المطلب الثاني في الاحكام

 

( و ) فيه فروع :

( 1 ) ( يرد من دخل بشبهة الامان الى مأمنه ثم يقاتل ) بلا خلاف ظاهر ولا

…………………………………………………

( 1 ) المستدرك باب 18 من ابواب جهاد العدو ، حديث 6 .

( 2 ) المستدرك باب 18 من ابواب جهاد العدو ، حديث 5

 

 

[ ولا يجوز الفرار اذا كان العدو على الضعف من المسلمين ]

 

منقول ، وخبر محمد بن الحكم المنجبر ضعفه بالعمل شاهد به ، وهو وإن ورد في بعض

أفراد الشبهة إلا أنه بعدم القول بالفصل يثبت الكلية المشار اليها فمناقشة سيد

الرياض في الخبر سندا ودلالة في غير محلها ، ويأتي بقية أحكامه عند تعرض المصنف

- ره - لها .

 

عدم جواز الفرار اذا كان العدو على الضعف

 

المسألة السادسة ( ولا يجوز الفرار اذا كان العدو على الضعف من المسلمين )

أو أقل بلا خلاف في الجملة للجملتين كالمائة والمائتين والالف والالفين على الظاهر

المصرح به في التنقيح ، كذا في الرياض .

والمستند الكتاب والسنة ، أما الكتاب فقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذا

لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال

أو متحيزا الى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) ( 1 ) اللقاء :

الاجتماع على وجه المقاربة الزحف : الدنو قليلا قليلا ، والتزاحف : التدانى ، وتولية

الاعداء الادبار : جعلهم يلونها ، وهو استدبار العدو واستقبال جهة الهزيمة ، وخطاب

الاية عام غير مختص بوقت ، فمفاد الاية : يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم الذين كفروا

لقاء زحف أو زاحفين للقتال فلا تفروا منهم ، ومن فر فقد رجع ومعه غضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير .

وقوله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا ) ( 2 ) الثبات : ضد

…………………………………………………

 ( 1 ) الانفعال : آية 15 و 16 .

( 2 ) الانفال : آية 45

 

 

[ . . . ]

الفرار من العدو فقد أمر في الاية بعدم الفرار من العدو عند اللقاء .

وأما السنة : فهي كثيرة ، لا حظ : المرتضوي : وليعلم المنهزم انه مسخط ربه

وموبق نفسه له في الفرار موجدة الله ، والذل اللازم والعار الباقي ، وأن الفار لغير مزيد

في عمره ولا محجوز بينه وبين يومه ولا يرضى ربه ولموت الرجل محقا قبل إتيان هذه

الخصال خير من الرضا بالتلبس بها والاقرار عليها ( 1 ) .

وخبر محمد بن سنان أن أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) كتب اليه فيما كتب

من جواب مسائلة : حرم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين

والاستخفاف بالرسل والائمة العادلة وترك نصرتهم على الاعداء والتقوية لهم على

ترك ما دعوا اليه من الاقرار بالربوبية وإظهار العدل وترك الجور وإقامة الفساد لما

في ذلك من جرأة العدو على المسلمين وما يكون في ذلك من السبي والقتل وإبطال

دين الله عز وجل وغيره من الفساد ( 2 ) .

والمرتضوي : إن الله تعالى لما بعث نبيه الى أن قال - فصار فرض المؤمنين في

الحرب ان كان عدة المشركين أكثر من رجلين لرجل لم يكن فارا من الزجف ( 3 ) .

وخبر مسعدة عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في حديث : إن الله عز وجل

فرض على المؤمن في أول الامر أن يقاتل عشرة من المشركين ليس له أن يولي وجهه

عنهم ومن ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار ، ثم حولهم عن حالهم رحمة منه

لهم ، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من الله عز وجل

فنسخ الرجلان العشرة ( 4 ) .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 29 من ابواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 2 ) الوسائل ، باب 29 من ابواب جهاد العدو ، حديث 2 .

( 3 ) الوسائل ، باب 27 من ابواب جهاد العدو ، حديث 3 .

( 4 ) الوسائل ، باب 27 من ابواب جهاد العدو ، حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

وخبر الحسن بن صالح عنه ( عليه السلام ) من فر من رجلين في القتال في

الزحف فقد فر ومن فر من ثلاثة في القتال فلم يفر ( 1 ) الى غير ذلك من النصوص ، فلا

إشكال في الحكم في الجملة ، وتمام الكلام في طي فروع :

1 - مقتضى إطلاق الايات والروايات عدم الفرق في ذلك بين كون من يجاهد

معه مشركا أو من أهل الكتاب ، وبين كون الجهاد بالمعنى الاول أو الثاني أي الذي

يدهم المسلمين فيه عدو يخشى منه على شعار الاسلام .

2 - ولو انفرد اثنان بواحد من المسلمين ففي حرمة الفرار منهما قولان ، فعن

المبسوط والمختلف والقواعد والتحرير والتنقيح والشرائع : عدم وجوب الثبات وجواز

الفرار .

وفي الجواهر : الظاهر عدم الخلاف في الجواز :

وفي الشرائع : قيل : يجب أي الثبات .

واستدل للاول بظهور الادلة في وجوب الثبات للضعف مع الكثرة كما يشعر

به قوله تعالى : ( فان يكن منكم مائة - الى قوله - أو ألف ) الى آخره ( 2 ) .

أقول : لا إشكال في ظهور الاية ، وجملة من النصوص في الاختصاص ، لكن

لا مفهوم شيئ منها كي يعارض مع خبر الحسن بن صالح وغيره الشامل للمورد ،

فالاظهر لو لم يكن على خلافه الاجماع هو الثاني .

3 - اذا كان المسلمون أقل من ذلك لا يجب الثبات كما صرح به غير واحد ،

بل عن التحرير والمنتهى دعوى الاجماع عليه ، وهو المستفاد من الادلة المتقدمة . فإنه

علق فيها حرمة الفرار على كون المسلمين نصف الكفار .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 27 من ابواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 2 ) الانفال : آية 67

 

 

[ . . . ]

نعم ربما يشكل ذلك في صورة زيادة الواحد والاثنين مع الضعف والجبن في

الكفار والشجاعة والقوة في المسلمين ، فان المنساق الى الذهن خصوصا بضميمة الاية

الشريفة وما في النصوص مما يشعر بأن تجويز الفرار في الفرض للامتنان والتوسعة

اعتبار كون العدو على الضعف فأقل الى ما هو الغالب من غير الفرض ، ولذا قال

المصنف ره . وفي جواز فرار مائة بطل من المسلمين من مأتين وواحد من ضعفاء الكفار

إشكال من مراعاة العدد ومن المقاومة لو ثبتوا ، والعدد مراعي مع تقارب الاوصاف ،

وفي القواعد : الاقرب : المنع ، وعلى اي حال لا إشكال في استحباب الثبات مطلقا لو

غلب على الظن السلامة . فان غاية ما يثبت بالادلة المشار اليها عدم حرمة الفرار ،

وأما مطلوبية الثبات خصوصا بعد ما يستفاد من الادلة سيما قوله تعالى : ( كم من

فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) ( 1 ) من الترغيب فيه وفي إدراك الشهادة وعدم

الاكتراث بزيادة العدد لان النصر من عند الله فلا مورد للتشكيك فيها .

وبذلك يظهر استحباب الثبات حتى لو غلب العطب .

والاستدلال لوجوب الانصراف بوجوب حفظ النفس وحرمة التغرير بها -

غريب في هذا المقام بعد كثرة ما دل على الامر بالقتال والترغيب في الشهادة ومن

كون النصر من عند الله .

وما في الشرائع من استحباب الانصراف لا ينافي مطلوبية الثبات . فإن الظاهر

أن نظر المحقق الى أفضلية الانصراف وإلا فلا معنى لجواز الثبات من دون رجحان .

4 - ولو غلب عنده الهلاك مع كون العدو على الضعف أو أقل فهل يحرم الفرار

كما في النافع والشرائع والمسالك ، وعن الارشاد والتحرير والتذكرة والتنقيح ، بل في

…………………………………………………

( 1 ) البقرة : آية 250

 

 

[ إلا لمتحرف لقتال ، أو متحيز الى فئة ]

 

الرياض نسبته الى الاكثر ، أم لا كما عن المبسوط والقواعد والمختلف ؟ وجهان :

ويشهد للاول : إطلاق الادلة كتابا وسنة .

واستدل للثاني : بقوله تعالى : ( ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة ) ( 1 ) وبقاعدة

الحرج وسقوط أكثر الواجبات بظن الهلاك ، ولكن بعد كون بناء الجهاد على التغرير

بالنفس وأن الشهادة في هذا السبيل حياة أبدية عند الله ، وأن إيجاب الثبات للضعف

مظنة العطب ، وما وقع من سيد الشهداء - أرواحنا فداه - في كربلاء من الثبات بنيف

وسبعين رجلا لثلاثين ألفا الذي هو أقل ما روي في نصوصنا ( 2 ) كما في الجواهر - لا

يبقى مجال لهذه الادلة ، ولا ريب في تقديم أدلة الجهاد وعدم بقاء الموضوع لما ذكر من

الادلة .

5 - لا كلام في أن المنهي عنه هو الفرار من الحرب ، ولذا قال المصنف كغيره :

( إلا لمتحرف لقتال تبعا للاية الكريمة ، والتحرف : الزوال عن جهة الاستواء الى

جهة الحرف وهو طرف الشئ فالمراد : إلا من ينحرف من جهة الى اخرى ليتمكن

من عدوه ويلقي الكيد عليه ، كطالب السعة كما عن القواعد والتذكرة - ليكون أمكن

له في القتال من المكان الذي هو فيه ، أو موارد المياه دفعا لعطشه المانع له عن القتال ،

أو تسوية لامته أي درعه وما شابه ذلك .

( أو متحيزا إلى فئة ) والتحيز الى فئة : الانضمام بالفئة وهي القطعة من جماعة

الناس يستنجد بها في القتال مع صلاحيتها له ، ولا فرق في ذلك بين كون الفئة قريبة

أو بعيدة ، ولا بين كونها قليلة أو كثيرة . لاطلاق الاية .

…………………………………………………

( 1 ) البقرة : آية 191 .

( 2 ) البحار ج 45 ص 4 المطبوع عام 1385

 

 

[ ويجوز المحاربة بسائر أنواع الحرب ]

 

نعم يشترط صدق التحيز إلى الفئة المقاتلة ، ولعله لا يصدق مع كون الفئة غير

صالحة للاستنجاد ولو بالانضمام ولا أقل من الانصراف .

لكن لا يعتبر رجاء حصول الظفر بها ، بل يكفي رجاء النفع والدفع وقوة

القلب وكمال القتال وما شاكل .

( 6 ) إطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في حرمة الفرار بين صورتي

الاختيار والاضطرار ، ولكن في المسالك قيدها بحال الاختيار ، قال : وأما المضطر كمن

مرض أو فقد سلاحه فإنه يجوز له الانصراف وفي الرياض : ولعله لفقد شرط وجوب

الجهاد لما مر من اشتراطه بالسلامة من المرض .

ويرده : أن السلامة شرط في ابتداء القتال ، وأما بعد شروع الجهاد فلا دليل

على اعتبارها وفي الجواهر : وهو كذلك مع الضرورة التي يسقط معها التكليف ، والظاهر

أن مراده ما لو لم يتمكن من القتال ، وعليه فلا بأس به .

 

جواز محاربة العدو بما يرجى به الفتح

 

المسألة السابعة : ( ويجوز المحاربة بسائر أنواع الحرب ) أي بكل ما يرجى به

الفتح كهدم الحصون ورمي المناجيق والتحريق بالنار وقطع الاشجار وإرسال الماء

ومنعه عنهم مع الضرورة ، وتوقف الفتح عليه وعدمها وإن كره بعضها بدونه بلا خلاف

يظهر إلا ما سيذكر .

وقد استدل له بقوله تعالى : ( واقعدوا لهم كل مرصد ) ( 1 ) وقوله تعالى عز

…………………………………………………

( 1 ) التوبة : آية 5 .

 

 

[ . . . ]

وجل ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على اصولها فبإذن الله ) ( 1 ) وقوله

تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) ( 2 ) .

وبالمروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نصب على أهل الطائف منجنيقا

وكان فيهم نساء وصبيان ، وخرب حصون بنى النضير وخيبر وهدم دورهم ( 3 ) بل في

الدروس الروضة أنه صلى الله عليه وآله حرق بني النضير .

وبخبر حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن مدينة

من مدائن أهل الحرب هل يجوز أن يرسل عليهم الماء وتحرق بالنار أو ترمى بالمجانيق

حتى يقتلوا وفيهم النساء والصبيان والشيخ الكبير والاسارى والمسلمين والتجار ؟

فقال : يفعل ذلك بهم ولا يمسك عنهم لهؤلاء ولا دية عليهم للمسلمين ولا كفارة .

وضعف سنده منجبر بالعمل ، واستفادة الجواز مطلقا من بعض ذلك لا يخلو

عن نظر . فإن عمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) غير ظاهر أنه كان في حال الاختيار

أو الاضطرار ، وفي دلالة الايات تأمل ، إلا أنه في خبر حفص كفاية .

وأورد عليه بأنه يعارضه موثق مسعدة بن صدقة عن الامام الصادق ( عليه

السلام ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان اذا بعث أميرا له على سرية أمره بتقوى

الله عز وجل في خاصة نفسه ثم في أصحابه عامة ثم يقول : اغز بسم الله وفي سبيل

الله قاتلوا من كفر بالله ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ولا متبتلا في

…………………………………………………

( 1 ) الانفال : آية 62 .

( 2 ) الحشر : آية 5 .

( 3 ) البحار ، ج 21 ص 168 ، الطبعة الحديثة .

( 4 ) الوسائل ، باب 16 من ابواب جهاد العدو ، حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

شاهق ولا تحرقوا النخل ولا تغرقوه بالماء ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تحرقوا زرعا

لانكم لا تدرون لعلكم تحتاجون اليه ولا تعقروا من البهائم مما يؤكل لحمه لا ما لابد

لكم من أكله . الحديث ( 1 ) .

وصحيح جميل ومحمد بن حمران عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : كان رسول

الله ( صلى الله عليه وآله ) اذا بعث سرية دعا بأميرها فأجلسه الى جنبه وأجلس

أصحابه بين يديه ثم قال : سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله

( صلى الله على وآله ) لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجرة إلا أن تضطروا

اليها ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة ( 2 ) ونحوه خبر الثمالي عنه ( عليه

السلام ) ( 3 ) .

ولكن الذي يظهر من التأمل في الاخبار عدم التعارض بينهما . فإن الطائفة

الاولى تدل على جواز تلكم الامور اذا توقف الفتح والقتال مع الكفار عليها ، والثانية

تدل على عدم جواز هذه الامور في انفسها ، بل فيها ما يشهد بما تضمنه الطائفة

الاولى ، وهو قوله ( عليه السلام ) في الصحيح : إلا أن تضطروا اليها . إذ لا معنى

للاضطرار الى قطع الشجرة إلا ذلك ، وعلى ذلك فلا وجه لما في الشرائع من قوله : يكره

قطع الاشجار ورمي النار وتسليط المياه إلا مع الضرورة .

نعم في خصوص إلقاء السم في بلادهم دل معتبر السكوني عن جعفر عن أبيه

عن علي عليهم السلام أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) نهى أن يلقى السم في بلاد

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 15 من ابواب جهاد العدو ، حديث 3 .

( 2 ) الوسائل ، باب 15 من ابواب جهاد العدو ، حديث 2 .

( 3 ) الوسائل ، باب 15 من ابواب جهاد العدو ، حديث 2

 

 

[ الا القاء السم في بلادهم ولو تترسوا بالصغار والنساء أو المسلمين ولم يمكن

الفتح إلا بقتلهم جاز ]

 

المشركين ( 1 ) على المنع عنه ، وأفتى بمضمونه جماعة منهم الشيخ في النهاية والسيد في

الغنية والشهيد في الدروس ، والمحقق في النافع والمصنف في الارشاد ، وفي المقام قال :

( إلا إلقاء السم في بلادهم ) ، مع التقييد في كثير منها بما اذا لم يضطر اليه او يتوقف

الفتح عليه ، وحمله جماعة على الكراهة ، وفي الشرائع : وهو أشبه ، وعن المختلف نسبة

الكراهة الى أصحابنا .

وعلل ذلك بقصور الخبر سندا عن إفادة الحرمة ، والظاهر أن نظر المعلل الى

السكوني ، مع أنه مقبول الرواية ، وقد ادعى شيخ الطائفة الاجماع على العمل

برواياته ، وعن المحقق الداماد أن التشكيك في قبول روايته من ضعف التمهر في الرجال .

ولكن الخبر متعرض لبيان حكم ذلك من حيث هو ، فلو توقف الفتح عليه لا بد

من رعاية أقوى الملاكين ، ولا ريب في أقوائية ملاك القتال والفتح ، ولعله لذلك قال في

الشرائع : فإن لم يمكن الفتح إلا به جاز .

( و ) بما ذكرناه ظهر أنه ( لو تترسوا بالصغار والنساء أو المسلمين ولم يمكن

الفتح إلا بقتلهم جاز ) . فإن خبر حفص المنجبر بالعمل دال على ذلك ، وهو يدل على

أنه لا دية عليهم للمسلمين ، وبه يخصص قوله ( عليه السلام ) : لا يبطل دم امرى مسلم ( 2 ) .

وهل تلزم الكفارة كما صرح به المصنف والشهيدان وغيرهم ، بل عن بعض نفي

الخلاف فيه ، أم لا كما عن الشيخ في النهاية ؟ ظاهر المحقق في النافع ، وعن المصنف في

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 16 من ابواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 2 ) الوسائل ، باب 29 من ابواب القصاص في النفس حديث 1

 

 

[ . . . ]

التحرير التوقف والتردد .

واستدل للاول بالاية الشريفة : ( فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن

فتحرير رقبة مؤمنة ) . ( 1 ) .

وأورد عليه تارة بأن الكفارة على تقدير الذنب ولا ذنب هنا مع إباحة القتل ،

وأخرى بأن إيجاب الكفارة مقتض للتساهل في أمر الجهاد باعتبار خوف الرامي

لاحتمال كون المرمي مسلما ، وثالثة بأنه يعارضه خبر حفص المتقدم المصرح بعدم الوجوب .

واجيب عن الاول : بمنع كون الكفارة للذنب ، ولذا وجبت في الخطأ الذي لا ذنب فيه .

وعن الثاني : بأن الوجوب على تقديره من بيت المال .

وعن الثالث : بقصوره عن المكافئة للاية من وجوه ، مع إمكان حمله على إرادة

نفيها عن مال القاتل بناءا على وجوبها من بيت المال كما صرح به في الروضة والمسالك

لانه من المصالح بل أهمها .

ولكن الذي يقتضيه التدبر في الاية عدم ارتباطها بما هو محل البحث . فإنها في

القتل خطأ وصدر الاية متضمن لبيان أن من قتل مؤمنا خطأ يجب عليه تحرير رقبة

مؤمنة ودية مسلمة الى أهله ، وتتضمن هذه الجملة لبيان حكم ما لو كان المؤمن المقتول

خطأ من قوم عدو أي كفار محاربون ، وتدل على أنه من جهة أن الكافر المحارب لا

يرث من المؤمن شيئا والدية في حكم مال الميت يرثها الوارث ، فلا تجب الدية بل

يكتفي بتحرير رقبة مؤمنة .

…………………………………………………

( 1 ) النساء : آية 92

 

 

[ ولا يقتل النساء وإن عاون ، الا مع الضرورة ]

 

قال الشيخ في التبيان في معنى الاية : فقال قوم : إذا كان القتيل في عداد قوم

أعداء وهو مؤمن بين أظهرهم لم يهاجر فمن قتله فلا دية له وعليه تحرير رقبة مؤمنة .

لان الدية ميراث وأهله كفار لا يرثونه . هذا قول إبراهيم وابن عباس والسدي وقتادة

وابن زيد وابن عياض .

وقال آخرون : بل عنى به أهل الحرب من يقدم دار الاسلام فيسلم ثم يرجع

الى دار الحرب إذا مر بهم جيش من أهل الاسلام فهرب قومه وأقام ذلك المسلم فيهم

فقتله المسلمون وهو يحسبونه كافرا . انتهى .

وربما يستدل له بعموم ما دل على وجوبها .

ويرده : أن الخبر أخص مطلق منه فيقدم عليه ، فإذا لا شئ يعارض النص .

وقد يقال : إن الخبر ضعيف السند ، وجبره بالنسبة الى صدره لا يستلزم جبره

بالنسبة الى هذه الجملة منه بعد عدم إفتاء القوم بعدم الوجوب ، والمسألة محل إشكال

ولكن قد مر قوة سند الخبر فالاظهر عدم الوجوب .

 

عدم جواز قتل النساء

 

الثامنة : ( ولا ) يجوز أن ( يقتل النساء ) منهم ( وإن عاون ) بتشديد النون ( إلا

مع الضرورة ) وكذا المجانين والصبيان والشيخ الفاني بلا خلاف ، وعن المنتهى :

الاجماع في الصبيان والنساء ، بل وعلى قتل النساء مع الضرورة .

ويشهد به : خبرا جميل ومحمد بن حمران والثمالي المتقدمان آنفا ، وخبر حفص

المتقدم سابقا ، وفيه : لان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نهى عن قتل النساء والولدان

في دار الحرب إلا أن يقاتلن فإن قاتلن أيضا فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللا -

الى أن قال - وكذا المقعد من أهل الذمة والاعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في

 

 

[ ومن اسلم في دار الحرب حقن دمه وولده الصغار من السبي وماله من

الاخذ مما ينقل ويحول ، وأما الارضون فمن الغنائم ]

 

أرض الحرب فمن أجل ذلك رفعت الجزية عنهم ( 1 ) .

ونحوه خبر الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام ( 2 ) وخبر السكوني عن

جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : اقتلوا

المشركين واستحيوا شيوخهم وصبيانهم ( 3 ) ونحوها غيرها .

والمراد بالضرورة أن يتوقف الفتح أو قتل الكفار على قتلهن أو نحو ذلك .

وإطلاق الاخبار وإن كان يقتضي عدم الفرق في الشيخ الفاني بين كونه ذا

الرأي أم لا ، إلا أنه يقيد الاطلاق بما عن المنتهى والتذكرة من الاجماع على جواز

القتل إذا كان ذا رأي ، وكذا في المقعد والاعمى .

 

حكم الحربي وماله اذا اسلم في دار الحرب

 

التاسعة ( ومن اسلم في دار الحرب حقن دمه وولده الصغار من السبي

وماله من الاخذ مما ينقل ويحول ) كالذهب والفضة والامتعة ( وأما الارضون فمن

الغنائم ) ويكون فيئا للمسلمين بلا خلاف في شئ من ذلك . للعمومات وخصوص

خبر حفص - المنجبر بالعمل - سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل من أهل

الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك فقال : إسلامه إسلام

لولده الصغار وهم أحرار وولده ومتاعه ورقيقه له ، فأما الولد الكبار فهم فئ للمسلمين

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 18 من ابواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 2 ) الوسائل ، باب 18 من ابواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 3 ) الوسائل ، باب 18 من ابواب جهاد العدو ، حديث 2 .

 

 

[ ولو أسلم العبد قبل مولاه وخرج ملك نفسه .

الثالث : البغاة وهم كل من خرج على إمام عادل ]

 

إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك ، فأما الدور والارضون فهي فئ ولا يكون له . لان

الارض هي أرض جزية لم يجر فيها حكم الاسلام وليس بمنزلة ما ذكرناه لان ذلك

يمكن احتيازه وإخراجه الى دار الاسلام ( 1 ) .

ومنه يعلم تبعية الولد للوالد في الاسلام والكفر وإن كان حملا ، وعليه فلو

سبيت ام الحمل كانت رقا دون ولدها منه .

