أن له وطنين ولكن

في كل مرة يقيم بمكة سنتين أو ثلاث سنين ويقيم في الافاق خمس سنين فإنه يجب

عليه التمتع

ثانيهما : أن من أقام بمكة سنتين كان ذا منزلين أم كان ذا منزل واحد يجب عليه

فرض المكى

وعليه فربما يتوهم إن النسبة بين الدليلين عموم من وجه ولا مرجح لا حدهما

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب من 3 أبواب أقسام الحج حديث 2

( 2 ) الوسائل باب 9 من أبواب أقسام الحج حديث 1 ( * )

 

 

[ . . . ]

على الاخر ففى المجمع وهو المثال يتعارضان

وأن ما عن المدارك من أنه يجب تقييد هذا الحكم بما إذا لم يكن إقامته في مكة

سنتين متواليتن فإنه حينئذ يلزمه حكم أهل مكة وإن كانت إقامته في الثانى أكثر -

في غير محله

أقول : إن قلنا بأن ما دل على أن المقيم بمكة سنتين لا يشمل ذا المنزلين - كما

هو الظاهر بقرنية قوله : فهو من أهل مكة فكما أن ما أفاده سيد المدارك في غير محله ،

كذلك ما أفاده صاحب الحدائق ولا يتعارض الدليلان والمجمع المفروض مورد

لخصوص ما دل على أن الميزان هو الغلبة اللهم إلا أن يقال بعد إقامته في مكة سنتين

يصير مكة وطنا له بمقتضى النص فيشمله ما دل على أن وظيفة ذى المنزلين مراعاة

الغلبة

لكن يرد عليه : إن قوله : من أهل مكة تنزيل إياه لاهل مكة بالنسبة الى ما

دل على إنه لا متعة لهم ويشهد له ذيله

وإن قلنا بأنه يشمل ذا المنزلين أيضا فظاهره إن الاقامة بمكة سنتين بنفسها

جهة مستقلة لانتقال الفرض ولذا لو كان له منزل واحد خارج الحد وأقام في مكة

سنتين يتبدل وظيفته من التمتع الى اخويه ففى ذى المنزلين أولى بذلك كما عن سيد

المدارك وكاشف اللثام ، فيجب التقييد بأن يجاور ذو المنزلين بمكة سنتين فإنه لا متعة

له وإن كان الغالب مقيما خارج الحد فعلى التقديرين لا يتم ما أفاده صاحب

الحدائق ره

وإن تساوى المنزلان فالمشهور بين الاصحب أنه يتخير بين العمل

بالوظيفتين وفى الجواهر : بلا خلاف أجده فيه

واستدل له تارة بان ما دل على وجوب التمتع يختص بمن كان منزله نائيا وما

 

 

[ . . . ]

دل على وجوب القران إو الافراد يختص بمن كان من أهل مكة ، والمورد خارج عنهما

فيؤخذ بإطلاق دليل الوجوب المقتضى للتخيير بين الافراد الثلاثة

واخرى بأن كلا من العنوانين يشمل المورد فيتعارض الدليلان ويتساقطان

فيتعين الرجوع الى الاطلاق .

وثالثة : بأنه حيث يشمل كلا العنوانين للمورد والمفروض عدم وجوب حجين

عليه وعدم الاحتياط لعدم موضوعه فلا محالة يتخير بينهما تخييرا شرعيا .

ولكن يرد على الاول أولا : أن المورد لا يكون خارجا عن الدليلين بل هو

داخل فيهما لصدق كلا العنوانين عليه

وثانيا : أنه مع الاغماض عما دل على وجوب التمتع على كل أحد المخصص بما

دل على عدم وجوبه أهل مكة وعما دل على وجوب أحد أخويه على أهل مكة

لا إطلاق لدليل يدل على وجوب طبيعة الحج من دون تقييد والاية الكريمة ليست

في مقام البيان بل هى واردة في مقام بيان أصل التشريع وبذلك ظهر ما في الوجه

الثانى مع أنه على فرض صدق التعارض بين الدليلين نظرا الى العلم بعدم وجوبهما

معا إذ لا يجب أكثر من مرة كما دل على ذلك الدليل فهما يتعارضان بالعرض فلم لا

يرجع الى أخبار الترجيح والتخيير

ويرد على الثالث : أنه مع فرض دلالة كل من الدليلين على وجوب كل من

القسمين تعيينا كيف يحملان على إرادة التخيير .

فالحق في المقام أن يقال : إنه بناء على شمول أطلاق دليل كل من الوظيفتين

للمورد لصدق العنوانين عليه والعلم بعدم وجوب أكثر من حج واحد وهو إما التمتع

أو غيره يقع التعارض بين الدليلين فلا بد من أحد الامرين : إما رفع اليد عن إطلاق

كل من الدليلين الافرادى فيخرج المورد عن تحت الدليلين أو إبقاء إطلاق كل منهما

 

 

[ . . . ]

الافرادى وتقييد إطلاقه الاحوالى إذ كل منهما كما يدل على وجوب ما تضمنه من

الوظيفة لكل من صدق عليه العنوان المأخوذ فيه ، وبهذا اللحاظ له اطلاق إفرادى

كذلك يدل على وجوبها عليه في جميع الحالات وبهذا اللحاظ له إطلاق أحوالى

والتعارض كما يرتفع بتقييد الاطلاق الافرادى لكل منهما فيخرج المجمع عن تحت

الدليلين كذلك يرتفع بتقييد الاطلاق الاحوالى لكل منهما ، ويقال : إنه لا يجب العمل

به في حال العمل بالاخر وكذلك لا يجب العمل بالاخر عند العمل بهذا ونتيجة ذلك

هو التخيير وحيث إن الضرورات تتقدر بقدرها فالمتعين هو الثانى وعرفت أن لازمه

التخيير بينهما أى يجب العمل بكل منهما عند ترك العمل بالاخر .

وإن قلنا بأن الدليلين لا يشملان المورد فحيث نعلم من الخارج وجوب

أحدهما فكل منهما طرف للعلم الاجمالى فأصالة البراءة عن كل منهما في نفسها

تجرى ولكن للتعارض بين الاصلين يتردد الامر بين تقييد الاطلاق الافرادى لدليل

الاصل بالنسبة الى كل منهما وبين تقييد إطلاقه الاحوالى والمتعين هو الثانى كما عرفت

فتجرى البراءة عن وجوب كل منهما في ظرف الاتيان بالاخر ونتيجة ذلك أيضا

التخيير

ولهذا الكبرى الكلية التى أشرنا اليها بنينا على أن الاصل في تعارض

الخبرين هو التخيير لا التساقط كما أن لاجلها بنينا على مقتضى القاعدة هو

جريان الاصل في أطراف العلم الاجمالى بنحو التخيير ويترتب عليها ثمرات مهمة

فتأمل في أطرافها فإنها دقيقة فتحصل أن الاظهر هو التخيير

وبما ذكرناه يظهر أن من له منزل واحد على نفس الحد مقدار منه داخل الحد

ومقدار خارجه وبعبارة اخرى كان محل إقامته محلا نصفه خارج الحد ونصفه داخله

يكون مخيرا في العمل بالوظيفتين سواء شمله الدليلان أم لم يشملاه

 

 

[ . . . ]

نعم فرق بينه وبين ذى المنزلين وهو أنه في ذى المنزلين إذا كان غالبية إقامته في

أحدهما لزمه فرضه وهذا لا يجرى في المقام لا ختصاص النص به والتعدى عنه الى

هذه المسألة يحتاج الى دليل ، أو العلم بالمناط وكلاهما مفقودان فالاظهر فيه أيضا

التخيير

ولا فرق فيما ذكرناه من الحكم بالتخيير في صورة تساوى المنزلين بين أن يكون

مستطيعا من كل منهما وبين أن يكون مستطيعا من أحدهما ولا بين ما لو استطاع في

غير الوطنين أو استطاع في أحدهما فإن الافاقى يجب عليه التمتع وإن استطاع من

داخل مكة ، والمكى يجب عليه الافراد أو القران وإن استطاع من خارجها .

وعليه فما في الجواهر : هذا كله مع الاستطاعة من كل منهما وأما لو استطاع

في أحدهما لزمه فرضه كما في كشف اللثام . انتهى غير تام كان مراده من الاستطاعة

في احدهما - تمكنه من المشى الى الحج من أحد الوطنين دون الاخر ، أم كان حصول

الاستطاعة في أحدهما إذ الميزان هو الاستطاعة من الحج الذى هو أفعال خاصة كان

الاستطاعة في أى مكان

وأيضا يجب الحج مع التمكن منه فعلا وإن لم يتمكن لو كان في وطنه

كما أن ما في العروة : إن كان مستطيعا من أحدهما - أى من أحد المنزلين - لزمه

فرض وطن الاستطاعة . في غير محله كما يظهر وجهه مما ذكرناه .

ولو اشتبه الحال ولم يعلم هل هناك أغلب أو لا فعن الشهيد الثانى احتمل

تعين التمتع نظرا الى أنه الاصل في أنواع الحج

وفيه : أنه إذا شك في أن الاقامة في خارج الحد هل تكون أغلب يمكن أن

يقال مع قطع النظر عما نذكره : بتعين التمتع من جهه دوران الامر بين التعيين

والتخيير كما أنه إذا شك في أن الاقامة داخل الحد أغلب يمكن أن يقال بتعين الافراد

 

 

[ حكم أهل مكة إذا خرجوا إلى بعض الامصار ]

 

أو القران بعين تلك الجهة وكلاهما خارجان عن الفرض بل الفرض ما لو احتمل

أغلبية كل منهما فلا يتم ما أفاده : فإن التمتع واجب على تقدير كون خارج الحد

أغلب كما أن الاخر يجب على تقدير كون الداخل أغلب

والحق أن يقال : إنه يجرى أصالة عدم غلبة كل منهما على الاخر فيحكم

بالتخيير بعين الوجه الذى ذكرناه للتخيير في صورة إحراز التساوى ولا تعارضها

أصالة عدم التساوى لعدم كون عنوان التساوى الذى هو أمر وجودى داخلا في

الموضوع بل الداخل فيه هو غلبة أحدهما ، وبأصالة عدم التساوى لا يثبت الغلبة

لاحدهما

 

حكم أهل مكة إذا خرجوا الى بعض الامصار

 

مسألة : من كان من أهل مكة وخرج الى بعص الامصار ثم رجع اليها وحج

حج الاسلام على ميقات أحرم منه وجوبا بلا خلاف فيه ولا إشكلال لان المواقيت

مواقيت لمن يمر عليها ويشهد به أخبار كثيرة كصحيح صفوان بن يحيى عن أبى

الحسن الرضا ( عليه السلام ) أنه كتب اليه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت

المواقيت لاهلها ومن أتى عليها من غير أهلها وفيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز

الميقات إلا من علة ( 1 ) ونحوه وغيره .

إنما الكلام في النوع الذى يحرم به فعن الشيخ في جملة من كتبه والمحقق في

المعتبر وفى المنتهى والتذكرة وغيرها أنه يجوز له التمتع

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 15 من أبواب المواقيت حديث 1 ( * )

 

 

[ . . . ]

وفى الجواهر بل في المدارك نسبته الى الاكثر بل في غيرها الى المشهور

وعن ابن أبى عقيل وفى الحدائق وعن سيد الرياض وغيرهم أنه لا يجوز له

التمتع

والمحقق الاول قد اكتفى برد القول المشهور وأن الخبر الذى استدل به لا

يدل عليه .

والمحقق الثانى توقف في الحكم وهو ظاهر المختلف لاكتفائه بنقل القولين فقد استدل

لما نسب الى المشهور بصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى

عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل من أهل مكة يخرج الى بعض الامصار ثم يرجع الى

مكة فيمر ببعض المواقيت أله أن التمتع ؟ قال ( عليه السلام ) : ما أزعم أن ذلك ليس

له لو فعل وكان الاهلال أحب الي ( 1 )

وصحيح عبد الرحمن بن أعين وعبد الرحمن بن الحجاج قالا : سألنا أبا الحسن

موسى ( عليه السلام ) : عن رجل من أهل مكة خرج الى بعض الامصار ثم رجع

فمر ببعض المواقيت التى وقت رسول الله صلى الله عليه وآله له أن يتمتع ؟ فقال : ما

أزعم أن ذلك ليس له وإلاهلال بالحج أحب الي

ورأيت من سأل أبا جعفر ( عليه السلام ) وذلك أول ليلة من شهر رمضان فقال

له : جعلت فداك إنى قد نويت أن أصوم بالمدينة قال ( عليه السلام ) تصوم أن شاء

الله تعالى فقال له قد نويت أن أحج عنك أو عن أبيك فكيف أصنع ؟ فقال ( عليه

السلام ) : تمتع فقال له : إن الله ربما من علي بزيارة رسوله وزيارتك والسلام عليك وربما

حججت عنك وربما حججت عن أبيك وربما حججت عن بعض أخوانى أو عن نفسى

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 7 من أبواب أقسام الحج حديث 2 ( * )

 

 

[ حكم أهل مكة إذا خرجوا الى بعض الامصار ]

 

فكيف إصنع ؟ فقال ( عليه السلام ) له : تمتع فرد عليه القول ثلاث مرات يقول : إنى

مقيم بمكة وأهلى بها فيقول : تمتع فسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا فقال إن اريد

أن افرد عمرة هذا الشهر يعنى شوال . فقال له : انت مرتهن بالحج فقال له الرجل :

إن أهلى ومنزلى بالمدينة ولى بمكة أهل ومنزل وبينهما أهل ومنازل فقال له : أنت مرتهن

بالحج فقال له الرجل : فإن لى ضياعا حول مكة واريد أن أخرج حلالا فإذا كان

أبان الحج حججت ( 1 )

وتقريب الاستدلال بهما : أنهما يدلان بإطلاقهما الشامل للحج الاسلامى أن

أهل مكة إذا خرجوا الى بعض الامصار يجوز لهم التمتع .

