فقه الصادق
تأليف
فقيه العصر سماحة آية آلله العظمي
السيد محمد صادق الحسيني الروحاني
مد ظله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي اوجب الحج تشييد اللدين
وجعله من القواعد التي عليها بناء
الاسلام والصلاة على محمد المبعوث على
كافة الانام وعلى آله هداة الخلق واعلام
الحق
وبعد فهذا هو الجزء الحادي عشر من كتابنا
" فقه الصادق " وقد وفقنا لطبعه .
والمرجو من الله تعالى التوفيق لنشر بقية
الاجزاء ، فانه ولي التوفيق .
[ كتاب الجهاد ]
وهو باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة
أوليائه ، وهو لباس التقوى ، ودرع
الله الحصينة ، وجنته الوثيقة ( 1 ) ،
فضله الله عز وجل على الاعمال ، وفضل عامله على
العمال تفضيلا في الدرجات والمغفرة ، وبه
ظهر الدين ، ويدفع عن الدين وبه اشترى
الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة
بيعا مفلحا منجحا ( 2 ) ، وهو سياحة أمة محمد
صلى الله عليه وآله ( 3 ) التى قد جعل
الله عزها بسنابك خيلها ومراكز رماحها ( 4 ) . وفوق
كل بر بر فإذا قتل في سبيل الله فليس
فوقه بر ( 5 ) . والخير كله في السيف ، وتحت
السيف ، وفي ظل السيف ، ومعقود في نواصى
الخيل ( 6 ) ، ولا يهمنا البحث في معناه
اللغوى ، وأنه فعال من الجهد بفتح الجيم
بمعنى المشتقة ، أو من الجهد بالضم ، وهو
الوسع والطاقة .
وأما شرعا فقد ذكروا فيه وجوها ، فعن
الشهيد الاول : إنه بذل النفس أو المال
في إعلاء كلمة الاسلام وإقامة شعائر
الايمان .
وأورد عليه الشهيد الثاني بأنه غير مانع
، وعرفه هو ببذل الوسع بالنفس وما
…………………………………………………
( 1 ) نهج البلاغه خطبة : 27 .
( 2 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب جهاد
العدو حديث 8 .
( 3 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب جهاد
العدو حديث 22 .
( 4 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب جهاد
العدو حديث 2 .
( 5 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب جهاد
العدو حديث 21 .
( 6 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب جهاد
العدو حديث 18
[ . . . ]
يتوقف عليه من المال في محاربة المشركين
أو الباغين على وجه مخصوص .
ولكن التعريفين غير جامعين لجميع الاقسام
حتى الاقسام التي ذكرها الشهيد الثاني .
قال في الروضة : وهو أقسام : جهاد
المشركين ابتداء لدعائهم الى الاسلام
وجهاد من يدهم على المسلمين من الكفار
بحيث يخافون استيلائهم على بلادهم وأخذ
مالهم وما أشبهه من الحريم والذرية ،
وجهاد من يريد قتل نفس محترمة أو أخذ مال أو
سبي حريم مطلقا ، ومنه الاسير بين
المشركين للمسلمين دافعا عن نفسه ، وربما اطلق
على هذا القسم الدفاع لا الجهاد وهو أولى
، وجهاد البغاة على الامام انتهى .
والحق أنه لا حقيقة شرعية له ، ولا
متشرعية ، وإنما يستعمل في الشرع في معناه
اللغوي ، ونظر الفقهاء في أمثال هذه
التعاريف الى بيان عنوان للمسائل بنحو الاجمال
للتمييز في الجملة ، وعلى ذلك فلا وجه
للمناقشة فيما ذكروه بعدم كونه جامعا أو مانعا ،
ولعله أحسن ما قيل في المقام : أنه
استفراغ الوسع في مدافعة العدو .
وهو ينقسم الى أقسام إذا العدو أقسام :
العدو الظاهر ، والشيطان ، والنفس
الامارة بالسوء ، والكلام في المقام في
خصوص القسم الاول . وهو أيضا على أنواع ، إذ
العدو الظاهر أقسام : المشركون ، والكفار
الموحدون ، والبغاة على الامام ، والطواغيت ،
وحكام الجور ، والمبدعون في الدين ،
والمحارب لله ولرسوله الساعي في الارض الفساد
بالقتل والاسر وقطع الطريق وإشهار السيف
وتخويف المسلمين في البلاد والقرى
والفلوات ، والباغون على طائفة من
المسلمين ، والمنافقون الذين يحبون أن تشيع
[ . . . ]
الفاحشة في الذين آمنوا ، والظالمون
الذين يريدون الاعتداء على نفس الانسان أو
حريمه أو عرضه ثم ان الجهاد ، قد يكون
لاعلاء كلمة الاسلام وإقامة شعائر الايمان ،
وقد يكون لحفظ الاسلام وقوانينه من أيدي الاجانب
والمتجاوزين ، وقد يكون لحفظ
بلاد الاسلام والمسلمين من تسلط الاعداء
عليها وعليهم .
ثم إن الجهاد ، قد يكون بالسيف وسائر
الاسلحة الحربية ، وقد يكون بالمال ،
وقد يكون بالبيان والقلم والتبليغ وإقامة
الجج العلمية ، والجواب عن الشبهات
الواقعة على الدين والتفقه ، فقد روي
الفريقان عن النبي صلى الله عليه وآله : أفضل
الجهاد كلمة العدل عند إمام جائر ، أو
سلطان جائر ، أو أمير جائر ( 1 ) .
قال الامام ( عليه السلام ) : الله الله
في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في
سبيل الله لا تتركوا الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر ( 2 ) .
والكلام في المقام في القسم الاول ،
ونتعرض لحكم القسم الثانى بالمناسبة ، واما
الثالث فالكلام فيه محرر في كتاب الامر
بالمعروف الاتي ، كما أن الكلام في جهاد
المبدعين في الدين وحكام الجور ، والجهاد
لحفظ قوانين الاسلام من أيدي الظلمة
والمتجاوزين في ذلك الكتاب ، فالكلام في
المقام في خصوص مدافعة المشركين والكفار ،
والباغين بالاسلحة الحربية ، وفي ذيل تلك
المباحث نتعرض لجملة من أحكام سائر
أقسام الجهاد التي لم نتعرض لها في كتاب
الامر بالمعروف .
فالكلام هنا في مقامين : الاول : في قتال
الكفار . الثاني في قتال الباغين ، وكل منهما
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 2 من ابواب الامر
والنهي من كتاب الامر بالمعروف
حديث 1 ، ورواه أبو داود في سننه
وابن ماجة من
حديث أبي سعيد الخدري
وأحمد وابن ماجة والطبراني والبيهقي في شعب الايمان عن أبي امامة .
( 2 ) نهج البلاغة ، وصيته ( عليه السلام
) لا بنيه لما ضربه ابن ملجم لعنه الله
[ . . . ]
قد يكون المحاربة ابتداءا من ناحية
المسلمين على الكفار لدعوتهم الى الاسلام ، أو
لغير ذلك ، أو على الطغاة الخارجين على
الامام ، وقد يكون المحاربة أولا وبالذات من
ناحيه العدو والمسلمون يدفعون عن أنفسهم
الضرر والخطر ، وقد خلط المصنف - ره
- البحث في هذه المواضع .
ثم إن الجهاد مع الكفار ينقسم من جهة
اختلاف متعلقاته الى أقسام ، وأجمع ما
قيل في المقام ما أفاده الشيخ الاكبر
كاشف الغطاء - ره - في كشفه .
أحدها : الجهاد لحفظ بيضة الاسلام إذا
أراد الكفار المستحقون لغضب الجبار
الهجوم على أراضي المسلمين وبلدانهم
وقراهم ، وقد استعدوا لذلك وجمعوا المجموع
لاجله لتعلوا كلمة الكفر وتهبط كلمة
الاسلام .
ثانيها : الجهاد لدفع الكفار عن التسلط
على دماء المسلمين وأعراضهم
بالتعرض بالزنا بنسائهم واللواط باولادهم
.
ثالثها : الجهاد لدفعهم عن طائفة من
المسلمين التقت مع طائفة من الكفار
فخيف من استيلائهم عليها .
رابعها : الجهاد لدفعهم عن بلدان
السملمين وقراهم وأراضيهم وإخراجهم منها
بعد التسلط عليها وإصلاح بيضة الاسلام
بعد كسرها واصلاحها بعد ثلمها والسعي
في نجاة المسلمين من أيدي الكفرة ، وهذا
كالجهاد مع إسرائيل الغاصب لفلسطين ، وقد
أفاد الشيخ الاكبر في ذيل ذلك : أن هذا
القسم أفضل الجهاد وأعظم الوسائل الى رب
العباد وأفضل من الجهاد لرد الكفار الى
الاسلام كما كان في أيام النبي عليه وآله أفضل
[ . . . ]
الصلاة والسلام .
خامسها : جهاد الكفر ، والتوجه الى
محالهم للرد الى الاسلام والاذعان بما أتى
به النبي صلى الله عليه وآله .
قال الشيخ - ره - بعد بيان هذه الاقسام :
فكل هذه الاقسام مندرج في الجهاد
على سبيل الحقيقة ، ويجري على قتلاهم في
المعركة حكم الشهيد في الدنيا والاخرة ،
فيثبت لهم في الاخرة مع خلوص النية ما
أعده الله للشهداء من الدرجات الرفيعة
والمراتب الرفيعة والمساكن الطيبة
والحياة الدائمة والرضوان الذي هو أعلى من كل
مكرمة ، ويسقط في الدنيا وجوب تغسيلهم
وتحنيطهم وتكفينهم اذا لم يكونوا عراة
فيدفنون في ثيابهم مع الدماء .
وقبل الشروع في المباحث لا بد من تقديم
مقدمة : وهي : أن الجهاد والقتال
مع الكفار وابتغاة إنما هو بعد الدعاء
الى محاسن الاسلام وإقامة عليهم ، كما
قال الله تعالى : ( ولو أنا أهلكناهم
بعذاب من قبله لقالوا لولا أرسلت الينا رسولا
فتتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ) ( 1 )
. وقال عزوجل : ( ادع الى سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي
هي احسن ) ( 2 ) ، قال تعالى : ( ليهلك من
هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة ) ( 3 )
، وكما جرت عليه السنة النبوية والعلوية
…………………………………………………
( 1 ) طه : آية 134 .
( 2 ) النحل : آية 125 .
( 3 ) الانفال : آية 43 .
[ . . . ]
والحسينية ، بل المستفاد من الاية
الثانية ، والسيرة النبوية ، أن القتال إنما هو بعد
الدعوة الى الاسلام بأقسامها الثلاثة ،
أى الحكمة ، والموعظة ، والجدال بالتي هي
أحسن ، إذا الانسان إما أن يكون له قدرة
على إدراك المطلوب بالبرهان ، أم لا ، والثاني
إما أن يكون له قوة الجدال والمغالبة ،
أؤ لا ، فوظيفة النبي صلى الله وآله ومن قام
مقامه في هداية الخلق مع الفرقة الاولى
إقامة البرهان وإيقاع التصديق الجازم في
أذهانهم ، ومع الفرقة الثانية . الالزام
ليلتزموا بما امروا به ، ومع الفرقة الثالثة إيقاع
المقدمات الاقناعية في أذهانهم لينقادوا
للحق لقصورهم عن رتبة البرهان والجدل ،
فالحكمة إشارة إلى البرهان ، والموعظة
الحسنة إلى الخطابة ، وجادلهم بالتي هي أحسن
إلى علم الجدل ، وقد روي عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه قال : امرنا معاشر الانبياء
أن نكلم الناس على قدر عقولهم ( 1 ) ،
وعلى الجملة لا يبدأ بالقتال إلا بعد إتمام الحجة .
ثم بعد ذلك إن أسلموا فلا كلام وإلا فإن
منعوا من الدعوة وهددوا
الداعي وقتلوه يجب على المسلمين القتال ،
لحماية الدعاة ونشر الدعوة ، لا للاكراه
في الدين ، والتدبر في آيات القتال
والجهاد يرشدنا الى ذلك ، فهذه آيات القتال في
سورة البقرة صريحة في ذلك ( وقاتلوا في
سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن
الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث
ثقفتموهم واخرجوهم من حيث أخرجوكم
والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند
المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن
قاتلوكم فاقتلوهم ) ( 2 ) ، وايات سورة
آل عمران نزلت في غزوة احد وكان المشركون
هم المعتدون ، وآيات الانفال نزلت في
غزوة بدر الكبرى وكان المشركون هم
المعتدون أيضا ، وآيات سورة البراءة نزلت
في ناكثي العهد من المشركين ، ولذلك قال
…………………………………………………
( 1 ) مجمع البيان ، ج 6 ص 393 .
( 2 ) سورة البقرة : آية 190 و 191 .
[ . . . ]
بعد ذكر نكثهم : ( ألا تقاتلون قوما
نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤكم
أول مرة ) ( 1 ) ، وعلى الجملة كان
المشركون يبدؤن المسلمين بالقتال لاجل إرجاعهم
عن دينهم ، وأخرجوا الرسول من بلده وآذوا
المؤمنين ومنعوا من الدعوة فقتال النبي
صلى الله عليه وآله كان مدافعة عن الحق وأهله وحماية لدعوة الحق
.
وإن لم يمنعوا من الدعوة ولا هددوا
الداعي ولم يؤذوا المؤمنين ، فإن زاحموهم في
تشكيل الحكومة الاسلامية التي هي القوة
المجرية للقوانين الإسلامية يكون القتال
واجبا لذالك ، واذا لم يزاحموهم حتى في
ذلك لا يجب القتال والجهاد ، وعلى أي تقدير
ليس القتال للإكراه في الدين .
وبهذا الذي ذكرناه يظهر الجواب عما ربما
يورد على الاسلام في تشريعه الجهاد :
بأن الاسلام قام بالسيف ، وأنه ليس دينا
إلهيا لأن الاله الرحيم لا يأمر بسفك الدماء ،
وأن العقائد الاسلامية خطر على المدنية ،
ولذلك ربما سماه بعضهم كالمبلغين من
النصارى بدين السيف والدم ، وآخرون بدين
الاجبار والاكراه .
أضف الى ما ذكرناه : أن دين التوحيد مبني
على أساس الفطرة وهو القيم على
إصلاح الانسانية في حياتها ، كما قال
الله تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله
التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله
ذلك الدين القيم ) ( 2 ) ، فالتحفظ عليه من
أهم حقوق الانسان التى قضت الفطرة السليمة
بأنها مشروعة وجائزة ، ومما يوجب
التحفيظ عليه ويكون دفاعا عن حق
الانسانية في حياتها القتال ، كان دفاعا عن
المسلمين ، أو عن بيضة الاسلام ، أو
ابتدائيا كما قال الله تعالى بعد آيات القتال من
…………………………………………………
( 1 ) سورة البراءة : آية 31 .
( 2 ) الروم : آية 30 .
[ وفيه فصول : الفصل الاول :
فيمن يجب عليه ، وهو فرض ]
سورة الأنفال : ( يا أيها الذين آمنوا
استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما
يحييكم ) ( 1 ) ، فجعل القتال إحياء لهم
، فالقتال بهذا المعنى عبارة عن استخدام
الانسان ما يحفظ به حياته الاجتماعية الصالحة
، ومن الضروري أن الفطرة السليمة
قاضية بأن للانسان التصرف في كل ما ينتفع
به في حياته .
وإن شئت قلت : إنه بعد ما لا ريب في أن
للانسان فطرة ، ولفطرته حكم
وقضاوة ، لا شبهة في أن فطرته تقضى قطعيا
بانه لابد وأن يكون للاسلام حكم دفاعي
في تطهير الارض من لوث الشرك بالله الذي
فيه هلاك الانسانية وموت الفطرة ، وفي
القتال دفاع عن حقها فالقتال مع المشركين
إنما تكون لاماتة الشرك وإحياء دين
التوحيد ، وهذه جهة اخرى في الرد على ما
ذكروه إيرادا على الاسلام .
( و ) تمام النظر ( فيه ) يكون في ضمن (
فصول الفصل الاول : فيمن يجب
عليه الجهاد ) .
( و ) قبل بيان ذلك لا بد وان يعلم أنه
لا خلاف بين المسلمين في وجوبه في
الجملة ، بل ( هو ) كالضروري ، والايات
الدالة على أنه ( فرض ) كثيرة وألسنتها مختلفة .
منها : آيات القتال مع المشركين عامة وهم
غير أهل الكتاب كقوله تعالى :
( قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم
كافة ) ( 2 ) ، وقوله عز وجل : ( فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم ) ( 3 ) .
ومنها : آيات القتال مع مشركي مكة ومن
معهم بالخصوص كقوله تعالى : ( اذن
…………………………………………………
( 1 ) الانفال : آية 24 .
( 2 ) التوبة : آية 27 .
( 3 ) التوبة : آية 6 .
[ . . . ]
للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على
نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم
بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) ( 1 )
، وقوله تعالى : ( قاتلوهم حتى لا تكون فتنة
ويكون الدين كله لله ) ( 2 ) .
ومنها : آيات القتال مع أهل الكتاب ، قال
الله تعالى : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون
بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما
حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من
اللذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن
يد وهم صاغرون ) ( 3 ) .
ومنها : ما يأمر بالقتال مع الكفار مطلقا
كقول الله عز وجل : ( قاتلوا الذين
يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ) (
4 ) .
ومنها ما يأمر بقتال البغاة ، وجعل
الفاضل المقداد منه قوله تعالى : ( يا أيها
النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ
عليهم ( 5 ) ، قال : المنافق من ظاهره الاسلام
والباغي كذلك لاظهاره الاسلام وخروجه عنه
ببغيه على إمامه فهو حقيق باسم
النفاق ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه
وآله لعلي ( عليه السلام ) : لا يحبك إلا مؤمن
تقي ، ولا يبغظك إلا منافق شقي ( 6 ) ،
رواه النسائي في صحيحه ، ورويناه نحن أيضا في
أخبارنا ومن يحاربه لا يحبه قطعا فيكون
منافقا ، ولذلك قال علي ( عليه السلام ) يوم
الجمل : والله ما قوتل أهل هذه الاية إلا
اليوم ، يريد به قوله تعالى : ( وإن نكثوا أيمانهم
…………………………………………………
( 1 ) الحج : آية 40 .
( 2 ) الانفال : آية 40 .
( 3 ) التوبة : آية 30 .
( 4 ) التوبة : آية 124 .
( 5 ) التوبة : آية 73 .
( 6 ) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 ص
358 ، الارشاد ص 18
والحديث متفق عليه تراه في سنن النسائي
ج 8 ص 116 .
[ . . . ]
من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا
أئمة الكفر ) ( 1 ) .
واستدل الراوندي على قتال أهل البغي
بقوله تعالى : ( انفروا خفافا وثقالا
وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله )
( 2 ) ، أي : انفروا شبانا وشيوخا وأغنياء
وفقراء مشاتا وركبانا ، قال : ظاهر الاية
يقتضي قتال البغاة .
ومنها : ما يأمر بجهاد من دهم المسلمين
كقوله تعالى : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم
ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) ( 3 ) .
وهناك آيات تأمر بالجهاد بقول مطلق كقوله
تعالى : ( وجاهدوا في الله حق
جهاده ) ( 4 ) ، وقوله تعالى : ( يا أيها
الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا
جميعا ) ( 5 ) ، وقوله تعالى : ( فليقاتل
في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا
بالاخرة ) ( 6 ) ، وقوله تعالى : ( الذين
آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا
يقاتلون في سبيل الطاغوت ) ( 7 ) ، الى
غير ذلك من الايات الكثيرة .
وأما النصوص الدالة على وجوب الجهاد فهي
متواترة لا يمكن ذكرها في
المقام فإنما نذكر طرفا منها المتضمنة
لما ترتب عليه من الفوائد وعلى تركه من المفاسد
وما تضمن علل الوجوب .
منها : الخطبة التي ألقاها الامام ( عليه
السلام ) حين ورد غزو الانبار بجيش
…………………………………………………
( 1 ) التوبة : آية 11 .
( 2 ) التوبة : آية 42 .
( 3 ) البقرة : آية 187 .
( 4 ) الحج : آية 77 .
( 5 ) النساء : آية 71 .
( 6 ) النساء : آية 74 .
( 7 ) النساء : آية 76 .
[ . . . ]
معاوية أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب
الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه وهو لباس
التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة
، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل
وشمله البلاء وديث بالصغار والقمائة وضرب
على قلبه بالاسهاب واديل الحق منه
بتضييع الجهاد وسيم الخسف ومنع النصف ( 1
) .
ومنها : ما روته زينب بنت علي ( عليه
السلام ) قالت فاطمة عليها السلام في
خطبتها : فرض الله الايمان تطهيرا من
الشرك . . . والجهاد عزا للاسلام . الحديث ( 2 )
ومنها : ما عن أمير المؤمنين ( عليه
السلام ) في عهده الى مالك الاشتر حين ولاه
مصر : فالجنود بإذن الله حصون الرعية
وزين الولاة وعز الدين وسبل الامن
وليس تقوم الرعية لا بهم ثم لا قوام
للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج
الذي يقوون به الى جهاد عدوهم الى آخر ما
كتبه ( عليه السلام ) ( 3 ) .
ومنها : خبر معمر عن الامام الباقر (
عليه السلام ) : الخير كله في السيف وتحت
السيف ، وفي ظل السيف ، إن الخير كله
معقود في نواصي الخيل الى يوم القيامة ( 4 ) .
ومنها : خبر أبي بصير عن الامام الصادق :
من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئا من سيئاته ( 5 ) .
ومنها : العلوي : إن الله فرض الجهاد
وعظمه وجعله نصره وناصره ، والله ما
صلحت دنيا ولا دين إلا به ( 6 ) .