العاشرة : ( ولو أسلم العبد ) في دار الحرب ( قبل مولاه وخرج ) قبله ( ملك

نفسه ) ولو خرج بعده كان على رقه كما هو المشهور .

ويشهد به : معتبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام : أن

النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين حاصر أهل الطائف قال : أيما عبد خرج الينا قبل

مولاه فهو حر ، وأيما عبد خرج الينا بعد مولاه فهو عبد ( 2 ) .

 

قتال اهل البغي

 

( الثالث : البغاة ) جمع باغ ( و ) البغي لغة : مجاوزة الحد والظلم ، وفي عرف

المتشرعة : الخروج على الامام العادل بالسيف ونحوه ، ف ( هم كل من خرج على إمام

عادل ) .

وهل الخروج على نائبه العام في زمان الغيبة من البغي ؟ الظاهر ذلك .

ويشهد له : مضافا إلى عمومات الولاية والنيابة - خصوص مقبولة ابن حنظلة

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 43 من ابواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 2 ) الكافي ، ج 1 ص 67 ح 10 ، الفروع ج 7 ص 412 ، التهذيب ج 6 ص 310 ج 52

 

 

[ ويجب قتاله مع دعاء الامام أو من نصبه ]

 

عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في حديث : ينظر إن من كان منكم قد روى حديثنا

ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته حاكما ، فإذا

حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على

الله وهو على حد الشرك بالله ( 1 ) فإذا كان الراد على نائب الغيبة رادا على الامام

فالخروج عليه وإيذاؤه ومخالفته وإهانته وحبسه وإخراجه من بلده وحبسه بل وقتله

خروج على الحجة عجل الله فرجه ، ومخالفة وايذاءا له وإهانة به والجهاد معه جهاد مع

المعصوم ( عليه السلام ) ، وهل الباغي إلا ذلك .

( و ) كيف كان ف ( يجب قتاله ) أي قتال الباغي ( مع دعاء الامام أو من

نصبه ) خاصا أو عاما بلا خلاف في الوجوب ، وفي الجواهر : بل الاجماع بقسميه عليه ،

بل المحكي منه مستفيض .

ويشهد به من الكتاب : قوله تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا

فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ الى

أمر الله فإن فائت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) ( 2 ) ففي

خبر حفص بن غياث عن الامام الصادق ( عليه السلام ) المروي في الكافي والتهذيب

المعمول به بين الاصحاب - التصريح بأنه نزلت الاية في البغاة .

قال : سأل رجل أبي ( عليه السلام ) عن حروب أمير المؤمنين ( عليه السلام )

وكان السائل من محبينا ، فقال له أبو جعفر ( عليه السلام ) بعث الله محمدا ( صلى الله

عليه وآله ) بخمسة أسياف ، ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حتى تضع الحرب أوزارها ، ولن

…………………………………………………

 ( 1 ) الفقيه ج 3 ص 5 ، الاحتجاج ص 194 ، الوسائل باب 11 من ابواب صفات القاضي حديث 1 .

( 2 ) سورة الحجرات : آية 9

 

 

[ . . . ]

تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها - الى أن قال - وسيف منها مكفوف

- الى أن قال - وأما السيف المكفوف فسيف على أهل البغي والتأويل ، قال الله عز

وجل : ( وإن طائفتان من المؤمنين ) الى آخره ، فلما نزلت هذه الاية قال رسول الله

صلى الله عليه وآله : إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل

فسئل النبي ( صلى الله عيه وآله ) من هو ؟ فقال : خاصف النعل يعني أمير المؤمنين

( عليه السلام ) فقال عمار بن ياسر : قاتلت بهذه الراية مع رسول الله ( صلى الله عليه

وآله ) وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتى يبلغونا المسعفات من هجر لعلمنا أنا على

الحق وأنهم على الباطل ، وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ما كان

من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أهل مكة يوم فتح مكة فأنه لم يسب لهم ذرية

وقال : من أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى سلاحه أو دخل دار أبى سفيان فهو آمن

وكذلك قال أمير المؤمنين يوم البصرة نادى : لا تسبوا لهم ذرية ولا تجهزوا ( لا تنمو )

على جريح ولا تتبعوا مدبرا ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن . الحديث ( 1 ) .

فقد قيل : إنه يستفاد من الاية امور خمسة ، الاول : إن البغاة - مؤمنون لان الله

سماهم مؤمنين ، ولكنه لا يوافق اصول مذهبنا فيحمل - على ما ذكره المصنف - على

ضرب من المجاز بناء على ما هو الظاهر أو على ما كانوا عليه أو على ما يعتقدونه ،

قال كما في قوله تعالى : ( إن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما

تبين لهم كانهم يساقون الى الموت وهم ينظرون ) ( 2 ) قال : وهذه صفة المنافقين إجماعا .

الثاني : وجوب قتالهم وهو كذلك عندنا كما ستعرف .

الثالث : إن وجوب القتال الى غاية وهو تام لنص الاية كما ستعرف .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 5 ابواب جهاد العدو ، حديث 2 .

( 2 ) الانفال : آية 5 و 6

 

 

[ . . . ]

الرابع : عدم الرجوع على أهل البغي بنفس أو مال بعد الصلح لعدم ذكر شئ

منهما بعده ، وستعرف ما هو الحق .

الخامس : دلالة الاية على جواز قتال كل من منع حقا طولب به فلم يفعل للعلة

التي جوزت قتال البغاة .

وأورد عليه في الجواهر أنها مستنبطة وليست حجة عندنا خصوصا بعد معلومية

تفاوت الحقوق ، وأن أعظمها مخالفة الامام ( عليه السلام ) على وجه يترتب عليه الفساد

في الدين فلا يقاس عليه غيره .

أقول : ما أورده متين ، إلا أنه يستثني منه خصوص ما لو طولب الحاكم الجائر

بأن يجري الاحكام الالهية ولا يكون بصدد محو الدين والاسلام ، وقد مر في أول كتاب

الجهاد استدلال المقداد له بقوله تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين

واغلظ عليهم ) ( 1 ) .

وتقريبه ، كما أنه تقدم استدلال الراوندي بقوله تعالى : ( انفروا خفافا وثقالا

وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) ( 2 ) .

ويمكن الاستدلال بالايات الامرة بالجهاد في سبيل الله بقول مطلق ، وقد

تقدمت في أول الكتاب .

وأما السنة فهي كثيرة منها : خبر حفص المتقدم ، ومنها : ما سيأتي في ضمن

المباحث الاتية .

ومنها : النبوي ، أنه صلى الله عليه وآله قال : يا علي إن الله كتب على المؤمنين

…………………………………………………

( 1 ) التوبة : آية 73 .

( 2 ) التوبة : آية 42 .

 

 

[ . . . ]

الجهاد في الفتنة من بعدي كما كتب عليهم الجهاد مع المشركين معي ، فقلت : يا رسول

الله وما الفتنة التى كتب علينا فيها الجهاد ؟ قال : فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلا الله

وأني رسول الله وهم مخالفون لسنتي وطاعنون في ديني . فقلت : فعلام نقاتلهم يا رسول

الله وهم يشهدون أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله ؟ فقال : على إحداثهم في دينهم

وفراقهم لامري واستحلالهم دماء عترتي الحديث ( 1 ) .

وعدم اختصاص هذا الخبر بالباغي على الامام مستقيما ، وشموله لحكام الجور

في هذا الزمان الذين يبدعون في الدين ويخالفون المجتهدين ويغيرون أحكام الله

واضح لا سترة عليه .

ومنها : النبوي الاخر في حديث مخاطبا عليا ( عليه السلام ) : فأعد للخصومة

بإنك تخاصم أمتي . قلت : يا رسول الله أرشدني الفلح . قال صلى الله عليه وآله : إذا

رأيت قومك قدعدلوا عن الهدى الى الضلال فخاصمهم فإن الهدى من الله والضلال

من الشيطان ، يا علي إن الهدى هو اتباع أمر الله دون الهوى والرأي وكانك بقوم قد

تأولوا القرآن وأخذوا بالشبهات واستحلوا الخمر والنبيذ والبخس بالزكاة والسحت

بالهدية . فقلت : فما هم إذا فعلوا ذلك أهم أهل فتنة أو أهل ردة ؟ فقال : هم أهل فتنة

الحديث ( 2 ) .

ومنها : خبر ابي الحجاج عن الامام الصادق : كان في قتال علي ( عليه السلام )

أهل القبلة بركة ولو لم يقاتلهم علي ( عليه السلام ) لم يدر أحد بعده كيف يسير فيهم ( 3 )

وشمول هذين الخبرين لحكام الجور في هذا العصر وما يفعلون من البدعة في الدين

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 26 من ابواب جهاد العدو ، حديث 7 .

 ( 2 ) مجالس ابن الشيخ ، ص 40 .

( 3 ) الوسائل ، باب 26 من ابواب جهاد العدو ، حديث 5

 

 

[ . . . ]

والمبارزة والعناد مع العلماء في غاية الوضوح .

ومنها : خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام : القتل

قتلان : قتل كفارة وقتل درجة ، والقتال قتالان : قتال الفئة الباغية حتى يفيئوا وقتال

الفئة الكافرة حتى يسلموا ( 1 ) .

ومنها : المرتضوي : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ففعلت ما

امرت ( 2 ) . الناكثون أصحاب الجمل أعوان الامرأة ، والقاسطون : أهل الشام .

والمارقون : الخوارج الذين هم كلاب أهل النار وقد مرقوا من الدين كما يمرق السهم

من الرمية ولا يتجاوز الايمان تراقيهم .

ومنها : ما عن الامام الباقر ( عليه السلام ) ذكرت الحرورية عند علي ( عليه

السلام ) فقال : إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم ( 3 ) .

ومنها : غير ذلك من النصوص المتواترة وتمام الكلام في طي مسائل .

 

وجوب قتال الخارج على نائب الغيبة

 

الاولى : كما يجب قتال الخارج على المعصوم يجب قتال الخارج على نائبه الذي

جعل الراد عليه رادا على الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه ، والايات والروايات

المتقدمة دالة عليه كما عرفت فحينئذ إن امكن الجهاد بالسيف وسائر الاسلحة الحربية

فهو وإلا فبأي وجه أمكن ، وإن لم يمكن إلا بالبيان والقلم فهو المتعين وإن ترتب

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 26 من ابواب جهاد العدو ، حديث 11 .

( 2 ) دعائم الاسلام ، ج 1 ص 288 .

( 3 ) الوسائل ، باب 26 من ابواب جهاد العدو ، حديث 3 .

 

 

[ على الكفاية ]

 

عليه استيصال جماعة من المؤمنين كزماننا هذا ، ويترتب عليه ما يترتب علي الجهاد مع

رسول الله صلى الله عليه وآله ، بل في الخبر : أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر

أو أمير جائر أو سلطان جائر ( 1 ) .

ومن الغرائب بعد الايات والروايات المتقدم طرف منها الظاهرة في الشمول

لقتال الخارج على نائب الغيبة ، والدالة على وجوب قتالهم وقتال المبدعين في الذين

الذين إذا خلالهم الجو بدلوا أحكام الله وغيروا سنة رسول الله صلى الله على وآله

وسوسة بعض فقهاء العصر في ذلك وأنه لا يجوز إراقة قطرة من الدم في هذا السبيل

ويعترضون على العلماء المجاهدين بأنهم لا جواب لهم عند الله لو سئلوا عن ذلك ،

وليس ذلك إلا لانهم لم يراجعوا القرآن ولا السنة ولا سيرة الامام ( عليه السلام ) فما

أفاده الامام الصادق : لو لم يقاتلهم علي لم يدر أحد بعده كيف يسير فيهم وقد مر

النبوي المتضمن لامره صلى الله عليه وآله بجهاد المسلم الذي يحدث في الدين ويحل

دماء العترة .

وعلى الجملة المتدبر في الاخبار يطمئن بأن جهاد هذا القسم من حكام الجور

فرض على كل من يمكنه ذلك بأي وسيلة أمكن .

ثم إن قتال أهل البغي بكلا قسميه كقتال المشركين في الوجوب وكونه ( على

الكفاية ) أو العين ، وكون تركه كبيرة وأن الفرار منه كالفرار منه بلا خلاف في شئ

من ذلك كما أفاده المصنف ره .

والنصوص دالة على الجميع ، مضافا الى وحدة الدليل ، ومضافا الى فعل أمير

المؤمنين ( عليه السلام ) في قتال الفرق الثلاث ، وكذا في سائر الاحكام منها : أن المقتول

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 2 من ابواب الامر والنهي ، حديث 1 كتاب

 الامر بالمعروف ، وسيأتي مصادر الحديث من طرق الفريقين .

 

 

[ لا ان يرجعوا ، وهم قسمان ، من له فئة ، فيجهز على جريحهم ويتبع

مدبرهم ويقتل اسيرهم ومن لا فئة له ، فلا يجهز على جريحهم ، ]

 

معه شهيد لا يغسل ولا يكفن ، وعن المنتهى الاجماع عليه أيضا .

الثانية : إنما يجب قتال البغاة والصبر في ذلك السبيل نحو ما مر في قتال

المشركين ما لم يفيئوا الى الحق ويرجعوا الى طاعة الامام بلا خلاف ، وإليه أشار

المصنف - ره - بقوله : ( إلا أن يرجعوا ) وعن المنتهى عليه إجماع العلماء .

ويشهد به مضافا الى ذلك : قوله تعالى : ( حتى تفئ الى أمر الله ) فإنه جعل

غاية مشروعية القتل الرجوع الى أمر الله ، فيثبت التحريم بعده .

وقد استدل له في الرياض بأن المقتضي لاباحة القتل هو الخروج عن طاعة

الامام فاذا عادوا الى الطاعة عدم المقتضي ، والروايات أيضا دالة عليه .

 

التفصيل بين من له فئة وغيره

 

الثالثة : البغاة اذا ألقوا السلاح وتركوا القتال فتارة لا ينهزمون ، وأخرى

ينهزمون ، فإن لم ينهزموا فيقاتلون حتى يفيئوا الى أمر الله ، ويصرحوا بالفئة على وجه

لم يعلم كونه خدعة ، ( و ) إن انهزموا ( هم قسمان ) :

أحدهما : ( من له فئة ) يرجع اليها كأصحاب معاوية ( فيجهز ) من الاجهاز وهو

الاسراع في القتل أى يسرع ويعجل ( على جريحهم ) في القتل ( ويتبع مدبرهم ) ومولهم

على الحرب ( ويقتل أسيرهم ) بلا خلاف يظهر فيه ، بل عن المنتهى والتذكرة نسبته

إلى علمائنا ، وعن الغنية الاجماع عليه صريحا .

( و ) ثانيهما : ( من لا فئة له ) كالخوارج وأصحاب الجمل ، فلا يجهز على

 

 

[ ولا يتبع مدبرهم ، ولا يقتل اسيرهم ]

 

جريحهم ولا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ) بلا خلاف في شئ من ذلك ، بل الاجماع

على الجميع في غير واحد من الكلمات .

والشاهد بهذا التفصيل : الاخبار ، لا حظ : خبر حفص بن غياث عن الامام

الصادق ( عليه السلام ) عن الطائفتين من المؤمنين إحداهما باغية والاخرى عادلة

فهزمت العادلة الباغية ، قال ( عليه السلام ) : ليس لاهل العدل أن يتبعوا مدبرا ولا

يجهزوا على جريح ولا يقتلوا أسيرا ، وهذا اذا لم يبق من أهل البغي ولم يكن فئة

يرجعون اليها فاذا كانت لهم فئة يرجعون اليها فإن أسيرهم يقتل ومدبرهم يتبع

وجريحهم يجاز عليه ( 1 ) .

وخبر شريك قال : لما هزم الناس يوم الجمل قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :

لا تتبعوا موليا ولا تجيزوا على جريح ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، فلما كان يوم صفين

قتل المقبل والمدبر وأجاز على جريح ، فقال أبان بن تغلب لعبد الله بن شريك : هذه

سيرتان مختلفتان . فقال : إن أهل الجمل قتل طلحة والزبير وأن معاوية كان قائما بعينه

وكان قائدهم ( 2 ) . الى غير ذلك من النصوص الكثيرة .

وفي الجواهر : ولعله بهذه النصوص ونحوها قال الشيخ وابناء ادريس وحمزة فما

حكي عنهم : إنه يعتبر في جريان حكم البغاة كونهم في منعة وكثرة لا يمكن كفهم

وتفريق جمعهم إلا بالاتفاق وتجهيزا لجيوش والقتال ، فأما إن كانوا نفرا يسيرا كالواحد

والاثنين والعشرة وكيدهم ضعيف لم يجر عليهم حكم أهل البغي . انتهى .

وفي الرياض : إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الخارج بين القليل والكثير

حتى الواحد كابن ملجم لعنه الله تعالى ، وصرح في المنتهى والتذكرة كما في المسالك

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب من ابواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 2 ) الوسائل ، باب 24 من ابواب جهاد العدو ، حديث 3

 

 

[ ولا يحل سبي ذراري الفريقين ، ولا نسائهم ]

 

واستحسنه ، وصرح به أيضا في الروضة ، وفيه مناقشة لاختصاص الادلة كتابا وسنة .

انتهى .

أقول : إنه لا ريب في انسباق جماعة لهم منعة وكثرة لا يمكن دفعهم إلا بتجهيز

الجيوش والقتال من الادلة كتابا وسنة .

وايضا يدل عليه ما تضمن أن ابن ملجم لعنه الله تعالى لما جرح عليا ( عليه

السلام ) وقبض عليه أوصى أمير المؤمنين بالاحسان اليه ، وقال : إن برئت فأنا أولى

بأمري وإن مت فلا تمثلوا به ( 1 ) . والنصوص المتقدمة أيضا دالة عليه .

نعم يجري عليهم حكم المحارب لو فرض إشتهارهم للسيف أو غيره مما يندرج

فيه .

وهل يعتبر فيهم الشبهة وأن يكونوا على المبائنة بتأويل يعتقدونه كما عن

جماعة ، أم لا ؟ الظاهر هو الثاني . للقطع بأن أصحاب الجمل وصفين من البغاة ولم يكن

لهم شبهة وبذلك يظهر عدم اعتبار نصب إمام لانفسهم .

 

عدم جواز سبي ذراري البغاة

 

الرابعة : ( ولا يحل سبي ذراري الفريقين ) وان تولدوا بعد البغي ( ولا ) تملك

( نساؤهم ) اجماعا محصلا ومحكيا عن التحرير وغيره ، بل عن المنتهى نفي الخلاف فيه

بين أهل العلم ، وعن التذكرة بين الامة كذا في الجواهر .

لكن في المسالك نسبته الى المشهور ، وظاهره وجود المخالف .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 62 من ابواب القصاص في النفس ، حديث 4 .

 

 

[ . . . ]

وعن الدروس : ونقل الحسن أن للامام ( عليه السلام ) ذلك إن شاء . لمفهوم

قول علي ( عليه السلام ) : إني مننت على أهل البصرة كما من رسول الله صلى الله عليه

وآله على أهل مكة وقدكان لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يسبي فكذا الامام

( عيه السلام ) وهو شاذ .

وفي الرياض : والمخالف غير معروف ولا منقول إلا في المختلف فنقل فيه عن

العماني بعد اختياره المنع ، قال : وقال بعض الشيعة إن الامام في أهل البغي بالخيار إن

شاء من عليهم وإن شاء سباهم ، ثم نقل فعل الامام ، ثم قال : أقول : وظاهر عبارته

المزبورة أن القائل غير واحد من الشيعة وهو أيضا ظاهر جملة من الاخبار المستفيضة ،

ثم نقل طرفا منها ستقف عليها ، وقال : لولا إعراض الاصحاب عنها ونقلهم الاجماع

على خلاف مع ضعف أسانيدها جملة لكان المصير اليها متجها . أنتهى .

أقول : حكم البغاة لم يعلم إلا من فعل علي ( عليه السلام ) ، ولا ريب في أنه

( عليه السلام ) لم يسب ذراريهم ولم يملك نساؤهم ولا أذن لاحد في ذلك ، ولما كثر

الطالب لتقسيم الغنائم في يوم البصرة فقالوا : يا أمير المؤمنين اقسم بيننا غنائمهم .

قال : أيكم يأخذ ام المؤمنين في سهمه ؟ ( 1 ) مشعرا بعدم جوازه .

وايضا عدم الاذن في التقسيم كاشف عن عدم استحقاق المقاتلين ، وإلا لما كان

يمنع القوم من استيفاء حقوقهم ، فلم يبق إلا النصوص التي ذكرها سيد الرياض ،

قال : منها : سيرة علي ( عليه السلام ) في أهل بصرة كانت خيرا لشيعته مما طلعت عليه

الشمس إنه علم أن للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته . قلت : فأخبرني عن القائم

أيسير بسيرته ؟ قال إن عليا ( عليه السلام ) سار فيهم بالمن لماعلم من دولتهم وان

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 25 من ابواب جهاد العدو ، حديث 7 .

 

 

[ . . . ]

القائم ( عليه السلام ) يسير فيهم خلاف تلك السيرة . لانه لا دولة لهم ( 1 ) .

ومنها : أيسير القائم ( عليه السلام ) بخلاف سيرة علي ( عليه السلام ) ؟ قال :

نعم ، وذلك أن عليا سار فيهم بالمن والكف سار فيهم لانه علم أن شيعته سيظهر

عليهم وأن القائم ( عليه السلام ) إذا قام سار فيهم بالسيف والسبي وذلك أنه يعلم أن

شيعته لم يظهر عليهم من بعده أبدا ( 2 ) ونحوهما غيرهما .

وفي الجواهر : بل يمكن دعوى القطع بمضمونها إن لم يمكن دعوى تواترها

بالمعنى المصطلح .

والذي يظهر من الجمع بين هذه الروايات وما تقدم ، بل من التدبر فيها أن

ليس المراد منها جواز السبي في زمان الهدنة الى زمان ظهور القائم أرواحنا فداه ، بل

مفادها ما دل على إجراء جميع أحكام الاسلام على المظهرين للاسلام الذين هم كفار

في الواقع الى أن يظهر القائم ( عليه السلام ) فيعامل معهم معاملة الكفار الحربين .

وحاصلة : أن الحكم في هذا الزمان عدم جواز السبي وعلة ذلك وحكمته ما في

النصوص .

وبعبارة اخرى : أن ملاك جواز السبي موجود إلا أنه لاقترانه بالمانع وانطباق

عنوان ثانوي عليه جعل عدم الجواز ، فتدبر في الاخبار يظهر لك ذلك .

ويعضد ما ذكرناه ما دل على ترتب أحكام المسلم على البغاة ، كخبر مسعدة

بن زياد عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا ( عليه السلام ) لم يكن ينسب أحدا

من أهل البغي الى الشرك ولا الى النفاق ولكن كان يقول : اخواننا بغوا علينا ( 3 ) .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 25 من ابواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 2 ) الوسائل ، باب 25 من ابواب جهاد العدو ، حديث 3 .

( 3 ) الوسائل ، باب 26 من ابواب جهاد العدو ، حديث 10

 

 

[ ولا اموالهم ]

 

والمرتضوي : أنه سئل عن الذين قاتلهم من أهل القبلة أكافرون هم ؟ قال

( عليه السلام ) : كفروا بالاحكام وكفروا بالنعم ليس كفر المشركين الذين دفعوا النبوة

ولم يقروا بالاسلام ولو كانوا كذلك ما حلت لنا مناكحتهم ولا دبائحهم ولا مواريثهم ( 1 )

ونحوها غيرهما من النصوص .

 

حكم اموال البغاة

 

( و ) بما ذكرناه يظهر أنه ( لا ) يحل ( أموالهم ) أي البغاة مطلقا كانت لهم فئة أم

لا التي لم يحوها العسكر سواء كانت مما تنقل كالثياب والالات أو لا تنقل كالعقارات .

