[ . . . ]

للاستصباح به .

 

اشتراط الاستصباح في البيع

 

الاول : انه قد صرح جماعة بان صحة بيع هذا الدهن مشروطة بكونه

( للاستصباح به ) وهم مابين من اشترط كونه صريحا ، ومن اكتفى بالقصد ، وصرح

اخرون بعدم الاعتبار ومجموع اقوال المسألة او وجوهها ستة :

الاول : اعتبار اشتراط الاستصباح في صحة البيع .

الثاني : اعتبار قصد الاستصباح فيها .

الثالث : اعتبار عدم قصد المنفعة المحرمة .

الرابع : اعتبار قصد المنفعة المحللة اذا لم تكن المنفعة المحللة شائعة .

الخامس : اعتبار الاستصباح الخارجي .

السادس : عدم اعتبار شئ من هذه القيود فيها .

والذي يختاره الشيخ ره في آخر كلامه هو الوجه الثالث ، والاظهر منها هو

الاخير .

وتحقيق القول في المقام يقتضي ان يقال : ان الدهن المتنجس على اقسام أربعة :

الاول : ماتكون منفعته المقصودة هي الاكل ولو للتداوي ، ولايكون

الاستصباح من منافعه المقصودة ، باعتبار مزاحمة هذه المنفعة في الاستيفاء مع المنفعة

الاخرى وهي الاكل وهو انفع منها بمراتب في العرف ، بحيث لاتلاحظ منفعة

الاستصباح في ماليته ، ولعل من هذا القسم دهن اللوز ، اذ ماليته بعد كون فائدتي

الاكل والاستصباح لايمكن استيفائهما معا ، انما تكون في نظر العرف باعتبار الاكل

لما فيه من فوائد وخواص مهمة لايقوم غيره مقامه ولو باضعاف قيمته بخلاف

الاستصباح .

 

 

[ . . . ]

الثاني : ماتكون منفعة المقصودة التي هي مناط ماليته بنظر العرف هو الاكل ،

ولايكون الاستصباح مناط ماليته لاجل كونه منفعة غير معتد بها عند العقلاء ، كما

لو كان دهن لو استصبح بكثير منه يحترق في دقيقة واحدة مثلا .

الثالث ماتشترك منافعه المقصودة بين الاكل والاستصباح كالزيت .

الرابع : ماتختص منفعته المقصودة بالاسراج ، كالنفط .

اما القسم الاول : فلو فرضنا ان الدهن تنجس وانتفت الفائدة المقصودة صح

بيعه لان المنفعة المرجوحة التي لم تكن مناط المالية لاكملية المنفعة الاخرى واتميتها

تكون مناطا لماليته حينئذ ، فهو مال فيصح بيعه وان لم يقصد المنفعة المحللة ، بل وان

قصد المحرمة فان المبادلة انما تكون بين المالين ، وليس طرف المبادلة المنفعة كي يقال

ان دفع الثمن بازاء المحرمة منها اكل للمال بالباطل ، بل نفس مافيه المنفعة ، وقصد

المنفعة المحرمة لايوجب سلب المالية عنه حتى لايصح لذلك .

وبعبارة اخرى : وجود المنفعة الواقعية موجب لكون هذا الشئ مالا وان قصد

البائع المنفعة المحرمة فيصح بيعه لذلك ، نعم لو شرط استيفاء المنفعة المحرمة خارجا

وان لم يقصد تلك المنفعة بالقصد المعاوضي بطل البيع بناءا على ان الشرط الفاسد

مفسد ، لكن هذا كلام آخر لاربط له بالمقام ، وستعرف في محله فساده في نفسه ، بل لو

قصد المنفعة المحللة بالقصد المعاوضي بان دفع الثمن بازائها بطل البيع لعدم كون

المبيع عينا

وماذكره المحقق النائيني ره في وجه اعتبار قصد المنفعة المحللة من ان عناوين

الاشياء تكون مناط ماليتها لاالجسم المطلق الذي هو المادة المشتركة بين ماله قيمة

ومالا قيمة له ، فاذا فرضنا الشئ لامالية له الا باعتبار منفعة خاصة ، فكما يجب

تعيين العنوان في المبيع ولايصح بيع القدر المشترك بين الدهن واللحم مثلا ، فكذلك

يجب تعيين العنوان الذي يكون الدهن مالا باعتباره بقصد المنفعة المحللة ، غير تام ،

 

 

[ . . . ]

اذ لاريب في اعتبار كون المبيع اي مايقابله الثمن مقصودا ومعلوما ومالا ، ولذا لايصح

بيع القدر المشترك بين مالاقيمة له وماله قيمة ، فان القدر المشترك لامالية له ، فان

المالية منتزعة من وجود المنفعة المحللة وهي انما تترتب على الصور النوعية لاالقدر

المشترك بين الانواع ، ويكفي في انتزاع المالية وجود المنفعة الواقعية ، وعليه فبما ان

المبيع هو العين ، والمنفعة ليست مما يقابله الثمن فلا يعتبر زائدا على قصد عنوان المبيع ،

وكونه مالاقصد المنفعة ، فان ماليته لاتتقوم بقصدها بل هي تابعة لوجودها الواقعي .

فتدبر فانه دقيق .

وبما ذكرناه ظهر حكم القسمين الاخيرين .

واما القسم الثاني : فان كانت المنفعة النادرة موجبة لانتزاع المالية عند العرف

فحكمه حكم سائر الاقسام ، والا فلايصح بيعه لعدم المالية ، ولو فرض ورود دليل

خاص على جواز البيع في هذا الفرض لابد من الالتزام باحد امرين : اما كونه بيعا

حكميا لاحقيقيا ، او ان الشارع في المبيع وجعله مالا .

هذا ماتقتضيه القواعد ، واما النصوص الواردة في المقام ، فقد يتوهم دلالة قوله

عليه السلام في خبر الاعرج فلا تبعه الا ان تبين له فيبتاع للسراج على اعتبار

قصد المنفعة المحللة بدعوى انه يدل على حصر جواز البيع بما اذا بيع للاسراج ، وقد

اعتبر البيان مقدمة لذلك ، فلو قصدا بلا بيان لم يحتج اليه ، فاعتبار البيان انما يكون

مقدميا ، والمعتبر حقيقة هو قصد الاسراج .

وفيه : مضافا الى ضعف سنده لان في طريقه محمد بن خالد الطيالسي الذي لم

ينقل فيه توثيق : ان ظهوره في نفسه في ذلك لاينكر ، الا انه لابد من التصرف فيه

بقرينة ان الاعلام واجب نفسي - كما ستعرف - وهو يمنع عن ظهور النهي عن البيع

في الفساد .

وان شئت قلت : انه لهذه القرينة يكون ظاهرا في ان اعتبار القصد المذكور انما

 

 

[ . . . ]

يكون في الاقباض لافي البيع ، ومآله الى حرمة التسبيب لوقوع الغير في الحرام ، ويؤيد

ذلك ان ظاهره اعتبار قصد المشتري خاصة .

مع انه لو سلم دلالته على اعتباره في البيع ، يقع التعارض بينه وبين قوله عليه

السلام في صحيح معاوية بن وهب المروي عن التهذيب : بعه وبينه لمن اشتراه

ليستصبح به ( 1 ) .

وقوله عليه السلام في موثق ابي بصير : واعلمهم اذا بعته ( 2 ) .

ولعل الجمع العرفي يقتضي حمل خبر الاعرج على ماذكرناه .

واما ماورد ( 3 ) في تحريم شراء الجارية المغنية ، فالظاهر كونه اجنبيا عن هذه

المسألة فانه يدل على فساد البيع فيما اذا كانت صفة محرمة في المبيع وقصدها البائع

والمشتري ، ولعل مقتضى القاعدة حينئذ هو الفساد ، فان الصفات المتمولة الموجودة

في المبيع اذا قصدها البائع والمشتري يقع مقدار من الثمن بازائها .

وبعبارة اخرى : تكون هي من عناوين المبيع ، وهذا بخلاف هذه المسألة وهي

مالو قصد التصرف في المبيع على الوجه المحرم الذي لايوجب صفة في المبيع ليقع

مقدار من الثمن بازائها .

ثم ان الظاهر انه ليس في الادهان لاسيما الادهان الواقعة في مورد النصوص

مايكون الاسراج من منافعه النادرة غير الموجبة لماليته ، فالنصوص الخاصة لاتنافي

القاعدة .

ثم ان الشيخ الاعظم بعد اختياره اعتبار عدم قصد المنفعة المحرمة قال : كما

...........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 6 - من ابواب مايكتسب به - حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 6 من ابواب مايكتسب به حديث 3 .

( 3 ) الوسائل - باب 16 - من ابواب مايكتسب به . ( * )

 

 

[ . . . ]

يؤمي إلى ذلك ماورد في تحريم شراء الجارية المغنية وبيعها ( 1 ) .

وصرح في التذكرة بان الجارية المغنية اذا بيعت باكثر مما يرغب فيها لولا

الغناء ، فالوجه التحريم . انتهى .

ولكن قد مر ان مفاد تلك الاخبار اجنبي عن محل البحث وهو قصد المنفعة

المحرمة ، وماذكره بعض اكابر المحققين ره من ان ظاهرها حرمة الشراء مع ملاحظة

صفة الغناء ، والظاهر ان ذلك لاجل كون تلك الصفة محرمة التحصيل ، وحيث ان

حرمة تحصيل الوصف انما تكون لاجل ترتب الحرام عليه ، فقصد نفس الفعل اولى

بالتحريم فاسد لما عرفت من ان وجه التحريم في الجارية المغنية هو اعتبار وصف محرم

في احد العوضين وجعله عنوان المبيع ، وهذا غير مربوط بما اذا التزم بفعل محرم الذي

لايقع شئ من الثمن بازائه .

 

وجوب الاعلام بالنجاسة حين البيع

 

الثاني : وقع الكلام في انه هل يجب الاعلام بالنجاسة حين البيع ، ام لايجب ؟

وعلى فرض الوجوب ، هل يكون وجوبه نفسيا لئلا يقع المشتري في المحرم جهلا

بتسبيب من البائع ، ام يكون شرطيا بمعنى اعتبار اشتراطه في صحة البيع ، فيكون

البيع باطلا بدونه ؟

وحيث ان ظاهر النصوص المتقدمة من جهة تضمنها الامر به هو الوجوب ،

فالقول بعدم الوجوب ضعيف ، فالامر يدور ، بين امرين : كون وجوبه نفسيا ، او

شرطيا .

..........................................................................

 ( 1 ) الوسائل - باب 16 من ابواب مايكتسب به . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقبل الدخول في البحث ، ينبغي بيان ماافاده الشيخ في المقام .

قال : الذي ينبغي ان يقال : انه لااشكال في وجوب الاعلام ان قلنا باعتبار

اشتراط الاستصباح في العقد او تواطئهما عليه من الخارج لتوقف القصد على العلم

بالنجاسة ، واما اذا لم نقل باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد فالظاهر وجوب

الاعلام وجوبا نفسيا قبل العقد او بعده . انتهى .

محصل مراده من الشرطية الاولى : انه لو بنينا على اعتبار الشرط السابق في

صحة البيع ، لابد من القول باشتراط الصحة بالاعلام ، لتوقف القصد على العلم

بالنجاسة .

وفيه : انه يمكن قصد الاستصباح بتواطيهما عليه خارج العقد من دون ان

يعلمه البائع بالنجاسة ، واشتراطه في العقد ، فاعتبار شرط الاستصباح او قصده

لايوجب ان يكون الاعلام واجبا شرطيا من باب توقف الشرط عليه .

ودعوى ان اشتراط الانتفاع ببعض المنافع خلاف مقتضى العقد ولاينفذ ،

وعليه فليس للمشتري ان يشتري مع هذا الشرط الا مع علمه بالنجاسة ، مندفعة

اولا : بان ذلك خلاف مقتضى اطلاق العقد لانفسه فتشمله ادلة الشروط ، ولامانع

من نفوذه .