…………………………………………………
( 1 ) نهج البلاغة : خطبة 27 .
( 2 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب مقدمة
العبادات حديث 22 .
( 3 ) نهج البلاغة : القسم الثاني ،
المكتوب 53 .
( 4 ) الوسائل باب 1 من ابواب جهاد العدو
، حديث 18 .
( 5 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 19 .
( 6 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 15
[ على الكفاية ]
ومنها : النبوي : اغزوا تورثوا أبناءكم
مجدا ( 1 ) .
ومنها : النبوي : من خرج مجاهدا فله بكل
خطوة سبعمائة ألف حسنة ، ويمحي
عنه سعمائة ألف سيئة ، ويرفع له سبعمائة
ألف درجة ، وكان في ضمان الله بأى حتف
مات كان شهيدا ، وإن رجع رجع مغفورا له
مستجابا دعائه ( 2 ) الى غير ذلك من
النصوص التي لا تحصى .
وكون وجوب الجهاد من ضروريات الدين
يغنينا عن ذكر الدليل الثالث وهو
الاجماع على الوجوب محصلا ومنقولا .
وأما العقل فهو مستقل بوجوبه : فإنه كما
مر تطهير الارض من لوث الشرك
بالله الذي فيه هلاك الانسانية وموت
الفطرة ، فإن دين التوحيد دين الفطرة ( فطرة
الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق
الله ذلك الدين القيم ) ( 3 ) ، والتحفظ عليه من
أوضح حقوق الانسانية ، والجهاد يحفظ به
ذلك ، يكون واجبا بحكم العقل .
والايراد على الاستدلال بحكم العقل في
الاحكام الشرعية ، والجواب عنه
سيأتي مفصلا في أول بحث الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر في هذا المجلد .
وقد طفحت كلماتهم بأن فرض الجهاد ( على
الكفاية ) .
وفي الجواهر : بلا خلاف أجده فيه بيننا ،
بل ولا بين غيرنا ، بل كاد يكون من
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 16 .
( 2 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 27 .
( 3 ) الروم : آية 30
[ . . . ]
الضروري فضلا عن كونه مجمعا عليه ، مضافا
الى المعلوم من سيرة النبي صلى الله
عليه وآله وأصحابه . انتهى . وعن سعيد بن
المسيب ان وجوبه عيني .
استدل ابن زهرة والمقداد للاول : بالاجماع
، وقوله تعالى : ( لا يستوى
القاعدون من المؤمنين غير اولى الضرر
والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم
* فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم
على القاعدين درجة وكلا وعد الله
الحسنى ) ( 1 ) بتقريب : أنه تعالى فاضل
بين المجاهدين والقاعدين غير اولى الضرر
وعد كلا منهم الحسنى ، ولو لا أن وجوبه
على الكفاية لما وعد القاعدين عنه الحسنى
والمثوبة ولما كان لهم فضيلة .
وزاد الثاني : ولانتفاء المسبب بانتفاء
السبب ، ويضاف الى ما ذكراه : السيرة
النبوية ، وقاعدة الحرج .
واستدل المقداد للقول الثاني ، بالنبوي :
من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو
مات على شبعة من النفاق ( 2 ) .
واستدل غيره له : بقوله تعالى : ( انفروا
خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم
وانفسكم في سبيل الله ) ( 3 ) ، ثم قال :
( الا تنفروا يعذبكم عذابا اليما ) ( 4 ) .
أقول : بعد أن الحق كون الواجب الكفائي
واجبا على الجميع وإن كان لو قام
به جماعة فيهم الكفاية سقط عن الباقين
سقوطا مراعي باستمرار القائم به الى أن
يحصل الغرض المطلوب شرعا - لا يترتب ثمرة
مهمة على كون وجوبه كفائيا أو عينيا
…………………………………………………
( 1 ) النساء : آية 97 .
( 2 ) سنن البيهقي ، ج 9 ، ص 48 ، كنز
العمال ، ج 2 ص 255 الرقم 5423 .
( 3 ) التوبة : آية 41 .
( 4 ) التوبة : آية 39 .
[ . . . ]
فانه إن قام جماعة بالجهاد وحصل الغرض
سقط الوجوب كفائيا كان أم عينيا ، وإن
تركت هذه الفريضة عوقب الجميع كفائيا كان
أم عينيا ، وإن لم يتمكن بعض الافراد
أو كان عليهم حرجيا زيادة على ما في
الجهاد توجه التكليف الى المتمكنين وسقط عن
العاجزين من غير فرق بين القسمين ، فلا
يهمنا البحث في ذلك .
ويشير الى ما ذكرناه خبر دعائم الاسلام
عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول الله
عز وجل : ( كتب عليكم القتال ) فان
قامت بالجهاد طائفة من المسلمين وسع
سائرهم التخلف عنه ما لم يحتج الذين يلون
الجهاد الى المدد ، فان احتاجوا لزم
الجميع أن يمدوهم حتى يكتفوا ، قال الله عز
وجل : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة )
وإن دهم أمر يحتاج فيه الى جماعتهم نفروا
كلهم ، قال الله عز وجل : ( انفروا خفافا
وثقالا وجاهدوا باموالكم وانفسكم في
سبيل الله ) ( 1 ) .
نعم قد يجب على بعض الافراد عينا وإن قام
به من به الكفاية ، وهو في موارد :
الاول : تعيين الامام له وإن كان غير
محتاج اليه للقتال بسبب قيام من فيه
الكفاية فان الامام قد يرى في نهوضه معهم
مصلحة من جهة اخرى كجودة رايه
وحسن تدبيره واشباه ذلك .
الثاني : تعيينه الجهاد على نفسه بنذر أو
عهد أو يمين أو اجارة أو غير ذلك .
الثالث : اذا التقي الزحفان وتقابل
الفئتان ، قال الله تعالى : ( اذا لقيتم فئة
فاثبتوا ) ( 2 ) و ( اذا لقيتم الذين
كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ) ( 3 ) .
…………………………………………………
( 1 ) المستدرك ، باب 1 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 23 .
( 2 ) الانفال : آية 47 .
( 3 ) الانفال : آية 15 .
[ . . . ]
بقي في المقام شئ لا باس بالاشارة اليه ،
وهو أنه قد يقال : إن الاية الكريمة
( وما كان المؤمنون لينفرو كافة فلو لا
نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين
ولينذروا قومهم اذا رجعوا إليهم لعلهم
يحذرون ) ( 1 ) ، ناسخة لما يدل على وجوب
الجهاد على الجميع وينهى عن نفر المؤمنين
كافة ، إلا أن الذي يستفاد من الاية
الكريمة أن وجوب التفقه كوجوب الجهاد .
توضيح ذلك أن المفسرين ذكروا في الاية
وجوها .
( 1 ) كون المراد النفر الى الجهاد
بقرينة صدر الاية ( وما كان المؤمنون
لينفروا كافة ) وسياق سائر الايات التي
قبل هذه الاية ، ومعلوم أن النفر الى الجهاد
لا يترتب عليه التفقه في الدين ، نعم
يترتب عليه مشاهدة آيات الله من غلبة المسلمين
على أعداء الله وظهور علائم عظمة الله
وسائر ما يتفق في الحرب فيخبروا بذلك
المتخلفين ، فاللام في ( ليتفقهوا في
الدين ) للعاقبة ، لا للغاية ، ويكون التفقه والانذار
من قبيل الفائدة لا اللغاية ،
( 2 ) كون المراد : النفر الى الجهاد ،
وإرادة تفقه المتخلفين .
( 3 ) كون المراد : النفر للتفقه .
والظاهر بعد ملاحظة الروايات ، هو الاخير
لا بنحو لا يكون مربوطا بما قبل
هذه الاية من آيات الجهاد ، بل بتقريب :
أن صدر الاية ينهي عن نفر المؤمنين كافة ،
…………………………………………………
( 1 ) التوبة : آية 123 .
[ بشروط ]
والمراد منه - والله العالم - : أن قصر
الى طائفة وجماعة ليس مقابل تخلف الباقين ،
بل في مقام المنع عن قصر النفر على
الجهاد نظرا الى أنه كما يكون الجهاد مهما وبه بقاء
الدين وعز الاسلام واعلاء كلمة الحق ،
كذلك التفقه للانذار وبيان المعارف والاحكام
والقوانين الاسلامية الضمينة لسعادة
البشر ، فليكن نفر جماعة الى النبي صلى الله عليه
وآله للتففه ونفر الباقين الى الجهاد ،
فصدر الاية ينهي عن نفر الجميع الى الجهاد ،
وذيلها يبين ذلك بقوله : ( فلو لا نفر )
، الى آخر الاية ، فالنافر والمتفقه والمنذر جماعة
خاصة ، لا أن النافرين غير المتفقهين ،
ولا كون الاية غير مربوطة بايات الجهاد كما
هو مقتضى الوجه الثاني ، ولا أن المراد
بافقه غير تعلم أحكام الدين كما هو مقتضى
الوجه الاول ، وهذا المعنى يساعده الاعتبار
أيضا مع التحفظ على ظواهر ألفاظ الاية ،
فان المنافرين الى الجهاد اذا رجعوا كان
ينذرهم النبي صلى الله عليه وآله ولم يكن
حاجة الى إنذار المتخلفين .
ثم إن ذكر التفقه والانذار بعده في ضمن
آيات الجهاد لعله يكون للاشارة الى
أن التبليغ والارشاد واظهار كلمة العدل
عند الجبابرة والطغاة والظلمة وإظهار العلم
عند ظهور البدع أيضا من الجهاد ، بل كما
في النص : أفضل الجهاد كلمة العدل عند
إمام جائر ( 1 ) كما أن فائدة ذلك أزيد
بمراتب من القتال ، وسيأتي تمام الكلام في ذلك
في الكتاب الامر بالمعروف .
لا خلاف ولا كلام في أن وجوب الجهاد على
الوجه المزبور مشروط ( بشروط )
…………………………………………………
( 1 ) تقدمت الاشارة الى مصدر الحديث في
ص 11
[ تسعة : البلوغ ، والعقل ،
والذكورة ، ]
وقد ذكر المصنف - ره - منها ( تسعة )
وستقف على ما هو الحق .
وتنقيح القول في المقام : أنه قد تقدم
بيان أقسام الجهاد ، وعرفت أنها تقع على
وجوه خمسة :
1 - ما يكون لحفظ بيضة الاسلام .
2 - ما يكون لدفع الكفار عن بلدان
المسلمين وإخراجهم منها بعد سلطانهم
عليها .
3 - ما يكون لدفع الملاعين عن التسلط على
دماء المسلمين وهتك أعراضهم .
4 - ما يكون لدفعهم عن طائفة من المسلمين
التقت مع طائفة من الكفار
فخيف من استيلائهم عليها .
5 - ما يكون لاجل الدعوة الى الاسلام .
والشرائط المزبورة على قسمين ، قسم يعتبر
في الجميع ، وقسم يعتبر في بعض
الاقسام .
ومما يعتبر في الجميع : ( البلوغ والعقل
) لاشتراطهما في التكاليف مطلقا ، أضف
اليه : ما في المنتهى من النصوص الواردة
في البلوغ .
اعتبار
الذكورة في بعض أقسام الجهاد
( و ) من الشرائط : ( الذكورة ) بلا خلاف
فيه في الجملة ، وعن المنتهى : دعوى
الاجماع عليه ، وسيرة رسول الله صلى الله
عليه وآله أقوى شاهد على ذلك ، أضف الى
ذلك : الاخبار النبوية التي ذكرها في
محكي المنتهى .
وخبر الاصبغ بن نباتة قال أمير المؤمنين
( عليه السلام ) : كتب الله الجهاد على
الرجال والنساء ، فجهاد الرجل بذل ماله
ونفسه حتى يقتل في سبيل الله وجهاد المرأة
[ . . . ]
أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته
( 1 ) .
وخبر موسى بن بكر عن أبي إبراهيم ( عليه
السلام ) : أن جهاد المرأة حسن التبعل ( 2 ) .
وما رواه السيد ابن طاوس مرسلا عن الحسين
بن علي عليهما السلام في
حديث : أن الجهاد مرفوع عن النساء ( 3 )
.
والمرتضوي في حديث : ولا على النساء جهاد
ولا على من لم يبلغ الحلم ( 4 ) .
والنبوي : كتب الله الجهاد على رجال أمتي
والغيرة على نساء أمتي فمن صبر
منهن واحتسب أعطاها الله أجر شهيد ( 5 )
، الى غير ذلك من النصوص .
ثم أن المتيقن مما هو مرفوع عن المرأة هو
القسم الاخير من الاقسام الخمسة
المتقدمة وهو ما كان ابتداءا من المسلمين
للدعاء الى الاسلام وأما سائر الاقسام فالمنع
غير ثابت ، بل الوجوب في بعضها مسلم وفي
بعضها مقتضى إطلاق وعموم الادلة
الوجوب .
قال الشهيد الثاني في المسالك بعد أن شرط
الذكورة : إعلم أن الجهاد على
أقسام ، أحدها : أن يكون ابتداءا من المسلمين
للدعاء الى الاسلام ، وهذا هو المشروط
بالبلوغ والعقل والحرية والذكورية - الى
أن قال - الثاني : أن يدهم المسلمين عدو من
الكفار يريد الاستيلاء على بلادهم أو
أسرهم أو أخذ أموالهم وما اشبهه من الحريم
والذرية ، وجهاد هذا القسم ودفعه واجب على
الحر والعبد والذكر والانثى إن احتيج
اليها . انتهى .
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 4 من ابواب جهاد
العدو حديث 1 .
( 2 ) الوسائل ، باب 81 من ابواب مقدمات
النكاح حديث 1 .
( 3 و 4 و 5 ) المستدرك باب 4 من ابواب
جهاد العدو حديث 3 و 1 و 2 .
[ . . . ]
قال في الروضة : الجهاد على أقسام : جهاد
المشركين ابتداءا لدعائهم الى
الاسلام ، وجهاد من يدهم على المسلمين من
الكفار - الى أن قال - والذكورية شرط
فلا يجب على المرأة هذا الجهاد بالمعنى
الاول ، أما الثاني فيجب الدفع على القادر سواء
الذكر والانثى . انتهى .
وقال في كشف الغطاء بعد تقسيم الجهاد الى
الخمسة التي ذكرناه : سادسها :
الذكورة فلا يجب على من علم خروجه عن
حقيقتها أو شك فيه كالخنثى المشكل
الممسوح وهذا مخصوص بالاخير أو القسمين
الاولين . انتهى .
ومراده بالاخير هو الدعاء للاسلام ،
وبالاولين ما يكون لحفظ بيضة الاسلام
اذا أراد الكفار الهجوم عليها ، وما يكون
لدفعهم عن بلدان المسلمين بعد سلطانهم
عليها .
وتمام الكلام بالتنبية على امور أحدها :
أن الجهاد المرفوع عن النساء إنما هو
تولي القتال بمعنى المقارعة ، لا مطلق
الحضور والاعانة على الامور كمداواة الجرحى
مثلا .
قال الشيخ في محكي المبسوط : وكان النبي
صلى الله عليه وآله يحمل معه النساء
في الغزوات .
وقال المصنف في محكي التذكرة : ولو أخرج
الامام معه العبيد بإذن ساداتهم
والنساء والصبيان جاز الانتفاع بهم في
سقي الماء والطبخ ومداواة الجرحى ، وكان النبي
صلى الله عليه وآله يخرج معه ام سليم
وغيرها من نساء الانصار . انتهى .
ثانيها : أنه يجب على النساء تعلم مداواة
الجرحى ، وبعض انحاء العملية ، بل
تعلم سائر الامور الفنية الكهر بائية
والمكانيكية والمخابرية وغيرها ، بل تعلم آداب
نفس الحرب والمقاتلة أيضا فيما يحتجن الى
الدفاع عن حريمهن وحريم المؤمنين في
[ والحرية وان لا يكون هما ولا
مقعدا ، ولا أعمى ، ولا مريضا يعجز عنه ، ]
الاقسام من الجهاد الواجب عليهن على نحو
ما يجب على الرجال .
ثالثها : أن سقوط الجهاد عن النساء لا
يستلزم سقوط مثوبته عنهن بالكلية ،
راجع خبر الاصبغ المتقدم وغيره .
( و ) أما ( الحرية ) فعلى اعتبارها
الاجماع والاخبار لا يهمنا نقلها لعدم الموضوع
لذلك في عصرنا .
اعتبار
السلامة من العمى والاقعاد والمرض
( و ) مما يعتبر في الجهاد ويكون مختصا
بالقسم الاخير من الاقسام الخمسة
المتقدمة في أول الشرائط ، ويشترك معه ما
سبقه إن لم يترتب دفع ضرر : ( أن لا يكون
هما ) والهم بكسر الهاء : الشيخ الفاني
العاجز عن المعونة في الدفاع والجهاد بجميع
أنواعها غير البالغ حد التعذر ، وإلا
فيشرك فيه الجميع ، ( ولا مقعدا ) وان وجد مركبا
ومعينا ( ولا أعمى ) وإن وجد قائدا ( ولا
مريضا يعجز عنه ) أي عن الجهاد إجماعا في
الجميع .
ويشهد به : مضافا الى قاعدة الحرج : قوله
تعالى : ( ليس على الضعفاء ولا
على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما
ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما
على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم )
( 1 ) .
والمراد من الضعفاء : الذين لا قوة لهم
بحسب الطبع للجهاد كالهم والمقعد ، ومن
المرضى : الذين لا قوة لهم بحسب عارض
خارجي ، ومن الذين لا يجدون ما ينفقون :
…………………………………………………
( 1 ) التوبة : آية 92
[ . . . ]
الذين لا قوة لهم من جهة فقد المال ونحوه
، فهؤلاء رفع عنهم الحرج والمشقة اي الحكم
الوجوبي الذي لو ثبت كان حرجيا ، وما
يتبعه من العقاب والذم على تقدير المخالفة .
ثم إنه قيد في الاية الكريمة رفع الحرج
عن هؤلاء بما اذا نحصوا لله ورسوله ،
أي أخلصوا من الخيانة والغش ، ولم يكونوا
في صورة القعود كالمنافقين المتخلفين في
إفساد القلوب وتقليب الامور في مجتمع
المؤمنين ، فمفهومه أنه مع عدم ذلك يجري
عليهم ما يجري على المنافقين من الذم
والعقاب .
وقوله تعالى : ( ولا على الذين اذا ما
أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم
عليه تولوا واعينهم تفيض من الدمع حزنا
الا يجدوا ما ينفقون ) ( 1 ) .
الحمل : إعطاء المركوب من فرس أو بعير أو
غير ذلك ، ( ولا على الذين )
موصول صلة تولوا ، وقوله : ( اذا ما أتوك
لتحملهم ) كالشرط والجزاء والمجموع
ظرف لقوله ( تولوا ) ( وحزنا ) مفعول له
، و ( ألا يجدوا ) منصوب ينزع
الخافض ، والمعنى : ولا حرج في ترك
الجهاد على الفقراء الذين اذا أتوك سألوك أن
تعطيهم المركب وساير ما يحتاجون اليه ،
قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا والحال أن
أعينهم تمتلي وتسكب دموعا للحزن من عدم
وجدان ما ينفقونه في سبيل الله للجهاد
مع أعدائه .
وقوله تعالى : ( ليس على الاعمى حرج ولا
على الاعرج حرج ) ( 2 ) ، والاية
وإن كانت في الاكل من بيوت الغير ، إلا
أنه في عطف ولا على أنفسكم أن تاكلوا من
بيوتكم عليه دلالة على أن عد المذكورين
ليس لاختصاص الحق ، بل لانهم أرباب
عاهات يشكل عليهم أن يكتسبوا الرزق ،
وعليه فلا يختص بتكليف خاص ، وغير
…………………………………………………
( 1 ) التوبة : آية 92 .
( 2 ) النور : آية 60 .
[ ودعاء الامام ، او من نصبه
اليه ]
ذلك من الايات .
والمراد من العرج الذي يسقط معه وجوب
الجهاد ، ليس مطلقه بحيث يعم
اليسير منه الذي يمكنه الركوب والمشي معه
وإن تعذر عليه شدة العدو ، بل المراد منه
كما فهمه الفقهاء : المقعد ، كما أن
المرض اليسير كوجع الضرس والصداع ونحوهما مما
يتمكن معه من الجهاد لا يكون مانعا ، بل
المانع هو ما لا يقدر معه من الركوب والعدو ،
وفي المسالك : أي المانع من مجموعهما فإن
الراكب قد يحتاج الى العدو بأن يسير ماشيا
لقتل دابته ونحوه ، ومن يقدر على العدو
قد يحتاج الى الركوب .
والدليل على ذلك كله مع إطلاق الدليل :
أن مناسبة الحكم والموضوع من
القرائن العامة المحفوفة بالكلام قد توجب
التوسعة ، وقد توجب التضيق كما في المرض
الموجب لجواز إفطار الصائم ، فإن المراد
منه مع إطلاق الاية : المرض الذى يضر معه
الصوم ، ففي المقام أيضا يوجب ذلك تقييد
إطلاق الادلة ، وهذا هو مراد الفقهاء من
قولهم ، لانصراف الادلة الى ما ذكر .
اعتبار
دعاء الامام أو من نصبه اليه
إنما الكلام فيما ذكره الاصحاب ، وهو
المشهور بينهم ، بل وعليه الاجماع
بقسميه ( و ) اشتراط ( دعاء الامام أو من
نصبه اليه ) في وجوب الجهاد في خصوص
القسم الاخير من الاقسام الخمسة المتقدمة
وهو ما كان للدعوة الى الاسلام ولو
بتعميم ولايته له ولغيره في قطر من
الاقطار .
