[ . . . ]

 

تذنيبان

 

الأول : الحديبية بضم الحاء المهملة وفتح الدال المهملة وفتح الدال المهملة ثم ياء مثناة تحتانية

ساكنة ثم باء موحدة ثم ياء مثناة تحتانية ثم تاء التأنيث .

وعن علي بن المديني : أهل المدينة يثقلون الحديبية ، وأهل العراق يخففونها .

وعن السهيلي : التخفيف أعرف عند أهل العربية .

وقال أحمد بن يحيى : لا يجوز فيها غيره . وكذا عن الشافعي .

وعن أبي جعفر النحاس : سألت كل من لقيت ممن أثق بعلميته من أهل

العربية عن الحديبية فلم يختلفوا في أنها مخففة .

وقيل : إن التثقيل لم يسمع من فصيح .

وعن كشف اللثام : إن عامة الفقهاء والمحدثين يشددونها .

ثم إنها في الأصل اسم بئر خارج الحرم كما عن السرائر .

وقيل : اسم شجرة حدباء ثم سميت بها قرية كانت هناك ليست بكبيره .

قال ياقوت : هي قرية متوسطة ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد

الشجرة التي بايع رسول الله تحتها .

وعن الفيومي : أنها دون مرحلتين .

وعن النووي : على نحو مرحلة من مكة .

وعن الواقدي : أنها على تسعة أميال من المسجد الحرام .

وقيل : إنها من الحل . وقيل : إنها من الحرم . وقيل : بعضها في الحل وبعضها في

الحرم . وعلى أي تقدير الموضع معروف لاإشكال فيه .

وأما الجعرانة ، فقد اختلفت كلماتهم فيها أيضا ، بعد اتفاقهم على كسر أولها ،

 

 

[ . . . ]

فإن أصحاب الحديث يكسرون عينها ويشددون الراء وأهل الأدب يخطئونهم

ويسكنون عينها ويخففون الراء .

وعن ياقوت : أنهما روايتان جيدتان .

وعن علي بن المديني . أهل المدينة يثقلونها ، وأهل العراق يخففونها .

وهي موضع بين مكة والطائف من الحل بينها وبين مكمة ثمانية عشر ميلا على

ما عن الباجي .

وعن الفيومي : أنها على سبعة أميال من مكة .

وعن كشف اللثام : أنه سهو في سهو ، فإن الحرم من جهته تسعة أميال أو بريد

كما يأتي .

وأما التنعيم بالفتح ثم السكون وكسر العين المهملة وياء ساكنة ، فعن معجم

البلدان : هو ما بين مكة وسرف على فرسخين من مكة . وقيل : على أربعة ، وسمي بذلك ،

لأن جبلا عن يمينه يقال له : نعيم ، وآخر عن شماله يقال له : ناعم . واسم الوادي

نعمان ، وبالتنعيم مساجد حول مسجد عائشة .

وعن كشف اللثام : سمي به موضع على ثلاثة أميال من مكه أو أربعة . وقيل :

على فرسخين على طريق المدينة به مسجد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومسجد زين

العابدين ( عليه السلام ) ، ومسجد عائشة .

الثاني : أنه تحصل من مجموع ما ذكرناه هنا وفي مسألة الآفاقي المقيم بمكة :

أن ميقات حج التمتع مكة واجبا كان أو مستحبا من الآفاقي أو من أهل مكة ، وميقات

عمرته أحد المواقيت الخمسة او محاذاتها كذلك ، إذا كان المعتمر من غير أهل مكة ، وأما

هم فميقاتها لهم أدنى الحل ، وميقات حج القران والإفراد لأهل مكة مكة ، وللمجاور

أدنى الحل ، ولغيرهم أحد المواقيت الخمسة إلا اذا كان منزله دون الميقات فميقاته منزله ،

 

 

[ . . . ]

ولا يجوز الإحرام قبل هذه المواقيت

وميقات عمرتهما ، أدنى الحل إذا كان في مكة ، ويجوز من أحدها ، واذا لم يكن في مكة

فيتعين أحدها ، وكذا الحكم في العمرة المفردة .

 

أحكام المواقيت

 

ثم إنه يقع الكلام المواقيت ( و ) تفصيل القول فيها في ضمن

مسائل :

الاولى : ( لا يجوز الإحرام قبل هذه المواقيت ) بلا خلاف ، وفي التذكرة : عند

علمائنا ، وفي المنتهي : ذهب اليه علماؤنا أجمع إلا ما نستثنيه . انتهى ، وفي الجواهر : بل

الإجماع بقسميه عليه .

ويشهد به نصوص كثيرة ، لاحظ : صحيح ابن أبي عمير عن ابن اذنية ، قال

أبو عبد الله ( عليه السلام ) : من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حج له ، ومن أحرم

دون الميقات فلا إحرام له ( 1 ) .

وخبر ميسر ، قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) وأنا متغير اللون ،

فقال لي : من أين أحرمت ؟ قلت : من موضع كذا وكذا . فقال ( عليه السلام ) : رب طالب

خير يزل قدمه . ثم قال : يسرك إن صليت الظهر في السفر أربعا ؟ قلت : لا . قال : فهو

والله ذاك ( 2 ) .

وصحيح الحلبي عنه ( عليه السلام ) : الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول

……………………………………………

1 - الوسائل باب 11 من أبواب أقسام الحج حديث 4 .

2 - الوسائل باب 11 من أبواب المواقيت حديث 5 .

 

 

[ . . . ]

الله صلى الله عليه وآله لا ينبغي لحاج ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها . وذكر

المواقيث ، ثم قال : ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله صلى الله عليه

وآله ( 1 ) .

وخبر زرارة عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في حديث : ليس لأحد أن يحرم دون

الوقت الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإنما مثل ذلك من صلى في السفر

أربعا وترك الثنتين ( 2 ) . ونحوها غيرها ، ودلالتها على بطلان الإحرام قبل الميقات وعدم

انعقاده واضحة .

إنما الكلام في أنه هل يكون حراما ذاتا أيضا أم لا ؟ وقبل بيان أدلة الطرفين

لابد من بيان موضوع الحرمة .

لا إشكال في أن موضوع الحرمة الذاتية ليس نفس العمل الخارجي مع قطع

النظر عن قصد التقرب أو عنوان آخر ، إذلا خلاف عندهم في عدم حرمته عليه بقصد

التعليم ، مضافا الى عدم دلالة الدليل عليها ، كما أنه ليس الموضع هو ذلك العمل

بقصد التقرب جزما أو احتمالا ، إذ مع إمكانهما لا يعقل النهي عنهما : لأن حسن

الإطاعة ذاتي لايعقل النهي عنها ، ومع عدم إمكانهما لا يعقل النهي ، لأنه كالأمر لا

يتعلق بغير المقدور ، بل الموضوع إما العمل الخاص تشريعا فيكون التشريع الخاص

محرما من حيث كونه تشريعا ، ومن حيث كونه تشريعا خاصا أو العمل الخاص

المجعول بعنوان التذلل وإظهار العبودية الذي لا يتوقف صدق العبادة عليه إلا

على العلم بكونه أدبا يليق الخضوع به وقد كشف الشارع عن ذلك بالامر فيما ليس

للعرف طريق الى كشفه .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 11 من أبواب المواقيت حديث 1 .

2 - الوسائل باب 11 من أبواب المواقيت حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

ولعل هذا هو مراد المشهور حيث نسب اليهم القول بالعبادة الذاتية في قبال

ما يكون عبادة بالأمر .

اذا عرفت هذا فاعلم أن الإحرام قبل الميقات حرام تشريعا ، لعدم الأمر به ،

إنما الكلام في حرمته الذاتية .

وقد استدل لها بالنهي عنه الظاهر في تلك .

وفيه : أن النهي ظاهر في الإرشاد الى الحكم الوضعي ، وأنه لا ينعقد كما صرح

به في جملة من النصوص فتدبر ، ويترتب على ما ذكرناه أنه مع اشتباه الميقات يمكن

الإحتياط ، فتأمل .

 

نذر الإحرام قبل الميقات

 

واستثنى الأصحاب من عدم جواز الإحرام قبل الميقات موردين .

أحدهما : نذر الإحرام قبل الميقات .

وفي الرياض : وفاقا للشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف والتهذيبين والديلمي

والقاضي وابن حمزة والمفيد كما حكي ، وعليه أكثر المتأخرين على ما أجده ، أو مطلقا

على ما يستفاد من الذخيرة وغيرها وفي المسالك وغيره أنه المشهور بين الأصحاب ،

انتهى .

وفي الجواهر : بل المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا ، انتهى .

وفي السرائر ، وعن المصنف في المختلف ، والمحقق في المعتبر ، وكشف اللثام : عدم

صحته وانعقاده .

يشهد للأول : جملة من النصوص :

 

 

[ . . . ]

منها : ما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد عن الحلبي قال :

سالت : أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة ،

قال : فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال ( 1 ) .

واورد على الاستدلال به بايرادات :

1 - أن المعروف في الحلبي مطلقا عبيدالله وأخوه محمد وحماد إن كان ابن

عيسى فيعبد روايته عن عبيدالله بلا واسطة ، وإن كان ابن عثمان فتعبد رواية الحسين

بن سعيد عنه بلا واسطة ، وتبعد أيضا إرادة عمران من الحلبي .

وفيه : أن استبعاد رواية ابن عيسى عن عبيدالله إن كان من جهة عدم ملاقاتهما

بمعنى موت المروي عنه قبل قابلية الراوي . فهذا غير ظاهر ، فان ابن عيسى لاقى

الامام الصادق ( عليه السلام ) وروى عنه : فلعله لاقى عبيدالله أيضا ، لعدم معلومية

تاريخ موته .

وإن كان من جهة الكبرى الكلية التى ذهب اليها جمع من الرجاليين فانهم

إذا رأوا في جملة من الروايات توسط راويين ثم وجدوا رواية أحد الاثنين من

الآخر من دون توسط الواسطة المذكورة حكموا بالسهو وسقوط الواسطة . فهو مردود

بانه لا وجه لذلك سوى الغلبة ، وهي ليست بحجة خصوصا بالنسبة الى ما هو ظاهر

نقل الثقه من سماعه منه .

2 - أن المحقق في المعتبر نسب الرواية الى علي بن أبي حمزة وطعن فيها بانه

واقفي لا يعتمد عليه ، بل المحكي عن نسخ التهذيب أن الراوي هو علي ، وإنما الحلبي

بدله مذكور في نسخ الاستبصار .

وفيه : أن المقام خبرين أحدهما روايه علي ، والآخر روايه الحلبي ، ومتنهما

……………………………………………

1 - الوسائل باب 13 من أبواب المواقيت حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

واحد ، مع أنه لو كان الراوي هو علي فالحماد الراوي عنه هو حماد بن عيسى ، وهو

من أصحاب الاجماع ، فالخبر صحيح كما وصفه المصنف - ره - في المنتهى والتذكرة

بالصحة .

ومن الغريب أن المصنف - ره - مع تصريحه في الكتابين بالصحة وأن الراوي

هو الحلبي نسبه في المختلف الى علي ، وطرحه للضعف ، أضعف الى ذلك كله أن المشهور

عملوا به ، فلو كان ضعيفا في نفسه فهو مجبور بالعمل ، كما في الرياض والجواهر .

3 - أن من المحتمل إرادة المسير للاحرام من الكوفة لا الاحرام منها .

وفيه : أن هذا خلاف الظاهر لو لم يكن خلاف نص الخبر .

4 - أن الاحرام قبل الميقات كما تقدم مرجوح ، ويعتبر في النذر رجحان

المتعلق .

والجواب عن ذلك : بكفاية الرجحان خين العمل ولو للنذر غير صحيح ، فان

انعقاد النذر متوقف على الرجحان ، فالرجحان الآتي من قبل النذر إن كان كافيا لزم

الدور وهو باطل .

فالحق في الجواب أن يقال : إن من الممكن ثبوتا أن يكون نذر الاحرام قبل

الميقات ملازما واقعا لجهة موجبة للرجحان ، أو يكون النذر الجامع لشرائط

الصحة سوى شرط الرجحان موجبا لرجحان المتعلق في ظرفه ، وعليه فلا مانع عن

الاخذ بالدليل في مقام الاثبات الدال على صحة نذره ؟ مع أنه يمكن أن يقال بكون

الدليل مقيدا لاطلاق ما دل على اعتبار الرجحان في متعلق النذر ، وكم له نظير في

الفقه ، فالمتحصل : أنه لا إشكال في الخبر سندا ودلالة .

ومنها : ما رواه الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن

إسماعيل عن صفوان عن علي بن أبي حمزة ، قال : كتبت الى أبي عبد الله ( عليه السلام )

 

 

[ . . . ]

أساله عن رجل جعل لله عليه أن يحرم من الكوفة ، قال : يحرم من الكوفة . ( 1 ) .

ومنها : مارواه الشيخ باسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن

الحسين عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم عن سماعة عن أبي بصير عن

أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : سمعته يقول لو أن عبدا أنعم الله ، عليه نعمة أو

ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن

يتم ( 2 ) . وفي دلالته تامل ، وفي الاولين كفاية .

 

فروع :

 

1 - انه لو نذر الاحرام قبل الميقات فاحرم قبله لا يجب تجديد الاحرام من

الميقات ولا المرور عليه لفرض صحة إحرامه قبل الميقات .

وما عن المراسم والراوندي من الاحرام مرتين في المنذور وفي الميقات . لعل

وجهه توقفهما في انعقاد النذر وعدمه ، وما ذكراه طريق الاحتياط كما أفاده كاشف

اللثام .

وما عن بعض من أنه اذا نذر إحراما واجبا وجب تجديده في الميقات وإلا

استحب . غير ظاهر الوجه ، بل معلوم فساده ، كما لا يخفى .

2 - مورد النصوص النذر من المكان المعين ، فلو نذر مطلقا فيكون مخيرا ، أو

نذر مع الترديد بين المكانين بان يقول : لله علي أن أحرم إما من الكوفة أو البصرة .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 13 من أبواب المواقيت حديث 2 .

2 - الوسائل باب 13 من أبواب المواقيت حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

بطل ولم ينعقد ، لانه بعد ما لا إطلاق للنصوص والتعدي عن موردها لا دليل عليه ،

لا مخرج عما يقتضيه القاعدة من البطلان ، فالقول بالصحة فيهما ضعيف .

وأضعف منه ما في العروة من التفصيل والحكم بالبطلان في الاول ، وعدم

استبعاد الانعقاد في الثاني ، إذ مع فرض عدم الاطلاق للنصوص لم يظهر وجه صحته

في الثاني ، ولو بنى على إلغاء الخصوصية لابد من البناء على الانعقاد في الصورة الاولى

أيضا .

3 - لا فرق بين كون الاحرام للحج الواجب أو المندوب ، وللعمرة المفردة ، نعم

لو كان للحج أو عمرة التمتع يشترط أن يكون في أشهر الحج كما صرح به الاساطين ،

فان نصوص الباب متعرضة لايقاع الاحرام قبل الوقت ، ولا تعرض لها لسائر

الشروط ، وقد تقدم أنه يعتبر أن يكون الاحرام للحج والعمرة في أشهر الحج .

4 - عن الشهيد الثاني في المسالك استظهار إلحاق العهد واليمين بالنذر ، ولم

يستبعده سيد العروة ، وظاهر كل من اقتصر على النذر ، الاختصاص به وعدم إلحاقهما

به ، ومال اليه صاحب الجواهر رحمه الله .

وربما يحتمل التفصيل بين العهد واليمين ، وإلحاق الاول دون الثاني .

واستدل للاول : بان النصوص شاملة لهما ، فانها مفروضة فيمن جعلى ذلك عليه

لله ، وباطلاق قوله في خبر أبي بصير : فجعل على نفسه أن يحرم . فان الجعل على النفس

كما يحصل بسبب النذر كذلك يحصل بسبب العهد واليمين .

ولكن يرد على الاول أن في العهد واليمين لا يكون تمليك شئ لله تعالى بخلافه

في النذر ، وعليه فظاهر قوله : جعل لله عليه أن يحرم . هو خصوص النذر .

وأما الثاني فقد مر التامل في دلالته ، فان ظاهره مجرد جعل الاحرام من

المواضع البعيدة على نفسه من باب تحمل الزحمة فهو بظاهره غير معمول به .

 

 

[ . . . ]

واستدل للثالث بان المعاهدة مع الله سبحانه على فعل شئ ترجع الى جعل

ذلك له وتمليكه إياه ، فيشمله صحيح الحلبي ، وكذا خبر علي .

وفيه : أن المعاهدة مع الله على فعل شئ كامعاهدة مع غيره على ذلك ، فكما

أنه في المعاهدة مع غيره لا يكون تمليك إياه كذلك في المعاهدة مع الله سبحانه ، فالمتعين

الاقتصار على النذر . ،

5 - لو نذر ولم يحرم من المكان المعين عمدا أو نسيانا ، وأحرم من الميقات صح

إحرامه ، لان غاية الامر كون الاحرام من الميقات ضد الاحرام من ذلك المكان ،

والامر بالضدين معا غير ممكن ، لكنه لا يوجب عدم الامر به بنحو الترتب فهو مامور

به فيصح .

وما أفاده بعض الاعاظم من أن الاحرام من الميقات حيث إنه يكون في صورة

العمد تفويتا للواجب المملوك فيكون حراما فيبطل إذا كان عبادة ، يرد عليه : أنه بما

أن له أن لا يحرم من الميقات ولا يحرم من ذلك المكان أيضا فالاحرام من الميقات ليس

تفويتا له ، بل المفوت اختيار المكلف ، وعليه فلا يكون الاحرام من الميقات حراما

فيصح كما مر .

 

الاحرام قبل الميقات لادراك عمرة رجب

 

المورد الثاني : الذي استثناه الاصحاب من كلية المنع : ما اذا أراد إدراك عمرة

رجب وخشي تقضيه إن أخر الاحرام الى الميقات فانه يجوز له الاحرام قبل الميقات

وتحسب له عمرة رجب ، وإن أتى ببقية الاعمال في شعبان ، وهو المشهور بين

الاصحاب .

 

 

[ . . . ]

وفي المنتهى : وعلى ذلك فتوى علمائنا . انتهى .

وفي المستند : بلا خلاف فيه يعرف واتفاقهم عليه منقول في كلماتهم . انتهى .

وعن المسالك : أنه موضع نص ووفاق .

وعن المعتبر عليه اتفاق علمائنا . انتهى .

وعن الحلي مخالفة القوم وأنه لا يجوز .

يشهد للاول : صحيح إسحاق بن عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : عن

رجل يجئ معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل ان يبلغ العقيق فيحرم

قبل الوقت ويجعلها لرجب أم يؤخر الاحرام الى العقيق ويجعلها لشعبان ؟ قال ( عليه

السلام ) : فيحرم قبل الوقت لرجب فان لرجب فضلا ( 1 ) .

وصحيح معاوية بن عمار : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : ليس ينبغي

أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله : إلا أن يخاف فوت الشهر

في العمرة ( 2 ) .

ومقتضي إطلاق الثاني وإن كان جواز ذلك لعمرة غير رجب أيضا حيث إن

لكل شهر عمرة إلا أنه لعدم إفتاء أحد من الاصحاب بذلك في غير رجب ، وللتعليل

في الصحيح الاول مختص الحكم بعمرة رجب .

وهل يجب التاخير الى آخر الوقت اقتصارا في تخصيص العمومات على موضع

الضرورة ، أم لا يجب ذلك ، بل يجوز الاحرام قبل الضيق إذا علم عدم الادراك إذا

أخر الى الميقات ، لاطلاق النص وإطلاق المقيد مقدم على إطلاق المطلق ؟ وجهان

……………………………………………

1 - الوسائل باب 12 من أبواب المواقيت حديث 2 .

2 - الوسائل باب 12 من أبواب المواقيت حديث 1

 

 

[ . . . ]

أظهرهما : الثاني .

والنص مختص بعمرة رجب الظاهر في العمرة المندوبة ، فاسراء الحكم الى

العمرة الواجبة بالاصل يحتاج الى دليل مفقود .

ولو علم بعدم الادراك فاحرم ثم انكشف الادراك فالظاهر بطلان إحرامه ، فان

الحكم الظاهري لا يقتضي الاجزاء ، وموضوع جواز الاحرام قبل الميقات هو عدم

الادراك والمفروض الادراك .

وحيث إنه في الرياض وغيره - قيل إن كثيرا من الاصحاب لم يتعرضوا له ،

ولعل ذلك منهم خلاف فيه ، فالاولى والاحوط تجديد الاحرام في الميقات .

 

التجاوز عن الميقات بلا إحرام

 

الثانية : كما لا يجوز تقديم الاحرام على الميقات كذلك لا يجوز التاخير عنه ،

فلا يجوز لمن اراد النسك أو دخول مكة إن لم يكن ممن يتكرر منه دخولها كالحطاب

ولم يدخلها لقتال - أن يتجاوز الميقات إلا محرما بلا خلاف .