وفي المسالك هو موضع وفاق ، وعن المنتهى والدروس الاجماع عليه . فإن

النصوص المتقدمة دالة عليه ، وعمل الامام ( عليه السلام ) في حرب أهل البصرة والنهر

بعد الاستيلاء عليهم أقوى مستند .

نعم لابد من التقييد بعدم كون البغاة من النواصب ، وإلا فلا خلاف ظاهرا

في حلية مال النصاب .

ويشهد به : نصوص كثيرة ، كصحيح ابن أبي عمير عن حفص بن البختري

عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع الينا خمسه ( 2 ) .

وخبر إسحاق بن عمار عنه ( عليه السلام ) : مال الناصب وكل شئ يملكه

حلال إلا امراته فإن نكاح أهل الشرك جائز ( 3 ) ونحوهما غيرهما .

…………………………………………………

( 1 ) المستدرك باب 24 من ابواب جهاد العدو حديث 14 .

( 2 ) الوسائل ، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس حديث 6 .

( 3 ) الوسائل باب 26 من ابواب جهاد العدو حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

وأما ما حواه العسكر مما ينقل ويحول فإن كانوا من النصاب فلا كلام في حليته ،

وإن لم يكن منهم فعن جماعة منهم العماني والاسكافي ، والشيخ في الخلاف والنهاية

والجمل ، والقاضي ولاحلبي وابن حمزة حلية أموالهم ، وعن المصنف في المختلف نسبتها

الى الاكثر ، وعن الخلاف دعوى الاجماع عليها ، وجعلها في الشرائع أظهر .

وعن السيد المرتضى وابن إدريس والمصنف في جملة من كتبه والشهيد في

الدروس عدم الحلية ، وعن الناصريات لا أعلم خلافا من الفقهاء فيه ، وعن السرائر

إجماعنا بل المسلمين عليه ، وعن التذكرة نسبته الى كافة العلماء .

واستدل للاول بسيرة علي ( عليه السلام ) وبإجماع الفرقة وبأخبارهم ، وبما عن

المبسوط : روى أصحابنا أن ما يحويه العسكر من الاموال فإنه يقسم ( 1 ) .

ولكن دعوى سيرة علي ( عليه السلام ) معارضة بدعوى الشهيد في محكي

الدروس وغيره ، أن سيرة علي ( عليه السلام ) على العدم ، ولعلها الاظهر ، كما يظهر مما

تضمن أنه ( عليه السلام ) أمر برد أموال البصرة حتى القدور .

ودعوى . أن قسمة أموالهم في أول الامر تدل على الحل والرد أعم من الحرمة .

لامكان كونه على نحو المن . مندفعة . بأنه لم يثبت من الادلة أنه قسم الاموال بين

المقاتلين ابتداءا حتى يستدل بفعله ، وتصرفهم فيها أعم من ذلك ، بل ما في المبسوط

من أنه روي أن عليا ( عليه السلام ) لما هزم الناس يوم الجمل قالوا له : يا أمير المؤمنين

ألا نأخذ أموالهم ؟ قال ( عليه السلام ) : لا لانهم تحرموا بحرمة الاسلام فلا تحل أموالهم

في دار الهجرة . وقريب منه غيره - بأنه لم يكن التقسيم بنظره ( عليه السلام ) .

وأما الاجماع فهو معارض بدعوى الاجماع على العدم .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 41 من ابواب جهاد العدو

 

 

[ الفصل الثالث : في قسمتة الغنائم ، جميع ما يغنم من بلاد الشرك ، يخرج منه

ما شرطه الامام كالجعائل والرضخ والاجر وما يصطفيه ، ]

 

وأما الاخبار فغير ثابتة ، وما روي عن المبسوط معارض بما رواه هو أيضا الدال

على العدم ، فالاظهر عدم الحلية . لعموم ما دل على عدم حليته مال المسلم بلا رضاه ،

وللنصوص المتقدمة .

 

في قسمة الغنائم

 

( الفصل الثالث : في قسمة الغنائم ) جمع الغنيمة ، وهي : كل ما استفيد على ما

مر تنقيح القول فيه في كتاب الخمس ، والمراد منها في المقام هو خصوص ما استفيد

من دار الحرب ، أي ما أخذته الفئة المجاهدة بالقهر والغلبة والحرب وايجاف الخيل

والركاب .

وهي أقسام ثلاثة :

الاول : ما ينقل كالذهب والفضة والامتعة .

الثاني : ما هو سبي كالنساء والاطفال .

الثالث : ما لا ينقل كالارض والعقار ، فالكلام في مقامات ثلاثة :

أما الاول ف ( جميع ما يغنم من بلاد الشرك يخرج منه ما شرطه الامام ،

كالجعائل والرضخ ، والاجر ، وما يصطفيه ) فها هنا فروع .

( 1 ) ما يؤخذ من الكفار بالاختلاس والسرقة وما شاكل ، فهو لاخذه ، ولا يجب

فيه الخمس ولا يقسم بين الفئة المقاتلة . إذ موضوع الحكمين يعتبر فيه الحرب والقتال

كما يظهر من النصوص الواردة في تقسيم الغنائم .

وخبر أبي بصير عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : كل شئ قوتل عليه على

 

 

[ . . . ]

شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فإن لنا خمسه .

الحديث ( 1 ) .

ومرفوع أحمد بن محمد : الخمس من خمسة أشياء ، وعد منها الغنم الذي يقاتل

عليه ( 2 ) ومثله خبر حكم : فهو للمختلس والسارق .

( 2 ) ما استولى عليه المسلمون بغير قتال وانجلى عنه الكفار خارج عن

موضوع الحكم في المقام فإنه للامام كما صرح به غير واحد .

ويشهد به : حسن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن الامام الصادق

( عليه السلام ) : الانفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا أو قوم

أعطوا بأيديهم . . . فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وهو للامام من بعده يضعه حيث يشاء ( 3 ) .

وصحيح معاوية عنه ( عليه السلام ) في السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم

كيف يقسم ؟ قال : إن قاتلوا عليها . . . وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل

ما غنموا للامام يجعله حيث أحب ( 1 ) ونحوهما غيرهما .

( 3 ) ( ما شرطه الامام كالجعائل ) التي يجعلها الامام ( عليه السلام ) أو نائبه

للمصالح كالدليل على عورة أو طريق أو غير ذلك ، ومنها : السلب إذا جعل للسلب

بناء على ما هو الحق من عدم كونه له ما لم يجعل له - يبدأ بأخذ ذلك من الغنائم ثم

يخمس ، ثم يقسم الباقي بين الغانمين كما صرح به غير واحد ، وعن المنتهى والغنية

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث 5 .

( 2 ) الوسائل ، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث 11 .

( 3 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب الانفال حديث 1 كتاب الخمس

 

 

[ والرضخ ]

 

الاجماع عليه .

ويشهد به : مرسل حماد عن العبد الصالح ( عليه السلام ) في حديث قال :

وللامام صفو المال - الى أن قال - وله أن يسد بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل

إعطاء المؤلفة قلوبهم وغير ذلك مما ينوبه ، فإن بقي بعد ذلك شئ أخرج الخمس منه

فقسمه في أهله الحديث ( 2 ) .

ولا يضر إرساله بعد كون المرسل من أصحاب الاجماع .

( 4 ) ( و ) مما ذكرناه يظهر أن ( الرضخ ) أي القليل من العطية لمن لا قسمة له

من الكفار والعبيد والنساء حكمه حكم الجعائل فلا يجب فيه الخمس ، كما عن الاكثر .

وعن الشيخ في الخلاف والشهيدين في الدروس والمسالك والروضة وجوب

الخمس فيه .

واستدل له بعموم الاية : ( واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه ) الاية ( 3 ) .

وأيده في الرياض بأن الرضخ في الحقيقة نوع من قسمة الغنيمة ، غايته أنه

ناقص عن السهام وذلك غير مانع ، كما أن نقصان سهم الراجل عن سهم الفارس

غير مؤثر في تقدم الخمس عليه ، وإطلاق اسم الغنيمة على المال المدفوع رضخا واضح .

وفيه : أن عموم الاية يخصص بالمرسل ، والفرق بين الرضخ وسهم الراجل :

أن الراجل يستحق من الغنيمة قبل القسمة ، ومن يأخذ الرضخ لا يستحق شيئا ،

والمرسل ظاهر في تقديم الجعائل على الخمس وتقديم الخمس على القسمة بين

المستحقين فتدبر .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب الانفال حديث 3 كتاب الخمس .

( 2 ) الوسائل ، باب 1 من ابواب الانفال ، حديث 4 .

( 3 ) الانفال : آية 42 .

 

 

[ . . . ]

5 - ( و ) المعروف بين الاصحاب أن ( الاجر ) من اجرة حافظ أوراع أو نحو

ذلك وبعبارة اخرى : المؤن التي انفقت على الغنيمة بعد تحصيلها يكون مقدما على

الخمس بمعنى أنه يبدأ بأخذ ذلك منها ثم يخمس ثم يقسم الباقي بين الغانمين .

وعن الشسخ في الخلاف والشهيدين تقديم الخمس مستدلا بإطلاق الاية الشريفة ( 1 ) .

واجيب عنه بأنه لا إطلاق لها من هذه الجهة ، وبلزوم تقييده بما دل من

النصوص على أن الخمس بعد المؤونة ( 2 ) وبموافقة الاخراج للعدل . إذ المفروض كون

المؤونة على جميع الغنيمة ، وبعدم صدق الغنيمة على ما هو مأخوذ من المال إلا بعد

إخراجها .

ولكن منع الاطلاق لا وجه له ، ونصوص استثناء المؤنة انما هي في المؤن السابقة

على التحصيل التي لا اشكال في عدم استثنائها في المقام ، ومجرد الموافقة للعدل لا

يصلح أن يكون مستند الحكم إلا أن يرجع الى ما ذكرناه والغنيمة حين حصولها كانت

تصدق على الجميع ، وما يصرف فيها بعد تحصيلها لا يوجب عدم صدقها على ما يقابله .

فالصحيح أن يقال : إن المتصدي لصرف المؤن إن كان مأذونا في ذلك وكانت

المؤن على ما جرت العادة به لا محالة توزع على الجميع فخمسها ينقص من الخمس ،

فلا يبقى ثمرة في النزاع في أن الخمس بعد المؤن أو قبلها فتدبر .

6 - ( و ) أيضا يبدأ بأخذ ( ما يصطفيه ) الامام لنفسه من فرس أو جارية أو

سيف او غير ذلك مما يشاء ثم يخمس ويقسم الباقي بلا خلاف .

والمرسل المعتبر المتقدم شاهد به ، ونحوه غيره .

…………………………………………………

( 1 ) الانفال : آية 42 .

( 2 ) الوسائل باب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس .

 

 

[ ثم يخمس الباقي ]

 

7 - من الغنائم : الفداء الذي يؤخذ من أهل الحرب كما عن الدروس والمسالك

والروضة وكشف الغطاء والجواهر وغيرها . لانه بدل ما اغتنم فيصدق عليه الغنيمة .

ودعوى : اختصاصها على ما لو كان بعد الغلبة ممنوعة ، وبذلك يظهر حكم ما

صولح عليه .

( ثم ) بعد إخراج ذلك كله ( يخمس الباقي ) إن كان الحرب بإذن الامام بلا

خلاف ، وفي المدارك : هذا الحكم مجمع عليه بين المسلمين .

ويشهد به الاية الكريمة : ( واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله لله خمسه

وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم

بالله . . . الخ ) ( 1 ) والنصوص الكثيرة .

ثم إن جماعة من الاصحاب ذهبوا الى أنه ابيح هذا الخمس في زمان الغيبة ،

واستدلوا له بنصوص إحلال الائمة حقوقهم لشيعتهم ( 2 ) .

وبقوله ( عليه السلام ) في صحيح عمر بن يزيد : وكل ما كان في أيدي شيعتنا

من الارض فهم فيه محللون يحل لهم ذلك الى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان

في أيديهم ويترك الارض في أيديهم . الحديث ( 3 ) .

ولكن نصوص التحليل مختصة بأزمنة خاصة وموارد مخصوصة على ما مر مفصلا

في كتاب الخمس ، وأما الصحيح فسياتي التعرض له في حكم الاراضي ، وستعرف

 أنه في الانفال فالاظهر عدم الاباحة .

ولا يخفى أن وجوب الخمس في الغنائم المأخوذة إنما هو ما اذا كان الحرب بإذن

…………………………………………………

( 1 ) الانفال : آية 42 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب الانفال .

( 3 ) اصول الكافي ، ج 1 ص 408 باب أن الارض كلها للامام ، حديث 3

 

 

[ . . . ]

الامام أو نائبه ، وأما إذا كان بغير أذنه فالغنائم كلها للامام ولا خمس فيه ولا للغانمين

منها شئ كما هو المشهور بين الاصحاب ، وعن الحلي دعوى الاجماع عليه .

ويشهد له : صحيح معاوية بن وهب عن الامام الصادق ( عليه السلام ) :

السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف يقسم ؟ قال ( عليه السلام ) : إن قاتلوا

عليها مع أمير أمره الامام أخرج منها الخمس لله وللرسول ، وقسم بينهم أربعة أخماس ،

وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للامام يجعله حيث أحب ( 1 ) .

وأورد عليه الشيخ الاعظم رحمه لله بأنه لا يدل على المطلوب إلا على القول

بحجية مفهوم القيد في قوله : مع أمير أمره الامام . إذ المفروض أن ضمير قاتلوا راجع

الى السرية التي يبعثها الامام ، فالقيد لا يكون للتخصيص ، وفيه ان دلالته تتوقف

على حجية مفهوم الشرط بناء على أن متلو أداة الشرط إن كان مقيدا بقيد أو امورا

متعددة كان مفهوم القضية انتفاء الحكم بانتفاء كل من تلك الامور ، فإن قوله مع أمير

أمره الامام من قيود الشرط ، وحيث إن مفهوم الشرط حجة فلا إشكال في دلالة

الصحيح على ذلك .

وأيضا يشهد به : مرسل العباس الوراق عن رجل عن الامام الصادق ( عليه

السلام ) : إذ غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للامام وإذا غزوا

بأمر الامام فغنموا كان للامام الخمس ( 2 ) وضعف سنده منجبر بالشهرة ، وتمام الكلام

فيه في كتاب الخمس .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال حديث 16 .

 

 

[ وأربعة الاخماس الباقية ان كان مما ينقل ويحول ]

 

كيفية قسمة الغنائم

 

( و ) بعد إخراج ما مر يقسم الباقي من ( اربعة الاخماس الباقية إن كان مما

ينقل ويحول ) كما هو المفروض بين المقاتلين ومن حضر القتال ليقاتل والاولاد الذكور

من المقاتلين دون غيرهم ممن حضر لصنعة أو حرفة كالبيطار والبقال والسايس

والحافط إذا لم يقاتلوا بلا خلاف في شئ من ذلك بل الاجماع على الجميع محكي عن

غير واحد .

وعمل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في التقسيم بين المقاتلين

ومن حضر للقتال وإن لم يقاتل أقوى شاهد به ، ومع ذلك تدل عليه روايات ، منها : مرسل حماد

المتقدم : يؤخذ الخمس من الغنائم فيجعل لمن جعله الله ويقسم أربعة أخماس بين من

قاتل عليه وولي ذلك ( 1 ) .

وصحيح هشام عن الامام الصادق عليه السلام عن الغنيمة ، فقال : يخرج منها

خمس لله وخمس للرسول وما بقي قسم بين من قاتل عليه وولي ذلك ( 2 ) ونحوهما غيرهما .

وسيأتي في المسائل الاتية ما يدل على أن من يلحقهم للمعونة له سهم في

الغنيمة ، وأما أولاد المقاتلين فشهد لان لهم سهما : ما سيأتي في مسألة ما لو ولد للمقاتل

في أرض الحرب بعد الحيازة .

وأما أن من حضر لا للقتال فعدم السهم له مقتضى الروايات الحاصرة على

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد العدو ، حديث 5 .

 

 

[ فللمقاتلة ومن حضر القتال وإن لم يقاتل خاصة . للراجل سهم وللفارس

سهمان ]

 

أن الحكم متفق عليه .

( ف ) المتحصل : أن اربعة الاخماس ( للمقاتلة ومن حضر القتال وإن لم

يقاتل ) وأولادهم ( خاصة ) .

وتمام الكلام في ضمن مسائل :

الاولى : ( للراجل ) وهو من ليس معه فرس سواء كان راجلا أو راكبا غير

الفرس ( سهم ) بلا خلاف بين العلماء كما عن المنتهى ( وللفارس سهمان ) بلا خلاف

بيننا إلا عن الاسكافي فإنه قال : للفارس ثلاثة أسهم .

ويشهد للحكمين مضافا الى ما ذكر خبر حفص بن غياث المنجبر بما عرفت

عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن مسائل من السير وفيها : كيف تقسم الغنيمة

بينهم ؟ قال : للفارس سهمان وللراجل سهم . قلت : ولم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم ؟

قال : أرأيت لو كانوا في عسكر فتقدم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف اقسم بينهم ، ألم

أجعل للفارس سهمين وللراجل سهما وهم الذين غنموا دون الفرسان ؟ ( 1 ) .

ويؤيده خبر مقداد : أعطاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سهمين سهما لي

وسهما لفرسي ( 2 ) وما تضمن تقسيم رسول الله خيبر على أهل الحديبية ( 3 ) .

وأما خبر مسعدة عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام كان رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) يجعل للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما ( 4 ) ، وخبر إسحاق بن

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 38 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 2 ) كتاب نصب الراية ج 2 ص 417 .

( 3 ) سنن البيهقي ج 6 ص 325 .

( 4 ) الوسائل باب 38 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2 .

 

 

[ ولذى الافراس ثلاثة ومن ولد بعد الحيازة قبل القسمة أسهم له ]

 

عمار عن جعفر عن أبيه أن عليا عليه السلام كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم وللراجل

سهما ( 1 ) ونحوه خبر أبى البختري ( 2 ) فلضعف سندها وقصورها عن معارضة ، ما تقدم

المشهور بين الاصحاب ، وموافقتها للعامة - لابد من طرحها ، او حملها على ما حمله

الشيخ عليه من تعدد الافراس .

( و ) ذلك . لان ( لذي الافراس ) أى من له فرسان فصاعدا ( ثلاثة ) أسهم بلا

خلاف ، وفي الرياض وعن التذكرة والمنتهى الاجماع عليه .

ويشهد به : المرتضوي : اذا كان مع الرجل أفراس في الغزو لم يسهم له إلا

لفرسين منها ( 3 ) .

وما عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه كان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن

كان له عشر إفراس .

( و ) الثانية : ( من ولد بعد الحيازة قبل القسمة أسهم له ) والظاهر أنه لا

خلاف فيه .

ويشهد به : خبر مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليه السلام

أن عليا ( عليه السلام ) قال : اذا ولد المولود في أرض الحرب قسم له مما أفاء الله

عليهم .

وخبر أبي البختري عنه ( عليه السلام ) عن أبيه عن علي ( عليه السلام ) : إذا

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل ، باب 42 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2 .

( 2 ) الوسائل ، باب 43 من أبواب جهاد العدو ، حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 42 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 4 ) سنن البيهقي ج 6 ص 328 .

( 5 ) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد العدو ، حديث 8 .

 

 

[ وكذا من يلحقهم للمعونة ]

 

ولد المولود في أرض الحرب أسهم له ( 1 ) .

وإطلاق الخبرين يشمل الذكر والانثى ، إلا إنه يختص هنا بالاول لما تقدم من

أنه لا سهم للانثى .

وفي السمالك : وإطلاق الفتاوى يقتضي عدم الفرق بين كونه من أولاد المقاتلة

وغيرهم ، وبين حضور أبوية أو أحدهما وعدمه .

وفي الجواهر : ولعله يريد من حضر للقتال من غير المقاتلة لا مطلقا .

وكيف كان فالحكم ظاهر ، والنص مختص بما أفاده في الجواهر ، وإطلاقهما شامل

لما لو ولد بعد الحيازة وقبل القسمة .

( و ) الثالثة : أنه كما يسهم للمولود ( كذا ) يشارك أيضا ( من يلحقهم ) أي

المقاتلة من المدد الواصل اليهم ( للمعونة ) ويقاتل معهم فلم يدرك القتال ، والظاهر

أنه أيضا لا خلاف فيه ، وحكي الاجماع عليه غير واحد .

ويشهد به : خبر حفص بن غياث عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن

مسائل من السير ، قال : فكان فيما سألت : أخبرني عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب

فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا الى دار الاسلام ولم يلقوا عدوا

حتى يخرجوا الى دار الاسلام فهل يشاركونهم فيها ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم ( 2 ) وهو

وإن شمل صورة الوصول اليهم بعد القسمة إلا أنها خارجة بإجماع العلماء .

وعن التحرير والمنتهى الاجماع على الاسهام لهم إذا كان الالتحاق بهم قبل

تقضي الحرب ، فان ثبت وإلا فمقتضى الاطلاق الاسهام ولو كان الالتحاق بعده قبل

القسمة والخروج الى دار الاسلام .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد العدو ، حديث 9 .

( 2 ) الوسائل باب 37 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1 .

 

 

[ ولا يفضل احد على غيره لشرفه او شدة بلائه ]

 

التسوية بين الناس في قسمة الغنيمة

 

( و ) الرابعة : ( لا يفضل أحد على غيره ) في الغنيمة وبيت المال ( لشرفه أو شدة

بلائه ) بلا خلاف .

والنصوص الكثيرة شاهدة بذلك ، لا حظ : المرتضوي والله لا أجد لبني

إسماعيل في هذا الفئ على بني إسحاق ( 1 ) وخبر عاصم بن ضمرة أن عليا ( عليه السلام )

 قسم قسما فسوى بين الناس ( 2 ) .

وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) لما ولي علي ( عليه

السلام ) صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال : أما إني والله ما ارزاكم من فيئكم

هذا درهما ما قام لي عذق بيثرب فلتصدقكم أنفسكم أفتروني مانعا نفسي ومعطيكم ؟

قال : فقام اليه عقيل كرم الله وجهه ، فقال : فتجعلني وأسود في المدينة سواء . فقال :

اجلس ما كان هاهنا أحد يتكلم غيرك وما فضلك عليه إلا بسابقة أو تقوى ( 3 ) .

وخبر أبي مخنف الازدي : أتى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) رهط من الشيعة

فقالوا : يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الاموال ففرقتها في هؤلاء الرؤساء والاشراف

وفضلتهم علينا حتى اذا استوثقت الامور عدت الى أفضل ما عودل الله من القسم

بالسوية والعدل في الرعية . فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أتأمروني ويحكم أن

أطلب النصر بالظلم والجور فيمن وليت عليه من أهل الاسلام ، لا والله لا يكون ذلك

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 39 من أبواب جهاد العدو ، حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 39 من أبواب جهاد العدو ، حديث 5 . 1

 

 

[ . . . ]

ما سمر التسمير وما رؤيت في السماء نجما ، والله لو كانت أموالهم ملكي لساويت بينهم ،

فكيف وإنما هي أموالهم . الحديث ( 1 ) .

وخبر ربيعة وعمارة : أن طائفة من أصحاب امير المؤمنين ( عليه السلام ) مشوا

اليه عند تفرق الناس عنه وفرار كثير منهم الى معاوية طالبا لما في يديه من الدنيا ،

فقالوا يا أمير المؤمنين أعط هذه الاموال وفضل هؤلاء الاشراف من العرب وقريش

على الموالي والعجم ومن يخاف عليه من الناس فراره الى معاوية . فقال لهم أمير المؤمنين

( عليه السلام ) : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ؟ لا والله لا أفعل ما طلعت شمس

ولاح في السماء نجم ، والله لو كان مالهم لي لواسيت بينهم وكيف وإنما هو أموالهم .