وفي المسالك وغيرها : عدم الاكتفاء بنائب
الغيبة فلا يجوز له التصدي ، وفي
الرياض : واما العام كالفقيه فلا يجوز له
ولا معه حال الغيبة بلا خلاف أعلمه كما في
[ . . . ]
ظاهر المنتهى وصريح الغنية إلا عن أحمد
كما في الاول وظاهر هما الاجماع . انتهى .
اقول : عدم مشروعية الجهاد مع الجائر لا
كلام فيه : والنصوص الدالة عليه
ستمر عليك ، والبحث في وجوبه في زمان
الحضور مع عدم دعائه خارج عن الادب ولا
أثر له .
إنما الكلام في الاكتفاء بإذن الفقيه
الجامع للشرائط في زمان الغيبة في
المشروعية والوجوب .
وقد استدل لعدم الاكتفاء به وسقوط وجوب
الجهاد بل مشروعيته في زمان
الغيبة بجملة من النصوص كخبر بشير الدهان
عن الامام الصادق ( عليه السلام )
قال : قلت له : إني رأيت في المنام أني
قلت لك : إن القتال مع غير الامام المفروض
طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم
الخنزير . فقلت لي : هو كذلك . فقال أبو عبد الله
( عليه السلام ) : هو كذلك ( 1 ) .
وخبر عبد الله بن المغيرة قال محمد بن
عبد الله للرضا ( عليه السلام ) وأنا
أسمع : حدثني ابي عن أهل بيته عن آبائه
عليهم السلام أنه قال له بعضهم : إن في
بلادنا موضع رباط يقال له : قزوين وعدوا
يقال له الديلم فهل من جهاد أو هل من
رباط ؟ فقال ( عليه السلام ) : عليكم
بهذا البيت فحجوه . فأعاد عليه ، الحديث ، فقال :
عليكم بهذا البيت فحجوه أما يرضى أحدكم
أن يكون في بيته ينفق على عياله من
طوله ينتظر أمرنا فإن أدركه كان كمن شهد
مع رسول الله صلى الله عليه وآله بدرا ، وإن
مات منتظرا لامرنا كان كمن كان مع قائمنا
صلوات الله عليه هكذا في فسطاطه وجمع
بين السباتين ولا أقول هكذا وجمع بين
السبابة والوسطى ، فان هذه أطول من هذه ،
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 12 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1
[ . . . ]
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : صدق (
1 ) .
وموثق سماعة عن أبي عبد الله ( عليه
السلام ) ، لقي عباد البصري علي بن
الحسين ( عليه السلام ) في طريق مكة فقال
له : يا علي بن الحسين تركت الجهاد
وصعوبته وأقبلت على الحج ولينته إن الله
عز وجل يقول : ( إن الله اشترى من
المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة
يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون
وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل
والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا
ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز
العظيم ) فقال له علي بن الحسين صلوات
الله عليهما : أتم الاية فقال : (
التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون
الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عن
المنكر والحافظون لحدود الله وبشر
المؤمنين ) فقال له علي بن الحسين صلوات
الله عليهما : اذا رأينا هؤلاء الذين هذه
صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج ( 2 ) .
وخبر أبي بصير عنه ( عليه السلام ) عن
آبائه عليهم السلام قال أمير
المؤمنين عليه السلام : لا يخرج المسلم
في الجهاد مع من لا يؤمن في الحكم ولا ينفذ في
الفئ ، أمر الله عز وجل فإنه إن مات في
ذلك المكان كان معينا لعدونا في حبس حقنا
والاشاطة بدمائنا وميتته ميتة الجاهلية (
3 ) .
وما عن تحف العقول عن الامام الرضا (
عليه السلام ) في كتابه الى المأموم :
والجهاد واجب مع إمام عادل ومن قاتل فقتل
دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد ، ولا
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 12 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 5 .
( 2 ) الوسائل ، باب 12 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 3 .
( 3 ) الوسائل ، باب 12 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 12 .
[ . . . ]
يحل قتل أحد من الكفار في دار التقية إلا
قاتل أو باغ وذلك إذالم تحذر على نفسك ( 1 ) .
وخبر السمندري : قلت لابي عبد الله (
عليه السلام ) : إني أكون بالباب يعني
باب من الابواب فينادون السلاح فأخرج
معهم ؟ فقال : أرأيتك إن خرجت فأسرت
رجلا فأعطيته الامان وجعلت له من العهد
ما جعله رسول الله صلى الله عليه وآله
للمشركين أكان يفون لك قال ( عليه السلام
) : لا والله جعلت فداك ما كان يفون لي
به . قال : فلا تخرج . ثم قال لي : اما
أن هناك السيف ( 2 ) .
وخبر ابن الجريش عن الامام الجواد ( عليه
السلام ) : ولا أعلم في هذا الزمان
جهادا إلا الحج والعمرة والجوار ( 3 ) .
وخبر عبد الملك بن عمر عن الامام الصادق
( عليه السلام ) : يا عبد الملك
مالي لا أراك تخرج الى هذه المواضع التي
يخرج اليها أهل بلادك ؟ قال : قلت : وأين
؟ قال : جدة وعبادان والمصيصة وقزوين .
فقلت : انتظارا لامركم والقتداء بكم . فقال :
إي والله لو كان خيرا ما سبقونا اليه .
قال : قلت له : كان يقولون ليس بيننا وبين جعفر
خلاف إلا أنه لا يرى الجهاد . فقال : أنا
لا أراه بل والله أنا لا أراه ولكن أكره أن أدع
علمي الى جهلهم ( 4 ) وقريب منها روايات
اخر ضعيفة الاسناد .
دلالة هذه الاخبار على عدم مشروعية
الجهاد مع الجائر لا تنكر ، إنما الكلام في دلالتها
على عدم مشروعيته أو عدم وجوبه مع إذن المجتهد الذي هو نائب عام
عن الحجة أرواحنا فداه ، والانصاف عدم
دلالة شئ منها على ذلك .
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 12 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 10 .
( 2 ) الوسائل ، باب 12 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 7 .
( 3 ) الوسائل ، باب 12 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 4 .
( 4 ) الوسائل ، باب 12 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 2 .
[ . . . ]
أما خبر عبد الملك فغاية ما يدل عليه أن
في زمان الامام ( عليه السلام ) كان
لعدم جهاده ( عليه السلام ) وجه لا يعلمه
لزيدية وليس هو عدم دعاء الامام قطعا ،
والظاهر هو تصدي الجائر له .
وبه يظهر ما في خبر ابن الجوشي ، مضافا
الى ضعف سنده لجهالة ابن الجوشي .
وأما خبر السمندري فهو قضية خارجية
موردها الجهاد مع الجائر ، مع أن السمندري مهمل مجهول .
وأما خبر أبي بصير فهو صريح في الجهاد مع
الجائر ، وبه يظهر ما في خبر عبد
الله بن المغيرة .
وأما موثق سماعة فمورده عمل الامام
السجاد ( عليه السلام ) وجوابه ( عليه
السلام ) لا يكون ظاهرا في كون تركه
الجهاد لماذا ؟ والقدر المسلم أنه ليس اعتبار
دخالة نظر شخص خاص فيه إذ لو كان نظر شخص
خاص معتبرا لا محالة يكون
نظره ( عليه السلام ) فليس هو غير كونه
جهادا مع الجائر .
وأما خبر بشير فهو ضعيف ، لان بشير
الدهان إمامى مجهول ، وكذلك الراوى
عنه وهو سويد القلا ، مع أنه إنما نقل
رؤياه والامام كرر ما ينقل بشير أنه قال له في
منامه ، غير ظاهر في كونه في مقام الجواب
وبيان الحكم الشرعي وأما خبر تحف العقول
فمع الاغماض عما في سنده للارسال ، أنه
لا مفهوم لقوله : والجهاد مع إمام عادل ، ليدل
على عدم مشروعيتة غيره ، أضف اليه : أن
المراد من إمام عادل لم يعلم كونه الامام
الاصل ، بل توصيفه لعادل إنما هو للاشارة
الى من يقابل الجائر ، فالحق انه ليس في
شئ من النصوص مايدل على اشتراط وحضور
الامام الاصل ودعائه له ، فعدم
المشروعية مع إذن الفقيه لا دليل عليه .
ويمكن أن يستدل لوجوب الجهاد بالمعنى
الاول مع إذن الفقيه الجامع للشرائط
[ . . . ]
بامور :
الاول : إطلاق وعموم الايات والنصوص
الدالة على وجوب الجهاد مع المشركين والكفار
الشاملان لحال الغيبة ، غاية الامر أنه اذا كان الامر موكولا
الى آحاد المكلفين لزم اختلال
النظام وأن لا يثبت حجر على حجر ، لا محالة يكون بنظر الحاكم
الاسلامي وهو الفقيه
الجامع للشرائط .
الثاني : أنه لو سلم دلالة الدليل على
شرطية دعاء الامام الاصل ، النصوص
الدالة على أن الفقهاء ورثة الانبياء ( 1
) وأنهم خلفاء رسول الله صلى الله على وآله ( 2 )
وحصون الاسلام كحصن سور المدينة لها ( 3
) وأن مجاري الامور على أيدي العلماء
بالله ( 4 ) وأنهم حجج حجة الله ( 5 ) ،
وأن الفقيه جعل حاكما ( 6 ) وأن الفقهاء أمناء الرسل ( 7 )
وأمثال ذلك من التعبيرات تدل لا محالة
على أن كل منصب مجعول للنبي صلى الله
عليه وآله والامام الذين هم سلاطين
الانام وحصون الاسلام ثبت للفقيه إلا ما أخرجه
الدليل ، ومن ذلك اشتراط وجوب الجهاد
بدعاء الامام ونظره .
ولنعم ما أفاده المحقق النراقي في
العوائد من أنه من البديهيات التي يهمه كل
عامي وعالم ويحكم به أنه إذا قال نبى
لاحد عند مسافرته أو وفاته : فلان وارثي
وبمنزلتي وخليفتي وأميني وحجتي والحاكم
من قبلي عليكم ، والمرجع لكم في جميع
…………………………………………………
( 1 ) اصول الكافي ، ج 1 ص 34 باب ثواب
العالم والمتعلم .
( 2 ) الفقيه ، ج 4 ص 303 حديث 53 .
( 3 ) اصول الكافي ، ج 1 ، ص 38 باب فقد العلماء
حديث 3 .
( 4 ) تحف العقول ، ص 237 .
( 5 ) الوسائل ، باب 11 من ابواب صفات
القاضي حديث 9 .
( 6 ) الكافي ، ج 1 ص 67 حديث 10 -
والتهذيب ج 6 ص 301 حديث 52 .
( 7 ) اصول الكافي ، ج 1 ص 46 باب
المستاكل بعلمه حديث 5 .
[ ولا يجوز مع الجائر إلا أن
يدهم المسلمين عدو يخشى عليه منه فيدفعه
ولا يقصد معونة الجائر ]
حوادثكم ، وبيده مجاري اموركم وأحكامكم ،
وهو الكافل لرعيتي ، أن له كل ما كان
لذلك النبي صلى الله عليه وآله في امور
الرعية وما يتعلق بامته بحيث لا يشك فيه
أحد ويتبادر منه ذلك ، كيف لا مع أن أكثر
النصوص الواردة في حق الاوصياء
المعصومين عليهم السلام المستدل بها في
مقام إثبات الولاية والامامة المتضمن لولاية
جميع ما للنبي صلى الله عليه وآله فيه
الولاية ليس متضمنا لاكثر من ذلك انتهى .
الثالث : أن الجهاد
إنما شرع للمصلحة العامة ، ودفعا للفساد
، وتطهير الارض
من لوث الشرك بالله ، وانتشار الفجور
والطغيان بين الناس ، والايات المتضمنة
لمشروعيته كثيرة ، وهذا كله ينافي
اختصاصه بزمان دون زمان ، وليس لحضور الامام
دخل في ذلك يقينا .
فالمتخصل مما ذكرناه أنه لا ينبغي الشك
والريب في أنه في زمان الغيبة اذا رأى
الحاكم الشرعى الجهاد يكون ذلك واجبا ،
واحتمال دخالة حضور الامام ( عليه
السلام ) ضعيف غايته .
نعم يشترط دعاء الامام أو نائبه الخاص أو
العام ( و ) يترتب على هذا الشرط
أنه ( لا يجوز ) الجهاد مع ( الجائر )
كما تدل عليه النصوص المتقدمة ( إلا أن يدهم
المسلمين ) من أي ( عدو يخشى عليه ) أي
على أصل الاسلام ومجتمه ( منه ف )
حينئذ أن ( يدفعه ) بغير إذن الامام
ونائبه ، أو يكون بين قوم مشركين ويغشاهم عدو
فيجاهد حينئذ ويقصد الدفع عن الاسلام وعن
نفسه في الحالين ( ولا يقصد معونة
الجائر ) ولا خلاف في شئ من ذلك .
أما الدفاع عن الاسلام والمسلمين فيشهد
لوجوبه : أكثر الادلة الدالة على
وجوب الجهاد ، وما دل على أنه لا يجوز
الجهاد مع الجائر فهو مختص بما إذا كان الجهاد
[ . . . ]
ابتدائيا ، بل في بعضها التصريح بذلك ،
بل في الصحيفة السجادية الدعاء ( 27 ) دعاؤه
( عليه السلام ) لاهل الثغور فإنه يدعو
في ذلك الدعاء لاهل الثغور للمملكة
الاسلامية التي كان الحاكم عليها من بني
امية بابلغ دعاء .
وبذلك يظهر أن ما قيل لو أراد الكفار ملك
بعض بلدان الاسلام أو جميعها في
هذه الازمنة من حيث السلطنة مع إبقاء
المسلمين على إقامة شعائر الاسلام وعدم
تعرضهم في أحكامهم بوجه من لوجوه يحرم
القتال ، ضرورة عدم جواز التغرير
بالنفس من دون إذن شرعي ، بل الظاهر
اندراجه في النواهي عن القتال في زمن الغيبة
مع الكفار في غير ما استثني إذ هو في
الحقيقة إعانة لدولة الباطل على مثلها ، من
غرائب الكلام لا ينطبق على شئ من
الموازين الشرعية خصوصا ، وأن الكفار
المسلطين أعم من اسرائيل المسلط على
فلسطين أو الكفار المسلطين على بلاد إيران
محط نظرهم الاولى محو الاسلام ودرس
شعائره وعدم ذكر محمد صلى الله عليه وآله
وشريعته ، ولا يظن بمتفقه التفوه بعدم
وجوب الجهاد .
وأما البحث في حكم الغنيمة حينئذ فسيأتي
في محله ، كما أن النزاع في ترتب
احكام الشهيد على من قتل محرر في محله لا
يهمنا البحث فيه هنا .
وأما من يكون بين أهل الحرب ويغشاهم عدو
يخشى منه على نفسه ، فالظاهر
أن على مشروعية الدفاع عن نفسه ووجوبه
الاجماع :
ويشهد لها : مضافا الى العقل ، وعمومات
ما دل عليه من النقل ( 1 ) خصوص ،
صحيح ابن المغيرة عن طلحة بن زيد عن
الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل
دخل ارض الحرب بأمان فغزا القوم الذين
دخل عليهم قوم آخرون ، قال ( عليه
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 46 من ابواب جهاد
العدو ، وباب 3 و 5 من ابواب الدفاع كتاب الحدود
[ . . . ]
السلام ) : على المسلم أن يمنع عن نفسه
ويقاتل على حكم الله وحكم رسوله ، وأما أن
يقاتل على حكم الجور وسنتهم فلا يحل له
ذلك ( 1 ) . وظاهر الاكثر كما في المسالك عدم
اشتراط الجواز أن يكون المقاتلين مع القوم
الكفار : لعموم ما يدل على جواز الدفع عن
النفس وقيل باشتراط كفرهم لعدم جواز قتل
المسلم .
قال في المسالك : وهو صريح الشيخ في
النهاية ، ولكن الشيخ في النهاية صرح
بما هو مفاد خبر طلحة ولم يصرح بالاشتراط
، وكيف كان فهو ضعيف غايته .
قال في الرياض : فيأثم ويضمن لو قصد
معاونته بلا إشكال وهل يأثم ويضمن
لو جاهد بغير قصد ؟ قيل : نعم وهو أحوط
إن لم نقل بأنه أظهر . انتهى .
وفي المسالك استدل للضمان في صورة عدم
القصد بأن الفعل الواحد الواقع
على وجوه مختلفة بعضها سائغ وبعضها محرم
إنما يتميز بالنية كمسح رأس اليتيم فلو
ترك القصد كان مأثوما ضامنا لما يحترم من
النفوس والاموال . انتهى .
أقول : أما في فرض الدفاع عن بيضة
الاسلام ومجتمعه ، فالظاهر عدم الضمان
وإن قصد معاونة الجائر : فانه وإن حرم
ذلك إلا أن المحارب والمقاتل حينئذ اما حربي
غير محترم المال ومهدور الدم فلا ضمان قطعا
، والظاهر أن سيد الرياض لم يقصد ذلك ،
ولذا قال في الجواهر : ويمكن أن يريد
ضمان المحترم نفسا ومالا ، كما سمعته من المسالك ،
وإما محترم النفس والمال ، فالظاهر ايضا
عدم الضمان بعد تحقق اسم الدفاع في الواقع ،
وإن كان آثما . بتبعيته للجائر لكن ذلك
لا ينافي خطاب الدفاع المستتبع للحكم بعدم
الضمان وأولى من ذلك ما لو لم يقصد وجاهد
بغير قصد . وأما في فرض الدفاع عن
نفسه ، فالظاهر عدمالضمان مطلقا لاطلاق
نصوصه منها : ما ورد في مدافعة اللص
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 6 من ابواب جهاد
العدو حديث 3
[ والعاجز يجب ان يستنيب مع
القدرة ]
الصريح في عدم الضمان .
وتمام الكلام في المقام في طي مسائل :
الاولى : ( العاجز ) عن الجهاد بنفسه
لعذر من الاعذار السابقة ( يجب ) عليه ( أن
يستنيب ) من لم يجب عليه من ذمي أو معاهد
أو مسلم لا مؤونة له ( مع القدرة ) على
الاستنابة كما عن الشيخ والقاضي والحلي
والفاضل المقداد في كنز العرفان والمحقق
الثاني ، وعن غاية المراد نسبته الى
الشيخ وأتباعه .
وذهب جماعة منهم المحقق في الشرائع
والمصنف في المنتهى والمختلف ، والشهيد
الثاني ، والصيمري الى استحبابه .
واستدل للوجوب بوجوه :
1 - ما في جامع المقاصد وهو قوله تعالى :
( وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم ) ( 1 ) .
2 - ما نقله في كنز العرفان وقواه وهو
قوله تعالى : ( وكرهوا أن يجاهدوا
بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ) ( 2 ) ،
قال : ذمهم على عدم إنفاقهم أموالهم مع القدرة
عليها ، وليس ذلك مع الجهاد بالنفس وإلا
لكان إنفاقه على نفسه فيكون لا معه وهو
المطلوب ،
3 - عموم الامر بالمعاونة على البر
والتقوى ( 3 ) المندرج فيه المقام .
…………………………………………………
( 1 ) التوبة : آية 41 .
( 2 ) التوبة : آية 82 .
( 3 ) المائدة : آية 3 .
[ . . . ]
4 - قاعدة الميسور .
5 - عموم الاوامر بالجهاد القابل للنيابة
وخصوصا قوله تعالى : ( وجاهدوا في
الله حق جهاده ) ( 1 ) . فإن التأكيد
مشعر بالمعذور .
وأجاب سيد الرياض عن آيات الجهاد - أي
الدليلين الاولين والاخير - بما
حاصله : أنه يعارضها قوله تعالى : ( ليس
على الضعفاء ولا على المرضى ولا على
الذين لا يجدون ما ينفقون حرج ) ( 2 ) .
فإنه يدل على عدم وجوب شئ على العاجز
فإن قدم تلك الادلة لزم حمل هذه الاية
على نفي الحرج عن جهاده بنفسه وإن قدم
هذه لا بد من حمل تلك الادلة المستفاد
منها وجوب الجهاد بالمال مطلقا على ما اذا
جاهد بالنفس ، وحيث إنهما قطعيان ، فلا
مورد للمرجح السندي ، وحيث إنه لا يكون
شئ منهما لحكم المورد بالنصوصية ، بل
الجميع بالظهور ، فلا محالة يقع التعارض بين
الظاهرين ، فيتعين البناء على السقوط
والرجوع الى الاصل وهو يقتضي عدم
الوجوب .
وفيه : أن أدلة نفي الحرج والضرر كما حقق
في محله حاكمة على الادلة المتكفلة
لبيان حكم الاشياء بعناوينها الاول ويقدم
الحاكم وإن كانت النسبة بين الحاكم
والمحكوم عموما من وجه .
اللهم إلا أن يقال : إن آية نفي الحرج
إنما تنفي حكم الجهاد الذى هو حرجي
وليس هو الجهاد بالمال ، بل خصوص الجهاد
بالنفس ، وعليه فلو سلم دلالة الايات
على وجوب الجهاد بالمال مستقلا لا رافع
لها بالنسبة الى الجهاد بالمال ، ولا يبعد دعوى
طهور الايات في كون كل من الجهاد بالمال
وبالنفس مطلوبا مستقلا ، وعليه فيجب
…………………………………………………
( 1 ) الحج : آية 78 .
( 2 ) التوبة : آية 92
[ ويجوز لغير العاجز ]
ذلك ، إلا أنها لا تدل على وجوب
الاستنابة ، بل يمكن أن يكون المراد معونة
المجاهدين بما له في الاسلحة والزاد
ونحوهما كما عن الحلبي إيجاب ذلك على المعذور
الغني .