وفي الجواهر : إجماعا بقسميه .

وفي المنتهى : وهو قول العلماء كافة .

ويشهد لعدم جواز التجاوز عن الميقات بغير إحرام لمريد النسك نصوص

كصحيح صفوان بن يحيى عن الامام الرضا ( عليه السلام ) ، قال : كتبت اليه أن بعض

مواليك يحرمون ببطن العقيق - الى أن قال - فكتب أن رسول الله صلى الله عليه وآله

وقت المواقيت لاهلها ومن أتى عليها من غير أهلها وفيها رخصة لمن كانت به علة

 

 

[ . . . ]

فلا تجاوز الميقات إلا من علة ( 1 ) .

وصحيصح معاوية بن عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : من تمام الحج

والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله لا تجاوزها إلا

وأنت محرم ( 2 ) .

وصحيح الحلبي عنه ( عليه السلام ) في حديث : لا تجاوز الجحفة إلا

محرما ( 3 ) . ونحوها غيرها .

وهذه النصوص تدل على عدم جواز التجاوز عن الميقات بغير إحرام لمريد

النسك ولمن يجب عليه الاحرام ، وقد دلت النصوص المستفيضة على أنه لا يجوز دخول

مكة بغير إحرام إلا في الموردين المتقدمين وهما : من يتكرر دخوله كالحطاب ، ومريد

القتال ، وقد ادعى سيد المدارك الاجماع من العلماء على عدم وجوب الاحرام

عليهما وعلى من يتجاوز الميقات ولا يريد دخول مكة .

وها يجب الاحرام لمن لا يريد النسك ولا دخول مكة ، بل كان له شغل

خارجها إذا أراد دخول الحرم أم لا ؟ وجهان .

يشهد للاول جملة من النصوص كصحيح عاصم بن حميد ، قلت لابي عبد الله

( عليه السلام ) : يدخل الحرم أحد إلا محرما ؟ قال ( عليه السلام ) : لا إلا مريض أو

مبطون ( 4 ) .

وصحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر ( عليه السلام ) قال : سالت عنه هل

……………………………………………

1 - الوسائل باب 15 من أبواب المواقيت حديث 1 .

2 - الوسائل باب 16 من أبواب المواقيت حديث 1 .

3 - الوسائل باب 16 من أبواب المواقيت حديث 2 .

4 - الوسائل باب 50 من أبواب الاحرام حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

يدخل الرجل الحرم بغير إحرام ؟ قال ( عليه السلام ) : لا إلا مريضا أو به

بطن ( 1 ) .

ولكن المشهور لم يعملوا بها بل عن سيد المدارك قد أجمع العلماء على أن من

مر على ميقات وهو لا يريد دخول مكة بل يريد حاجة فيما سواها لا يلزمه الاحرام ،

انتهى .

وعن المستند حكى الفتوى بمضمون النصوص عن جمع إلا أنه لا يخرجها

عن الشذوذ ، فتحمل النصوص على الفضل او على صورة إرادة دخول مكة .

وهل يختص عدم جواز التجاوز إلا محرما بالميقات ام يعم محذاته فلا تجوز

المجاوزة عن محاذاة الميقات إلا محرما وإن كان أمامه ميقات آخر ؟ وجهان :

استدل للاول بقوله ( عليه السلام ) في أحد صحيحي ابن سنان المتقدمين :

فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال .

وبقوله في الصحيح الآخر : فليحرم منها . لكنهما مختصان بمن يريد الحج ، والامر

بالاحرام منها إنما يكون إرشاديا الى الشرطية ولا يكون حكما مولويا نفسيا ، وعليه

فالاظهر هو الثاني .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 50 من أبواب الاحرام حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

 

لو تعذر الاحرام من الميقات

 

ولو تعذر الاحرام الجامع لجميع القيود من الميقات لمانع من مرض ونحوه ،

فعن الشيخ في النهاية جاز له أن يؤخره عن الميقات ، فاذا زال المانع أحرم من الموضع

الذي انتهى اليه .

وخالفه من تاخر عنه من جهتين :

إحداهما : ما عن ابن إدريس ، والمصنف في المختلف والتحرير والمنتهى ،

والشهيد في المسالك من أنه إذا كان مانع عنه يؤخر كيفية الاحرام الظاهرة من نزع

الثياب وكشف الرأس والارتداء والتوشيح والائتزار ، فاما النية والتلبية مع القدرة

عليهما فلا يجوز له ذلك ، إذ لا مانع له يمنع ذلك ولا ضرورة ولا تقية ، وإن تركهما فقد

ترك الاحرام متعمدا من موضعه فيؤدى الى إبطال حجه .

ثانيتهما : ما عن المحقق في الشرائع ، وهو : ان المانع إذا زال يجب العود الى

الميقات ، فان تعذر جدد الاحرام حيث زال ، ومثله ما عن المصنف في القواعد ، وصاحب

الجواهر - ره - أفاد : ذكر ذلك غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات .

أقول : مع قطع النظر عن الاخبار الخاصة ، ما أفاده الحلي ومن تبعه متين بناء

على ما سيأتي من أن لبس الثوبين ونزع المخيط ليسا من شرائط الاحرام ، بل واجبان

حينه ، فانه حينئذ يتمكن من الاحرام فلا يجوز التاخير ، ولو أحرم كذلك ثم زال المانع

لبس الثوبين ونزع المخيط من موضعه ، لفرض صخة إحرامه وكونه معذورا في تركهما .

ولكن في المقام خبرين :

أحدهما : مرسل أبي شعيب المحاملي عن بعض أصحابنا عن احدهما عليهما

 

 

[ . . . ]

السلام : اذا خاف الرجل على نفسه أخر إحرامه الى الحرم ( 1 ) .

ثانيهما : صحيح صفوان المتقدم في تاخير الاحرام عن الميقات ، قال ( عليه

السلام ) : وفيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات من غير علة . والاول وإن

كان مرسلا إلا أن الثاني صحيح .

وما أفاده سيد الرياض من أنه لم يصرح في الصحيح . بخلاف ما قاله ابن

إدريس الموافق للقواعد . يرد عليه : أنه وإن لم يصرح بخلافه إلا أنه ظاهر فيه

والظهور حجة عندنا وعنده .

ودعوى : أنه يحمل الصحيح على العلة المانعة من النية . مندفعة بكون ذلك

خلاف الاطلاق ، سيما مع ندرة العلة الكذائية ، بل معها خلاف النص .

وأما خبر الاحتجاج المتقدم في الميقات السابع الذي جعله صاحب الحدائق

مؤيدا لما أفاده الحلي . فهو غير ما نحن فيه ، لتضمنه إيقاع الاحرام بجميع واجباته

حتى نزع الخيط ولبس الثوبين ، فلا يصح الاستشهاد به للمقام ، فاذا ما أفاده الشيخ

- ره - هو الصحيح .

وأما الجهة الثانية ، فالمنسبق الى الذهن من الصحيح انه يحرم من الموضع الذي

زال المانع ، إذ الواجب هو قطع المسافة المعينة محرما ، وقد رخص ترك الاحرام لمن به

علة ، فمع ارتفاعها يجب الباقي ، وعليه فما أاده الشيخ - ره - متين ، وإن أبيت عن

استفادة ذلك من النص فسياتي حكم من ترك الاحرام من الميقات لعذر ، فانتظر .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 16 من أبواب المواقيت حديث 3 .

 

 

]ولو تجاوزها متعمدا زجع وأحرم منها وإن لم يتمكن بطل حجه[

 

لو أخر الاحرام من الميقات

 

الثالثة : لو أخر الاحرام من الميقات ، ففيه صور :

1 - أن يؤخره عالما عامدا .

2 - أن يكون تاخيره ناسيا أو جاهلا بالحكم أو الموضوع .

3 - أن يكون معذورا في تركه ولم يكن جاهلا أو ناسيا كما لو لم يرد النسك ولا

دخول مكة ، أو كان ممن لا يجب عليه الاحرام لدخولها ثم أراد النسك وقد تجاوز

الميقات .

أما الصورة الاولى ، فلا خلاف ( و ) لا إشكال في أنه ( لو تجاوزها متعمدا

رجع وأحرم منها ) إن تمكن من ذلك ( و ) الاكثر على أنه ( إن لم يتمكن بطل حجه )

كما في الجواهر ، قال : بل ربما يفهم من غير واحد عدم الخلاف فيه بيننا .

أقول : وكلام المصنف - ره - في المنتهى والتذكرة مشعر بذلك ، فانه بعد حكمه

ببطلان حجه نقل الخلاف عن بعض العامة .

ولكن في المستند نقل عن المبسوط والمصباح ومختصره وجماعة من متأخري

المتأخرين أنه إن أمكن يخرج من الحرم ويحرم وإلا أحرم من موضعه ويصخ حجه ،

واختاره هو قده .

ولعل اقتصار جماعة من الفقهاء كالمحقق في الشرائع والمصنف - ره - في

القواعد ، وغيرهما في غيرهما على ذكر بطلان الاحرام من جهة أمكان صحة الحج بان

يحرم من موضعه .

وكيف كان فمقتضى القواعد وإن كان هو القول الاول ، لان بانتفاء الجزء

 

 

[ . . . ]

والشرط ينتفي الكل والمشروط ، إلا أن صحيح الحلبي قال : سألت أبا عبد الله ( عليه

السلام ) عن رجل ترك الاحرام حتى دخل الحرم ، فقال : يرجع الى ميقات أهل بلاده

الذي يحرمون منه فيحرم ، فان خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فان استطاع

أن يخرج عن الحرم فليخرج ( 1 ) . باطلاقه يشمل التارك عن علم وعمد ، ويدل على

صحة إحرامه وحجه إن أحرم من موضعه .

واورد عليه بايرادين :

أحدهما : ما في الجواهر ، قال : إن تقييد إطلاق دليل التوقيت الدال على بطلان

الحج بدون الاحرام من الميقات - باطلاق الصحيح ليس باولى من تنزيل إطلاق

صحيح الحلبي على غير الفرض - يعني غير العامد - وهو أولى من وجوه ، انتهى .

وفيه : إن الرجوع الى المرجحات إنما هو في غير المطلق والعام والخاص ،

وأما فيهما فيقدم إطلاق المقيد والخاص على إطلاق المطلق والعام بلا كلام ، ونسبة

صحيح الحلبي مع أدلة التوقيت نسبة العام والخاص والمطلق والمقيد ، فلا وجه لملاحظة

المرجحات ، بل يقدم الصحيح .

ثانيهما : أن الحمل على الصحة يقتضي اختصاص الخبر بغير العامد ، فان حمل

الترك على الاعم من العمد خلاف حمل فعل المسلم على الصحة .

وفيه : أنه إن كان محط نظر المورد أن الحمل على الصحة يقتضي انصراف

الصحيح عن العامد . فيرد عليه : أنه لو سلم فهو بدوي لا يعتني به .

وإن كان مراده أن ذلك يوجب تقييد إطلاقه . فغير ظاهر الوجه ، فالمتحصل :

أن البناء على كفاية الخروج من الحرم والاحرام من خارجه ، ومع عدم إمكانه فالاحرام

……………………………………………

1 - الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 7 .

 

 

[ . . . ]

من موضعه هو الاظهر .

ثم ان صحيح الحلبي مختص بالعمرة المتمتع بها والحج ، ولا يشمل العمرة المفردة ،

فالاكتفاء فيها بالاحرام من موضعه يتوقف على العلم بعدم الخصوصية وهو مشكل ، فعلى

هذا لو ترك الاحرام من الميقات متعمدا وأمكنه الاحرام من أدنى الحل فهل يجوز له

الاحرام منه كما أفاده صاحب الجواهر - ره - وسيد العروة وغيرهما ، أم لا ؟

قال في الجواهر : وظاهر المتن والقواعد وغيرهما بطلان الاحرام منه ولو للعمرة

المفردة ، وحينئذ لا يباح له دخول مكة حتى يحرم من الميقات ، بل عن بعض

الاصحاب التصريح بذلك لكن قد يقال : إن المراد بطلانه للاحرام للحج لا للعمرة

المفردة التي أدنى الحل ميقات لها اختياري وإن أثم بتركه الاحرام عند مروره

بالميقات ، بل قيل : إن الاصحاب إنما صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقا ، ويمكن صرف

ظاهر المتن وغيره اليه ، ولعله الاقوى . انتهى .

أقول : - بعد تصحيحه بان المراد من العمرة المفردة العمرة بعد حج القران

والافراد ، لما تقدم أنه - قده - ادعى الاجماع على أن أدنى الحل ميقات لخصوص تلك

العمرة دون كل عمرة مفردة - إنه قد مر أن أدنى الحل إنما هو ميقاتها إذا كان المعتمر

في مكة ، وإلا فيتعين عليه الاحرام من أحد المواقيت الخمسة وليس أدنى الحل ميقاتا

لها .

اللهم إلا أن يقال : إن مراده ما لو خرج المعتمر من مكة وتجاوز الميقات ثم

رجع منه ، ولكن يرد عليه : أن دليل توقيت أدنى الحل لا يشمل مثل ذلك ، وعليه

فالمتعين هو الرجوع الى إطلاق أدلة التوقيت الشامل للعمرة المفردة ، فالمتحصل : عدم

الاكتفاء بالاحرام من أدنى الحل في الفرض .

وعلى القول بان من أخر الاحرام من الميقات عالما عامدا ولم يتمكن من العود

 

 

]وإن كان ناسيا أو جاهلا رجع مع المكنة[

 

اليه بطل حجه وإحرامه - لا إشكال في وجوب قضاء الحج عليه اذا كان مستطيعا في

السنة اللاحقة ، وأما اذا لم يكن مستطيعا فان رجع بعد تجاوز الميقات ولما يدخل الحرم

فلا قضاء عليه بلا خلاف نعلمه كما في التذكرة .

وأما إن دخل الحرم فعن الشهيد في المسالك : وجوب القضاء عليه لوجوب

الاحرام عليه ، فاذا لم يأت به قضاءه .

وأورد عليه سبطه السيد السند في محكي المدارك بان الاحرام مشروع لتحية

البقعة ، فاذا لم يأت به سقط ، وحيث إن القضاء فرض مستأنف فثبوته يتوقف على

الدليل وهو منتف هنا ، لاصالة البراءة من القضاء وهو متين .

وقد وجه صاحب الجواهر كلام الشهيد : بانه لعل مراده ما لو دخل مكة حاجا

ولو باحرام من دونه ، وعليه فيكون القضاء للحج لا للاحرام .

وفيه أولا : أنه خلاف ظاهر عبارة المسالك .

وثانيا : انه لا دليل على وجوب قضاء الحج في الفرض ، لاختصاص ما دل على

وجوب قضاء من أفسد حجه بغير ذلك ومقتضى الاصل عدم وجوبه ، هذا كله فيما لو

ترك الاحرام عن علم وعمد .

 

لو ترك الاحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا

 

( و ) أما ( إن ) تركه من الميقات و ( كان ناسيا أو جاهلا ) بالحكم أو الموضوع

وهي الصورة الثانية فلا خلاف في أنه ( رجع مع المكنة ) .

وفي المنتهى : اتفقوا على وجوب الرجوع الى الميقات للناسي والجاهل ، انتهى .

وقريب منه ما في التذكرة .

 

 

[ . . . ]

وهو مضافا الى كونه على وفق القاعدة ، يشهد به : جملة من النصوص كصحيح

الحلبي ، قال : سالت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل ترك الاحرام حتى دخل

الحرم ، فقال ( عليه السلام ) : يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم ،

فان خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فان استطاع أن يخرج من الحرم

فليخرج ( 1 ) .

وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) عن امرأة كانت مع

قوم فطمثت فأرسلت اليهم فسألتهم فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت

حائض ، فتركوها حتى دخلت الحرم ، فقال ( عليه السلام ) : إن كان عليها مهلة فترجع

الى الوقت فلتحرم منه ، فان لم يكن عليها وقت فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما

تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها ( 2 ) .

وصحيح الحلبي عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل نسي أن يحرم

حتى دخل الحرم ، قال ( عليه السلام ) : قال أبي ( عليه السلام ) يخرج الى ميقات أهل

أرضه ، فان خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، فان استطاع ان يخرج من الحرم

فليخرج ثم ليحرم ( 3 ) . ونحوها غيرها .

والثالث وإن كان مختصا بالناسي ، والثاني مختصا بالجاهل بالحكم إلا أن الاول

عام شامل لهما وللجاهل بالموضوع .

ومن الغريب أن بعض الاعاظم سلم شمول ذبك للعالم العامد ، ومع ذلك ادعى

في المقام أنه ليس في النصوص تعرض لحكم الجاهل بالموضوع ، قال : ولكن يمكن

……………………………………………

1 - الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 7 .

2 - الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 4 .

3 - الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

استفادته من النصوص الواردة في غيره لا سيما وكون الحكم إجماعيا .

وبهذه النصوص يقيد إطلاق مادل على أنه يخرج من الحرم ويهل بالحج كخبر

أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل جهل أن يحرم

حتى دخل الحرم كيف يصنع ؟ قال ( عليه السلام ) يخرج من الحرم ثم يهل بالحج ( 1 ) .

ويحمل على صورة عدم إمكان الرجوع الى الميقات .

كما أن بها يقيد إطلاق ما دل من النصوص على أنه يحرم من مكانه كخبر سورة

بن كليب ، قال : قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) : خرجت معنا امرأة من أهلنا فجعلت

الاحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكة ونسينا أن نامرها بذلك ، قال ( عليه السلام ) :

فمروها فلتحرم من مكانها من مكة أو من المسجد ( 2 ) . ويحمل على صورة تعذر الرجوع

الى الميقات .

وأما خبر علي بن جعفر عن أخيه ( عليه السلام ) عن رجل ترك الاحرام حتى

انتهى الى الحرم فاحرم قبل أن يدخله ، قال ( عليه السلام ) : إن كان فعل ذلك جاهلا

فليبن - هكذا في الوسائل - مكانه ليقضي ، فان ذلك يجزيه إن شاء الله تعالى ، وان رجع

الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فانه أفضل ( 3 ) . الصريح في عدم وجوب الرجوع

الى الميقات مع التمكن منه ، فلضعفه في نفسه ، لان عبد الله بن الحسن لم يوثق ،

ولاعراض المشهور عنه ، بل لا قائل به كما في الجواهر لابد من طرحه .

قال في المستند : لو تعذر رجوع الناسي أو الجاهل الى الميقات فليرجع الى

قرب الميقات بقدر الامكان وفاقا للشهيد وبعض آخر .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 3 .

2 - الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 5 .

3 - الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 10

 

 

[ . . . ]

وعن الشهيد - قده - الاستدلال له بقاعدة الميسور .

ولكن يرد عليه أولا : أنها غير تامة في أجزاء الواجب .

وثانيا : أنها لو تمت يخرج عنها باطلاق النصوص المتضمنة أنه من مكانه

أو بعد ما يخرج من الحرم .

وقد يستدل له بصحيح معاوية المتقدم : فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج

من الحرم بقدر ما لا يفوتها .

وعن سيد المدارك بعد نقل الصحيح : أنه يمكن حمله على الاستحباب ، لعدم

وجوب ذلك على الناسي والجاهل مع الاشتراك في العذر ، ولموثق زرارة في المرأة

المذكورة الحاكم بإنها من مكانها .

وفيه : أن عدم وجوبه عليها أول الكلام ، والاشتراك في العذر قياس مستنبط ،

والموثق مطلق يحمل على المقيد وهو الصحيح .

فالحق في الجواب عنه أن يقال : إن مقتضى جملة من النصوص كصحيحي

الحلبي المتقدمين ، وخبر أبي الصباح المتقدم ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله

( عليه السلام ) عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم

يحرم حتى أتى مكة فخاف ان رجع الى الوقت أن يفوته الحج . فقال ( عليه السلام ) :

يخرج من الحرم ويحرم ويجزيه ذلك ( 1 ) . بانه إن لم يتمكن من الرجوع الى الميقات يخرج

من الحرم إن قدر ويحرم منه ويجزيه .

وبها يقيد إطلاق صحيح معاوية الدال على أن المرأة إن تقدر على الرجوع

الى الميقات فلترجع الى ما قدرت بقدر ما لا تفوتها الحج ، فانه مطلق من حيث

……………………………………………

1 - الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

الرجوع الى خارج الحرم أو أزيد منه ، فيقيد إطلاقه بالنصوص المتقدمة .

فان قيل : إنهما مثبتان فكيف يحمل المطلق على المقيد .

قلنا : إن قوله ( عليه السلام ) في صحيح ابن سنان : يجزيه ذلك . يدل على عدم

لزوم الاحرام من ما فوق ذلك وإن قدر عليه ، مع أن حمل هذه النصوص على ما اذا

لم يقدر على الرجوع في الجمله الى ما فوق الحرم حمل على الفرد النادر جدا ، وهو بعيد

غير صحيح .