الحديث ( 2 ) .

وخبر محمد بن جعفر العقبي - رفعه - قال : خطب أمير المؤمنين ( عليه السلام )

فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم

أحرار ولكن الله خول بعضكم بعضا ، فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على

الله عز وجل إلا وقد حضر شئ ونحن مسوون فيه بين الاسود والاحمر ، فقال مروان

لطلحة والزبير ما أراد بهذا غير كما . قال : فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير وأعطى رجلا من

 الانصار ثلاثة دنانير ، وجاء بعده غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير ، فقال الانصاري :

يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالامس تجعلني وإياه سواء ؟ فقال ( عليه السلام ) :

إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا ( 2 ) ونحوها

غيرها من النصوص الدالة على حكم المقام بالخصوص أو العموم .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 39 من أبواب جهاد العدو ، 2 .

( 2 ) الوسائل باب 39 من أبواب جهاد العدو ، حديث 6 .

( 3 ) الروضة ص 69 .

 

 

[ ويقسم ما يغنم في المراكب هذه القسمة ولا يسهم لغير الخيل ، ]

 

الرابعة ( ويقسم ما يغنم ) من القتال ( في المراكب ) والسفن وإن استغنوا عن

الخيل ( هذه القسمة ) أي للفارس سهمان وللراجل سهم ، ولذي الفرسين فصاعدا

ثلاثة أسهم بلا خلاف فيه ظاهرا ، وصرح به في المنتهى مؤذنا بدعوى الاجماع عليه

كما في صريح الغنية ، كذا في الرياض .

ويشهد به : خبر حفص - المنجبر بما عرفت - عن أبي عبد الله ( عليه السلام )

عن سرية كانوا في سفينة فقاتلوا وغنموا وفيهم من معه الفرس وإنما قاتلوهم في

السفينة ولم يركب صاحب الفرس فرسه كيف تقسم الغنيمة بينهم قال ( عليه السلام ) :

 للفارس سهمان وللراجل سهم . فقلت : لم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم . فقال : أرأيت

لو كانوا في عسكر فتقدم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف اقسم بينهم ، ألم أجعل للفارس

سهمان وللراجل سهم وهم الذين غنموا دون الفرسان ؟ الحديث ( 1 ) .

( ولا يسهم لغير الخيل ) من سائر الدواب كالابل والبقر والحمير والبغال

ويكون راكبها في الغنيمة كالراجل يكون له سهم واحد بلا خلاف ، وعن المنتهى : قال

به علماؤنا أجمع ، وهو قول عامة أهل العلم ، ومذهب الفقهاء في القديم والحديث .

وفي الرياض : لنا : أنه لم ينقل عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) إسهام غير

الخيل من البهائم وقد كان معه يوم بدر سبعون بعيرا ولم ينفك غزواته من استصحاب

النجب ، بل كانت هي الغالب على دوابهم ولو أسهم لها لنقل كذلك لم ينقل عن أحد

من الائمة بعده سهم للابل ولا غير الخيل من الدواب .

ولان الفرس ينفر بالكر والفر والطلب والحرب ، بخلاف الابل فإنها لا تصلح

لذلك فأشبهت البغال والحمير ، انتهى ، وهو حسن .

…………………………………………………

( 1 ) ذكر صدره في الوسائل ، باب 37 من أبواب جهاد

 العدو حديث 1 ، وذيله في باب 38 منها حديث 1

 

 

[ والاعتبار بكونه فارسا عند الحيازة لا بدخول المعركة ]

 

وأما الاية الشريفة ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أو جفتم عليه من خيل

ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ) ( 1 ) فلا تدل على أن للركاب

أي الابل سهما ، فإن مفاد الاية : أن ما أرجعه الله الى رسول من أموال بني النضير

مختص به وملك له خاصة ولم تسير عليه فرسا ولا إبلا بالركوب حتى يكون لكم فيه

حق بل مشيتم الى حصونهم القريبة من المدينة ولكن الله سلط النبي ( صلى الله عليه

وآله ) على بني النضير فله فيئهم يفعل فيه ما يشاء .

ثم أن الفارس الذي له سهمان إنما هو فيما اذا كان فارسا حين الحيازة لا

قبلها ، وإليه أشار بقوله : ( والاعتبار بكونه فارسا عند الحيازة لا بدخول المعركة )

فلو دخل المعركة فارسا ثم ذهب فرسه قبل تقضي الحرب لم يسهم لفرسه ، ولو دخلها

راجلا فأحرز الغنيمة وهو فارس فله سهم فارس بلا خلاف ظاهر بيننا في الاول ، وعلى

المشهور في الثاني .

وعن المحقق الكركي وفي المسالك والرياض اختيار أن العبرة بكونه فارسا

عند القسمة وإن كان عند الحيازة راجلا .

أقول : أما عدم كون الميزان هو دخول المعركة فهو مسلم ، وفي المسالك : لا

إشكال في عدم اعتباره عند دخول المعركة ، وهو المستند وإن لم يمكن تطبيق ذلك على

ظواهر النصوص . فإن المنساق الى الذهن من قوله : للفارس سهمان هو من قاتل معه .

اللهم إلا أن يقال : إنه بواسطة أخبار المدد والقتال في السفينة والمولود يكون

المنساق منه هو الفارس عند الحيازة أو القسمة ، لا الفارس حين القتال .

وأما اعتبار كونه فارسا عند الحيازة أو عند القسمة ، فقد يقال : إنه مبني على أن

…………………………………………………

( 1 ) سورة الحشر : آية 6 .

 

 

[ ولا نصيب للاعراب ، وان جاهدوا ]

 

الغنيمة تصير ملكا عند الحيازة ، أو عند القسمة ، وهو متين .

وعليه فالاول أظهر . لقوله ( عليه السلام ) في خبر حفص معللا لعدم النقل بعد

انقضاء القتال ، بأن الغنيمة قد احرزت ( 1 ) .

وللمرتضوي : من مات في دار الحرب من المسلمين قبل أن تحرز الغنيمة فلا

سهم له فيها ، وإن مات بعد أن احرزت فسهمه ميراث لورثته ولا قوة إلا بالله ( 2 ) .

 

لا نصيب للاعراب

 

الخامسة : قيل : ( و ) القائل الشيخ في المبسوط والمحقق في النافع ، والمصنف في

المختلف وهنا ، والشهيدان في الدروس والمسالك ، وغيرهم من المتأخرين : إنه ( لا نصيب

 للاعراب وإن جاهدوا ) والمراد بهم - على ما في الشرائع - من أظهر الاسلام

ولم يصفه وصولح على إعفائه عن المهاجرة بترك الصيب .

وفي الرياض : لم ينقل في الحكم خلاف إلا عن الحلي في السرائر حيث شرك

بينهم وبين المقاتلة مدعيا شذوذ الرواية ومخالفتها لاصول المذهب ، والاجماع على أن

من قاتل من المسلمين فهو من جملة المقاتلة ، وأن الغنيمة للمقاتلة .

ورده في التنقيح بأنه مع الصلح على ذلك يسقط الاستحقاق . انتهى .

وكيف كان ، فقد استدل له : بصحيح عبد الكريم بن عتبة عن الامام الصادق

( عليه السلام ) في حديث طويل : أنه لعمرو بن عبيد : أرأيت الاربعة ا خماس

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 38 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 2 ) المستدرك باب 36 من أبواب جهاد العدو ، حديث 7 .

 

 

[ . . . ]

تقسمها بين جميع من قاتل عليها ؟ قال : نعم . قال : فقد خالفت رسول الله ( صلى الله

عليه وآله ) في سيرته بيني وبينك فقهاء أهل المدينة ومشيختهم واسألهم فإنهم لا

يختلفون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صالح الاعراب على أن يدعهم في ديارهم

ولا يهاجروا على أنه إن دهمهم من عدو دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم وليس لهم في

القسمة نصيب وأنت تقول بين جميعهم فقد خالفت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

في كل ما قلت في سيرته في المشركين ( 1 ) .

وللمرسل الصحيح عن أبي الحسن ( عليه السلام ) في حديث : وليس للاعراب

من الغنيمة شئ وإن قاتلوا مع الامام لان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صالح

الاعراب أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا على أنه إن دهم رسول الله ( صلى الله عليه

وآله ) من عدوه دهم أن يستنفرهم فياقتل بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب وسنة جارية

فيهم وفي غيرهم ( 2 ) .

وقد صار الخبران معركة الاراء ، وقد ضعفهما بعضهم سندا ، والاخر دلالة .

لاحتمال كون المراد من الاعراب الكفار المؤلفة قلوبهم ، ولتضمنهما المصالحة على ترك

المهاجرة المعلوم وجوبها ، فيكون من الصلح الباطل ، والثالث بمخالفتهما لاصول

المذهب والاجماع على اشتراك المقاتلة .

وأجاب الاخرون عن جميع ذلك ، ولا يهمنا تفصيل القول في ذلك .

وإنما المهم بيان ما هو الحق ، وملخصه أنه لو سلم كون المراد بالاعراب مطلق

من يصدق عليه ذلك وإن دخل الايمان في قلبه ولم يكن إسلامه ظاهريا ، وأيضا لا

يكون المراد خصوص من في عصره ( صلى الله عليه وآله ) لا بد من تقييد الحكم

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد العدو ، حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2

 

 

[ . . . ]

وتخصيصه بخصوص من في عصره ( صلى الله عليه وآله ) وذلك . لانه علل عدم النصيب

لهم بمصالحته ( صلى الله عليه وآله ) معهم هكذا ، ومن المعلوم أن الصلح مع تلكم الجماعة

لا جميع الاعراب .

وأيضا ظاهر الخبرين أنه لو لا المصالحة كانوا مستحقين للغنيمة ، ومن المعلوم

أنه لا معنى لسقوط حق الجميع بالمصالحة مع جمع منهم ، وحيث إن العلة تعمم وتخصص

فيختص الحكم بخصوص أعراب عصره الذين صالحهم رسول ( صلى الله عليه وآله )

ولعله الى ذلك نظر من قال لتضمنهما قضية في واقعة لا عموم لهما ، وتصريحهما لفظا

ومعنى بأن ذلك سنة جارية لا ينافي ذلك . إذ يمكن أن يقال بدلالتهما علي أن للوالي

والامام أن يصالح مع بعض من يستحق من الغنيمة بشئ معين ، أؤ أن يكون حقه

ساقطا ويكون ذلك سنة جارية لا عدم النصيب للاعراب .

وإن شئت فأيد ما ذكرناه بعدم إفتاء أحد من الفقهاء قبل الشيخ بل والشيخ

في سائر كتبه ، ولا من بعده من الفقهاء حتى من هو تابعه في الفتوى الى زمان المحقق ،

وموافقتهما للعامة على ما يظهر من الصحيح .

فالمتحصل : أنه لا دليل على هذا الحكم ، ومقتضى العمومات واصول المذهب

العدم .

 

اعتبار عدم الغصبية في المغتنم

 

السادسة : يعتبر في المغتنم أن لا يكون غصبا من محترم المال وإلا فيجب رده

الى صاحبه كما هو المشهور .

والدليل عليه هو : ما دل على احترام ماله ، وخبر الطربال عن الامام الباقر

 

 

[ . . . ]

( عليه السلام ) المروي عن كتاب المشيخة في رجل كان له جارية فأغار عليه

المشركون فأخذوها منه ، ثم إن المسلمين بعد غزوهم أخذوها : فيما غنموا منها : إن كانت

في الغنائم وأقم البنية على أن المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردت عليه ( 1 ) ونحوه

غيره .

وعن الشيخ في النهاية كونه للمقاتلة مع غرامة الامام لاربابه الاثمان من بيت

المال .

واستدل له بما في مرسل هشام عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في السبي

يأخذ العدو من المسلمين ثم إن المسلمين أخذوهم منهم بعد القتال ، وأما المماليك فإنهم

يقامون في سهام المسلمين فيباعون ويعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال

المسلمين ( 2 )

واورد عليه بانه لمعارضته مع جملة من النصوص منها : خبره الاخر ( 3 ) الدالة على

أن المسلم أحق بما له أينما وجده - يتعين حمله على ما لو لم يصبهم إلا بعد تفرق الناس

وتقسيم جميع الغنائم كما يشهد بذلك بعض النصوص .

أقول : ذيل خبر طربال ينافي هذا الحمل . فإنه صريح في أنه يأخذها من الذي

هي في يده إذا أقام البينة ويرجع الذي في يده اذا أقام البينة على أمير الجيش بالثمن ،

فالمتعين طرحه .

…………………………………………………

( 1 )الوسائل باب 35 من أبواب جهاد العدو ، حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 35 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 35 من أبواب جهاد العدو ، حديث 3 .

 

 

[ والاسارى من الاناث والاطفال يملكون بالسبي ]

 

الاسارى

 

المقام الثاني : في الاساري ( و ) هم على ضربين : ذكور وإناث ، والذكور بالغون

وأطفال ، ف ( الاسارى من الاناث ) مطلقا من الكفار الاصليين الحربيين غير

معتصمين بذمة أو عهد أو أمان ( والاطفال ) كذلك ( يملكون بالسبي ) ولا يقتلون بلا

خلاف ، وعن الغنية والتذكرة الاجماع عليه .

ويشهد به : الخبر الذي رواه المصنف في محكي المنتهى : أن النبي ( صلى الله

عليه وآله ) نهى عن قتل النساء والولدان وكان يسترقهم إذا سباهم ( 1 ) المنجبر ضعفه

بالعمل .

ويشهد لعدم جواز قتلهم : نصوص ( 2 ) .

وهل يعتبر في التملك قصده ، أم لا ؟ الظاهر ذلك . فإن الاسترقاق ظاهر في

ذلك ، مع أن الاصل عدم الملكية والمتيقن الملكية مع بينة التملك .

وأيضا يعتبر في التملك صدق السبي والقهر . لاختصاص الدليل بهذه

الصورة ، والاصل عدمه مع عدم الصدق ، فلا يكفي مجرد النظر ولا وضع اليد ولا غير

ذلك مما لا يتحقق معه صدقهما .

فما اشتهر بين بعض المتفقهين من حلية الكافرات في بلادهن مع قصد التملك

وأنهن بحكم الاماء مما لا اصل به .

ول اشتبه الطفل بالبالغ ولم يكن هناك من علامات البلوغ غير الانبات

…………………………………………………

( 1 ) سنن البيهقي ج 9 ص 78 و 63 .

( 2 ) الوسائل باب 18 من أبواب جهاد العدو .

 

 

[ والذكور البالغون إن اخذوا قبل أن تضع الحرب أوزارها وجب ]

 

اعتبر به بلا خلاف .

ويشهد به خبر أبي البختري عن الامام الصادق عن أبيه ( عليه السلام ) أن

رسول الله صلى الله عليه وآله عرضهم يومئذ على العانات فمن وجده أنبت قبله ، ومن

لم يجده انبت الحقة بالذراري ( 1 ) وقريب منه خبر عوالى اللالي ( 2 ) .

ولو ادعى استعجال النبات بالدواء فلا عبرة به فهل يقبل هذه الدعوى منه ؟

الظاهر ذلك للكبرى الكلية المسلمة في باب القضاء ، وهي ( سماع دعوى ما لا يعلم

إلا من قبل المدعي ) وقد ذكر الشهيد الثاني - رحمه الله - من موارد هذه الكبرى

الكلية اثنين وعشرين موردا ، منها : هذا المورد ، وادعى أن الحكم مسلم .

وأيضا قال الاصحاب : إنه لو ادعى الاحتلام وكان ممكنا في حقه قبل ،

واستدلوا له بعموم ما دل على قبوله في غيره ، ولم أقف عاجلا على ذلك سوى القاعدة

الكلية المشار اليها ، وقد ذكره الشهيد الثاني من تلكم الموارد ، وعلى الجملة فهي قاعدة

متفق عليها .

وبه يظهر الجواب عما استدل به لعدم القبول في المقام بأن إطلاق ما دل على

أن الانبات أمارة البلوغ ( 3 ) يقتضي الحكم به في الفرض . لما مر في كتاب الحجر من

اختصاص أمارية الانبات بما إذا كان لا بعلاج ، بل كان من قبل الله سبحانه بمقتضى

العادة والطبيعة ، وعليه فمقتضى هذه الكلية كون الانبات في الفرض بالدواء ، أضف

الى ذلك كله الشبهة الدارئة للقتل ، فلا اشكال في الحكم .

( و ) أما ( الذكور البالغون ) ف ( إن اخذوا قبل أن تضع الحرب أوزارها وجب

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 65 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2 .

( 2 ) المستدرك باب 53 من أبواب جهاد العدو حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 62 من أبواب عقد النكاح حديث 8 وباب 65 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2 .

 

 

[ قتلهم ]

 

قتلهم ) بلا خلاف يعتد به فيه .

ويشهد به : خبر طلحة بن زيد المنجبر بالعمل وبما صرح به أهله من أن كتابه

معتمد : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) كان أبي يقول : إن للحرب حكمين إذا

كانت الحرب قائمة ولم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها فكل أسير اخذ في تلك الحال فإن

الامام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم ،

ثم يتركه يتشحط في دمه حتى يموت . الحديث ( 1 ) .

وأما الاية الكريمة ( فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا

أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ) ( 2 ) فلا

تنافي ما ذكرناه كما توهم ، فإن مفاد الاية : أنه اذا لقيتم الكفار في القتال يتحتم عليكم

القتل بالسيف وشبهه الى أن يكثر القتل وتغلبوا على العدو وتقهر وهم وحينئذ وظيفتكم

مع الاسارى أن تمنوا عليهم بعد الاسر فتطلقوهم أو تسترقونهم وإما تفدونهم فداء

بالمال أو يمن لكم عندهم من الاسارى حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال

شوكتهم ، وقيل : حتى لا يبقى دين غير الاسلام .

ومبنى القولين إرادة الاثام من الاوزار ، ومعناها : حتى يضع أهل الحرب شركهم

ومعاصيهم ظاهرا بحيث لم يبق إلا مسلم أو مسالم .

وربما يقال : إن أوزار الحرب أثقالها وهي الاسلحة التي يحملها المحاربون ،

والمراد : وضع المقاتلين وأهل الحرب أسلحتهم كناية عن انقضاء القتال ، وعليه فيكون

قوله حتى تضع الحرب أوزارها قيدا لقوله : ( فضرب الرقاب ) ، وكأنه جعل في الاية

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 23 من أبواب جهاد العدو حديث 1 .

( 2 ) سورة محمد صلى الله عليه وآله : آية 4 .

 

 

[ ما لم يسلموا ]

 

تقديما وتأخيرا ، تقديره : فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها ، ثم قال : ( وحتى

اذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ولا حرج في ذلك ) .

وقد يقال : إن المراد بالاثخان ليس إكثار القتل وغلبة العدو وقهرهم ، بل المراد

كثرة المسلمين وقوة الاسلام .

وكيف كان فالحكم المذكور مقيد ب ( ما لم يسلموا ) بلا خلاف ، فإن أسلموا

سقط قتلهم إجماعا كما عن المنتهى . للنبوي : امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا : لا

إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماؤهم ( 1 ) .

وخبر الزهري عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) : الاسير اذا أسلم فقد حقن

دمه وصار فيئا ( 2 ) .

إنما الخلاف في حكمهم بعد الاسلام ، فعن الشيخ ، وفي المسالك ، وعن المصنف

في المنتهى : أنه يتخير الامام بين استرقاقهم والمن عليهم ، والفداء .

وقيل : بتعين الفداء .

وحكي في الكتابين تعين المن ، واختاره في الرياض .

واستدل للاول : بأنه مقتضى الجمع بين خبر الزهري المقتضي لتعين الاسترقاق

ولا قائل به : وبين المرسل في المنتهى وغيره : أنه ( صلى الله عليه وآله ) فادى اسيرا أسلم

برجلين ( 3 ) .

وبأولويته من الكافر الذي اسر بعد تقضي الحرب وإسلامه ، فإذا ثبت التخيير

بين الثلاثة في هذه الحالة ثبت في الحالة القوية .

…………………………………………………

( 1 ) سنن البيهقي ج 9 ص 182 .

( 2 ) الوسائل باب 23 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2 .

سنن البيهقي ج 9 ص 72 .

 

 

[ ويتخير الامام بين ضرب اعناقهم ، وقطع ايديهم وارجلهم من خلاف ،

ويتركهم حتى ينزفوا ويموتوا ]

 

ولكن يرد الاول : أن المرسل غير واجد لشرائط الحجية وكذا خبر الزهري .

ويرد الثاني : أن حكمه في الاخذ بعد انقضاء الحرب ثبوت حق الاسترقاق ،

والاسلام لا يوجب سقوط هذا الحق ، وأما الاخذ قبل انقضاء الحرب فحكمه القتل

والاسلام يوجب سقوطه ، وأما ثبوت حق الاسترقاق ابتداءا فلا دليل عليه .

فالمتحصل : أن حق الاسترقاق هناك ثابت قبل الاسلام ، وهنا إن ثبت ثبت

بعده فلا أولوية .

وقد يستدل له : بأن الاسر مقتض للاسترقاق باعتبار كونهم فيئا للمسلمين

ومماليك لهم كما في بعض النصوص النافية للربا بينهم وبين المسلم ( 1 ) وإن تعين قتله

شرعا فيصح حينئذ استصحابه بعد سقوط القتل بالاسلام ، ويتبعه الفداء والمن ، وفي

الجواهر : ولعله لا يخلو عن قوة .

ولكن يرده : مضافا الى أنه لو كان لتلك النصوص إطلاق شامل لما قبل

الاسلام فهو شامل لما بعده ولا حاجة الى الاستصحاب وإن لم يكن له إطلاق - كما

هو الحق - فلا متيقن في البين كي يستصحب ، فالاظهر عدم الدليل على الاسترقاق

والفداء ، ومقتضى الاصل عدمهما ، فالمتعين هو المن .

( و ) حيث يجوز القتل ف ( يتخير الامام بين ضرب أعناقهم وقطع أيديهم

وأرجلهم من خلاف ويتركهم حتى ينزفو ويموتوا ) .

في المسالك : وينزفوا بضم الياء وفتح الزاء على البناء للمفعول لان الدم هو

الفاعل للنزف لغة ، قاله الجوهري ، نزفه الدم : إذا خرج منه دم كثير حتى يضعف فهو

نزيف ومنزوف ، ونبه بقوله : حتى يموتوا . على أنه لا بد من موتهم إنتهى .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 7 من أبواب الربا حديث 5 من كتاب التجارة .

 

 

[ . . . ]

وقالوا : إن هذا التخيير شهوة لا تخيير مصلحة بحيث يتعين للامام اختيار

ما هو الاصلح .

وأشكل عليهم في المسالك : بأنه يمكن أن يكون من قبيل التخيير بين الثلاثة

المتقدمة .

أقول : مجرد الامكان لا يكفي في الحكم ، بل لا بد من ملاحظة الدليل ، فسيمر

عليك .

والمراد من خلاف اخذ القطع كلا من اليد والرجل من جانب مخالف لجانب

الاخرى كاليد اليمنى والرجل اليسرى ، وهذا قرينة على كون المراد من قطع الايدي

والارجل قطع بعضها دون الجميع أي إحدى اليدين وإحدى الرجلين مع مراعاة

مخالفة الجانب .

ثم إن ضرب العنق أسهل أنواع القتل والقطع من خلاف إصعبهما ، فلعل مراد

القوم وكذا الخبر الاتي من التخيير بينهما ، أنه يتعين قتلهم والامام مخير بين أنواع

القتل ، فقول القاضي غير مخالف لقول المشهور ، وكذا ما عن الحلي من التخيير بين

القتل والصلب ، وكيف كان فالمشهور بين الاصحاب هو التخيير بين القسمين .