والذي يسهل الخطب ما أفاده في محكي غاية
المراد بعد ذكر الخلاف وأدلة
الطرفين : ولقائل أن يقول : الخلاف يرتفع
لان الجهاد فرض كفاية إجماعا من المسلمين
إلا من شذ ، والتكليف به مشروط بعدم ظن
الاكتفاء به ، فإن حصل الشرط وجب
قطعا بالنفس والمال بطريق أولى ، وإن انتفى
سقط قطعا وإن احتيج الى غزو واحد ،
وهناك مؤسر ومعسر وجب على المؤسر أحد
الامرين : إما الخروج بنفسه أو تجهيز
المعسر ، وكذا لو كان أكثر وفرض كثرة
المؤسرين والمعسرين ، وقد نبه في المختلف على
شئ من ذلك . انتهى .
المسألة الثانية : ( ويجوز ) الاستنابة (
لغير العاجز ) عن الجهاد ووجوبه عليه ،
ويسقط عنه ما لم يتعين بتوقف الامر عليه
لقوته أو رأية أو بتعيين الامام أو نائبه بغير
خلاف ظاهر ، وعزاه في المنتهى الى
علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه ، كذا في
الرياض .
واستدل له في المنتهى على ما حكي بالنبوي
: من جهز غازيا كان له كمثل
أجره ( 1 ) .
…………………………………………………
( 1 ) كنز العمال ج 2 ، ص 254 ، الرقم
5419
[ ويستحب المرابطة ]
والمرتضوي : سئل عن أجعال الغزو ، فقال :
لا بأس أن يغزو الرجل عن
الرجل ويأخذ الجعل منه ( 1 ) .
ولكن مع الاغماض عن سندهما ، غاية ما يدل
عليه الاول استجاب تجهيز
الجيش وهو غير المقام ، والثانى يدل على
أن الجهاد عمل عبادي يقبل النيابة ، وهذا أعم
من جواز الاستنابة للقادر الواجب عليه
الجهاد .
اللهم إلا أن يقال : إن المرتضوي ضعف
سنده ينجبر بالعمل ، ومقتضى إطلاق
متنه أن غزو الرجل عن الرجل حتى فيما كان
واجبا لا على وجه التعيين لا بأس به
فيشمل المقام .
وفي الجواهر : بل ظاهره كظاهر الفتاوى
عدم الفرق في النائب بين كونه قادرا
بنفسه على الغزو من دون حاجة الى الجعل
وغيره ممن لم يكن قادرا .
واستدل له في المسالك بأن الغرض من الواجب
الكفائي المقتضي لسقوطه
عمن زاد عمن فيه الكفاية بحصول من فيه
الكفاية تحصيله على المكلف بالواجب
بنفسه أو بغيره . أنتهى . وفي الرياض بعد
نقله : لا بأس به .
المسألة الثالثة : ( و ) المعروف أنه (
يستحب المرابطة ) وهي الارصاد والاقامة
لحفظ الثغر من هجوم المشركين بأن يعلموا
بأحوالهم على تقدير الهجوم في الحد المشترك
بين دار الشرك ودار الاسلام كما عن
التنقيح ، أو كل موضع يخاف منه كما في جامع
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 8 من ابواب جهاد
العدو حديث 1
[ . . . ]
المقاصد ، أو هما معا كما في المسالك ،
وعن التنقيح : وجوبها على المسلمين كفاية من غير
شرط حضور الامام عليه السلام .
ولكن : لا أظن أن يشك أحد في وجوبها ما
دام لم يقم بها أحد فإنها من أظهر
مصاديق حفظ بيضة الاسلام والمجتمع
الاسلامي ، ومحل الكلام إنما هو في فرض قيام
من به الكفاية به ، وعلى ذلك فلا مورد
للاستدلال له بالاية الكريمة : ( يا أيها الذين
آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ) ( 1 ) .
فإنه وإن اختلفت كلمات القوم في تفسير
المرابطة ، وقال جماعة إن المراد :
رابطوا الصلوات أي : انتظروها واحدة بعد واحدة .
وعللوه بأنه لم يكن مرابطة حينئذ إلا أن
أغلب المفسرين فسروها بمعناها المعروف ،
وعدم وجود المرابطة حينئذ لا يضر بعد كون
القضية بنحو القضية الحقيقية .
ويعضده ما عن أبي جعفر ( عليه السلام )
في تفسير الاية : اصبروا على المصائب
وصابروا على عدوكم ورابطوا عدوكم ( 2 ) .
وجه عدم صحة الاستدلال : أن المرابطة
التي هي من أقوى ما يحفظ به بلاد
الاسلام والمجتمع الاسلامي إنما يكون
وجوبها كفائيا ومع قيام من به الكفاية بها
يسقط التكليف ، وأيضا محل الخلاف في ظرف
كون الجائر حاكما اسلاميا .
بل الحق أن يستدل له بالنصوص . كصحيح
يونس : سأل أبا الحسن ( عليه
السلام ) رجل وأنا حاضر فقال له : جعلت
فداك إن رجلا من مواليك بلغه أن رجلا
يعطي سيفا وفرسا في سبيل الله فأتاه
فأخذهما منه ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن
السبيل مع هؤلاء لا يجوز ، وأمروه بردهما
، قال ( عليه السلام ) : فليفعل ، قال : قد طلب
الرجل فلم يجده . وقيل له : قد شخص الرجل
، قال ( عليه السلام ) : فليرابط ولا
…………………………………………………
( 1 ) آل عمران : آية 200 .
( 2 ) تفسير التبيان : ذيل الاية الشريفة
.
[ . . . ]
يقاتل ، قلت : مثل قزوين وعسقلان والديلم
وما أشبه هذه الثغور . قال ( عليه السلام ) :
نعم . فإن جاء العدو من الموضع الذي هو
فيه مرابط كيف يصنع ؟ قال ( عليه السلام ) :
يقاتل عن بيضة الاسلام ، قال : يجاهد ؟
قال : لا إلا أن يخاف على ذراري المسلمين .
قلت : أرايتك لو أن الروم دخلوا على
المسلمين ليمنع لهم أن يمنعوهم . قال ( عليه
السلام ) : يرابط ولا يقاتل . قال : فإن
خاف على بيضة الاسلام والمسلمين قاتل فيكون
قتاله لنفسه لا للسلطان لان في درس
الاسلام درس ذكر محمد صلى الله عليه وآله ( 1 )
فإن أمره ( عليه السلام ) بالمرابطة أقله
الاستحباب ، ومورده فرض عدم دعاء الامام
وكون الحكومة الاسلامية بيد الجائر ،
ولذلك نهي عن القتال ابتداء .
وما في ذيله من الامر به أمر بالدفاع عن
البيضة والمسلمين غير المنافي لنهي عن
الجهاد ابتداء .
ولا ينافي ذلك كله الامر برد المال في
صدر الخبر ، لأن الظاهر أن الباذل كان
من هؤلاء كما صرح به في خبر آخر ، ومراده
من سبيل الله : الجهاد الجائز عندهم مع
حكامهم ، فالمال كان مشروطا به فلم يبح
إلا به ، ولما لم يجز وجب الرد ، ولما فرض
الراوي عدم إمكان الرد أباحه ( عليه
السلام ) له بشرط المرابطة بدله ، ولعله من جهة
كونه أقرب الى مقصود الباذل من صرفه في
سائر وجوه البر .
والنبويات المحكية عن المنتهى ، أحدها :
عن سلمان عنه صلى الله عليه وآله :
رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر
وقيامه فإن مات جرى عليه عمله الذي
كان يعمل واجري عليه رزقه وامن الفتان (
2 ) .
والاخر عن ابن عباس عنه صلى الله عليه
وآله : عينان لا تمسهما النار : عين
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 6 من ابواب جهاد
العدو حديث 2 .
( 2 ) كنز العمال ج 2 ص 253 الرقم 5478 .
[ . . . ]
بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل
الله ( 1 ) .
والثالث عن فضالة عنه صلى الله عليه وآله
: كل ميت يختم عمله إلا المرابط
في سبيل الله فإنه ينمو له عمله يوم
القيامة ويؤمن من فتان القبر ( 2 ) .
وأما خبر عبد الله بن سنان عن الامام
الصادق ( عليه السلام ) قال : قلت له :
جعلت فداك ما تقول في هؤلاء الذين يقتلون
في هذه الثغور ؟ قال : فقال : الويل
يتعجلون قتلة في الدنيا وقتلة في الاخرة
، والله ما الشهيد إلا شيعتنا ولو ماتوا على
فرشهم ( 3 ) فمضافا الى ضعف سنده لعلي بن
معبد ، الظاهر منه عدم قبول عمل غير
الشيعة ، فهو في مقام بيان حيثية صدور
الفعل ، ولا نظر له الى الفعل من حيث هو ،
وبعبارة اخرى : أنه من قبيل مادل على أنه
من صام دهره وصلى وأتى بجميع أعمال
البر وكان ذلك بغير الولاية أكبه الله
على منخره في النار ، أضف اليه : أن مورده القتال
في الثغور ابتداءا .
وبذلك يظهر ما في خبر محمد بن عيسسى عن
الامام الرضا ( عليه السلام ) أن
يونس ساله وهو حاضر عن رجل من هؤلاء مات
وأوصى أن يدفع من ماله فرس وألف
درهم وسيف لمن يرابط ويقاتل في بعض هذه
الثغور فعمد الوصي فدفع ذلك كله الى
رجل من أصحابنا فاخذه منه وهو لا يعلم ثم
علم أنه لم يأن لذلك وقت بعد فما تقول
يحل له أن يرابط عن الرجل في بعض هذه
الثغور أم لا ؟ فقال : يرد الى الوصي ما
أخذ منه ولا يرابط فإنه لم يأن لذلك وقت
بعد ، فقال : يرده عليه . فقال يونس : فإنه لا
يعرف الوصي ، قال : يسأل عنه . فقال له
يونس : فقد سأله عنه فلم يقع عليه كيف
…………………………………………………
( 1 ) تيسير الوصول ج 1 ص 223 .
( 2 ) كنز العمال ج 2 ص 257 الرقم 5478 .
( 3 ) الوسائل ، باب 6 من ابواب جهاد
العدو حديث 4 .
[ ثلاثة ايام الى اربعين ]
يصنع ؟ فقال : إن كان هكذا فليرابط ولا
يقاتل . الحديث ( 1 ) . فإنه في مورد الرباط مع .
القتال .
وعلى الجملة لا ينبغي الريب في استحباب
المرابطة وحفظ الثغور حتى في حال
الغيبة وكون الحكومة بيد الجائر ، ففي
الدعاء ( 27 ) من الصحيفة السجادية -
يدعو الامام السجاد ( عليه السلام ) لاهل
الثغور مع أنه كانت الحكومة في عصره
( عليه السلام ) بيد بني أمية - لعنهم
الله - الذين هم شر الخلائق .
المشهور بين الاصحاب : أن الرباط من (
ثلاثة أيام الى أربعين ) يعني أقله ثلاثة
أيام وأكثره أربعون يوما كما صرح به في
محكي النهاية والمنتهى والتدكرة والارشاد
والقواعد والدروس وجامع المقاصد ، بل عن
المنتهى نسبة الاول الى العلماء ، والتذكرة
الى الاتفاق عليه .
ويشهد بهما خبر زرارة ومحمد بن مسلم عن
الامامين الصادقين عليهما السلام :
الرباط ثلاثة أيام وأكثره أربعون يوما فإذا
جاز ذلك فهو جهاد ( 2 ) . أي ثوابه ثواب
الجهاد كما صرح به غير واحد وإن بقي على
وصف المرابطة كما صرح به الشهيدره .
وأما خبر الجعفي عن الامام الباقر ( عليه
السلام ) كم الرباط عندكم ؟ قلت :
أربعون قال : لكن رباطنا رباط الدهر ،
ومن ارتبط فينا دابة كان له بوزنها ووزن وزنها
ما كانت عنده ، ومن ارتبط فينا سلاحا كان
له وزنه ما كان عنده ! الحديث ( 3 ) . فمضافا
الى ضعف سنده - محمول على إرادة ترقب
الفرج ساعة بعد ساعة كما جاءت به
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 7 من ابواب جهاد
العدو حديث 2 .
( 2 ) الوسائل ، باب 6 من ابواب جهاد
العدو حديث 1 .
( 3 ) الوسائل ، باب 57 من ابواب جهاد
العدو حديث 2 ، والروضة ص 381 .
[ فان زادت كان جهادا ]
النصوص ( 1 ) . لا الرباط المصطلح كما في
الجواهر .
وأما النبوي المتقدم : رباط ليلة في سبيل
الله خير من صيام شهر وقيامه ، فهو
ليس في مقام التشريع كي يتمسك به لاثبات
استحباب المرابطة ولو برباط ليلة ، بل
في مقام فضيلة الرباط المشروع ، وما
يترتب عليه من الثواب ، فما عن الاسكافي من
أن أقله يوم ، لا وجه له وعلى فرض تسليم
كونه في مقام التشريع نظرا الى أن بيان
الحكم قد يكون مطابقيا وقد يكون
بالالتزام ببيان ما هو لازم الحكم والمقام من قبيل
الثاني ، وأيضا على فرض تسليم ثبوت
الاستحباب بالخبر الضعيف للتسامح في أدلة
السنن لابد من تقييد إطلاقه بخبر زرارة
ومحمد الدال على أن أقله ثلاثة أيام .
فإن قيل : إنه لا يحمل المطلق على المقيد
في باب المستحبات كما في الجواهر ،
أجبنا عنه بأنه اذا كان دليل القيد
متضمنا لحكم إلزامي وضعي يحمل المطلق على
المقيد في ذلك الباب ، ألا ترى أنه لا
يشك أحد في أن ما تضمن شرطية الطهارة
للصلاة يوجب تقييد إطلاق الامر بالصلاة
الاستحبابي فما أفاده في الجواهر من أن
إطلاق ما دل على فضله الذي لا يحكم عليه
الخبر المزبور بناءا على عدم حمله على
المقيد في المندوبات يقتضي تمامية ما
أفاده الاسكافي ضعيف .
فما في محكي الروضة من أن أقله ثلاثة فلا
يستحق ثوابه ولا يدخل في النذر
والوقف والوصية للمرابطين بإقامة دون
الثلاثة - الى أن قال - ولو نذره وأطلق وجب
ثلاثة بليلتين بينهما كالاعتكاف ، حق لا
ريب فيه .
وكيف كان ( فان زادت ) على الاربعين (
كان جهادا ) كما في الخبر ومر أن المراد
أن ثوابه حينئذ ثواب المجاهدين وإن بقي
على وصف المرابطة كما صرح به الشهيد ره .
…………………………………………………
( 1 ) البحار ، ج 12 ، ص 146 ، الطبعة
القديمة
[ ويجب بالنذر وشبهه ]
قال في التذكرة : وتستحب المرابطة بنفسه
وغلامه وفرسه . . . ولو عجز عن
المرابط بنفسه رابط فرسه أو غلامه أو
جاريته أو أعان المرابطين . انتهى ، ونحوه عن
الارشاد والدروس واللمعة والروضة وغيرها
.
والمستند : مضافا الى أن ذلك من الاعانة
على البر والتقوى ، وأنه مجاهدة بالمال
وقد امر بها في القرآن كما مر ، إذ
الجهاد بالمال عبارة عن صرف المال في دفع العدو
وحفظ بيضة الاسلام والمجتمع الاسلامي ومن
أوضع أفراده ذلك - أخبار كخبر
الجعفري عن أبي الحسن ( عليه السلام ) :
من ربط فرسا عتيقا محيت عنه ثلاث
سيئات وكتبت له إحدى عشرة حسنة ، ومن
ارتبط هجينا محيت عنه في كل يوم سيئتان
وكتبت له سبع حسنات ، ومن ارتبط برذونا
يريد به حمالا أو قضاء حوائج أو دفع عدو
عنه محيت عنه كل يوم سيئة واحدة وكتبت له
ست حسنات ، وعن الفقيه روايته بإبدال
السبع بالتسع ( 1 ) .
( ويجب ) المرابطة المستحبة بنفسها (
بالنذر وشبهه ) من العناوين الثانوية
الموجبة للوجوب كالاجارة ، مع وجود
الامام وبسط يده وغيبته وقصور يده كانت
الحكومة بيد العادل أو الجائر ، كما صرح
به جماعة ، وعن السرائر عندنا ، وهو مؤذن
بالاجماع عليه ، لانه طاعة كما مر وقد
نذرها أو آجر نفسه عليها أو ما شابه ذلك ،
فيجب لعموم الادلة بوجوب الوفاء بالنذر
وشبهه كتابا وسنة .
وبذلك يظهر أنه لو نذر أن يصرف شيئا في
المرابطين وجب حتى في زمان الغيبة
وحكومة الجائرين ، لما مضى من أنه طاعة
فتجب بالنذر .
وعن الشيخ في النهاية والقاضي بل قيل
وجماعة : إنه يحرم ويصرفه في وجوه
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 4 من ابواب أحكام
الدواب ، حديث 2 كتاب الحج
[ . . . ]
البر حينئذ لخبر علي بن مهزيار : كتب رجل
من بني هاشم الى أبي جعفر الثاني عليه
السلام إني كنت نذرت نذرا منذ سنين أن
أخرج الى ساحل من سواحل البحر الى
ناحيتنا مما يرابط فيه المطوعة نحو
مرابطتهم بجدة وغيرها من سواحل البحر أفترى
جعلت فداك أنه يلزمني الوفاء به أولا
يلزمني أو افتدي الخروج الى ذلك الموضع بشئ
من أبواب البر لاصير اليه إن شاء فكتب (
عليه السلام ) اليه بخطه وقرأته : إن كان
سمع منك نذرك أحد من المخالفين فالوفاء
به ان كنت تخاف شنعته وإلا فاصرف ما
نويت من ذلك في أبواب البر وفقنا الله
وإياك لما يحب ويرضى ( 1 ) .
وأورد عليه بضعفه ، لكونه مكاتبة ،
وجهالة السائل ، وبمخالفته الاصول ، لان
النذر إن كان صحيحا وجب الوفاء به وإلا
كان باطلا لا أنه يصرف في وجوه البر .
ولكن كونه مكاتبة لا يوجب ضعفه ، غايته
أن احتمال التقية فيها أقوى وكذا
احتمال التدليس ، وجهالة السائل لا تضر
بعد أن علي بن مهزيار يقول : وقرأته .
ومخالفة الاصول لا توجب طرح الخبر الصحيح
كيف وأن عموم القرآن يخصص بالخبر
الواحد كما عليه البناء في الفقه .
ولكن الظاهر من الخبر أنه كان نذر أن
يرابط على نحو مرابطة القوم وهو
المرابطة مع القتال . وسئل عنه ( عليه
السلام ) أنه إذا اراد أن يفتدي بشئ من أبواب
البر هل له ذلك ؟ فاجابه ( عليه السلام )
بأن نذره غير منعقد ، لعدم كونه طاعة للنهي
عن المرابطة مع القتال ، فلا يجب الوفاء
بالنذر ، وأما ما نوى من صرف المال في وجوه
البر فلا باس به ، فالاظهر فيما هو محل
الكلام لزوم الوفاء بالنذر .
وعن الشيخ أنه لو آجر نفسه للمرابطة ،
فان وجد الاجير المستأجر أو ورثته
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 7 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1
[ الفصل الثاني : فيمن يجب
جهادهم ، وهم ثلاثة اصناف ، الاول .
اليهود والنصارى والمجوس ]
ردها وإلا قام بها .
وفي المسالك استنادا الى الرواية ،
والظاهر أن نظره الى صحيح يونس ، وخبر
محمد بن عيسى المتقدمين ، وقد مر ما
فيهما فالاظهر ما عن المشهور من وجوب القيام
بها عليه مطلقا .
الفصل الثاني : فيمن يجب جهادهم وهم
ثلاثة أصناف :
الاول أهل الكتاب ، بالكتاب ، والسنة
والاجماع كما مر وهم ( اليهود
والنصارى ) لهم التورية والانجيل ، (
والمجوس ) وقد دلت النصوص على أن المجوس
من أهل الكتاب ، لا حظ مرسل الواسطي :
سئل أبو عبد الله ( عليه السلام ) عن
المجوس أكان لهم نبي ؟ فقال : نعم أما
بلغك كتاب رسول صلى الله عليه وآله الى أهل
مكة . . فكتب اليهم رسول الله صلى الله
عليه وآله أن المجوس كان لهم نبي فقتلوه
وكتاب أحرقوه أتاهم نبيهم بكتاب في اثني
عشر ألف جلد ثور ( 1 ) .
وخبر الصدوق : المجوس تؤخذ منهم الجزية
لان النبي صلى الله عليه وآله قال :
سنوا بهم سنة أهل الكتاب وكان لهم نبي
اسمه دماسات . فقتلوه ، وكتاب يقال له :
جاماست كان يقع في أثني عشر ألف جلد ثور
فحرقوه ( 2 ) .
وخبر المفيد عن أمير المؤمنين ( عليه
السلام ) أنه قال في المجوس إنما الحقوا
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 49 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1 .
( 2 ) الوسائل ، باب 49 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 5 .
[ وهؤلاء يقتلون ، الى ان
يسلموا ، او يلتزموا شرائط الذمة - ]
باليهود والنصارى في الجزية والديات لانه
قد كان لهم فيما مضى كتاب ( 1 ) ونحوها
غيرها .
( وهؤلاء يقتلون ) أي يجب جهادهم بعد
دعوتهم الى الاسلام كما مر : كتابا وسنة
وسميران عليك ( الى أن يسلموا ) وحينئذ
فلا بحث ( أو يلتزموا بشرائط الذمة ) بلا
خلاف ظاهرا وصرح به في المنتهى والمختلف
مؤذنا بكونه مجمعا عليه بين العلماء ، كذا
في الرياض .