أضف الى ذلك كله أن الصحيح في خصوص الجاهل بالحكم ، والتعدي يحتاج

الى دليل مفقود .

فتحصل : ان الجاهل أو الناسي إذا ترك الاحرام من الميقات يرجع الى الوقت

مع المكنة ، وإلا فإن دخل الحرم يخرج منه ويحرم .

وإن لم يتمكن من الرجوع الى الوقت ولم يدخل الحرم ولكن أمامه ميقات آخر

فهل يحرم من مكانه ، أو يؤخر الاحرام الى ذلك الميقات ؟ وجهان ؟ أقواهما : الثاني

لعموم دليل ذلك الميقات ، فإنه وإن لم يكن ميقاتا مع عدم العذر لكن لا كلام في أنه

ميقات معه ، ونصوص الباب الدالة على أنه يحرم من موضعه اذا لم يتمكن من الرجوع

الى الميقات موردها ما لو علم وتذكر وهو في الحرم وهو غير ما نحن فيه .

وعن الشهيد الثاني في المسالك ، وسبطه السيد في المدارك ، وصاحب الجواهر في

الجواهر : أنه مع إمكان العود الى ميقات أهل بلاده لا يجب العود إن كان أمامه ميقات

آخر .

واستدل له بأنه أيضا ميقات لمن مر به عند وصوله ، وبأنه يجتزي بالاحرام منه

عن الاختيار فضلا عن العذر .

ولكن ظاهر أكثر نصوص الباب تعين العود الى ميقات أهل بلاده ، وبها يقيد

 

 

[ وأحرم من موضعه إن لم يتمكن ]

 

إطلاق صحيح معاوية المتقدم المتضمن : فلترجع الى الوقت فلتحرم منه . لو لم يكن

المراد منها الميقات الذي عبروا عليه حين سألتهم المرأة ، وكذا يقيد به إطلاق دليل

ذلك الوقت .

هذا كله فيما اذا تمكن من الرجوع الى الميقات أو الى خارج الحرم ، فقد عرفت

انه يرجع اليه ويخرج من الحرم مع التمكن ( و ) إن لم يتمكن من ذلك فقد طفحت

كلماتهم بأنه ( أحرم من موضعه ان لم يتمكن ) .

وفي كثير من الكلمات دعوى نفي الخلاف فيه الاجماع عليه والنصوص

المتقدمة شاهدة به .

 

لو ترك الاحرام عن عذر

 

وأما الصورة الثالثة ، وهي ما ترك الاحرام عن عذر غير النسيان والجهل

فالظاهر إجراء حكم الناسي فيها ، لا لما في الجواهر من فحوى النصوص الواردة فيه

وفي الجاهل ، بل هو أعذر من الناسي وأنسب بالتخفيف ، فإن ذلك قياس مستنبط ،

بل لاطلاق صحيح الحلبي المتقدم بالتقريب الذي مر في العالم العامد .

نعم في خصوص من كان مغمى عليه ورد خبر دال على أنه يحرمه رجل ، وهو

مرسل جميل عن أحداهما ( عليه السلام ) في مريض اغمي عليه فلم يعقل حتى أتى

الوقت ، قال ( عليه السلام ) يحرم عنه رجل ( 1 ) .

والمراد به أنه يحرم به رجل ، ويتولى النية النائب ، ويجنبه محرمات الاحرام ، لا

أنه ينوب عنه في الاحرام ، ولازم ذلك عدم وجوب العود الى الميقات بعد إفاقته وإن

……………………………………………

1 - الوسائل باب 20 من أبواب المواقيت حديث 4 .

 

 

[ . . . ]

كان ممكنا ، وهو وإن كان مرسلا ، إلا أنه عن جمع من الاعيان كالشيخ في النهاية

والمبسوط والتهذيب ، والاحمدي ، والمهذب ، والجامع ، والمحقق في المعتبر ، والمصنف في

القواعد ، والشهيد في الدروس وغيرهم في غيرها : العمل به ، وعليه فضعفه منجبر

بالعمل .

ولكن لو لم يحرم به أحد يلحقه حكم غيره من ذوي الاعذار ، كما أن في غير

مريد النسك إذا لم يتمكن من العود الى الميقات إشكالا ، فإن شمول إطلاق صحيح

الحلبي له لا يخلو عن إشكال ، فإن دعوى انصرافه الى من ترك الاحرام وهو يريد

النسك من جهة ظهور قول السائل : ترك الاحرام . في تركه لما لا ينبغي تركه ، فإنه

المحتاج الى السؤال ، قريبة ، وعليه فالصحيح لا يشمله ، ومقتضى القاعدة عدم صحة

حجة .

 

لو نسي المتمتع الاحرام للحج

 

الرابعة : لو نسي المتمتع الاحرام للحج بمكة فتارة يتذكر وهو في عرفات ،

واخرى يتذكر وهو في المشعر أو بعد الافاضة منه ، وثالثة يتذكر وقد أتى بجميع

الاعمال .

أما الصورة الاولى ، فمقتضى القاعدة أنه اذا تمكن من العود وجب ، لوجوب

الاتيان بالمأمور به وجهه .

ولكن صحيح علي بن جعفر عن أخيه ( عليه السلام ) عن رجل نسي الاحرام

بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله ؟ قال ( عليه السلام ) : يقول : اللهم على كتابك وسنة

نبيك فقد إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده إن

 

 

[ . . . ]

كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه ( 1 ) - يدل بإطلاقه على عدم وجوب العود الى

الميقات وصحة حجة وإحرامه لو أحرم من موضعه .

وأفاد بعض الاعاضم : أن النصوص المتقدمة الدالة على لزوم الاحرام من

الميقات مع المكنة تقيده .

وفيه : أنها في نسيان إحرام العمرة من ميقاتها ، والصحيح في نسيان إحرام الحج

من مكة ، فلا يكونان في مورد واحد ، كي يقيد إطلاق الصحيح بها .

فما عن المصنف في المنتهى والتذكرة من أنه لو نسي الاحرام بالحج حتى

حصل بعرفات أحرم من موضعه وصح حجه هو الظاهر من الادلة ولو لم يتمكن من

العود الى مكة أحرم من موضعه بلا كلام ، وعليه اتفاق النص والفتوى .

وأما صورة الثانية ، فعن جماعة منهم : الشهيد في الدروس : أنه يصح حجة ،

وتردد سيد المدارك في الحكم .

واستدل للاول بحديث رفع النسيان بتقريب أن الحديث وارد في مقام الامتنان ،

ومقتضى الامتنان رفع قيدية الاحرام من مكة في الفرض بالخصوص فيصح حجة

حينئذ ، لاتيان المأمور به على وجهه .

وفيه : أن حديث الرفع إنما يرفع الحكم ولا يصلح للوضع ، وحيث إن رفع الجزئية

والشرطية إنما يكون برفع الامر بالكل فهو رافع له ، ولا يصلح لاثبات الامر بالباقي ،

فما أتى به غير مأمور به ، وتمام الكلام في محله .

وربما يستدل له بما دل على أن من نسي الاحرام حتى قضى المناسك كلها

صح حجة حيث إنه يدل على حكم نسيان الاحرام في البعض بالاولوية ، وهو حسن

……………………………………………

1 - الوسائل باب 14 من أبواب المواقيت حديث 8

 

 

[ لو نسي الاحرام حتى كملت مناسكه صح حجه على رواية ]

 

سيما بملاحظة ما ورد في نسيانه ثم تذكر وهو في عرفات الدال على الصحة ، فإن أهل

العرف يفهمون من ضم أحدهما بالآخر أن حكم التذكر في المشعر وبعده أيضا كذلك .

وأما الصورة الثالثة ( و ) هي ما ( لو نسي الاحرام حتى أكمل مناسكه )

فالمشهور بين الاصحاب أنه يجزيه نيته اذا كان قد نوى ذلك فقد ( صح حجه ) .

و ( على ) ذلك ( رواية ) وهي مرسل جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما

عليهما السلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى ،

قال ( عليه السلام ) يجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه وإن لم يهل ( 1 ) .

واورد عليه بإيرادين :

1 - ما عن المدارك وهو أنه ضعيف ، للإرسال .

وفيه : إنه بعد إفتاء المشهور به ، بل عن الدروس أنه فتوى الاصحاب إلا ابن

إدريس - لا محالة ينجبر ضعفه سيما وأن الرواي عن جميل ابن أبي عمير .

2 - ما عن الدروس من أنه يدل على الصحة فيما لو كان المنسي التلبية لا

النية وفيه : ما عن المدارك : أن ظاهر قوله : إذا كان قد نوى ذلك . أنه نوى الحج بجميع

أجزائه جملة لا نوى الاحرام ، بقرينة ذكر الجاهل مع الناسي والجاهل لا يتأتي منه نية

الاحرام وهو واضح .

وأما الاستدلال له بما يأتي في الجاهل اما بأن الناسي أعذر من الجاهل ، أو

لشمول الجهل للنسيان كما عن كشف اللثام . فغير صحيح ، لمنع الثاني ، وكون الاول

قياسا .

وهل نسيان الاحرام من الميقات للعمرة أيضا كذلك كما هو المشهور بين

……………………………………………

1 - الوسائل باب 20 من أبواب المواقيت حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

الاصحاب ، أم لا ؟ وجهان .

وجه الاول : شمول المرسل لنسيان عمرة التمتع لكونها جزءا للحج فيشملها

إطلاق المرسل ، ويثبت في العمرة المفردة بعدم الفصل أو بالاولوية .

وجه الثاني : ان المرسل في خصوص نسيان إحرام الحج والتعدي الى العمرة لا

يخرج عن القياس ، أفاده سيد المدارك ، والاول أظهر .

هذا كله في نسيان المتمتع الاحرام للحج ، ولو جهلة فإن كان قضى المناسك

كلها صح حجه بلا خلاف .

ويشهد به ذيل صحيح علي بن جعفر المتقدم : فإن جهل أن يحرم يوم التروية

بالحج حتى رجع الى بلده إن كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه وإلا فحكمه حكم

الناسي ، لأن صدر صحيح علي بن جعفر المتضمن لحكم التذكر في عرفات في الناسي ،

وذيله المتضمن للتوجه بعد قضاء المناسك كلها في الجاهل ، وهذا كاشف عن اتحاد

حكمهما كما فهمه الاصحاب .

 

حقيقة الاحرام

 

ثم إنه يقع الكلام في الاحرام ، والكلام فيه في مواضع :

1 - في حقيقته .

2 - في واجباته .

3 - في ما يستحب فيه وقبله .

4 - في تروكه .

5 - في أحكامه .

 

 

[ . . . ]

أما الاول ، فقد اختلفت كلمات القوم في حقيقة الاحرام على أقوال :

الاول : أن الاحرام عبارة عن إيقاع التلبية المقارنة لنية الحج أو العمرة في

المواضع المعين نسب ذلك الى الشيخ في التهذيب والاستبصار ، با الى الاكثر ، بل نقل

عليه الاجماع في كثير من الكتب كالانتصار والخلاف والجواهر والغنية وغيرها .

الثاني : أنه عبارة عن النية . وهو المنسوب الى الجمل والمبسوط والمسالك .

الثالث : أنه عبارة عن النية والتلبية . حكي عن ابن ادريس .

الرابع : أنه مركب من النية والتلبية ولبس الثوبين . نسب ذلك الى المصنف في

المختلف .

الخامس : أنه عبارة عن توطين النفس ترك المنهات المعهودة الى أن يأتي

بالمحل . وهو الذي ذهب اليه الشهيد ره .

السادس : أنه الحالة الحاصلة للشخص من التزام ترك المحرمات أو نية ترك

المحرمات . وهناك وجوه اخر لم أظفر بقائلها .

ومن يقول بأنه عبارة عن النية . ليس مراده نية الحرام ، كي يرد عليه ما أورده

بعض الاعاظم بأن الاحرام فعل اختياري يقع تارة عن نية واخرى لا عنها ومن

المعلوم أن النية لا تكون موضوعة للنية ، بل المراد نية ترك المحرمات أو نية الاعمال

أو نيتهما معا ، فإشكال عدم المعقولية في غير محله .

وأما النصوص فهي مختلفة وعلي طوائف .

الاولى : ما يظهر منها دخل التلبية في الاحرام أو كونه هو التلبية خاصة

كصحيح معاوية بن وهب عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن التهيؤ للاحرام ،

فقال : في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد ترى اناسا

يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي الى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم

 

 

[ . . . ]

تقول : لبيك اللهم لبيك . . . الى آخره ( 1 ) .

وصحيح الحلبي عنه ( عليه السلام ) في حديث : وقت لاهل المدينة ذا الحليفة

وهو مسجد الشجرة كان يصلي فيه ويفرض الحج ، فإذا خرج من المساجد وسار

واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الاول أحرم ( 2 ) . فإن ما يفعل في المسجد هو النية

والعزم على الحج ، وما يفعل في البيداء هو التلبية ، وأطلق عليها الاحرام .

وصحيح البزنطي عن أبي الحسن ( عليه السلام ) عن رجل متمتع كيف يصنع ؟

قال ( عليه السلام ) : ينوي العمرة ويحرم بالحج ( 3 ) . فإن المراد بالاحرام التلبية ، كما

يشهد به صحيح أحمد ، قلت لابي الحسن علي بن موسى ( عليه السلام ) كيف أصنع

إذا أردت أن أتمتع ؟ فقال : لب بالحج وانو المتعة . الحديث ( 4 ) .

وصحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) يوجب الاحرام

ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم ( 5 ) .

ويمكن أن يستظهر ذلك من النصوص الاتية في محلها المتضمنة أنه يجوز كل

فعل يحرم على المحرم قبل التلبي الموافقة لعمل الاصحاب .

ولكن بإزاء تلك جملة من الاخبار صريحة أو ظاهرة في كون الاحرام غير التلبية

كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) صل المكتوبة ثم أحرم بالحج

أو بالمتعة واخرج بغير تلبية حتى تصعد الى البيداء الى أول ميل من يسارك فإذا

……………………………………………

1 - الوسائل باب 34 من أبواب الاحرام حديث 3 .

2 - الوسائل باب 1 من أبواب المواقيت حديث 4 .

3 - الوسائل باب 22 من أبواب الاحرام حديث 1 - 4 .

4 - الوسائل باب 22 من أبواب الاحرام حديث 4 .

5 - الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 20 .

 

 

[ . . . ]

استوت بك الارض راكبا كنت أو ماشيا فلب ( 1 ) . ومثله صحيحاه الآخران .

وخبر المفيد قال ( عليه السلام ) : إذا أحرمت من مسجد الشجرة فلا تلب حتى

تنتهي الى البيداء ( 2 ) .

وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن أحرمت من

غمرة ومن بريد البعث صليت وقلت كما يقول المحرم في دبر صلاتك ، وإن شئت لبيت

من موضعك ، والفضل أن تمشي قليلا ثم تلبي ( 3 ) .

وخبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن ( عليه السلام ) ، قال : قلت : له : إذا احرم

الرجل في دبر المكتوبة أيلبي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة ؟ قال : أي

ذلك شاء صنع ( 4 ) . الى غير ذلك من الاخبار التي تكون بهذا المضمون .

وأيضا الاخبار المستفيضة الدالة على لزوم الاحرام من الميقات وعدم جواز

تأخير الاحرام المتفق بين الاصحاب على العمل بها اذا انضم اليها نصوص مستفيضة

اخرى دالة على جواز تأخير التلبية عنه المختلف فيه بينهم تكون ظاهرة بل صريحة

في عدم كون التلبية من الاحرام ، بل هي واجبة فيه .

وكذا لا يناسب جزيئة التلبية للاحرام ولا كونه هي قول كثير منهم لو عقد

الاحرام ولم يلب لم يلزمه كفارة بما فعله ، بل نصوص كثيرة تدل على ذلك كصحيح

عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في الرجل يقع على أهله بعد

……………………………………………

1 - الوسائل باب 34 من أبواب الاحرام حديث 6 .

2 - الوسائل باب 34 من أبواب الاحرام حديث 9 .

3 - الوسائل باب 35 من أبواب الاحرام حديث 1 .

4 - الوسائل باب 35 من أبواب الاحرام حديث 4

 

 

[ . . . ]

ما يعقد الاحرام ولم يلب ، قال ( عليه السلام ) : ليس عليه شئ ( 1 ) .

وصحيحه الآخر : أنه صلى ركعتين في مسجد الشجرة وعقد الاحرام ثم خرج

فأتى بخبيص فيه زعفران فأكل منه ( 2 ) .

ورواه الصدوق بإسناده عن ابن الحجاج إلا أنه قال : فأكل قبل أن يلبي منه .

وصحيح جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما ( عليه السلام ) أنه

قال في رجل صلى في مسجد الشجرة وعقد الاحرام وأهل بالحج ثم مس الطيب

وأصاب أو وقع على أهله ، قال ( عليه السلام ) : ليس بشئ حتى يلبي ( 3 ) .

وخبر حفص بن البختري عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في من عقد الاحرام

في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبي ، قال ( عليه السلام ) : ليس عليه شئ

( 4 ) . الى غير ذلك من النصوص الكثيرة ، وكذا عدهم التلبية أحد واجبات الاحرام الى

غير ذلك من النصوص والفتاوى غير المنطبقة على كون الاحرام هو التلبية أو كونها

داخلة في حقيقته .

والجمع بين المتنافيين إنما يكون بأحد وجهين : إما بأن يقال : إن ما يجوز تأخيره

هو الاجهار بالتلبية دون نفسها ، أو بحمل ما دل على عدم انعقاد الاحرام إلا بالتلبية

وتضمن إطلاق الاحرام عليها على أنه ما لم يلب له ارتكاب المحرمات ولا كفارة عليه

وإن لم يجز له فسخ النية .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 14 من أبواب الاحرام حديث 2 .

2 - الوسائل باب 14 من أبواب الاحرام حديث 3 .

3 - الوسائل باب 14 من أبواب الاحرام حديث 6 .

4 - الوسائل باب 14 من أبواب الاحرام حديث 13 .

 

 

[ . . . ]

وحيث إن الجمع الاول لا يقبله أكثر أخبار جواز تأخير التلبية إلا بتكليف بعيد

فالمتعين هو الثاني ، وعلى ذلك فالتلبية غير داخلة في حقية الاحرام ، فيسقط القول

الاول والثالث والرابع .

وأما لبس الثوبين فلم يرد خبر موهم بدخله في حقيقته ، بل الاخبار الدالة على

جواز تبديل ثوبي الاحرام وغسلهما وما شاكل كالصريحة في عدم دخله فيه .

وكذا تروك الاحرام وإن كان في بعض الاخبار إحرام الرجل في رأسه وإحرام

المرأة في وجهها ( 1 ) ، وهو يوهم دخلها فيه ، ولكن بعد ملاحظة النصوص سيما ما دل على

عدم بطلان الاحرام بعدم تحقق تلك التروك يقطع بعدم دخلها فيه كيف والمحرم إذا

فعل جميع المحرمات من ابتداء إحرامه الى أن يحل لا يخرج عن كونه محرما .

وبذلك يظهر فساد مقايسته بالصوم ، فإن الصائم اذا استعمل المفطر خرج

عن كونه صائما بخلاف المحرم ، فإنه لا ينتقض الاحرام بفعلها ، بل الاحرام بمجرد

حصوله يبقى للمكلف الى أن يحل بالمحل فهو باق بنفسه .

وأمأ النية ، فقد استدل على كونها هي الاحرام بجملة من النصوص كصحيح

معاوية بن عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : لا يكون الاحرام إلا في دبر صلاة

مكتوبة أو نافلة ، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم ، وإن كانت نافلة

صليت ركعتين وأحرمت في دبرهما ، فإذا انفتلت من صلاتك فأحمد الله وأثن عليه وصل

على النبي صلى الله عليه وآله وتقول : اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك -

الى أن قال فيه - احرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من

النساء وثياب والطيب ( 2 ) .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 48 من أبواب تروك الاحرام حديث 1 .

2 - الوسائل باب 16 من أبواب الاحرام حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

وخبر عبد الله بن سنان عنه ( عليه السلام ) : إذا أردت الاحرام والتمتع فقل :

اللهم إني أردت ما أمرت به من المتمتع بالعمرة الى الحج فيسر ذلك لي وتقبله مني

وأعني عليه وحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت علي ، احرم لك شعري وبشري

من النساء والطيب والثياب ( 1 ) .

وخبر أبي الصلاح مولى بسام الصيرفي ، قال : أردت الاحرام بالمتعة ، فقلت لابي

عبد الله ( عليه السلام ) : كيف أقول ؟ قال : تقول : اللهم إني اريد التمتع بالعمرة الى

الحج علي كتابك وسنة نبيك ، وإن شئت أضمرت التي تريد ( 2 ) . ونحوها وغيرها .