واورد على الاستدلال بهما تارة بانه ذيل الخبر الثانى وهو السؤال الذى رواه

بقوله : ورأيت من سأل أبا جعفر : مورده الندب بل عن المنتقى صراحته في ذلك وهو

يصلح قرينة لاختصاص ذلك بالحج الندبى .

ونسب الى بعض الاعاظم من المعاصرين في تقريب هذا الايراد أن

استشهاد أبى الحسن ( عليه السلام ) لجواز حج التمتع له بقوله : ورأيت من سأل أبا

جعفر ( عليه السلام ) : قرينة على اختصاص الصدر أيضا بالحج الندبى

أقول : الظاهر أن قوله : رأيت من سأل أبا جعفر ( عليه السلام ) قول موسى

ابن القاسم الثقة الجليل الذى هو من أصحاب الامامين الرضا والجواد عليهما السلام

والمراد أبو جعفر الثانى لا من كلام الامام أبى الحسن موسى ( عليه السلام ) : لان وفاة

أبى جعفر الباقر ( عليه السلام ) كانت في سنة مائة واربع عشر او مائة وست عشر

أو مائة وسبع عشرة وتولد الامام أبى الحسن موسى ( عليه السلام ) كان في سنة مائة

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 7 من أبواب أقسام الحج حديث 1 ( * )

 

 

[ . . . ]

وثمان وعشرين أو مائة وتسع وعشرين وعليه فكيف يمكن ان يروى عنه ويقول :

رأيت من سأل أبا جعفر ؟

وعليه فهو رواية اخرى وإحدى الروايتين عن الامام موسى بن جعفر ( عليه

السلام ) والاخرى عن الامام أبى جعفر الثانى ( عليه السلام ) وراوى الاولى

عبد الرحمن بن الحجاج وابن أعين وراوى الثانية موسى بن القاسم فكيف يصلح أن

تكون إحداهما قرينة على الاخرى ؟ بل الظاهر أن قوله : فسأله بعد ذلك رجل من

أصحابنا ، كونه رواية ثالثة راويها موسى بن القاسم والسائل غير السائل في الخبر

الثانى ، ومورده أيضا الحج الندبى إلا أنه في ذى المنزلين

واخرى يورد عن الصحيحين بأن ما في ذيل الصحيح الثانى وإن كان خبرا

آخر وما في صدره والصحيح الاخر مطلقان إلا أنه يقيد أطلاقهما به : لان في إيراد

الثانى أى ما في ذيل الصحيح على أثر ما في صدره بصورة رأيت إشعار بأن موسى بن

القاسم فهم منهما اتحاد الموضوع .

وفيه : أنهما مثبتان ولا يحمل المطلق على المقيد فيهما وفهم موسى اتحاد

الموضوع لا يصلح قرينة عليه : لعدم حجية فهمه لنا

وثالثة يورد عليهما : بأن بقاء المكى بغير حج الى أن يخرج ويرجع مما يستبعد

عادة .

وفيه أن مجرد الاستبعاد لا يصلح مقيدا لا طلاق النص فإذا الصحيحان

مطلقان شاملان للحج الاسلامى

ويؤيد الاطلاق ما عن كشف اللثام من أن حملهما على الحج الندبى مخالف لما

اتفق عليه النص والفتوى من استحباب التمتع في المندوب

وجه كون ذلك مؤيدا لا دليلا : انه من الجائز خروج هذا المورد عن عموم ما

 

 

[ . . . ]

دل على أفضلية التمتع .

والنسبه بين الصحيحين على هذا وبين ما دل على أنه لا متعة لاهل مكة عموم

من وجه : لانهما أعم لشمولهما للمندوب أيضا وهو أعم لشموله لمن لم يخرج منها

والمجمع الحج الاسلامى لمن خرج منها وحيث إن المختار في تعارض العامين من وجه

هو الرجوع الى أخبار الترجيح والتخيير وأول المرجحات الشهرة وهى لم تثبت في

المقام لان ما نسب الى المشهور من جواز التمتع غير ثابت ثم صفات الراوى وهما

فيها متساويان ثم موافقة الكتاب ، وعليه فحيث إن ما دل على انه لا متعة لاهل مكة

موافق للكتاب فيقدم على الصحيحين ويخصصان بالمندوب فما ذهب أليه ابن أبى

عقيل أظهر

اللهم إلا أن يقال : إن صاحب الجواهر الثقة الجليل والفقيه المتتبع ينسب جواز

التمتع له الى المشهور ، وإخبار بالشهرة حجة قطعا بناء على ما هو الحق من حجية

خبر الواحد في الموضوعات وإذا فالصحيحان لموافقتهما للشهرة التى هى أول

المرجحات يقدمان ، فما نسب الى المشهور هو الاظهر

نعم الاحوط في حجة الاسلام اختيار غير التمتع لجوازه قطعا والشك في جواز

التمتع وإن كان مقتضى الدليل ذلك ففى الحج الاسلامى يختار غير التمتع .

 

حكم الافاقى اذا صار مقيما في مكة

 

مسألة الافاقى إذا صار مقيما بمكة لا ينتقل فرضه الى فرض المكى ما لم يقم

مدة توجب انتقال الفريضة الى غيرها بلا خلاف

وفى الجواهر : لا خلاف نصا وفتوى في عدم انتقاله عن فرض النائى بمجرد

 

 

[ . . . ]

المجاورة وإن لم يكن قد وجب عليه سابقا بل لعله إجماعى أيضا . انتهى

وفى المستند : اذا أراد أن يحج حجة الاسلام يحرم للتمتع وجوبا إجماعا نصا

وفتوى للاستصحاب والاخبار انتهى .

ويشهد به النصوص الاتيه ولا إشكال ولا كلام أيضا نصا وفتوى في أنه ينتقل

فرضه الى فرض المكى في الجملة .

إنما الكلام في الحد الذى به يتحقق الانقلاب وفيه أقوال ووجوه :

الاول : ما عن الشيخ في كتابى الاخبار والفاضلين والشهيدين وغيرهم بل

عن المسالك وغيرها أنه المشهور بين الاصحاب وفى الجواهر : بل نسبه غير واحد الى

المشهور بل ربما عزى الى علمائنا عدا الشيخ - وهو مضى سنتين كاملتين على إقامته

في البلد المذكور والدخول في الثالثة .

الثانى : ما عن الشهيد في الدروس - وهو أنه مضى سنة كاملة والدخول في

الثانية ولكن ظاهر كلامه التردد في المسألة قال : ولو أقام النائى بمكة سنتين انتقل

فرضه اليها في الثالثة كما في المبسوط والنهاية ويظهر من أكثر الروايات أنه في الثانية

انتهى .

وعن كشف اللثام وفى الجواهر الميل اليه بل تقويته .

الثالث : ما عن الشيخ في النهاية والمبسوط والاسكافى والحلى والمصنف - ره -

في القواعد وهو مضى ثلاث سنين والدخول في الرابعة

الرابع : مضى خمسة أشهر أو ستة أشهر ولم يذكر قائله نعم عن سيد المدارك

إمكان الجمع بين النصوص بالتخيير بعد السنة والستة أشهر

ومنشأ الاختلاف النصوص فإنها على طوائف :

الاولى : ما يكون ظاهرا في القول الاول كصحيح زرارة عن أبى جعفر ( عليه

 

 

[ . . . ]

السلام ) : من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له ( 1 ) .

وصحيح عمر بن يزيد عن الامام الصادق ( عليه السلام ) المجاور بمكة يتمتع

بالعمرة الى الحج الى سنتين فإذا جاوز سنتين كان قاطنا وليس له أن يتمتع ( 2 )

الثانية : ما يكون ظاهرا في القول الثانى كصحيح الحلبى عن الامام الصادق ( عليه

السلام ) قال : سألته لاهل مكة أن يتمتعوا ؟ قال ( عليه السلام ) : لا قلت : فالقاطنين

بها ؟ قال ( عليه السلام ) : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة فإذا أقاموا

شهرا فإن لهم أن يتمتعوا ( 3 ) .

وخبر حماد عنه ( عليه السلام ) عن أهل مكة أيتمتعون ؟ قال ( عليه السلام ) :

ليس لهم متعة قلت فالقاطن بها ؟ قال : إذا أقام سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة

قلت : فإن مكث الشهر ؟ قال ( عليه السلام ) : يتمتع ( 4 )

ومرسل حريز عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : من دخل مكة بحجة عن غيره

ثم أقام سنة فهو مكى ( 5 ) ونحوها غيرها .

الثالثة : ما يكون ظاهرا في القول الرابع كصحيح حفص بن البخترى عن

الامام الصادق ( عليه السلام ) في المجاور بمكة يخرج الى أهله ثم يرجع الى مكة بأى

شئ يدخل ؟ قال ( عليه السلام ) : إن كان بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع وإن

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 9 من أبواب أقسام الحج حديث 1

( 2 ) الوسائل باب 9 من أبواب أقسام الحج حديث 2

( 3 ) الوسائل باب 9 من أبواب أقسام الحج حديث 3

( 4 ) الوسائل باب 9 من أبواب أقسام الحج حديث 7

( 5 ) الوسائل باب 9 من أبواب أقسام الحج حديث 9 ( * )

 

 

[ . . . ]

كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع ( 1 )

وخبر الحسين بن عثمان عمن ذكره عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : من

أقام بمكة خمسة أشهر فليس له أن يتمتع ( 2 )

وقيل في مقام الجمع بينها وجوه :

أحدهما : ما عن المداوك وهو حمل غير الاولى على الجواز والاولى على اللزوم

فالنتيجة هو التخيير بين الفرض من خمسة

أشهر الى السنتين وبعد سنتين يتعين فرض

المكى .

وفى المستند : بل التأمل في الاخبار الاخيرة - مراده خصوص أخبار خمسة

أشهر أو سته أشهر او هى مع أخبار السنه لا يثبت منها سوى الجواز الذى هو معنى

التخيير

وفيه : أن هذا يتم في أكثر تلك النصوص ولا يتم في جميعها لا حظ : قوله في

صحيح حفص : إن كان بمكة ستة أشهر فلا يتمتع فإنه ظاهر في لزوم فرض المكى

والجمع بينه وبين نصوص السنتين بما ذكر جمع لا شاهد له وكذا قوله في خبر عبد الله

بن سنان : المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة فإنه ظاهر في تعين الوظيفة في ذلك

اللهم إلا أن يقال : إن النهى في صحيح حفص وارد مورد توهم اللزوم . فقوله :

فلا يتمتع لا يكون ظاهرا في أكثر من نفى التعين ويشهد به ذيله : وإن كان أقل من

ستة أشهر فله أن يتمتع .

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 8 من أبواب أقسام الحج حديث 3

( 2 ) الوسائل باب 8 من أبواب أقسام الحج حديث 5 ( * )

 

 

[ حكم الافاقى إذا صار مقيما في مكة ]

 

وكذا الامر في خبر ابن سنان وارد مورد توهم المنع فلا يستفاد منه أزيد من

الجواز .

وأما ظهور بقية النصوص في الجواز فواضح فإن قوله : إذا أقام سنة أو سنتين

في صحيح الحلبى وخبر حماد معلوم اريد به جواز فعل التمتع وليس في مقام بيان حد

الانقلاب وإلا لم يعقل التحديد بين الناقص والزائد

وأما خبر حريز والحسين بن عثمان فهما ضعيفان للارسال فالجمع بين النصوص

يقتضى البناء على التخيير بين الفرضين من بعد المقام ستة أشهر الى الاقامة سنتين

وبعد ذلك يتعين فرض المكى إلا أنه لعدم عمل الاصحاب بنصوص السنة والستة

أشهر وإعراضهم عنها يتعين طرحها والعمل بخصوص نصوص السنتين ومع ذلك

فالاحتياط بالتمتع في الادون لجوازه على القولين

ثانيها ، ما عن كشف اللثام وفى الجواهر وهو : أن يراد من إلاقامة والمجاورة سنتين

الدخول في الثانية فإن نصوص السنة كخبر عبد الله ومرسل حريز ونصوص السنة

أو السنتين كصحيح الحلبى وخبر حماد إذا انضمتا الى نصوص السنتين تصلحان قرينة

على إرادة ذلك منها سيما مع احتمالهما لسنتى الحج بمضى زمان يسع حجتين وهو سنة

كما أن شهر الحيض ثلاثة عشر يوما

ثم قال في الجواهر : وعلى كل حال فجميع نصوص السنة والسنتين والسنة او

السنتين حينئذ على معنى واحد وأما نصوص ستة أشهر فقال فيها : إنها تحمل على

التقية أو على اعتبار مضى ذلك في إجراء حكم الوطن لمن قصد التوطن أو على إرادة

بيان حكم ذى الوطنين بالنسبة الى قيام الستة أشهر أو أقل ثم قال في الجواهر :

وبذلك بان لك قوة هذا القول المزبور

 

 

[ . . . ]

أقول : حمل النصوص السنتين على إرادة الدخول في الثانية لا يكون جمعا

عرفيا كيف يمكن حمل قوله ( عليه السلام ) : فإذا جاوز سنتين . أو قوله : من أقام بمكة

سنتين على الدخول في الثانية وأى فرق بينهما وبين قوله في خبر حريز من أقام

بمكة سنة فهو مكى ؟ فإنه لم يحمل أحد إرادة الدخول في السنة الاولى

وإن شئت قلت : إنه لو جمعنا هاتين الجملتين في كلام واحد لا يشك أهل العرف

في التهافت بينهما ولا يرون قوله : من أقام سنة قرينة على قوله : من أقام سنتين فهذا

ليس جمعا عرفيا كما أن حملهما على إرادة سنتى الحج بلا قرينة .