ويشهد به الاية الكريمة ( قاتلو الذين لا
يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا
يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون
دين الحق من اللذين أوتوا الكتاب حتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) ( 2 ) .
ملخص ما يستفاد من الاية أن أهل الكتاب
بما أنهم غير مؤمنين بأمر التوحيد
ولامعاد كما هو حقه وإن أثبتوا أصل القول
بالالوهية وبالمعاد وغير محرمين المحرمات
الالهية التي حرمها الله تعالى لاصلاح المجتمع
وسوقهم الى السعادة ، وغير متدينين
بدين الحق والفطرة ، يجب قتالهم وإدامة
قتالهم حتى يصغروا ويخضعوا للحكومة
الاسلامية ويعطوا في ذلك عطية مالية
مضروبة يمثل صغرهم وخضوعهم للسنة
الاسلامية ووالحكومة العادلة في المجتمع
الاسلامي ويصرف في حفظ ذمتهم وحقن
دمائهم وحاجة إدارة امورهم ، وإنما اقتصر
هنا في غاية القتال على أداء الجزية ولم يذكر
الاسلام ، مع ان غاية القتال أحد الامرين
: إما الاسلام أو شرائط الذمة منها الجزية
لان الاسلام معلوم الارادة ، وبه يتبدل
الموضوع فنفس تعليق الحكم على الكتابي
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 49 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 8 .
( 2 ) التوبة : آية 29 .
[ . . . ]
يستلزم كون الاسلام غاية القتال ، وإنما
ذكر من شرائط الذمة الجزية ، لانها الركن
الاعظم في الشرائط ، وإذا أخلو بها ولم
ينقادوا لاحكام الاسلام خرقوا الذمة .
ويشهد به ايضا : نصوص ، ففي خبر حفص عن
الامام الصادق : سأل رجل
أبي ( عليه السلام ) عن حروب أمير
المؤمنين ( عليه السلام ) وكان السائل من محبينا ،
فقال له أبو جعفر ( عليه السلام ) : بعث
الله محمدا صلى الله عليه وآله بخمسة أسياف ،
ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حتى تضع الحرب
أوزارها ولن تضع الحرب أوزارها حتى
تطلع الشمس من مغربها . . . والسيف
الثاني على أهل الذمة ، قال الله تعالى : ( قولوا
للناس حسنا ) نزلت هذه الاية في أهل
المدينة ثم نسخها قوله عزوجل : ( قاتلوا
الذين ) الاية ، فمن كان منهم في دار
الاسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل
ومالهم فئ وذراريهم سبي وإذا قبلوا
الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم وحرمت
أموالهم وحلت لنا مناكحتم ، ومن كان منهم
في دار الحرب حل لنا سبيهم ولم تحل
مناكحتهم ، ولم يقبل منهم إلا الدخول في
دار الاسلام أو الجزية أو القتل . الحديث ( 1 ) .
والمرتضوي : القتال قتالان : قتال أهل
الشرك لا ينفر عنهم حتى يسلموا
أو يؤتوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
الحديث ( 2 ) ونحوهما غيرهما .
( و ) كيف كان فأهل الكتاب يقاتلون الى
أن يسلموا أو يلتزموا بشرائط الذمة
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب جهاد العدو
حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 5 من ابواب جهاد العدو
حديث 3 .
[ وهي قبول الجزية ، ]
و ( هي ) امور :
الاول : ( قبول الجزية ) وهي فعلة كجلسة
، وهي اسم للنوع أي النوع من
الجزاء .
قال الرغب : الجزية ما يؤخذ من أهل الذمة
وتسميتها بذلك للاجزاء بها في
حقن ذممهم .
وعن المجمع : الجزية فعلة من جزي يجزي
مثل العقدة والجلسة وهي عطية
مخصوصة جزاء لهم على تمسكهم بالكفر عقوبة
، بل بما أن الحكومة الاسلامية تحتاج في إدارة
امور المجتمع الى المال وقد جعل على
المسلمين الخمس والزكاة والخراج والمقاسمة ،
والذمي لا يعطي الخمس والزكاة فجعل عليه
الجزية لتصرف في مصارف الحكومة التي
ينتفع بها الذمي ، ويحفظ بها ذمته ويحقن
دمه ويحسن ادارته كسائر آحاد المملكة
الاسلامية ، فهي ليست عقوبة .
والدليل على كونه من شرائط الذمة : الاية
الشريفة والسيرة النبوية
والنصوص المستفيضة وقد روت الخاصة
والعامة أن النبي صلى الله عليه وآله كان
يوصي امراء السرايا بادعاء الى الاسلام
قبل القتال فإن أبوا فإلي الجزية ، فإن أبوا
قوتلوا ( 1 ) .
وفي مرسل
الواسطي المتقدم : فكتب اليهم النبي صلى الله عليه وآله
إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ( 2 ) .
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 15 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 5 ، وسنن البيهقي ، ج 9 ، ص 184 .
( 2 ) الوسائل ، باب 49 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1
[ وان لا يؤذوا المسلمين ، وان
لا يتظاهروا بالمحرمات ]
وفي الفقيه : المجوس يؤخذ منهم الجزية لان
النبي صلى الله عليه وآله قال : سنوا
بهم سنة أهل الكتاب ( 1 ) .
وفي خبر حفص بن غياث : ولو منع الرجال
فأبوا أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين
للعهد وحلت دماؤهم وقتلهم ( 2 ) ونحوها
غيرها .
( و ) الثاني : ( أن لا يؤذوا المسلمين
كالزنا بنسائهم واللواط بصبيانهم والسرقة
لاموالهم وإيواء عين المشركين والتجسيس
لهم ، فإن فعلوا شيئا وكان تركه مشترطا في
الهدنة كان نقضا ، وإن لم يكن مشترطا
كانوا عهدهم ، وفعل بهم ما يقتضيه
جنايتهم من حد او تعزير كما صرح به غير
واحد .
وعن الشهيد قده انتقاض العهد به وإن لم
يشترط ، وهو ظاهر النافع ، ولكن
لم أظفر برواية دالة على اعتبار ذلك في
عقد الذمة ، بل مقتضى الادلة خلافه .
نعم لو اشترط فيه نقض إجماعا ، وهو الحجة
فيه ، وإلا فما قيل من كونه
مقتضى الشرطية التي لم يقع التراضي إلا
عليه ، قابل لمناقشة ، فإن مقتضى الشرطية
إلزامهم به إن لم يفوا به .
نعم إذا علق عقد الذمة عليه لا بنحو
الشرط في ضمن العقد ، بل على نحو
التعليق في العقد المبطل له في سائر
العقود لاشتراط التنجيز فيها دون المقام صح ما
أفادوه من نقض العهد في صورة الاشتراط
والتخلف ، والظاهر أن مورد كلام
الاصحاب ذلك ، فيتم ما أفادوه .
( و ) والثالث : ( أن لا يتظاهروا
بالمحرمات كشرب الخمر ) والزنا وأكل لحم
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 49 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 5 .
( 2 ) الوسائل ، باب 18 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1
[ وان لا يحدثوا كنيسة ، ولا يضربوا
ناقوسا ، وان يجري عليهم احكام المسلمين ]
الخنزير ونكاح المحرمات ونحوها وإن كانت
جائزة في شرعهم ، ولو تظاهروا بذلك
نقض العهد ، وإن لم يذكر اشتراطه في عقد
الذمة كما عن ظاهر النافع واللمعة والنهاية
والسرائر ، بل عن الحلي دعوى الاجماع
عليه وكذلك السيد ابن زهرة ، لصحيح زرارة
عن الامام الصادق ( عليه السلام ) أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الجزية من
أهل الجزية على أن لا يأكلوا الربا ولا
يأكلوا لحم الخنزير ولا ينكحوا ألاخوات ولا بنات
الاخ فمن فعل ذلك منهم برئت ذمة الله
تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله منه . وقال
أيضا : ليست لهم اليوم ذمة ( 1 ) .
والظاهر أنه الى ذلك نظر ابن زهرة والحلي
حيث قالا : روى أصحابنا أنهم متى
تظاهروا في شرب الخمر وأكل لحم الخنزير
ونكاح المحرمات في شرعنا والربا نقضوا
بذلك العهد ، ولكن الرواية في مورد
الاشتراط ، فإجراء الحكم الى صورة عدم الاشتراط
لا وجه له ، فما عن المنتهى والتحرير والتذكرة من التفصيل بين
الاشتراط
فينتقض ، وعدمه فلا ينتقض هو الاظهر .
( و ) الرابع : ( أن لا يحدثوا كنيسة ولا
يضربوا ناقوسا ) كما عن غير واحد ، وعن
الغنية الاجماع على أنهم لو فعلوا ذلك
نقض العقد وإن لم يشترط ، ولكن مقتضى عقد
الذمة والاطلاق والاصل جواز ما كان جائزا
في شرعهم الذي امرنا بإقرارهم عليه .
نعم ما أفاده جماعة من أنه لو كان تركه
مشترطا في العهد انتقض - تم على
التقريب المتقدم .
( و ) الخامس : ( أن يجري عليهم أحكام
المسلمين ) بمعنى وجوب قبولهم لما يحكم
به المسلمون عليهم من أداء حق أو ترك
محرم بلا خلاف أجده كما سمعته من المنتهى ،
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 48 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1
[ فان التزموا بهذه كف عنهم ]
ضرورة كونه الصغار أو منه الذي لا إشكال ولا
خلاف في اعتباره في الذمة بنص
الكتاب ، ولذا صرح غير واحد بالانتقاض
بالمخالفة وإن لم يشترط ، بل لا أجد فيه
خلافا بينهم كذا في الجواهر .
وفي كنز العرفان في تفسير قوله تعالى : (
وهم صاغرون ) قال فقهاؤنا : إنه
التزام أحكام الاسلام وأن تجري عليهم وأن
لا تقدر الجزية عليهم فيوطنوا انفسهم
على حال . انتهى .
أقول : المستفاد من الاية الكريمة بعد
التدبر فيها وما في صدرها من الاوصاف
المقتضية لقتالهم ثم إعطاؤهم الجزية لحفظ
ذمتهم - أن المراد بالصغار خضوعهم للحكومة
الاسلامية وقوانينها المجعولة لنيل المجتمع السعادة وأن لا
يبارزوهم
بشخصية مستقلة حرة في بث ما تهواه انفسهم
، وعليه فما نقله المقداد عن الفقهاء
يوافق ذلك ، إلا أن لازم ذلك ليس نقض
العهد لو خالفوا في ذلك ، بل على ولي أمر
المسلمين الزامهم بذلك .
وأضاف صاحب الجواهر أمرا آخر ، قال : بل
ينبغي اعتبار كونها عن يد وإن
لم أجد من صرح به .
أقول : اختلفوا في معنى قوله تعالى : (
عن يد ) قيل : أن يعطوها نقدا لا نسيئة
كما يقال : بعثه يدا بيد . أي نقدا بنقد
، وقيل : أن يعطوها بأيديهم لا بنائب . وقيل : عن
قدرة وقهر . وعلى أي حال لا ربط له
بشرائط الذمة ، فتدبر .
فالمتحصل مما ذكرناه أنه لا دليل على
اعتبار شئ في الذمة غير ما تضمنته
الاية الكريمة إلا على فرض اشتراط شئ
عليهم في العقد .
( و ) القدر المسلم هو الجزية ( فإن
التزموا بهذه ) كف عنهم القتال إجماعا وكتابا
وسنة على ما مر مفصلا .
[ . . . ]
وتمام الكلام في طي مسائل :
الاولى : في العاقد للذمة ، فعن بعض أن
عقد الذمة للامام ( عليه السلام )
ونائبه ، بل عن المنتهى نفي الخلاف فيه ،
وظاهر المجلسي - قده - أنه حاكم المسلمين
ولو كان جائرا ، وصرح جماعة من أنه لو
تمكن نائب الغيبة ن عقده ومن تقرير الجزية
صح وجرى عليه حكم عقد الامام ( عليه
السلام ) .
وتنقيح القول بالبحث في موارد :
( 1 ) في عقد الجائر وأخذه الجزية ، لا
إشكال في عدم اختصاصه بإمام الاصل
ونائبه الخاص ، بل للسلطان الجائر أخذ
الجزية ، ويترتب عليه ما يترتب على أخذ
العادل من حقن المال والدم .
ويشهد لجواز أخذ غير الامام : ما رواه
الصدوق ، قال : قال الرضا ( عليه
السلام ) : إن بني تغلب انفوا من الجزية
وسألوا عمر أن يعفيهم فخشي أن يلحقوا
بالروم فصالحه على أن صرف ذلك عن رؤوسهم
وضاعف عليهم الصدقة ، فعليهم ما
صالحوا عليه ورضوا به الى أن يظهر الحق (
1 ) .
والنصوص الدالة على جواز أخذ الجزية التي
أخذها الجائر ، كخبر الهاشمي
عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن رجل
اكترى أرضا من أرض أهل الذمة من
الخراج وأهلها كارهون وإنما يقبلها
السلطان بعجز أهلها عنها أو غير عجز ، فقال
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 68 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 5 .
[ . . . ]
( عليه السلام ) إذا عجز أربابها عنها
فلك أن تأخذها إلا أن يضاروا وإن أعطيتهم شيئا
فسخت انفسهم بهالكم فخذوها ( 1 ) .
وصحيح محمد بن مسلم عنه ( عليه السلام )
عن الشراء من أرض اليهود
والنصارى ، فقال ( عليه السلام ) : ليس
به بأس الحديث ( 2 ) .
وصحيح الفاضلين عنه ( عليه السلام ) قال
: سألته عن ذلك ، فقال : لا بأس
بشرائها فإنها إذا كانت بمنزلتها في
أيديهم تؤدي عنها كما يؤدي عنها ( 3 ) .
ومعتبر إبراهيم بن أبي زياد عنه ( عليه
السلام ) عن الشراء من أرض الجزية
فقال : اشترها فإن لك من الحق ما هو أكثر
من ذلك ( 4 ) الى غير ذلك من الاخبار .
ودلالة هذه النصوص على جواز أخذ الجزية
من السلطان الجائر الاخذ
للجزية العاقد للذمة لا تنكر ولازمه صحة
عقد ذمته وأخذه الجزية .
وإن شئت قلت : إن المستفاد من مجموع هذه
النصوص وتقرير المعصومين
عليهم السلام ما كانوا سلاطين الجور
يفعلونه ، بضميمة القطع بعدم سقوط هذا الحكم
في زمان عدم بسط يد الامام وزمان الغيبة
- ما قاله بعضهم بأن الولاية وإن كانت
للسلطان العادل وتصدي الجائر وتقمصه بذلك
القميص غصب وحرام وإثم - إلا أنه
بعد تصديه لذلك المقام له أن يعقد الذمة
ويأخذ الجزية ويصرفها في مصالح المسلمين ،
ولا شئ عليه من هذه الناحية ، ولو تمكن
نائب الغيبة الذي هو الحاكم على الامة من
عقده وتقرير الجزية صح وجرى عليه حكم عقد
الامام ( عليه السلام ) وهو أولى من
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 72 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 4 .
( 2 ) الوسائل ، باب 71 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 2 .
( 3 ) الوسائل ، باب 71 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 3 .
( 4 ) الوسائل ، باب 71 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 4
[ . . . ]
الجائر ، فإنه المنصوب حاكما في عصر
الغيبة وبيده مجارى الامور كما مر .
ومن الغريب احتمال المحقق الاردبيلى - ره
- سقوط الجزية عنهم في زمان
الغيبة .
فالمتحصل مما ذكرناه أن الامر الى الحاكم
الشرعي ، ولكن مع مبادرة الجائر
الى التصرف يكون تصرفه نافذا ولا يجب
الاستئذان من الفقيه ، وسيأتي تمام الكلام
في ذلك في حكم الأراضي الخراجية حال
الغيبة في كتاب المتاجر .
( 2 ) في بيان مصرف الجزية ومن يستحقها ،
وقد صرح المصنف - ره - بأنه
يستحق الجزية من يستحق الغنيمة سواء فهي
للمجاهدين ، بل عن الدروس : أن
مصرفها عسكر المجاهدين ، وعن القواعد : أنها
في زمان الغيبة للمجاهدين ، ومع
عدمهم لفقراء المسلمين . ونحوه عن أجوبة
المهنا بن سنان له أيضا ، وعن النهاية
والسرائر : لمن قام مقام المجاهدين في
الدفع عن الاسلام ، بل زاد في محكي السرائر :
ولمن يراه الامام ( عليه السلام ) من الفقراء والمساكين من سائر
المسبمين .
أقول : المستفاد من النصوص المتقدم طرف
منها ومن النصوص الواردة في
النزول على أهل الذمة واهل الخراج ضيفا (
1 ) أن مصرف الجزية الان هو مصرف
الخراج ، وأنه يجوز أخذها لنا من يد
الجائر على نحو الخراج ، كما هو مقتضى السيرة
المسترة من العوام والعلماء .
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 54 من ابواب ما
يكتسب به من كتاب المتاجر
[ . . . ]
وقد علل في بعض تلك النصوص بأن قائمنا لو
كان قد قام كان نصيبك منها
أكثر منها ، بل المستفاد من الاخبار
جريان حكم الجزية عل المأخوذ من يد الجائر
بعنوانها كالمأخوذ بعنوان الخراج والزكاة
، فحينئذ يكون تقرير الجزية منه كتقرير
الامام ( عليه السلام ) بالنسبة الى ذلك
نحو ضرب الخراج الصادر منه ، بل قد عرفت
قول الامام الرضا ( عليه السلام ) فيما
وقع من صلح عمر لبني تغلب وأنه يجري عليه
الحكم حتى يظهر الحق .
وعلى الجملة ، فإن كان جهاد أو دفاع أو
ما الى ذلك تصرف فيها أولى وإلا
فصرفها في الدفع عن الاسلام ولو بالصرف
في الحوزات العلمية ، وإلا ففي سائر
مصالح المسلمين .
وأما صحيح ابن أبي يعفور عن الامام
الصادق ( عليه السلام ) أن أرض الجزية
لا ترفع عنهم الجزية وإنما الجزية عطاء
المهاجرين ، والصدقة لاهلها الذين سمى الله
في كتابه فليس لهم من الجزية شئ ، ثم قال
: ما أوسع العدل ، ثم قال : إن الناس
يستغنون اذا عدل بينهم وتنزل السماء
رزقها وتخرج الارض بركاتها بإذن الله ( 1 ) ورواه
المفيد في محكي المقنعة مرسلا . ونحوه صحيح
محمد بن مسلم عن الامام الباقر ( عليه
السلام ) ( 2 ) فلا ينافي في ذلك إذ
الجمع بينها وبين ما تقدم يقتضي البناء على أن جعلها
للمهاجرين باعتبار كونهم ذابين عن
الاسلام ، فمع الصرف فيما ذكرناه يحصل
المطلوب .
( 3 ) قال الشهيد : وفي زمان الغيبة يجب
إقرارهم على ما أقرهم ذو الشوكة من
المسلمين ، والاعتماد في ذلك على ما تقدم
عن الامام الرضا ( عليه السلام ) من إمضاء
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 69 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1 .
( 2 ) الوسائل ، باب 69 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 2 .
[ ولا حد للجزية ، بل بحسب ما
يراه الامام ]
صلح عمر لبني تغلب الى أن يظهر الحق ( 1
) . والنصوص المتضمنة لاخذ الجزية من
سلاطين الجور وغيرها مما تقدم .
بل المستفاد مما تقدم عن الامام الرضا (
عليه السلام ) أنه إذا رأى ذو الشوكة
من المسلمين الاخلال بالجزية له ذلك ، إن
لم يكن إجماع على أن الاخلال بذلك يفسد
عقد الذمة مطلقا .
المسألة الثانية في كمية الجزية ( و )
المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة أنه
( لا حد للجزية بل ) تقديرها ( بحسب ما
يراه الامام ) وولي الامر الذي يأخذ الجزية
ويقدرها ، بل عن السرائر نسبته الى أهل
البيت ، وعن الغنية الاجماع عليه ، وعن
الاسكافي تقديرها في جانب القلة بالدينار
.
ويشهد به مضافا الى الاصل وإطلاقات
الكتاب والسنة صحيح زرارة ، قلت
لابي عبد الله ( عليه السلام ) : ما حد
الجزية على أهل الكتاب وهل عليهم في ذلك شئ
موظف لا ينبغي أن يجوز الى غيره ؟ فقال (
عليه السلام ) : ذلك الى الامام يأخذ من
كل انسان منهم ما شاء على قدر ما يطيق
إنما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا
أو يقتلوا فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما
يطيقون له أن يأخذهم به حتى يسلموا فإن
الله عزوجل قال : ( حتى يعطوا الجزية عن
يدوهم صاغرون ) وكيف يكون صاغرا
ولا يكترث بما يؤخذ منه حتى يجد ذلا لما
أخذ منه فيألم لذلك فيسلم ( 2 ) .
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 68 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 6 .
( 2 ) الوسائل ، باب 68 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1 .
[ ولا تؤخذ من الصبيان
والمجانين والبله والنساء ]
يؤيده ما تقدم عن الامام الرضا ( عليه
السلام ) من إمضاء صلح عمر لبني
تغلب حتى يظهر الحق ، وأيضا يؤيده أن
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) زاد في الوضع عما
قدره النبي صلى الله عليه وآله بحسب ما
رآه من المصلحة .
وأما النبوي ، قال لمعاذ خذ من كل عالم
دينارا ( 1 ) فهو قضية في واقعة ، فلعل
ذلك كان لاقتضاء المصلحة ذلك - كما أن ما
أرسله غير واحد منهم المفيد والمصنف ره
وغيرهما من وضع الامام امير المؤمنين (
عليه السلام ) ثمانية وأربعين درهما على الغني
وأربعة وعشرين درهما على المتوسط واثنا
عشر درهما على الفقير ( 2 ) محمول على
اقتضاء المصلحه في تلك الحال .