أقول : إن غاية ما يستفاد من هذه النصوص تحقق الاحرام في تلك الحال ، وأما

كونه عبارة عن النية فليس في شئ منها ذلك ، بل ظاهر قوله : احرم لك شعري

وبشري . . . الى آخره ، أنه عبارة عما هو المتفاهم عرفا من إطلاق لفظ الاحرام وهو

توطين النفس على ترك المنهيات وإنشاء الالتزام بالتروك ، فالاحرام عبارة عن الحالة

النفسانية وهي الالتزام النفساني الذي هو فعل اختياري ، نظير الالتزام بصحة ما جاء

به النبي صلى الله عليه وآله الذي هو الاسلام ، والالتزام في باب العقود والايقاعات ،

وعلى ذلك ينطبق الاخبار ، وهو المنسبق الى الذهن من لفظ الاحرام .

ودعوى : أن الاحرام هو الحالة النفسانية الحاصلة من هذا الالتزام مندفعة :

بأن تلك الحالة بما أنها ليست من الموجودات العينية ، فلا محالة تكون من الامور

الاعتبارية ، فيسئل عن دليلة وهو مفقود .

فالمتحصل مما ذكرناه : أن الاحرام عبارة عن الالتزام والبناء النفساني على ترك

……………………………………………

1 - الوسائل باب 16 من أبواب الاحرام حديث 2

 2 - الوسائل باب 17 من أبواب الاحرام حديث 2 .

 

 

[ والواجب في الاحرام النية ]

 

المحرمات ، وقد جعل الشارع الاقدس لذلك قيودا ، وحدودا وحكم بعدم الخروج عنه

بعد تحققه إلا بالمحل ، وهذا هو الذي بنى عليه الشهيد - قده - وصاحب المدارك ،

وأظن أن القائلين بأنه عبارة عن النية يكون مرادهم ذلك ، والله تعالى أعلم .

 

من واجبات الاحرام النية

 

( و ) أما الموضع الثاني ف ( الواجب في الاحرام ) امور ثلاثة :

الاول : ( النية ) بلا خلاف فيه ، بل الاجماع بقسميه عليه ، بل المحكى منه

مستفيض ، كذا في الجواهر .

والمراد بها القصد اليه ، والوجه في ذلك - مضافا الى أن الفعل غير الصادر عن

القصد والارادة لا يكاد يتصف بالوجوب ، لقبح التكليف بما هو خارج عن الاختيار ،

ومضافا الى ما سيأتي من النصوص ، والى الاخبار العامة - ما عرفت من أن الاحرام

من العناوين القصدية فلا يعقل تحققه بدون القصد ، وهو نظير العقود والايقاعات لا

يتحقق بدونه ، فهذا مما لا ينبغي الكلام فيه ، إنما الكلام في امور :

1 - أن الاحرام بما أنه من أجزاء الحج أو العمرة - وقد مر دلالة الاية الشريفة

والنصوص على أن الحج والعمرة من العبادات - فهو من العبادات ، ودخل القربة

والخلوص فيها من القضايا التي قياساتها معها فيعتبر فيه قصد القربة .

2 - عن الشيخ في المبسوط : الافضل أن تكون - أي النية - مقارنة للاحرام ،

فإن فاتت جاز تجديدها الى وقت التحلل ، انتهى .

وعن المصنف : الايراد عليه في المختلف بقوله : وفيه نظر ، فإن الاولى إبطال ما

لم يقع بنيته ، لفوات الشرط .

 

 

[ . . . ]

وعن كشف اللثام توجيه كلام الشيخ بأن نظره الى أن التروك لا تفتقر الى

النية ، ولما اجمع على اشتراطه بها كالصوم قلنا بها في الجملة ولو قبل التحلل بلحظة ،

إذ لا دليل على أزيد من ذلك ، وإنما كان الافضل المقارنة ، لان النية شرط في ترتب

الثواب على الترك .

أقول : يرد على ما أفاده امور :

الاول : ما عرفت من أن الاحرام عبارة عن الالتزام والبناء النفساني على ترك

المحرمات لا أنه هو التروك ، والفرق بينه وبين الصوم هو عبارة عن ترك

المفطرات في غاية الوضوح ، ولذا لو أتى باحد المفطرات ينتقض صومه ، بخلاف

الاحرام الذي لو أتي بجميع المحرمات لا ينتقض .

الثاني : ما عرفت من أن الاحرام لا يعقل تحققه لا نية ، وحيث إنه من

العبادات فيعتبر فيه الخلوص والقربة من أول تحققه .

الثالث : انه لو اغمض عن جميع ما ذكرناه وسلم كون التروك هو الاحرام لا

محالة يكون التلبية ولبس الثوبين أيضا داخلين فيه ، وهما من الافعال .

الرابع أن : ما يظهر منه من أن التروك لا تحتاج الى النية ، غير ظاهر الوجه ،

إذ لو كان الترك واجبا كيف لا يكون محتاجا اليها ، نعم في خصوص باب الصوم دل

دليل على عدم اعتبار نية القربة ، فلو لم يشرب لعدم التمكن منه لا يكون الصوم

باطلا ، بل يصح وإن لم يكن تركه الشرب عباديا وقربيا حينئذ ، ولذا قالوا : إن عبادية

الصوم فاعلية لا فعلية ، فتحصل : إن الاظهر اعتبار المقارنة للشروع فلا يكفي

حصولها في الاثناء ، فلو تركها وجب تجديده .

 

 

[ . . . ]

 

تعيين الاحرام في النية

 

3 - يعتبر في النية تعيين كون الاحرام لحج أو عمرة ، وأن الحج تمتع أو قران

أو إفراد ، وأنه حجة الاسلام أو الحج النذري أو الندبي ، فلو نوى الاحرام من غير

تعيين وأوكله الى ما بعد ذلك بطل .

وعن المبسوط والمهذب والوسيلة والتذكرة والمنتهى وكشف اللثام : أنه لو نوى

الاحرام مطلقا ولم يذكر لا حجا ولا عمرة انعقد إحرامه وكان له أن يصرفه الى أيهما

شاء .

ويمكن الاستشهاد للاول بوجوه :

الاول : أن الاحرام من أجزاء النسكين ، وحيث إن عنوان المتعة وأخويه من

العناوين القصدية المعتبرة ، ولذلك بنينا على لزوم قصد المتعة في حج التمتع ، فلا بد من

قصد العنوان القصدي المأخوذ في المأمور به .

الثاني : أن الاحرام إذا كان صالحا لوقوعه امتثالا لاوامر متعددة ، فلو لم يقصد

أحدها المعين لا يقع امتثالا لشئ منها ، إذ وقوعه امتثالا للجميع غير ممكن ، ولاحدها

دون غيره ترجيح بلا مرجح ، فلا محالة لا يقع امتثالا لشئ منها .

الثالث : النصوص الكثيرة الدالة على لزوم قصد المتعة حين الاحرام المسرية

الى سائر الانواع بعدم القول بالفصل كصحيح البزنطي عن أبي الحسن ( عليه

السلام ) عن متمتع كيف يصنع ؟ قال ( عليه السلام ) : ينوي العمرة ويحرم بالحج ( 1 ) .

……………………………………………

1 - الوسائل باب 21 من أبواب الاحرام حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

وخبر أبان بن تغلب ، قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) بأي شئ اهل ؟ فقال

( عليه السلام ) : لا تسم حجا ولا عمرة وأضمر في نفسك المتعة ، وإن أدركت كنت

متمتعا وإلا كنت حاجا ( 1 ) .

وصحيح أحمد ، قلت لابي الحسن علي بن موسى ( عليه السلام ) كيف أصنع إذا

أردت أن أتمتع ؟ فقال ( عليه السلام ) : لب بالحج وانو المتعة ( 2 ) . الى غير ذلك من

النصوص الكثيرة المعتضدة باخبار الدعاء حال الاحرام المتضمنة لتعيينه .

واستدل للقول الآخر بوجوه :

1 - ما عن كشف اللثام من أن النسكين في الحقيقة غايتان للاحرام غير

داخلين في حقيقته ، ولا يختلف حقيقة الاحرام نوعا ولا صنفا باختلاف غاياته ،

فالاصل عدم وجوب التعيين .

وفيه أولا : أن الاحرام من أجزاء النسكين .

وثانيا : على فرض كونهما غايتين له يرد هذا الوجه الوجه الثاني الذي ذكرناه ،

وليس من قبيل الوضوء بالنسبة الى الصلاة ، فإنه مشروع لنفسه ، فيمكن أن يتعبد به

لنفسه من دون نية غاية ، بخلاف الاحرام فإنه لو سلم كون النسكين غايتين له لا

إشكال في أنه لا يتعبد به لنفسه ، وإنما يتعبد به في ضمن غايته .

2 - ما عن المصنف - ره - في التذكرة : قال : إن الاحرام بالحج يخالف غيره

من إحرام سائر العبادات ، لانه لا يخرج عنه بالفساد ، وإذا عقد عن غيره باجره أو

تطوعا وعليه فرضه وقع عن فرضه فجاز أن ينعقد مطلقا ، واذا ثبت أنه ينعقد مطلقا

……………………………………………

1 - الوسائل باب 21 من أبواب الاحرام حديث 4

 2 - الوسائل باب 22 من أبواب الاحرام حديث 4 .

 

 

[ . . . ]

فإن صرفه الى الحج صار حجا ، وإن صرفه الى العمرة صار عمرة ، انتهى .

وفيه : ان عدم الخروج عنه بالفساد لما دل على أنه لا يخرج عنه إلا بالمحل

لا ينافي كونه لازم التعيين قبل تحققه والاتيان به ، ووقوع ما أتى به تطوعا عن فرضه

للدليل من قبيل العدول من صلاة الى اخرى . لا يدل على عدم لزوم التعيين ، مع أنه

قد عرفت عدم إجزائه عنه .

3 - ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله خرج من المدينة لا سمى حجا ولا

عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة ( 1 ) .

وفيه : أولا : أنه عامي لم يثبت ، بل النصوص دالة على أنه صلى الله عليه وآله

وأصحابنا قصدوا الحج .

وثانيا : أنه على الفرض كان قصور في التشريع وإلا فهم قصدوا ما هو المشروع

بخصوصياته .

فتحصل أن الظهر اعتبار التعيين ، نعم يكفي التعيين الاجمالى كما لو نوى

ما يجب عليه فعلا وكان الواجب عليه حج التمتع ، فإن الامر يدعو الى ما تعلق ، به ،

فقصد يجب عليه قصد لذلك العنوان المأخوذ في المتعلق فيكفي .

فهل يكون نية الاحرام لما سيعينه من حج أو عمرة كافيا كما في العروة

بدعوى أنه نوع تعيين ، وفرق بينه وبين ما لو نوى مرددا مع إيكال التعيين الى ما

بعد ، أم لا ؟ وجهان ، أظهرهما : الثاني : لان ذلك لا يخرجه عن عدم التعيين .

ودعوى : أنه اذا نوى الحج بعد ذلك فقد نوى الحج من الاول ، وإذا كان ما

يعينه العمرة فقد نوى العمرة من أول الامر . مندفعة بأنه إذا كان ما يشير اليه في النية

 ……………………………………………

1 - سنن البيهقي ج 5 ص 6 .

 

 

[ . . . ]

متحققا خارجا حين النية كما لو نوى ما يجب عليه فعلا تم ذلك .

وأما اذا كان غير متحقق وتحققه إنما يكون باختياره وتعيينه وأن له أن يعين

الحج مثلا أو العمرة وله أن لا يعين شيئا ، فلا يكون ذلك تعيينا له من الاول ، بل هو

تعيين له من حينه وهو غير كاف .

ويدل على ذلك خبر أبان المتقدم ، فإنه في صورة ترديده في أن يتمتع أو يحج

سأل عن الامام كيفية النية والامام ( عليه السلام ) أمره بأن ينوي المتعة وأنه إن

أدرك يكون متمتعا وإلا ينقلب ويصير حجا ، ولو كان ذلك كافيا لأشار ( عليه السلام )

اليه ، فالاظهر عدم كفاية ذلك ، مع أنه لم يظهر فرق بين ما لو نوى مرددا مع إيكال

التعيين الى ما بعد وبينما لو نوى مطلقا مع إيكال التعيين الى ما بعد .

 

استدامة النية

 

4 - لا يجب في النية قصد الوجه من وجوب أو ندب ، لما حقق في محله وأشرنا

اليه في الجزء الرابع من هذا الشرح في مبحث نية الصلاة ، ولا يعتبر فيها التلفظ بلا

خلاف .

ويشهد له - مضافا الى الاصل - صحيح حماد بن عثمان عن الامام الصادق

( عليه السلام ) ، قلت له : إني اريد أن أتمتع بالعمرة الى الحج فكيف أقول ؟ فقال ( عليه

السلام ) : تقول : اللهم إني اريد ان أتمتع بالعمرة الى الحج على كتابك وسنة نبيك ، وإن

شئت أضمرت الذي تريد ( 1 ) . ونحوه خبر أبي الصلاح المتقدم ، واحتمال إرادة الاسرار

……………………………………………

1 - الوسائل باب 17 من أبواب الاحرام حديث 1 .

 

 

[ واستدامتها حكما ]

 

في التلفظ من الاضمار خلاف الظاهر .

وبهما يرفع اليد عن ظهور الامر في جملة من النصوص بالتلفظ في الوجوب

ويحتمل على الاستحباب ، وبذلك يمتاز الحج عن سائر العبادات ، فإنه لا يستحب

التلفظ بما ينوي ويعزم عليه في غير الحج من العبادات وسيأتي زيادة توضيح لذلك ،

ولا يعتبر الاخطار بالبال ، بل يكفي الداعي المحرك .

وهل يعتبر استدامه النية ، كما في المتن ، قال بعد أن ذكر أن الواجب في الاحرام

النية ( واستدامتها حكما ) أم لا ؟

أقول : في العبادات مطلقا ومنها الحج كما يعتبر النية حدوثا

كذلك تعتبر بقاء واستدامة ، غاية الامر بمن يفسر النية بالارادة

التفصيلية يقول : إنه يعتبر استدامة النية حكما ، ومن يفسرها بالداعي المحرك نحو

الفعل يقول : يعتبر استدامتها حقيقة ، وسره واضح .

وأما في المقام فبالسنبة الى الحج أو العمرة يعتبر استدامة النية ، فإنه من

العبادات ، فلا بد وأن يقع كل جزء منه عن النية .

وأما في الاحرام فقد مر أنه عبارة الالتزام بترك المحرمات ، فحين النية لابد

وأن ينوي ترك المحرمات الى آخر إحرامه ويلتزم بذلك ، ولكن بعد تحققه حيث حكم

الشارع ببقائه ، وأنه لا يخرج من الاحرام إلا بالمحل ، بل لو فعل جميع المحرمات لا

ينتقض إحرامه ، فلا يعتبر فيها استدامة العزم على ترك محرماته ، بل لو عزم على الفعل

وفعل يبقى على إحرامه ، فاستدامة النية بهذا المعنى غير معتبرة .

 

 

[ . . . ]

 

لو نسي بما إذا أحرم ؟

 

5 - قال المصنف - ره - في التذكرة : لو أحرم بنسك ثم نسيه تخير بين الحج

والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما . قاله الشيخ في المبسوط ، لانه قبل الاحرام

يجوز ابتداء أي النسكين شاء ، فمع عدم علم التعيين يستمر هذا الجواز عملا

باستصحاب الحال ، ولانه لو أحرم بالحج جاز له فسخه الى العمرة على ما تقدم ، وقال

الشيخ في الخلاف : يجعله عمرة - الى أن قال - أما لو تعين أحدهما عليه فالوجه

انصرافه اليه . انتهى ، ونحوه ما في المنتهى .

وبما أفتى به في الكتابين أفتى المحقق في الشرائع والشهيدان وغيرهم .

ومحصل ما ذكروه في وجه التخيير في صورة عدم تعيين أحدهما عليه وجوه :

أحدها : أنه قبل الاحرام كان له الاحرام بأي النسكين شاء ويستمر هذا

الجواز عملا بالاستصحاب .

وفيه أنه بالاحرام بكل منهما معينا يتعين ذلك ويتبدل الموضوع ، وهو مانع عن

إجراء الاستصحاب .

ثانيها : أنه لو أحرم بالحج جاز له فسخه الى العمرة .

وفيه : أنه أخص من المدعى ، فإنه لا يستلزم جواز الصرف الى حج .

ثالثها : ما عن كشف اللثام ، قال : لعدم الرجحان وعدم جواز الاحلال بدون

النسك إلا إذا صد أو أحصر ، ولا جمع بين النسكين في إحرام . انتهى .

وفيه أن عدم الرجحان وعدم جواز الاحلال بدون النسك لا يقتضي تعلق

الخطاب بخصوص مال يختاره وصحته على ما أختاره .

 

 

[ . . . ]

رابعها : اقتضاء العقل التخيير ، لاجمال المكلف به وعدم طريق الى امتثاله .

وفيه أولا : أنه بعد العلم الاجمالي بوجوب إتمام أحداهما حيث إنه يتمكن من

الموافقة القطعية بالامتثال الاجمالي مثلا لو تردد المنوي بين العمرة المفردة وحج الانفراد

يأتي بأعمال الحج أولا ثم يأتي مكة فيأتي بأعمالها بنيته المرددة بين الحج والعمرة ، ولو

تردد بين العمرة المفردة والعمرة المتمتع بها ينحل العلم الاجمالي الى علم تفصيلي

بموجب إتيان أعمال العمرة بقصد مانوى ، وشك بدوي في وجوب الحج بعدها فيأتي

بأعمال العمرة بنية مرددة بينهما ، ولايجب بعده الحج .

وبالجملة فطريق الامتثال الاجمالي موجود فيجب بحكم العقل .

نعم لايجزي ذلك عقلا ولاتفرغ به الذمة .

وعليه فربما يدعى أن المسلم عندهم أنه اذا لم يكن العمل مما يجتزئ به في مقام

الامتثال يجوز رفع اليد عنه وإبطاله ، ولذا من شك في انه نوى الظهر أو العصر إن كان

يتمكن من إتمام مابيده بقصد ما دخل فيه ولكن من جهة عدم الاجتزاء به في مقام

الامتثال بنوا على جواز رفع اليد عنه وإبطاله ، فإن ثبت ذلك في المقام يحكم بجواز

رفع اليد عنه ، وإلا فلا .

وثانيا : أنه إذا لم يمكن العلم بالامتثال وإحرازه فيسقط الخطاب ولا يحكم

بالتخيير .

ولو قيل : إن التحليل متوقف على اختيار أحدهما ليحصل به الطواف المقتضي

للتحليل وإلا كان محرما أبدا فهو ليس من التخيير على نحو الابتداء ، لعدم خطاب

به ، بل هو طريق لتحليله وافق أو خالف .

وقد ذكروا في وجه تعين الصرف الى مايجب عليه إذا كان الواجب أحدهما :

بأن الظاهر من حل المكلف الاتيان بما هو فرضه خصوصا مع العزم المتقدم على

 

 

[ . . . ]

الاتيان بذلك الواجب .

وفيه : أنه لادليل على حجته هذا الظهور وكاشفيته عن قصد المفروض .

واستدل للصرف الى ما يتعين عليه إن كان يصح منه أحدهما دون الآخر :

بأصالة الصحة . ولكن لو سلم جريان أصالة الصحة في فعل الانسان نفسه يتوقف

جريانها على إحراز العنوان الذي يكون موضوعا للصحة والفساد ، ولاتجزي مع

الشك فيه .

والحق في المقام أن يقال : إنه تارة يصح أحدهما دون الآخر ، واخرى يصحان

معا ، ولكن يجب عليه أحدهما دون الآخر ، وثالثة يصحان معا ولايجب قبل الاحرام

شئ منهما .

أما في الصورة الاولى ، فيشك في أن ما أتى به الى الآن هل وقع صحيحا أم

لا ؟ فإنه إن كان قصد به العنوان الذي يصح منه فقد صح وإلا بطل ، فيجري قاعدة

التجاوز للشك في الصحة والفساد ، ويحكم بصحة ماأتى به ، وينوي بعد ذلك مايصح

منه ، وبضم الوجدان الى القاعدة يحرز الموضوع ، وعلى هذا بنينا على أن من شك في

أن ما بيده ظهر أو عصر ، وكان قد صلى الطهر يبني على أنه عصر ويتم ما بيده كذلك .

واما الصورة الثانية ، فإن قلنا بأنه مع تعين أحدهما عليه لايصح الآخر فالحكم

كما في الصورة الاولى ، وإن قلنا بأنه يصح وإن عصى بترك الواجب ، فإن كان الواجب

مما يجوز العدول اليه ، كما لو كان هو العمرة المتمتع بها واحتمال الاتيان بحج الافراد

يعدل بنيته الى ما وجب عليه ، فإنه إن كان متمتعا فقد وافق ، وإن كان حاجا فالعدول

منه الى غيره جائز .