ويشهد به خبر طلحة بن زيد المتقدم عن الامام الصادق المنجبر بما عرفت :

كان أبي يقول : ان للحرب حكمين اذا كانت الحرب قائمة ولم يثخن أهلها فكل أسير

اخذ في تلك الحاله فإن الامام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه وإن شاء قطع يده ورجله

من خلاف بغير حسم ثم يتركه يتشحط في دمه حتى يموت ، وهو قول الله عز وجل :

( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا او

يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ) الاية ، ألا ترى

أن المخير الذي خير الله تعالى الامام ( عليه السلام ) على شئ واحد وهو الكفر كما

 

 

[ وان اخذوا بعد انقضاء الحرب لم يجز قتلهم ، ويتخير الامام بين المن والفداء

والاسترقاق ]

 

في الكافي ، وفي بعض النسخ القتل ، وفي التهذيبين الكل وليس هو على أشياء مختلفة ،

فقلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : قول الله عزو وجل : ( أو ينفوا من الارض ) قال

( عليه السلام ) : ذلك ، الطلب أن تطلبه الخيل حتى يهرب فإن أخذته الخيل حكم عليه

ببعض الاحكام التي وصفت لك ، والحكم الاخر : إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن

أهلها فكل أسير اخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالامام ( عليه السلام ) فيه

بالخيار إن شاء من عليهم فأرسلهم وإن شاء فاداهم أنفسهم وإن شاء استعبدهم

فصاروا عبيدا ( 1 ) .

والاستشهاد فيه بالاية التي هي في المحارب المسلم المشتملة على غير القتل لا

يقدح في دلالته على المطلوب ، مع احتمال كون المراد بذكرها التشبيه في الحكم في

الجملة باعتبار كون الفرض من محاربي الله ورسوله وسعاة الفساد في الارض أو أنه

بيان باطن من بواطن القران .

( و ) من الخبر يظهر ان ما هو المشهور بين الاصحاب من أنهم ( إن اخذوا بعد

انقضاء الحرب لم يجز قتلهم ، ويتخير الامام بين المن والفداء والاسترقاق ) هو

الاظهر ، وبه يخرج عما دل بإطلاقه على قتلهم ، فما عن القاضي من تجويز القتل

ضعيف .

ومقتضى اطلاقه عدم الفرق بين الوثني والذمي فما عن الشيخ من نفي

الاسترقاق عن غير الكتابي لانه لا يقر على دينه ، وعن المختلف اختياره غير تام .

فإن عدم الاقرار على دينه لا ينافي الاسترقاق ، ولذا لا إشكال في استرقاق نسائهم .

وتمام الكلام في طي فروع .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 23 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1

 

 

[ وأما الارضون فما كان حيا فللمسلمين كافة لا يختص بها الغانمون ]

 

( 1 ) قال في المسالك : ويتعين هنا الاصلح من الثلاثة للمسلمين وهو في قوة رفع

التخيير ، نعم لو تساوت المصالح في الثلاثة تحقق التخيير هنا ، كما أنه لو تساوت في

اثنين تخير بينهما خاصة ، انتهى ، ومثله محكي عن جملة من كتب المصنف رحمه الله .

ولكن ظاهر النص والفتوى اطلاق التخيير ، فما ذكر في وجهه من أنه الولي

للمسلمين المكلف بمراعاة مصالحهم اجتهاد في مقابل النص .

( 2 ) قد طفحت كلماتهم بأنه مع اختيار الاسترقاق أو المال فداءا يكون من

جملة الغنيمة ، وتخيير الامام بينه وبين المن لا ينافي كونه على تقدير عدم المن يتعلق حق

الغانمين الذين آسروه ، كما في الدية التي لو اختارها أولياء القصاص يتعلق بها حق

الديان .

( 3 ) لو أسلموا بعد الاسر لم يسقط عنهم هذا الحكم ، أي التخيير بين الثلاثة

بلا خلاف ولا إشكال . للاطلاق .

 

الارض المفتوحة عنوة للمسلمين

 

المقام الثالث : في أحكام الارضين ( وأما الارضون ) وهي أقسام : منها : المفتوحة

عنوة وهي قسمان : المحياة حال الفتح ، والموات وقته ( فما كان حيا ) حين الفتح

( فللمسلمين كافة لا يختص بها الغانمون ) ولا يفضلون على غيرهم ، بل يشاركونهم

كشركة باقي المسلمين من غير خصوصية بلا خلاف ، وعن غير واحد دعوى الاجماع

عليه .

ويشهد به نصوص كثيرة كصحيح الحلبي عن الامام الصادق ( عليه السلام )

عن السواد ما منزلته ؟ قال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الاسلام

 

 

[ . . . ]

بعد اليوم ومن لم يخلق بعد ، فقلت : الشراء من الدهاقين ؟ قال ( عليه السلام ) : لا يصلح

إلا أن تشتري منهم على أن تصيرها للمسلمين فإن شاء ولي أمر المسلمين أن يأخذها

فله . قلت : فان أخذها ؟ قال : رد اليه رأس ماله وله ما أكل من غلتها بما عمل ( 1 ) .

والمراد بأرض السواد : الارض المغنومة من الفرس التي فتحت في زمان عمر ،

 وهي سواد العراق ، وسميت هذه الارض بالسواد . لان الجيش لما خرجوا من البادية

رأوا هذه الارض والتفاف شجرها سموها السواد لذلك .

وقوله : فإذا شاء ولي أمر المسلمين الى آخره ، ظاهر في أنه لا تدخل الارض في

ملك المشتري ، وأن لولي الامر إبقاء الارض تحت يده وله أخدها منه .

وأما قوله : فيرد عليه رأس ماله : فهو إما أن يكون تفضلا من ولي الامر من

جهة استنقاذة الارض من يد الدهاقين ، أؤ يكون من جهة كونه بازاء ما كان للدهاقين

من الاثار المملوكة ، أو بإزاء حق الاختصاص .

وقوله : له ما أكل من غلتها . ظاهر في أن المنافع كالعين تكون للمسلمين ولكن

حيث إنه عمل فيها فله ما أكل منها .

وخبر أبي الربيع الشامي عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : لا تشتر من

أرض السواد شيئا إلا من كان له ذمة فإنما هي فئ للمسلمين ( 2 ) .

وأبوا الربيع والراوي عنه خالد بن جرير وإن لم يوثقا إلا أن الراوي عن خالد

هو الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الاجماع فالخبر معتبر سندا .

والاستثناء إنما يكون من جهة أن الارض المفتوحة عنوة إن أبقيت في يد من

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع ، حديث 4 كتاب التجارة .

( 2 ) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع ، حديث 5 ، كتاب التجارة .

 

 

[ . . . ]

كانت له ذمة تكون ملكا لاربابها فيجوز بيعها ، وهذا يدل على أن بعض قطعات أرض

السواد هكذا .

وخبر أبي بردة بن رجاء : قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) كيف ترى في شراء

أرض الخراج ؟ قال ( عليه السلام ) : ومن يبيع ذلك ، هي أرض المسلمين . قال : قلت :

يبيعها الذي هي في يده ، قال ( عليه السلام ) : ويصنع بخراج المسلمين ماذا ؟ ثم قال :

لا بأس أن يشتري حقه منها ويحول حق المسلمين عليه ، ولعله يكون أقوى عليها

واملي بخراجهم منه ( 1 ) .

وأبو بردة وإن لم يوثق إلا أن الراوي عنه هو صفوان بن يحيى الذي هو من

أصحاب الاجماع ، فلا وجه للمناقشة فيه من حيث السند .

واما فقه الحديث ، فالظاهر من قوله : من يبيع ذلك ؟ الاستفهام التوبيخي ، و

قوله : هي أرض المسلمين . بمنزلة العلة للمنع ، ولكن الرواي فهم منه الاستفهام

الحقيقي ، فقال : يبيعها الذي هي في يده ؟ وقوله ( عليه السلام ) : يصنع بخراج المسلمين

ماذا ؟ لوم أن المانع من البيع كون الارض خراجية ، وعلى أي تقدير فقد استدرك

الامام عما أفاده من عدم جواز البيع فقال : لا بأس أن يشتري حقه منها ، والمراد إرادة

بيع الاثار التي أحدثها البائع ، لا حق الاولوية . لعدم ثبوته كما سياتي ، ولقوله : حقه

منها . إذ لو كان المراد حق الاولوية لكان الصحيح أن يقول : حقه فيها ، وقوله : لعله

يكون أقوى . . . يعني أقوى على الارض وعمارتها وتوفير حاصلها وأملي وأقدر على دفع

خراج المسلمين .

وخبر محمد بن شريح عنه ( عليه السلام ) عن شراء الارض من أرض الخراج

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 71 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1

 

 

[ . . . ]

فكرهه ، وقال ( عليه السلام ) : إنما أرض الخراج للمسلمين فقالوا له : فانه يشتريها

الرجل وعليه خراجها ، فقال : لا بأس إلا أن يستحيي من عيب ذلك ( 1 ) .

وهذا الخبر لا يعتمد عليه من جة أن من رجال سنده علي بن الحارث وهو

مجهول ، وأما من حيث الدلالة فصدره وذيله يتعارضان بالنسبة الى جواز الشراء ،

وسياتي الكلام فيه .

ومرسل حماد الطويل المنجبر بكون حماد مرسله وتلقي الاصحاب إياه بالقبول

عن أبى الحسن الاول ( عليه السلام ) : والارضون التي اخذت عنوة بخيل أو ركاب

فهي موقوفة متروكه في يدي من يعمرها ويحييها ويقوم عليها على صلح ما يصالحهم

الامام ( عليه السلام على قدر طاقتهم من الخراج النصف أو الثلث أو الثلثان على

قدر ما يكون لهم صلحا ولا يضر بهم . الحديث ( 2 ) .

وما رواه في الكافي عن صفوان والبزنطي جميعا ، قالا : ذكرنا له الكوفة وما وضع

عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته ، فقال : من أسلم طوعا - الى أن قال - وما

اخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول ( صلى الله عليه وآله )

بخيبر قبل سوادها وبياضها يعني أرضها ونخلها والناس يقولون لا تصلح قبالة

الارض والنخل وقد قبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خيبر ، وقال : وعلى المتقبلين

سوى قبالة الارض العشر ونصف العشر في حصصهم . الحديث ( 3 ) .

وصحيح البنزطي عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) في الخراج وما سار به

أهل بيته في حديث : وما اخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبله بالذي يرى كما صنع

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع ، حديث 9 .

( 2 ) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 72 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1

 

 

[ . . . ]

رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بخيبر قبل أرضها ونخلها والناس يقولون لا تصلح

قبالة الارض والنخل اذا كان البياض اكثر من السواد وقد قبل رسول الله ( صلى الله

عليه وآله ) خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر . الحديث ( 1 ) ، ونحوها غيرها ،

وسيأتي في ضمن المباحث الاتية طرف منها ، وتما الكلام فيما يستفاد منها في طي فروع :

 

اعتبار كون الفتح بإذن الامام

 

( 1 ) هل يعتبر أن يكون الفتح بإذن الامام أو نائبه فلو لم يكن كذلك تكون

الارض المفتوحة عنوة للامام ( عليه السلام ) أم لا ؟ المشهور بين الاصحاب هو الاول ،

وعن غير واحد دعوى الاجماع عليه .

وعن المنتهى والمدارك والمستند وغيرها عدم الاعتبار .

وعن النافع التوقف فيه .

واستدل للمشهور : بخبر الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله ( عليه

السلام ) اذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للامام وإذا غزوا بأمر

الامام فغنموا كان للامام الخمس ( 2 ) .

ولا يضر إرساله بعد عمل الاصحاب به ، وأما معارضته مع حسن الحلبي عن

الامام الصادق ( عليه السلام ) في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم

فيصيب غنيمة قال ( عليه السلام ) : يؤدي خمسا ويطيب له ( 3 ) فترد بأن الحسن متضمن

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 72 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال حديث 6 .

( 3 ) الوسائل باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، حديث 8 .

 

 

[ . . . ]

لقضية شخصية فلعله كان ذلك القتال بأمر الامام ( عليه السلام ) أو برضائه أو أن

الامام ( عليه السلام ) حل البقية ، والصحيح ان يورد عليه بانه يعارض مع النصوص

الدالة على ان الاراضي المفتوحة عنوة للمسلمين ، المتقدم . جملة منها ، والنسبة عموم

من وجه . اذ المرسل أعم ، لشموله للمنقولات ، وتلك النصوص أعم لشمولها لما اذا كان

القتال بغير إذن الامام ، والمجمع الذي هو مورد المعارضة هي الاراضي التي اخذت

بالسيف بغير إذن الامام ، فهي بمقتضى المرسل ملك للامام ، وبمقتضى تلك النصوص

ملك للمسلمين ، فيرجع الى الاخبار العلاجية ، وهي تقتضي تقديم تلك النصوص كما

لا يخفى .

ودعوى حكومة المرسل عليها . لكونه بصدد بيان اشتراط الاذن في كون

الغنيمة للمسلمين وهذه في مقام حكم الارض المأخوذة بالسيف فكأنه قال : كل ما اخذ

عنوة فهو للمسلمين بشرط كون الاخذ بإذن الامام - مندفعة : بأن لسان المرسل ليس

لسان إشتراط الاذن في كون الغنيمة ملكا للمسلمين ، بل لسانه أن الغنائم المأخوذة

بإذن الامام للمسلمين ، وما اخذ بغير إذنه للامام ، فلا وجه لدعوى الحكومة .

وبذلك يظهر الجواب عن الاستدلال له بصحيح معاوية المتقدم ( 1 ) .

وقد يقال : إن خبري السواد في مورد الفتح بغير إذن الامام ، ولذا أورد على من

استدل بهما في المقام بأن تلك الاراضي من الانفال لكون الفتح بغير إذنه ( عليه

السلام ) لا للمسلمين ، فيكون ما فيهما من الحكم بأنها لهم للتقية . قاله الشيخ ( رحمه

الله ، وعلى ما ذكرناه فدفع الايراد واضح ، والخبران يعضدان ما اخترناه .

وعلى ذلك فلا حاجة الى الاستدلال لاثبات كون الفتوحات الاسلامية بإذن

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال حديث 3 كتاب الخمس .

 

 

[ . . . ]

الامام ( عليه السلام ) من حمل الصادر من الغزاة على الوجه الصحيح ، والعلم برضاه

بالفتوحات الموجبة لتأيد هذا الدين ، وبحضور الامام أبي محمد الحسن ( عليه السلام )

في بعض الغزوات ، ودخول بعض خواص الامام من الصحابة كعمار في أمرهم ، وبالخبر

المتضمن أن الامام قال : إن القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الامور فيصدرها

عن أمري ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأي ( 1 ) الى غير ذلك من الوجوه غير

الخالية عن المناقشة والنظر .

 

ثبوت الخمس في الارض المفتوحة عنوة

 

( 2 ) - المشهور بين الاصحاب : ثبوت الخمس في الاراضي المفتوحة عنوة ، وعن

بعض دعوي الاجماع عليه .

ويشهد به : عموم قوله تعالى : ( واعلمو أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه

وللرسول ولذي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل ) ( 2 ) الاية ومثله

أخبار الغنيمة المتقدمة .

واورد عليها : بانصراف هذه الادلة الى غير الارض ، وبأن خطاب الخمس فيها

متوجه الى الاشخاص وظاهرها ملك الاشخاص للغنيمة ملكا شخصيا والاراضي

ليست كذلك بل هي ملك للنوع ، وبأنها تخصص بما ورد في الاخبار من قصر الخمس

على ما ينقل كصحيح ربعي ( 3 ) وغيره مما اشتمل على قسمة الغنيمة أخماسا وأسداسا

…………………………………………………

( 1 ) الخصال أبواب السبعة باب أن الله يمتحن أوصياء الانبياء في حياة الانبياء في سبعه مواطن .

( 2 ) سورة الانفال : آية 42 .

( 3 ) الوسائل باب 1 من أبواب قسمة الخمس حديث 3

 

 

[ . . . ]

عليهم وعلى الغانمين ، ولا يتصور ذلك في الاراضي لعدم استحقاق الغانمين لذلك ،

وبخلو الاخبار الواردة في بيان حكم الاراضي المفتوحة عنوة عن ذلك . فإن مقتضى

وذلك ظهورها في كون الارض جميعها للمسلمين .

ولكن الانصراف ممنوع ، وخطاب الخمس متوجه الى المالك سواء كان هو

الشخص أو النوع ، غاية الامر اذا كان الشئ ملكا للنوع كما أن أمر التصرف فيه

بالايجار وغيره الى الولي كذلك أمر إخراج الخمس بيده ، ونصوص تقسيم الغنيمة لا

مفهوم لها . كي تدل على عدم ثبوت الخمس في غير ما ينقل ، وعدم التعرض في ما ورد

في بيان حكم الاراضي لا يصلح للمعارضة مع ما هو متعرض لثبوته .

ويشهد لثبوت الخمس : مضافا الى الاية وأخبار الغنيمة - جملة من الاخبار ،

لا حظ : خبر أبي بصير عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : كل شئ قوتل عليه على

شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأن لنا خمسه ، ولا

يحل لاحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل الينا حقنا ( 1 ) .

وخبر أبي حمزة عنه ( عليه السلام ) : إن الله جعل لنا اهل البيت سهاما ثلاثة

في جميع الفئ الى أن قال - وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا ، والله يا أبا

حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمس فيضرب على شئ منه إلا كان حراما على

من يصيبه فرجا كان أو مالا ( 2 ) ونحوهما غيرهما ، فالاظهر ثبوت الخمس فيها .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من أبواب الانفال حديث 19

 

 

[ والنظر فيها الى الامام ( عليه السلام ) ]

 

حكم الاراضي المفتوحة عنوة زمان الغيبة

 

( 3 ) قد عرفت أن الاراضي المفتوحة عنوة ملك للمسلمين ( و ) لا كلام في أن

( النظر فيها الى الام ( عليه السلام ) ) أو الماذون من قبله . لانه ( عليه السلام ) هو

المتولي لامور المسلمين ، والنصوص تدل عليه ، لا حظ : صحيح البزنطي عن لامام

الرضا ( عليه السلام ) : وما اخذ بالسيف فذلك للامام ( عليه السلام ) يقبله بالذى يرى

كما صنع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بخيبر قبل أرضها ونخلها . الحديث ( 1 ) ونحوه

مضمره ( 2 ) .

وأما في حال الغيبة ففيه أقوال ، أحدها : ما عن جماعة من المحققين وهو : أنه لا

يجوز التصرف فيها إلا باذن السلطان الجائر وأنه ولي هذا الامر بعد غصبه الخلافة

والحكومة ، وعن الكفاية نقل بعضهم الاتفاق عليه .

ثانيها : ما في المسالك ، وهو أن الامر أولا إلى الحاكم الشرعي ومع عدمه أو

عدم إمكان تصرفه فإلى الجائر .

ثالثها : أن الامر الى الحاكم الشرعي إلا أنه اذا تصرف الجائر يكون تصرفه

فيها وفي خراجها نافذا من غير حاجة الى الاستيذان من الحاكم الشرعي وإن أمكن ،

وهذا هو الظاهر من كثير من متأخري المتأخرين .

رابعها : أن الامر الى الحاكم الشرعي ، ومع عدمه أو عدم إمكان الاستيذان منه

يجوز لاحاد الشيعة التصرف فيها ، ولكن مع مبادرة الجائر الى التصرف يكون تصرفه

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 72 من أبواب جهاد العدو حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 72 من أبواب جهاد العدو حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

نافذا ولا يجب الاستيذان من الفقيه .

خامسها : ما عن المبسوط والمستند ، وهو : أنه يجوز لاحاد الشيعة التصرف فيها

من غير توقف على الاستيذان من أحد لا من الحاكم الشرعي ولا من الجائر .

سادسها : أنه يجوز الرجوع الى كل منهما في حال الاختيار ويتعين أحدهما مع

عدم إمكان الاخر .

سابعها : وجوب الاستيذان من الحاكم الشرعي إذا أمكن حتى في صورة

تصرف الجائر وعدم جواز الاكتفاء به .

أقول : الاظهر بحسب الادلة هو الرابع . لانه مقتضى الجمع بين ما دل على

أن أمر التصرف في الاراضي الخراجية الى ولي أمر المسلمين والسلطان العادل ( 1 ) وما

دل على أن الامور التي لا بد من تحققها في الخارج ، واحتمل كونها مشروطة في وجودها

بنظر شخص خاص يعتبر فيها إذن الفقيه وله الولاية عليها ، وسيمر عليك في محله ،

بل ونصوص نيابة الفقيه العامة عن الامام ( عليه السلام ) المتقدمة في بعض المباحث

السابقة ( 2 ) وبين ما دل على نفوذ تصرفات الجائر وإن أمكن الاستيذان من الفقيه ( 3 ) .

ثم ان مقتضى القاعدة هو الاقتصار على المتيقن من موارد نفوذ تصرف الجائر

هي : صورة عدم التمكن من الامتناع عن التسليم اليه ، فلو دفع اليه اختيارا لما كان

تصرفه نافذا .

ويشهد به : مضافا الى ذلك - صحصح العيص عن الامام الصادق ( عليه

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 72 من أبواب جهاد العدو .

( 2 ) اصول كافي ج 1 ص 34 و 38 ، الفقيه ج 4 ص 303 ، الكافي ج 1 ص 67 ،

 التهذيب ج 6 ص 301 ، الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي .

( 3 ) الوسائل باب 51 ، و 52 ، و 53 من أبواب ما يكتسب به وباب 71 و 72 من أبواب جهاد العدو

 

 

[ . . . ]

السلام ) في الزكاة : ما أخذ منكم بنو امية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم

فإن المال لا ينبغي أن يزكى مرتين ( 1 ) فإنه وإن ورد في الزكاة إلا أنه يثبت الحكم في

المقام بعدم القول بالفصل .

وأما ما دل على تحليل الاراضي ( 2 ) بناء على أن إطلاقه يشمل هذه الاراضي

ولا يختص بالانفال ، الذي استدل به بعض مشايخنا المحققين للقول الخامس - فقد

مر في كتاب الخمس / في مبحث الانفال اختصاصه بالانفال .

وأما نصوص التحليل لاموالهم للشيعة ( 3 ) التي استدل بها المحقق النراقي له ،

فهي لو كان لها عموم أو إطلاق شامل للاراضي تختص بالانفال التي هي للامام لا

هذه الارض التي هي للمسلمين .

 

كيفية استحقاق المسلمين لها

 

( 4 ) - في بيان كيفية استحقاق المسلمين ، وأنه هل هو بعنوان ملك الرقبة أو

بنحو آخر ؟ المشهور بين الاصحاب هو الاول .

وعن جماعة منهم الشهيد الثاني في جملة من كتبه ، والمحقق الاردبيلي - رحمه الله

- أن الرقبة غير مملوكة بل معدة لمصالح المسلمين وهم مصرف لحاصلها .

والاول أظهر . لانه ظاهر النصوص المتقدمة لمكان اللام وإضافة الارض الى

المسلمين

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 20 من أبواب المسحقين للزكاة حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من أبواب الانفال من كتاب الخمس .

( 3 ) الوسائل باب 4 من أبواب الانفال

 

 

[ . . . ]

واستدل للثاني بقوله ( عليه السلام ) في مرسل حماد المتقدم : فهي موقوفة

متروكة في يدي من يعمرها ويحييها ( 1 ) بتقريب : أنه يدل على أن الارض محبوسة

متروكة وهذا يلازم فك الملك وبأنه لو كانت الرقبة ملكا للمسلمين لما جاز تقبيلها من

أحدهم . إذ إجارة الارض ممن يملك جزءا منها غير جائزة ، وبأنه لو كانت الرقبة ملكا

لهم لجاز أن ينقل بعضهم حصته الى بعض مع أنه لا يجوز . ولكن يرد الاول : إن

المحبوسية والمتروكية لا تنافي مع الملك بل تجامعه فلا ينافي المرسل سائر النصوص

الظاهرة من جهة اللام والاضافة في الاختصاص المطلق المساوق للملك .