ويؤيده أن عليا ( عليه السلام ) زاد عما
وضعه النبي صلى الله عليه وآله بل الامام
( عليه السلام ) قدرها في رساتيق المدائن
بغير ذلك كما في خبر مصعب ( 3 ) .
المسألة الثالثة : ( ولا تؤخذ ) الجزية (
من الصبيان والمجانين ) مطبقا ( والبله ) بضم
الباء الموحدة وسكون اللام جمع أبله أي
الذي ضعف عقله ، ويعبر عنه بالمعتوه ،
( والنساء ) كما صرح بذلك كله غير واحد ،
وعن المنتهى والتذكرة والغنية الاجماع
عليه .
والمستند : أخبار ، لا حظ . خبر حفص بن غياث
عن الامام الصادق ( عليه
…………………………………………………
( 1 ) سنن البيهقي ، ج 9 ص 193 .
( 2 ) الوسائل ، باب 68 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 4 .
( 3 ) الوسائل ، باب 68 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 6
[ . . . ]
السلام ) عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن
ورفعت عنهن ؟ فقال : لان رسول الله
صلى الله عليه وآله نهى عن قتل النساء
والولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلن ، فإن
قاتلن أيضا فامسك عنهن ما امكنك ، ولم
تخف خللا ، فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب
كان ذلك في دار الاسلام أولى ، ولو
أمتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها فلما لم يمكن
قتلها رفعت الجزية عنهن ، ولو امتنع
الرجال أن يؤدو الجزية كانوا ناقضين للعهد
وحلت دماؤهم وقتلهم لان قتل الرجال مباح
في دار الشرك وكذلك المقعد والاعمى
والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض
الحرب فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية ( 1 ) .
وخبر طلحة عنه ( عليه السلام ) جرت السند
أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا
من المغلوب على عقله ( 2 ) ، المنجبر
ضعفهما بعمل الاصحاب ، ويؤيده : رفع القلم عن الصبي
والمجنون .
ثم إنه في خبر حفص سقوط الجزية عن الشيخ
الفاني والمقعد والاعمى ، وذهب
الاسكافي الى السقوط عن الجميع ، وتبعه
المصنف - ره - في القواعد ، والمحقق في
النافع . في خصوص الاول دون الاخيرين .
والاظهر عدم السقوط ، لضعف الخبر وعدم
الجابر له فلا مقيد لاطلاق الادلة ،
وجبر الخبر في الصبيان والنساء لا يوجب
جبره بالنسبة الى هذه الجملة بعد إمكان
التفكيك في جملات الخبر كما هو محرر في
محله .
أللهم إلا أن يقال : إن الخبر رواه ( 3 )
الصدوق بسند معتبر فلا مانع من الاعتماد
عليه في الحكم فالسقوط اظهر .
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 18 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1 .
( 2 ) الوسائل ، باب 18 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 3 .
( 3 ) الفقيه ج 3 باب نوادر العتق حديث 9
.
[ . . . ]
وقد يفصل في الشيخ بأنه إن كان ذا رأي
وقتال اخذت من وإلا فلا - والظاهر
أنه من جهة عدم قتله اذا لم يكن كذلك
وقتله اذا كان ، وهو المعيار في الجزية على ما
يستفاد من عموم العلة للسقوط عن النساء
ولا بأس به .
وتمام الكلام في ضمن فروع :
( 1 ) هل تجب الجزية على الفقير كما عن
الشيخ في غير الخلاف والمصنف - ره
- وغيرهما ، بل هو المشهور بين الاصحاب
كما عن المنتهى ، أم لا كما عن الاسكافي
والمفيد والشيخ في الخلاف ، بل في الاخير
الاجماع عليه ، أم يفصل بين الفقير ذي
العاهة فالاول ، وغيره فالثاني كما عن
أبي الصلاح ؟ وجوه .
مقتضى إطلاق الادلة والمحكي عن فعل أمير
المؤمنين المتقدم هو الاول :
واستدل للثاني بالاجماع وبقوله تعالى : (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ( 1 ) وبقوله
تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا ما
اتاها ) ( 2 ) وغيرهما مما يدل على اعتبار القدرة .
ولكن الاجماع موهون بما عرفت ، بل بمصير
الشيخ نفسه الى خلافه في سائر
كتبه .
وأما ما دل على اعتبار القدرة فاورد عليه
بأنه في الحكم التكليفي دون خطاب
الوضع فلتكن كسائر الديون ينتظر بها حتى
يؤسر أو يجب الاداء ولو بالقرض أو بيع
شئ من المستثنيات ، ولكن فرض كلام
القائلين بعدم من الوجوب - على ما يظهر من
استدلالهم - هو الفقير الذي لا يقدر على
الاداء بوجه من الوجوه في مثله لا بأس
بما قالوه ، إذ لا فرق في اعتبار القدرة
بين الحكم التكليفي والوضعي .
…………………………………………………
( 1 ) الانعام : آية 152 .
( 2 ) الطلاق : آية 7 .
[ . . . ]
نعم إذا كان الفقير ممن يحتمل في حقه
اليسر أو له شئ من مستثنيات الدين ،
أو يمكن من تعلم الكسب يجب عليه الجزية
وتصير دينا عليه ، وفي مثله يجب بيع شئ
من المستثنيات ، فإن دليل الاستثناء يختص
بغيرها حيث إنه اريد بها الهوان دون سائر
الديون .
وما يروي عن علي ( عليه السلام ) أنه
استعمل رجلا على عكبرا فقال له : على
رؤوس الناس لا تدعن لهم درهما من الخراج
وشدد عليه القول ، ثم قال له : القني عند
انتصاف النهار فأتاه فقال : إني كنت قد
أمرتك بأمر ، وإني أتقدم اليك الان فإن
عصيتني نزعتك لا تبعن لهم في خراجهم
حمارا ولا بقرة ولا كسوة شتاء ولا صيف أرفق
بهم ( 1 ) لم يثبت عندنا ، مع أنه في غير
الجزية التي اريد التشديد بها حتى يتحقق
الصغار .
( 2 ) ولو ضرب عليهم جزية وصالحوا
فاشترطوها على النساء أو غيرهن ممن
الجزية عنهم ساقطة لم يصح العقد ، لكونه
محللا للحرام بعد إسقاط الشارع الجزية
عنهن فحينئذ إن كان المراد الصلح على
تأدية الجزية منهن دون الرجال بطل الصلح
من اصله وإن كان اشتراطها على النساء من
قبيل الشرط في ضمن العقد صح الصلح
وبطل الشرط بناء على ما هو الحق من عدم
مفسدية الشرط الفاسد ، وإن كان من
قبيل الجزء فسد الصلح بالنسبة اليهن وبقي
صحيحا بالنسبة الى الرجال .
( 3 ) ولو حاصر المسلمون حصنا من حصون
أهل الكتاب فقتل الرجال ، فإن
كان ذلك قبل عقد الجزية فسأل النساء
إقرارهن ببذل الجزية لا يصح كما في الشرائع ،
وصرح به المصنف - ره - وغيره ، لانه من
المحلل للحرام .
…………………………………………………
( 1 ) كتاب الاموال لابي عبيد القاسم بن
سلام ص 44 الرقم 116
[ ويجوز وضعها على رؤوسهم
واراضيهم ]
وهل يصح عقد الامان لهن كما لو طلبن ذلك
في دار الحرب فلا يجوز سبيهن
ولا جزية ، أم لا ؟ الظاهر هو الاول ،
لعموم الوفاء بالعقد والعهد ( 1 ) ومشروعية
الصلح ( 2 ) .
وإن كان بعد عقد الجزية فيبقى الامان
للنساء من غير ضرب جزية عليهن
حيث إنه قد ثبت لهن الامان مع الرجال
ضمنا فيجب الوفاء .
( 4 ) بعد ما عرفت من عدم الجزية على المجنون
المطبق ، فإن كان يفيق وقتا
ويجن اخرى ، ففي المبسوط حكم للاغلب سقط
الاقل ، وفي القواعد : قيل : يحكم
للاغلب ، وقيل : يلفق أمام الافاقة
فإذابلغت حولا فالجزية ، وفي المسالك : الاقوى : أن
المجنون لا جزية عليه مطلقا الى أن يتحقق
له إفاقة سنة متوالية .
وما أفاده الشهيد الثاني أقوى ، لاطلاق
خبر طلحة الدال على سقوط الجزية
عن المغلوب على عقله ، فإذا كان يجن وقتا
ويفيق آخر يصدق عليه أنه المغلوب علي
عقله ، وحيث إن الموضوع للجزية كل حول
فاذا أفاق حولا كاملا وجبت عليه الجزية
وإلا فلا وإن شئت قلت : إنه من ضم دليل سقوط
الجزية عن المجنون الى ما دل على
وجوبها في كل حول مرة يفهم عرفا اعتبار
كونه عاقلا في طول الحول .
جواز وضع الجزية على الرؤوس
والاراضي
المسألة الرابعة : ( ويجوز وضعها على
رؤوسهم وأراضيهم ) أي على أحداهما بلا
…………………………………………………
( 1 ) البقرة : آية 172 : المائدة : آية
1 .
( 2 ) الوسائل ، باب 3 من كتاب الصلح .
[ . . . ]
خلاف ولا إشكال .
ويشهد به : مضافا الى الاجماع والعمومات
النصوص ( 1 ) المتضمنة لاثبات كل
منهما ، وقد مر طرف منها وسيأتي آخر ،
كما أنه لا خلاف ولا إشكال في أنه بعد تمامية
عقد الذمة وتعيين الجزية على أحداهما لا
يجوز تغييره وتبديله ، لعموم الوفاء بالعقد والشرط .
إنما الكلام في الجمع بينهما بأن يوضع
عليهما ابتداء ، وفيه قولان ، فعن الاسكافي
والتقي وأكثر المتأخرين منهم المصنف في
جملة من كتبه الجواز ، وعن النهاية والغنية
والسرائر والقاضي المختلف عدم الجواز .
ثم إن المصنف - ره - ذكر في محكي المنتهى
أن محل الكلام جواز توزيع الجزية
على الرؤوس وعلى الارض ، وصريحه في محكي
المختلف أنه ليس النزاع في تقسيط
جزية على الرأس والارض بل في وضع جزيتين
عليهما ولكن بما أنه لا حد للجزية ولا
قدر معين لها لا يجوز تخطيه وأن تقديرهما
الى الامام - النزاع في كون المجعول عليهما
جزية واحدة قسطت عليهما ، أو جزيتين ،
نزاع لفظي كما أفاده ابن فهد في محكي
المهذب وكيف كان فمقتضي الاصل والعمومات
هو الجواز ، ويؤيده خبر مصعب
المتقدم ( 2 ) .
واستدل للقول الاخر بصحيح محمد بن مسلم
عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) قال : قلت له : أرأيت ما يأخذ
هؤلاء من الخمس من أرض الجزية ويأخذون
من الدهاقين جزية رؤوسهم أما عليهم في
ذلك شئ موظف ؟ قال : كان عليهم ما
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 68 من أبواب جهاد
العدو .
( 2 ) الوسائل ، باب 68 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 5 .
[ . . . ]
أجازوا على أنفسهم ، وليس للامام ( عليه
السلام ) أكثر من الجزية إن شاء وضع الامام
على رؤوسهم وليس على أموالهم شئ وإن شاء
فعى اموالهم وليس على رؤسهم شئ
فقلت : هذا الخمس . فقال : إنما كان هذا
شئ صالحهم عليه رسول الله صلى الله عليه
وآله ( 1 ) .
وصحيحة الاخر : سألته عن أهل الذمة ماذا
عليهم مما يحقنون به دماءهم
وأموالهم ؟ قال ( عليه السلام ) : الخراج
، وإن اخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على
أرضهم ، وإن أرضهم فلا سبيل على رؤوسهم (
2 ) .
ولكن الظاهر من الخبرين أنه لا يؤخذ من
أموالهم شئ من الحقوق المجعولة
في الاسلام سوى الجزية حتى أنه لو اخذ
الجزية من أراضيهم لا يؤخذ من الحقوق
المجعولة على أموالهم كالخمس شئ ، كما
أنه لو وضع الجزية على رؤوسهم لا يؤخذ
من الحقوق المجعولة على الاراضي منهم شئ
.
ويؤيده صحيحة الثالث عن الامام الباقر (
عليه السلام ) في أهل الجزية يؤخذ
من أموالهم ومواشيهم شئ سوى الجزية ؟ قال
( عليه السلام ) لا ( 3 ) . وعلى فرض التنزل
وتسليم أن المراد من المثبت والمنفي هو
الجزية فالظاهر منهما أنه بعد وضع الجزية على
أحداهما وتعينيه وتمامية العقد لا يجوز
أخذ الجزية من الاخرى ، وهذا هو الذي لا خلاف
فيه ، ويقتضيه الوفاء بالعقد والشرط .
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل : باب 68 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 2 .
( 2 ) الوسائل ، با ب من ابواب جهاد
العدو ، حديث 3 .
( 3 ) الوسائل ، باب 68 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 4
[ ولو أسلموا سقطت ]
حكم
ما لو اسلم الذمي قبل الحول او بعده
الخامسة : المشهور بين الاصحاب شهرة
عظيمة أنه تتكرر الجزية في كل حول وأن حالها
حال الخراج ، بل هي في أرضهم نوع من الخراج ، وأنه يجب أداؤها
في آخر
الحول .
والشاهد عليهما : أن المستفاد من النصوص
( 1 ) أنها تجبى كجباية الخراج ، بل
النصوص الواردة ( 2 ) في الخراج كالصريحة
في كون جزية الرؤوس على نحو ذلك ، وخبر
مصعب قد مر آنفا بل الظاهر أنه على ذلك
سيرة العمال ، وبالجملة هذا مما لا
إشكال فيه ( و ) لا كلام .
إنما الكلام في ما ( لو اسلموا )
فالمعروف بينهم أنه إن كان الاسلام قبل
الحول ( سقطت ) الجزية عنهم ، بل عن
المنتهى والتذكرة دعوى الاجماع عليه ، وإن
كان بعده وقبل الاداء ففيه قولان ،
أشهرها : السقوط ، بل عن الغنية الاجماع عليه .
وقد استدل للسقوط في الموردين بالنبوي :
" الاسلام يجب ما قبله ( 3 ) " .
ولكن الظاهر منه سيما بعد ملاحظة ذيله
على ما في مجمع البحرين والتوبة تجب
ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب - أن
الاسلام يجب الكفر ويقطعه لا أنه يجب
ما ثبت في حال الكفر ، فالاولى الاستدلال
بالمرتضوي : هدم الاسلام ما كان قبله هي
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 68 من ابواب جهاد
العدو .
( 2 ) الوسائل ، باب 72 من ابواب جهاد
العدو .
( 3 ) مجمع البحرين كتاب الباء اوله
الجيم ( جبب ) ، وقد مر مصادر
الحديث مفصلا في الجزء الخامس في فضاء الصلوات .
[ . . . ]
عندك علي واحدة ( 1 ) الوارد فيمن طلق
امرأته في الشرك تطليقة وفي الاسلام تطليقتين
على ما في البحار ، أو تطليقة على ما في
مناقب ابن شهر آشوب ، والايراد عليه بالارسال
في غير محله بعد كونه مشهورا بين الاصحاب
نقلا وعملا .
واورد على الاستدلال به في المقام : بأن
الجزية من حقوق الناس والحقوق
المالية للغير قد يتأمل أو يمنع عن كونها
مشمولة للحديث .
والجواب عن ذلك : أن الامور الصالحة للجب
على أنحاء ، أحدها : ما يكون
من حقوق الله المختصة به كالعبادات
البدنية ، ثانيها : ما يكون من الحقوق المختصة
بالعباد كالديون والغرامات وما شابه ،
ثالثها : ما يكون مشتركا كالكفارات والزكاة
والخمس والجزية وأمثالها ، لا ريب في كون
القسم الاول مشمولا للحديث ، كما لا ينبغي
الاشكال في عدم شمول الحديث للقسم الثانى
: لان هذه الامور ثابتة لا بشرع
الاسلام وثبوتها لا دخل له بما يأتي من
قبل الاسلام حتى يوجب جبها ، بل هى ثابتة
على كل تقدير فلا وجه لسقوطها بالاسلام ،
مضافا الى دعوى الاجماع عليه ، ويؤيده :
أن الحديث وارد مورد الامتنان ولا منة في
إسقاط حق الغير دون حبران .
وأما القسم الثالث فالظاهر شمول الحديث
له ، لان ثبوته من جهة الاسلام
فيصح جبه ، ويؤيده : أن وضع الجزية للصغار
المنزه عنه المسلم .
وقد استدل له - مضافا الى ذلك - بالنبوي
: ليس على المسلم جزية ( 2 ) المستغنى
بشهرته عملا ونقلا عن البحث في سنده ،
ولكن الاستدلال به يتم بالنسبة الى الاسلام
قبل الحول ، وأما بالنسبة الى الاسلام ما
بعده فلا يتم ، فإن الجزية المفروضة ليست
على المسلم بل على الكافر ، وإنما المسلم
يؤديها بعد ثبوتها ، نعم لا بأس بذكره مؤيدا ،
…………………………………………………
( 1 ) البحار ، ج 9 في باب قضايا أمير
المؤمنين ، ومناقب ابن شهر آشوب .
( 2 ) المستدرك ، باب 61 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 34 .
[ ولو مات الذمي بعد الحول
اخذت من تركته ، ويجوز أخذها من ثمن
المحرمات ]
كما يؤيده . النبوي الاخر : لا ينبغى
لمسلم أن يؤدي الخراج يعني الجزية ( 1 ) وما قيل :
من أن أخذها مشروط بالصغار الممتنع على
المسلم ، وان استدل به في المسالك .
ولا فرق في سقوطها بالاسلام بين أن يكون
الداعي في اسلامه ذلك أم لا ،
لاطلاق الدليل ، وما عن تهذيب الشيخ من
عدم سقوطه في الاول ، ضعيف
( و ) عليه ف ( لو مات الذمي بعد الحول )
والاسلام فلا يؤخذ من تركته ، ولو
مات بعد الحول وهو ذمي ( اخذت من تركته )
كالدين بلا خلاف فيه بيننا كما يظهر
من المنتهى ، بل ولا إشكال ، للاصل
السليم عن المعارض ، كما لا إشكال في أنه لا
يؤخذ من تركته شئ لو مات قبل الحول .
وأما لو مات في أثناء الحول فعن المنتهى
: أنه لو مات في أثناء الحول اخذ
القسط من تركته وقد يحتمل أخذها جميعا
حينئذ ومنشا الاختلاف : أن الجزية هل
تكون عوضا على المكث في أرض المسلمين فهي
كالاجارة في التقسيط ، أم تكون
عوضا عن حقن الدم ونحوه مما يقتضيه الكفر
وإنما الاجل للاداء ؟ ولا يبعد أظهرية
الثاني ، فحينئذ هل هذا الدين كسائر
الديون المؤجلة يحل أجله بالموت أم لا ؟ الظاهر
هو الثاني ، لانصراف النصوص عنه .
ولو لم يخلف شيئا لم يطالب وارثه كما هو
واضح .
السادسة : ( ويجوز أخذها من ثمن المحرمات
) كالخمر والخنزير بلا خلاف
…………………………………………………
( 1 ) سنن البيهقي ، ج 9 ص 193
[ ومستحقها المجاهدون ، ]
ظاهر مصرح به في السرائر مؤذنا بالاجماع
عليه كما في ظاهر المختلف ، كذا في
الرياض .
ويشهد به : مضافا الى ذلك بعد عدم كون
مخالفة الاسكافي لا تضر ، والى عموم
ما دل على أن للمسلم قبض دينه من الذمي
من ثمن ما باعه من المحرمات ( 1 ) ولعله
المراد مما في محكي المختلف من الاستدلال
له بالعموم - خصوص صحيح محمد بن
مسلم عن الامام الصادق ( عليه السلام )
عن صدقات أهل الذمة وما يؤخذ من
جزيتهم من ثمن خمورهم وخنازيرهم وميتتهم
، قال ( عليه السلام ) : عليهم الجزية في
أموالهم تؤخذ من ثمن لحم الخنزير ، أو
خمر فكل ما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك
عليهم وثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في
جزيتهم ( 2 ) ونحوه خبره الاخر ( 3 ) .
وهل يعتبر ان يكون المشتري لها غير مسلم
أم لا يعتبر ذلك ؟ مقتضى إطلاق
الاخبار هو الثاني ، ولا ينافي ذلك بطلان
البيع ، إذ هو باطل حتى في البيع من الذمي ،
ولذا قال ( عليه السلام ) : فوز ذلك
عليهم .
ثم إنه ليس في النصوص تقييد الذمي بكونه
مستترا ، ولعل تقييد بعض الفقهاء
به من جهة أن التستر من شرائط الذمة
فبالتظاهر يخرج عن كونه ذميا .
ثم إنه في الفرع الثاني من المسألة
الاولى ظهر ما في قول المصنف : ( ومستحقها
المجاهدون ) .
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 60 من أبواب ما
يكتسب به .
( 2 ) الوسائل ، باب 70 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1 .
( 3 ) الوسائل ، باب 70 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 2 .