وثانيا : ان البيع صحيح واقعا وان كان المشتري جاهلا بصحته من جهة ان

الاشتراط يكون اشتراطا للانتفاع بالمنافع المحللة لاببعضها

وما ماافاده في الشرطية الثانية ، فليس مراده بالنفسي كون الاعلام احد

الواجبات وان لم يقبض المبيع ، بل مراده مايقابل الشرطي لصحة العقد ، غير المنافي

لكونه شرطا لجواز الاقباض ، وعلى اي تقدير وجوبه لو ثبت فانما يكون في صورة

الاقباض ، وعليه فالنزاع في كونه في صورة الاقباض واجبا نفسيا ، او كونه شرطا لجواز

 

 

[ . . . ]

الاقباض لاتترتب عليه ثمرة ، فالصفح عنه اولى .

اذا عرفت ذلك فاعلم : ان غاية ماقيل في وجه كون وجوب الاعلام شرطيا

لصحة البيع ان قوله عليه السلام في خبر أبى بصير : واعلمهم اذا بعته . يدل عليه .

ولكن يرد عليه : ان هذا الامر يتعين حمله على ارادة الوجوب النفسي لوجهين :

الاول : ظهور التعبير بالماضي في كون الاعلام بعد وقوع البيع وتحققه ، وكونه بوجوده

المتأخر شرطا مما لم يلتزم به احد .

الثاني : ظهور سائر النصوص في الوجوب النفسي كقوله عليه السلام في خبر

ابن وهب بعد وبينه لمن اشتراه ليستصبح به .

وعلل الشيخ ره كون الوجوب نفسيا بان الغاية للاعلام ليس هو تحقق

الاستصباح ، اذا لاترتب بينهما شرعا ولاعقلا ولاعادة .

ولكن يمكن ان يقال بثبوت الترتب العادي بعد ملاحظة الحكم الشرعي ، فانه

لو اعلمه بالنجاسة بما ان العين لاتترك معطلة عادة وقد منع عن الانتفاع بها بالاكل ،

فلا محالة بنتفع بها في الاستصباح ، ولكن بما انه لايحتمل كون الاستصباح واجبا

فلايصح جعله بنفسه غاية للواجب ، اذ غاية الواجب واجبة ، بل من الواضح ان

غرض الشارع عدم الانتفاع به بالمنافع المتوقف جوازها على الطهارة ، وعليه فلو لم

يكن عدم التسبيب الى صدور الحرام من الغير جهلا مطلوبا للشارع لما صح الامر

بالاعلام بالنجاسة .

وان شئت قلت : ان غاية الاعلام عدم وقوع المشتري في المحرم جهلا بتسبيب

من البائع ، فيستفاد من ذلك بعد الغاء الخصوصيات قاعدة كلية ، وهي :

 

 

[ . . . ]

 

التسبيب الى وجود الحرام من الجاهل

 

حرمة التسبيب الى وجود الحرام الواقعي من الغير جهلا ، وقد يقال كما في

مكاسب الشيخ الاعظم : انه يمكن الاستشهاد لهذه القاعدة مضافا الى مامر من

الاخبار - بطوائف من النصوص :

الاولى : ماتدل على ان من افتى بغير علم لحقه وزر من عمل به : كصحيح

ابي عبيدة الحذاء عن الامام الباقر عليه السلام : من افتى الناس بغير علم ولاهدى

لعنه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه ( 1 ) . ونحوه غيره ،

بدعوى ان ثبوت وزر العامل للمفتي وحمله عليه ، انما يكون لاجل التسبيب والتغرير .

وفيه إن الافتاء بغير علم حرام بنفسه اصاب الواقع ام اخطأ ، عمل به الغير ام

لم يعمل ، واما كون مقدار وزره وزر من عمل بفتياه في صورة العمل ، فاما ان يكون

بمعنى انه في صورة الخطأ يثبت له مقدار اوزار العاملين لو كانوا متعمدين بالمعصية ،

او يكون بمعنى ان عملهم اذا كان عن تقصير في الفحص عن اهلية المفتي يثبت

للمفتي بمقدار اوزارهم من جهة الاعانة على الحرام من دون ان ينقص من اوزارهم

شئ .

وعلى كل تقدير يكون اجنبيا عن المقام اما على الثاني : فواضح ، واما على

الاول : فلان ثبوت وزر محدود بذلك على فعل محرم في نفسه اعم من صيرورته حراما

بعنوان آخر ، وهو التسبيب الى وقوع الفعل القبيح الواقعي ، نعم لو لم يكن الافتاء

بغير علم حراما في نفسه كان يستكشف من ذلك جعل الحرمة له بالملازمة فتدبر ، مع

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 4 - من ابواب صفات القاضي - حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ان هذا انما يكون في التغرير بالحكم ، ومحل الكلام هو التغرير بالموضوع ، مع انه فرق

آخر بين المقام ومورد هذه النصوص وهو ان فعل الحرام في المقام لايكون مستندا الى

البائع المسلط للمشتري على المبيع النجس ، لان المشتري لو فعل الحرام فانما يفعله

استنادا الى الطهارة لا الى فعل البائع او قوله ، اما عدم استناده الى فعله فلعدم

اشتراط البيع بالطهارة ، واما عدم استناده الى قوله فلعدم اخباره بها ، وهذا بخلاف

مورد النصوص فان عمل المستفتي انما يكون مستندا الى قول المفتي ولو لم يعتقد

حجية قوله كان مقتضى الاصل عدم العمل بفتواه .

الثانية : ماتدل على ثبوت اوزار المأمومين على الامام في تقصير نشأ من تقصير

الامام ، وهو قوله ( ع ) : مامن امام صلى بقوم فيكون في صلاتهم تقصير الا كان عليه

اوزارهم ( 1 ) .

وقوله ( ع ) في خبر اخر : فيكون في صلاته وصلاتهم تقصير الا كان اثم ذلك

عليه ( 2 ) .

وفيه : مضافا الى الفرق بين مانحن فيه ، وبين مورد هاتين الروايتين ، لان في

المقام لايستند العمل الى البائع ، بخلاف ذلك المورد فان الماموم انما يقتدي بالامام

اعتمادا على صحة صلاته ، ان المراد من قوله عليه السلام فيكون في صلوتهم تقصير

ان كان هو التقصير الناشي من تقصير الامام في صلاته ، فهما منافيان لكثير من

النصوص المعتبرة المعمول بها عند الاصحاب الدالة على ان فساد صلاة الامام ، وان

كان عن تقصير لايوجب فساد صلاة المأموم ، وان كان المراد هو التقصير الذي

استقلوا به ، فهو لايكون وزره على الامام بلا كلام .

..........................................................................

( 1 ) البحار ج 18 ص 613 من طبعة الكمباني .

( 2 ) تحف العقول - باب ماروي عن امير المؤمنين ( ع ) - كتابه الى اهل مصر . ( * )

 

 

[ . . . ]

وعلى ذلك فيتعين حملهما اما على ارادة انه لو علم الامام انه لو تصدى للامامة

يقتدي به الناس من غير فحص عن حاله فتصير صلاتهم باطلة ، لايجوز له ذلك ، ولو

فعل يكون عليه مثل اوزارهم من د ون ان ينقص من اوزارهم شئ ، واما على ارادة

ان الامامة نحو رئاسة دينية وعليه فتكون وظيفة الامام تصحيح صلاة من يقتدي به

ولو كان في صلاتهم نقص تكون عليه اوزارهم .

وعلى اي تقدير يكونان اجنبيين عن المقام ، اما على الثاني : فواضح ، واما على

الاول : فلانهما انما يدلان حينئذ على حرمة الاعانة على الاثم ، ولاربط لهما بالمقام .

الثالثة : ماتدل على ضمان الامام صلاة المأمومين اذا صلى بهم جنبا : وهي

صحيحة معاوية بن وهب قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : ايضمن الامام صلاة

الفريضة فان هؤلاء يزعمون انه يضمن ؟ فقال عليه السلام : لايضمن اي شئ يضمن

الا ان يصلي بهم جنبا او على غير طهر ( 1 ) .

وهي لاسيما بضميمة مادل من النصوص المعمول بها على ان الامام لو كان

جنبا او على غير وضوء يعيد هو صلاته وهم لايعيدون ، ومافي صدره ، اذ الظاهر ان

المخالفين يعتقدون ان المأمومين يكلون صلاتهم الى الامام ويتابعونه في الافعال من

باب التبعية ، ظاهرة في ارادة التعريض عليهم وان الامام لايكون متحملا عنهم

الصلاة ، ولايكون متعهدا لشئ سوى ان يصلى بهم صلوة صحيحة ، فلو صلى جنبا

فقد اخل بذلك ، فان كان عالما اثم ، والا فعليه الاعادة ولاشئ عليه .

وعلى ذلك فما في الوسائل من ان الحكم بضمان الامام في هذه الرواية يدل على

وجوب الاعادة عليه ، وعدم وجوب الاعادة على المأمومين ، هو الصحيح .

وتمام الكلام في ذلك موكول الى محله ، وقد اشبعنا الكلام فيه في الجزء السادس

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 36 - من ابواب صلاة الجماعة - حديث 6 . ( * )

 

 

[ . . . ]

من هذا الشرح ، فراجع .

الرابعة : ماتدل على كراهة اطعام الاطعمة والاشربة المحرمة للبهائم : كخبر

أبي بصير عن مولانا الصادق عليه السلام المتضمن لكراهة ان تسقى البهيمة او تطعم

مالايحل للمسلم أكله او شربه ( 1 ) .

وموثق غياث عنه عليه السلام : ان امير المؤمنين عليه السلام كره ان تسقى

الدواب الخمر ( 2 ) .

بتقريب انه اذا كان سقي البهيمة او اطعامها مالايحل للمسلم اكله او شربه

مكروها فلا محالة يستشعر من ذلك حرمته بالنسبة الى المكلف .

وفيه : انه يمكن ان تكون كراهة ذلك لاجل كونه انتفاعا بالمتنجس ، لالاجل

كونه تسبيبا لحصول هذا الفعل من البهيمة والكافر ، وعلى فرض التعدي يتعدى الى

كل مايكون انتفاعا به ولو كان ذلك ببيعه وتسليمه الى المشتري ويحكم بكراهته ، ولا

وجه لاستشعار الحرمة على ذلك كما لايخفى .

ثم ان الشيخ ره قال : ويؤيده ان اكل الحرام وشربه من القبيح ولو في حق

الجاهل ، ولذا يكون الاحتياط فيه مطلوبا مع الشك ، اذ لو كان للعلم دخل في قبحه

لم يحسن الاحتياط ، وحينئذ فيكون اعطاء النجس للجاهل المذكور اغراء بالقبيح ،

وهو قبيح عقلا ، انتهى .

وفيه : ان المراد من القبيح ان كان هو العقاب فهو مقطوع العدم لترخيص

الشارع فيه ، وان كان هو المفسدة ، وهي وان كانت موجودة الا ان دعوى قبح القاء

الجاهل فيها المستلزم لحرمته ممنوعة ، اذ المفسدة التي رخص الشارع في فعل ماتضمنها

لايكون الالقاء فيها قبيحا ، والا كان فعل الشارع المرخص في الفعل قبيحا وهو كما

ترى .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 10 من ابواب الاشربة المحرمة - حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 10 من ابواب الاشربة المحرمة - حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وان شئت قلت : ان الشارع تدارك تلك المفسدة لترخيصه فيه .

ودعوى انه يستكشف قبحه الفعلي من مطلوبية الاحتياط مع الشك ، اذ لو كان

 للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط ، مندفعة بان مطلوبية الاحتياط انما تكون

لاجل حسن احراز عدم الوقوع في المفاسد الواقعية ، وان كانت متداركة ، والا فان لم

يكن للعلم دخل في القبح كان اللازم ايجاب الاحتياط ، كما هو واجب في موارد

الشبهات قبل الفحص .

فان قلت : ان اعطاء الجاهل النجس تسبيب الى وجوب مبغوض الشارع في

الخارج اذا شربه ، وهو قبيح بحكم العقلاء الا ترى انه لو نام المولى ونهى عبيده عن

الدخول في الدار فكما ان دخول العبد قبيح ، كذلك تسبيبه لدخول الاخر ، وبالملازمة

تستكشف الحرمة .