والثاني والثالث يظهر جوابهما من بيان كيفية ملكية هذه الارض ،

وملخصه أنه لا إشكال في أنها ليست ملكا طلقا لجميع المسلمين وإلا لزم الانتقال

بالارث ، مع أن القوم غير ملتزمين بذلك ، ولزم عدم تسلط غير الملاك على

التصرف فيها كما هو مقتضى النبوي الناس مسلطون على أموالهم ( 2 ) مع أن

أمرها بيد ولي الامر ، ولا لنوع المسلمين فإنه وإن لم يرد عليه المحذوران المتقدمان . إذ

لا تعين للميت حتى يرثه وارثه ولا تعين للمالك ، فلا محالة تكون الولاية لولي الامر

القابض على هذه الارض ، إلا أنه يرد عليه : أن لازمه جواز إعطاء ولي الامر عين هذه

الارض لاحد من المسلمين من دون مصلحة ، ولا وقفا لهم وإلا لزم عدم جواز بيعها

إلا في موارد مخصوصة منصوصة ، لا لما يراه ولي الامر من المصلحة ، بل هي ملك لنوع

المسلمين ، وجعل أمرها عينا ومنفعة الى ولي الامر مع رعاة مصلحة النوع .

وبذلك يظهر الجواب عن الوجهين ، أما الاول منهما ، فلان الفرد بما هو لا

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2 .

( 2 ) البحار ج 1 ص 152 الطبع القديم ج 2 ص 272 الطبع الحديث

 

 

[ ولا يصح بيعها ولا وقفها ولا هبتها ولا ملكها على الخصوص ]

 

يكون مالكا . كي لا يجوز الاجارة منه .

وأما الثاني منهما . فلان المالك هو النوع لا الشخص ، فليس للشخص النقل

الى الغير لعدم كونه مالكا .

 

بيع الارض المفتوحة عنوة

 

( 5 ) المشهور بين الاصحاب بل ( و ) عليه الاتفاق كما هو ظاهرهم أنه ( لا

يصح بيعها ولا وقفها ولا هبتها ولا ملكها ) بوجه من الوجوه ( على الخصوص ) ، وفي

الجواهر : بل الاجماع بقسميه عليه ، وفي الرياض : بل زاد بعضهم كالشيخ في المبسوط

فمنع عن مطلق التصرف فيها ولو بنحو البناء .

يشهد لعدم الجواز في البيع معللا بعلة عامة - جملة من الاخبار المتقدمة كخير

أبي بردة عن الامام الصادق في شراء ارض الخراج : ومن يبيع ذلك هي أرض

المسلمين ( 1 ) وقد مر في أول هذا البحث أنه يدل على عدم جواز بيع الارض المفتوحة

 عنوة ولو بتبع الاثار ، وكذا خبر الحلبي ( 2 ) وخبر محمد بن شريح ( 3 ) ومرسل

حماد ( 4 ) وخبر أبي الربيع الشامي ( 5 ) المتقدمة .

واستدل للجواز بروايات منها : خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن الامام

الصادق عن الرجل اشترى أرضا من أرض الخراج فبنى بها أو لم يبن غير أن اناسا

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 71 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع حديث 9 .

( 4 ) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2 .

( 5 ) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع حديث 5 .

 

 

[ . . . ]

من أهل الذمة نزلوها له أن يأخذ منهم اجرة البيوت إذا أدوا جزية رؤوسهم ؟ قال

( عليه السلام ) : يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال ( 1 ) .

بدعوى إنه يدلنا على ذلك : صدره الظاهر في تقريره شراء أرض الخراج .

وكذا : حكمه ( عليه السلام ) بأن أجرة البيوت لهم بعد الشرط ، فلو لم تكن

الارض لهم تكن الاجرة لهم .

ولكن يرد على الاول : أن تلك الجملة ليست في مقام البيان من جهة جواز

الاشتراء ، مقابلة للحمل على الشراء على الوجه السائغ وهو شراء الاثار والعمارة .

ويرد على الثاني : أن السؤال ليس عن كون الاجرة له أو للمسلمين بل إنما

هو عن أخذ الاجرة ، والظاهر أن منشأ السؤال أن الذمي إذا أدي الجزية هل هو

كالمسلم يستحق النزول على أهل الاراضي الخراجية أم لا ؟ فأجاب ( عليه السلام )

بأن له أخذ اجرة النزول بعد الشرط والقرار ، فهذا الخبر لا يدل على الجواز ، بل يدل

على المنع من جهة فرض كون الارض خراجية بعد الشراء فإنه يسأل عن استحقاق

أهل الذمة للنزول على أهل الخراج ، ولو سلم دلالته على الجواز النسبة بينه وبين أدلة

المنع عموم مطلق . فإنه أعم من المفتوحة عنوة وغيرها من أرض الخراج ، فيقيد إطلاقه بها .

وقد يستدل على الجواز بنصوص اخر ( 2 ) أكثرها واردة في أرض الجزية وأرض

من له ذمة ، وهما ملك لاربابهما ، ولو فرض كون مورد بعضها الارض المفتوحة عنوة

خاصة ، لا بنحو العموم كي يحمل على غير تلك الارض جمعا كما مر . فللنصوص

المتقدمة تحمل على إرادة البيع بالنحو المشار اليه ، وهو بيع الاثار والعمارة أو تطرح ،

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع حديث 10 .

( 2 ) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع .

 

 

[ بل يصرف الامام حاصلها في المصالح ]

 

فالاظهر عدم جواز بيعها لا مستقلا ولا بتبع الاثار ،

 وبه يظهر حال الوقف والهبة وغير ذلك من أسباب الملك .

 

مصرف حاصل الارض المفتوحة عنوة

 

( 6 ) - لا خلاف ظاهرا في أنه كما أن الارض المفتوحة ملك للمسلمين ، وليست

ملكا لشخص خاص ولا جهة مخصوصة كذلك اجرة الارض وحاصلها ( بل يصرف

الامام حاصلها في المصالح ) المتعلقة بالمسلمين مثل سد الثغور ومعونة الغزاة وبناء

القناطر ونحو ذلك مما يرجع نفعه الى عامة المسلمين .

ويشهد به : المرسل كالصحيح المتقدم " ويؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق

أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الاسلام وتقوية الدين في وجوه

الجهاد وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير " ( 1 ) .

هذا مع بسط يد الامام أو نائبه العام أو الخاص ، وأما في حال الغيبة وتصدي

الجائر فقد عرفت أن الامر الى الحاكم الشرعي ، ومع عدمه أو عدم إمكان الاستئذان

منه فلاحاد الشيعة التصرف فيها ، وعلى التقديرين لو بادر الجائر الي التصرف يكون

تصرفه نافذا وإن عصي وعلى التقادير المصرف هو مصالح المسلمين ، وحينئذ لو

 عصى الجائر وأخذ فهل تبرأ ذمته إذا صرفت تلك الاموال في مصالح المسلمين أم لا ؟ ذهب

الشيخ الاعظم الى عدم البراءة وكونه ضامنا .

واختار السيد الفقيه عدم الضمان .

…………………………………………………

( 1 )الوسائل باب 41 من أبواب جهاد العدو حديث 2 .

 

 

[ . . . ]

واستدل له بأن الائمة عليهم السلام أذنوا لشيعتهم شراء الصدقة والخراج من

الجائر وقبولهما منه مجانا وهم الولاة الشرعيون ، فيكون تصرف الجائر كتصرف

الغاصب إذا انضم اليه إذن المالك ، ومعه لا يمكن بقاء ضمانه . إذ لا يعقل تصحيح

المعاملة من أحد الطرفين دون الاخر فلا يمكن التفكيك بين البيع والشراء بحسب الواقع كما هو واضح .

وأورد عليه الاستاذ الاعظم بأن إذن الشارع في أخذ تلك الحقوق من الجائر

إنما هو لتسهيل الامر على الشيعة لئلا يقعوا في المضيقة والشدة ، فلا إشعار فيه ببراءة

ذمة الجائر فضلا عن الدلالة عليها ، فمقتضى قاعدة اليد هو الضمان .

وفيه : أن ما ذكره إنما هو حكمة الاذن والسيد - قدس سره - يدعي أنه بعد

الاذن في الشراء لا يعقل بقاء الضمان بالنسبة الى عين الخراج . إذ لا يخلو الامر من

صحة بيع الجائر وفساده ، فعلى الاول لا معنى لضمانه ، وعلى الثاني لزم فساد الشراء

والمفروض الحكم بصحته .

وبعين هذا البرهان يبني على عدم الضمان في الهبة أيضا في موارد إذنهم في قبولها ،

واحتمال كون الهبة حينئذ نظير الاتلاف موجبة لانتقال البدل الى ذمة الجائر وإن كان

ممكنا ثبوتا إلا أنه خلاف ظاهر الادلة بحسب المتفاهم العرفي ، وبعدم القول بالفصل

يثبت في سائر المصارف فالاظهر : أنه إذا صرف الجائر تلك الحقوق في المصارف المأذون

فيها برئت ذمته منها .

لا إشكال على ما ذكرناه في براءة ذمة المسلمين لو أخذ السلطان الجائر منهم

اجرة الارض كما هو المشهور بين الاصحاب ، بل في الجواهر : نفي الخلاف في ذلك .

ويشهد به : مضافا الى استفادتها - مما دل على جواز أخذها من الجائر .

 إذ لو لم تكن ذمة المغطى بريئة وكان المال باقيا على ملكه وجب الرد اليه ولم يجز أخذه

 

 

[ . . . ]

والتصرف فيه - جملة من النصوص ، كصحيح يعقوب عن الامام الصادق ( عليه

السلام ) عن العشور التي تؤخذ من الرجل أيحتسب بها من زكاته ؟ قال ( عليه السلام ) :

نعم إن شاء ( 1 ) .

وصحيح عيص بن القاسم عنه ( عليه السلام ) في الزكاة ، ما أخذ منكم بنو

امية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم فإن المال لا يبقى على هذا أن يزكيه

مرتين ( 2 ) ونحوهما غيرهما مما ورد في الزكاة والخمس .

بل الظاهر من بعضها جواز احتساب ما يأخذه الجائر بعنوان الخراج زكاة ،

كصحيح رفاعة عنه ( عليه السلام ) عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه

فيها عشر ؟ قال ( عليه السلام ) : لا ( 3 ) . وقريب منه غيره ، ولكن لم يعمل بها أحد كما في

الجواهر .

وأما ما ظاهره عدم جواز الاحتساب ، كصحيح زيد الشحام قال للصادق

( عليه السلام : جعلت فداك إن هؤلاء المصدقين يأتون ويأخذون منا الصدقة فنعطيهم

إياها أتجزي عنا ؟ قال ( عليه السلام ) : لا إنما هؤلاء قوم غصبوكم ، او قال ظلموكم

أموالكم وإنما الصدقه لاهلها ( 4 ) . فمحمول على صورة التمكن من عدم الدفع ، أو على

استحباب الاعادة كما عن الشيخ في التهذيب .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 20 من أبواب المستحقين للزكاة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 20 من أبواب المستحقين للزكاة حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الغلات حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 20 من أبواب المستحقين للزكاة حديث 6 .

 

 

[ . . . ]

 

ما به يثبت كون الارض مفتوحة عنوة

 

( 7 ) - ثبوت كون الارض مفتوحة عنوة إنما يكون بالشياع المفيد للعلم ولو

العادي منه ، والبينة ، وخبر العدل الواحد بناء على حجيته في الموضوعات كما هو

المختار ، والروايات الواردة عن المعصومين ( عليهم السلام ) .

وأما استمرار السيرة على أخذ الخراج من أرض ، فإن اريد به استمرار سيرة

سلاطين الجور ، فيرده : أن الجائرين المرتكبين للفجائع كيف تكشف سيرتهم عن رضا

المعصوم ( عليه السلام ) ؟ مع أنها لو كانت كاشفة عنه لاختصت بما اذا كان اعتقادهم

استحقاق الخراج من خصوص الاراضي الخراجية ولم تكشف فيما لو اعتقدوا

استحقاقهم الخراج من الانفال ، وحيث إن المفروض هو الثاني لاخذهم الخراج من القسم الثاني

 أيضا فلا يثبت بها .

وإن اريد به استمرار سيرة المؤمنين الاخذين من السلطان الجائر الخراج ، أي

خراج الاراضي المشتبهة ، فيرده : أولا أنه ممنوع صغرى .

وثانيا : أنه يتم إذا لم يكن يعتقدوا جواز أخذ خراج أرض الانفال من يد السلطان .

وثالثا : أنه يتم إذا علمنا بأنهم أخذوه منه مع علمهم بكون المأخوذ خراج تلك

الاراضي وهو كما ترى .

وأما حمل فعل المسلم على الصحة ، فإن اريد به حمل فعل الجائر على الصحة ،

فيرد عليه : أن أخذ الجائر للخراج حرام على أي تقدير ، ومعه لا مورد لحمل فعله على الصحة .

 

 

[ . . . ]

وإن اريد به حمل فعل المؤمن المتلقي لذلك الخراج فيرد عليه : ما تقدم في

السيرة .

ثم إن المنصوص عليه كون أرض العراق التي يعبر عنها بأرض السواد مفتوحة

عنوة ( 1 ) ولكن جرت السيرة العملية القطعية على المعاملة معها معاملة الاملاك

الشيخصية .

ويمكن دفع هذه الشبهة بأنه قد ثبت كون كثير من تلك الاراضي لاربابها لا

للمسلمين .

منها : الموات حال الفتح . فأنها ملك للامام ويملكها من أحياها كما سيمر

عليك ، والظاهر أن المشاهد المشرفة وجملة من البلاد المستحدثة من هذا القبيل ، وعلى

هذا فلا حاجة الى الاستدلال على جواز بيع ما يعمل من التربة الحسينية بالسيرة ،

بتوهم أنها تقيد إطلاق نصوص المنع .

ومنها : الخمس من تلك الاراضي . فإنه يملكها المستحق فينتقل الى غيره

بالمعاملة والارث .

ومنها : الاراضي التي ابقيت في يد أهل الذمة فإنها ملك لاربابها وعليهم الجزية ،

وقد مر في خبر أبي الربيع وجود هذه الارض في أرض العراق ، فعلى هذا إن ثبت كون

أرض بالخصوص من المفتوحة عنوة المحياة حال الفتح لم يجز بيعها ، وما لم بثبت فيه

ذلك جاز . لانحلال العلم الاجمالي لعدم كون جميع اطرافه محل الابتلاء ، لاسيما وأن

الاراضي الخراجية التي يضرب عليها الخراج من أراضي المزارع كثيرة الى الان

وأمرها بيد السلطان .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع .

 

 

[ والموات وقت الفتح للامام ]

 

قال الشيخ في المبسوط على المحكي : ظاهر المذهب أن النبي ( صلى الله عليه

وآله ) فتح مكة عنوة بالسيف ثم آمنهم بعد ذلك ، وإنما لم يقسم الدور والارضين . لانها

لجميع المسلمين فالمسلم الثابت من الاراضي المفتوحة عنوة مكة وأرض العراق ، وأما

غير هذين الموضعين المذكورين فهو محل الاشتباه . لعدم النص الوارد في شئ من

ذلك ، والاعتماد في الاحكام الشرعية على كلام المؤرخين غير الثابت وثاقتهم . محل

إشكال كما صرح بذلك صاحب الحدائق رحمه الله .

 

حكم موات الارض المفتوحة عنوة

 

( و ) أما القسم الثاني وهو ( الموات وقت الفتح ) ف ( للامام ) بلا خلاف أجده ،

بل الاجماع بقسميه عليه كذا في الجواهر ، واستدل له بالنصوص الدالة على أن موتان الارض

 للامام ( عليه السلام ) ( 1 ) .

وقد ادعي صاحب الجواهر والشيخ الاعظم استفاضتها ، بل قيل : إنها متواترة .

واورد عليه : بأنه تعارضها نصوص الاراضي المفتوحة عنوة المتقدمة الدالة

بالاطلاق على أن الموات منها للمسلمين .

واجيب عنه بأجوبة ، منها : ما عن الحلي من تخصيص الثانية بالاولى .

واورد عليه بأن النسبة عموم من وجه .

ومنها : ما عن السيد الفقيه - رحمه الله - من أن أخبار الارض المفتوحة عنوة

منصرفة الى المحياة منه ، وإلا فدعوى أن الموات كانت ملكا للامام قبل الفتح وكانت

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال وباب 3 و . . من كتاب احياء الموات

 

 

[ . . . ]

مغصوبة في أيديهم كما ترى .

وفيه : أنه يمكن دفع هذا المحذور بالالتزام بأن من أحيى أرضا فهي له ولو

كان المحي كافرا ، مع أن الالتزام بذلك لا أرى له محذورا لو وافقه الدليل كما

هو المفروض .

ويمكن أن يقال : إن نصوص كون الموات للامام تقدم على أخبار المفتوحة عنوة

لوجهين ، أحدهما أن مورد تلك الاخبار موات الارض المفتوحة عنوة ، لا أنها بالاطلاق تدل

عليه . إذ الاراضي كلها كانت للكفار ، فلو لم تكن الموات من المفتوحة للامام لم يبق

لما دل على أنها من الانفال مورد . إذ الارض التي سلمها أهلها طوعا للمسلمين ،

والارض التي انجلى عنها أهلها إنما تكون للامام محياة كانت او مواتا ، فهذه أخص

فتخصص بها ، ولعله الى ذلك نظر الحلي .

ثانيهما : ان النسبة وإن كانت عموما من وجه ، إلا أنها في تعارض العامين من

وجه لابد من الرجوع الى الاخبار العلاجية ، وهي تقتضي تقديم أخبار الموات على

نصوص المفتوحة للشهرة التي هي أول المرجحات ، ولعله الى ذلك نظر السيد في

الرياض ، وصاحب الجواهر حيث إنهما قدماها للاجماع .

ثم إنه اذا كانت الارض محياة حين الفتح ثم ماتت فهل هي باقية على ملك

المسلمين كما اختاره الشيخ الاعظم رحمه الله ، وتبعه جمع ، أم تدخل في ملك الامام

كما ذهب اليه جمع آخرون ؟ وجهان .

استدل للاول باختصاص أدلة الموات بما اذا لم يجر عليه ملك مسلم دون ما

عرف صاحبه . فإن تلك الارض حينئذ باقية في ملك مالكها سواء كان هو الشخص

 كما لو أحيى أحد أرضا ، أم كان هو النوع كما في المقام .

وفيه : أن إطلاق ما دل على أن الارض المحياة حال الفتح للمسلمين المتقدم ،

 

 

[ لا يتصرف فيها إلا باذنه ( عليه السلام ) هذا حكم الارض المفتوحة عنوة ،

وأما أرض الصلح ]

 

وما دل على أن من أحيى أرضا ميتة فهي له - الاتي - لا يشمل أرضا ماتت بعد ذلك .

إذ الحكم حدوثا وبقاء تابع لفعلية الموضوع والمفروض انعدامه ، واستصحاب بقاء

الملكية ، مضافا الى عدم جريانه في الشبهة الحكمية لا يجدي في المقام لمحكوميته لما

دل على أن الموات من الارض له ( عليه السلام ) .

ويشير الى ما ذكرناه ما دل على تملك المحيي وإن كانت مسبوقة بملك الغير

كصحيح الكابلي عن الامام الباقر ( عليه السلام ) في حديث : فإن تركها وأخربها

فأخذها رجل من المسلمين من بعد فعمرها وأحياها فهوا حق بها من الذي تركها ( 1 )

ونحوه غيره .

فالاظهر : أنها بعد الموت تكون للامام ( عليه السلام ) ، هذه غاية ما يمكن أن

يقال في المقام ، ولكن الاظهر بقاؤها على ملك مالكها .

نعم اذا اهمل الارض وأحياها أحد يملكها ، وسيأتي تمام الكلام في عدم تمامية

الوجهين وما يقتضيه الجمع بين الروايات في مسألة إحياء الارض الموات .

وحيث عرفت أن الموات وقت الفتح للامام ( عليه السلام ) ف ( لا ) يجوز لاحد

أن ( يتصرف فيها إلا بإذنه ) نعم سيأتي في مسألة الاحياء إذنه ( عليه السلام ) في

إحياء الشيعة ، فانتظر .

 

حكم أرض الصلح

 

( هذا حكم الارض المفتوحة عنوة ، وأما أرض الصلح ) وهي الارض التي

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 3 من أبواب إحياء الموات حديث 2 .

 

 

[ فلاربابها ]

 

فتحت صلحا على أن يكون الارض لاهلها والجزية فيها ( ف ) هي ملك ( لاربابها ) لهم

التصرف فيها بأنواع التصرفات المملكة وغيرها بلا خلاف .

ويشهد به : مضافا الى ذلك ، والى عموم ما دل على مشروعية الصلح ( 1 ) والى ما

وقع من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعدم المخرج لها عن ملكهم - نصوص خاصة ،

لاحظ : صحيح محمد بن مسلم : سألته عن أهل الذمة ماذا عليهم مما يحقنون به دماؤهم

وأموالهم ؟ قال : الخراج ، فإن اخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أراضيهم ، وإن

اخذ من اراضيهم فلا سبيل على رؤوسهم ( 2 ) .

وصحيحه الاخر عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قلت له : أرأيت ما يأخذ

هؤلاء من الخمس من أرض الجزية ويأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم ، أما عليهم

في ذلك شئ وموظف ؟ فقال : كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم ، وليس للامام أكثر

من الجزية إن شاء الامام وضع ذلك على رؤوسهم ، وليس على أموالهم شئ ، وإن شاء

فعلى أموالهم ، وليس على رؤوسهم شئ . فقلت : فهذا الخمس ؟ فقال : إنما هذا شئ

كان صالحهم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ( 3 ) ونحوهما غيرهما .

وتمام الكلام في ضمن فروع :

( 1 ) يختص هذا الحكم بالارض العامرة ، وأما الموات منها فهي للامام . لعموم

ما دل على أن الموات من الاراضي للامام ( 4 ) .

ولا يعارضه هذه النصوص ، لعدم الاطلاق لها كي تشمل الموات منها ، ولما مر

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب الصلح .

( 2 ) الوسائل باب 68 من أبواب جهاد العدو حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 68 من أبواب جهاد العدو حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال

 

 

[ ولو باعها المالك انتقل ما عليها من الجزية الى رقبته ]

 

في المفتوحة عنوة ، إلا اذا دخلت في عقد الصلح صريحا أو ظاهرا .

( 2 ) الظاهر من المصنف وغيره عدم الفرق بين أهل الذمة وغيرهم ، ولكن عن

موضع من النهاية والغنية والروضة أن أرض الصلح هي أرض أهل الذمة ، وفي الجواهر

لعل المراد أنه الذي وقع من النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكيف كان فمقتضى العمومات

عدم الفرق ، واختصاص الجزية المصطلحة بأهل الكتاب لا يستلزم اختصاص الصلح

بهم ، وعلى الجملة ما دل على أن أرض المفتوحة عنوة للمسلمين لا تشمل هذه الارض ،

فمقتضى القاعدة كونها لهم .

( 3 ) ( ولو باعها المالك انتقل ما عليها من الجزية الى رقبته ) مطلقا كما هو

فرض المتن والنافع ، أو اذا كان المشتري مسلما كما هو فرض المختلف والمنتهى

والتحرير والدروس ، وكيف كان فالحكم مشهور بين الاصحاب ، وعن ظاهر الغنية

الاجماع عليه .