وأما حمل نصوص الستة أشهر على التقية فلا وجه له إذ لم يظهر كون ذلك

مذهب المخالفين وحملها على المحملين الاخرين صرف اللفظ عن ظاهره بلا قرينة

عرفية عليه وهو غير جائز .

وبما ذكرناه يظهر ما في سائر وجوه الجمع المذكورة في كلماتهم .

فالمتحصل من النصوص : أن الحد لانقلاب الفرض من التمتع الى الافراد أو

القران هو تمام السنتين والدخول في الثالثة

وحيث إنه قد يكون إقامة المقيم بمكة للتوطن . وقد تكون بقصد المجاروة

خاصة فهل الحكم يعم الموردين أم يختص بالاول أو الثانى ؟

ففى الجواهر وعن صريح المدارك وفى المستند بل المنسوب الى الاصحاب

هو الاول ، وأنه عام للموردين

وفى الرياض بعد نقل هذا القول : وربما قيد بالثانى أى : قصد المجاورة الى أن

قال : وبه صرح في المسالك وفى كل من القولين نظر لان بين إطلاقيهما عموما

وخصوصا من وجه لتواردهما في المجاور سنتين بنية الدوام وافترق الاول عن الثانى

في المجاور سنتين بغير نية والعكس فيما نحن فيه فترجيح أحدهما على الاخر وجعل

 

 

[ . . . ]

القيد له غير ظاهر الوجه انتهى

اقول نخبة القول في المقام أن لنا أدلة ثلاثة يقع التعارض بينها ، أحدها ما دل

على أنه ليس لاهل مكة متعة ثانيا : ما دل على أن النائى غير حاضرى المسجد

الحرام لا بد له وأن يتمتع ثالثها : نصوص المقام فلو حملناها على الاعم من قصد

المجاورة أو التوطن وقعت المعارضة بينها وبين كل من الدليلين الاولين بالعموم من

وجه ، فإنها تدل على أن المقيم بمكة ولو بقصد التوطن وصدق كونه من أهل مكة يتمتع

الى سنتين فهى أخص من الاول للاختصاص بسنتين وأعم منه لشمولها للمقيم

بقصد المجاورة كما أنها تدل على أنه لا يتمتع بعد السنتين ولو كان المقام بقصد

المجاورة فيقع التعارض بينها وبين الثانى والنسبة عموم من وجه وحيث إن المختار في

تعارض العامين من وجه هو الرجوع الى المرجحات السندية كما أن المختار في

تعارص أكثر من دليلين هو ملاحظة النسبة بين الجميع أى كل واحد من الادلة مع

معارضة من دون ملاحظة الثالث بحيث قد يلزم منه طرح أحد الادلة راسا ففى المقام

إذا لاحظنا ذلك نرى تقديم نصوص الباب على كلا الدليلين للشهرة التى هى أول

المرجحات .

ولكن قد يقال : إن النصوص بأنفسها مختصة بصورة قصد المجاروة : لقوله في

الصحيح الاول : فهو من أهل مكة وقوله في الصحيح الثانى : وكان قاطنا . فإنهما

قرينتان على أن محط النظر في هذه النصوص بيان حكم غير المتوطن فإن المتوطن

من أهل مكة ويكون قاطنا قبل ان تتم إقامة سنتين .

ويمكن أن يقال : إن قوله : من أهل مكة أو : قاطنا إنما هو بلحاظ خصوص هذا الحكم

 كما يشهد به تعقيبه بقوله : ولا متعة له وليس له أن يتمتع . وعليه فلا قرينة

على الاختصاص بغير المتوطن

 

 

[ . . . ]

وأضعف من ذلك ما قيل من الاشكال في صدق المجاور على المتوطن : فإن

الصحيح الاول متضمن للفظ الاقامة لا المجاور مع أنه يصدق عليه لغة وعرفا فالحق

شمول الحكم لهما .

وأما الافاقى المقيم بمكة فتارة تكون استطاعته للحج قبل إقامته واخرى

تكون بعد إقامته وقبل مضى سنتين وثالثة تكون بعد مضى سنتين من إقامته والمتيقن

من النصوص هو الاخير والظاهر شمول إطلاقها للقسمين الاولين

ولكن في الجواهر في شرح قول المحقق : ولو أقام من فرضه التمتع بمكة سنة

أو سنتين لم ينتقل فرضه : بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى بل لعله إجماعى . انتهى

وكذا عن المدارك وصريحهما الاجماع على عدم ثبوت الحكم في القسم الاول بل ظاهر

المدارك الاجماع على عدمه في القسم الثانى أيضا ولكنه - قده - تأمل في كليهما نظرا

الى إطلاق نصوص السنتين واستحسنه صاحب الحدائق وأفتى بثبوته فيهما أيضا

والانصاف أن النصوص مطلقة وتدل على أن المقيم بمكة بعد سنتين إذا أراد

الحج ليس له أن يتمتع كانت استطاعته قبل او بعد فإن ثبت إجماع تعبدى فهو المقيد

لاطلاق النصوص والظاهر ثبوته في القسم الاول والله العالم

والظاهر عدم الفرق في الحكم بين الاستطاعة من بلده او الاستطاعة من

مكة وبين الاستطاعة للرجوع الى بلده وعدمه وذلك لما عرفت في مبحث الاستطاعة

من أن الاستطاعة من البلد لا تعتبر في الحج بل الافاقى الواجب عليه التمتع إذا

كان في بلد قريب مكة وكان يستطيع الحج من ذلك البلد ولا يستطيع من بلده يجب

عليه الحج لان المعتبر الاستطاعة للحج لا الاستطاعة من البلد كما أن الاستطاعة

للرجوع الى بلده في وجوب الحج إنما تعتبر إذا أراد الرجوع وإلا فلا تعتبر فعلى هذا

يظهر أن المقيم بمكة غير المريد لرجوعه الى بلده يجب عليه الحج ولو الحج التمتعى

 

 

[ ميقات المتمتع المقيم بمكة ]

 

وإن لم يستطع من بلده ولم يستطع الرجوع اليه

فما في العروة من أنه في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكى بالنسبة الى

الاستطاعة وفى الجواهر من عدم الانقلاب وكذا في غيرهما من كتب الفقهاء لا أفهم

له وجها صحيحا ولعله لقصور فهمى وعليك بالتأمل في كلماتهم

 

ميقات التمتع المقيم بمكة

 

مسألة : المقيم بمكة الواجب عليه التمتع يجب عليه الخروج الى الميقات

لاحرام عمرة التمتع بلا إشكال وقد اختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال :

أحدهما : أنه مهل أرضه أى يجب عليه أن يحرم من الميقات الذى كان يمر عليه

إذا جاء من بلده وهو المحكى عن المقنعة والكافى والخلاف والجامع والمعتبر والنافع

والمنتهى والتحرير والتذكره وموضع من النهاية

ثانيها : أنه أحد المواقيت المخصوصة مخيرا بينها اختاره جماعة راجع المقنع

والمبسوط والروضة والشرائع والارشاد والقواعد والنهاية والدروس والمسالك

ثالثها : أنه أدنى الحل وهو المحكى عن الحلبى ومال اليه سيد المدارك وعن

الكفاية استحسانه وعن المحقق الاردبيلى استظهاره

والكلام تارة فيما تقتضيه الاصول الشرعيه واخرى فيما تقتضيه الاخبار

العامة وثالثة في مقتضى النصوص الخاصة

أما المورد الاول : فقد استدل للقول الاول بالاستصحاب وتقريبه : أنه على

الفرض لم ينتقل فرضه عن فرض إقليمه وكان يجب عليه سابقا أن يكون ميقاته

ميقات أهل إقليمه ويشك في ارتفاع ذلك والاصل بقاؤه

 

 

[ . . . ]

وفيه : أنه من الاستصحاب التعليقى فإنه كان يجب عليه الاحرام منه على

يقدير المرور عليه كما أنه كان يجب عليه الاحرام من ميقات آخر لو كان يمر منه

وهو لا يجرى وعلى فرض جريانه تكون نتيجة الاستصحابين المشار اليهما هو التخيير

لا التعيين

وربما يقال كما في الرياض : بأن الاصل في المقام هو البراءة عن تعيين ميقات

أهله إن اتفق على الصحة مع المخالفة لما يوجب عليه ووجوب الاخذ بالمبرئ للذمة

منها يقينا إن كان ما يوجب عليه شرطا فالذى ينبغى تحصيله تشخيص محل النزاع

من تعيين الوقت أهو أمر تكليفى خاصة او شرطى ؟ انتهى .

أقول : ما أفاده من جريان البراءة على تقدير كون تعيين الوقت تكليفيا واضح

وأما ما أفاده على القول الاخر من وجوب الاخذ بالمبرئ لا يتم فإنه وإن دار الامر

في التكليف الشرطى بين تعيين ميقات أهله والتخيير بين المواقيت لكن الحق جريان

أصالة البراءة في موارد دوران الامر بين التعيين والتخيير عن التعيين فتكون نتيجة

الاصل هو التخيير بين المواقيت

والظاهر كون تعيين الوقت شرطيا إذ الاوامر المتعلق بأجزاء المركب

الاعتبارى ظاهرة في الارشاد الى الجزئية أو الشرطية

وأما المورد الثانى فربما يستدل على الاول : بعموم ما دل على تعيين الميقات

الخاص على أهل إقليم هو منهم ففى المنتهى : أنه لم ينتقل فرضه عن فرض إقليمه

فيلزمه الاحرام من ميقاته لا مكانه انتهى .

وفيه : أن الواجب على اهل إقليمه هو الاحرام من الميقات الخاص على فرض

المرور عليه لا مطلقا : إذ لا شك في صحة إحرام من مر من أهل إقليم على ميقات

أهل إقليم آخر وأحرم منه

 

 

[ . . . ]

وقد يستدل بأخبار المواقيت للقول الثانى بدعوى : أنها تدل على أن المار على

كل ميقات له أن يحرم منه

وفيه : أنها مختصة بالنائى العابر على الميقات الى مكة ولا تشمل المقام

ودعوى : أن المأخوذ في تلك الاخبار من أتى على الميقات وعند وصول المجاور

الى الميقات يصدق عليه أنه أتى عليه فيكون ميقاتا له مندفعة أولا : بان محل الكلام

أنه قبل أن يأتى عليه ماذا وظيفته هل الاتيان على كل ميقات أو ميقات خاص أو

أدنى الحل ؟ فإن قلنا بأن الواجب هو الخروج الى ميقات خاص لم يجز الخروج الى

غيره ، وثانيا : أن المتبادر من الاتيان عليه المرور به وهو لا يصدق على الواصل الى

أحد المواقيت من مكة

وفى الحدائق : الاستدلال للقول الاول : بالاخبار الدالة على أن من دخل مكة

ناسيا للاحرام أو جاهلا به : فإنه يجب عليه الخروج الى ميقات أهل أرضه كصحيح

الحلبى عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل ترك الاحرام حتى دخل الحرم

فقال : يرجع الى ميقات أهل بلده الذى يحرمون منه فإن خشى أن يفوته الحج فليحرم

من مكانه وإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ( 1 ) ونحوه غيره بدعوى : أنها

تدل على أن الجاهل والناسى يجب عليهما الرجوع الى ميقات بلدهما وما ذاك

إلا من حيث إن الواجب على الافاقى الخروج الى مهل أرضه ، والظاهر أن خصوصية

الجهل والنسيان غير معتبرة وإن وقع السؤال عن ذلك

ولكن يرد عليه : أن التعدى عن مورد النص يتوقف على إحراز المناط ومجرد

عدم تعقل الخصوصية لا يكفى بل لا بد وأن يتعقل عدم الخصوصية وحيث إنا نحتمل

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 7 ( * )

 

 

[ . . . ]

وجدانا دخل العنوانين في الحكم لا أقل من دخل عنوان المرور على الميقات الذى

كان يجب عليه الاحرام منه في هذا الحكم ففى الحقيقة يكون حينئذ بقاء للحكم

المتحقق سابقا وعليه فالفرق بين موردها وما نحن فيه ظاهر فالمتحصل : أنه لا

يستفاد من الاخبار العامة شئ

وأما المورد الثالث فالنصوص الخاصة الواردة في المقام على طوائف :

الاولى : ما يدل على القول الاول وهو خبر سماعة عن أبي الحسن ( عليه

السلام ) قال : سألته عن المجاور أله أن يتمتع بالعمرة الى الحج ؟ قال ( عليه السلام ) :

نعم يخرج الى مهل أرضه إن شاء ( 1 )

واورد عليه بإيرادات :

1 - ما في الرياض وهو ضعف سنده بمعلى بن محمد

وفيه أولا : أن معلى من مشايخ الاجازه كما صرح به المجلسى ره وكون

الشخص شيخ إجازة يغنيه عن التوثيق ومجرد روايته عن الضعفاء لا يضر بما يرويه

عن الثقات وفساد مذهبه لم يثبت فالحق الاعتماد على نقله

وثانيا : أن ضعف السند لو كان فهو ينجبر بعمل الاصحاب

2 - ما في الرياض أيضا وهو ضعف الدلاله من جهة قوله : إن شاء فإنه حينئذ

ظاهر في عدم الوجوب

أقول : إن شاء في بادئ النظر يحتمل فيه أمور : كونه قيدا للتلبية او

كونه قيدا للتمتع ، أو كونه قيدا للخروج الى مهل أرضه لا إشكال في عدم كونه قيدا

للتلبية لوجوبها على كل تقدير فيدور الامر بين أحد الاخيرين فإن كان قيدا للتمتع

……………………………………………..