قلت : ان شرب الجاهل لترخيص الشرع فيه لايكون مبغوضا ، فلا يكون

الاعطاء تسبيبا الى وجود المبغوض في الخارج ، وماذكر من المثال اجنبي عن المقام ،

فان المنهي عنه فيه هو تحقق الفعل في الخارج الذي هو معنى اسم المصدر ، ولم يلاحظ

في تحققه ، حيث الصدور من شخص والانتساب اليه وفي مثله لاريب في انه يجب على

كل احد ترك التعرض له ، بل التسبيب لعدمه ، فلا محالة يكون التسبيب الى وجوده

قبيحا لكونه بنفسه مخالفة وعصيانا ، والظاهر ان الابواب الثلاثة ، اي الدماء والفروج

والاموال من هذا القبيل ، واما في غيرها مما يكون المحرم هو مباشرة الفعل كشرب

النجس فلايتم ذلك .

والاستاذ الاعطم بعد تسليمه دلالة الطوائف المتقدمة من النصوص على هذه

الكبرى الكلية ، استدل لها بطوائف اخر من النصوص :

منها : مادل على حرمة سقي الخمر للصبي والكفار : كالنبوي المروي عن

عقاب الاعمال : ومن سقاها ، اي الخمر ، يهوديا او نصرانيا او صبيا او من كان من

 

 

[ . . . ]

الناس فعليه كوزر من شربها ( 1 ) . ونحوه غيره .

بتقريب انه اذا كان التسبيب بالاضافة الى الصبي والكفار حراما فهو اولى

بالحرمة في غير الصبي والكفار .

وفيه : مضافا الى ضعف سند هذه النصوص انه يمكن ان يقال : ان المستفاد

من النصوص كون شرب الخمر من المحرمات التي يكون متعلق الزجر فيها تحقق

الفعل في الخارج الذي هو معنى اسم المصدر ، ولم يلاحظ في تحققه حيث الصدور من

شخص والانتساب اليه ، وقد عرفت ان مقتضى القاعدة في مثل ذلك وجوب ترك

التعرض له لكل احد ، بل التسبيب لعدمه ، وهذا غير ماهو محل الكلام ، وهو مااذا

كان المحرم هو مباشرة الفعل ، والذي يشهد لما ذكرناه ذكر الصبي مع اليهود

والنصارى ، مع انه لاكلام في عدم كونه مكلفا ، فالتسبيب لشربه ليس تسبيبا لوقوع

الحرام .

ومنها : الاخبار ( 2 ) الامرة باهراق المائعات المتنجسة .

وسيأتي التعرض لها في حكم الانتفاع بالمتنجس ، وستعرف مايرد على

هذا الوجه .

ومنها : الاخبار الدالة على حرمة ارتكاب المحرمات ، بدعوى انه لافرق في

ايجاد المحرم بين الايجاد بالمباشرة او بالتسبيب .

وفيه : أن الاستدلال بهذا الوجه من مثل هذا البحر المواج في غاية الغرابة ، كيف

وهو دام ظله ممن صرح في الاصول بان ظاهر التكاليف هو كون المتعلق مباشرة

الفعل ، بل لعل هذا في الجملة من البديهيات ، الا ترى انه لايمكن لاحد التفوه بأن

المأمور به هي الصلاة اعم من صدورها بالمباشرة او بالتسبيب .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 10 - من ابواب الاشربة المحرمة - حديث 7 .

( 2 ) الوسائل - باب 26 - من ابواب الاشربة المحرمة وباب 38 من ابواب النجاسات . ( * )

 

 

[ . . . ]

فتحصل : ان الكبرى المزبورة باطلاقها لادليل عليها ، نعم يمكن الاستدلال

لها في موارد الجهل بالموضوع بنصوص الباب بعد الغاء الخصوصية .

 

حكم الاعلام مع عدم التسبيب

 

وبعد ماعرفت حكم الاعلام مع التسبيب لوقوع الحرام الواقعي يقع الكلام

في انه هل يجب الاعلام مع عدم التسبيب ام لا ؟

فعن العلامة ره في المسائل المهنائية : التصريح بوجوب الاعلام ، واستدل له :

بوجوب النهي عن المنكر وعن الشيخ لكن اثبات هذا مشكل .

اقول : لااشكال في عدم شمول ادلة النهي عن المنكر للمقام ، اذ المنكر الذي

يجب النهي عنه لايشمل الحرام الواقعي بل المحرم المنجز ، وفي المقام ليس كذلك

لفرض جهل الفاعل بالواقع ، والادلة التي اقاموها لوجوب الاعلام في الفرض

السابق لاتشمل المقام ، فالمتعين هو البناء على عدم الوجوب للاصل .

ويمكن ان يستدل له : بصحيح ابن سنان عن الامام لصادق عليه السلام

الدال على عدم وجوب الاعلام في احدى صغريات الباب قال : اغتسل ابي من الجنابة

فقيل له : قد ابقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء فقال عليه السلام له : ماكان عليك

لو سكت ، ثم مسح تلك اللمعة بيده ( 1 ) .

نعم اذا كان الفعل من الامور المهمة - اي من احد الابواب الثلاثة - وجب

على كل احد التسبيب الى عدم حصوله وان كان الفاعل غير ملتفت .

والحاصل : ان هنا امورا اربعة : احدها : ان يكون فعل الشخص علة تامة

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 40 - من ابواب الجنابة - حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

لوقوع الحرام في الخارج كما اذا اكره غيره على المحرم ، قال الشيخ : ولااشكال في

حرمته وكون وزر الحرام عليه ، بل اشد لظلمه . انتهى .

وفيه : أنه ان كان المحرم هو تحقق الفعل في الخارج ولم يلاحظ فيه حيث

الانتساب كقتل المؤمن ، او كان المحرم عنوانا شاملا للتسبيب كاتلاف مال الغير ،

لاريب في حرمة ذلك ، اذ فعل الشخص في الموردين بنفسه معصية ومخالفة للنهي .

واما اذا كان المحرم عنوانا لايعم التسبيب ، وكان المتعلق للنهي هو مباشرة

الفعل كشرب النجس وغيره من المحرمات ، فلا وجه للحرمة حتى مع علم الشارب

بالحكم والموضوع ، فضلا عن صورة الجهل باحدهما ، اذ دليل حرمة ذلك العنوان

لايقتضي حرمة فعل السبب ، اذ لايصدق انه شرب النجس ، وحيث ان الفعل يصدر

من المباشر من غير اختيار فلا يصدر منه منكرا واثما كي يحرم التسبيب لاجل دليلي

وجوب النهي عن المنكر وحرمة الاعانة على الاثم ، او البرهان العقلي المتقدم ،

ونصوص الاستصباح مختصة بصورة صدور الحرام من الشخص جهلا بالموضوع ولا

تشمل المقام الذي يصدر الفعل من المباشر غير محرم عليه لعدم الاختيار ، فاستدلال

بعض مشايخنا المحققين بها في المقام في غير محله .

" واما قوله : قده : لظلمه " ففيه : انه ربما يكون المجبور راضيا بذلك ، مع ان

مقتضى هذا الوجه حرمة الاجبار على فعل المباح ، بل المستحب او الواجب وهو كما

ترى .

ثانيها : ان يكون فعله سببا للحرام ، والمراد بالسبب في مقابل الشرط ، وعدم

المانع هو تهيئة الموضوع ، فالفرق بين هذا القسم ولاحقيه واضح ، كمن قدم الى غيره

محرما .

قال الشيخ : ومثله مانحن فيه ، وقد ذكرنا ان الاقوى فيه التحريم ، لان استناد

الفعل الى السبب اقوى ، فنسبة فعل الحرام اليه اولى . انتهى .

 

 

[ . . . ]

ولكنه : قد مر ان الاقوى فيما نحن فيه التحريم - للنصوص الخاصة - الواردة

في مانحن فيه بعد الغاء الخصوصيات ، ولما ذكرناه في خصوص مااذا كان العنوان

المحرم شاملا لتسبيب ، ومااذا كان هو تحقق الفعل الفعل في الخارج الذي هو معنى اسم

المصدر ، وكل ذلك مختص بصورة الجهل بالموضوع ، ولايكون شاملا لصورة العلم

بالحكم والموضوع ، وفي تلك الصورة تتوقف الحرمة على شمول دليل وجوب رفع المنكر

او دليل حرمة الاعانة على الاثم للمقام ، وهو محل تامل بل منع كما سيأتي تنقيح القول

في ذلك في مسألة بيع العنب ممن يعمله خمرا .

ودعوى استفادة الحرمة في هذه الصورة من نصوص الاستصباح بالاولوية ،

ممنوعة كما لايخفى ، فالاظهر عدم الحرمة .

" واما قوله قده : فنسبة فعل الحرام اليه اولى . . . الخ " فهو يتم فيما اذا كان

المحرم عنوانا شاملا للتسبيب كالاتلاف ولايشمل مااذا كان المحرم خصوص ما

يصدر من المباشر ، مع انه مختص بصورة الجهل ولايعم صورة العلم بالحكم والموضوع .

الثالث : ان يكون شرطا لصدور الحرام ، اما بان يكون من قبيل ايجاد الداعي

على المعصية اما لحصول الرغبة فيها كترغيب الشخص على المعصية ، أو لحصول

العناد من الشخص حتى يقع في المعصية كسب آلهة الكفار الموجب لالقائهم في سب

الحق عنادا .

وقال الشيخ قده : والظاهر حرمة القسمين ، وقد ورد ذلك في عدة من الاخبار .

ولكن يتم ذلك فيما اذا كان ذلك الشخص عالما بالحكم او جاهلا مقصرا

الذي هو ملحق بالعالم وبالموضوع ، ولايتم في مااذا كان جاهلا قاصرا بالحكم ، او

كان جاهلا بالموضوع ، كما لو رغبه على شرب النجس مع كونه جاهلا بالنجاسة ، فان

تلك الاخبار والاية الشريفة الواردة في بعض مصاديقه مختصة بصورة العلم بهما كما

بظهر لمن راجعها ، وفي غيرها لادليل على الحرمة .

 

 

[ . . . ]

ونصوص الاستصباح مختصة بصورة التسبيب ، اي تهيئة الموضوع غير الشاملة

للمقام ، اللهم الا ان يقال : انها وان اختصت بها موردا الا ان المناط معلوم ، وهو عدم

استناد الحرام الواقعي الى الشخص ، وهذا المناط يقتضي الحرمة في المقام اذا كان

يترتب الحرام على ايجاد الداعي عادة ، نعم فيما اذا لم يكن كذلك لاوجه للحرمة .

الرابع : ان يكون من قبيل عدم المانع ، فان كان ذلك مع الحرمة الفعلية بالنسبة

الى الفاعل كسكوت الشخص عن المنكر - فلا اشكال في الحرمة ، واما ان كان مع

عدم الحرمة الفعلية كما في مانحن فيه ، فان صدور الحرام منه مشروط بعدم اعلامه ،

فالظاهر عدم وجوب رفع الحرام الا اذا علمنا من الخارج وجوب دفع ذلك لكونه

فسادا قد امر بدفعه كل من يقدر عليه كما في باب الدماء ، ويظهر وجهه مما تقدم .

ولايتوهم التنافي بين كلماتنا التابعة لكلمات الشيخ ، حيث عددنا المقام سابقا

من الامر الثاني وهنا عددناه من الامر الرابع ، فان ماجعلناه من الامر الرابع هو

نفس عدم الاعلام ، مع قطع النظر عن تحقق التسبيب منه ، وماجعلنا من الامر الثاني

هو نفس التسليط بلا اعلام .

وربما يستدل لوجوب الاعلام هنا : بان النجاسة عيب خفي فيجب اظهارها

والا فيكون غشا ، اذ بناء العقود على صحة العوضين .