وإن كان مما لايجوز العدول اليه فلا يكون موردا لقاعدة التجاوز ولا أصالة

الصحة ، لانهما من القواعد التي يرجع اليها عند الشك في الصحة والفساد ، وأما إذا

 

 

[ . . . ]

كان صحيحا على التقديرين فلا تكونان جاريتين ، وظهور حال المسلم قد عرفت ما

فيه .

وعلى هذا فيمكن أن يقال : إنه يحصل له علم إجمالي بوجوب الاتيان بباق

الاعمال بالعنوان الذي قصده المردد بين عنوانين ، فإن المستحب أيضا مع الشروع فيه

يجب إتمامه ، وحيث إن أحد طرفي العلم الاجمالي وهو خصوص الواجب عليه

بالاصالة كان واجبا من الاول فيجري فيه الاستصحاب ، فلا مانع من جريان اصالة

البراءة عن وجوب الاتمام بالعنوان الآخر ، فيتمه بقصد ما يجب عليه ، ولكنه لايجتزي

به ، إذ الاعمال السابقة مشكوك عنوانها ، ولو أراد الاحتياط بالنحو المتقدم لامانع منه .

وبما ذكرناه ظهر حكم ما اذا كانا معا قبل الشروع مستحبين ، وهي الصورة

الثالثة ، فإنه بعد الشروع يجب إتمامه ، فإذا تردد بين عنوانين ، فإن كان العدول من

أحدهما الى الآخر جائزا كما في الرجوع من حج الافراد الى العمرة المتمتع بها يعدل

اليه ، ويجعل ما بيده عمرة يتمتع بها الى الحج كما مر ، وإلا فيحصل له العلم الاجمالي

بوجوب أحد العنوانين وأصالة البراءة عن وجوب كل منهما تعارض أصالة البراءة عن

وجوب الآخر فتتساقطان فلا بد له من الاحتياط بالنحو المتقدم حتى إذا ثبت قاعدة

جواز رفع اليد عن العمل الذي لايجتزي به في مقام الامتثال ، فإنها لاتشمل المقام

الذي لو احتاط يكون امتثالا لامر ندبي ، وإنما هي في الواجب كما لايخفى .

كما أنه ظهر حكم مالو كانا واجبين كما لو كان عليه حج التمتع ونذر الاتيان

بحج الافراد أيضا بناءعلى ما تقدم من أنه لو ترك حجة الاسلام وأتى بالمنذور يصح

بالترتيب .

 

 

[ . . . ]

 

لاتكفي نية واحدة للعمرة والحج

 

6 - ولو أحرم للحج والعمرة ، ففيه أقوال :

الاول : أنه لايقع لشئ منهما ويكون باطلا ، ذهب اليه المصنف - ره - في

المنتهى والتذكرة ، وصاحب الحدائق ، وعن المسالك والمدارك وغيرهما .

الثاني : أنه يصح وأنه يجب عليه العمرة أولا ثم الحج ، وانه لايحل من العمرة

بعد الاتيان بأفعالها وإنما يحل بعد الاتيان بأفعال الحج ، نسب ذلك الى ابن أبي عقيل

وجماعة .

الثالث : مافي الشرائع وهو : أنه لو كان في أشهر الحج بطل ولزم التجديد ، وإن

كان في غيرها صح عمرة مفرة .

الرابع : أنه يصح فإن كان في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم

يتعين أحدهما وإلا كان للمتعين ، وإن كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة المفردة ،

نسب ذلك الى الخلاف والمبسوط وكشف اللثام .

وجه الاول ظاهر ، فإن الاحرام جزء لكل من النسكين ، فإذا أحرم ونوى

بإحرامه الحج والعمرة بأن يكون إحرامه الشخصي لكل منهما فهو نوى لغير

المشروع فلا يصح ، وإن شئت قلت : إن المأمور به إذا كان فردين يكون الاتيان بفرد

واحد لهما واضح البطلان نظير ما لو كبر لصلاتين .

واستدل للصحة والتخيير بينهما اذا كان فيه أشهر الحج ولم يتعين أحدهما

والصرف الى العمرة والمفردة لو كان في غيرها : بأنهما اذا لم يدخلان في حقيقة الاحرام

فكأنه نوى أن يحرم ليوقع بعد ذلك النسكين وليس فيه شئ وإن عزم على إيقاعهما

 

 

[ . . . ]

في هذا الاحرام وإن لم يكن في أشهر الحج هكذا يحكي عن كشف اللثام .

وحاصله : أن الاحرام حقيقة واحدة ، فإذا وقع على وجه العبادة صح وترتب

عليه أثره .

وفيه أولا : ما عرفت من دخوله في كل من النسكين .

وثانيا على فرض كون النسكين غايتين له الذي دل الدليل على مشروعية

الاحرام لغاية الحج خاصة ولغاية العمرة كذلك ، والاحرام لهما معا لم يدل دليل على

مشروعيته ، والاصل عدمها .

والى هذا يرجع ما عن المسالك والمدارك بأن العبادات توقيفية ولم يثبت عن

الشارع مثل ذلك .

واستدل للصحة عمرة إذا كان في غير أشهر الحج : بأن الحج لما لم يمكن في

غيرها لم يكن التعرض له إلا لغوا محضا ، بل خطأ .

وفيه : ان اللغوية والخطئية لا تنافي البطلان ، لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه

كما مر .

وأما ما عن ابن أبي عقيل وتابعيه ، فقد استدل له بنصوص كصحيح يعقوب

بن شعيب : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) ، فقلت : كيف ترى لي أن اهل ؟ فقال :

إن شئت سميت وإن شئت لم تسم شيئا ، فقلت له : كيف تصنع أنت ؟ قال : أجمعهما

فأقول لبيك بحجة وعمرة معا . ( 1 ) .

وصحيح الحلبي عنه ( عليه السلام ) ، قال : إن عثمان خرج حاجا فلما صار الى

الابواء أمر مناديا ينادي في الناس اجعلوها حجة ولا تمتعوا . فنادى المنادي في الناس

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب الاحرام حديث 6

 

 

[ . . . ]

اجعلوها حجة ولا تمتعوا - الى أن قال - فلما انتهى المنادي الى علي ( عليه السلام )

وكان عند ركائبه يلقمها خبط ودقيقا فلما سمع النداء تركها ومضى الى عثمان ، وقال : ما

هذا الذي أمرت به ؟ فقال : رأي رأيته . فقال : والله لقد أمرت بخلاف رسول الله صلى

الله عليه واله ، ثم أدبر موليا رافعا صوته لبيك بحجة وعمرة معا . الحديث .

وفيه : أن هذه النصوص لا ربط لها بما هو محل الكلام ، بل موردها حج التمتمع

الذي دخل العمرة فيه الى يوم القيامة ، والمقصود الاحرام بعمرة وقصد إنشاء

الحج بعدها فإنهما عبارة واحدة .

وفيها طائتان اخريان ، في إحدهما : نية العمرة خاصة كصحيح البزنطي

المتقدم عن أبي الحسن ( عليه السلام ) عن رجل متمتع كيف يصنع ؟ . قال : ينوي

العمرة ويحرم بالحج ( 2 ) .

وخبر إسماعيل الجعفي ، قال : خرجت أنا وميسر واناس من اصحابنا ، فقال لنا

زرارة : لبوا بالحج . فدخلنا على أبي جعفر ( عليه السلام ) فقال له : أصلحك الله إنا نريد

الحج ونحن قوم صرورة أو كلنا صرورة فكيف نصنع ؟ فقال : لبوا بالعمرة . فلما خرجنا

قدم عبد الملك بن أعيق فقلت له : ألا تعجب من زرارة قال لنا : لبوا بالحج وإن أبا

جعفر ( عليه السلام ) قال لنا : لبوا بالعمرة ؟ فدخل عليه عبد الملك بن أعين فقال له :

إن يلبوا بالعمرة . فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : يريد كل إنسان منهم أن يسمع على

حدة أعدهم علي ، فدخلنا فقال : لبوا بالحج ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لبى

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب الاحرام حديث 7 .

( 2 ) الوسائل باب 21 من أبواب الاحرام حديث 2

 

 

[ . . . ]

بالحج ( 1 ) ونحوهما غيرهما .

وفي الاخرى : الامر بنية الحج ، منها : ذيل خبر الجعفي ، ومنها غير ذلك .

ولذا قال الشهيد في محكي الدروس : وروى زرارة : أن التمتع يهل بالحج فإذا

طاف وسعى وقصر أهل بالحج وفي صحيح الحلبي عن الصادق ( عليه السلام ) دخلت

العمرة في الحج الى يوم القيامة .

وروى اسحاق بن عمار بنية المتعة .

وروى الحلبي أن عليا ( عليه السلام ) قال : لبيك بحجة وعمرة معا ، وليس

ببعيد إجزاء الجميع ، إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة فهو دال عليه

بالتضمن ونيتهما معا باعتبار دخول الحج فيها .

والشيخ - قده - بالغ في الاقتصار على نية المتعة والاهلال بها وبأويل الاخبار

العارضة لها . انتهى .

وفي الجواهر : لاريب في أن المتجه جواز الجميع عملا بجميع النصوص

المراد منها جميا الاشارة الى نية حج التمتع ، ولكن بعبارات متعددة منها : الاهلال

بالحج مضمرا التمتع ، ومنها : الاهلال بعمرة التمتع ، ومنها : الاهلال بحجة وعمرة معا .

انتهى .

فالمتحصل : أجنبية هذه النصوص عما هو محل الكلام ، فالاظهر فيما نحن هو

البطلان كما أفتى به الاساطين .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب الاحرام حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

 

لو نوى كإحرام فلان

 

7 - قال في التذكرة : يصح إبهام الاحرام وهو : أن يحرم بما أحرم به فلان ، فإن

علم ما أحرم به فلان انعقد إحرامه مثله . انتهى ، ونحوه في المنتهى ، وهو المحكي عن

الشيخ .

ومحل الكلام ما إذا لم يعلم حين النية أن فلانا بماذا أحرم ، وإلا فلا خلاف ولا

إشكال في الصحة .

واستدل للصحة فيما هو محل الكلام بجملة من النصوص ، كصحيح الحلبي أو

حسنه عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في حجة الوداع ، أنه صلى الله عليه وآله قال :

يا علي بأي شئ أهللت ؟ فقال : أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وآله ( 1 ) . ونحوه

صحيح معاوية إلا أن فيه أنه قال : قلت : إهلالا كإهلال النبي صلى الله عليه وآله .

ونحوهما مرسل الفقيه ( 3 ) .

ولكن يرد على الاستدلال بها امور :

أحدهما أن التمتع إنما شرع في حجة الوداع وبعد وصول النبي الى مكة ، وقبله

كان المشروع خصوص حج الافراد والقران الذين هما حقيقة واحدة ، والفرق إنما هو

في سياق الهدي ، فلم يكن إجمال في إحرامه ، كما أن المسلمين بأجمعهم أحرموا كإحرام

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب أقسام الحج حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 2 من أقسام الحج حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 2 من أقسام الحج حديث 25 .

 

 

[ . . . ]

رسول الله صلى الله عليه وآله ، فالمقصود من قوله كإهلاك . في مقابل إهلال الجاهلية .

ثانيها : إن عليا ( عليه السلام ) لعله كان عالما بإهلال النبي صلى الله عليه وآله

وكان قد ساق الهدي وأهل بالقرآن ، كما يشهد به صحيح معاوية المتضمن أن النبي صلى

الله عليه وآله ساق الهدي أربعا وستين أو ستا وستين بدنة ، وأن عليا ( عليه السلام ) جاء

باربع وثلاثين أو ست وثلاثين .

ثالثها : أن المذكور في صحيح الحلبي أن النبي صلى الله عليه وآله ساق مائة

بدنة وبعد أن جاء علي من اليمن وقال : أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وآله

أشركه في هديه ، وهذا - مضافا الى كونه مخالفا لما تضمنه حديث معاوية - لا يمكن

تصحيحه إلا بالالتزام بأن ذلك من مختصاته ، فإنه مع عدم سياق الهدي كيف يشترك

في الهدي وكيف يصير حجه قرانا ! ؟

وربما يستدل للصحة بان ذلك نوع تعيين ولا بأس به إن لم يكن إحرام فلان

متأخرا ، بل كان متقدما أو مقارنا ، فإنه لما أحرم واقعا معينا وهذا ينوي ذلك المعنون

بعنوان خاص فيكون ذلك تعيينا إجماليا ، وهذا بخلاف ما إذا لم يحرم فلان ، فإنه حينئذ

من قبيل ما لو أحرم ونوى ما يعينه فيما بعد الذي عرفت أن الاقوى فيه عدم الكفاية ،

وأما إذا كان إحرامه مقدما أو مقارنا فله واقع محفوظ وهونا ولذلك العنوان إجمالا ، ولعل

إحرام أكثر العوام على هذا النحو ، فإنهم يحرمون كما يحرم غيرهم ممن يعرفونه بالمعرفة .

وعلى هذا فإن علم بعد ذلك بما أحرم به فلان فلا كلام ، وإن بقي على

الاشتباه فإن علم أنه قد أتى بما هو وظيفته الفعلية اجتزأ به ، وإن لم يحرز ذلك

فالاظهر عدم الاجتزاء به في مقام الامتثال

 

 

[ . . . ]

 

اشتراط الاحلال

 

8 - قال في التذكرة : ينبغي للمحرم أن يشترط على ربه حالة الاحرام ، فإذا

اشترط في ابتداء إحرمه أن يحل متى مرض او ضاعت نفقته أو نفدت أو منعه ظالم أو

غير ذلك فإنه يحل متى وجد ذلك المانع . انتهى .

وفي المستند لا خلاف في استحبابه أي استحباب أن يشترط حين إحرامه أن

يحله من إحرامه حيث منعه مانع من الاتمام وأن يتمه عمرة إن لم يتيسر له حجة كما

صرح به غير واحد ، بل صرح جماعة بالاجماع أيضا ، انتهى .

ويشهد للجواز والاستحباب : جملة من النصوص كخبر فضيل بن يسار عن

الامام الصادق ( عليه السلام ) المعتمر عمره مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث

حبسه ، ومفرد الحج يشترط على ربه إن لم تكن حجة فعمرة ( 1 ) .

وخبر أبي الصباح الكناني عنه ( عليه السلام ) عن الرجل يشترط في الحج

كيف يشترط ؟ قال ( عليه السلام ) يقول حين يريد أن يحرم : أن حلني حيث حبستني

فإن حبستني فهي عمرة ( 2 ) . وصحيحي ابن سنان ومعاوية المتقدمين .

واختلفوا في فائدة هذا الشرط بعد الاتفاق على أنه حل إذا حبس اشترط أو

لم يشترط كما نطقت به جملة من النصوص كصحيح زرارة عن أبي عبد الله ( عليه

السلام ) هو حل اذا حبسه اشترط أو لم يشترط ( 3 ) . ونحوه غيره على أقوال :

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 23 من أبواب الاحرام حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 23 من أبواب الاحرام حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 25 من أبواب الاحرام حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

أحدها ما عن المرتضى والحلي ويحيى بن سعيد والمصنف في حصر التحرير

والتذكرة والمنتهى والقواعد وغيرهم ، وهو : سقوط الهدي ، بل عن انتصار الاول

دعوى الاجماع عليه .

ثانيها : ما عن المبسوط والخلاف ، والمهذب في المحصور ، والوسيلة في المصدود ،

واختاره في الشرائع والجواهر ، وهو : تعجيل التحلل وعدم انتظار بلوغ الهدي محله .

ثالثها - : ما عن الشيخ في التهذيب ، وهو : سقوط الحج من قابل .

رابعها : ما عن الشهيد الثاني في جملة من مصنفاته ، وفي العروة ، وهو : أن فائدته

رخصة .

فالكلام في موضعين :

الاول هل يسقط الهدي به أم لا ؟ فقد استدل للسقوط بوجوه :

الاول : الاجماع .

وفيه : - مضافا الى عدم ثبوته كما عرفت - أنه على فرض ثبوته لعدم كونه

تعبديا لا يعني به .

الثاني : أنه لا فائدة له سواه .

وفيه : أنه العبادة وكذا جزؤها لا يعتبر في الامر بها ترتب فائدة دنيوية عليها .

الثالث : صحيح ذريح المحاربي عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل

متمتع بالعمرة الى الحج وأحصر بعد ما أحرم كيف يصنع ؟ قال : فقال ( عليه السلام )

أو ما اشترط على ربه قبل أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر

الله تعالى ؟ فقلت : بلى قد اشترط ذلك . قال ( عليه السلام ) : فليرجع الى أهله حلالا

 

 

[ . . . ]

لا إحرام عليه ، أن الله تعالى أحق من وفي بما اشترط عليه . قلت : أفعليه الحج من

قابل ؟ قال ( عليه السلام ) : لا ( 1 ) . وصحيح احمد بن محمد بن أبي نصر : سألت

أبا الحسن ( عليه السلام ) عن محرم

انكسرت ساقه أي شئ تكون حاله وأي شيئ عليه ؟ قال ( عليه السلام ) : هو حلال

من كل شئ فقلت : من النساء والثياب والطيب ؟ فقال ( عليه السلام ) : نعم من جميع

ما يحرم على المحرم ثم قال : أو ما بلغك قول أبي عبد الله : ( عليه السلام ) : حلني حيث

حبستني لقدرك الذي علي ؟ قلت : أخبرني عن الحصور والمصدور هما سواء ؟

فقال ( عليه السلام ) : لا ( 2 ) . بدعوى : أن السكوت في الصحيحين عن الهدي ظاهر في

سقوطه .

وفي الجواهر : بل من الاخير يستفاد الاستدلال بكل ما دل على مشروعية

الشرط المزبور بناء على إفادته ذلك ، وأيد ذلك بأن الشرط ظاهر في ذلك ، فإن مضمونه

فسخ الاحرام وجعله كأن لم يكن ، فلا يكون مقتض للهدي ، كي يجب .

وأورد صاحب الجواهر - ره - على هذا الوجه : بان عدم بيان وجوب الهدي لعله

من جهة الاتكال على الاية وغيرها : وبان الشرط ليس ظاهرا في تحليل خاص لا

يحتاج معه الى هدي ولا غيره ، بل المراد به التحلل من إحرامه بمحلله الشرعي .

وبان صحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في حديث أن

الحسين بن علي عليهما السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا ذلك وهو

بالندينة فخرج في طلبه فأدركه في السقيا وهو مريض بها ، فقال ( عليه السلام ) يابني

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 24 من أبواب الاحرام حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من أبواب الاحصار والصد حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

ما تشتكي ؟ فقال ) عليه السلام ) : اشتكي رأسي فدعا علي ( عليه السلام ) ببدنة

فنحرها وحلق رأسه ورده الى المدينه فلما برأ من وجعه اعتمر . الحديث ( 1 ) بناءا على أنه

( عليه السلام ) اشترط باعتبار كونه مستحبا فلا يتركه الحسين ( عليه السلام ) .

وصحيح رفاعة عنه ( عليه السلام ) خرج الحسين معتمرا وقد ساق بدنة حتى

انتهى الى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه ثم أقبل حتى جاء فضرب

الباب ، فقال علي ( عليه السلام ) : ابني ورب الكعبة افتحوا له الباب وكان قد حموه

الماء فأكب عليه فشرب ثم اعتمر بعد ( 2 ) . بتقريب أنه لابد من حمل سوق البدنة فيه

على سوقها لا على كونه حج قران وإلا كان الواجب البعث للنحر لا النحر في محله

- يدلان على عدم سقوط الهدي فإنه متى شرع النحر تحليلا فقد نافى السقوط أذ

احتمل سقوط الواجب خاصة لم نعرفه قولا لاحد ، بل يمكن تحصيل الاجماع على

خلافه .

أقول : يرد على ما أفاده أولا ان احتمال عدم بيان وجوب الهدي اتكالا على

الاية بعيد جدا ، إذ معه لما كان مورد للسؤال مع أن حكم المحصور بين في

الاية الكريمة قرينة على أن السؤال إنما هو عن وظيفته ، وظاهر الجواب بيان تمام

تلك ، ويؤكد ذلك سؤاله في الصحيح الثاني عن أي شئ عليه .

وإن شئت قلت : أن مورد الصحيحين أخص من مورد الاية الكريمة ، فإن الاية

تدل على أن المحصور لا يحل ما لم يبلغ الهدي محله ، والصحيحان يدلان على أنه في

مورد الشرط خاصة يحل بدون ذلك

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب الاحصار والصد حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب الاحصار والصد حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

ويرد على ما أفاده ثانيا : أن الظاهر من الشرط فسخ الاحرام وجعله كأن لم

يكن كما مر لا التحليل بالمحلل لالشرعي ، فإنه لايحتاج الى الشرط .

وأما الصحيحان المذكوران في كلامه فيرد على الاسدلال بهما : أنهما غير

ظاهرين في صورة الاشتراط ، وتركه ( عليه السلام ) للمستحب لا مانع عنه ولا يكون

منافيا لمقدمه ، مع أن ظاهر الثاني منهما كون مورده السائق للهدي ، ومحل الكلام من لم

يسق الهدي .