( 1 )الوسائل باب 19 من أبواب المواقيت حديث 1 ( * )

 

 

[ . . . ]

كان مفاد الخبر أن المجاور إذا أراد التمتع يجب عليه الخروج الى مهل أرضه فتتم

دلالته على المطلوب وإن كان قيدا للخروج الى مهل أرضه كان ظاهرا في جواز ذلك

لا تعينه ، والظاهر رجوعه الى الاول : وذلك يظهر بعد ملاحظة أمرين :

أحدهما : أن الخروج الى الميقات واجب عليه على كل تقدير غاية الامر إما

خصوص مهل أرضه أو التخيير بينه وبين غيره

ثانيهما : أن كل طرف من طرفى الواجب التخييرى إنما يجوز تركه الى بدل لا

أنه يجوز بقول مطلق وهذا بخلاف المستحب فإنه يجوز بقول مطلق فإنه في الخبر

إن ارجعنا القيد الى التمتع كان صحيحا لا محذور فيه وإن أرجعنا الى الخروج الى

مهل أرضه لم يصح فإنه لا يجوز تركه بقول مطلق بل على فرض التخيير يجوز تركه

الى بدل ، والخبر حينئذ يدل على جواز تركه مطلقا فهذه قرينة على أنه إنما يكون

قيدا للتمتع فتأمل فإنه دقيق .

3 - إنه مختص بالحج المستحب لقوله : إن شاء . فالتعدى الى الحج الواجب

يحتاج الى دليل مفقود .

وفيه أولا : انه إذا وجب الخروج الى ميقات خاص في المستحب الذى هو أولى

بأن يوسع فيه فهو أولى بالوجوب في الحج الواجب

وثانيا : أن التعليق على المشيئة يحسن إذا كان بعض الافراد مستحبا فلا مقيد

لاطلاقه الشامل للمستحب والواجب

4 - ما في الرياض أيضا وهو احتمال كون المراد الاحتراز من مكة

وفيه : أن مجرد الاحتمال لا يضر بالاستدلال بعد كونه ظاهرا في الخصوصية

والاعتبار

5 - عدم ظهور الجملة الخبرية في الوجوب

 

 

[ . . . ]

وفيه : أنها أظهر فيه من الامر فلا إشكال في الخبر سندا ودلالة

الطائفة الثانية : ما استدل به للقول الثانى كمرسل حريز عمن أخبره عن أبى

جعفر ( عليه السلام ) : من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكى فإذا أراد

أن يحج عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعد ما انصرف من عرفة فليس له أن يحرم من

مكة ولكن يخرج الى الوقت ، وكلما حول رجع الى الوقت ( 1 )

وموثق سماعة عن أبى عبد الله ( عليه السلام ) من حج معتمرا في شوال وفى نيته

أن يعتمر ويرجع الى بلاده فلا بأس بذلك وإن هو أقام الى الحج فهو يتمتع لان

أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة من اعتمر فيهن وأقام الى الحج فهى متعة ومن رجع

الى بلاده ولم يقم الى الحج فهى عمرة وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله وأقام الى

الحج فليس بمتمتع وإنما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر

الحج بالعمرة الى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق وعسفان فيدخل بالعمرة

متمتعا بالعمرة الى الحج فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج الى الجعرانه فيلبى

منها ( 2 )

وخبر إسحاق بن عبد الله سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن المقيم بمكة

يجرد الحج أو يتمتع مرة اخرى ؟ قال ( عليه السلام ) : يتمتع أحب إلى وليكن إحرامه

من مسيرة ليلة أو ليلتين ( 3 )

ولكن الاول : يرد عليه : أنه ضعيف السند للارسال : مع أنه في العمرة المفردة

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 9 من أبواب أقسام الحج حديث 9

( 2 ) الوسائل باب 10 من أبواب أقسام الحج حديث 2

( 3 ) الوسائل باب 4 من أبواب أقسام الحج حديث 20 ( * )

 

 

[ . . . ]

التى لا إشكال في عدم لزوم الاحرام لها من الميقات أضف الى ذلك أنه مطلق يقيد

إطلاقه بما تقدم

وأما موثق سماعة فيرد عليه أولا : أن عسفان ليس من المواقيت ، فإنه على ما

تقدم على مرحلتين من مكة لمن قصد المدينة بين مكة والجحفة فالموثق مخالف للاجماع

لا يعتمد عليه

وثانيا : بعد ما لم يقل أحد بخصوصية في الموضعين يتعين التصرف فيه إما

بالحمل على أن الميزان هو ميقات أى ميقات كان وذكرهما من باب التمثيل أو الحمل

على أن المخاطب كان من النائى الذى مهله ذات عرق وعسفان ويتعين الثانى ولو

من باب الجمع بينه وبين ما تقدم

واما خبر إسحاق فإن أبقيناه على ظهوره كان مخالفا للاجماع وإن حملناه

على إرادة المواقيت المختلفة بالقرب والبعد فيرد عليه أولا أنه ليس فيها ما يكون مسير

ليلة راجع كلماتهم في المواقيت

وثانيا : أنه لا بد حينئذ أن يقول : أو ثلاث أو أكثر لا ختلاف المواقيت في

المسافة .

وثالثا : أنه حينئذ يمكن حمله على إرادة مسير ليلة لمن كان ميقاته على ذلك

ومسير ليلتين لمن كان ميقاته على مسير ليلتين فيتعين ذلك حينئذ جمعا

الطائفة الثالثة : ما استدل به للقول الثالث كصحيح عمر بن يزيد عن الامام

الصادق ( عليه السلام ) : من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة

أو الحديبية أو ما أشبههما ( 1 )

وخبر حماد عنه ( عليه السلام ) عن أهل مكة أيتمتعون ؟ قال ( عليه السلام ) :

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 22 من أبواب المواقيت حديث 1 ( * )

 

 

[ . . . ]

ليس لهم متعة قلت : فالقاطن بها - الى أن قال - قلت : فإن مكث الشهر قال : يتمتع

قلت : من أين يحرم ؟ قال ( عليه السلام ) : يخرج من الحرم ( 1 )

وصحيح الحلبى - المتقدم في المسألة السابقة - عنه ( عليه السلام ) في حديث :

فإذا أقاموا شهرا فإن لهم أن يتمتعوا قلت : من أين ؟ قال ( عليه السلام ) : يخرجون

من الحرم قلت : من أين يهلون بالحج ؟ فقال ( عليه السلام ) : من مكة نحوا مما يقول

الناس ( 2 )

ولكن يرد على الاخيرين : أنهما مطلقان قابلان لان يقيدان بمهل أهل الارض

أو مطلق الوقت أو صورة تعذر المصير اليهما للاتفاق على الجواز حينئذ فالجمع بينهما

وبين موثق سماعة الدال على القول الاول يقتضى ذلك .

واما الصحيح فأولا : أنه مطلق قابل للحمل على العمرة المفردة لو لم يكن

ظاهرا فيها وقد دلت المستفيضة على ذلك فيها فيقيد بها لموثق سماعة .

وثانيا : أنه لو سلم اختصاصه بالعمرة المتمتع بها الى الحج يقع التعارض بينه

وبين الموثق والترجيح مع الموثق للشهرة

ودعوى : أنه يمكن الجمع العرفى بينهما بحمل الموثق على الاستحباب يرد

عليها : أن ذلك ليس جمعا عرفيا في المقام بل يراهما العرف متعارضين ، فإن قوله في

الصحيح : أحرم من الجعرانه الى آخره وقوله في الموثق : يخرج الى مهل أرضه لا

يكون احدهما قرينة عرفية على الاخر كما هو واضح

وثالثا : أنه لاعراض المشهور عنه لا بد من طرحه فالمتحصل مما ذكرناه أن

مقتضى النصوص الخاصة هو القول الاول : فتدبر في أطراف ما ذكرناه

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 9 من أبواب أقسام الحج حديث 3

( 2 ) الوسائل باب 9 من أبواب أقسام الحج حديث 7 ( * )

 

 

[ . . . ]

ومقتضى إطلاق الموثق أنه لا فرق بين أن يكون تمتع المجاور واجبا أم مستحبا

ففى كليهما يخرج الى مهل أرضه

وأما أهل مكة إذا أرادو أن يتمتعوا استحبابا أو واجبا بنذر أو نحوه فهل يجب

عليهم الخروج الى أحد المواقيت المخصوصة ، أم يحرمون من منازلهم أم من أدنى

الحل ؟ وجوه لا إشكال في عدم شمول الموثق لتمتعهم وأما نصوص المواقيت فقد مر

انها مختصة بالنائى المار على الميقات

والبناء على الاحرام من المنزل لاطلاق ما دل على ان من منزله دون الميقات

أحرم من منزل بناء على شمول لاهل مكة مخالف لما هو المتسالم عليه بين الاصحاب

فيتعين الاخير

ويشهد به صحيح عمرو بن يزيد المتقدم : من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر

أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها لعمومه لمطلق العمرة كما هو ظاهر .

والمجاور اذا لم يتمكن من الاحرام من المواقيت يكفيه الرجوع الى أدنى

الحل ، للمستفيضة الدالة عليه وستأتى وظاهرهم التسالم عليه وقد صرح جمع بأنه مما

قطع به الاصحاب

 

حج الافراد والقران

 

ثم انه قد عرفت أن وظيفة أهل مكة هى حج الافراد والقران وقد مر

جملة مما يتعلق بهما من المسائل

منها : أنهما وظيفة الحاضر المحدد في النصوص بمن كان منزله مكة أو ما حولها

الى ثمانية وأربعين ميلا من كل جانب

 

 

[ والمفرد يقدم الحج ثم يعتمر عمرة بعد الاحلال والقارن كذلك لكنه

يسوق الهدى عند ]

 

ومنها : أنه لا يجوز لمن وظيفته ذلك تعيينا الرجوع الى التمتع وإنما يجوز ذلك

لمن يتعين أحدهما له .

منها : أن المكى إذا خرج الى بعض الامصار ورجع اليها ماذا وظيفته ؟

ومنها : حكم من له وطنان خارج الحد وداخله

ومنها : أن تعيين الافراد أو القران عليهم إنما هو في الحج الاسلامى دون

المندوب وأنه يجوز للحاضر التمتع بل هو أفضل .

وستأتى جملة اخرى من المسائل الخاصة بهما في مبحث المواقيت كتعيين الميقات

وما شاكل وفى غيره من المباحث وفى المقام نتعرض لبعض المسائل المتعلقة بهما الذى

لم يذكره في غيره

1 - في بيان صورتهما إجمالا فالافراد هو أن يحرم بالحج من المحل المعين الذى

ستعرفه في مبحث المواقيت ثم يمضى الى عرفات فيقف بها ثم الى المشعر فيقف به

ثم يأتى منى فيقضى مناسكه بها ثم يأتى مكة فيه أو بعده الى آخر ذى الحجة فيطوف

بالبيت ويصلى ركعتين ويسعى بين الصفا والمروة ويطوف طواف النساء ويصلى ركعتين

بلا خلاف أجده في شئ من ذلك نصا وفتوى كذا في الجواهر .