واجاب عنه الشيخ ره : بان وجوب الاعلام على القول به ليس مختصا

بالمعاوضات ، مع ان كون النجاسة عيبا ليس الا لكونه منكرا واقعيا وقبيحا ، فان ثبت

ذلك حرم الالقاء فيه مع قطع النظر عن مسألة وجوب اظهار العيب ، والا لم يكن عيبا .

ولكن يرد على ماافاده : اولا : انه لو تم هذا الدليل لابد من الالتزام به في

المعاوضات ، وان ثبت الفصل بينها وبين غيرها ثبت هذا الحكم في غيرها ، والا فلا

مانع من الفصل ، نعم يتم الايراد على المستدل بناءا على الثاني بان الدليل اخص من

المدعي .

 

 

] تحت السماء . [

 

واما ماافاده ثانيا فملخص القول فيه : انه قد مر عدم كونه منكرا واقعيا

وقبيحا ، الا ان يكون مراده من القبيح مافيه المفسدة ، وعليه فقوله : ان ثبت ذلك حرم

الالقاء فيه ، لا يتم ، اذ المفسدة المتداركة بالمصلحة الموجبة لجعل الامارة او الاصل لا

يحرم الالقاء فيها ، ومنه يظهر عدم كون ذلك موجبا لكون النجاسة الواقعية عيبا كي

يجب اظهارها .

ودعوى ان النجاسة قذارة معنوية وهي تكون عيبا ، مندفعة بان النجاسة

ليست من الامور الواقعية كما حققناه في الجزء الثالث من هذا الشرح .

فان قلت : انه لاكلام في ثبوت الخيار لمن انتقل اليه لو تبينت النجاسة

وظهرت ، ومن ذلك يستكشف كونه عيبا في حال العقد ، وان لم يعلم بها المشتري كما

في سائر العيوب .

قلت : انه يمكن ان يكون منشأ الحكم بالخيار انه ان ظهرت النجاسة

للمشتري فلاريب في كونها عيبا حينئذ ، وحيث ان مبدأ هذا العيب كان من قبل العقد

فلامحالة يثبت الخيار ، ونظير ذلك مااذا باع حيوانا وقد اكل قبل البيع مااوجب نقصا

فيه بعد البيع الذي لاكلام في ثبوت خيار العيب ، فليكن المقام من هذا القبيل .

فتحصل : عدم تمامية هذا الاستدلال لوجوب الاعلام .

 

الاستصباح تحت الظلال

 

الثالث : المشهور بين الاصحاب : وجوب كون الاستصباح ( تحت السماء )

اقول : اصل جواز الاستصباح بالدهن المتنجس متفق عليه نصا وفتوى ، انما الكلام

في اعتبار كونه تحت السماء ، وجواز كونه تحت الظلال .

وقد استدل للاول : بالاجماع ، وبمرسل الشيخ ره : روى اصحابنا : انه يستصبح

 

 

[ . . . ]

تحت السماء ( 1 ) . وبان الاستصباح تحت الظلال يوجب تنجس السقف وهو حرام .

وفي الجميع نظر : اما الاول : فلعدم ثبوته ، كيف وقد افتى جماعة من الاساطين

بالجواز ، مع انه يمكن ان يكون مدرك حكمهم هذا ماسنشير اليه ، فعلى فرض ثبوته

ليس اجماعا تعبديا .

واما الثاني : فلانه لارساله وعدم احراز استناد الاصحاب اليه لايعتمد عليه .

واما الثالث : قلان تنجيس السقف لادليل على حرمته ، مع ان دخان النجس

ليس بنجس للاستحالة ، مضافا الى اخصية الدليل عن المدعى .

واورد الشيخ على الاستدلال بالمرسلة تارة : بانه لايصح تقييد الاخبار المطلقة

بالمرسلة ، ومحصل ماذكره ره في وجه عدم رفع اليد عن المطلقات وجوه :

الاول : عدم تسليم انجبار المرسلة بالشهرة المحققة والاتفاق المحكي .

الثاني : اباء المطلقات عن التقييد .

الثالث : اباء المرسلة عن تقييد المطلقات .

اما الاول : فالظاهر انه كذلك ، اذ لم يثبت استناد المفتين بعدم جواز

الاستصباح تحت الظلال اليها ، الان جماعة منهم عللوه بانه ينجس السقف لنجاسة

الدخان ، ولذا فصل العلامة ره بين مالو علم بتصاعد شئ من اجزاء الدهن وعدمه ،

وجماعة غيرهم وان لم يعللوا بذلك الا ان اكثرهم لولا كلهم من القائلين بعدم جواز

الانتفاع بالمتنجس ، فيمكن ان يكون افتائهم بالمنع استنادا الى الادلة التي استدلوا

بها على تلك الكبرى الكلية بعد بنائهم على عدم كون مطلقات الباب الدالة على

جواز الاستصباح في مقام البيان ، فلايصح التمسك باطلاقها . وماذكرناه بضميمة ان

المشهور بين المتاخرين جواز الاستصباح تحت الظلال يوجب عدم الوثوق بصدور

..........................................................................

( 1 ) المبسوط - كتاب الاطعمة . ( * )

 

 

[ . . . ]

المرسلة وعدم انجبارها بفتوى اكثر القدماء .

واما الثاني : فقد استدل له الشيخ ره بكثرة المطلقات ، وورودها في مقام البيان ،

وشئ منهما لايصلح لذلك ، اذا لكثرة بنفسها لاتوجب اباء كل واحد منها عن التقييد ،

وبعبارة اخرى لاتوجب اقوائية دلالة كل واحد منها في الدلالة على العموم بنحو يأبى

عن التقييد ، مع ان الكثرة ممنوعة كما يظهر لمن راجع نصوص الباب ، وورودها في مقام

البيان من مقدمات ثبوت الاطلاق لاانه يوجب ابائه عن التقييد .

وبعبارة اخرى : التقييد انما يكون فيما اذا كان المطلق في مقام البيان ، والا فلا

مورد له ، مع ان من تدبر في النصوص يرى انها في مقام بيان مصرف الدهن ، وانه

الاسراج دون الاكل ، وليست في مقام بيان كيفية الاسراج ، فلا اطلاق لها ، مضافا الى

انه قد مر منا ومن الشيخ ره ان المراد من قولهم عليهم السلام في تلك النصوص

ليستصبح عدم الانتفاع به بالمنافع المتوقف جوازها على الطهارة ، ولازم ذلك عدم

كونها في مقام بيان حكم الاستصباح من حيث هو ، وعليه فليس في النصوص مايمكن

التمسك باطلاقه .

واما الثالث : فقد علله بان كون المرسلة موجبة للتقييد يبتني على الالتزام

بكون الحكم تعبديا محضا ، او القول بنجاسة الدخان وبتنجس السقف ، والاول بعيد

غايته ، والثاني مخالف للمشهور وابعد .

وفيه انه يمكن ان يقال : ان الاستصباح تحت الظلال مستلزم لاجتماع الدخان

في الالبسة التي يصلي فيها والا متعة والمأكول ، وهو على فرض طهارته يمكن القول

بنجاسته بعد الاجتماع ، لاسيما مع اشتماله على الاجزاء الدهنية ، وليس في ذلك بعد مع

مساعدة الدليل .

ويؤيده قوله عليه السلام في خبر الوشاء : اما علمت انه يصيب الثوب والبدن

وهو حرام : مع ان الالتزام بالتعبد ليس ببعيد ، كيف وقد التزم المشهور بعدم جواز

 

 

[ . . . ]

تدهين السفن به ، وجواز الاستصباح به ولو جاز ذلك جاز التفكيك في الاستصباح بين كونه

تحت الظلال او تحت السماء .

فالمتحصل من ماذكرناه : انه لو تم سند المرسلة لزم العمل بمضمونها ، ولكن

قد مر انها ضعيفة السند ، كما عرفت عدم وجود مايدل باطلاقه على جواز الاستصباح ،

والمتيقن من النصوص الاستصباح تحت السماء ، وعليه فالاستصباح تحت الظلال يبتني

جوازه ومنعه على القول بجواز الانتفاع وعدمه ، وسيجئ تنقيح القول في

ذلك فانتظر

واخرى : بانه بعد فرض اباء المطلقات عن التقييد ، وحجية المرسلة ، يقع

التعارض بينهما فيتساقطان فيرجع الى اصالة البراءة عن حرمة الاسراج تحت

الظلال .

وفيه : مضافا الى ماتقدم : انه لو سلم تعارضهما فلابد من الرجوع إلى المرجحات

وحيث ان شهرة الفتوى والرواية مع المطلقات فتقدم هي ، وكذلك مقتضى المرجحات

الاخر تقديمها ، وعلى فرض التكافؤ الحكم هو التخيير لاالتساقط ، وعلى فرض

التساقط يرجع الى عموم مادل على جواز الانتفاع بما في الارض لو لم يدل دليل على

عدم جواز الانتفاع بالمتنجس والافاليه ، وعلى اى تقدير لاتصل النوبة الى الرجوع

. الى البراءة .

 

حكم الانتفاع بالمتنجس

 

وتمام الكلام بالبحث في امور : احدها : انه هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن في

غير الاستصباح ام لا ؟ اقول : عمدة المدرك لهذه المسألة هي الادلة التي اقيمت على

جواز الانتفاع بالمتنجس وعدمه ، فالاولى البحث في هذه الكبرى الكلية .

 

 

[ . . . ]

واستدل لعدم جواز الانتفاع به مع ان الاصل يقتضي الجواز ، وهو اصالة

البراءة وقاعدة الحل ، بجلمة من الايات والروايات اما الايات :

فمنها قوله تعالى ( انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل

الشيطان فاجتنبوه . . . الخ ) ( 1 ) .

وقبل بيان كيفيه الاستدلال بالاية الشريفة لاباس ببيان ماهو المراد منها

بحسب الظاهر .

فاقول : ليس المراد من الرجس النجس ، اذ مضافا الى انه لايوافق عليه

العرف ولم يذكر ذلك احد معانيه في كتب اللغة ، لايناسب مع المذكورات في صدر الاية

الشريفة التي جعل الرجس خبرا لها او للفعل المتعلق بها كما لايخفى .

ودعوى ان الاية على طريقة اللف المرتبين فكان الرجس محمولا على

الخمر وعمل الشيطان محمولا على البقية ، فلامانع من ارادة النجس من الرجس ،

مندفعة بانه مضافا الى كونه خلاف الظاهر ، انه ان قدر في صدر الاية الانتفاع

فلامعنى لحمل الرجس بهذا المعنى على الانتفاع بالخمر ايضا ، والا فلا يلائم ذلك مع

افراد الضمير في قوله ( فاجتنبوه ) اذ بعد مالا يمكن ارجاعه الى المذكورات على

هذا التقدير والا كان اللازم الاتيان بضمير الجمع يتعين الاتيان بضمير المثنى ، كما لا

يخفى .

كما انه ليس المراد به القذر المعنوي ، اذ نفس الازلام مثلا - وهي السهام

الخاصة - ليست من القذارات المعنوية ، والانتفاع بها بالتفأل حرام لاقذر كما هو

واضح ، فالمراد به العمل القبيح اما باستعماله فيه بناءا على كونه مشتركا لفظيا بين ما

ذكر له من المعاني ، او بارادته منه بناءا على كونه مشتركا معنويا ، وحمله حينئذ على

..........................................................................

( 1 ) سورة المائدة آية 91 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المذكورات اما ان يكون من باب اطلاق العمل على مايقع عليه العمل ، او مع تقدير

الانتفاع في ابتداء الاية ليكون هو المبتدأ .

واما قوله تعالى ( من عمل الشيطان ) فاريد به كون ذلك من مخترعاته

ومبتدعاته او انه من اغوائه .

فالمتحصل من الاية : ان الانتفاع بالخمر والميسر ومابعدهما عمل قبيح من

اغواء الشيطان او من مبتدعاته ، فيجب ان يكون الانسان على جانب منه ، اي في

ناحية ، وعلى ذلك فهي اجنبية عن المقام بالمرة ، ثم على فرض التنزل وتسليم كون

الرجس بمعنى النجس ، شموله للمتنجس غير ثابت ، فلاوجه للاستدلال بها في المقام .