وأما السئق فقد قال فخر المحققين : أنه لا يسقط عنه بإجماع الامة ، وعليه فإن

كان موردهما واقعة واحدة فهما غير ما نحن فيه والا فخصوص الثاني .

وبما ذكرناه ظهر مدرك القول الثاني ، فإنه استدل له بالصحيحين ، أي : صحيح

معاوية ، وصحيح رفاعة ، بدعوى : أن موردهما الاشتراط وغير سياق الهدي وقد نحر

( عليه السلام ) في ذلك المكان وأحل ، فيدلان على أن فائدة الشرط تعجيل التحلل

وعدم انتظار بلوغ الهدي محله ، وقد مر ما فيه .

واستدل له مضافا الى ذلك : بما عن جامع ابن سعيد عن كتاب المشيخة لابن

محبوب عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض

الطريق وهو محرم ، قال ( عليه السلام ) : ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع الى رحله

ولايقرب النساء . فإن لم يقدر صار ثمانية عشر يوما فإذا برئ من وجعه اعتمر إن كان

لم يشترط على ربه في إحرامه ، وان كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر .

ويرد عليه : أن ابن سعيد الذي هو الراوي الوحيد له لم يعمل به ، فإنه نسب

اليه القول الاول ، فهو غير صحيح .

فالمتحصل مما ذكرناه : أن الاظهر هو السقوط ، لصحيحي البزنطي والمحاربي .

الموضع الثاني : في بيان أنه هل عليه الحج من قابل أم لا ؟ فقد استدل للسقوط

 

 

[ . . . ]

بصحيح ضريس بن اعين ، قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن رجل خرج

متمتعا بالعمرة الى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر ، ( عليه السلام ) : يقيم على

إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكة فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه

وينصرف الى أهله ، إن شاء ، وقال : هذا لمن اشترط . على ربه عند إحرامه ، فإن لم يكن

اشترط فإن عليه الحج من قابل ( 1 ) .

وبما في ذيل صحيح ذريح المحاربي المتقدم : قلت : فعليه الحج من قابل ؟ قال

( عليه السلام ) : لا .

ولكن يرد على الاول : ما في الجواهر من أن الحج الفائت إن كان واجبا لم

يسقط فرضه في العام القابل بمجرد الاشتراط بلا خلاف ، وإن لم يكن واجبا لم يجب

بترك الاشتراط بلا خلاف أيضا ، فالصحيح معرض عنه عند الاصحاب .

أضف اليه أن مورده المتمتع الذي لم يدرك الوقوفين فلا وجه للتعدي منه الى

المقام . وأما الثاني فبازائه رواية ، منها : خبر رفاعة عن الامام الصادق ( عليه السلام )

عن الرجل يشترط وهو ينوي المتعة فيحصر هل يجزيه أن لايحج من قابل ؟ قال ( عليه

السلام ) : يحج من قابل ، والحاج مثل ذلك اذا احصر ( 2 ) .

ومنها خبر حمزة بن حمران عنه ( عليه السلام ) عن الذي يقول حلني حيث

حبستني . فقال ( عليه السلام ) : هو حل حيث حبسه . قال أو لم يقل ، ولا يسقط

الاشتراط عنه الحج من قابل ( 3 ) .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 27 من أبواب حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من أبواب الاحصار والصد حديث 2

 ( 3 ) الوسائل باب 8 من أبواب الاحصار حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

ومنها : خبر أبي بصير عنه ( عليه السلام ) عن الرجل يشترط في الحج أن يحله

حيث حبسه أعليه الحج من قابل ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم ( 1 ) .

ومنها خبر أبي الصباح الكناني عنه ( عليه السلام ) بعد بيان كيفية الاشتراط ،

فقلت له : فعليه الحج من قابل ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم ( 2 ) .

وقال صفوان : وقد روى هذا الحديث عدة من أصحابنا كلهم يقولون : إن عليه

الحج من قابل .

ومقتضى الجمع بين هذه النصوص وبين صحيح المحاربي : أن الاشتراط لا

يوجب سقوط الحج الواجب ، والمحصورية المانعة من إتمام الحج بنفسها لا توجب

وجوب الحج عليه من قابل ، كما على ذلك فتوى الاصحاب .

وأما ما عن كنز العرفان فيدفعه النصوص الدالة على عدم الفرق بين

الاشتراط وعدمه في الحل كمصحح زرارة المتقدم : وهو حل اذا حبسه اشترط أو لم

يشترط .

وخبر ابن حمران المتقدم : هو حل حيث حبس قال أو لم يقل .

فالمتحصل ، مما ذكرناه : أن فائدة الاشتراط زائدا على الثواب وكونه مستحبا

بنفسه وهو سقوط الهدي وأنه يتحلل بلا هدي ، إلا اذا كان سائق الهدي .

والظاهر عدم كفاية النية في حصول الاشتراط وهو واضح .

نعم لا يعتبر لفظ مخصوص ، لاطلاق النصوص ، لاحظ : صحيح

المحاربي ، وما تضمن منها لفظ مخصوص وصيغة خاصة لا مفهوم له ، كي يوجب تقييد

إطلاق المطلق منها .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 8 من أبواب الاحصار والصد حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 24 من أبواب الاحرام حديث 2

 

 

[ . . . ]

 

استحباب التلفظ بالنية

 

9 - صرح غير واحد بأنه يستحب التلفظ بالنية .

ويشهد به جملة من النصوص كخبر أبي الصلاح المتقدم قال : أردت الاحرام

بالمتعة ، فقلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : كيف أقول ؟ قال ( عليه السلام ) : تقول :

اللهم إني اريد التمتع بالعمرة الى الحج على كتابك وسنة نبيك ، وإن شئت أضمرت

الذي تريد ( 1 ) .

ونحوه صحيح حماد بن عثمان المتقدم في مسألة استدامة النية .

وصحيح عبد الله بن سنان عن الامهم الصادق ( عليه السلام ) : إذا أردت

الاحرام والتمتع فقل : اللهم إني اريد ماأمرت به من التمتع بالعمرة الى الحج فيسر

ذلك لي وتقبله مني وأعني عليه وحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت علي ، احرم

لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب ( 2 ) . ونحوها غيرها .

وما في هذه النصوص من الامر بالتلفظ يحل على الاستحباب بقرينة ما في

ذيل صحيح حماد بعد الامر به : وإن شئت أضمرت الذي تريد . كما مر ومثله ما في

خبر أبي الصلاح .

قال المصنف - ره - المنتهى : فرع : لو اتقى كان الافضل الاضمار ، روى

الشيخ - في الصحيح - عن أبان بن تغلب ، قال : قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : بأي

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 17 من أبواب الاحرام حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 16 من أبواب الاحرام حديث 2 .

 

 

[ والتلبيات الاربع للمتمتع والمفرد وهي والاشعار والتقليد للقارن ]

 

شئ اهل ؟ فقال : لاتسم حجا ولاعمرة وأضمر في نفسك المتعة ، فإن أدركت كنت

متمتعا وألا كنت حاجا ( 1 ) .

وعن منصور بن حازم ، قال : أمرنا أبو عبد الله ( عليه السلام ) إن نلبي ولا

نسمي شيئا وقال : أصحاب الاضمار أحب الي ( 2 ) .

وعن إسحاق بن عمار : قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام )

قال : أصحاب الاضمار أحب الي فلب ولا تسم ( 3 ) . وإنما قلنا إن ذلك على سبيل التقية

جمعا بين الاخبار ، انتهى .

ولابأس به ، والاولى أن يكون بما تضمنته النصوص كصحيح ابن سنان

المتقدم وغيره .

 

من واجبات الاحرام التلبية

 

( و ) الثاني من واجبات الاحرام ( التلبيات للمتمتع والمفرد وهي

والاشعار والتقليد للقرن ) كما هو الشهور بين الاصحاب .

وفي المتهى : ذهب اليه علماؤنا اجمع . انتهى ، ونحوه في التذكرة .

وفي الحدائق : فلاينعقد الاحرام لمتمتع ولا لمفرد إلابها وهو مما وقع عليه الاحماع

نصا وفتوى . انتهى .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب الاحرام حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 17 من أبواب الاحرام حديث 5

( 3 ) الوسائل باب 17 من أبواب الاحرام حديث 6 .

 

 

[ . . . ]

وفي المستند : ووجوبها - أي : التلبيات الاربع - بعد نية الاحرام للمعتمر والحاج

إجماعي محققا ومحكيا مستفيضا . انتهى .

وتنقيح القول في ضمن مسائل :

1 - المحكي عن الاقتصاد لزوم الخمس من التلبيات .

وفي حاشية التبصرة للسيد الطباطبائي صاحب العروة : والاحوط الخمس .

وعن المهذب البارع : أن فيها قولا آخر وهو الست . وستعرف في بيان

صورة التلبيات تنقيح القول في ذلك وأن الزائد على الاربع مستحب لا واجب .

2 - قد طفحت كلماتهم بأنه لاينعقد الاحرام إلا بالتلبية .

وعن الانتصار والغنية والخلاف وغيرها الاجماع على ذلك . ومقتضى ذلك عدم

حصول الاحرام بدونها .

ولكن في الجواهر وغيرها : أن المراد عدم الاثم والكفارة في ارتكاب المحرمات

عليه قبلها ، لا أنه لايكون محرما إلا بالتلبية .

والوجه في انعقاد الاحرام قبلها ، وأنه يتحقق بالنية ، والجواب عما استدل به

على عدم تحقق الاحرام إلا بها قد تقدما في أول مبحث الاحرام عند بيان حقيقته ،

فراجع ، كما أنه قد تقدم هناك ذكر النصوص الدالة على عدم حرمة المحرمات قبلها ،

وأنه لا كفارة على ارتكابها ، ومقتضى إطلاق تلك النصوص عدم الفرق بين إحرام

العمرة وإحرام الحج وبين عمرة التمتع والعمرة المفردة ، وفي الحج بين حج التمتع

والقران والافراد .

وأما ما عن أحمد بن محمد قال : سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه ويتهيأ

للاحرام ثم يواقع أهله قبل أن يهل بالاحرام ، قال : عليه دم ( 1 ) . فلعدم معلومية استناده

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 14 من أبواب الاحرام حديث 14

 

 

[ . . . ]

الى الامام ( عليه السلام ) وإعراض الاصحاب عنه ، ومعارضته بما هو أشهر وأوضح

سندا وأكثر عددا يتعين طرحه .

فهل يبطل الاحرام بفعل شئ من المحرمات ، أو لايبطل ، وعلى الثاني فهل

يجوز أن يبطل إحرامه قبلها بأن يرفع اليد عنه ، أم لا ، بل يكون باقيا ؟ وجوه ، نسب

الاول الى المرتضى قده .

واستدل له بما رواه النضر بن سويد عن بعض أصحابه ، قال : كتبت الى أبي

إبراهيم ( عليه السلام ) : رجل دخل مسجد الشجرة فصلى وأحرم وخرج من المسجد

فبداله قبل أن يلبي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء أله ذلك ؟ فكتب ( عليه السلام ) :

نعم . أو : لا بأس به ( 1 ) . ولكن يرد عليه : أنه مرسل لا يعتمد عليه .

وأما الايراد عليه : بأن فعل المنافي لايقتضي النقض كما لو فعله بعد التلبية كما

عن صاحب الجواهر - ره - فيرده أنه لو كان الخبر سندا تاما كان هو الدليل عليه

وعلى الفرق بين قبل التلبية وبعدها .

ويرد الثاني : استصحاب بقاء الاحرام وإن عدل عنه ، فالمتعين هو الثالث .

نعم يجوز جميع المحرمات ما لم يلب ، وأثر بقائه حينئذ أنه لو اتفق وقوع التلبية

منه لزمه الاحرام ولم يحل عنه إلا بالمحلل .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 14 من أبواب الاحرام حديث 12 .

 

 

[ . . . ]

 

ماينعقد به إحرام القارن

 

3 - المشهور بين الاصحاب أن تعيين التلبية لانعقاد الاحرام إنما هو في

المتمتع والمفرد ، وأما القارن فهو مخير بينها وبين الاشعار أو التقليد ، فإن شاء لبى وعقد

إحرامه بها ، وإن شاء أشعر أو قلد وعقده به ، وعن ظاهر الغنية والخلاف والمنتهى

والمختلف الاجماع عليه .

ويشهد به نصوص كثيرة كصحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق ( عليه

السلام ) : يوجب الاحرام ثلاثة أشياء التلبية والاشعار والتقليد ، فاذا فعل شيئا من هذه

الثلاثة فقد أحرم ( 1 ) .

وصحيح عمر بن يزيد عنه ( عليه السلام ) : من أشعر بدنة فقد أحرم وإن لم

يتكلم بقليل ولا كثير ( 2 ) .

وصحيح آخر لابن عمار عنه ( عليه السلام ) : والاشعار والتقليد بمنزلة

التلبية ( 3 ) . ونحوها وغيرها .

وفي المقام قولان آخران :

أحدهما : ما عن السيد والحلي وهو : عدم انعقاد الاحرام بغير التلبية .

واستدل له بأن الانعقاد بها متفق عليه ، ولادليل على انعقاده بغيرها ، والاصل

عدمه .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 20 .

( 2 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 21 .

( 3 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 11 .

 

 

[ . . . ]

والنصوص المتقدمة ترده حتى على مسلكهما من عدم حجية خبر الواحد كما

لايخفى . وقيل : مخالفة السيد غير معلومة .

ثانيهما ما عن الشيخ في المبسوط والجمل وابني حمزة والبراج من أنه يعتبر في

انعقاد الاحرام بغير التلبية العجز عنها .

واستدل له : بأنه مقتضى الجمع بين هذه النصوص ونصوص التلبية .

ويرد عليه : أن ذلك جمع تبرعي لا شاهد له ، بل الجمع العرفي سيما بملاحظة

الصحيح الاخير يقتضي البناء على ما هو المشهور بين الاصحاب ، ويؤيده : أن حمل

النصوص المتقدمة على العاجز عن التلبية حمل على الفرد النادر .

4 - الظاهر أنه لاخلاف بينهم في أن الاشعار مختص بالبدن ، والتقليد مشترك

بينها وبين سائر أنواع الهدي .

وفي الحدائق : الظاهر أن الحكم المذكور متفق عليه بينهم لا أعلم فيه

مخالفا . انتهى .

وعن غير واحد التصريح بذلك مرسلين له إرسال المسلمات ، راجع : التذكرة

والمنتهى والقواعد وغيرها من كتب الاساطين .

واستدل له بضعف البقر والغنم عن الاشعار ، وبأن ما ورد في كيفية الاشعار لم

يذكر في إلا البدن ، بل أكثر نصوص مشروعية الاشعار وانعقاد الاحرام به كذلك .

ولعل ذينك بضميمة الا جماع - والشك في مشروعة اشعار البقر والغنم مع العلم

بكفاية تقليدهما تكفي في البناء على ذلك ، والله تعالى هو العالم .

ثم إن الاولى في البدن الجمع بين الاشعار والتقليد ، لحسن ابن عمار عن الامام

الصادق ( عليه السلام ) : البدن تشعر من الجانب الايمن ويقوم الرجل في الجانب

 

 

[ . . . ]

الايسر ثم يقلدها بنعل خلق قد صلى فيها ( 1 ) . ونحوه غيره - المحمول ما فيها من

الامر على الاستحباب : لصراحة ما تقدم في عدم وجوب الجمع .

5 - قال في التذكرة : والاشعار : أن يشق سنام البعير من الجانب الايمن ويلطخ

صفحته بالدم ليعلم أنه صدقة وهو مختص بالابل ، والتقليد : ان يجعل في رقبة الهدى نعلا

قد صلى فيه ، أو يجعل في رقبة الهدي خيطا أو سيرى أو ما أشبههما ليعلم أنه صدقة .

انتهى ، ونحوه ما في المنتهى إلا أنه فيه : ويلطخ بالدم ، وليس فيه كلمة صفحته وقد

وافقه الاصحاب في ذلك ، ولكن في الحدائق : أن الاخبار لا تساعد على ما ذكروه في

اللطخ .

وكيف كان فيشهد لكون الاشعار شق سنام البعير من الجانب الايمن : جملة من

الاخبار كحسن معاوية المتقدم : البدن تشعر من الجانب الايمن ويقوم الرجل في

الجانب الايسر .

وخبر أبي الصباح الكناني عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن البدن كيف

تشعر ؟ قال ( عليه السلام ) : تشعر وهي باركة ويشق سنامها الايمن وتنحر وهي قائمة

من قبل الايمن ( 2 ) . ونحوهما غيرهما .

وأما اللطخ فلم يدل عليه دليل مما بأيدينا وما علله به المصنف - ره - عليل ،

لانه لا يصلح لان يكون مدركا للاستحباب ، مع أنه يعلم بشق السنام .

وأما التقليد فالذي في الاخبار هو : أن يعلق في رقبة الهدي نعلا خلقا قد صلى

فيه .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 14

 

 

[ . . . ]

وما أفاده المصنف - ره - وغيره : أو يجعل في رقبة الهدي خيطا أو ما شابه ، فلم

يرد به رواية .

نعم في صحيح زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : كان الناس يقلدون

الغنم والبقر وإنما تركه الناس حديثا ويقلدون بخيط وسير ( 1 ) . ولكنه لا يدل على

المطلوب ، لاحتمال أن يكون المراد بالناس المخالفين ، فالاحوط الاقتصار على النعل .

ولو كانت البدنة التي ساقها القارن متعددة وقف بينها وأشعر ما عن يمينه من

الجانب الايمن وما عن يساره من الجانب الايسر ، كما ذكره الاصحاب ، للنصوص .

ففي صحيح جميل اذا كانت البدن كثيرة قام فيما بين ثنتين ثم أشعر اليمنى

ثم اليسرى ( 2 ) .

وفي صحيح حريز اذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل ليلا

بدنتين فيشعر هذه من الشق الايمن وهذه من الشق الايسر ( 3 ) . ونحوهما غيرهما .

 

وجوب التلبية على القارن نفسا

 

6 - اذا عقد القارن إحرامه بالاشعار أو التقليد ، فهل تجب عليه التلبية في

نفسها كما هو المنسوب الى قدماء الاصحاب الى زمان الفاضلين ، أم تكون مستحبة

كما هو المشهور من زمانهما الى هذا الزمان ؟ وجهان :

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 9 .

( 2 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 7 .

( 3 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 19 .

 

 

[ . . . ]

قد استدل للوجوب بموثق يونس بن يعقوب ، قلت لابي عبد الله ( عليه

السلام ) : إني قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها ؟ فقال : انطلق حتى تأتي مسجد

الشجرة فأفض عليك من الماء والبس ثوبيك ثم انخها مستقبل القبلة ثم أدخل

المسجد فصل ثم افرض بعد صلاتك ثم اخرج اليها فأشعرها من الجانب الايمن من

سنامها ثم قل : بسم الله اللهم منك واليك ، اللهم تقبل مني ثم انطلق حتى تأتي البيداء

فلبه ( 1 ) ، إذ ظاهر الامر الوجوب .

واورد عليه : بأن جهة السؤال عما يصنع بالبدنة غير معلومة من حيث الواجب

أو الاستحباب أو هما معا ، وبأن أكثر المذكورات آداب ، وبان الامر إنما كان بالتلبية

في البيداء ، وسيأتي أن في كونها مستحبة أو واجبة إشكالا ، وبأن صحيح معاوية المتقدم

الدال على أن الاشعار والتقليد بمنزلة التلبية حاكم على دليل الوجوب لو كان .

ولكن يرد على الاول : أن جهة السؤال وإن كانت مجهولة ، إلا أن مورد

الاستدلال هو الامر بالتلبية لا ما هو المسؤل عنه .

ويرد على الثاني : أنه بناء على خروج الوجوب والاستحباب عن حريم

الموضوع له والمستعمل فيه ، أن العقل يحكم بلزوم الاتيان اذا لم يرخص المولى في

ترك المأمور به وإلا فبالاستحباب ، وإلا فالمستعمل فيه فيهما شئ واحد ، وعلى هذا

فإذا أمر المولى بعدة امور ، ورخص في ترك جميعها إلا في ترك واحد منها يحكم بوجوبه

خاصة ، والمقام من هذا القبيل ، فإن بقية ما تضمنه الحديث ورد الترخيص في تركها

فهي آداب ، ولم يرد في ترك التلبية فهي واجبة .

ويرد على الثالث : أن الاشكال في القيد وإجماله لا يوجب رفع اليد عن ظهور

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 2

 

 

[ . . . ]

الامر بالمقيد في الوجوب .