وستعرف تمام البحث في هذه الامور جميعها كما ستعرف جواز تقديم الطواف

والسعى على الموقفين على كراهة

2 - ( والمفرد يقدم الحج ثم يعتمر عمرة مفردة بعد الاحلال ) من الحج إن

كانت قد وجبت عليه وإلا فإن شاء فعلها بلا خلاف في ذلك بل في الرياض أن

ظاهر الاصحاب الاتفاق عليه وفى المنتهى : هذا اختيار علمائنا وعن غيره دعوى

الاجماع عليه صريحا

3 - ( والقارن كذلك ) أى القارن في أفعاله كالمفرد ( لكنه يسوق الهدى عند

 

 

[ إحرامه ]

 

إحرامه ) كما عن المشهور وفى الرياض : بل عليه عامة من تأخر

وعن أبن أبى عقيل : القارن كالمتمتع غير أنه يسوق الهدى وظاهر عبارة

الدروس موافقة جمع من الاصحاب له

قال فيه - على ما حكى - بعد أن ذكر أن سياق الهدى يتميز به القارن عن

المفرد على المشهور : وقال الحسن : القارن من ساق وجمع بين الحج والعمرة فلا يتحلل

منها حتى يحل من الحج فهو عنده بمثابة المتمتع إلا في سوق الهدى وتأخر التحلل

وتعدد السعى وأن القارن عنده يكفيه سعيه الاول عن سعيه في طواف الزيارة ،

وظاهره وظاهر الصدوقين الجمع بين النسكين بنية واحدة وصرح ابن الجنيد بأنه يجمع

بينهما فإن ساق وجب عليه الطواف والسعى قبل الخروج الى عرفات ولا يتحلل وإن

لم يسق جدد الاحرام بعد الطواف ولا تحل له النساء وإن قصر

وقال الجعفى : القارن كالمتمتع غير أنه لا يحل حتى يأتى بالحج للسياق

وفى الخلاف إنما يتحلل من أتم أفعال العمرة أذا لم يكن ساق فإن كان قد

ساق لم يصح له التمتع ويكون قارنا عندنا ، وظاهره أن المتمتع السائق قارن وحكاه

الفاضلان ساكتين عليه انتهى .

ويشهد للمشهور : كثير من النصوص كصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد الله

( عليه السلام ) أنه قال في القارن : لا يكون قران إلا بسياق الهدى وعليه طواف

بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة وطواف بعد الحج وهو

طواف النساء - الى أن قال - وأما المفرد للحج فعليه طواف بالبيت ركعتان عند مقام

إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة وطواف الزيارة وهو طواف النساء وليس عليه هدى

ولا اضحية ( 1 )

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب أقسام الحج حديث 1

 

 

[ . . . ]

وصحيح الحلبى عنه ( عليه السلام ) إنما نسك الذى يقرن بين الصفا والمروة

مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدى وعليه طواف بالبيت وصلاة

 

ركعتين خلف المقام وسعى واحد بين الصفا والمروة وطواف بالبيت بعد الحج وقال : أيما

رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا أن يسوق الهدى قد أشعره أو قلده -

والاشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها - وأن لم يسق الهدى فليجعلها

متعة ( 1 )

قال في الوافى بعد نقل الخبر يقرن بين الصفا والمروة : هكذا وجدناه في النسخ

التى رأيناها : ويشبه أن يكون وهما من الراوى إذ لا معنى للقران بين الصفا والمروة

ولعل الصواب يقرن بين الحج والعمرة كما قاله في آخر الحديث ، ويكون معناه أن

يكون في نيته الاتيان بهما جميعا مقدما للحج لا بأحدهما مفردا دون الاخر وليس المراد

أن يجمعهما في نية واحدة ويتمتع بالعمرة الى الحج فإنه التمتع وليس فيه سياق هدى

وصحيح الفضيل بن يسار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : القارن الذى

يسوق الهدى عليه طوافان بالبيت وسعى واحد بين الصفا والمروة ، وينبغى له أن

يشترط على ربه إن لم تكن حجة فعمرة ( 2 )

وخبر منصور بن حازم عنه ( عليه السلام ) : لا يكون القارن إلا بسياق الهدى

وعليه طوافان بالبيت وسعى بين الصفا والمروة كما يفعل المفرد فليس بأفضل من المفرد

إلا بسياق الهدى ( 3 ) ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة الصريحة في ذلك

واستدل للقول الاخر بالاخبار المتضمنة لحج النبى صلى الله عليه وآله

……………………………………………..

( 1 ) صدر الخبر في الوسائل باب 2 من أبواب أقسام الحج حديث 6 وذيله في 2 / 5

( 2 ) الوسائل باب 2 من أبواب أقسام الحج حديث 3

( 3 ) الوسائل باب 2 من أبواب أقسام الحج حديث 1

 

 

[ . . . ]

المشتملة على طوافه وصلاة الركعتين وسعيه بين الصفا والمروة حين قدومه مكة وكذا

أصحابه ولكن لم يحل هو لكونه سائقا وأمر غيره ممن لم يسق بالاحلال وجعلها عمرة

وقال : لو استقبلت ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ولكنى سقت الهدى وليس لسائق

الهدى أن يحل حتى يبلغ الهدى محله وشبك بين أصابعه بعضها الى بعض وقال :

دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة ( 1 )

وأيد هذا بأن النصوص خالية أجمع عن اعتمار النبى صلى الله عليه وآله بعد

الحج

وبما رواه الصدوق في العلل مسندا الى فضيل بن عياض أنه سئل الصادق

( عليه السلام ) عن الاختلاف في الحج فبعضهم يقول خرج رسول الله صلى الله عليه

وآله مهلا بالحج وقال بعضه : مهلا بالعمرة وقال بعضهم خرج قارنا وقال بعضهم

ينتظر أمر الله تعالى فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : علم الله عز وجل أنها حجة لا

يحج بعدها فجمع الله له ذلك كله في سفره واحدة ليكون جميع ذلك سنة لامته فلما

طاف بالبيت وبالصفا والمروة أمره جبرائيل أن يجعلها عمرة إلا من كان معه هدى

فهو محبوس على هديه لا يحل لقوله عز وجل حتى يبلغ الهدى محله فجمعت له

العمرة والحج وكان خرج على خروج العرب الاول لان العرب كانت لا تعرف الحج

وهو في ذلك ينتظر أمر الله تعالى وهو يقول : الناس على أمر جاهليتهم إلا ما غيره

الاسلام وكانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج : وهذا الكلام من رسول الله صلى الله

عليه وآله إنما كان في الوقت الذى أمرهم بفسخ الحج فقال : دخلت العمرة في الحج

الى يوم القيامة وشبك بين أصابعه يعنى في أشهر الحج ( 2 )

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب أقسام الحج

( 2 ) علل الشرائع ج 2 ص 100 الطبع الحديث مع اختلاف يسير في اللفظ ( * )

 

 

[ . . . ]

وبالمرسل المتضمن للانكار من عثمان على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقرنه

بين الحج والعمرة وقوله : لبيك بحجة وعهرة معا ( 1 )

وبصحيح الحلبى المتقدم .

ولكن يرد على الاول : أنه في خبر معاوية المتقدم الوارد في حجة الوداع أنه لبى

بالحج مفردا وساق الهدى وفى صحيح الحلبى المتقدم : أهل بالحج وساق مائة بدنة

وأحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة ولا يدرون ما المتعة وهما صريحان خصوصا

الاول منهما في أنه لبى بالحج مفردا بل عرفت ان المتعة إنما شرعت في تلك السنه

بعد أن حجوا أى في أثناء الحج فلا محالة كان صلى الله عليه آله مفردا لا متمتعا

وعدم اعتماره في تلك السنة من جهة أنه كان اعتمر عمرات متفرقه وحينئذ فما فعله

من الطواف والسعى حين قدومه لم يكن إلا الحج

ويرد على الثانى : أنه يمكن حمله على أن الله تعالى أراد الجمع بين االنسكين

ولو لامته لا له نفسه إذ النصوص صريحة في أنه صلى الله عليه وآله لم يطف بالبيت

طوافين غير طواف النساء كما هو مقتضى الجمع بين الحج والعمرة بل قوله في الخبر :

أمره جبرائيل أن يجعلها عمرة إلا من كان معه هدى كالصريح فيما ذكرناه .

ويرد على المرسل : مضافا الى إرساله أن المراد به أن أمير المؤمنين ( عليه

السلام ) قد أهل بحج التمتع الذى هو حجة وعمرة وإنكار عثمان عليه باعتبار

مخالفته لرأى عمر .

واما صحيح الحلبى فقد عرفت حاله

4 - المشهور بين الاصحاب أن القارن يتخير في عقد إحرامه بالتلبية والاشعار

والتقليد .

……………………………………………..

( 1 ) سنن البهيقى ج 4 ص 352 ( * )

 

 

[ . . . ]

وعن السيد وابن إدريس : أنه لا ينعقد إحرامه إلا بالتلبية

وعن الشيخ في الجمل والمبسوط : أنه لا ينعقد إحرامه بالاشعار والتقليد إلا

عند العجز عن التلبية .

ويشهد للاول نصوص كثيرة كصحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق

( عليه السلام ) : يوجب الاحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد فإذا فعل شيئا

من هذه الثلاثة فقد أحرم ( 1 )

وصحيح عمر بن يزيد عنه ( عليه السلام ) : من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم

يتكلم بقليل ولا كثير ( 2 )

وصحيح حريز عنه ( عليه السلام ) في حديث : فإنه إذا أشعرها وقلدها وجب

عليه الاحرام وهو بمنزلة التلبية ( 3 ) ونحوها غيرها .

واستدل للثانى بالاجماع عليها وبالتأسى فإنه صلى الله عليه وآله لبى

بالاتفاق مع قوله صلى الله عليه وآله : خذوا عنى مناسككم ( 4 ) .

وفيه : أنه يخرج منهما بالنصوص المتقدمة

واستدل للثالث : بأنه مقتضى الجمع بين النصوص ، وهو كما ترى

5 - القارن إذا لبى استحب له إشعار ما يسوقه من البدن

وفى الرياض : ولعله لاطلاق الامر بهما وإلا فلم نقف في ذلك على امر

بالخصوص ونحوه عن المدارك .

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 20

( 2 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 21

( 3 ) تيسر الوصول ج 1 ص 312

( 4 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 19

 

 

[ وشرط التمتع النية ]

 

وفى الجواهر : قلت خصوصا بعد خبر ابن عمار عن أبى عبد الله ( عليه السلام )

في رجل ساق هديا ولم يقلده ولم يشعره قال : قد أجزأ عنه ما أكثر ما لا يشعر ولا

يقلد ( 1 ) انتهى .

وكيفية الاشعار على ما يستفاد من مجموع النصوص وكلمات الاصحاب : أن

يقوم الرجل من الجانب الايسر ويشق ويطعن سنامه بحديدة من الجانب الايمن

باركا معقولا مستقبلا بها القبلة ويلطخ صفحته بدمه وإن كان معه بدن كثيرة دخل

ما بين اثنين منها وأشعر يمينا أولا وشمالا ثانيا ، كما صرح بذلك في صحيح حريز ( 2 )

وصحيح جميل ( 3 )

ويستحب له أيضا التقليد وهو أن يعلق في رقبة المسوق نعلا خلقا قد صلى

فيه هذا حال البدن

وأما الغنم والبقر فلا إشعار فيهما ويختصان بالقليد لضعفهما عن الاشعار .

 

شرائط حج التمتع

 

مسألة : ( وشروط التمتع ) امور احدها : ( النية ) وقد طفحت كلماتهم بذلك

ولكن أختلفوا في المراد بها فعن بعضهم : أنها الارادة المحركة للعضلات نحو الفعل

وعن آخرين : أن المراد بها الخلوص والقرابة كما في كل عبادة وعن المسالك أن المراد

بها نية الحج وعن الدروس : أن المراد بها نية الاحرام وعن سلار : أن المراد

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 10

( 2 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 19

( 3 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 7 ( * )

 

 

[ . . . ]

بها نية الخروج الى مكة

والحق أن يقال : إنه إن اريد بها الارادة المحركة فاعتبارها من الواضحات إذ

لا شبهة في أن الحج والعمرة من العبادات المطلوبة شرعا كما لا شبهة في اعتبارها

فيها ، إذ الفعل غير الصادر عن الاختيار لا يتصف بالحسن ولا بالقبح ولا يتعلق به

الامر فانطباق المطلوب على المأتى به يتوقف على أن يكون الفعل صادرا عن

الاختيار والارادة

وإن اريد بها الخلوص والقربة فاعتبارها أيضا ظاهر ، إذ لا شبهة في أنهما من

العبادات واعتبارها في العبادات من الضروريات .

ويشهد به مضافا الى ذلك : الاية الشريفة ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ( 1 ) إذ

قوله تعالى : لله يدل صريحا على أنه يجب إيقاعهما خالصين لله لا للرياء والسمعة ولا

لقصد المعاش وحيث إنهما مركبان من عدة أجزاء فالاية الشريفة دالة على اعتبارها

في كل فعل من أفعالها .

وإن اريد بها نية الحج بجملته بحيث يكون عنوان المتعة من العناوين القصدية

المعتبرة في المأمور به كعنوان الظهرية والعصرية لصلاة الظهر والعصر ، فإنه إذا أتى

بأربع ركعات لا بقصد الظهر لا تقع صحيحة فكذلك في المقام لا بد وأن يقصد عنوان

حج التمتع فهو في نفسه لا مانع عنه إلا أنه يحتاج الى دليل

ويشهد لاعتبارها بهذا المعنى : جملة من النصوص كصحيح البزنطى عن أبى

الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل متمتع كيف يصنع ؟ قال ( عليه السلام ) :

ينوى العمرة ويحرم بالحج ( 2 )

……………………………………………..