اذا عرفت ذلك فاعلم : انه لو كان الرجس هو النجس بالمعنى الشامل

للمتنجس ، الاستدلال بها في المقام على عدم جواز الانتفاع بقول مطلق الا ماخرج

بالدليل انما يكون بأحد وجهين :

الاول : ان موضع الحكم بحسب لسان الدليل هي المذكورات في صدر الاية ،

والرجسية علة تامة لثبوت ذلك الحكم ، والحكم هو وجوب الاجتناب المطلق الشامل

لجميع الانتفاعات ، وحيث ان العلة تعمم وتخصص - وبعبارة اخرى الحكم يدور

مدارها - فيستفاد من الاية عدم جواز الانتفاع بكل مايصدق عليه الرجس ، ومنه

المتنجس على الفرض .

الثاني : ان تمام الموضوع للحكم بحسب لسان الدليل هو الرجس ، وقوله ( من

عمل الشيطان ) علة لثبوت الحكم وليس من الجهات التقييدية ، فانه على ذلك يكون

المستفاد منها ان كل رجس - ومنه المتنجس - يجب الاجتناب عنه بقول مطلق .

وفي كليهما نظر : اما الاول : فلان موضوع الحكم ليس هي المذكورات ، والا

كان اللازم الاتيان بضمير الجمع ، مع ان كون الرجس علة تامة محل نظر لما ذكره

الشيخ ره من ان قوله تعالى ( من عمل الشيطان ) قيد له ، فالعلة هي مجموع

 

 

[ . . . ]

الامرين ، فكل متنجس ان ثبت انه من عمل الشيطان يثبت له هذا الحكم ، وهو اول

الدعوى ان اريد ( من عمل الشيطان ) ماصدر باغوائه لتوقفه على اثبات ان

الانتفاع بالمتنجس غير جائز حتى يكون صدوره باغواء الشيطان كسائر المعاصي ،

ومعلوم العدم . ان اريد به انه من مبتدعات الشيطان ومخترعاته .

ودعوى ان كلا من الرجسية والكون من عمل الشيطان علة تامة مستقلة

لوجوب الاجتناب من جهة ان الكون من عمل الشيطان علة مستقلة على كل حال

ان كان رجسا او لم يكن فليكن الرجس ايضا كذلك ، مندفعة بأنه ان ثبت كون

الرجس علة يتم ذلك ، لكنه غير ثابت ، اذ يمكن ان يقال ان الاية حينئذ متكفلة لبيان

أمرين : الاول : اثبات ان المذكورات رجس ، الثاني : وجوب الاجتناب عنها من جهة

كونها من عمل الشيطان ، فقوله ( رجس ) حكم مجعول لاانه علة لثبوت وجوب

الاجتناب .

ودعوى ان الاية على طريقة اللف والنشر المرتبين فكان الرجس محمولا على

الخمر وعمل الشيطان محمولا على البقية ، قد عرفت مافيها .

واما الثاني : فلان الظاهر من الاية وان كان ان الموضوع هو الرجس الا ان

الكون من عمل الشيطان من الجهات التعليلة وعلة لثبوت الحكم محل نظر ، فان

الظاهر منها كون ( من عمل الشيطان ) قيدا للموضوع ، مع انه ، مع انه لو ثبت كونه علة

فالعلة كما تعمم تخصص ، وعليه فثبوت الحكم يتوقف على احراز كون المتنجس من

عمل الشيطان ، وقد عرفت مافي ذلك آنفا . فراجع .

واورد الشيخ على الاستدلال بالاية : بانه لو شمل الاية للمتنجس لزم ان

يخرج عنه اكثر الافراد .

وفيه : ان خروج جميع افراد المتنجس لايوجب تخصيص الاكثر ، اذ بما ان الاية

تكون من القضايا الحقيقة ، ومااخذ موضوعا فيها عنوان عام شامل للاعيان النجسة

 

 

[ . . . ]

والمتنجسة ، وشموله للمتنجسات انما يكون بعنوان واحد وهو عنوان ملاقي النجس

وهو واحد ، وابقي العناوين عشرة ، فخروج جميع افراد المتنجسات لايوجب تخصيص

الاكثر ، فضلا عن اكثرها .

واضعف من هذا الايراد مااورده بعض اعاظم المحشين ره على الاستدلال بها

وهو :

ان ( فاجتنبوه ) ظاهر في عدم الانتفاع بالمنافع الظاهرة التي في كل شئ

بحسبه ، لامطلق المنافع .

فانه يردعليه : ان الاجتناب المطلق الذي امر به ظاهر في عدم الانتفاع بجميع

المنافع ، مع ان مقتضى ماذكره دلالة الاية على حرمة جميع المنافع الظاهرة حتى غير

المشروطة بالطهارة كاتخاذ النعل من جلد الميتة كما اعترف به ، وعليه فبضميمة عدم

الفصل يثبت الحكم في الجميع .

ومنها قوله تعالى ( والرجز فاهجر ) ( 1 ) .

ويرد على الاستدلال بهذه الاية الشريفة بعض مااوردناه على الاية

السابقة وهو عدم كون الرجز بمعنى النجس بالمعنى الشامل للمتنجس ، ولكن لو تم

ذلك وثبت صح الاستدلال بها ، ولايرد عليه شئ مما اورد على الاستدلال بالاية

المتقدمة .

ومنها : قوله تعالى ( ويحرم عليهم الخبائث ) ( 2 ) .

واجاب عنه الشيخ ره : بان المراد من التحريم خصوص الاكل ، وقد تقدم في

مسألة بيع الارواث تمامية ذلك وعدم ورود شئ مما اورد عليه ، مضافا الى ماتقدم في

مسألة شرب ابوال مايؤكل لحمه من ان المراد بالخبيث هو مافيه مفسدة ورداءة ، ولم

يثبت كون المتنجس منه بهذا المعنى .

..........................................................................

( 1 ) سورة المدثر - آية 6 .

( 2 ) سورة الاعراف آية 157 . ( * )

 

 

[ . . . ]

واما الاخبار : فمنها : خبر تحف العقول ، حيث علل النهي عن بيع وجوه

النجس ، بان ذلك كله محرم اكله وشربه وامساكه وجميع التقلب في ذلك حرام ( 1 )

وفيه : اولا : انه ضعيف السند لايعتمد عليه كما تقدم في اول الكتاب .

وثانيا : انه يمكن ان يقال : ان ملاقي النجس ليس من وجوه النجس ، فانه

جهة تعليلية وواسطة في الثبوت .

وثالثا : لو اغمض عن ذلك وسلم كون ملاقي النجس منها يرد عليه ماذكره

الشيخ ره وحاصله : ان ملاقي النجس ليس في عرض سائر العناوين ، بل هو في

طولها ، وظاهر الوجوه هي العنوانات التي يكون بعضها في عرض بعض .

ومنها : الاخبار الامرة باهراق المرق المتنجس ، كخبر زكريا بن آدم ( 2 ) ، اذ لو

جاز الانتفاع به باطعام الصبي ونحوه لما امر عليه السلام بالاهراق ، وبضميمة عدم

القول بالفصل يتم المطلوب .

وفيه : ان فائدة المرق الذي يكون بمقدار القدر تنحصر في الاكل ، واطعام

الصبي انما يعد فائدة له اذا كان المرق قليلا ، وعلى ذلك فدلالته على عدم جواز

الانتفاع بالمرق مطلقا لاتنافي جواز الانتفاع بالمتنجس .

ومنها : النصوص الدالة على انه اذا ماتت الفارة في السمن تطرح الفارة

ومايليها من السمن ( 3 ) . اذ لو جاز الانتفاع به لما امر عليه السلام بطرحه ، وبضميمة

عدم القول بالفصل يتم المطلوب .

وفيه : ان الظاهر منها هو الطرح من الظرف المعد للاكل ، فيكون كناية عن

حرمة اكل خاصة ، ويؤيده انه يجوز الاستصباح به بلا كلام ، مع انه يمكن ان يقال :

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 .

( 2 ) الوسائل - باب 26 - من ابواب الاشربة المحرمة - حديث 1 .

( 3 ) الوسائل - باب 6 - من ابواب مايكتسب به . ( * )

 

 

[ . . . ]

ان الامر بالطرح كناية عن عدم امكان الانتفاع به لقلته ، كما تؤمى الى ذلك النصوص

المفصلة بين مااذا كان ذلك في الشتاء فيطرح ، وبين مااذا كان في الصيف فيسرج به ،

وليس لذلك وجه الا ماذكرناه ، فانه في الصيف يكون المتنجس كثيرا يمكن الانتفاع

به في الاستصباح ونحوه بخلاف مااذا كان في الشتاء .

ومنها : النصوص الامرة باهراق الماء المتنجس ( 1 ) .

وفيه : ان ذلك كناية عن عدم جواز التوضي به كما لايخفى على الناظر فيها ،

وبذلك يظهر مافي الاستدلال بالخبرين الواردين في الانائين المشتبهين الامرين

باهراقهما والتيمم ( 2 ) .

وقد استدل لعدم جواز الانتفاع : بالاجماع .

ولكن الاجماع المحصل غير حاصل ، والمنقول منه ستعرف حاله .

وقد يستدل لعدم جواز لعدم جواز الانتفاع بالمتنجس : بالاجماعات المحكية ، فعن

الانتصار ومما انفردت به الامامية : ان كل طعام عالجه اهل الكتاب ومن ثبت كفرهم

بدليل قاطع لايجوز اكله ولا الانتفاع به ، وقد دللنا على ذلك في كتاب الطهارة ، حيث

دللنا على ان سؤر الكافر نجس .

وعن الخلاف في حكم السمن والبذر والشيرج والزيت : اذا وقعت فيه فأرة انه

جاز الاستصباح به ، ولايجوز اكله ولاالانتفاع به بغير الاستصباح . وقال الشافعي :

وقال قوم من اصحاب الحديث : لاينتفع به بحال لاباستصباح ولابغيره بل يراق

كالخمر ، وقال أبو حنيفة : يستصبح به ويباع ايضا . وقال ابن داود : ان كان المائع سمنا

لم ينتفع به بحال ، وان كان ماعداه من الادهان لم ينجس بموت الفأرة ويحل اكله

وشربه ، لان الخبر ورد في السمن ، فحسب دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم .

..........................................................................

( 1 ) ( 2 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب الماء المطلق . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقال السيد ابن زهرة بعد ان اشترط في المبيع ان يكون مما ينتفع به منفعة

محللة : وشرطنا في المبيع ان تكون مباحة تحفظا من المنافع المحرمة ويدخل في ذلك كل

نجس لايمكن تطهيره عدا مااستثنى من بيع الكلب المعلم للصيد والزيت النجس

للاستصباح به تحت السماء ، وهو اجماع الطائفة .

ثم استدل على جواز بيع الزيت بعد الاجماع بان النبي صلى الله عليه وآله اذن

في الاستصباح به تحت السماء قال : وهذا يدل على جواز بيعه لذلك . انتهى .

واجاب الشيخ عن اجماع السيد المرتضى : بان الظاهر من كلام السيد ان

مورد الاجماع هو نجاسة ماباشره اهل الكتاب ، واما حرمة الاكل والانتفاع فهي

من فروعها المتفرعة على النجاسة لاان معقد الاجماع هو حرمة الانتفاع بالنجس ،

وماافاده بين فان محل الخلاف بيننا وبين باقي الفقهاء هي نجاسة اهل الكتاب لا

احكام النجس ، فلا محاله يكون المراد من ذكر خلافهم بيان ماهم مخالفون فيه لابيان

ماليسوا مخالفين فيه : فيكون المراد من مانسبه الى الامامية ايضا هو ذلك ، وانما عبر

عن النجاسة بعدم جواز الانتفاع لاعتقاده الملازمة بينهما .