[ وليس لهم استئناف بيعة ولا
كنيسة في دار الاسلام ]
السابعة : في البحث في الكنائس والمساجد
( و ) المساكن ، فنقول : ( ليس لهم
استئناف بيعة ) كسدرة وهي معبد النصارى (
ولا نيسة ) وهو معبد اليهود ، والصومعة
وبيت النيران وغيرها ( في دار الاسسلام )
سواء أنشأها المسلمون وأحدثوها كالكوفة
وبغداد وبصرة وسر من رأى ، أو فتحوها عنوة
أو صلحا على أن تكون لنا ولم يشترط
السكنى لهم فيها ، بلا خلاف في الاولي
بين العلماء كما عن المنتهى والسرائر ، عن
التذكرة والتحرير الاجماع عليه ، بل عن
السرائر : أنه لا يجوز للامام أن يقرهم على
إنشاء البيعة أو الكنيسة أوصومعة الراهب
أو مجتمع صلاتهم ، وأنهم إن صالحهم ذلك
بطل الصلح بلا خلاف ، وكذا في الثانية
كما عن السرائر .
واستدل له بالاجماع ، وبما عن المنتهى من
أن هذا البلد ملك للمسلمين فلا يجوز
لهم أن يبنوا فيه مجامع الكفر ، وبضرورة
بطلان عباداتهم فهي بيوت ضلال حينئذ ، بل
لعل في الاذن لهم به إعانة الاثم .
والمرتضوي : إن رسول الله صلى الله عليه
وآله نهى عن إحداث الكنائس في
دار الاسلام ( 1 ) . وبما عن ابن عباس
الذي من عادته الرواية عن النبي صلى
الله عليه وآله : أيما مصر مصرته العرب
فليس لاحد من أهل الذمة أن يبني فيه بيعة وما
كان قبل ذلك فحق على المسلمين أن يقر لهم
( 2 ) .
…………………………………………………
( 1 ) دعائم الاسلام ، ج 1 ص 381 المطبوع
عام 1383 .
( 2 ) كتاب الاموال لابي عبيد القاسم بن
سلام ص 97 الرقم 269 .
[ . . . ]
وفي آخر : أي مصر مصرته العرب فليس للعجم
أن يبنوا فيه بيعة ولا يضربوا
فيه ناقوسا ( 1 ) .
وفي الجميع نظر إلا أنه إن جعل المدرك
خبر الدعائم وتمم في البع بعدم القول
بالفصل ، وجبر ضعفه بالعمل ، وأيد بما عن
ابن عباس وما ذكر من أنها بيوت ضلال
كان حسنا .
وأما في الارض التي فتحت صلحا على أن
تكون الارض لهم ويؤدون الخراج
فالظاهر أنه يجوز لهم إحداث البيع والكنائس
وبيوت النيران ومجتمع عباداتهم ،
للاصل بعد عدم الدليل على المنع وعدم
الاشتراط في عقد الصلح ، والظاهر أنه لا
خلاف فيه أيضا .
كما أن الاقوى أنه لا بأس بما كان قبل
الفتح ولم يهدمه المسلمون ؟ وهو
المشهور بين الاصحاب : للاصل بعد عدم
الدليل على لزوم الهدم .
ويؤيده ما تقدم عن ابن عباس وما نقله
المصنف - ره - عنه : " أيما مصر مصرته
العجم ففتحه الله على العرب فنزلوه فإن
للعجم ما في عهدهم ( 2 ) وأن الصحابة فتحوا
كثيرا من البلاد عنوة ولم يهدموا شيئا ،
بل ذكر ذلك دليلا كما فعله المصنف - ره - حسن
لا من جهة حجية فعلهم بل لان الائمة
عليهم السلام سيما أمير المؤمنين ( عليه السلام )
لم ينكروا ذلك عليهم ولم يرد بذلك رواية
.
وبه يظهر صحة الاستدلال له بحصول الاجماع
لما نرى أنها موجودة في بلاد
الاسلام من غير نكير .
…………………………………………………
( 1 ) الخراج لابي يوسف يعقوب بن ابراهيم
ص 149 .
( 2 ) الخراج لابي يوسف بن ابراهيم ص 149
.
[ ويجوز تجديدهما ، ولا يجوز
أن يعلو الذمي على بناء المسلمين ]
( و ) يظهر مما أسلفناه أنه اذا انهدمت
كنيسة أو بيعة مما لهم استدامتهما ( يجوز
تجديدهما ) والنبوي : لا تبنى الكنيسة في
الاسلام ( 1 ) غير ثابت ، وعلى فرضه شموله
للتجديد محل إشكال .
هذا كله في المعابد ( و ) أما المساكن
فقال المصنف - ره - في المنتهى على
ما حكي : دور أهل الذمة على أقسام ثلاثة
أحدها : دار محدثة ، والثاني : دار مبتاعة ،
والثالث : دار مجددة ، فالمحدثة هي أن
يشتري عرصة يستأنف فيها بستانا فليس له أن
يعلو على بناء المسلمين إجماعا ، ( و )
الى هذا القسم نظره في المقام حيث قال : ( لا يجوز
أن يعلوا الذمي على بناء المسلمين ) ،
ونحو ما في المنتهى عن التذكرة ، وفي المسالك ،
المنع من العلو موضع وفاق بين المسلمين .
وقد استدل له بالنبوي : الاسلام يعلو ولا
يعلى عليه ( 2 ) .
واورد عليه بضعف السند ، ولكن الصدوق
يروي الخبر وينسبه الى النبي صلى
الله عليه وآله جزما وقد مر أن مثل هذا
المرسل حجة : إذ الانتساب جزما الى المعصوم
يكشف عن ثبوت صدوره عنه عند المرسل ،
وإلا يلزم الكذب ، إلا أن في دلالته تأملا ،
فإنه يحتمل معان خمسة ، أحدها : بيان كون
الاسلام أشرف المذاهب ، الثاني : بيان أنه
يعلو من حيث الحجة والبرهان ، الثالث :
أنه يعلو بمعنى أنه يغلب على سائر الاديان ،
الرابع ، أنه لا ينسخ ، الخامس : ما فهمه
الفقهاء وهو إرادة بيان الحكم الشرعي الجعلي
بعدم علو غيره عليه ، والاستدلال يتوقف
على إرادة المعنى الخامس ، وهو لو لم يكن
خلاف الظاهر نظرا الى أن ارادة الانشاء
من مثل هذه الجملة الخبرية خلاف الظاهر ،
…………………………………………………
( 1 ) كتاب نصب الراية ، ج 2 ص 454 .
( 2 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب موانع
الارث حديث 11 .
[ ويقر ما ابتاعه من مسلم على
حاله ، ولا يجوز أن يدخلوا المساجد ]
لا أقل مساواته للاحتمالات الاخر ، وإذا
جاء الاحتمال بطل الاستدلال .
أضف اليه أنه لو سلمنا ظهوره في الاخير
لا يدل على المطلوب ، فإن ارتفاع
بناء دار الذمي على دار المسلم ليس
استعلاء على الاسلام بل ولا على المسلم وبذلك
يظهر عدم صحة الاستدلال بقوله تعالى : (
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) ( 1 ) فإن
انخفاض بناء المسلم عن بناءالذمي ليس ذلا
كي تنفيه الاية الكريمة .
( و ) على هذا فلا إشكال في أنه ( يقرما
ابتاعه من مسلم على حاله ) من العلو
كما صرح به غير واحد منهم المصنف - ره -
، لا لما علله المصنف - ره - ، بأنه ملكه
كذلك فلا يندرج في المنع عن العلو على
المسلم ، ولذا لا يجوز هدمها ، فإنه محل نظر ،
إذ لو سلم دلالة الخبر لا ريب في ظهوره في الاعم ، بل لان
المدرك منحصر في الاجماع
والمتيقن منه غير ذلك . كما ظهر أنه لو
انهدم البناء العالي من أصله ، أو خصوص ما
علا به جاز أن يعلو به على المسلم ، وظهر
أيضا أنه يجوز المساواة ولو سلم دلالة الخبر
على عدم جواز العلو فهل يجوز المساواة أم
لا ؟ قد يقال : إن أول الحديث يدل على
منع المساواة ، وآخره يدل على جوازها ،
ولكنه يرد عليه ما أفاده المحقق الثاني بقوله :
أوله يدل مطابقة ، وآخره يشعر بمفهومه
الضعيف ، ومثل هذا كيف يعد دلالة خصوصا
مع التصريح في أوله بمنع المساواة .
منع
اهل الكتاب من دخول المساجد
الثامنة : ( ولا يجوز أن يدخلوا المساجد
) عندنا كما في الشرائع وعن التحرير
…………………………………………………
( 1 ) المنافقون : آية 8 .
[ . . . ]
وكنز العرفان ، وفي السمالك بإجماع
الامامية ، وقداستدل له الفاضل المقداد بنصوص
أهل البيت ، وفي الرياض : لم نقف عليها
وعلى من أشار اليها وهو أعرف بها .
أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار هو
خبران ، أحدهما : ما رواه الراوندي
بسنده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم
السلام قال رسول الله صلى الله عليه
وآله : ليمنعن أحدكم مساجدكم يهودكم
ونصاراكم وصبيانكم ومجانينكم أو ليمسخنكم
الله تعالى قردة وخنازير ركعا وسجدا ( 1
) .
ثانيهما : المرتضوي لتمنعن مساجدكم
يهودكم ونصاراكم وصبيانكم ومجانينكم
أو ليمسخنكم الله تعالى قردة وخنازير
ركعا وسجدا ( 2 ) .
وقال العلامة المجلسي : ويحتمل أن يكون
القوم الممسوخة من النصاب
والمخالفين وقد مسخوا الان معنى بتركهم
الولاية فلم يبق فيهم بشئ من الانسانية
وقد مسح الصادق ( عليه السلام ) يده على
عين بعض شيعته فرآهم في الطواف بصورة
القردة والخنازير انتهى ( 3 ) .
وضعف سندهما ينجبر بالعمل واشتمالهما على
ما لا يكون محرما وهو دخول
الصبيان والمجانين لدليل خارجى لا ينافي
بقاؤهما على إرادة الحرمة بالنسبة الى أهل
الكتاب بعد كون الحرمة والكراهة خارجتين
عن الموضوع له والمستعمل فيه ، وإنما هما
ينتزعان من الترخيص في الفعل وعدمه .
وقد استدل له مضافا الى ذلك بالاية
الكريمة : ( انما المشركون نجس فلا
…………………………………………………
( 1 ) البحار ج 18 ( الصلاة ) ص 127 .
( 2 ) مستدرك الوسائل ، باب 20 من ابواب
احكام المساجد ، حديث 3 .
( 3 ) البحار ، ج 11 ص 74 ، الحديث بين
الامام الباقر ( عليه السلام ) وأبي بصير .
[ . . . ]
يقربوا المسجد الحرام ) ( 1 ) .
وتقريب الاستدلال بها : أن الاية وإن
اختصت بالمسجد ، إلا أنه من جهة
تفريع عدم القرب على النجاسة يستفاد
الاشتراك بينه وبين سائر المساجد ، مضافا
الى عدم الفصل ، وأيضا الاية وان اختصت
بالمشرك إلا أنها تشمل أهل الكتاب إما
لانهم مشركون على ما يستفاد من الاية
الشريفة ( وقالت اليهود - الى قوله تعالى -
تعالى الله عما يشركون ) ( 2 ) فتأمل أو
لانه رتب عدم القرب على المشرك لا بما هو
مشرك بل لانه نجس فيشمل الحكم أهل الكتاب
بناء على نجاستهم ، أو أن النجس
في الاية بالفتح لا بالكسر وهو لا يرادف
النجس بالكسر ، بل هو مصدر لا يصح حمله
علي العين ، فيتعين حمله على المبالغة ،
ويكون الحمل من قبيل : زيد عدل ، فيكون
الموضوع النجس على وجه المبالغة أو أن المراد القذارة والخباثة
النفسانية وهي
القذارة الكفرية ، فيشترك المشرك مع أهل
الكتاب فتأمل حتى لا تبادر بالاشكال .
وربما يستدل له . بالنبوي : جنبوا
مساجدكم النجاسة ( 3 ) .
ولكن يرد عليه : مضافا الى ضعف سنده ،
وعدم انجباره بعمل الاصحاب - أنه
يحتمل فيه احتمالات ، إذ كما يحتمل أن
يكون المراد بالمساجد الاماكن المقدسة ، يحتمل
أن يكون المواضع التي تقع عليها الاعضاء
السبعة حال السجود ، وأن يكون خصوص
موضع الجبهة .
ثم إن مقتضى إطلاق الادلة عدم جواز
دخولهم المساجد ولو اجتيازا .
…………………………………………………
( 1 ) سورة التوبة : آية 28 .
( 2 ) سورة التوبة : آية 30 و 31 .
( 3 ) الوسائل ، باب 24 من ابواب احكام
المساجد ، حديث 2
[ الثاني : من عداء هؤلاء من
الكفار يجب جهاده ، ]
بل عن الشيخ عدم جواز دخولهم الحرم لا
اجتيازا ولا استيطانا ، واختاره
المصنف وغيره ، بل في الجواهر : بل لا
أجد خلافا فيه بينهم :
واستدل له بأنه المراد من المسجد الحرام
في الاية بقرينة قوله : ( وإن خفتم
عليه ) ( 1 ) الى آخر ، وقوله تعالى : (
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد
الحرام ) ( 2 ) مع أنه اسري به من بيت أم
هاني ، وبما دل على تعظيم الحرم ( 3 ) على وجه
ينبغي تنزيهه عنهم ، والى مافي الدعائم
عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) : لا يدخل
أهل الذمة الحرم ولا دار الهجرة ويخرجون
منها ( 4 ) المنجبر ضعفه بالعمل .
وبعض ما ذكروه وإن لا يخلو عن إشكال إلا
أن الحكم مسلم وفي خبر الدعائم
كفاية .
( الثاني ) : من ليس له كتاب ولا شبهة
كتاب من سائر فرق الكفار وهو ( من
عدا هؤلاء ) وهم اليهود والنصارى والمجوس
( من الكفار ) بغير خلاف بيننا ظاهر ، ولا
محكي إلا عن الاسكافي في الصابي فألحقه
بالكتابي ، وهو نادر ، بل على خلافه في ظاهر
المنتهى وصريح الغنية كذا في الرياض ،
وكيف كان فالكافر غير الكتابي ( يجب
جهاده ) كما مر ، وقد عرفت أن الجهاد
إنما هو بعد الدعاء الى الاسلام وأنه لا يشترط
…………………………………………………
( 1 ) التوبة : آية 28 .
( 2 ) سورة الاسراء : آية 1 .
( 3 ) الوسائل ، باب 13 من ابواب مقدمات
الطواف من كتاب الحج .
( 4 ) المستدرك ، باب 43 من ابواب جهاد
العدو ، وحديث 1
[ ولا يقبل منه إلا الاسلام ]
إمام الاصل أو نائبه الخاص وغير ذلك من
المباحث حتى الكلام في الجهاد مع سلاطين
الجور في هذه الازمنة ، إنما الكلام في
المقام في مسائل :
الاولى : أنه لا خلاف ( و ) لا إشكال في
أن غير أهل الكتاب ( لا يقبل منه إلا
الاسلام ) بل عن الغنية الاجماع عليه :
واستدل له فيها بالاية الكريمة ( فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم ) ( 1 ) . وبقوله
تعالى : ( فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب
الرقاب ) ( 2 ) وبقوله عز وجل : ( قاتلوا
الذين لا يؤمنون بالله - الى قوله - الذين أوتوا
الكتاب حتى يعطوا الجزية ) ( 3 ) بدعوى
أنه شرط في أخذ الجزية أن يكونوا من أهل
الكتاب .
ويشهد به آيات اخر تقدمت ، ونصوص منها :
خبر حفص المتقدم عن الامام
الصادق عن الامام الباقر ( عليهما السلام
) بعث الله محمدا بخمسة اسياف : ( ثلاثة
منها شاهرة فلا تغمد حتى تضع الحرب
أوزارها ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع
الشمس من مغربها - الى أن قال - فأما
السيوف الثلاثة المشهورة فسيف على مشركي
العرب ، قال الله عز وجل : ( اقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم
واقعدوا لهم كل مرصد ) الى أن قال :
فهولاء لا تقبل منهم إلا القتل أو الدخول في
الاسلام . . . الى أن قال - والسيف
الثالث : سيف على مشركي العجم يعني الترك
والديلم والخزر ، قال الله عز وجل في أول
السورة التي يذكر فيها الذين كفروا قص
قصتهم ثم قال : ( فضرب الرقاب حتى اذا
أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد
وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ) فأما
قوله : ( فإما منا بعد ) يعني السبي
…………………………………………………
( 1 ) سورة التوبة : آية 5 .
( 2 ) سورة محمد ( ص ) : آية 4 .
( 3 ) سورة التوبة : آية 29 .
[ ويبدأ بقتال الاقرب ]
منهم ( وإما فداء ) يعني المفاداة بينهم
وبين أهل الاسلام ، فهؤلاء لن يقبل منهم إلا
القتل أو الدخول في الاسلام الحديث ( 1 )
.
ومنها : خبر وهب عن جعفر ( عليه السلام )
عن أبيه ( عليه السلام ) : القتال
قتالان ، قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا
الحديث ( 2 ) .
ومنها : مرسل الواسطي عن الامام الصادق (
عليه السلام ) عن المجوس أكان
لهم نبي ؟ فقال : نعم أما بلغك كتاب رسول
الله صلى الله عليه وآله الى أهل مكة أسلموا
وإلا نابذتكم بحرب ، فكتبوا الى النبي
صلى الله عليه وآله أن خذ منا الجزية ودعنا
على عبادة الاوثان ، فكتب اليهم النبي
صلى الله عليه وآله إنى لست آخذ الجزية إلا
من أهل الكتاب فكتبو اليه يريدون بذلك
تكذيبه ، زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا
من اهل الكتاب ، ثم أخذت الجزية من مجوس
هجر ، فكتب اليهم رسول الله صلى الله
عليه وآله أن المجوس كان لهم نبي فقتلوه
وكتاب أحرقوه أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني
عشر ألف جلد ثور ( 3 ) .
ومنها غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة
عليه منطوقا أو مفهوما .
الثانية : ( ويبدأ بقتال الاقرب ) أي من
يليه من الكفار فالاقرب وجوبا كما هو
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل ، باب 5 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 2 .
( 2 ) الوسائل ، باب 5 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 5 .
( 3 ) الوسائل ، باب 49 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1
[ والاشد خطرا ]
ظاهر المتن والنافع والارشاد والتذكرة والدروس
واللمعة وغيرها وصريح المسالك .
واستدل له في المسالك بقوله تعالى : (
قاتلوا الذين يلونكم من الكفار
وليجدوا فيكم غلظة ) ( 1 ) قال : والامر
للوجوب .
وفي الرياض : وفيه نظر ، فإن الامر
بمقاتلتهم غير الامر بالبدأة بقتالهم ، ولذا
لم أر مصرحا بالوجوب عداه ، توضيحه : أنه
إن كان المأمور به البدأة بقتالهم كانت
الاية دالة على المطلوب بالمطابقة ، وإن
كان للوصف مفهوم ، أو كان المطلق والمقيد
المثبتان متنافين وكان يحمل المطلق على
المقيد فيهما كانت الاية أيضا دالة على
المطلوب ، ولكن حيث إن المأمور به قتال
الاقرب ، والوصف لا مفهوم له ، والمطلق لا
يحمل على المقيد في المثبتين ، فلا
يستفاد من الاية وجوب البدأة بمقاتلتهم ، فالاظهر
كما عن الاكثر عدم الوجوب .
نعم . لا بأس بالالتزام بالتأكد لتخصيص
الامر بقتالهم زائدا على العمومات
كما في كل عام أمر ببعض أفراده بالخصوص
بعد الامر بالعموم .
وفي الجواهر : ولعله لكونه مقتضى السياسة
أيضا ، وبذلك يظهر أن ما في
الشرائع من التعبير الاولى وفي الكتب
المشار الهيا بينبغي أحسن ما يمكن
أن يعبر به ذلك .
( و ) على كل تقدير إذا كان ( إلا ) بعد
( أشد خطرا ) وأكثر ضررا بدأ به كما
صرح به غير واحد .
وفى السمالك بعد الاستثناء فإنه يسوغ له
الانتقال اليه ، كما فعل النبي صلى
الله عليه وآله بالحارث بن أبي ضرار لما
بلغه أنه يجمع له وكان بينه وبينه عدو أقرب
…………………………………………………
( 1 ) التوبة : آية 124 .
[ وإنما يحاربون بعد الدعاء من
الامام أو من نصبه الى الاسلام ، فإن
امتنعوا أحل قتالهم ويجوز
المهادنة ]
منه ، وبخالد بن سفيان كذلك ( 1 ) ومثله
في جواز الانتقال الى الابعد ما أذا كان الاقرب
مهادنا لا ضرر منه . انتهى .
فالمتحصل أنه ينبغي لولي الامر مراعاة
المصلحة وهي تختلف باختلاف
الاحوال ، وبذلك يظهر حال الاقرب فالاقرب
، فإن ذلك من أحكام السياسة المنوطة
بنظر الوالي .
الثالثة : ( وإنما يحاربون بعد الدعاء من
الامام أو من نصبه الى الاسلام فإن
امتنعوا احل قتالهم ) وقد مر الكالم في
ذلك مستوفي أول الكتاب ، فراجع .
المسألة الرابعة : في المهادنة ، وهي كما
في الشرائع وعن المنتهى والتذكرة
والتحرير : المعاقدة على ترك الحرب مدة
معية بعوض أو غير عوض .
وما في القواعد . ترك الحرب مدة من غير
عوض ، يراد منه عدم اعتبار العوض ،
ففي جامع المقاصد أن المراد منه أن
المهادنة مبنية وموضوعة على عدم العوض وإن
جاز اشتراطه ، وأراد به أنه ليس كالجزية
من شرطها العوض فيجوز بعوض لانه شرط
سائغ لا ينافي مقصود المهادنة فيجوز
اشتراطه للعموم . انتهى .
( و ) كيف كان ف ( يجوز المهادنة ) بلا
خلاف فيه في الجملة ، وعن غير واحد
دعوى الاجماع عليه .