ويرد على الرابع : أن التنزيل إنما هو في خصوص انعقاد الاحرام ، كما يفصح

عن ذلك قوله ( عليه السلام ) في صحيح حريز : فإنه إذا أشعرها وقلدها وجب عليه

الاحرام وهو بمنزلة التلبية ( 1 ) . مع أن لازم كون التنزيل حتى بلحاظ الحكم التكليفي

هو وجوب الاشعار والتقليد كالتلبية لا عدم وجوبها ، فإذا الاظهر وجوب التلبية .

ثم ان ظاهر كلمات جمع من الاساطين استحباب الاشعار أو التقليد لو عقد

القارن إحرامه بالتلبية ، بل استحباب كل منهما لو عقد إحرامه بالآخر .

قال المحقق في الشرائع بعد حكمه بأن القارن بالخيار إن شاء عقد إحرامه

بالتلبية وإن شاء عقده بالاشعار أو التقليد : وبأيهما بدأ كان الآخر مستحبا .

وفي التذكرة : أيها فعل انعقد إحرامه به وكان الباقي مستحبا انتهى .

وعن ظاهر المسالك المفروغية عن الاستحباب ، ولكن سيد المدارك لم يقف

على دليل على ذلك صريحا ، قال : ولعل الامر بكل من الثلاثة كاف في ذلك .

أقول : يشهد باستحباب الاشعار بعد التلبية : خبر جابر عن أبي عبد الله ( عليه

السلام ) إنما استحسنوا إشعار البدن لان أول قطرة تقطر من دمها يغفر الله عز وجل

له على ذلك ( 2 ) . فإن مقتضى إطلاقه استحبابه في نفسه ، وبعدم القول بالفصل يثبت

في التقليد .

ويمكن أن يستدل له فيهما بخبر الفضل بن يسار ، قلت لابي عبد الله ( عليه

السلام ) : رجل أحرم من الوقت ومضى ثم اشترى بدنة بعد ذلك بيوم أو يومين

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 19 .

( 2 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 15

 

 

[ . . . ]

فأشعرها وقلدها وساقها . فقال ( عليه السلام ) : إن كان ابتاعها قبل أن يدخل الحرم

فلا بأس ( 1 ) .

ويشهد لا ستحباب الاشعار بعد التقليد ، والتقليد بعد الاشعار : ما في ذيل خبر

الفضل التقدم : ولكن اذا انتهى الى الوقت فليحرم ثم يشعرها ويقلدها

وما في صحيح معاوية المتقدم : ولكن اذا الى الوقت فليحرم ثم يشعرها

ويقلدها .

وما في صحيح معاوية التقدم من الامر بالتقليد بعد الاشعار .

وما في خبر السكوني من الامر بالتقليد مع الاشعار ، إذ من الواضح أنه لا

يجب الجمع بينهما لا على الترتيب ولا مطلقا ، فلا محالة يحمل الامر على الاستحباب .

 

مقارنة التلبية الاحرام

 

7 - صرح جماعة بعدم وجوب مقارنة التلبية لنية الاحرام ويجوز التأخير

عنها .

وفي المستند : على الاظهر الاسهر . انتهى .

وفي الجواهر : هو مفروغ عنه في محله ، وظاهر المعظم بل إلا من ستعرف .

انتهى .

وعن ابناء إدريس وحمزة وسعيد ، والتنقيح واللمعة ، والدروس : اعتبار المقارنة .

 وأنكر بعض الاعاظم التزامهم بذلك .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب أقسام الحج حديث 13 .

 

 

[ . . . ]

وكيف كان فيشهد للمشهور : - مضافا الى الاصل وإطلاق دليل تشريع

الاحرام بناءا على ما عرفت من عدم دخل التلبية في حقيقة الاحرام - جملة من

النصوص كمصحح إسحاق بن عمار عن أبي الحسن ( عليه السلام ) ، قلت له : اذا أحرم

الرجل في دبر المكتوبة أيلبي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة ؟ قال : أي

ذلك شاء صنع ( 1 ) . ومثله صحيح ابن سنان .

وصحيح منصور بن حازم عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : اذا صليت عند

الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش ( 2 ) .

وصحيح معاوية بن عمار أو حسنه عنه ( عليه السلام ) : صل المكتوبة ثم أحرم

بالحج أو بالمتعة واخرج بغير تلبية حتى تصعد الى أول البيداء الى أول ميل عن يسارك

فإذا استوت بك الارض راكبا كنت او ماشيا فلب ( 3 ) .

وصحيح البزنطي عن الامام الرضا ( عليه السلام ) : أعقد الاحرام في دبر

الفريضة حتى اذا استوت بك البيداء فلب ، قلت : أرأيت إذا كنت محرما من طريق

العراق ؟ قال : لب اذا استوى بك بعيرك ( 4 ) . ونحوها صحاح كثيرة .

واستدل للقول الاخر : بما دل على عدم انعقاد الاحرام إلا بالتلبية وعدم جواز

المرور على الميقات إلا محرما ، فإنه اذا انضم أحد الدليلين بالاخر تكون النتيجة لزوم

المقارنة . وبما دل على أن الاحرام هو التلبية أو كونها جزءا منه . وبأصالة عدم ترتب

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 35 من أبواب الاحرام حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 34 من أبواب الاحرام حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 34 من أبواب الاحرام حديث 6 .

( 4 ) الوسائل باب 34 من أبواب الاحرام حديث 7 .

 

 

[ . . . ]

الاثر بدون المقارنة .

ولكن يرد الاول : ما تقدم من انعقاد الاحرام بدونها ، وأنما لا يحرم المحرمات

بدونها ولا كفارة على ارتكابها .

ويرد الثاني : ما مر في حقيقة الاحرام من عدم دخولها في حقيقة .

ويرد الثالث : ما تقدم من إطلاق دليل التشريع والنصوص الخاصة ، وحمل تلك

النصوص على إرادة رفع الصوت بالتلبية والاجهار بها مما لا يقبله كثير منها ، مع أنه

لاشاهد له .

فالمتحصل : أنه لا دليل على وجوب المقارنة ، فالاظهر عدم وجوبها ولكن ليس

لازم ذلك جواز التأخير مطلقا ، فإن وقتها معين سيمر عليك ، ولو أخرت عن وقتها

نسيانا يجب العود اليه لتداركه مع المكنة .

 

وقت التلبية

 

8 - في وقت التلبية خلاف ، وهو عند من يرى دخلها في الاحرام أول الميقات

للاحرام وهو واضح ، وأما بناءا على ما هو الحق من عدم دخلها فيه فالظاهر من جملة

من النصوص لزوم المبادرة اليها من أول الاحرام ، ولازم ذلك عدم التأخير عن ميقات

الاحرام .

ففي خبر سليمان بن جعفر قال : سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن التلبية

وعلتها : فقال ( عليه السلام ) : إن الناس إذا أحرموا ناداهم الله تعالى ذكره فقال : يا

عبادي وإمائي لاحرمنكم على النار كما أحرمتم لي فقولهم : لبيك اللهم لبيك . إجابة

 

 

[ . . . ]

لله عز وجل على ندائه لهم ( 1 ) . ونحوه غيره .

ولكن في المقام روايات اخر دالة على جواز التأخير الى مواضع ، بل أفضلية ،

وتنقيح القول في ذلك في ضمن مواضع :

الموضع الاول : المحكي عن ابني حمزة والبراج أن الافضل لمن حج على طريق

المدينة تأخير التلبية الى البيداة ( 2 ) مطلقا ، ووافقهما الشيخ وابن سعيد في خصوص

الراكب ، وتبعهم جمع من متأخري المتأخرين ، بل لم يستبعد بعض الفقهاء وجوب

التأخير لو لا ذهاب قدماء الاصحاب الى التخير .

والنصوص الواردة في المقام على طوائف :

الاولى : ما تضمن الامر بالتأخير الى البيداء وقد تقدمت تلك النصوص في

مسألة مقارنة التلبية للنية .

الثانية : ما يدل على عدم وجوب الفرق في ذلك بين الراكب والماشي ، لاحظ : صحيح

معاوية أو حسنه المتقدم في تلك المسألة .

الثالث : ما يدل على عدم وجوب التأخير وجواز الاتيان بها بعد الاحرام بلا

فصل ، كموثق إسحاق المتقدم ، وخبر عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله ( عليه

السلام ) هل يجوز للمتمتع بالعمرة الى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة ؟

فقال ( عليه السلام ) : نعم إنما لبى النبي صلى الله عليه وآله في البيداء ، لان الناس لم

يعرفوا التلبية فأحب أن يعلمهم كيف التلبية ( 3 ) .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 36 من أبواب الاحرام حديث 3 .

( 2 ) البيداء أرض مخصوصة بين مكة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة .

( 3 ) الوسائل باب 35 من أبواب الاحرام حديث 2

 

 

[ . . . ]

الرابعة : ما دل على الفرق بين الماشي والراكب كصحيح عمر بن يزيد عن

أبي عبد الله ( عليه السلام ) : أن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن

كنت راكبا فاذا علت بك راحلتك البيداء ( 1 ) .

الخامسة : ما دل على عدم جواز التقديم على البيداء كخبر علي بن جعفر عن

اخيه الامام موسى ( عليه السلام ) : قال : سألته عن الاحرام عند الشجرة هل يحل لمن

أحرم عندها أن لا يلبي حتى يعلو البيداء ؟ قال ( عليه السلام ) : لا يلبي حتى يأتي

البيداء عند أول ميل ، فأما عند الشجرة فلا يجوز التلبية ( 2 ) .

والجمع بين الطوائف الثلاث الاولى يقتضي البناء على جواز التقديم وأفضلية

التأخير من غير فرق بين الماشي والراكب .

وأما الطائفة الرابعة وهي صحيح عمر فقد حمله المحدث الكاشاني على التقية ،

واستحسنه المحدث البحريني ره .

ويمكن الجمع بينه وبين ما تقدم بالالتزام بالفرق بينهما في تأكد الفضيلة لا في

أصلها .

ولا يبعد أن يقال : إن الصحيح ليس في مقام بيان جواز التأخير أو التقديم ،

بل إنما يدل على الفرق بينهما - لو اختار التقديم - بان الماشي يجهر بها والراكب لا

يجهر .

وأما الطائفة الخامسة - أي : خبر علي - فلضعفها في نفسها وعدم عمل

الاصحاب بها ، ومعارضتها لما تقدم لا بد من طرحها .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 34 من أبواب الاحرام حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 34 من أبواب الاحرام حديث 8 .

 

 

[ . . . ]

فتحصل : أنه يجوز تأخير التلبية الى البيداء بل الافضل ذلك من غير فرق

بين الراكب والماشى ، ويجوز الاتيان بها من حين الاحرام ، ولكن لا يجوز تأخيرها عن

البيداء .

الموضع الثاني : إذا أحرم من طريق آخر غير المدينة ، فعن المبسوط والتحرير

والمنتهى والمسلك : الافضل تأخيرها الى أن يمشي قليلا .

وفي المقام رواية واحدة مختصة بمن يحج من طريق العراق ، وهي صحيحة هشام

بن الحكم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : إن أحرمت من غمرة ومن بريد البعث

صليت وقلت كما يقول المحرم في دبر صلاتك ، وإن شئت لبيت في موضع ، والفضل

أن تمشي قليلا ثم تلبي ( 1 ) . وهي مختصة بمن يحج من طريق العراق ، والتعدي الى غيره

يتوقف على إحراز كون ذكر بريد البعث وغمرة من باب المثال ، أو إحراز المناط ، ولم

يحرز شئ منهما ، فالمتعين هو الاقتصار على مورده .

وفيه إشكال آخر وهو ما تقدم من أن بريد البعث ليس ميقاتا بل الميقات بعده

من المسلخ .

الموضع الثالث : لو أحرم من مكة فعن هداية الصدوق : يستحب تأخير التلبية

الى الرقطاء مطلقا .

وعن السرائر والنهاية والجامع والوسيلة والمنتهى والتذكرة : استحباب تلبية

المحرم من مكة من موضعه إن كان ماشيا وإذا نهض به بعيره إن كان راكبا .

وعن القواعد وغيرها : الافضل التأخير الى أن يشرف على الابطح .

والنصوص الواردة فيه مختلفة من حيث المضمون :

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 35 من أبوب الاحرم حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

فمنها ما تضمن أفضلية تأخير التلبية الى الرقطاء كصحيح الفضلاء : حفص

بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج كلهم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) :

 إن أهلك من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام ، وأفضل

ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل أن تصير الى الابطح ( 1 ) .

ومنها : ما تضمن الامر بالتلبية عند الرقطاء ورفع الصوت بها عند الاشراف

على الابطح ، كحسن معاوية أو صحيحه عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في حديث :

فاذا انتهيت الى الرقطاء دون الردم فلب ، فإذا انتهية الى الردم وأشرفت على الابطح

فارفع صوتك بالتلبية حتى تاتي مني ( 2 )

ومنها : ما تضمن أن الماشي يلبي عند المقام والراكب يلبي اذا به بعيره نهض ،

لاحظ : صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : اذا كان يوم التروية -

الى أن قال - فإن كنت ماشيا فلب عند المقام ، وإن كنت راكبا فاذا نهض بك بعيرك ( 3 ) .

ومنها : ما تضمن أنه يلبي من المسجد الحرام مطلقا كخبر أبي بصير عن ( عليه

السلام ) : ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت ( 4 ) .

والجمع بين النصوص يقتضي البناء على أن وقت التلبة من حين الاحرام الى

أن ينتهى الى الرقطاء ، والافضل التأخير خصوصا للراكب ، والافضل أن يكون رفع

الصوت بها اذا انتهى الى الردم وأشرفت على الابطح .

والرقطاء : موضع دون الردم يسمي مدعى . والردم : حاجز يمنع السيل عن

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 46 من أبواب الحرام حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 52 من أبواب الحرام حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 46 من أبواب الحرام حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 46 من أبواب الحرام حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

البيت ، وهما خارجان عن مكة .

وفي الجواهر : قيل : قد فتشنا تواريخ مكة فلم نجد الرقطاء اسم موضع فيها .

والابطح : مسيل وادي مكة وهو مسيل واسع فيه دقائق الحصى أوله منقطع

الشعب بين وادي منى ، وأخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالمعلى عند أهل مكة .

 

الواجب من التلبية مرة واحدة

 

9 - الواجب من التلبية مرة واحدة بلا خلاف ، ويقتضيه إطلاق الادلة .

ويستحب الاكثار بها وتكريرها ما استطاع خصوصا في دبر كل صلات فريضة

أو نافلة ، وعند صعود شرف أو هبوط واد ، وعند اليقضة ، وعند الركوب ، وعند النزول ،

وعند ملاقاة راكب ، وفي الاسحار ، كما نطقت بذلك كله النصوص .

ففي صحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) بعد الامر

بالتلبية وبيان كيفيتها : تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة ونافلة وحين ينهض بك

بعيرك وإذا علوت شرفا أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك

وبالاسحار وأكثر ما استطعت واجهد بها ، وأن تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أن

تمامها أفضل - الى أن قال - وأكثر من ذي المعارج ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله

كان يكثر منها ( 1 ) . الحديث : ونحوه غيره من الروايات الصحيحة .

وعن المقنعة والمقنع والمراسم والفقيه : استحبابها عند صعود الدابة وعند النزول

منها ، والشاهد به صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله : ( عليه السلام ) اذا أحرمت

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 40 من أبواب الاحرام حديث 2 - 3 .

 

 

[ . . . ]

من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد - الى إن قال -

واجهر بها كلما ركبت وكلما نزلت ( 1 ) . الحديث ، وكفى به مدركا للاستحباب بعد قاعدة

التسامح .

وفي العروة وعن غيرها : استحبابها عند المنام . ولم يدل عليه دليل خاص كما

اعترف به سيد المدارك وصاحب الجواهر ، وعن كشف اللثام : انه لم يتعرض له قبل

الفاضلين أحد .

واستدل له صاحب الجواهر : بأنه يكون وجهه ما يظهر من النصوص

من استحبابها عند كل حادث ، والاحوال المذكورة في النصوص من باب المثال .

وكيف كان فاستحباب الاكثار منها خال عن الاشكال ، لدلالة النصوص

الكثيرة عليه و

وفي خبر ابن فضال عن رجال شتى عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : قال

رسول الله صلى الله عليه وآله : من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا واحتسابا أشهد

الله له ألف ألف ملك براءة من النار وبراءة من النفاق ( 2 ) .

 

الجهر بالتلبية

 

10 - المشهور بين الاصحاب استحباب الجهر بالتلبية للرجال ، وعن التهذيب

والكليني وجوبه ، ومال اليه صاحب الحدائق .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب الاحرام حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 41 من أبواب الاحرام حديث 1

 

 

[ . . . ]

ودليل الطرفين النصوص الكثيرة الامرة به كصحيح معاوية المتقد ، وكذا

صحيح عمر بن يزيد المتقدم ، وصحيح حريز وغيره عن أبي جعفر ( عليه السلام ) وأبي

عبد الله ( عليه السلام ) أنهما قالا : لما أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه جبرائيل ،

فقال له : فمر أصحابك بالعج والثج ، فالعج : رفع الصوت ، والثج نحر البدن ، قال :

وقال جابر : فما مشى الروحاء حتى بحت أصواتنا ( 1 ) .

استدل بظهور الامر به في الوجوب القائلون به .

وأورد عليه أصحاب القول بالاستحباب بأن النصوص المذكورة ظاهرة في

الحكم الادبي بقرينة بحة الصوت الذي حكاه جابر ، إذ لا قائل بوجوبه ، وبذكره في

سياق الامور التي لاشبهه في استحبابها .

ولكن يرد على الاول : أن بحة الصوت ليس مأمورا به في الحديث ، بل الذي

امر به هو رفع الصوت والاجهار بها ، راجع : النصوص .

ويرد الثاني : ما تقدم منا مرارا من أنه لو امر بامور ، ورخص في ترك بعضها

دون آخر يحكم بوجوب خصوص ما لم يرخص في تركه ، وليس المورد من موارد وحدة

السياق ، لعدم كون الوجوب والاستحباب داخلين في المستعمل فيه ، بل المستعمل فيه

واحد اريد به الاستحباب أو الوجوب ، وهما أمران انتزاعيان من الترخيص في الترك

وعدمه .

والحق : أن يقال : إنه قد تقدم دلالة جملة من النصوص على أن من يحرم من

مسجد الشجرة إذا لبى بعد الاحرام قبل أن يصل البيداء لايجهر بها أي لا يستحب

الاجهار حينئذ ، وكذا من أحرم من مكة يكون رفع صوته بالتلبية إذا أشرف على

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 37 من أبواب الاحرام حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

الابطح ، فإذا انضم الى ذلك أنه لايجب التلبية إلا مرة واحدة يظهر أن التلبية الواجبة

لا يجب الجهر بها إذا أتى بها قبل الموضعين ، وبعدم القول بالفصل يحكم بعدم وجوبه

في غيرهما ، ولعل ذلك بضميمة عدم إفتاء الاصحاب بالوجوب حتى أن الشيخ بنفسه

قال في محكي الخلاف : إن التلبية فريضة ورفع الصوت بها سنه ، ولم أجد أحدا ذكر

كونها فرضا انتهى : يكفي في الحكم بعدم الوجوب .

وكيف كان فلا جهر على النساء بلا خلاف - كما قيل - للنصوص المتعددة ،

ففي مصحح أبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ليس على النساء جهر

بالتلبية ( 1 ) .

وفي مرسل فضالة عمن حدثه عنه ( عليه السلام ) : إن الله وضع عن النساء

أربعا : الجهر بالتلبية ( 2 ) الحديث . نحوه خبر أبي سعيد المكاري ( 3 ) .

 

صورة التلبيات الاربع

 

وقد اختلف الاصحاب في صورة التلبية الواجبة وكيفيتها على أقوال :

أحدها : ما في المنتهى والشرائع والمستند ، والعروة وعن النافع وبعض نسخ

المقنعة والتحرير والمختلف والمسالك وكشف اللثام والمدارك والذخيرة والكافية وغيرها

وهو : " لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك " .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 38 من أبواب الاحرام حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 38 من أبواب الاحرام حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 38 من أبواب الاحرام حديث 2 .

 

 

[ وصورتها لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك

لبيك ]

 

ثانيها : ما نسب الى الفقيه والهداية والامالي والمراسم وهو : أن يضاف

الى تلك العبارة : " إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك " .

ثالثها : ما عن جمل السيد والمبسوط والسرائر والكافي والغنية والوسيلة وهو :

لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك " .

رابعها : ما في المتن ، قال : ( وصورتها : لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة

والملك لك لا شريك لك لبيك ) وحكي عن جامع ابن سعيد والمعتبر والقواعد .

خامسها : ما عن النهاية والاصباح وهو : ذكر لك في الصورة الاخيرة قبل

( الملك وبعده جميعا .

سادسها : ما نقل في المستند وجعله السيد الطباطبائي في حاشية التبصرة

أحوط وهو : يضاف إلى الجملة الاخيرة : " بحجة أو عمرة تمامها عليك لبيك " وهو

المحكي عن الاقتصاد .