ويدل عليه مضافا الى ذلك قوله بعد ذلك : وقد دللنا على ذلك في كتاب الطهارة

حيث دللنا على ان سؤر الكفار نجس ، وبهذا التقريب ظهر اندفاع مااورده بعض

اعاظم المحشين على هذا الاستظهار بقوله : كلام السيد صريح في ان معقد الاجماع

هو الانتفاعات ، وخلاف العامة في اصل النجاسة لايوجب رفع اليد عنه بعد خلافهم

في حرمة الانتفاعات .

واجاب عن اجماع الخلاف : بان معقده ماوقع الخلاف فيه بين من ذكر من

المخالفين وبينه ، توضيحه : ان الشيخ قده ذكر احكاما ثم نقل الخلاف في بعضها ولم

ينقل عن احد الخلاف في حرمة الانتفاع بها بغير الاستصباح ، ودعوى ان ابن داود

انما خالف فيه وجوز الانتفاع بغير السمن ، مندفعة بانه انما خالف في النجاسة ، وحكم

 

 

[ . . . ]

بحلية اكله وشربه بعد البناء على الطهارة ، مع ان الاكل والشرب ليسا مورد البحث ،

وعليه فليس المراد من الاجماع في كلامه الاجماع على عدم جواز الانتفاع ، اذ الظاهر

انه انما يدعى الاجماع في ماوقع فيه الخلاف الزاما للمخالفين .

وبذلك اندفع مااورده بعض اعاظم المحشين ره من ان خلاف ابن داود خلاف

في حرمة الانتفاع ايضا ، فلا وجه للتصرف في كلامه الصريح في الاستدلال على حرمة

الانتفاعات بالاجماع .

واجاب عن اجماع الغنية : بانه في اصل مسألة تحريم بيع النجاسات واستثناء

الكلب المعلم والزيت المتنجس لافيما ذكره من ان حرمة بيع المتنجس من حيث

دخوله فيما يحرم الانتفاع ، وغاية مايمكن ان يقال في توجيه كلام الشيخ ره : ان اسم

الاشارة في قوله : ويدخل في ذلك كل نجس ، اريد به مالايجوز بيعه ، لان منافعه محرمة ،

المستفاد ذلك من صدر كلامه ، ومن استثناء بيع الكلب المعلم والزيت ، فان استثناء

بيعهما يستلزم كون المستثنى منه بيع النجاسات ، ومن قوله بعد ذلك بجواز بيع الزيت

والاستدلال له ، فانه ايضا يكشف عن كون محل الكلام هو البيع .

وعليه فالاجماع انما ادعاه على ذلك لاعلى حرمة الانتفاع بالمتنجس ، وبهذا

يظهر اندفاع مااورده بعض الاعاظم ره عليه بانه لم يتعرض لحرمة بيع النجس صريحا

ليكون اجماعه اجماعا على حرمة البيع ، مع انه يحتمل ان ابن زهرة استدل بالاجماع

على اشتراط المنفعة المحللة في صحة البيع ، او على استثناء بيع الكلب المعلم والزيت

المتنجس .

فالمتحصل : انه لم يحك الاجماع على عدم جواز الانتفاع بالمتنجس .

وعلى فرض تسليم الحكاية لاتصلح ان تكون دليلا للحكم لوجوه :

الاول : احتمال استناد المجمعين الى الايات والروايات المتقدمة التي عرفت ما

فيها .

 

 

[ . . . ]

الثاني : عدم حجية المنقول من الاجماع في نفسه كما حقق في الاصول .

الثالث : ماذكره الشيخ ره من مخالفة اكثر المتأخرين .

واما ماذكره بعض مشايخنا المحققين ره بان نقل مثل هذه الاجماعات في مقابل

المخالفين انما يكون من جهة الالزام ولايكون نقلا لرأي المعصوم عليه السلام ، فغير

تام ، لان الاستدلال بها بعد الافتاء كاشف عن ان مرادهم بها بيان الحجة الواقعية مع

ان حجية الاجماع المنقول لو ثبتت ليست لاجل كونه نقلا لرأي المعصوم عليه السلام

بل لاجل كونه نقلا للسبب .

 

حكم بيع ماعدا الدهن المتنجس

 

الثاني : قال الشيخ قده : ثم لو قلنا بجواز البيع في الدهن لغير المنصوص من

الانتفاعات المباحة فهل يجوز بيع غيره من المتنجسات المنتفع بها في المنافع المقصودة

المحللة كالصبغ والطين ونحوهما ، ام يقتصر على المتنجس المنصوص وهو الدهن ؟ غاية

الامر التعدي من حيث غاية البيع الى غير الاستصباح . انتهى .

قد اورد بعض الاعاظم ره عليه : بان مناط التعدي وعدمه واحد ، فاما ان

لايتعدي الى سائر المنافع او يتعدى الى كل متنجس له منفعة محللة .

وفيه : ان المناط التعدي في الاول كون الاستصباح مثالا لمطلق المنفعة المحللة ،

مع التحفظ على ظهور قولهم للاستصباح في ان شرط صحة البيع ان يكون لهذه

الغاية ، وظهور الاستثناء في عدم جواز بيع غيره ، ومناط التعدي في الثاني فهم العلية

من قولهم للاستصباح ، فانه على يتعدى الى كل ماله منفعة محللة ، فليس مناط التعدي

واحدا .

وقد استدل الشيخ ره للجواز : باستصحاب الحكم قبل التنجس .

 

 

[ . . . ]

اقول : بعد فرض وجود المنفعة المحللة وصدق البيع عرفا لم يظهر لي وجه عدم

الاستدلال لصحة البيع بعموم : ( احل الله البيع ) ، ودليل وجوب الوفاء بالعقود .

وكيف كان : فقد اورد على الاستصحاب : بانه من الشك في الموضوع من حيث

زوال وصفه المحتمل مدخليته في موضوعيته ، اعنى وصف الطهارة .

وفيه : ان وصف الطهارة بنظر العرف الذي هو المعيار في جريان الاستصحاب

وبقاء موضوع الحكم من قبيل العلة لثبوت الحكم لاانه جزء للموضوع ، ولكن

الصحيح عدم جريانه لما حققناه في محله من ان الاستصحاب لايجري في الاحكام

لكونه محكوما لاستصحاب عدم الجعل .

وايضا استدل له بالقاعدة المستفاده من قوله ( ع ) في خبر تحف العقول : ان

كل شئ يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال . وماتقدم من

رواية دعائم الاسلام من حل بيع كل مايباح الانتفاع به .

وفيه : اولا : ماتقدم من ضعف سند هذا الخبر .

وثانيا : انه معارض مع الجملة المتضمنة : لانه لايجوز بيع مافيه وجه من وجوه

الفساد ، لان المتنجس فيه وجه من وجوه الفساد ، وحيث انهما جملتان من خبر واحد

فالحكم فيهما على المشهور هو التساقط ، والجمع بينهما بالالتزام بالجواز بقصد ترتب

الصلاح وعدم الجواز بقصد ترتب الفساد كما عن السيد ره جمع لاشاهد له .

ودعوى ان ظاهر قوله : او وجه من وجوه الفساد ، انطباقه على عنوان يقتضي

حرمته بقول مطلق كما عن بعض مشايخنا المحققين ره ، مندفعة بان المراد به مايكون

بعض منافعه المقصودة محرما .

 

 

[ . . . ]

 

الانتفاع بالاعيان النجسة

 

الثالث : المشهور بين الاصحاب : حرمة الانتفاع بالاعيان النجسة الا ما

خرج بالدليل .

وقد استدل لذلك بوجوه :

منها : الايات المتقدمة : من قوله تعالى ( فاجتنبوه ) وقوله تعالى ( والرجز

فاهجر ) وقوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) .

واجاب عنها الشيخ ره وتبعه الاستاذ الاعظم في الاخير بظهورها في

الانتفاعات المقصودة في كل نجس بحسبه ، فما يناسب المذكورات في الاية انما هو

الاكل خاصة .

ولكن : يرد عليه قده ان الاجتناب عن الشئ وهجره لايصدق بمجرد عدم

اكله مع جواز سائر الانتفاعات ، مثلا لو ترك اكل الدهن الماخوذ من لبن الذئب مع

استعماله في سائر حوائجه كالاستصباح به والتطيب بما يعمل به من الطيب وغسل

رأسه به ، لايصدق انه هجره واجتنب عنه .

ودعوى انه يصدق ذلك مع ترك استعماله في المنافع المقصودة من الشئ وان

استعمله في غيرها ، الا ترى انه يصدق فلان هجر زوجته بمجرد انه لم يضاجعها وان

كان مستعملا اياها في سائر حوائجه ، كما يصدق فلان هجر جاريته بمجرد عدم ارجاع

الخدمة اليها وان جامعها ، مندفعة : اولا : بعدم تسليم صدق ذلك .

وثانيا : ان ذلك لو تم فانما هو فيما نسب الهجر الى عناوين الاشياء كالزوجة

والخادمة لافيما نسب الى النجس ، اي العنوان المشترك بين جميع العناوين ، فان الهجر

المطلق انما يصدق مع ترك استعماله في كل منفعة معتد بها .

 

 

[ . . . ]

وثالثا : لو ثبت ذلك في بعض المنافع غير المتوقف على الطهارة بلحاظ كونه

من المنافع المقصودة من الشئ ثبت في الجميع لعدم الفصل .

فالصحيح في الجواب ان يقال : اما آية تحريم الميتة فهي مخصصة في موردها لما

دل على يجواز الانتفاع بجلدها ، فالتعدي عنه بلا وجه .

واما آيتا وجوب اجتناب الرجس وهجر الرجز فقد تقدم الكلام فيهما مفصلا

في مبحث الانتفاع بالمتنجس ، وعرفت عدم دلالتهما على ذلك فراجع .

ومنها : قوله عليه السلام في خبر تحف العقول : او شئ من وجوه النجس وهذا

كله حرام محرم لان ذلك كله منهي عن اكله وشربه ولبسه وملكه وامساكه والتقلب فيه

فنجميع تقلبه في ذلك حرام ( 1 ) .

واجاب عنه الشيخ ره : بان المراد بالامساك والتقلب فيه مايرجع الى الاكل

والشرب ، ومراده بذلك مايكون نسبته الى العين كنسبة الاكل والشرب الى المأكول

والمشروب ، وبعبارة اخرى : المنفعة المقصودة .

وفيه : ان هذا الحمل خلاف الظاهر ولاقرينة على سوى ماذكره قده من

الاتفاق على جواز امساك نجس العين لبعض الفوائد ، وهو لايصلح للقرينية ، لانه

يمكن الالتزام بتقييد الامساك المحرم بغير الامساك لفائدة ثبت جوازها ، مع انه لو

سلم التنافي بينهما فغاية الامر رفع اليد عن ظهور النهي في خصوص الامساك وحمله

على الكراهة ، لاحمل الامساك والتقلب على ارادة المنافع المقصودة من كل شئ

فالصحيح في الجواب عنه ماتقدم مرارا من ضعف سنده .

ومنها : مادل من الاخبار والاجماع على عدم جواز بيع نجس العين بناءا على

ان المنع عن بيعه لايكون الا مع حرمة الانتفاع به .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وفيه : انه ليس في النصوص مايمكن ان يستدل به على عدم جواز بيع نجس

العين بعنوانه كي يستدل به في المقام ، وخبر تحف العقول قد عرفت انه يدل على عدم

جواز بيع النجس الذي لاينتفع به ، وكذلك النبوي وخبر دعائم الاسلام يدلان على

ان مالاينتفع به لايجوز بيعه لاانه لايجوز بيع النجس بعنوانه .

والشيخ ره اجاب عنه بجوابين : الاول : انه قد يدعى ان تلك الادلة مختصة

بغير مايحل الانتفاع المعتدبه .

الثاني : انه يمنع استلزام حرمة البيع لحرمة الانتفاع بناءا على مانعية نجاسة

العين بنفسها من غير ان ترجع الى عدم المنفعة المحللة .

ولكن : الجواب الاول بعيد غايته ولاوجه له بعد اطلاق الدليل .

واما الثاني : فقد يقال بعدم صحته ايضا ، لان الملازمة بين عدم جواز البيع

وحرمة الانتفاع ثابتة بقوله عليه السلام في خبر تحف العقول : كل مافيه وجه من

وجوه الصلاح جاز بيعه ، لانعكاسه بعكس النقيض اللازم الصدق للاصل الى قولنا :

كل مالم يجز بيعه لايجوز الانتفاع به .