وعن الحلبي جعل ما عليها على المشتري وحيث أن ما يجعل على الارض من نصف

الحاصل أو ثلثه أو غير ذلك إنما يكون حقا للمسلمين في تلك الارض من قبيل حق

الجناية ، والبيع إنما يوجب انتقال الارض ، ولا دليل على مانعية هذا الحق عنه ، وأما

الحق نفسه فهو باق متعلق بالارض وانتقلت الارض الى المشتري بهذا النحو ،

فما أفاده الحلبى هو الذي تقتضيه القاعدة .

ويشهد به ايضا : صحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر ( عليه السلام ) عن

شراء أرض اهل الذمة فقال : لا بأس فتكون إذا كان ذلك بنزلتهم ( 1 ) ونحوه آخر

مضمر ( 2 ) يؤدي كما يؤدون ، وظاهر الخبرين هو إرادة هذه الارض بقرينة إضافة الارض

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع حديث 8 .

( 2 ) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع حديث 7

 

 

[ ولو أسلم سقط ما على أرضه أيضا ، ولو شرطت الارض للمسلمين كانت

كالمفتوحة عنوة ، وأما أرض من أسلم عليها أهلها طوعا فلاربابها ، وليس ]

 

الى أهل الذمة . إذ الارض المفتوحة عنوة للمسلمين لا لاهل الذمة ، فالاظهر ما عن الحلبي .

نعم إن لم يكن المشتري عالما فله الخيار كما لا يخفى .

وعلى المختار من أن الجزية على المشتري قد يتوهم أنه لابد من التخصيص

بما إذا كان المشتري غير مسلم . إذ لا جزية على المسلم .

ولكنه مندفع : بأن هذا ليس من قبيل الجزية على المسلم ، بل على الكافر ، فإن

أرضها من جهة تعلق هذا الحق بها ينقص قيمتها ، فالنقص على الذمي .

( 4 ) ( ولو أسلم ) الذي صولح على أن الارض له وعليها كذا وكذا ( سقط ما ) ضرب

( على أرضه أيضا ) بلا خلاف .

ويشهد به ما تقدم من سقوط الجزية مطلقا بالاسلام .

هذا كله فيما لو صولحوا على أن الارض لهم ( و ) أما ( لو ) صولحوا و ( شرطت

الارض للمسلمين ) فلا خلاف ظاهرا في أنه ( كانت ) الارض حينئذ ( كالمفتوحة

عنوة ) عامرها للمسلمين ومواتها للامام ، وهو مضافا الى وضوحه : يشهد به جملة من

النصوص ( 1 ) .

 

حكم ارض من اسلم اهلها طوعا .

 

هذا كله في الاراضي المأخوذة من الكفار غير من أسلم . ( وأما أرض من أسلم

عليها أهلها طوعا ) ورغبة كالمدينة المشرفة والبحرين ( فلاربابها ، وليس عليهم

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 71 و 72 من أبواب جهاد العدو .

 

 

[ عليهم سوى الزكاة مع الشرائط ]

 

سوى الزكاة مع الشرائط ) بلا خلاف ولا إشكال .

ويشهد به : مضافا الى معلوميته من سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) والى أن

الاسلام يحقن به المال والدم - نصوص خاصة ، كصحيح البزنطي : ذكرت لابي الحسن

الرضا ( عليه السلام ) الخراج وما سار به أهل بيته ، فقال : العشر ونصف العشر على من

أسلم طوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ونصف العشرفيما عمر منها ، وما لم

يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين وليس فيما كان أقل من خمسة

أو ساق شئ ( 1 ) .

وما رواه صفوان والبزنطي جميعا قالا : ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من

الخراج وما سار فيها أهل بيته ، فقال : من أسلم طوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه

العشر مما سقي بالسماء والانهار ، ونصف العشر مما كان بالرضا فيما عمروه منها ، وما لم

يعمروه منها أخذه الامام فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين وعلى المتقبلين في حصصهم

العشر أو نصف العشر ، وليس في أقل من خمسة أوسق شئ من الزكاة . الحديث ( 2 ) فلا

إشكال في الحكم في الجملة .

انما الخلاف في ما لو تركوا عمارتها وبقت خرابا ، فالمنقول عن الشيخ وأبي

الصلاح أن الامام يقبلها ممن يعمرها ويعطي صاحبها طسقها ويعطي المتقبل حصة وما

يبقي فهو لمصالح المسلمين يجعل في بيت مالهم .

وقال ابن حمزة : إذا تركوا عمارتها صارت للمسلمين وأمرها للامام ( عليه

السلام ) .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 72 من أبواب جهاد العدو حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 72 من أبواب جهاد العدو حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

وقال ابن البراج : واذا تركوا عمارتها حتى صارت خرابا كانت حينئذ لجميع

المسلمين يقبلها الامام ممن يقوم بعمارتها بحسب ما يراه من نصف أو ثلث أو ربع .

وقال ابن إدريس : الاولى ترك ما قاله الشيخ . فإنه مخالف للاصول والادلة

العقلية والسمعية .

وقال المصنف - ره - في محكى المختلف بعد نقل ، ما قدمناه من الاقوال :

والاقرب ما اختاره الشيخ ، لنا : أنه أنفع للمسلمين وأعود عليهم ، وكان سائغا ، فأي

عقل يمنع من الانتفاع بأرض يترك أهلها عمارتها وإيصال أربابها حق الارض مع أن

الروايات متظافرة بذلك ، ثم ذكر رواية صفوان والبزنطي وصحيحة أحمد بن محمد بن

أبي نصر .

أقول : إن ما ورد في خصوص الارض التي أسلم أهلها طوعا هو خصوص

الخبرين المشار اليهما ، وأما الروايات الاخرى فهي في مطلق الارض العامرة التي

سيأتي الكلام فيها بعد هذه المسألة .

وأما الخبران فظاهرهما فاقد التعمير من رأس ، فإنه الظاهر من قوله ( عليه

السلام ) : وما لم يعمروه أخذه الامام ، في مقابل قوله : فيما عمروه ، وحينئذ فيعارضان مع

ما دل على أن الموات من الاراضي من الانفال وللامام ، وهما أخص منه فيقيد بهما ، إلا

أن الظاهر عدم إفتاء الاصحاب بما تضمناه ، ولكنه لا يوجب حملهما على ما هو محل

البحث .

ويمكن أن يقال : إن عدم التعمير غير الموات والخراب وعليه فالخبران يدلان

على أن الارض العامرة لمن أسلم أهلها طوعا لهم ، والارض التي لم يعمروها وإن لم

تصل الى حد الموات للمسلمين ، وإطلاقهما وإن شمل ما وصل الى ذلك الحد ، إلا أنه

يقيد بما سيأتي في حكم الموات ، والنسبة بينهما حينئذ وإن كانت عموما من وجه إلا أنه

 

 

[ . . . ]

يقدم للاتفاق كما ستعرف .

ويمكن أن يقال : إن الخبرين يدلان على أن الارض العامرة بالعمل لاهلها ،

والارض العامرة غير المستند عمارتها الى أربابها وهي العامرة بالاصالة التي وقع

الخلاف فيها في غير المقام أنها للامام ، أو من المباحات الاصلية يقبلها الامام ممن

يعمرها ويصرف حاصلها في مصالح المسلمين ، وإطلاقهما إن شمل الموات يقيد بما مر .

فالمتحصل من الروايات بعد ضم بعضها الى بعض . أن الارض العامرة من

معمر لاهلها ، والارض التي تركوا عمارتها ولم تصل الى حد الموات ، أو العامرة بالاصالة

يقبلها ممن يعمرها ويصرف حاصلها في مصالح المسلمين .

ثم إنه ليس في الخبرين ذكر للطسق ، بل ظاهرهما بقرينة أن جعل للمتقبلين

الزكاة ولم يتعرض فيهما له ، بل صرح في الاول أنه ليس في أقل من خمسة أو ساق شئ

عدم ثبوته .

وقد استدل له بأنه مقتضي الجمع بين الخبرين وكونها ملكا لاربابها للدليل أو

للاستصحاب .

ويرده : مضافا الى ما تقدم من ظهور الخبرين في عدم ثبوته - أنه لا دليل على

كونها ملكا لهم ولو قبل الاسلام .

 

حكم الارض التي تركت عمارتها

 

خاتمة في بيان أمرين :

الاول : في حكم الارض التي تركت عمارتها .

الثانى : في الاحياء . أما الاول فتنقيح القول فيه في طي فروع :

 

 

[ وكل أرض ترك أهلها عمارتها ف ]

 

1 - ( وكل أرض ترك أهلها عمارتها ف ) إن لم يصل الى حد الموات فلا كلام

في أنها لمالكها ، وإن وصلت الى ذلك الحد ، فتارة لا يحييها أحد ، واخرى يحييها ، فإن لم

يحيها أحد ففيه أقوال :

احدها : أنها تخرج عن ملك مالكها ، وهو الذي اختاره المصنف في بعض كتبه

والشهيد الثاني كذلك .

ثانيها : أنها باقية على ما كانت ولا تخرج لعله المشهور بين الاصحاب .

ثالثها : ما في الحدائق وهو التفصيل بين ما اذا ملكها الاول بالاحياء فإنه يزول

ملكه بعد زوال آثاره ورجوعها الى حالها الاول وبين ما اذا ملكها بغير الاحياء من

شراء أو إرث ونحوهما فلا يزول ملكها عنها .

واستدل للاول بأن الارض أصلها مباح ، فإذا تركها الاول حتى عادت الى ما

كانت عليه صارت مباحة ، وبأن السبب في صيرورتها ملكا هو الاحياء ، فإذا زال

السبب زال المسبب وبإطلاق ما دل على أن الارض الميتة أو الخربة للامام .

وفي الجميع نظر ، أما الاول : فلان كون أصلها مباحا لا يوجب صيرورتها مباحة

بعد ما دخلت في ملك المحيي وخروجها عن ملكه مع دلالة الدليل على ان خروج

الملك لا بد وأن يكون بسبب .

وأما الثاني . فلان المستفاد من الادلة كون ذات الارض مملوكة بسبب الاحياء

وأنه كسائر الاسباب المملكة يكون سببا لحدوث الملكية لا أن الارض المعنوية بعنوان

المحياة مملوكة ، ولا أنه سبب للملكية حدوثا وبقاء .

وأما الثالث . فلانه يتعين تقييد إطلاق تلك النصوص بما في النصوص الاخر

من التقييد بالارض التي لا رب لها .

ويشهد لبقائها على ملك مالكها : مضافا الى أن المستفاد من الادلة أن زوال

 

 

[ . . . ]

الملك لا بد وأن يكون بناقل - الاستصحاب .

وأورد عليه بأن الشك في بقاء الموضوع . لانه إن كان الموضوع ذات الارض

فهي باقية ، وإن كان عنوان المحياة فقد ارتفع ، وبأن الشك في المقام من قبيل الشك

في المقتضي : للشك في أن الاحياء هل هو سبب للملكية حتى بعد عروض الموت أم لا .

ولكن الاول يندفع : بأن الاحياء بنظر العرف بمنزلة الشرط لا من مقومات

الموضوع ، فالموضوع العرفي باق وهو الملاك .

والثاني : بأن الاظهر حجية الاستصحاب مطلقا ، نعم في خصوص جريان

الاستصحاب في الشبهة الحكمية إشكال ، فالعمدة هو الاول .

واستدل للثالث بأنه مقتضى الجمع بين الروايات الخاصة ، وسيمر عليك ما هو

الحق في الجمع بينها ، فالاظهر أنها بالموت لا تخرج عن ملك مالكها مطلقا .

وإن أحياها آخر فهل يملكها كما عن المصنف في التذكرة والشهيد الثاني في

الروضة ، بل عن جامع المقاصد أنه المشهور بين الاصحاب ، أم لا يملكها كما عن

جماعة من المتقدمين والمتأخرين أم يفصل بين ما اذا كان الخراب مستندا الى إهمال

المالك وترك المزاولة لها وبين ما اذا لم يكن مستندا الى ذلك فيملكها على الاول دون

الثاني كما اخترناه في الجزء السابع من هذا الشرح ، أم يفصل بين ما لو كان سبب

ملك الاول الاحياء فيملكها وغيره فلا يملكها ؟ وجوه .

مقتضى القاعدة هو الثاني ، وعموم ما دل على أن من أحيى أرضا ميتة فهي

له ( 1 ) إنما هو في غير المقام على ، ما سيأتي .

وأما النصوص الخاصة فهي طوائف .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال كتاب الخمس

 

 

[ . . . ]

الاولى : ما ظاهره البقاء على ملك المحيي الاول ، كصحيح سليمان بن خالد

عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن الرجل يأتي الارض الخربة فيستخرجها

ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ماذا عليه ؟ قال ( عليه السلام ) الصدقة . قلت : فإن

كان يعرف صاحبها . قال : ( عليه السلام ) : فليؤد اليه حقه ( 1 ) . إذ المراد بالحق إما

الارض أو أجرتها ، وعلى التقديرين يدل على ذلك ونحوه صحيح الحلبى ( 2 ) .

الثانية : ما ظاهره صيرورتها ملكا للمحيي الثاني كصحيح معاوية بن وهب عنه

( عليه السلام ) : أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإن

عليه فيها الصدقة ، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها فأخرجها ثم جاء

بعد يطلبها فإن الارض لله ولمن عمرها ( 3 ) . فإن ظاهره أن الارض لمن يقوم بعمارتها لا

لمن تركها ، وحمله على الاراضي الخراجية بلا وجه .

الثالثة : ما تضمن أحقية الثاني بها ووجوب الخراج عليه كصحيح الكابلي عن

الامام الباقر ( عليه السلام ) فيمن أحيى أرضا . فصدره يدل على أنها له وعليه

الخراج ، ثم يقول : فإن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعد فعمرها

وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها فليؤد خراجها الى الامام من أهل بيتي ( 4 ) .

والطائفة الاخيرة يتعين طرحها كما مر ، وأما الاولييان فحيث إن الثانية مختصة

بصورة الاهمال فتخصص الاولى بها فتكون النتيجة القول الثالث الذي اخترناه .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 3 من أبواب احياء الموات ، حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 3 من أبواب احياء الموات حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 3 من أبواب احياء الموات ، حديث 1 .

( 4 ) الوسائل باب 3 من أبواب احياء الموات حديث 2 .

 

 

[ الامام يقبلها ويدفع طسقها من المتقبل الى أربابها ]

 

الارض غير البالغة حد الموات

 

( 2 ) كل ارض مملوكة ترك أهلها وملاكها عمارتها ولم يبلغ حد الموات ، فالمشهور

بين الاصحاب على الظاهر كما في الرياض وعن الدروس التصريح به ، أن ( الامام

يقبلها ) ممن يعمرها ( ويدفع طسقها ) أى اجرتها المأخوذة ( من المتقبل الى أربابها ) .

واستدل لانه للامام تقبيلها بالغير - بخبر صفوان والبزنطي وصحيح أحمد بن

محمد المتقدمين في الارض التي أسلم أهلها طوعا ، ولا عطاء الطسق : بأنه مقتضى

الجمع بين الحقين ، ولكن قد عرفت أن الخبرين في مورد إسلام أهل الارض طوعا .

اللهم إلا أن يثبت في غيره بعدم القول بالفصل ، ولا بأس به ، لكن عرفت

أنهما ظاهران في عدم ثبوت الطسق .

 

تملك الارض الميتة بالاحياء

 

الثاني : في أن الارض الميتة هل تملك بالاحياء أم لا ؟ وهي قسمان .

الاول : مالها مالك غير الامام ، فالكلام فيها قد مر في الامر الاول .

الثاني في الموات التي لا مالك لها غير الامام ، وتنقيح القول فيه بالبحث في

جهات :

الاولى : أن الارض الموات وهي الارض المعطلة التي لا ينتفع بها لذلك إما

لانقطاع الماء عنها أو لغير ذلك ، تارة يكون لها مالك بأن كانت معمورة لمالك ثم

خربت ، واخرى لا رب لها ، إما لكونها مواتا بالاصالة ، أو ما صارت مواتا بعد ما كانت

 

 

[ . . . ]

معمورة بالاصالة غير المملوكة لاحد ، فإن لم يكن لها مالك فهي للامام بلا خلاف ولا

إشكال نصا وفتوى ، وأفاد الشيخ الاعظم - ره - من أن النصوص بذلك مستفيضة ،

بل قيل : إنها متواترة ، ولعلها كذلك فإنها طوائف :

منها : ما تضمن كون الارض الخربة للامام ( عليه السلام ) أو من الانفال

كمصحح حفص ( 1 ) وموثق سماعة ( 2 ) ونحوهما غيرهما .

ومنها : ( ما تضمن أن الارض الخربة التي باد أهلها له أو منها كخبر أبي بصير ( 3 )

وغيره .

ومنها : ما تضمن أن الارض الميتة التي لا رب لها أو الارض التي لا رب لها له

كمرسل حماد ( 4 ) وغيره .

ومنها : ما تضمن أن الارض كلها له كصحيح الكابلي ( 5 ) .

ومنها : ما تضمن أن موتان الارض له كالنبويين ( 6 ) .

وبعض هذه الطوائف وإن كان في دلالته تأمل ، إلا أنه كما أفاده الشيخ يمكن

دعوى تواترها الاجمالي بالنسبة الى الحكم في الجملة أو استفاضتها كذلك .

وان كان لها مالك فالاظهر أنها باقية على ملكه كما مر ، وما دل على أن الارض

الميتة أو الخربة للامام - المتقدم - يقيد إطلاقه بما دل على أن الارض الميتة التي لا

رب لها له .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال حديث 1 كتاب الخمس .

( 2 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال حديث 8 .

( 3 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال حديث 28 .

( 4 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال حديث 4 .

( 5 ) الوسائل باب 3 من أبواب احياء الموات حديث 2 .

( 6 ) المبسوط كتاب احياء الموات التذكرة ج 2 ص 400 .

 

 

[ وكل من أحيى أرضا مواتا باذن الاما فهو احق بها ]

 

الثانية : في الاحياء ( و ) قد طفحت كلماتهم بأن ( كل من أحيى أرضا مواتا

بإذن الامام فهو أحق بها ) أو فهي له .

أقول : أصل مملكية الاحياء في الجملة مما لا إشكال فيه ، ويشهد به جملة من

النصوص كقول الامام الصادق ( عليه السلام ) - في الحسن كالصحيح - قال رسول

الله صلى الله عليه وآله : من أحيى أرضا مواتا فهي له ( 1 ) .

وقول الامام الباقر ( عليه السلام ) - في الصحيح - قال رسول الله صلى الله

عليه وآله من أحيى مواتا فهو له ( 2 )

وقول الامام الصادق في معتبر السكوني : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

من غرس شجرا أو حفر واديا الى أن قال أو أحيى أرضا ميتة فهي له قضاء من الله

ورسوله ( 3 ) ونحوها غيرها .

وأما اعتبار الاذن ، فعن الشيخ في الخلاف والمحقق الثاني في جامع المقاصد

وغيرهما في غيرهما دعوى الاجماع على اعتبار الاذن .

وقيل : لا يعتبر .

وقيل : يفصل بين زمان الحضور فالاول ، وزمان الغيبة فالثاني .

يشهد لاعتباره : ما دل من العقل والنقل على حرمة التصرف في مال الغير بغير

إذنه ورضاه .

واستدل لعدم الاعتبار بأنه يكفي إذن مالك الملوك في ذلك وإن لم يأذن مالكها

كما في التمليك بالالتقاط وحق المارة .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب احياء الموات حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 2 من أبواب احياء الموات حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 1 من أبواب الانفال حديث 6 ، كتاب الخمس .

 

 

[ . . . ]

وفيه : أنه لا شئ يتوهم كاشفيته عن إذن مالك الملوك سوى النصوص

المتقدمة الدالة على سببية الاحياء للملك ولا كاشفية لها . لانها كأدلة سائر الاسباب

فكما أنها لا تعارض ما دل على إناطتها بإذن المالك كذلك هذه .

واستدل للثالث بامتناع الاستيذان منه ( عليه السلام ) في زمان الغيبة ولم يدل

دليل على نيابة الفقيه عنه في هذه الامور مع مشروعية الحياء مطلقا .

ويرده : أنه يتوقف على عدم ثبوت صدور الاذن منهم ( عليه السلام ) وسيأتي الكلام فيه .

ثم إن القائلين باعتبار الاذن يدعون صدوره منه ( عليه السلام ) واستندوا في

ذلك الى وجوه ، أحدها : النبويان المتقدمان ، حيث إنه في أحدهما : " ثم هي لكم مني "

وفي الاخر : " ثم هي لكم مني أيها المسلمون " ومقتضاهما وإن كان هو التمليك ولو مع

عدم الاحياء ، إلا أنه جمعا بينهما وبين ما دل على سببية الاحياء نلتزم بملكية المحيي

خاصة .

ويرده أنهما غير مرويين من طرقنا وضعيفا السند .

ثانيها : نفس قولهم ( عليه السلام ) : من أحيى أرضا مواتا فهي له . فإنه وإن

تضمن الاذن التشريعي في الاحياء ، إلا أن صدور ذلك من المالك يقتضي كونه إذنا

مالكيا ، نظير من قال : من دخل داري فله كذا . فإنه متضمن للاذن المالكي كتضمنه

لسببية الدخول للجزاء ، كذلك في المقام .

وفيه : أن الاذن المالكي لا بد وأن يصدر من المالك فهذه النصوص المتضمنة

لهذه الجملة تفيد بالنسبة الى أزمنة الائمة الذين قبل إمام زماننا ( عليهم السلام ) ،

وحيث إنها لم تصدر منه ( عليهم السلام ) وهو المالك فلا يفيد ذلك كما لا يخفى .

 

 

[ . . . ]

ثالثها : أخبار التحليل ( 1 ) سيما مثل خبر مسمع بن عبد الملك عن الامام

الصادق ( عليه السلام ) : وكل ما كان من الارض في أيدي شيعتنا فهم فيه محللون

ومحلل ذلك لهم الى أن يقوم قائمنا . الحديث ( 2 ) فإنه يستفاد منها حلية التصرف ، فبضمها

الى ما تضمن سببية الاحياء للملك يستنتج إذنهم عليهم السلام في التملك بالاحياء ،

وهذا الوجه يتوقف على ثبوت تحليل الاراضي التي هي من الانفال ، وقد أثبتنا ذلك

في مبحث الانفال في الجزء السابع من هذا الشرح .

رابعها : ما أفاده كاشف الغطاء ، - ره - وهو دلالة شاهد الحال على رضاهم

بالاحياء وطيب نفسهم بعمارة الارض ، ولا بأس به أيضا ، فالاظهر ثبوت رضاهم

بالاحياء .

ثم إنه هل يختص مملكية الاحياء ، بما اذا كان المحيي مسلما ، كما عن التذكرة

وجامع المقاصد ، بل عن الاول الاجماع عليه ، أم لا فرق بين المسلم والكافر ، كما عن

صريح المبسوط والخلاف والسرائر والجامع وظاهر المهذب والنافع واللمعة وغيرها ؟

وجهان :

يشهد للثاني : مضافا الى اطلاق جملة من الاخبار - صحيح محمد بن مسلم :

سألته عن الشراء من أرض اليهود والنصارى ، فقال : ليس به بأس - الى أن قال -

أيما قوم أحيوا شيئا من الارض أو عملوه فهم أحق بها وهي لهم ( 3 ) ونحوه صحيح

الفضلاء ( 4 ) وخبر زرارة ( 5 ) .

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب الانفال كتاب الخمس .

( 2 ) الوسائل باب 4 من أبواب الانفال حديث 12 .

( 3 ) الوسائل باب 1 من أبواب احياء الموات .

( 4 ) الوسائل باب 1 من أبواب احياء الموات .

( 5 ) الوسائل باب 1 من أبواب احياء الموات .

 

 

[ . . . ]

واستدل للاختصاص بالنبويين المتقدمين ، وبصحيح الكابلي المقتدم من أحيى

أرضا من المسلمين ، فليعمرها .