ويشهد به قوله تعالى : ( وإن جنحو اللسلم
فاجنح لها وتوكل على الله انه هو
…………………………………………………
( 1 ) سنن البيهقي ، ج 9 ص 38 .
[ مع المصلحة ]
السميع العليم ) ( 1 ) .
الجنوح : الميل والسلم : الصلح ، والتوكل
سلب الاعتماد القلبي على الاسباب
الظاهرية ، لا إلغاؤها ، فالمعنى أن لو
مالوا الى الصلح والمسالمة فمل اليها وتوكل في
ذلك على الله ولا تخف من اظطهاد أسباب
غير ظاهرة على غفلة منك .
وفي كنز العرفان قال ابن عباس : هي
منسوخة بقوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون
بالله ولا باليوم الاخر ) وقال الحسن وقتادة ومجاهد : منسوخة
بقوله تعالى :
( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .
والحق أنها غير منسوخة لتعلق الصلح برأي
الامام وبحسب المصالح المتجددة .
ويدل على عدم نسخها : أن قوله ( فاقتلوا
المشركين ) نزلت في سنة سبع
وبعث بها رسول الله صلى الله عليه وآله
الى مكة ثم صالح أهل نجران على ألفي حلة ،
ألف في صفر وألف في رجب . انتهى .
ويشهد به أيضا : قوله تعالى : ( فأتموا
اليهم عهدهم الى مدتهم ) ( 2 ) ووقوع
الهدنة من النبي صلى الله عليه وآله مع
قريش وأهل مكة وغيرهم مما رواه الفريقان ،
فلا إشكال في الحكم في الجملة ، وتمام
الكلام في طي فروع : ( 1 ) إنما يجوز المهادنة ( مع المصلحة )
للمسلمين إما لقلتهم عن المقاومة أو لما يحصل به زيادة القوة أو
لرجاء الدخول في الاسلام مع التربص أو غير
ذلك ، ولا تجوز مع عدم المصلحة ، لعموم
الامر بقتلهم مع الامكان في الكتاب والسنة
على وجه لا يعارضه إطلاق دليل الصلح
المحمول على غير الفرض ، ولقوله تعالى :
…………………………………………………
( 1 ) الانفال : آية 63 .
( 2 ) التوبة : آية 4 .
[ . . . ]
( فلا تهنوا وتدعوا الى السلم وأنتم
الاعلون والله معكم ) ( 1 ) وتدعوا الى السلم
معطوف على تهنوا واقع في حيز النهي ،
وأنتم الاعلون جملة حالية ، والمراد بالعلو هي
الغلبة وهي استعارة مشهورة ، فالمعنى لا
تفعلوا الصلح والحال أنكم غالبون .
وهل يعتبر الضرورة أم تكفي المصلحة ؟
وجهان ، ربما يقال بالاول كما عن
المصنف - ره - في المنتهى . لقوله تعالى
: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الاخر . . . حتى يعطوا الجزية ) ( 2 )
ولان فيها هوانا وصغارا ، أما مع الضرورة فإنما صرنا
الى الصغار دفعا لصغار أعظم منه من القتل
والسبي والاسر الذي يفضى الى كفر
الذرية بخلاف غير الضرورة ولكن آية الصلح
أخص من آية القتال فتقدم عليها ،
والهدنة مع المصلحة لازمها كون مصلحة ترك
القتال أقوى من مصلحة القتال ، فلا
محالة يكون مقدما .
وقد يقال : إن مراد المصنف من الضرورة
المصلحة ، ففي جامع المقاصد قد
يقال : قوله : فإن لم يكن حاجة مغن عن
قوله : ولا مضرة .
( 2 ) هل المهادنة في فرض جوازها جائزة
فقط أم تكون واجبة ؟ ظاهر المتن
والشرائع وصريح المنتهى والتحرير
والتذكرة الاول ، وفي القواعد :
وهي جائزة مع المصلحة للمسلمين وواجبة مع حاجتهم اليها .
وقد استدل للاول : بانه مقتضى الجمع بين
الامر بها المؤيد بالنهي عن الالقاء
باليد في التهلكة ( 3 ) وبين الامر
بالقتال حتى يلقي الله شهيدا عملا بقوله تعالى :
…………………………………………………
( 1 ) سورة محمد ( ص ) : آية 35 .
( 2 ) التوبة : آية 29 .
( 3 ) البقرة : آية 191 .
[ بإذن الامام ]
( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم
) ( 1 ) بحمل الاول على الرخصة في ذلك .
قال : وكذلك فعل مولانا الحسين ( عليه السلام
) والنفر الذين وجههم رسول
الله صلى الله عليه وآله الى هذيل وكانوا
عشرة فقاتلوا حتى قتلوا ولم يفلت منهم إلا حبيب .
والشهيد الثاني - ره - في المسالك نقل
ذلك عن المنتهى ولم يرده ، وظاهره تسليمه .
أقول أما الجمع بين الايتين بما ذكر
فغريب بعد كون النسبة هو العموم
المطلق ، بل يمكن أن يقال . ظهور آية
القتال في غير مورد الهدنة .
وأما الاستدلال بفعل سيدنا الشهيد فأغرب
فإنه لم يكن في تركه القتال
والهدنة مع ابن زياد أو يزيد مصلحة أصلا
، كيف وإن في شهادته إحياء الدين قطعا
وإبقاء للشيعة ، بل الشريعة بلا كلام ،
مع أنه يمكن أنه ( عليه السلام ) كان عالما
بالقتل على كل تقدير ، وأنهم عازمون على
قتله كما هو الظاهر من أفعالهم وأحوالهم
وكفر هم وعنادهم ، ولعل النفر العشرة
كذلك .
ومع ذلك كله يمكن أن يقال : إنه لا
يستفاد من الامر بالصلح الوجوب .
لوروده مورد توهم المنع بعد ورود الامر
بالقتال مع التشديد على تركه ، فلا يستفاد من
الاية الكريمة سوى المشروعية ، وحينئذ
فعلى ولى أمر المسلمين ملاحظة أقوى
الملاكين ، فإن كان القتال مؤديا الى
ذهاب بيضة الاسلام وكفر الذرية وجبت الهدنة ،
وإلا فلا فما في القواعد أظهر .
( 3 ) يعتبر أن يكون عقد الصلح ( بإذن
الامام ) أو نائبه المنصوب لذلك كما هو
…………………………………………………
( 1 ) البقرة : آية 190
[ . . . ]
المعروف ، وفي الرياض : بلا خلاف أحده ،
وفي المنتهى : لا نعلم فيه خلافا .
وعلله المصنف - ره ) بأن ذلك يتعلق بنظر
الامام وما يراه من المصلحة فلم
يكن للرعية تولية ، وبأن تجويزه من غير
الامام يتضمن إبطال الجهاد بالكلية أو الى
تلك الناحية ، ولو وسع النائب ليشمل نائب
الغيبة كان ما ذكر تاما .
( 4 ) لا فرق في الكافر الذي يكون طرف
المهادنة بين أهل الكتاب وغيرهم .
لاطلاق الادلة .
( 5 ) مع الضعف في المسلمين يجوز
المهادنة بحسب ما يراه ولي الامر ولو الى عشر سنين . لاطلاق الادلة .
وما عن الشيخ والاسكافي وفي القواعد من
التحديد بالعشر سنين مستدلا بآية
القتال المقتصر في الخروج منه على العشر
سنين لمصالحة النبي صلى الله عليه وآله
قريشا قدرها ضعيف . اذ أدلة مشروعة
المهادنة مطلقة فيرجع فيه الى نظر ولي الامر ،
وفعل النبي صلى الله عليه وآله لا يوجب
التقييد بعد احتمال كونه الاصلح في ذلك الوقت
وأما مع قوة المسلمين فعن غير واحد من
الاساطين الاجماع على جواز الهدنة
الى أربعة أشهر ، وهو الحجة فيه ، وإلا
فما استدل به له من قوله تعالى : ( براءة من الله
ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين
فسيحوا في الارض أربعة أشهر ) ( 1 ) وكان
ذلك عند منصرف رسول الله صلى الله عليه
وآله من تبوك في أقوى ما كان وصالحهم
صفوان بعد الفتح أربعة أشهر ، قابل
للمناقشة . فإن ذلك إمهال لهم على وجه التهديد
والتوعد لخصوص من عاهدوا من المشركين .
لانه عقد هدنة أربعة اشهر ، هكذا قيل ،
…………………………………………………
( 1 ) التوبة : آية 1 و 2 .
[ . . . ]
وفي الاية كلام ، وهو : أن الظاهر منها
عدم ارتباطها بهذه المسألة . فإن الاية تدل على
بطلان العهد ورفع الامان عن جماعة من
المشركين كانوا قد عاهدوا المسلمين ثم نقضه
اكثرهم ولم يبق وثوق بالباقين منهم تطمئن
به النفس الى عهدهم وتأمن شرهم وجعلهم
في مأمن في أربعة أشهر حتى يختاروا ما
يرونه أنفع بحالهم من الاسلام والبقاء أو
الشرك والفناء بالقتال ، مع إنه في أربعة
أشهر احتمالات ليس المقام مقام ذكرها ،
فالعمدة هو الاجماع ، فلو ناقش فيه أحد
يتعين له البناء على عدم الجواز .
ولذا لا تجوز أكثر من سنة قطعا كما هو
المشهور بين الاصحاب ، بل عن غير
واحد دعوي الاجماع عليه .
وهل تجوز أكثر من أربعة اشهر ودون السنة
؟ في الشرائع : قيل : لا . لقوله تعالى
( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وقيل
: نعم . لقوله تعالى ( وإن جنحوا للسلم
فاجنح لها ) ، ولكن صاحب الجواهر لم يعرف
القائل به منا وعلى أي حال قد مر أن
آية الصلح لا ربط لها بما هو محل الكلام
، فالمتعين هو عدم الجواز .
( 6 ) لا تصح المهادنة مطلقا . لاقتضائها
التأبيد ، وهو مخالف لجميع آيات
القتال ، إلا أن يشترط الولي لنفسه
الخيار في النقض متى شاء ، قالوا : ولا تصح الى
مدة مجهولة . معللا بمعلومية اعتبار
المعلومية في كل أجل اشترط في عقد .
والحق أن المراد بالمعلومية إن كان ماله
واقع معين فاعتبارها واضح . فان ما
يقابلها وهو التردد لا حقيقة له ولا واقع
، وإن كان ما ظاهرها وهو ما يقابل الجهل
فالظاهر أنه لا دليل عليه ، إلا أن يتم
ما أفاده في الجواهر بإمكان دعوى الاجماع على
ذلك ، وعليه فلو اشترط ذلك في المدة
المعلومة له مطلقا صحت كما صرح به الشيخ ره .
للعمومات وعدم المخصص .
ويؤيده النبوي : أنه لما فتح عنوة بقي
حصن فصالحوه على أن يقرهم ما
[ . . . ]
أقرهم الله ، فقال لهم : نقركم ما شئنا (
1 ) .
( 7 ) ويجب الوفاء لهم بالمدة ماداموا هم
كذلك بلا خلاف ولا إشكال :
ويشهد به : مضافا الى أن ذلك من لوازم
التقوى الدينى . قوله تعالى : ( وأتموا
اليهم عهدهم الى مدتهم ) ( 2 ) وقوله عز
وجل : ( فما استقاموا لكم فاستقيموا
لهم ) ( 3 ) وقوله تعالى : ( أوفوا
بالعقود ) ( 4 ) .
وفي القواعد : ولو استشعر الامام الخيانة
جاز له أن ينبذ العهد اليهم
وينذرهم . انتهى
ويشهد به الاية الشريفة ( وإما تخافن من
قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء
إن الله لا يحب الخائنين ) ( 5 ) فإن
الظاهر منها أنه إن خفت من قوم بينك وبينهم عهد
أن يخونوك وينقضوا عهدهم ولاحت آثار دالة
عليه فألق اليهم عهدهم وأعلمهم إلغاء
العهد لتكونوا أنتم وهم سواء في نقض
العهد ، أو تكون مستويا على العدل فإن
المعاملة بالمثل من العدل .
( 8 ) قد عرفت أنه يجوز اشتراط العوض في
العقد . لعموم الوفاء به ، ولا فرق
في ذلك بين شرط العوض للكافرين أو
المسلمين .
…………………………………………………
( 1 ) سنن البيهقي ، ج 9 ص 224 .
( 2 ) التوبة : آية 4 .
( 3 ) التوبة : آية 7 .
( 4 ) المائدة : آية 1 .
( 5 ) الانفال : آية 60 .
[ . . . ]
المسألة الخامسة : في الذمان والامان ،
وفي جامع المقاصد : الامان عبارة عن ترك
القتال إجابة لسؤال الكفار بالامهال .
كذا قال في المنتهى ، وعن الروضة وهو الكلام
وفي حكمه الدال على سلامة الكافر نفسا
ومالا إجابة لسؤاله .
ولكن الظاهر كما أفاده في الجواهر عدم
اعتبار السؤال فيه ولا كونه على
النفس والمال ، بل هو على حسب ما يقع
فيهما أو في أحدهما أو غير ذلك .
وكيف كان فلا خلاف في مشروعيته بيننا ،
بل عن المنتهى بين المسلمين ، وعن
غير واحد دعوى الاجماع عليه .
ويشهد بها : مضافا الى ذلك - قوله تعالى
: ( وإن أحد من المشركين استجارك
فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه
) ( 1 ) .
ومعتبر السكونى عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) قال : قلت له : ما معنى
قول النبي صلى الله عليه وآله : يسعى
بذمتهم أدناهم ؟ قال : لو أن جيشا من المسلمين
حاصروا قوما من المشركين فاشرف رجل فقال
: أعطوني الامان حتى ألقى صاحبكم
واناظره فأعطاهم أدناهم الامان وجب على
أفضلهم الوفاء به ( 2 ) .
وخبر مسعدة بن صدقة عنه ( عليه السلام )
أن عليا ( عليه السلام ) أجاز أمان
عبد مملوك لاهل حصن من الحصون ، وقال :
هو من المؤمنين ( 3 ) .
…………………………………………………
( 1 ) التوبة : آية 6 .
( 2 ) الوسائل ، باب 20 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 1 .
( 3 ) الوسائل ، باب 20 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 2 .
[ . . . ]
وخبر عبد الله بن سليمان : سمعت أبا جعفر
( عليه السلام ) يقول : ما من رجل
آمن رجلا على ذمة ( خ ل ) ثم قتله إلا
جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر ( 1 ) .
والمرتضوي : م ائتمن رجلا على دمه ثم خاس
به فأنا من القاتل برئ وإن
كان المقتول في النار ( 2 ) .
والنبوي المشهور : المؤمنون بعضهم أكفاء
بعض تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم
أدناهم ( 3 ) .
وخبر الثمالي عنه ( عليه السلام ) عن
رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث
أيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر
الى احد من المشركين فهو جار حتى
يسمع كلام الله فإن تبعكم فأخوكم في
الدين وإن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا بالله
عليه ( 4 ) ونحوهما ، خبر محمد بن حمران
وجميل جميعا عنه ( عليه السلام ) ( 5 ) . وخبر جميل
الاخر ( 6 ) .
والمراد بنظره اليه إجارته إياه ، بل
الظاهر لحوق شبهة الامان به ، لا حظ : خبر
محمد بن الحكم عن الامام الصادق ( عليه
السلام ) لو أن قوما حاصروا مدينة فسألوهم
الامان فقالوا : لا فظنوا أنهم قالوا نعم
فنزلوا اليهم كانوا آمنين ( 7 ) . ونحوها غيرها ، فلا إشكال في الحكم .
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 20 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 3 .
( 2 ) الوسائل ، باب 20 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 6 .
( 3 ) الوسائل ، باب 31 من ابواب القصاص
في النفس .
( 4 ) الوسائل ، باب 15 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 2 .
( 5 ) الوسائل ، باب 15 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 2 .
( 6 ) الوسائل ، باب 15 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 2 .
( 7 ) الوسائل ، باب 20 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 4 .
[ . . . ]
وتنقيح القول في المقام بالبحث في مطلبين
:
الاول : في الاركان ، وهي أربعة ، أحدها
: العاقد ، ويعتبر فيه البلوغ والعقل بلا
خلاف . لحديث رفع القلم عن المجنون
والصبي ( 1 ) . ولما - دل على أن عمد الصبي
خطا ( 2 ) .
ومما يعتبر فيه الاختيار فلا عبرة بأمان
المكره إجماعا محكيا في المنتهى ، بل
ومحصلا كذا في الجواهر ، وهو الحجة فيه .
أضف اليه : ما دل على رفع ما استكرهوا
عليه ( 3 ) ، وظهور الادلة في المختار .
وايضا يعتبر فيه الاسلام فلا عبرة بأمان
الكافر وإن كان يقاتل مع المسلمين .
ويشهد به : خبر دعائم الاسلام عن الامام
الباقر ( عليه السلام ) : وان آمنهم
ذمي أو مشرك كان مع المسلمين في عسكرهم
فلا أمان له ( 4 ) المنجبر ضعفه بالعمل .
ولا يعتبر فيه الحرية ، فيمضي ذمام العبد
، وخبر مسعدة المتقدم شاهد به .
ولا الذكورية ، ويشهد به : مضافا الى
إطلاق الادلة : ما دل على أن زينب بنت
رسول الله صلى الله عليه وآله أجارت
زوجها العاص بن الربيع وأمضاه رسول الله
صلى الله عليه ( 5 ) .
…………………………………………………
( 1 ) الوسائل باب 36 من ابواب القصاص في
النفس حديث 2 .
( 2 ) الوسائل ، باب 11 من ابواب العاقلة
، حديث 3 - 5 ، وباب 36 من ابواب القصاص في النفس .
( 3 ) الوسائل ، باب 56 من ابواب جهاد
النفس ، وباب 12 و 16 من ابواب كتاب الايمان .
( 4 ) المستدرك باب 61 من ابواب جهاد
العدو ، حديث 21 .
( 5 ) سنن البيهقي ، ج 9 ص 95
[ ويمضي ذمام آحاد المسلمين
وإن كان عبدا لاحاد المشركين ]
وما تضم قول رسول الله صلى الله عليه
وآله لام هاني : قد آجرنا من آجرت
يا ام هاني إنما يجير على المسلمين
أدناهم ( 1 ) .
( و ) على الجمل فلا يعتبر شئ آخر غير ما
مر ف ( يمضي ذمام آحاد
المسلمين ) البالغين العاقلين ، ( وإن
كان عبدا ) أو امرأة ( لاحاد المشركين ) ، بشرط أن
يكون مختارا .
والمراد بالاحاد العدد اليسير ، وهو يطلق
على العشرة فما دون كما صرح به غير
واحد .
وفي جامع المقاصد المراد بآحاد الكفار
العدد اليسير كالعشرة والقافلة القليلة
والحصن الصغير وقد روي عن الصادق ( عليه
السلام ) أن عليا أجاز أمان عبد مملوك
لاهل حصن وقال : إنه من المؤمنين ، أشار
بذلك الى خبر مسعدة المتقدم ، وليس في الخبر
تقييد الحصن بالصغير .
ومن الغريب ما في الشرائع : وفعل علي
عليه السلام قضية في واقعة فلا يتعدى .
فإنه يرد عليه أولا : أنه علله بتعليل
عام ، وثانيا : أن الامام الصادق ( عليه السلام ) ينقل
فعله ( عليه السلام ) لبيان الحكم لا
لغير ذلك فا لاشبه أنه يذم لقرية أو حصن .
نعم لا يصح عاما ولا لاهل إقليم ولا لبلد
، إلا من الامام أو من نصبه خاصا
أو عاما كنائب الغيبة حسب ما يراه من
المصلحة أما عدم صحته من غيره . فلعموم
أدلة القتال المقتصر في تخصيصها بما هو
المنساق من الروايات المتقدمة . فإن أكثرها
في الاحاد وبعضها في القوم والحصن وأما
صحته من الامام أو نائبه . فلان ولايته عامة
والامر موكول اليه في ذلك ونحوه .
…………………………………………………
( 1 ) المنتقى من أخبار المصطفى ، ج 2 ص
814
[ ويرد من دخل بشبهة الامان
الى مأمنه ثم يقاتل ، ]
الثاني : العقد : وهو مركب من إيجاب من
مسلم وقبول من الكافر ويكفي فيهما
كل ما دل من لفظ صريح أو كنائي أو فعل
دال على هذا المعنى . لعموم قوله صلى الله
عليه وآله : يسعى بذمتهم أدناهم .
بل وإطلاق سائر النصوص بل الاية الكريمة
، وعن
الدعائم عن الامام الصادق ( عليه السلام
) : الامان جائز بأي لسان كان ( 1 ) . وعنه عن
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إذا آوى
أحد من المسلمين أو أشار بالامان الى أحد من
المشركين فنزل على ذلك فهو أمان ( 2 ) .
ولو رد الحربي ثم قبل فأن لم يكن المؤمن
باقيا على أمانه لم ينعقد ، وإلا
فالاظهر انعقاده . لاطلاق الادلة ، فما
في القواعد من عدم الانعقاد غير ظاهر الوجه .
الثالث : في المعقود عليه ، وهو كل من
يجب جهاده من مشرك أو ذمي خارق
للذمة ، فأن الاية وجملة من النصوص وإن
اختصت بالمشرك إلا أن بعض النصوص
مطلق يشمل الذمي ، وفي مثله لا يحمل
المطلق على المقيد .
الرابع : في الوقت فهو قبل الاسر بلا
خلاف ، فلا يجوز لاحاد المسلمين بعده
وعن المنتهى نسبته الى علمائنا ، وهو
الظاهر من الادلة فإن المنساق منها أن الامان
للمسلمين ما دام الامتناع
ولو أشرف جيش الاسلام على الظهور .