( 1 ) البقرة آية 196

( 2 ) الوسائل باب 22 من أبواب الاحرام حديث 1 ( * )

 

 

[ . . . ]

وصحيحه الاخر عنه ( عليه السلام ) كيف أصنع إذا أردت التمتع ؟ فقال ( عليه

السلام ) : لب بالحج وانو المتعة ( 1 )

وخبر اسحاق بن عمار عن أبى إبراهيم ( عليه السلام ) في حديث قال ( عليه

السلام ) : انو المتعة ( 2 ) ونحوها غيرها .

ولا يعارضها النصوص الاتية الدالة على انه لو اعتمر بعمرة مفردة في أشهر

الحج جاز أن يتمتع بها فإنها دالة على أن نية الخلاف في بعض الموارد لا تضر كما

ورد في الصلاة من العدول في جملة من الموارد عن الصلاة التى قصد عنوانها الى الصلاة

اخرى التى لها عنوان آخر

وأما قضية إهلال علي ( عليه السلام ) بما أهل به النبى صلى الله عليه وآله فنمنع

كونه ( عليه السلام ) جاهلا بإهلاله صلى الله عليه وآله بل الظاهر كونه عالما به

فالاظهر اعتبارها

وإن اريد بها نية الاحرام فإن كان المراد اعتبار الارادة المحركة للعضلات أو

اعتبار الخلوص فاعتبارها واضح كما مر ويتم ما عن المسالك من أنه كالمستغنى عنه

فإنه من جملة الافعال وكما تجب النية له تجب لغيره ولم يتعرضوا لها في غيره على

الخصوص .

وإن كان المراد قصد عنوان الاحرام فلا دليل على اعتبار قصده زائدا عن

قصد عنوان الحج

وإن اريد بها نية الخروج الى مكة فلا ريب في دخلها في ترتب الثواب على

المسير بهذه النية ولكن لا تعتبر في صحة الحج والعمرة قطعا نصا وفتوى .

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 22 من أبواب الاحرام حديث 4

( 2 ) الوسائل باب 21 من أبواب الاحرام حديث 1 ( * )

 

 

[ . . . ]

فقد ظهر مما ذكرناه أنه يعتبر قصد نوع الحج من المتعة او غيرها ، فلو نوى

غير المتعة مثلا أو لم ينو شيئا أو تردد في نيته بينها وبين غيرها لم يصح .

 

التمتع بالعمرة المفردة

 

نعم في جملة من الروايات أنه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز أن

يتمتع بها وأفتى بذلك الاصحاب ففى المنتهى : وإذا عقد عن غيره أو تطوعا وعليه

فرضه وقع عن فرضه انتهى . ومثل في التذكرة

قال صاحب الجواهر : بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع محكى عليه صريحا

وظاهرا في جملة من الكتب كالخلاف والمعتبر والمنتهى وغيرها . انتهى .

بل عن جماعة يستحب ذلك فعن القواعد : ولو اعتمر في أشهر الحج أستحب

له الاقامة ليحج ويجعلها متعة ونحوه كلام غيره بل عن القاضى وجوبه إذا بقى الى

يوم التروية

والاصل في هذا الحكم جملة من النصوص كموثق سماعة عن الامام الصادق

( عليه السلام ) : من حج معتمرا في شوال ومن نيته أن يعتمر ويرجع الى بلاده فلا بأس

بذلك وإن هو أقام الى الحج فهو يتمتع لان أشهر الحج : شوال وذو القعدة وذو الحجة ،

فمن اعتمر فيهن وأقام الى الحج فهى متعة ومن رجع الى بلاده ولم يقم الى الحج فهى

عمرة وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فاقام الى الحج فليس بمتمتع وإنما هو مجاور

أفرد العمرة فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة الى الحج فليخرج منها

حتى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة الى الحج فإن هو

 

 

[ . . . ]

أحب أن يفرد الحج فليخرج الى الجعرانة فيلبى منها ( 1 )

وصحيح عمر بن يزيد عنه ( عليه السلام ) : من دخل مكة معتمرا مفردا للعمرة

فقضى عمرته ثم خرج كان له ذلك وإن أقام الى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة

وقال : ليس تكون متعة إلا في أشهر الحج ( 2 )

وموثق عمر بن يزيد عن أبى عبد الله ( عليه السلام ) من دخل مكة بعمرة فأقام

الى هلال ذى الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس ( 3 )

وقوى عمر بن يزيد عنه ( عليه السلام ) : من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج

الى أهله متى شاء إلا أن يدركه خروج الناس يوم التروية ( 4 )

وصحيح يعقوب بن شعيب عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن المعتمر في

أشهر الحج ، قال ( عليه السلام ) : هى متعة ( 5 )

وخبر وهيب بن حفص عن علي قال : سأله أبو بصير - وأنا حاضر - عمن

أهل بالعمرة في أشهر الحج له أن يرجع ؟ قال ( عليه السلام ) : ليس في أشهر الحج

عمرة يرجع منها الى أهله ولكنه يحتبس بمكة حتى يقضى حجة لانه إنما أحرم

لذلك ( 6 ) ونحوها غيرها من الاخبار الكثيرة .

وظاهر هذه النصوص أنه إذا نوى العمرة المفردة وأقام الى الحج تنلقب الى

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 10 من أبواب أقسام الحج حديث 2

( 2 ) الوسائل باب 7 من أبواب العمرة حديث 5

( 3 ) الوسائل باب 7 من أبواب العمرة حديث 6

( 4 ) الوسائل باب 7 من أبواب العمرة حديث 9

( 5 ) الوسائل باب 7 من أبواب العمرة حديث 4

( 6 ) الوسائل باب 7 من أبواب العمرة حديث 7 ( * )

 

 

[ . . . ]

التمتع قهرا ولكن تحمل على إرادة القلب لا الاقلاب القهرى لعدم القائل

بالانقلاب القهرى كما أفاده صاحب الجواهر ره

ولانه لو كان كذلك لزم الحج وسيأتى ما يدل على عدم وجوبه ، ولما سيأتى من

النصوص المتوهم دلالتها على عدم جواز ذلك ولاجل ذلك تحمل النصوص على إرادة

القلب كما أن الظاهر من خبرى وهيب ويعقوب بن شعيب لزوم أن يتمتع إلا انهما

يحملان على من دخل لعمرة التمتع ثم أراد إفرادهما كما عن الشيخ - قده - في

الاستبصار

والظاهر من موثق عمر بن يزيد لزوم أن يتمتع بها إذا بقى الى ذى الحجة

لكنه لعدم القائل بوجوبه ولما سيأتى من النصوص يحمل على الندب .

وظاهر صحيحى ابن يزيد هو ما عن ابن البراج من وجوب التمتع إذا بقى

الى يوم التروية ولكنهما يحملان على الاستحباب لدلالة جملة من النصوص على عدم

وجوبه كصحيح إبراهيم بن عمر اليمانى عن أبى عبد الله ( عليه السلام ) أنه سئل عن

رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم خرج الى بلاده ، قال ( عليه السلام ) : لا بأس

وإن حج من عامه ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم وأن الحسين بن علي عليهما السلام

خرج يوم التروية الى العراق وكان معتمرا ( 1 )

وخبر معاوية بن عمار قلت لابى عبد الله ( عليه السلام ) : من أين افترق المتمتع

والمعتمر ؟ فقال ( عليه السلام ) : إن المتمتع مرتبط بالحج والمعتمر إذا فرغ منها ذهب

حيث شاء وقد اعتمر الحسين ( عليه السلام ) في ذى الحجة ثم راح يوم التروية الى

العراق والناس يروحون الى منى ولا بأس بالعمرة في ذى الحجة لا يريد الحج ( 2 ) .

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 7 من أبواب العمرة حديث 2

( 2 ) الوسائل باب 7 من أبواب العمرة حديث 3 ( * )

 

 

[ . . . ]

وما عن كشف اللثام وغيره من احتمال الضرورة في فعل سيد الشهداء سلام

الله عليه يدفعه ظاهر الخبرين حيث إن الامام ( عليه السلام ) احتج بفعله على جواز

ترك الحج اختيارا .

وما في كتب المقاتل من أنه ( عليه السلام ) كان عمرته عمرة التمتع وعدل بها

الى الافراد لا يعتمد عليه في مقابل هذه النصوص

قال في العروة بعد نقل النصوص : ولكن القدر المتيقن منها هو الحج الندبى ،

ففيها إذا وجب عليه التمتع فأتى بعمرة مفردة ثم أراد أن يجعلها عمرة التمتع يشكل

الاجتزاء بذلك عما وجب عليه انتهى .

وعلله بعض الاعاضم من المعاصرين بأن النصوص إنما تضمنت الامر بجعل

العمرة المفردة متعة وليس لها نظر الى تنزيله منزلة حج التمتع الواجب وكونه مصداقا

مطلقا فتفرغ به الذمة وحينئذ يتعين الاقتصار على الندب .

وفيه : أن النصوص في مقام جعل العمرة المفردة العمرة المتمتع بها ومقتضى

إطلاقها عدم الفرق بين الواجب والمندوب

وفى المقام طائفة من النصوص قد يتوهم منافاتها للنصوص المتقدمة كخبر

حرمان بن أعين قال : دخلت على أبى جعفر ( عليه السلام ) فقال لى : بما أهللت ؟

فقلت : بالعمرة فقال لى : أفلا أهللت بالحج ونويت المتعة فصارت عمرتك كوفية

وحجتك مكية ولو كنت نويت المتعة وأهللت بالحج كانت حجتك وعمرتك كوفيتين ( 1 ) .

وصحيح زرارة عنه ( عليه السلام ) قال : وأفضل العمرة عمرة رجب . وقال

المفرد للعمرة إن اعتمر ثم أقام للحج بمكة كانت عمرته تامه وحجته ناقصه مكية ( 2 ) .

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب الاحرام حديث 5

( 2 ) الوسائل باب 3 من أبواب العمرة حديث 2 ( * )

 

 

[ ووقوعه في أشهر الحج وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة ]

 

وصحيح زرارة عن أبى جعفر ( عليه السلام ) في حديث : فإن أقام بمكة الى

الحج فعمرته تامة وحجته ناقصة ( 1 ) بدعوى : أنها تدل على أن من نوى العمرة المفردة

وحج بعدها لا يكون حجه حج التمتع بل يكون إفرادا .

ولكن يمكن أن تحمل هذه النصوص على من نوى العمرة المفردة وبعدها لم

ينو كونها العمرة المتمتع بها وعليه فتكون هذه النصوص قرينة على ما اخترناه من

عدم الانقلاب القهرى .

 

اعتبار وقوع النسكين في أشهر الحج

 

( و ) الثانى من شرائط حج التمتع : ( وقوعه ) أى وقوع مجموع عمرته وحجه

( في أشهر الحج ) بلا خلاف بل الاجماع بقسميه عليه كما في الجواهر

ويشهد به نصوص كثيرة كصحيح عمر بن يزيد المتقدم عن أبى عبد الله ( عليه

السلام ) : ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج ( 2 )

وموثق سماعة المتقدم في مسألة التمتع بالعمرة المفردة ( 3 ) ونحوهما غيرهما

والاصحاب اختلفوا في أشهر الحج على أقوال :

أحدها : ما عن الشيخين في الاركان والنهاية وابنى الجنيد وإدريس وفى التذكرة

نسبته الى أكثر علمائنا وفى المتن قال : ( هى شوال وذو القعدة وذو الحجة ) بتمامه .

ثانيها : ما عن المرتضى وسلار وابن أبى عقيل وغيرهم أنها شوال وذو القعدة

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب أقسام الحج حديث 23

( 2 ) الوسائل باب 15 من أبواب أقسام الحج حديث 1

( 3 ) الوسائل باب 10 من أبواب أقسام الحج حديث 2 ( * )

 

 

[ . . . ]

وعشر من ذى الحجة

ثالثها : ما عن الاقتصاد والجمل والعقود والمهذب وهو شوال وذو القعدة

وتسع من ذى الحجة

رابعها : ما عن الشيخ في المبسوط والخلاف من أنها الشهران وتسع من ذى

الحجة الى طلوع الفجر من يوم النحر

وعن ابن إدريس الى طلوع الشمس

ظاهر الاية الشريفة - ( الحج أشهر معلومات ) ( 1 ) من جهة أن أقل الجمع

ثلاثة ، وصريح النصوص الكثيرة منها : ما تقدم في مسألة التمتع بالعمرة المفردة

ومنها : صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد الله : أن الله تعالى يقول : ( الحج

أشهر ) الى آخره وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة ( 2 )

ومنها : خبر زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) قال : الحج اشهر معلومات

شوال وذو القعدة وذو الحجة ( 3 )

ومنها : غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم عليهم السلام - هو الاول

واستدل على التحديد بطلوع الفجر بقوله تعالى : ( فمن فرض فيهن

الحج ) ( 4 ) إذ لا يمكن فرضه بعد طلوع الفجر من يوم النحر بقوله تعالى : ( فلا

رفث ولا فسوق ) وهو سائغ يوم النحر متى تحلل في أوله .