وفيه : مضافا الى ضعف سنده ، ان اصالة العموم اصل عقلائي عملي موردها

مالو علم الفردية وشك في الحكم لاما علم فيه الحكم والشك في الفردية . وتمام الكلام

في محله .

ومنها : الاجماعات المنقولة المدعاة على حرمة الانتفاع بها كما عن فخر الدين

والمقداد وغيرهما من الاعلام .

واجاب عنه الشيخ ره : بظهور كلمات كثير منهم في جواز الانتفاع في الجملة .

وفيه : ان ثبوت جواب الانتفاع في الجملة لاينافي عموم مادل على المنع لامكان

الالتزام بالتخصيص ، فالصحيح في الجواب عن الاجماعات المنقولة : ان دعوى

الاجماع مع ذهاب جمع من الاساطين الى الجواز كما ترى ، مضافا الى ماحقق في محله

 

 

[ . . . ]

من عدم حجية الاجماع المنقول ، لاسيما مع احتمال استناد المجمعين الى وجه ودليل

واصل الينا كما في المقام .

فالمتحصل مما ذكرناه : انه يجوز الانتفاع بالاعيان النجسة الا ماخرج

بالدليل كالميتة .

ولكن قد يقال : ان مادل على ان الميتة لاينتفع بها ( 1 ) ، وان دل على عدم جواز

الانتفاع بها مطلقا ، الا انه يختص بما يعد استعمالا عرفا كما عن كاشف الغطاء ره .

واورد عليه الشيخ : بانه ليس في النصوص ماينهى عن خصوص الاستعمال

حتى يقال المقصود منه ، فالايقاد بالميتة وسد ساقية الماء بها واطعامها لجوارح الطير

غير مشمولة لها ، وبعبارة اخرى : انصراف الاستعمال الى الاستعمال المعهود المتعارف

من كل شئ بل المنهي عنه مايكون انتفاعا بها .

نعم يمكن ان يقال : ان مثل هذه الاستعمالات اي غير المعهودة من كل شئ

لاتعد انتفاعا تنزيلا لها منزلة المعدوم . . . فالمنهي عنه هو الانتفاع بالميتة بالمنافع

المقصودة التي تعد عرفا غرضا من تملك الميتة لولا كونها ميتة .

أضف اليه ان الانتفاع المنفي في الميتة وان كان مطلقا في حيز النفي الا ان

اختصاصه بما ادعيناه من الاغراض المقصودة من الشئ دون الفوائد المترتبة من

دون ان تعد مقاصد ليس من جهة انصرافه الى المقاصد حتى يمنع انصراف المطلق

في خير النفي بل من جهة التسامح ، والادعاء العرفي تنزيلا للموجود منزلة المعدوم ،

فانه يقال للميتة مع وجود تلك الفوائد فيها انها مما لاينتفع به .

وفيه أنه لاريب في ظهور النهي عن الانتفاع بعنوان من العناوين في ان المنهي

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 34 من ابواب الاطعمة المحرمة حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

عنه هو مايقصد منه من المصارف لامايقصد من المادة المشتركة ، الا ان مايقصد من

العنوان ايضا على قسمين : الاول : المنافع الشائعة .

الثاني : المنافع النادرة .

والثاني ايضا على قسمين : الاول : مالا يعد منفعة له من جهة مزاحمته مع ما

هو اهم منه كالطعام اللحم للطيور ، فانه منفعة لللحم الا انه لاجل مزاحمته مع الاكل

لايحسب من منافعه .

الثاني : مالايعد منفعة له في نفسه ولو مع عدم المزاحم ، وماذكره قده يتم في

القسم الثالث ولايتم في القسم الثاني : اذ لاوجه له فيه الا الانصراف الذي لايصلح

للتقييد لكونه بدويا زائلا بادنى التفات .

واما " قوله قده : حتى يمنع انصراف المطلق . . . الخ " فقد اورد عليه بعض

الاعاظم ره : بان الوقوع في حيز النفي لايمنع الانصراف في المنفي ، اذ شأن اداة

النفي افادة العموم فيها المنفي ظاهر فيه ، سواء كان الظهور بالوضع او الانصراف او

القرائن .

وفيه : ان ماذكره قده يتم بناءا على عدم كون النكرة الواقعة في حيز النفي

ظاهرة في العموم وضعا كما هو الحق ، او على توقف دلالة اداة العموم عليه على اجراء

مقدمات الحكمة في مدخولها ، والا فلا يتم كما لايخفى .

ولكن يرد عليه : ان المطلق في المقام واقع في حيز النهي لاالنفي ، وعليه فلا

فرق بين كون الحكم تحريميا او وجوبيا في اختصاصه بما ينصرف اليه المتعلق .

واما " قوله قده : والا دعاء العرفي . . . الخ " فليس مراده بذلك المسامحة في تطبيق

المفهوم على المصداق حتى يقال بان المسامحات العرفية في المورد تضرب على الجدار ،

بل مراده ان الانتفاع بمثل المنافع المذكورة ليس انتفاعا ، وبعبارة اخرى : مفهوم

الانتفاع بحسب المتفاهم العرفي لايشمل حقيقة امثال هذه الانتفاعات ، فلا وجه

 

 

[ . . . ]

للايراد عليه .

ولكن بما انه وردت في الميتة روايات ( 1 ) دالة على جواز بعض الانتفاعات

بها ، كاذابة الالية والاسراج بها ، والاستقاء بجلدها ، وغير ذلك من ماورد فيه النص ،

يتعين حمل ماتضمن انه لاينتفع بالميتة على ارادة المنع عن استعمالها فيما يشترط

بالطهارة دون مطلق الاستعمال .

 

المعاملة على الاعيان النجسة

 

الرابع : بعد ماعرفت من جواز الانتفاع بالاعيان النجسة يقع الكلام في

احكامها الوضعية ، وملخص القول فيها بالبحث في موارد :

( 1 ) في نقلها الى الغير بالبيع او معاوضة اخرى ، او بالهبة .

( 2 ) في ثبوت حق الاختصاص مع عدم جعل المنفعة المحللة لها المالية .

( 3 ) في خصوص الصلح الناقل على حق الاختصاص .

( 4 ) في الحيازة لها وانها هل تشترط في الاختصاص بها قصد الحائز للانتفاع ام

لا .

اما الاول : فان كانت المنفعة المحللة للنجس للاصل او للنص تجعله مالا

عرفا ، وذلك فبما اذا كانت المنفعة معتنى بها عند اهل العرف .

ودعوى ان المالية لاتدور مدار المنفعة فان الجواهر النفيسة مال ولامنفعة لها ،

والماء على الشط له منفعة وليس بمال كما عن المحقق الايرواني ، مندفعة بان عدم المالية

في الماء انما يكون لكثرته وتمكن كل احد من الوصول اليه والانتفاع به ، ولذا لو فرض

قلته يكون مالا بلا كلام ، واما الجواهر النفيسة فماليتها انما تكون لكونها مما تعلق به

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 30 - من ابواب الذبائح - و 34 - من ابواب الاطعمة المحرمة . ( * )

 

 

[ . . . ]

غرض العامة بحيث يميلون اليه .

فان قلت : ان المالية العرفية لاتدور مدار المنفعة المحللة ، ونهي الشارع

لايوجب حط الشئ عن المالية كما ذكره بعض الاعاظم ره .

قلت : نهي الشارع عن المنفعة انما يكون في حكم تنزيل وجودها منزلة العدم ،

فهي في عرف المتشرعة تنحط عن المالية فقد افاد الشيخ بعد تسليم منع الشارع عن

بيعه : ان مثل هذه الاموال لاتجوز المعاوضة عليها ، ولايبعد جواز هبتها لعدم المانع مع

وجود المقتضي فتأمل . انتهى .

اقول : اما البيع فقد مر الكلام فيه ، واما ماافاده في غير البيع فيرد عليه : ان

مدرك عدم جواز المعاوضة ان كان خبر تحف العقول فيرد عليه : مضافا الى ضعف

سنده : انه من جهة تعليل عدم الجواز فيه بعدم جواز الانتفاع وعدم وجود المنفعة

المحللة ، لايشمل المقام لفرض وجود المنفعة المحللة

وان شئت قلت : انه يدل على ان المانع عدم وجود المنفعة المحللة لاالنجاسة ،

مع انه لو ثبتت دلالة هذه الجملة منه المتضمنة لهذا الكلام على المنع عن المعاوضة على

النجس بقول مطلق ، يقع التعارض بينها وبين الجملة المتضمنة لجواز المعاوضة على كل

مافيه جهة من الصلاح في امثال المقام ، فتتساقطان كما تقدم في بيع الدم ، فيرجع الى

عموم ادلة تلك المعاملات ، وان كان المدرك هي النصوص الخاصة فهي انما وردت في

موارد خاصة لايستفاد منها هذه الكبرى الكلية .

وبذلك ظهر انه لامانع من هبتها مع وجود المقتضي ، اما المقتضي فهو عموم

ادلة الهبة ، واما عدم المانع فلعدم شمول خبر تحف العقول كما تقدم ، وعدم شمول

النصوص الخاصة لاختصاصها بالمعاملات التي لها اثمان ، ولاتشمل مثل الهبة ، فتامل

الشيخ ره يكون بلا وجه .

ودعوى ان الامر بالتأمل انما يكون لعدم مالية الكلاب الثلاثة المستفاد من

 

 

[ . . . ]

ماورد من ثبوت الدية في قتلها دون القيمة ، مندفعة بما عرفت من انه اعم من عدم

المالية ، ولذا ثبتت الدية في كلب الصيد مع انه مال بلا كلام .

 

منشأ ثبوت حق الاختصاص

 

واما الثاني : ففي المكاسب : وقد لاتجعله مالا عرفا لعدم ثبوت المنفعة المقصودة

منه له وان ترتب عليه الفوائد ، الى ان قال والظاهر ثبوت حق الاختصاص في هذه

الامور . انتهى .

اقول : لاينبغي التأمل في ان حق الاختصاص ثبات للمحيز لما لايملكه ،

وللمالكين في اموالهم الساقطة عن المالية للعوارض .

انما الكلام في منشأ ذلك ، والظاهر ان منشأه كون ذلك مما عليه بناء العرف

والعقلاء ، ولم يرد من الشارع الاقدس نهي عن ذلك ، بل لايبعد دعوى سيرة المتشرعة

عليه سيرة مستمرة الى زمان المعصوم عليه السلام :

ويشهد له في صورة الحيازة : النبوي : من سبق الى مالم يسبق اليه مسلم فهو

احق به ( 1 ) . لكنه ضعيف السند ولم يحرز استناد الاصحاب اليه .

وماذكره الاستاذ الاعظم من ان مورده الموارد المشتركة بين المسلمين

كالاوقاف العامة ويدل على ان احدا من الموقوف عليهم اذا سبق اليها واشغلها

بالجهة التي انعقد عليها الوقف حرمت على غيره مزاحمته فهو غير مربوط بما هو محل

الكلام ، غير سديد لعدم قرينة موجبة لتقييده بتلك الموارد وحمله عليها ، فتدبر .

واستدل له في هذه الصورة ايضا : بالمرسلة المعروفة : من حاز

..........................................................................

( 1 ) المستدرك - باب 1 من كتاب احياء الموات حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وفيه : مضافا الى عدم وجدانها في كتب الحديث : انها على فرض وجودها مرسلة

غير منجبرة بعمل الاصحاب لما تقدم ، مع انه انما تدل هي على ثبوت الملكية للمحيز

ولاتدل على ثبوت حق الاختصاص في غير مايملك .

واستدل له في الصورة الثانية : بالاستصحاب ، وتقريبه انما يكون بوجهين :

الاول : ماذكره المحقق الايرواني ره من استصحاب بقاء العلقة ، فان المورد مما يجري

فيه هذا الاستصحاب لمكان ان المشكوك فيه يعد من مراتب المتيقن السابق لاشيئا

خارجا عنه .