وأما النصوص فهي على طوائف :

الاولى : ما يدل على القول الاول ، واستدل به للثاني أيضا ، وهو : صحيح معاوية

بن عمار عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في حديث ، قال : التلبية أن تقول : لبيك اللهم

لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ( لبيك

خ ل ) ذا المعارج لبيك لبيك داعيا الى دار السلام لبيك لبيك غفار الذنوب لبيك لبيك

أهل التلبية لبيك ذا الجلال والاكرام لبيك لبيك تبدأ والمعاد اليك لبيك لبيك

تستغني ويفتقر اليك لبيك لبيك مرهوبا مرغوبا اليك لبيك لبيك إله الحق لبيك لبيك

ذا النعاء والفضل الحسن الجميل لبيك لبيك كشاف الكرب العظام لبيك لبيك عبدك

وابن عبديك لبيك لبيك يا كريم لبيك . تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة ونافلة -

 

 

[ . . . ]

الى أن قال - وإن تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أن تمامها أفضل ، واعلم أنه لا بد

من التلبيات الاربع التي كن في أول الكلام وهي الفريضة وهي التوحيد وبها لبى

المرسلون ( 1 ) . الحديث .

تقريب الاستدلال به للقول الاول : أن لا بد من التلبيات

الاربع . يدل على عدم وجوب ما بعد التلبية الرابعة ، فينطلق على القول الاول .

ودعوى ، أن المراد بالتلبيات الاربع ما قبل الخمسة وتكون جملة " إن الحمد

والنعمة لك والملك لا شريك لك " جزء للصيغة الواجبة ، وتكون التلبيات الاربع من

كون ما ذكر مسمى التلبيات الاربع ليس من باب الحقيقة اللغوية ولا المتسرعية ،

وكونه من باب الجاز خلاف الظاهر ، معئنه على فرض الاحتمال ينفي الزائد بالاصل .

الطائفة الثانية : ما يدل على القول الثاني ، لاحظ : صحيح عاصم بن حميد قال :

سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انتهى

الى البيداء حيث الميل قربت له باقة فركبها فلما انبعثت به لبى بالاربع ، فقال : لبيك

اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك . ثم

قال : ههنا يخسف بالاخابث . ثم قال : إن الناس زادوا بعد وهو حسن ( 2 ) .

وخبر الاعمش عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : وفرائض الحج : الاحرام

والتلبيات الاربع وهي : لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك إن الحمد والنعمة

لك والملك لا شريك لك ( 3 ) .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 40 من أبواب الحرام حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 36 من أبواب الاحرام حديث 6 .

( 3 ) الخصال ج 2 ص 153 الطبع القديم

 

 

[ . . . ]

والامر دائر بين حمل صحيح معاوية على أرادة ما قبل الخامسة من التلبيات

الاربع ، وبين حمل ما في الخبرين على الاستحباب ، وتكون حكاية الامام ( عليه

السلام ) في الصحيح من باب حكاية ما هو أفضل .

والثاني - مضافا الى انه أرجح ، على فرض الاجمال وتساوي الاحتمالين

الاصل ينفي الزائد - يشهد به صحيح عمر بن يزيد عن الامام الصادق ( عليه

السلام ) : اذا أحرمت من مسجد الشجرة ، فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من

المسجد تقول : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ذا المعارج لبيك لبيك بحجة

تمامها عليك . الحديث ( 1 ) ، فإنه يدل على عدم وجوب تلك الجملة .

أضف الى ذلك : أن صحيح عاصم متضمن لحكاية تلبية الرسول صلى الله عليه

وآله ، ولاظهور له في تعيينها .

وأما الخبر فقاصر سندا .

وأما صحيح عبد الله بن سنان عنه ( عليه السلام ) : لما لبى رسول الله صلى الله

عليه وآله قال : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك

لا شريك لك لبيك لبيك ذا المعارج ، وكان صلى الله عليه وآله يكثر من ذي المعارج

. . . الحديث ( 2 ) ، فهو غير ظاهر ، ولا مشعر بتعين ما قبل ذي المعارج ، فإنه حكاية فعل

النبي صلى الله عليه وآله فإذا الاظهر عدم وجوب ضم تلك الزيادة .

الطائفة الثالثة : ما تضمن صورا اخر كخبر ( 3 ) يوسف بن محمد بن زياد ، وعلي

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 40 من أبواب الاحرام حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 40 من أبواب الاحرام حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 40 من أبواب الاحرام حديث 5 .

 

 

[ . . . ]

بن محمد بن يسار عن أبويهما عن الامام الحسن العسكري ( عليه السلام ) عن آبائه عليهم

السلام عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله في

حديث موسى : فنادى ربنا عز وجل يا امة محمد فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم

وفي أرحام امهتهم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك

والملك لا شريك لك لبيك ، فجعل الله عز وجل تلك الاجابة شعار الحج . ونحوه مرسل

الصدوق .

وما عن كتاب عاصم بن حميد الحناط قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام

يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انتهى الى البيداء حيث الميلين انيخت له

ناقته فركبها فلما انبعثت به لبى بأربع فقال : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك

لك لبيك إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك . ثم قال حيث يخسف بالاخابث ( 1 ) .

وهذا الخبر في متنه اختلاف مع متن صحيح ابن حميد المتقدم ، ولعل ذلك يوجب

إشكالا آخر فيه ، ولكن هذه النصوص ضعيفة سندا ، أما الاول ، فلمحمد بن القاسم

الاستر ابادي فإنه مهمل ، وأما الثاني ، فللارسال ، وأما الثالث فكذالك ، مضافا الى أن

الاولين متضمنان للتلبيات الخمس وقد دل صحيح معاوية على عدم وجوب الزائد عن

الاربع .

وبذلك يظهر حال النصوص الاخر المتضمنة لاكثر من الاربع ، فالقول الاول

أظهر ، وتضعيفه بندرة القائل به بين القدماء في غير محله وإن كان الاول والاحوط

إضافة الجملة المذكورة .

وأما القول الثالث : والرابع والخامس فقد صرح غير واحد من الاساطين بعدم

……………………………………………

( 1 ) المستدرك باب 23 من أبواب الاحرام حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

العثور على ما يدل على شئ منها .

قال سيد المدارك : وأما القول الثالث فلم نقف له على مستند مع شهرته بين

الاصحاب ، وقد ذكره العلامة في المنتهى مجردا عن الدليل - الى أن قال - ومن العجب

قول الشهيد في الدروس : الرابع : التلبيات الاربع وأتمها : لبيك اللهم لبيك لبيك إن

الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك . ويجزي : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك

لك لبيك . وإن أضاف الى ذلك : إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك . كان حسنا ،

فإن جعلها أتم الصور يقتضي قوة مستندها بالنظر الى مستند القولين الاخرين

والحال أن ما وصل الينا من الا خبار الصحيحة والضعيفة خال من ذلك رأسا مع صحة

مستند القولين الا خرين واستفاضت الروايات بذلك وهم أعلم بما قالوه . انتهى ، ونحوه

ما في الجواهر وعن كشف اللثام .

 

حكم من لا يحسن التلبية

 

وينبغي التنبيه على امور :

الاول : أنه يجب الاتيان بالتلبية على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات

على القواعد العربية فلا يجزي الملحون مع التمكن من الصحيح بالتلقين أو

التصحيح بلا خلاف ، كما هو ظاهر التذكرة ، وهو واضح .

ولو لم يحسن ولو بالتلقين يجب التعلم ، لان وجوب التلبية يستدعي وجوب

التعلم تحصيلا للواجب ، ولما دل من النصوص على وجوب التعلم ، وللاجماع .

هذا إذا تمكن من التعلم بعد وجوب الحج عليه ، وكذلك اذا قدر على التعلم

قبله مع العلم بعدم التمكن منه بعده لما حقق في الاصول من وجوب ما يترتب على

 

 

[ . . . ]

تركه فوت الواجب في ظرفه إذا لم يكن القدرة في ظرفه شرطا للوجوب .

وإن لم يتمكن من التعلم فعن ابن سعيد : ان لم يتأت له التلبية لبى عنه غيره .

انتهى .

وعن الشهيد : ففي ترجمتها نظر ، وروي أن غيره يلبي عنه . انتهى .

وعن كشف اللثام : لا يبعد عندي ، وجوب الامرين ، فالترجمة لكونها كإشارة

الاخرس وأوضح ، والنيابة ، لمثل ما عرفت . انتهى .

أقول : يقع الكلام في موردين : الاول : في التلبية اللمحونة . الثاني : في ترجمتها .

أما الاول ، فقد استدل للزوم الاتيان بها بقاعدة الميسور .

ويرد عليه : ما تقدم مرارا من عدم حجيتها .

والاولى أن يستدل له بخبر مسعدة بن صدقة قال : سمعت جعفر بن محمد

( عليه السلام ) يقول : إنك ترى من المحرم من العجم ما لا يراد منه ما يراد من العالم

الفصيح وكذلك الاخرس في القراءة والصلاة والتشهد وما أشبه ذلك ، فهذا

بمنزلة العجم ، والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح ( 1 ) . فإن مقضى

إطلاقه الاجتراء بالتلبية الملحونة .

فإن قيل : مقتضى إطلاقه الاجتراء بها حتى مع التمكن من تعلم الصحيحة

فلا يجب التعلم .

قلنا : إنه من الجائز أن يكون وفاء الناقصة بالمصلحة ، وكونها مثل التامة في

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 59 من أبواب القراءة في الصلاة حديث 2 ( كتاب الصلاة ) .

 

 

[ . . . ]

صورة عدم إمكان التعلم .

ولكن مقتضى خبر زرارة : إن رجلا قدم حاجا لا يحسن أن يلبي فاستفتى له

أبا عبد الله ( عليه السلام ) فأمر له أن يلبي عنه ( 1 ) . وجوب الاستنابة .

ودعوى : انه حكاية حال . مندفعة : بأنه حكابة فتوى الامام ( عليه السلام ) في

مورد الجواب عن السؤال ، إلاأنه ضعيف السند ، والاعتماد عليه غير ثابت .

ولكن يؤيده بل يدل على الحكم : صحيح زرارة عن أحدهما ( عليه السلام ) : إذا

حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبي ويفرض الحج ، فإن لم يحسن أن يلبي

لبوا عنه ( 2 ) . وقريب منه غيره ، من جهة أن ظاهر ذيله أن هذا حكم من لا يحسن أن

يلبي ولا اختصاص له بالصبي .

ويؤيده ما في الجواهر والمستند من قبول أفعال الحج والعمرة للنيابة .

فالاظهر : لزوم الاستنابة إن أمكن ، والاحوط الجمع بينهما وبين الاتيان

بالملحونة ، بل لا ينبغي تركه .

وبما ذكرناه ظهر حكم الترجمة ، فإنه لا يجري فيها ما ذكرناه في الملحونة

فالمتعين هو الاستنابة .

وأما الاخرس : فقد صرح أكثر الاصحاب بأنه يشير اليها بإصابعه مع تحريك

لسانه .

ويشهد بذلك : خبر السكوني عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : إن عليا ( عليه

السلام ) قال : تلبية الاخرس وتشهده وقراءته القرآن ، في الصلاة : تحريك لسانه

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 39 من أبواب الاحرام حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 17 من أبواب أقسام الحج حديث 5 .

 

 

[ . . . ]

وإشارته بإصبعه ( 1 ) .

وعن كشف اللثام : وجوب الاستنابة أيضا عملا بالخبرين : خبر السكوني ،

وخبر زرارة المتقدم .

وفيه اولا : أن خبر السكوني حاكم على خبر زرارة ، فإن فيه : حكم بأن تحريك

لسانه وإشارته باصبعه تلبية ، والموضوع في خبر زرارة لا يشمل الاخرس ، فإن

 الاخرس غير قادر لا غير محسن ، بل هو عبارة عن الا عجمي .

وفي الشرائع قال : مع عقد قلبه بها . مراده أن يقصد بحركة اللسان كونها حركة

للتلبية أي الالفاظ المحكية بها لا معناها ، والوجه في اعتبار عدم تأتي قصد امتثال

الامر المتوجه اليه الا به ، لان الحركة بنفسها تصلح لغير التلبية .

واعتبار تطبيق الحركة على حروف التلبية جزءا فجزءا بحيث يكون صوته

بمنزلة كلام غير متمايزة الحروف في حق من سمع ألفاظ التلبية وأتقنها بل تكلم يهامدة

- مما لم يدل عليه دليل ، وكون ذلك تلبية لا يقتضيه كما لا يخفى ، كما أن الاشكال في

وجوب ما ذكرناه للاخرس الذي لم يعرف أن في الوجود كلاما ولفظا - في غير محله ،

إذ دعوى عدم إمكان ذلك فيه . مندفعة : بتمكنه من القصد الى ما يفعله الناطق إجمالا ،

فوجوب عقد قلبه بمعنى التلبية لا وجه له .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 39 من أبواب الاحرام حديث 1

 

 

[ . . . ]

 

مبدأ اشتقاق التلبية

 

الثاني : أصل لبيك : لبين لك . كما عن المصباح المنير والجوهري وغيرهما ،

فحذف اللام واضيف الى الكاف فحذف النون .

وعن يونس : أنه غير مثنى بل اسم مفرد متصل بالضمير بمنزلة على ولدي إذا

اتصل به الضمير .

وأنكره سيبويه وقال : لو كان مثل علي ولدي ثبتت الياء مع الضمير وبقيت

الاف مع الظاهر ، وحكى من كلامهم لبى زيد مع الاضافة الى الظاهر ، فثبوت الياء

مع الاضافة الى الظاهر يدل على أنه ليس مثل على ولدي . انتهى .

وهو مصدر منصوب بفعل مقدر ، قال سيبويه : انتصب لبيك كما انتصن سبحان

الله .

وعن الصحاح : نصب على المصدر كقولك حمد الله وشكرا ، وكان حقه أن يقال :

لبا لك ، فالمعنى حينئذ اما ألب لك البابا بعد الباب ، أو لبا بعد لب أي : إقامة بعد

إقامة من لب بالمكان أو ألب أي : أنام ، والانسب بهيئة الثلاثي كونه من لب .

وفي معنى اللب خلاف ، فقد يحتمل كما عن ابن الاثير والجوهري والخليل

وغيرهم : أن يكون من لب بمعنى واجه ، يقال : دارى تلب دارك . أي : تواجهها ، فمعناه

مواجهتي وقصدي لك .

وقد يحتمل أن يكون من لب الشئ . أي : خالصه : فيكون بمعنى اخلاصي

 

 

[ . . . ]

لك .

واحتمال في محكى القاموس : أن المعنى : محبتى لك .

والذي صرح به جماعة من القدماء والمتأخرين من أهل اللغة أنه بمعنى

الاجابة ، فمعنى لبيك إجابتين لك ، والنصوص توافق الاخير .

وفي المجمع : وفي الحديث : سميت التلبية إجابة ، لان موسى ( عليه السلام )

أجاب ربه ، وقال : لبيك .

ولنعم ما أفاده بعض الاعاظم ، قال بعد نقل كلمات القوم : وكلها بعيدة وتخرص

في العربية ولا طريق الى إثبات بعضها ولا يخطر منها شئ في بال المتكلم أصلا ،

والاقرب : أن تكون كلمة برأسها تستعمل في مقام الجواب للمنادي مثل سائر كلمات

الجواب لا يختلف حالها في الظاهر والضمير .

الثالث : أن المصرح به في كلمات غير واحد أنه يجوز في قوله : إن الحمد . الى

آخره ، أن يقرأ بكسر الهمزة وفتحها .

وفي العروة : والاولى : الاول : وعلق عليه جمع من المحشين بأنه لا يترك ، وجمع

منهم بقولهم : الظاهر تعينه أو : ولعله المتعين .

والاصل في ذلك ما عن العلامة في المنهى عن بعض أهل العربية أنه قال :

من قال : أن بفتحها فقد خص . ومن قال بالكسر فقد عم وهو واضح ، لان الكسر

يقتضي تعميم التلبية وإنشاء الحمد مطلقا ، والفتح يقتضي تخصيص التلبية أي لبيك

بسبب أن الحمد لك . انتهى .

أقول : بعد ما لا كلام في أن المأمور به هو الكلام الصادر عن المعصوم ( عليه

السلام ) بما له من المادة والصورة ، فلو فرضنا العلم بان النيي صلى الله عليه وآله ، أتى

بها مفتوحة - لا يجوز لنا التبديل قراءتها مكسورة ، وعليه فحيث إن كيفية الصدور من

 

 

[ ولبس الثوبين ]

 

المعصوم غير معلومة فمقتضى القاعدة هو الاحتياط بالجمع بين الكيفتين ، وقراءتها تارة

مكسورة واخرى مفتوحة .

 

من واجبات الاحرام لبس الثوبين

 

( و ) الثالث من واجبات الاحرام ( لبس الثوبين ) .

قال في المستند : وهما واجبان بلا خلاف يعلم كما في المنتهى والذخيرة والكفاية ،

بل هو مقطوع به في كلام الاصحاب كما في المدارك ، بل إجماعي كما عن التحريم وفي

المفاتيح وشرحه : بل إجماع محقق . انتهى .

وفي الرياض : وهما واجبان بغير خلاف أجده ، وبه صرح جماعة مؤذنين

بدعوى الاجماع ، عليه . انتهى .

واستدل له بالاجماع ، والتأسي .

وهما كما ترى ، فإن الاجماع المعلوم مدركه ليس بحجة ، وفعله صلى الله عليه

وآله أعم من الواجب سيما وأن اللبس من العادات إلا أن يثبت كونه من العبادات .

والحق أن يستدل له بجملة من النصوص كصحيح معاوية بن عمار عن

الصادق ( عليه السلام ) : إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى الوقت من هذه

المواقيت وأنت تريد الاحرام إن شاء الله تعالى فانتف إبطيك وقلم أظفارك وأطل

عانتك وخذ من شاربك ولا يضرك بأي ذلك بدأت ثم استك واغتسل والبس ثوبيك . . .

الحديث ( 1 ) .

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب الاحرام حديث 4 .

 

 

[ . . . ]

وصحيحه الاخر عنه ( عليه السلام ) الوارد في إحرام الحج اذا كان يوم التروية

إن شاء الله تعالى فاغتسل ثم البس . . الحديث ( 1 ) .

وصحيح هاشم بن سالم قال : ارسلنا الى أبي عبد الله ( عليه السلام ) ونحن

جماعة ونحن بالمدينة إنا نريد أن نودعك ، فأرسل الينا أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف

أن يعز الماء عليكم بذي الحليفة فغتسلوا بالمدينة والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها

ثم تعالوا فرادى أو مثاني ( 2 ) .

وخبر زيد الشحام عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سئل عن امرأة

حاضت وهي تريد الاحرام فتطمث ، قال ( عليه السلام ) : تغتسل وتحتشي بكرسف

وتلبس ثياب الاحرام وتحرم ( 3 ) . ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة .

ولا يضر بذلك ذكر لبس الثوبين في عداد المستحبات ، لما مر غير مرة من أنه

إذا أمر المولى بعدة امور ولو كان ذلك بأمر واحد فضلا عن أوامر عديدة ، ورخص

في المخالفة بالنسبة الى بعض تلك الامور يحكم بكون ذلك البعض مستحبا وما لم

يرخص فيه واجبا ، وعليه فوجوب لبس الثوبين مما لا ينبغي التوقف فيه .

فما عن كشف اللثام : وأما لبس الثوبين فإن كان على وجوبه إجماع كان هو

الدليل وإلا فالاخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستندة له ، مع أن الاصل العدم ، ولم

يستبعده بعض الاعاظم . ضعيف .

وهل يختص وجوب اللبس بالرجال أم يعم المرأة ؟ وجهان ، قوى صاحب

……………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 52 من أبواب الحرام حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من أبواب الاحرام حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 48 من أبواب الاحرام حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

الجواهر الاختصاص بعد أن حكى الثاني عن بعض الافاضل .

واستدل لما قواه شمول النصوص السابقة للاناث إلا بقاعدة الاشتراك

التي يخرج عتها هنا لظاهر النص والفتوى .

وفيه : أن المخاطب في أكثر النصوص وإن كان هو الرجل ولكن هذا الخطاب

كسائر خطابات الاحكام المتوجهة الى الرجل التي بناء الاصحاب على التعدي الى

المرأة لا لقاعدة الاشتراك ، بل لفهم عدم الخصوصية .

ويؤكد ذلك ما يظهر من بعض الاخبار ثبوت الحكم لها ، كخبر زيد المتقدم ،

ومثله موثق يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الحائض تريد

الاحرام قال : تغتسل وتستثفر وتحتشي بالكرسف وتلبس ثوبا دون ثياب إحرامها . .

الحديث ( 1 ) . فالاظهر ثبوت الحكم لها أيضا .