واستدل للثانى : بما رواه الكلينى عن علي بن إبراهيم قال : أشهر الحج شوال

……………………………………………..

( 1 - 2 ) البقرة الاية 196

( 3 ) الوسائل باب 11 من أبواب أقسام الحج حديث 1

( 4 ) الوسائل باب 11 من أبواب أقسام الحج حديث 5

 

 

[ . . . ]

وذو القعدة وعشر من ذى الحجة ( 1 )

وقال المصنف في المنتهى : وليس يتعلق بهذا الاختلاف حكم انتهى .

وقال في التذكرة : واعلم أنه لا فائدة كثيرة في هذا النزاع للاجماع على أنه

لوفاته الموقفان فقد فاته الحج وأنه يصح كثير من أفعال الحج يوم العاشر وما بعده

انتهى

وقريب منا ما عن المختلف واستحسنه من تأخر عنه وهو كذلك .

 

العمرة قبل أشهر الحج

 

مسألة : إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج بقصد عمرة التمتع فقد عرفت أنها

لا تقع تمتعا وهل تصح مفردة كما في العكس أم لا ؟ وجهان ، اختار الاول جماعة بل

ظاهر المصنف - ره - في التذكرة والمنتهى عدم الخلاف فيه

قال في التذكرة : لا ينعقد بالعمرة المتمتع بها قبل أشهر الحج فإن أحرم بها في

غيرها انعقد للعمرة المبتولة انتهى . ونحوه في المنتهى .

وعن المدارك وكشف اللثام اختيار الثانى .

وعن التحرير الترديد فيه

وقد استدل السيد لما ذهب اليه من بطلان ما أتى به بأنه لا يقع عن المنوى ،

لعدم حصول شرطه ولا عن غيره لعدم نيته ونية المقيد لا تستلزم نية المطلق

وصاحب الجواهر - ره - بعد نقل ذلك منه قال : لا ريب في البطلان بمقتضى

القواعد العامة

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 11 من أبواب أقسام الحج حديث 6 ( * )

 

 

[ . . . ]

أقول : إن محل الكلام ما لو أتى بالعمرة بقصد المتعة جاهلا بعدم صحتها أو

غافلا عن اعتبار وقوعها في أشهر الحج أو نحو ذلك مما يلزم منه التشريع المحرم

وإلا فهى باطلة لذلك وحينئذ فتارة نقول : إن عنوان المتعة ليس من العناوين

القصدية بل حقيقة حج التمتع عبارة عن الحج الواقع عقيب العمرة الواقعة في أشهر

الحج فلا ينبغى الاشكال في صحة العمرة في المقام ووقوعها عمرة مفردة صحيحة

للاتيان بالمأمور به بجميع حدوده وقيوده مضافا الى الله تعالى ، والتقييد بعنوان المتعة

لا يستلزم عدم نية المطلق إذ المطلق هو عنوان العمرة نفسها وهو مقصود غاية الامر

منضما الى عنوان المتعة لا أنه غير مقصود أصلا وقصد عنوان العمرة بنفسه ليس من

الموانع والمبطلات فلا محالة تكون صحيحة

واخرى نبنى كما هو الحق على أن عنوان المتعة من العناوين القصدية الدخيل

في العمرة المتمتع بها الى الحج والظاهر أنه على هذا أيضا لا بد من البناء على الصحة ،

فإن هذا دخيل في التمتع لا في العمرة المفردة بل هى لا دليل على دخل عنوان

قصدى فيها وعليه فالاظهر أن مقتضى القاعدة هى الصحة

فما في الجواهر والعروة وغيرهما من تسليم أن مقتضى القاعدة هو ما أفاده

السيد في المدارك من البطلان . غير تام . بل مقتضى القاعدة هى الصحة

وقد استدلوا للصحة في المقام : بخبر أبى جعفر الاحول عن أبى عبد الله ( عليه

السلام ) في رجل فرض الحد في غير أشهر الحج قال ( عليه السلام ) : يجعلها عمرة ( 1 )

وبخبر سعيد الاعرج قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : من تمتع في أشهر الحج

ثم أقام بمكة حتى من قابل فعليه شاة ومن تمتع في غير أشهر الحج ثم

جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم إنما هى حجة مفردة ، وإنما الاضحى على أهل

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 11 من أبواب أقسام الحج حديث 7 ( * )

 

 

[ . . . ]

الامصار ( 1 )

واورد على الاول : بأن المفروض فيه الحج في غير أشهر الحج لا العمرة فلا

يكون مما نحن فيه

وفيه أنه يتعدى حينئذ الى العمرة بالاولوية مع أن الحج مركب من العمرة

والحج فبالاطلاق يشمل ما نحن فيه

نعم يمكن أن يقال : إن قوله : يجعلها عمرة المراد به أنه ينشئ عمرة لا أن

يكون عمرة كما أفاده سيد المدارك فتأمل

واورد على الثانى : بأنه وإن دل على انقلاب عمرة التمتع الى العمرة المفردة إلا

أنه من جهة عدم وجوب حج التمتع على المجاور لا من جهة وقوعها في غير أشهر

الحج فيكون منافيا للنصوص والاجماعات السابقة

وفيه : أنه متضمن لحكمين : أحدهما : أن المتمتع أى من أتى بعمرة التمتع في

غير أشهر الحج تصح عمرته والدال عليه قوله : وإن تمتع في غير أشهر الحج . إذ لو

كانت فاسدة لم يصح هذا التعبير

ثانيهما : أن الواجب عليه الحجة المفردة والثانى مخالف للاجماعات والنصوص

والاول هو محل الكلام .

فالمتحصل : أن من أتى بعمرة التمتع في غير أشهر الحج تكون عمرته مفردة

وتصح

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 10 من أبواب أقسام الحج حديث 1 ( * )

 

 

[ وإتيان الحج والعمرة في عام واحد ]

 

اعتبار كون الحج والعمرة في سنة واحدة

 

( و ) الثالث من الشرائط : ( إتيان الحج والعمرة في عام واحد ) بلا خلاف

بينهم كما في الحدائق بل خلاف فيه بين العلماء كافة كما في الجواهر وعن غيرها

وفى التذكرة بعد ذكر هذا الشرط وما قبله من الشرطين قال : وهذه الشرائط

الثلاثة عندنا شرائط في التمتع انتهى . وظاهره قيام الاجماع عليه بل قال فيها : ولو

اعتمر في أشهر الحج ولم يحج في ذلك العام بل حج من العام المقبل - الى أن قال -

لانه لا يكون متمتعا وهو قول عامة العلماء

واستدل له بوجوه :

1 - الاجماع

وفيه ما تكرر منا من أن الاجماع غير التعبدى ليس بحجة

2 - قاعدة توقيفية العبادات ذكرها في العروة

وفيه : أن توقيفتها لا تنافى البناء على عدم دخل شئ فيها جزء أو شرطا

للاطلاق أو الاصل

3 - اصالة الاحتياط للشك في أن العمرة في سنة والحج في سنة اخرى مجزيتان

أم لا ؟ والاشتغال اليقينى يستدعى البراءة اليقينية

وفيه : أن المحقق في محله أن الاصل عند الشك في الاقل والاكثر الارتباطيين

هو البراءة لا الاحتياط فلو شك في اعتباره إيقاع النسكين في سنة واحدة وعدمه

الاصل يقتضى العدم

4 - النصوص الدالة على دخول العمرة في الحج وارتباطها به كخبر معاوية

ابن عمار عن - الامام الصادق ( عليه السلام ) - المتقدم - عن افتراق المتمتع والمعتمر

 

 

[ . . . ]

قال ( عليه السلام ) إن المتمتع مرتبط بالحج والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء

الحديث ( 1 )

وصحيح معاوية وغيره المتضمن لبيان حجه صلى الله عليه وآله في حجة الوداع

- المتقدم - وفيه بعد بيان التمتع : ثم شبك صلى الله عليه وآله أصابعه بعضها الى بعض

وقال دخلت العمرة بالحج الى يوم القيامة ( 2 ) ونحوهما غيرهما .

وفيه : أنه لا إشكال في أن المراد بالارتباط والدخول ليس هو الاتصال ولذا

لو أتى بالعمرة في أول شوال ، ثم حج في موقعه يكون حجة تمتعا فليكن الفصل بسنة

أيضا كذلك بل المراد به وحدة النسكين وأنهما ليسا عملين مستقلين بل كل

منهما مرتبط بالاخر

5 - النصوص الدالة على أن المعتمر بعمرة التمتع مرتهن بالحج ومحتبس لا

يجوز له الخروج عن مكة ما لم يأت بالحج كصحيح زرارة عن أبى جعفر ( عليه

السلام ) كيف أتمتع ؟ فقال : يأتى الوقت فيلبى بالحج فإذا أتى مكة طاف وسعى احل

من كل شئ وهو محتبس وليس له أن يخرج من مكة حتى يحج ( 3 ) ونحوه غيره .

وفيه : أن عدم جواز الخروج أعم من إيقاع الحج في تلك السنة ، إذ له أن يجاور

مكة الى القابل فيحج فيه

ودعوى : أن المتبادر من عدم جواز الخروج قبل الحج التتابع بين الاعمال

مندفعة : بانه كما يلتزم مع الفصل بينهما بشهرين - كما لو اعتمر في شوال - بالصحة

كذلك مع الفصل بسنة

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 7 من أبواب العمرة حديث 3

( 2 ) الوسائل باب 2 من أبواب أقسام الحج حديث 4 وغيره

( 3 ) الوسائل باب 5 من أبواب أقسام الحج حديث 1 ( * )

 

 

[ . . . ]

6 - الاخبار المبينة لكيفية حج التمتع مطلقا أو مع خوف الحج

وفيه : أنه لا إشكال في جواز إيقاعهما في سنة واحدة ومن تلك النصوص لا

يستفاد تعين ذلك زائدا على جوازه

7 - الاخبار المتضمنة للافعال البيانية فإنه لم يرد خبر عن معصوم ولم يسمع

أحد إتيان واحد منهم بالتمتع مفرقا بين النسكين بسنة

وفيه : أن عدم التفريق أعم من عدم جوازه ولزوم الاتصال

وأما ما عن المعتبر عن سعيد بن المسيب كان أصحاب رسول الله صلى الله

عليه وآله يعتمرون في أشهر الحج فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا ( 1 ) فيرد

عليه : أن عدم تمتعهم أعم من عدم جوازه

8 - النصوص التى تدل على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو زوال يوم عرفة

كصحيح على بن يقطين عن أبى الحسن موسى ( عليه السلام ) عن الرجل والمرأة

يتمتعان بالعمرة الى الحج ثم يدخلان مكة يوم عرفة كيف يصنعان ؟ قال : يجعلانها حجة

مفردة وحد المتعة الى يوم التروية ( 2 )

وخبر إسحاق بن عبد الله عن أبى الحسن ( عليه السلام ) : المتمتع إذا قدم ليلة

عرفة فليس له متعة يجعلها حجة مفردة إنما المتعة الى يوم التروية ( 3 ) ونحوهما غيرهما .

من النصوص الكثيرة الاتية في المسألة اللاحقة

وتقريب الاستدلال بها على ما في المستند : أنه لو لم يعتبر في المتعة اتحاد سنة

النسكين لم يصح ذلك النفى والحكم بالذهاب والامر بالعدول على الاطلاق ، بل

……………………………………………..

( 1 ) سنن البهيقى ج 4 من ص 356

( 2 ) الوسائل باب 21 من أبواب أقسام الحج حديث 11

( 3 ) الوسائل باب 21 من أبواب أقسام الحج حديث 9 ( * )

 

 

[ . . . ]

مطلقا والتقييد بمن أراد الحج في سنة العمرة أو من لم يتمكن من البقاء الى عام آخر

تقييد بلا دليل انتهى .