ولكن النبويين ضعيفان ، والصحيح لا مفهوم له . كي يقيد إطلاق النصوص ،

ويعارض مع ما تقدم فالاظهر عدم الاختصاص ، إلا أنه حيث عرفت اعتبار الاذن ،

وأنه يثبت إذنهم بأخبار التحليل المختصة بالشيعة ، ودلالة شاهد الحال ، ففي زمان

الغيبة الالتزام بملكية الارض لغير الشيعة يتوقف على إحراز رضاه بذلك ، وإلا فلا

يكون مملكا ولا محرز له ، بل صحيح عمر بن يزيد عن مسمع بن عبد الملك المتقدم ما

كان في أيدي سواهم ، فإن كسبهم من الارض من الارض حرام عليهم حتى يقوم

قائمنا فيأخذ الارض الحديث ( 1 ) صريح في عدم الاذن لغير الشيعة ، فالاظهر هو

الاختصاص بهم .

ثم إن صريح جماعة وظاهر آخرين : أن الملك بلا عوض ، وعن فوائد الشرائع

احتمال العوض .

أقول : ظاهر قولهم ( عليه السلام ) : من أحيى أرضا مواتا فهي له . هو حصول

الملك مجانا ، ومقتضى صحيح الكابلي وخبر عمر بن يزيد هو إيجاب الخراج المنافي

لكونه ملكا ، ومقتضى نصوص التحليل سقوط الخراج ، والجمع بين هذه الطوائف

بحمل نصوص الخراج على زمان الحضور كما هو ظاهر المتن - يأباه صريح نصوص

التحليل ، كما أن حمل نصوص الخراج على بيان الاستحقاق - ينافي ظهورها في الفعلية .

فالحق أن يقال : إن نصوص الخراج لا بد من تأويلها أو رد علمها الى أهلها

لمعارضتها مع نصوص التملك بالاحياء وعدم عمل الاصحاب بها ، مضافا الى ما

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب الانفال ، حديث 12 .

 

 

[ ولو كان لها مالك عليه طسقها له وإلا فللامام ، ومع غيبته فهو أحق به ،

ومع ظهوره له رفع يده ]

 

ذكرناه في الجزء الرابع عشر من هذا الشرح من عدم كون هذه الارض منها ، فنصوص

الاحياء لا معارض لها .

هذا كله في الارض الميتة التي لا رب لها .

( و ) أما ( لو كان لها مالك ) فقد عرفت أنها بالموت لا تخرج عن ملكه ، وللامام

تقبيلها من غيره وصرف حاصلها في مصالح المسلمين لو ترك مالكها عمارتها ولم تبلغ

حد الموت ، وكذا لو وصل الى حد الموات ولم يكن ذلك عن إهمال مالكها ، وإن كان

عن إهمال يملكها كل من أحياها من دون أن يكون عليه شئ فما في المتن من أنه

كان ( عليه طسقها له ) غير تام .

( وإلا ) أي وإن لم يكن لها مالك ( ف ) الطسق ( للامام ) لان الارض الميتة التي

لا رب لها قد عرفت أنها للامام ، فاجرتها وعوضها له ( عليه السلام ) ولكن قد عرفت

أنه لا عوض لها بل المحيي يملكها مجانا .

هذا كله مع الحضور ( و ) أما ( مع غيبته ف ) في المتن وبعض كتب المصنف

الاخر وفي الشرائع ( هو ) أي المحيي ( أحق به ومع ظهوره له رفع يده ) وقد صرح

المصنف - ره - في محكي التذكرة بأن المحيي لا يملكها ، بل يثبت له بالاحياء الاحقيقة ،

وقدعرفت أنه بالاحياء يملك حتى في زمان الغيبة ، وأما أنه ( عليه السلام ) بعد ظهوره

كيف يرفع يده عنه فهو بحث لا ربط لنا به ، وهو اعلم بما يفعله .

 

شرائط التملك بالاحياء

 

الثالثة : في شرائط التملك بالاحياء زيادة على ما عرفته من اعتبار الاذن ،

 

 

[ . . . ]

وهي امور :

1 قصد التملك ذكره الشهيد ره ، وفي المسالك أنه يستفاد اعتبار ذلك من

اشتراط الامور المذكورة في التملك فإنه يستلزم القصد . لان التملك إرادة الملك ،

وكيف كان فقد استدل لاعتباره بوجوه :

الاول : الاجماع . لان الاصحاب ذكروا أنه يشترط في التملك بالاحياء امور ،

ومن الواضح أن التملك غير الملك وهو متقوم بالقصد .

وفيه : أن التملك عبارة عن فعل يوجب انتساب الملك الى الانسان ، فلو لم

تكن الارادة قيدا في الاحياء لما كان دخيلا في صدق التملك به .

الثاني : أن المنساق الى الذهن النصوص ذلك ولا أقل من الشك .

وفيه : أن الانسباق ممنوع ، والشك لا يمنع من التمسك بالاطلاق .

الثالث : أن الوكيل والاجير الخاص لو أحييا أرضا صارت ملكا للموكل

والمستأجر ، وهذه آية دخالة القصد وأنها تصير ملكا لهما لقصد ذلك .

وفيه : أن المعيار في هذا الباب ليس هو دخالة القصد في التملك ، بل المعيار

كون الشئ من العناوين القابلة للنيابة والوكالة بنظر العرف ومن الواضح أنه بنظر

العرف الاحياء كذلك ، فلو قصد الاحياء للغير يقع له ، وإن لم يقصد التملك له ، إنما

الكلام في المقام فيما لو لم يقصد .

الثالث : الشك في السبب والاصل يقتضي عدمه .

وفيه : أن الاحياء ليس من قبيل البيع اسما للمسبب ، كي يشكل التمسك

بإطلاق دليل إمضاء المسبب ، لعدم دخل شئ في السبب وإن كان هو أيضا غير تام ،

بل هو إسم للسبب ، فلا ريب في رفع الشك في دخالة شيئ فيه بإطلاق الدليل .

ويمكن أن يستدل لعدم اعتباره : مضافا الى إطلاق الدليل - أنه لا ريب في

 

 

[ أن لا يكون في يد مسلم ولا حريما لعامر ]

 

أن الوكيل والاجير لو لم يقصد التملك بل كان الاحياء منهما لهما بلا قصد التملك

يملك الموكل والمستأجر ، وهذه قرينة قطعية لعدم دخل قصد التملك ولعله لذلك لم

يذكره الاصحاب .

الثانى : ( أن لا يكون في يد مسلم ) أو مسالم ما لم يعلم فسادها ، كي تكون

محترمة ، بلا خلاف ولا إشكال . لان ذلك يمنع عن مباشرة الاحياء لغير المتصرف ، كذا

في الرياض .

ولكن قد عرفت أنه لو كانت الميتة ملكا للغير وأهمل في تعميرها للمحيي

الثاني أن يحييها ويملكها ، نعم لو لم يكن مهملا في ذلك ليس لغيره إحياؤها .

وعن حواشي الشهيد : أن المراد باليد اليد المصاحبة للاحياء أو العمارة ولو

بالتلقي ممن فعل ذلك أو أرض أسلم أهلها طوعا لا مطلق اليد .

وفيه : أن التقييد بالمحترمة يغني عن ذلك . فإنه في غير المورد المذكور لا تكون

اليد علامة الملكية مع أن في الارض التي أسلم أهلها طوعا كلاما تقدم .

( و ) الثالث : أن ( لا ) يكون الموات ( حريما لعامر ) بستان أو دار أو قرية أوبلد

أو مزرع أو غير ذلك مما يتوقف الانتفاع بالعامر عليه ، كالطريق المسلوك اليه ، وحريم

البئر والحائط ونحو ذلك ، بلا خلاف فيه كما في المسالك ، وعن التذكرة : لا نعلم خلافا

بين علماء الامصار أن كل ما يتعلق بمصالح العامر كالطريق والشرب ومسيل ماء

العامر ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلاته أو لمصالح القرية كقناتها ومرعى ماشيتها

ومحطبها ومسيل مياهها لا يصح لاحد احياؤه ولا يملك بالاحياء ، وكذا حريم الابار

والانهار والحائط وكل مملوك لا يجوز إحياء ما يتعلق بمصالحه . لمفهوم المرسل المزبور ،

ولانه لو جاز إحياؤه أبطل الملك في العامر على أهله ، وهذا مما لا خلاف فيه ، وعن

جامع المقاصد : الاجماع عليه .

 

 

[ . . . ]

ويشهد به : مضافا الى الاجماع ، والى قاعدة نفي الضرر - بناء العقلاء . فإنه لا

ريب في كون بنائهم على عدم جواز تصرف الغير في حريم العامر بغير إذن أربابه ،

والنصوص الكثيرة دالة عليه وهي مذكورة في كتاب إحياء الموات كما أن حد الحريم

مذكور هناك ، بل الظاهر من جملة من تلك النصوص ملكية الحريم لمالك العامر ،

لا حظ : خبر محمد بن عبد الله الذي قريب من الصحيح بالبزنطي عن الامام الرضا

( عليه السلام ) عن الرجل تكون له الضيعة وتكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين

ميلا أو أقل أو أكثر يأتيه الرجل فيقول : أعطني من مراعي ضيعتك واعطيك كذا وكذا

درهما . فقال ( عليه السلام ) : اذا كانت الضيعة له فلا بأس ( 1 ) .

وحسن إدريس بن زيد عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : قلت : جعلت فداك

إن لنا ضياعا ولها حدود ولنا الدواب فيها مراعي وللرجل منا غنم وإبل ويحتاج الى

تلك المراعي لابله وغنمه أيحل له أن يحمى المراعى لحاجته اليها ، فقال ( عليه

السلام ) : إذا كانت الارض أرضه له أن يحمى ويصير ذلك الى ما يحتاج اليه . قال :

وقلت له : الرجل يبيع المراعى . فقال ( عليه السلام ) : اذا كانت الارض أرضه فلا

بأس ( 2 ) .

وعليهما يحمل إطلاق خبر موسى بن ابراهيم عن أبي الحسن ( عليه السلام )

عن بيع الكلاء والمرعي ، فقال ( عليه السلام ) : لا بأس به وقد حمي رسول الله صلى

الله عليه وآله النقيع لخيل المسلمين ( 3 ) .

أضف الى ذلك ما في المسالك ، قال : فالاشهر أنه يملك بما يملك العامر . لانه

…………………………………………………

( 1 ) الوسائل باب 9 من كتاب إحياء الموات حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 22 من أبواب عقد البيع حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 9 من أبواب إحياء الموات حديث 3 .

 

 

[ ولا مشعرا للعبادة ، ولا مقطعا ، ]

 

مكان استحق بالاحياء فملك كالمحيي ، ولان معنى الملك موجود فيه . لانه يدخل مع

المعمور في بيعه وليس لغيره إحياؤه ، ولا التصرف فيه بغير إذن المحيي ، ولأن الشفعة

تثبت بالشركة في الطريق المشترك وهو يدل على الملك .

وقال بعضهم : إنه غير مملوك وإنما هو حق من حقوقه . لان الملك يحصل

بالاحياء ولا يوجد فيها إحياء .

واجيب بمنع المقدمتين ، بأنه لا يشترط في تحقق الاحياء مباشرة كل جزء من

المحكوم بإحيائه ، ألا ترى أن عرصة الدار تملك ببنائه الدار وإن لم يوجد في نفس

العرصة إحياء ، وإنما الاحياء تارة يكون بجعله معمورا وتارة بجعله تبعا للمعمور .

انتهى ، وهو حسن .

( و ) الرابع : أن ( لا ) يسميه الشارع ( مشعرا ) محلا ( للعبادة ) كعرفة ومنى

ومزدلفة وغيرها من الاماكن المشرفة التي جعلها الله مناسكا للعبادة ، فهي في الحقيقة

ليس من الموات ، بل هي أعظم من الوقف الذي يتعلق به حق الموقوف عليهم . فإن

الشارع المالك الحقيقي قد عينها موطنا للعبادة ، فلا تشملها أدلة إحياء الموات .

وعلى ذلك فما أفاده غير واحد من أنه لو عمر فيها ما لا يضر ولا يؤدي الى

ضيقها عما يحتاج اليه المتعبدون كاليسير لم امنع منه . إن اريد به تملك اليسير منها فهو

مخالف للضرورة كما نبه عليه صاحب الجواهر ره ، وإن اريد به التعمير فيها ليكون له

حق الاولوية فلا بأس به .

( و ) الخامس : أن ( لا ) يكون ( مقطعا ) من إمام الاصل لغيره ، ولو كان مواتا

خاليا عن التحجير بلا خلاف ولا إشكال ضرورة أن الموات له يتصرف فيها ما يشاء

وباقطاعه يمنع غير المقطع عن إحيائها ويخصصها بالمقتطع ، فلا يصح دفع هذا

الاختصاص بالاحياء ، هكذا قالوا .

 

 

[ ولا محجرا والاحياء بالعادة ]

 

ولكن قد عرفت أن الاحياء قسمان ، أحدهما : الموات التي للامام ، ثانيهما :

إحياء غير المالك للموات التي لها مالك خاص ، وما ذكروه يتم في الاول ، ولا يتم في

الثاني .

اللهم إلا أن يقال : إن إجماع الاصحاب على أنه لا يصح إحياؤها مطلقا ، بل

عن المبسوط نفي الخلاف فيه بين المسلمين فيه يقيد إطلاق الادلة ، إلا أن الذي يسهل

الخطب أن لا ثمرة مهمة لذلك في هذا الزمان ، ومع ظهوره ( عليه السلام ) هو أعلم بما

يفعل .

( و ) الشرط السادس : أن ( لا ) يكون ( محجرا ) أي لم يسبق اليه سابق

بالتحجير ، فإن التحجير - كما سيأتي - لا يفيد الملكية بل يفيد أولوية واختصاصا ،

فاذا ثبت الحق للمحجر فلو زاحمه أحد وأحياها لم يملك .

لانه أحيى ما ليس له

إحياؤه ، مع أن الاحياء اذا أفاد الملك وجب أن يفيد الشروع فيه عدم جواز إحياء

غيره ليأمن من يقصد الاحياء بالشروع في العمارة .

ثم إنه حيث لا إطلاق لدليل التحجير - كما ستعرف فالمتيقن منه ما لو لم يهمل

العمارة ، ولكن إيكال ذلك الى نظر آحاد المكلفين ينجر الى النزاع والتشاجر فلا محالة

يكون النظر فيه الى الحاكم فيرفع الامر اليه وهو يجبر المحجر على أحد الامرين : إما

الاحياء أو رفع اليد ، ولو امتنع أخرجه الحاكم وأذن لغيره إحياءه .

 

كيفية الاحياء

 

( و ) الرابعة : في كيفية ما يحصل به صدق ( الاحياء ) ولا خلاف ظاهرا في أن

الميزان ( بالعادة ) والعرف ، فكل ما يصدق عليه في العرف والعادة أنه إحياء يترتب عليه

 

 

[ . . . ]

حكمه . إذ لم يرد من الشارع الاقدس تحديد فيه ورتب الحكم عليه ، فلا محالة يكون

المتبع نظر العرف .

فإن قيل : إن نظر العرف يتبع في تعيين المفهوم وأما في صدقه على مصاديقه

فلا بد من إعمال الدقة العقلية . وقد اشتهر أن المسامحات العرفية في تطبيق المفاهيم

على مصاديقها تضرب على الجدار .

أجبنا عنه : انه تارة يكون حدود المفهوم مبينة ، والشك في الصدق من ناحية

الامور الخارجية ، واخرى يكون الحدود غير مبينة ، وهو السبب في الشك في الصدق ،

وما افيد يتم في الاول ، وأما في الثاني ، فإذا اخذ العنوان في الموضوع من دون بيان

للمفهوم فبدلالة الاقتضاء يستكشف اتحاد نظر الشارع مع نظر العرف ، ويعبر عنه

بالاطلاق المقامي ، وعى الجملة فالمتبع هو نظر العرف فيما هو إحياء ، وللقوم كلمات في

المقام أحسنها وأجمعها ما ذكره الشهيد الثاني في المسالك قال :

ويختلف ذلك باختلاف ما يقصده من عمارة الموات وتفصيله بصور ، إحداها :

إذا أراد السكنى اعتبر في الملك أمران ، أحدهما : تحويطه إما بالاجر أو اللبن أو الطين

أو الخشب أو القصب بحسب العادة ، والثاني تسقيفه ولو بعضه ليتهيأ للسكنى وليقع

عليه اسم المسكن عرفا ، ولا يشترط نصب الباب عندنا . لان نصب الباب للحفظ

والسكنى لا يتوقف عليه ، واعتبره بعض العامة ، لان العادة في المنازل أن يكون لها

أبواب وما لا باب له لا يتخذ مسكنا ، وبعضهم لم يعتبر السقف ، لقوله صلى الله عليه

وآله : من أحاط حائطا على أرض فهي له ( 1 ) ولان الحائط حاجز يمنع فكان إحياء ، كما

لو جعلها حظيرة للغنم لان القصد لا اعتبار به فإنه لو أرادها حظيرة فبناها . بجص

…………………………………………………

( 1 ) مستدرك الوسائل باب 1 من أبواب احياء الموات حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

وآجر وقسمها بيوتا فإنه يملكها وإن كان هذا العمل لا يعمل للغنم مثله ، ولانه لو

بناها للغنم ملكها بمجرد الحائط ، فإذا ملكها جاز له أن يبنيها دارا من غير اشتراط

تسقيف ، وفي التذكرة نفي عن هذا القول البأس . ووجهه واضح .

الثانية : إذا أراد ذربية للدواب أو حضيرة يجفف فيها الثمار أو يجمع فيها الحطب

أو الحشيش اعتبر التحويط ، ولا يكفي نصب سقف أو أحجار من غير بناء . لان

التملك لذلك لا يقصر عليه في العادة ، وإنما يفعله المختار المرتفق ، ولا يشترط

التسقيف هنا إجماعا قضاء للعرف ، وفي تعليق الباب هنا كما سلف .

الثالثة : أن يتخذ الموات مزرعة فيعتبر في إحيائه جمع التراب حواليه ليتفصل

المحيي عن غيره ويسمى بالمرز بكسهر أو تمييزه بمسناة بضم الميم ، وهو مثل المرز ،

وربما كان أزيد منه ترابا ، ومثله نصب القصب والشوك حولها ، وقد يجعل أحد هذه

المسناة ويخص التراب بالمرز وجعل الحجر حولها كجعل التراب ، واكتفى المصنف -

ره - في الاحياء للزرع ذلك أو سوق الماء اليها بساقية أو ما شابهها إن احتاجت الى

السقي ولم يكتف بماء السماء وإلا فلا حاجة اليه ، وبعضهم اعتبر فيه الامرين ، وهو

حسن .

وهذا إذا لم يكن مستأجمة بنحو الشجر وإلا اعتبر عضد شجرها كما يعتبر ذلك

للغرس ، وبقي في العبارة أنه اعتبر سوق الماء اليها حيث يفتقر اليه ، والحق الاكتفاء

بترتيب الماء لها بأن يحفر له المجرى ويهيئه للوصول وإن لم يسبقه اليها بالفعل كما لا

يشترط سيقها وزرعها بالفعل . لان الاحياء يتحقق بالتهئية لا بالانتفاع بالفعل ، ولا

يشترط حراثها ولا زراعها لان الزراعة استيفاء منفعة الارض واستيفاء المنفعة خارج

عن حد الاحياء ، كما أنه لا يعتبر في إحياء الدار أن يسكنها واعتبره بعض العامة . لان

الدار والزرية لا تصير محياة إلا اذا حصل فيها عين الماء فكذا المزرعة ، والاصل

 

 

[ . . . ]

ممنوع .

الرابعة : أن يتخذه للغرس ، وقد اختلفت عبارات الفقهاء فيما يتحقق به

الاحياء لهذه المنفعة ، والمصنف - ره - اعتبر فيه أحد امور : إما غرسها بالفعل مع ثبات

الغرس وسوق الماء اليها ، وإما عضد شجرها وإصلاحها بإزالة الاصول . وتسوية

الارض إن كانت مستأجمة ، أو بقطع المياه الغالبة عنها وللعمارة ، وظاهره أن كل واحد

من هذه الثلاثة كاف في الاحياء محتجا بدلالة العرف عليه ، وإنما اعتبر غرس

الاشجار وبناؤها ، لان اسم البستان لا يقع على الارض المهياة له قبل الغرس بخلاف

المزرعة . فإنها تقع على الارض قبل الزراعة ، ولان الغرس يدوم ، فالحق ببناء الدار

والزرع بخلافه .

ويشكل : بأن قصد الغرس أعم من جعله بستانا ، ولا يلزم من توقف اسم

البستان على الشجر توقف غيره ، والاقوى : عدم اشتراط الغرس مطلقا ، وعدم

الاكتفاء بكل واحد من الثلاثة على انفراده على تقدير الحاجة اليها أجمع بأن كانت

الارض مستأجمة والماء غالبا عليها ، بل لابد حينئذ من الجمع بين قطع الشجر ودفع

الماء ، وإن وجد أحدهما خاصة اكتفى بزواله ، وإن خليت عنهما واحتاجت الى الماء

فلا بد من تهيئة للسقي كما ذكرناه في الزرع ، ولو خليت عن الجميع بأن كانت غير

محتاجة الى السقي ولا مستأجمة ولا مشغولة بالماء اعتبر في إحيائها التحجير عليها

بحائط ونحوه ، وفي الاكتفاء حينئذ بغرسها مع ثبات الغرس وجه ، وفي كلام الفقهاء

اختلاف كثير في اعتبار ما يعتبر من ذلك ، والمحصل ما ذكرناه ، انتهى ، وهو حسن .

ثم إنه لو شك في صدق الاحياء في مورد لا بد من الرجوع الى الاصل وهو

يقتضي العدم كما لا يخفى .

 

 

[ والتحجير لا يفيد التمليك بل الاولوية . ]

 

حكم التحجير

 

( و ) الخامسة : ( التحجير لا يفيد التمليك بل الاولوية ) بلا خلاف ، وعليه

الاجماع في كلمات جماعة ، والكلام تارة في الموضوع واخرى في الحكم .

أما الاول فهذا اللفظ وإن لم يرد في رواية ولو ضعيفة ، إلا أن الظاهر وقوعه

في معقد الاجماع ، وكيف كان فقد صرح غير واحد بأن المراد منه هو الشروع في

الاحياء شروعا لم يبلغ حد الاحياء .

وما في الجواهر من احتمال كونه أعم من الشروع في الاحياء : يدفعه : أنه بعد

فرض أن عمدة المدرك الاجماع وما لا إطلاق له وتصريح جمع من المجمعين بأن المراد

منه ذلك صرف الاحتمال لا يفيد شيئا ، فالقدر المسلم مما هو موضوع الحكم هو ذلك :

قالوا : والتحجير : مثل أن ينصب على الارض التي يريد إحياءها مرزا ويجمع

حواليها التراب أو يغرز فيها خشبات أو يخط عليها خطوطا أو نحو ذلك ، ومنه أن

يحفر النهر ولم يصل الى منزع الماء وأن يعمل في المعادن الباطنة عملا لا يبلغ نيلها أما

بلوغه فهو إحياء ، ولا تحجير في المعادن الظاهرة لانه شروع في الاحياء وهو منتف

فيها .

وأما حكمه ، فقد اتفقوا على أنه لا يفيد الملك ويفيد حق الاختصاص

والاولوية ، أما عدم إفادته الملك . فللاصل بعد كون السبب هو الاحياء المفروض

عدمه ، وأما أنه يفيد حق الاختصاص فيمكن الاستدلال له بوجوه : أحدها : الاجماع ،

ثانيها : بناء العقلاء عليه فتأمل ، ثالثها : أنه اذا كان الاحياء مفيدا للملك وجب أن

يفيد الشروع فيه الاحقية نحو البيع والاستام . ليأمن من يقصد الاحياء بالشروع في