وفيه : ان هذه النصوص في مقام بيان جواز العدول من التمتع الى الافراد

ومتضمنة لبيان حد ذلك وأنه يجوز في ذلك الحد وليست في مقام بيان بطلان المتعة

وربما يقال : إن خبر سعيد الاعرج عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : من تمتع

في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة ( 1 ) يدل على عدم

اعتبار ذلك ، فإنه يدل على أن من أتى بالعمرة في وقتها ثم أقام بمكة وحج في السنة

الاتية فعليه شاة أى حجة تمتع إذ المراد من الشاة الهدى

وفيه : أنه لم يذكر الموصوف بقابل ولعله الشهر ومع الاطلاق يقيد بما تقدم أن

تم دلالته ولكن قد عرفت ضعف الجميع

ومقتضى الاصل عدم الاعتبار إلا أنه من جهة تسالم الاصحاب وتراكم

الظنون الحاصلة من النصوص المشار اليها لو لم نفت بعدم جواز إيقاعهما في سنتين

فلا نتأمل في وجوب الاحتياط وعلى ذلك فما عن الدروس من احتمال الصحة لو بقي

بعد العمرة في مكة وعلى إحرام عمرته قوي إذ لا يظهر تسالم من الاصحاب على

عدم الجواز فيه

والمراد من كونهما في سنة واحدة هو أن يوقعا في أشهر الحج من سنة واحدة لا

أن لا يكون بينهما أزيد من سنة بحيث لو أتى بالعمرة في آخر ذى الحجة يصح أن

يأتى بحجه في السنة الاتية وهو واضح

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 10 من أبواب أقسام الحج حديث 1 ( * )

 

 

[ وإنشاء إحرام الحج من مكة ]

 

اعتبار كون احرام الحج من مكة

 

( و ) الرابع من الشرائط : ( إنشاء إحرام الحج من مكة ) بلا خلاف

وفى التذكرة : ذهب اليه علماؤنا وفى المنتهى : ذهب اليه علماؤنا ولا نعرف فيه

خلافا إلا في رواية عن أحمد انتهى . وفى الحدائق : وقد أجمع علماؤنا كافة على أن

ميقات حج التمتع مكة

وما في الشرائع ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزه ولو دخل مكة على

الاشبه انتهى ، قد يوهم وقوع الخلاف فيه إلا إن الشهيد الثانى - ره - في محكى

المسالك نقل عن شارح ترددات الكتاب أنه أنكر ذلك ونقل عن شيخه ان المحقق

قد يشير في كتابه الى خلاف الجمهور والى ما يختاره من غير أن يكون خلافه مذهبا

لاحد من الاصحاب فيظن أن فيه خلافا

وكيف كان فيشهد للحكم : نصوص منها : صحيح الحلبى عن أبى عبد الله

( عليه السلام ) في القاطنين بمكة اذا أقاموا شهرا : فإن لهم أن يتمتعوا قلت : من أين ؟

قال ( عليه السلام ) : يخرجون من الحرم قلت : من أين يهلون بالحج ؟ فقال : من مكة

نحوا مما يقول الناس ( 1 ) ومثله خبر حماد ( 2 )

ودعوى : أن ذيلهما يوجب الاشكال في دلاتهما كما ترى

ومنها صحيح عمرو بن حريث الصيرفى قال : قلت لابى عبد الله ( عليه السلام ) :

من أين أهل بالحج ؟ فقال ( عليه السلام ) : إن شئت من رحلك وإن شئت من الكعبة

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 9 من أبواب أقسام الحج حديث 3

( 2 ) الوسائل باب 9 من أبواب أقسام الحج حديث 7 ( * )

 

 

[ . . . ]

وإن شئت من الطريق ( 1 ) فتأمل

ومنها : صحيح معاوية بن عمار عنه ( عليه السلام ) : اذا كان يوم الترويه إن شاء

الله تعالى فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافيا - الى أن قال - فأحرم

بالحج ( 2 ) ونحوه غيره

واشتمال هذه النصوص على كثير من المستحبات لا ينافى ظهورها في الوجوب

بالنسبة الى الاحرام من مكة الذى لم يدل دليل على عدم لزومه

ولا يعارض هذه النصوص خبر اسحاق عن أبى الحسن ( عليه السلام ) عن

المتمتع يجئ فيقضى متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج الى المدينة والى ذات عرق أو

الى بعض المعادن قال ( عليه السلام ) : يرجع الى مكة إن كان في غير الشهر

الذى تمتع فيه لان لكل شهر عمرة وهو مرتهن بالحج قلت : فإنه دخل في الشهر الذى

خرج فيه قال ( عليه السلام ) كان أبى مجاورا ها هنا فخرج يتلقى يعض هؤلاء فلما

رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج ودخل محرم بالحج ( 3 ) لا لما أفاده

في محكى كشف اللثام من أنه ( عليه السلام ) أحرم مفردا لا متمتعا إذ يرد عليه : أنه

لا يناسب مع السؤال الذى هو عن المتمتع ولا من جهة حمله على التقية ، إذ لا يناسب

ذلك مع التعبير عن المخالفين بما هو ظاهر في التوهين ولا من جهة أنه ( عليه السلام )

جدد الاحرام من مكة من جهة كونه مخالفا للاطلاق وعدم البيان ، ولا لما في العروة :

ان المراد بالحج عمرته حيث إنها أول أعماله إذ الخبر ظاهر في أن الاحرام كان بالحج

مقابل العمرة تأمل فيه تجده كالصريح ولو بمؤونة ما فيه من التعليل في ذلك ، بل من

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب المواقيت حديث 2

( 2 ) الوسائل باب 21 من أبواب المواقيت حديث 1

( 3 ) الوسائل باب 22 من أبواب أقسام الحج حديث 8 ( * )

 

 

[ . . . ]

جهة خصوصية المورد فإن أمكن تقييد ما تقدم من النصوص به فيقيد وإلا فيطرح

لعدم العمل به

وأما خبر يونس بن يعقوب قلت لابى عبد الله ( عليه السلام ) : من أى المسجد

احرم يوم التروية ؟ فقال ( عليه السلام ) : من أى المسجد شئت ( 1 ) المتوهم كونه معارضا

لما تقدم فظاهره أن السؤال عن الاحرام من أى الموضع من المسجد الحرام لا أى

مسجد من مساجد مكة وخارجها

فتحصل : أن الاظهر اعتبار كون الاحرام من مكة نعم يتخير في الاحرام من

أى موضع منها كان لاطلاق النصوص ولصحيح عمرو بن حريث المتقدم : إن شئت

من رحلك وإن شئت من الكعبة وإن شئت من الطريق ، إى سكك مكة

وأفضل مواضعها المسجد للاجماع ولكونه أشرف الاماكن ولاستحباب كون

الاحرم بعد الصلاة التى هى في المسجد أفضل

وأفضل مواضع المسجد : المقام أو الحجر مخيرا بينهما كما عن الهداية والفقيه

والنافع والمدارك لصحيح معاوية المتقدم المتضمن للامر بصلاة ركعتين عند مقام

إبراهيم أو في الحجر والقعود الى أن تزول الشمس ثم الاحرام من مكانه

والمحكى عن المصنف في جملة من كتبه وكذا المحقق والشهيد وغيرهم التخيير

بين المقام وتحت الميزاب الذى هو بعض من الحجر ولم أظفر بدليله بالخصوص

ولو أحرم بحج التمتع اختيارا من غير مكة لم يجزئ عنه وكان عليه العود الى

مكة لانشاء الاحرام كما هو المعروف من مذهب الاصحاب كما عن المدارك والذخيرة

وغيرهما بل عليه الاجماع كما عن المنتهى والتذكرة ، لتوقف الواجب عليه ولا يكفى

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب المواقيت حديث 3 ( * )

 

 

[ . . . ]

دخولها محرما

ولو نسى الاحرام منها فإن أمكن أن يعود عاد اليها وأنشأ الاحرام منها وإن

تعذر ذلك ولو لضيق الوقت أحرم من موضعه ولو كان بعرفات كما صرح به جماعة

ويشهد به : صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى ( عليه السلام ) عن رجل

نسي الاحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله قال : يقول : اللهم على كتابك وسنة

نبيك فقد تم إحرامه فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده إن

كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه ( 1 )

ولا فرق في ذلك بين ترك الاحرام رأسا أو الاتيان به من غيرها خلافا للشيخ

في محكى الخلاف وعن التذكرة وكشف اللثام فاجتزأوا بالاحرام من غيرها مع تعذر

العود اليها واستدلوا له بالاصل ومساواة ما فعله لما يستأنف في الكون من غير مكة

وفى العذر ، لان النسيان عذر

ولكن يرد على الاصل : أنه يقتضى الفساد لا الصحة فأن إجزاء غير المأمور

به عن الامر خلاف الاصل وقد دل الدليل عليه مع استئناف الاحرام وبدونه يبقى

على مقتضى الاصل

ودعوى المساواة ليست إلا القياس نعم لا يبعد القول بالاكتفاء بالاحرام

المصادف للعذر واقعا كما لو نسى وأحرم من موضع يتعذر عليه العود الى مكة منه حين

الاحرام لمصادفة الامر به واقعا

ولو ترك الاحرام منها جهلا فذكره وهو بعرفات فهل يلحق بنسيانه أم لا ؟

وجهان أظهرهما : الالحاق لفحوى ما دل على الاحرام من موضعه لو جهل الاحرام

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 8

 

 

[ . . . ]

من المواقيت الاخر كما في موثق زرارة ( 1 ) وغيره

بل يمكن الاستدلال بعموم العله في الموثق أذ فيه بعد السؤال عن امرأة

تركت الاحرام جهلا حتى قدمت مكة قال ( عليه السلام ) : تحرم من مكانها قد علم

الله نيتها

لا يقال : ان ذيل صحيح علي المتقدم في خصوص الجهل يدل على كونه عذرا

فلا حاجة الى هذه التكلفات

فإنه يقال : الظاهر - كما فهمه الاصحاب - أن المراد به بقرينة الصدور وبقرينة

قوله : حتى يرجع الى بلاده : هو النسيان ولذا استدلوا به لما ذهب اليه الشيخ في طائفة

من كتبه وابن حمزة من صحة حج من نسى الاحرام بالحج حتى رجع الى بلاده

وأورد عليهم الحلى : بأنه خبر واحد لا يعتمد عليه وبما ذكرناه ظهر أنه

لا يبعد عن النسيان الى كل عذر لعموم العلة ولالغاء الخصوصية

 

يعتبر كون النسكين من واحد الى واحد

 

ثم ان ظاهر الاصحاب أنه لا يعتبر في حج التمتع غير هذه الشرائط الاربعة

وصاحب الجواهر - ره - بعد اعترافه بذلك نقل عن بعض الشافعية اعتبار

أمر آخر فيه كون مجموع عمرته وحجه من واحد عن واحد فلو حج اثنان عن

ميت أحدهما أتى بعمرته والاخر بحجه لم يجزئ عنه كما أنه لو حج شخص واحد ولكن

جعل عمرته عن شخص وحجه عن آخر لم يصح وقد توقف فيه نفسه بل رجح عدم

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 6

 

 

[ . . . ]

اعتبار ذلك

وسيد العروة تأمل فيه ثم استظهر من خبر محمد بن مسلم صحة نيابة شخص

واحد في العملين عن شخصين

والحق أن يقال : إنه لا ريب في وحدة العمل في وحدة العمل في حج التمتع وأن الحج والعمرة

مرتبطان وليسا واجبين مستقلين ولكن لم يدل على عدم جواز نيابة شخصين عن

واحد في هذا العمل الوحدانى بأن يأتى ببعضه واحد وبالاخر آخر وقياسه بإتيان

شخصين صلاة واحدة قياس مع الفارق

ولكن حيث عرفت أن النيابة على خلاف الاصل ففى كل مورد دل الدليل

على جوازها نلتزم به وفى غير ذلك يرجع الى الاصل وحيث لا دليل يدل ولو بإطلاقه

على جواز مثل هذه النيابة فالاظهر عدم جوازها .

اللهم إلا أن يستدل لذلك بخبر جابر عن أبى جعفر ( عليه السلام ) : قال

رسول الله صلى الله عليه وآله : من وصل قريبا بحجة أو عمرة كتب الله له حجتين

وعمرتين ( 1 ) فإن إطلاقه يشمل العمرة المفردة والعمرة التمتع بها وكذلك الحجة

وعليه فتجوز .

وأما خبر محمد بن مسلم عن أبى جعفر ( عليه السلام ) عن رجل يحج عن أبيه

أيتمتع ؟ قال : نعم المتعة له والحج عن أبيه ( 2 ) فقد اورد على الاستدلال به للجواز في

المقام : بأنه مجمل يحتمل أن يكون المراد به أنه يحج التمتع عن أبيه ويحتمل أن يكون

المراد أنه يتمتع لنفسه زائدا على عمرته عن أبيه ويحتمل أن يكون المراد به أنه يعتمر

……………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 25 من أبواب النيابة في الحج حديث 6

( 2 ) الوسائل باب 27 من أبواب النيابة في الحج حديث 1

 

 

[ . . . ]

عن أبيه ويحج عن نفسه والاستدلال يتوقف على ثبوت الاخير

أضف الى ذلك أنه يحتمل أن يكون المراد إهداء الثواب دون النيابة في

خصوص الحج بأن يكون متعته له وحجه عن أبيه ، فإنه لم يفصل في الحديث بين الحج

الواجب والمستحب ومن المعلوم أنه لو فرض وجوب الحج على أبيه لم تبرأ ذمته بذلك

قطعا إذ لو كانت ذمته مشغولة بحج الافراد فما أتى به حج التمتع وإن كانت

مشغولة بحج التمتع فلم يأت بعمرته

أقول : الجواب يعين الاخير ويدل على وقوع العمرة عن نفسه والحج عن

أبيه واما احتمال كونه من باب إهداء الثواب فهو خلاف ظاهر قوله في السؤال : يحج

عن أبيه

وعدم كونه مبرئا لذمة الميت لا ينافى ذلك لعدم كون السؤال والجواب في مقام

بيان فراغ الذمة .

وما أفاده بعض الاعاظم من أنه على تقدير الظهور لا مجال للاخذ به في مقابل

النصوص الدالة على الارتباط ، قد عرفت جوابه وأنه لا ينافى الارتباطية والذى

يوفقنا عن الافتاء عدم ثبوت عمل الاصحاب بالخبر والاحتياط حسن