وفيه : ان الملكية من الامور الاعتبارية ، وهي من سنخ الوجود ، وتكون بسيطة

لامراتب لها ، فلايعقل زوال مرتبة منها وبقاء مرتبة اخرى ، والحق وان كان مرتبة ضعيفة

من الملك الا ان له اعتبار غير اعتبار الملكية .

الثاني : استصحاب بقاء الحكم الثابت للمال حين كونه ملكا وهو عدم جواز

تصرف غيره فيه الا باذنه ، اذ بعد زوال الملكية يشك في بقائه من جهة احتمال ثبوت

الحق فيستصحب .

وفيه : ماحققناه في محله واشرنا اليه في الجزء الثالث من هذا الشرح من عدم

جريان الاستصحاب في الاحكام ، لكونه محكوما لاستصحاب عدم الجعل ، مضافا الى

تبدل الموضوع ، فان موضوعه هو مال الغير الساقط عن المالية على الفرض ، وليس

الموضوع ذات ماهو مال ، وتكون المالية واسطة في الثبوت ومن الجهات التعليلية ، بل

هي تمام الموضوع ومن الجهات التقييدية . وتمام الكلام في ذلك موكول الى محل آخر .

واما الثالث : فظاهر التذكرة جواز الصلح على حق الاختصاص بدون

العوض او معه ، واستشكل الشيخ فيه ، وغاية ماقيل في وجه الاشكال انما هو امران :

الاول : شمول التقلب المذكور في خبر تحف العقول له ، بل هو صادق على

المصالحة بلاعوض وبذل المال ليرفع يده عنه .

 

 

[ . . . ]

ودعوى ان التقلب عبارة عن التصرف في الشئ مع محفوظية ذلك الشئ ،

وبهذا الاعتبار يطلق على البيع ، فان مالية الشئ باقية برد بدله ، فلا يصدق على

المصالحة بلاعوض ، ممنوعة الا ترى انه يصدق التقلب على عتق العبد .

فتحصل : انه بناءا على صحة الاستدلال بخبر تحف العقول ماذكره الشيخ

ره في وجه صحة المعاملة لايجدي ، الا انه عرفت غير مرة انه ضعيف السند لايعتمد

عليه .

الثاني : ماورد في الموارد الخاصة من جعل الثمن سحتا ، فان الثمن لايختص

بما يقع عوضا في البيع ، ولابما يقع في مقابل نفس العين المملوكة ، بل يصدق على كل

مايبذل للتسلط على العين ، وعليه فالمصالحة بعوض غير جائزة ، وماتحراه الشيخ ، ره

في التوصل الى المعاملة تام .

ولكن هذا لو تم فانما يختص بالنجس الذي ورد النهي عن بيعه خاصه مع كونه

بهذا المضمون ، اي يجعل ثمنه سحتا ، ولايعم جميع النجاسات ، مع انه يتم فيه ايضا

لما مر من اختصاص الثمن بحسب المتفاهم العرفي ، بما جعل عوضا في البيع .

واما الرابع : ففي مكاسب الشيخ : ثم انه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصد

الحائز للانتفاع - الى ان قال - وكذا لو سبق الى مكان من الامكنة المذكورة ، اي

المشتركة ، من غير قصد الانتفاع منها بالسكنى . . . الخ .

وفيه : ان ما ذكره ره لم تم في الامكنة المشتركة لايتم في المباحات الاصلية

كالاصطياد ونحوه ، والشاهد عليه السيرة المستمرة وبناء العرف والعقلاء ، فانهم

يعاملون مع المحيز لشئ معاملة المالك له ومن له حق ثابت عليه حتى مع العلم بان

مقصوده التكسب لاالانتفاع ، ويؤيده اطلاق النبوي المتقدم .

نعم لايبعد دعوى اعتبار عدم اخذ الشئ عبثا ولالغاية ، كما انه يمكن ان

يؤيد ذلك بل يستدل له بالنصوص الكثيرة الواردة في احياء الموات من الاراضي .

 

 

] الثاني يحرم التكسب . [

 

حرمة بيع هياكل العبادة المبتدعة

 

النوع ( الثاني ) من ما ( يحرم التكسب ) به مايحرم لتحريم مايقصد به ، وهو

على اقسام : الاول : مالا يقصد من وجوده على نحوه الخاص الا الحرام ، وهي امور

منها هياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم ، والمشهور بين الاصحاب شهرة

عظيمة : حرمة بيعها ، بل عليها اجماع فقهاء الاسلام على مانسب اليهم .

وتحقيق القول في المقام انه تارة : تكون منفعة الهياكل المزبورة منحصرة في

العبادة المحرمة ، بان لم يترتب على هيئتها منفعة اخرى من التزيين وغيره ، وكانت

موادها خارجة عن حريم المالية ، كالهيكل المصنوع من الخزف .

واخرى : تكون لها منفعة اخرى ، وهي على قسمين : الاول : ماتكون المنفعة

الاخرى مترتبة على الهيئة ايضا كالتزيين ، ولعل من هذا القبيل آلات الصنائع

كالمكائن المتصفة بصوره الوثنية .

الثاني : ماتكون المنفعة مترتبة على المادة ، كما اذا كانت مادة تلك الهياكل من

الذهب والفضة ، وثالثة : تكون المنفعة المحرمة المفروضة معدومة ، كما اذا فرض عدم

وجود العابد لها ، فان ذلك يوجب انعدام تلك المنفعة المحرمة ، وانحصار المنفعة لو كانت

في المحللة .

لااشكال ولاكلام في فساد بيع القسم الاول ، اذ مع فرض عدم وجود المنفعة

المحللة تكون مالا شرعا فلايصح البيع لذلك ، مع ان المبيع متمحض في جهة

الفساد ، والبيع واقع في سبيل الاضلال ، فلا ينبغي التوقف في الحرمة وضعا وتكليفا .

واما القسم الثاني : فمقتضى القاعدة هي صحة بيعه اذا كانت المنفعة المحللة

شائعة ، او كانت نادرة غير مقومة للمالية ، ولكن من حيث المزاحمة مع المحرمة لكونها

 

 

[ . . . ]

اتم ، وفساده اذا كانت نادرة غير موجبة للمالية في نفسها لخستها لما حققناه في مبحث

بيع الدهن المتنجس ، فراجع .

انما الكلام في المقام فيما تقتضيه الادلة الخاصة .

وقد استدل لعدم الجواز بوجوه : الاول : مافي رواية تحف العقول من قوله عليه

السلام : فكل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه . وقوله عليه السلام فيها : انما

حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها التي يجئ منها الفساد محضا نظير البرابط

والمزامير والشطرنج وكل ملهو به والصلبان والاصنام . وقوله عليه السلام فيها : او عمل

التصاوير والاصنام ( 1 ) .

وفيه : ماتقدم في اول الكتاب من انها ضعيفة السند لاتصلح للاعتماد عليها في

الاحكام الشرعية ، وبذلك ظهر عدم صحة الاستدلال بقوله عليه السلام في خبر

دعائم الاسلام : نهى عن بيع الاصنام ( 2 ) .

الثاني : جملة من الايات الشريفة : كقوله تعالى ( فاجتنبوا الرجس من

الاوثان ) ( 3 ) .

وقوله تعالى ( والرجز فاهجر ) ( 4 ) .

وقوله تعالى ( انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان

فاجتنبوه ) .

وتقريب الاستدلال بها من وجهين : الاول : ان الاجتناب المطلق شامل للبيع .

..........................................................................

 ( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 .

( 2 ) المستدرك - باب 5 - من ابواب مايكتسب به - حديث 5 .

( 3 ) سورة الحج آية 31 .

( 4 ) سورة المدثر آية 6 .

( 5 ) سورة المائدة آية 91 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الثاني : انها تدل على حرمة جميع الانتفاعات حتى غير العبادة كالتزيين وغيره ،

فتكون مما منفعة محللة له فلا يجوز البيع ذلك .

وفيه : ان المستفاد من هذه الايات لزوم اجتناب الاوثان والرجس وهجرها

بعدم الانتفاع بها بما يكون انتفاعا بها بما هي اوثان ، كما هو الظاهر من اضافة المنفعة

الى العنوان ، وعلى ذلك فلا تشمل الايات الانتفاع بها بما لايكون انتفاعا بالوثن بما

هو كذلك المفروض وجوده في المقام ، فاذا لم تشمل تلك المنفعة فعدم شمولها للبيع

بطريق اولى .

الثالث : النبوي المشهور : ان الله اذا حرم على قوم شيئا حرم عليهم ثمنه ( 1 ) .

وفيه مضافا الى ضعف سنده كما تقدم : قد عرفت اختصاصه بما ليس له منفعة

محللة فلا يشمل هذا القسم .

الرابع : الاجماع وهو كما ترى .

الخامس : النصوص ( 2 ) الدالة على المنع عن بيع الخشب ممن يجعله صليبا أو

صنما ، الاتية في مسألة بيع العنب ممن يجعله خمرا ، فانه اذا حرم بيع الخشب لمن يجعله

كذلك ، فبيع الصليب والصنم اولى بالتحريم ، وهذا هو الوجه القوي ، وتؤيده

النصوص المتضمنة اتلافه صلى الله عليه وآله وسلم اصنام مكة ، اذ لو جاز بيعها لما

جاز اتلافها ، وماقيل من انه يجب الاتلاف حسما لمادة الفساد .

واما القسم الثالث : فالكلام فيه يقع في موضعين : الاول : في بيع مجموع المادة

والهيئة ، ومنه يظهر حكم بيع الهيئة مجردة .

الثاني : في بيع المادة وحدها .

اما الموضع الاول ففيه وجوه : الاول : صحة البيع الواقع على المادة بهيئتها ،

..........................................................................

( 1 ) قد تقدم مصدر هذا الحديث في ص 18 .

 ( 2 ) الوسائل - باب 41 - من ابواب مايكتسب به . ( * )

 

 

[ . . . ]

اختاره بعض الاعاظم من المحشين .

الثاني : فساده ، اختاره الشيخ ره .

الثالث : التبعيض في الفساد كما في بيع الشاة والخنزير ، ولعله الاقوى .

وقد استدل للاول : بانه اذا فرض وجود منفعة محللة ولو كانت مترتبة على المادة

يصدق ان المبيع فيه جهة من وجوه الصلاح ، فان مافي الخارج واحد بسيط فيصح

البيع . وبعبارة اخرى : بعد فرض كون مافي الخارج واحدا يدخل المورد في الكبرى

الكلية المتقدمة وهي جواز بيع ذي المنفعتين الشائعتين الحلال والحرام .

وفيه : انه لاريب في ان الهيئة مما يبذل بازائه المال لاانها توجب مالية المادة ،

وهي بنفسها ذات مالية .

وان شئت قلت : ان الهيئة المتمولة كالصفة المتمولة ، مثل كون الجارية مغنية

تكون من عناوين المبيع ، ويقع بعض الثمن بازائها ، بل عرفت انه ربما يكون النظر

الى الهيئة ، والمادة منظورة تبعا .

واستدل للثاني : بان بذل المال بازاء هذا المتشكل بالشكل الخاص من حيث

كونه مالا عرفا بذل للمال على الباطل ، وبعبارة اخرى : انها بهذه الهيئة لاينتفع بها الا

في الحرام .

وفيه : انه اذا كان للمادة منفعة ايضا ، وكان مقدار من الثمن واقعا بازائها ، لاوجه

للحكم بفساد البيع الواقع على المجموع من المادة والهيئة ، بل لابد من الحكم بفساده

في بيع الهيئة خاصة .

فتحصل : ان الاظهر بحسب القواعد هو القول الثالث .

ودعوى ان الهيئة الوثنية في الصليب والصنم كالصورة النوعية للمادة في نظر

العرف فلا تكونان في الخارج الا شيئا واحدا ، فلا موضع للانحلال والتقسيط كما عن

الاستاذ الاعظم ، مندفعة بان ذلك يتم فيما اذا كانت الهيئة منظورا اليها ، وكانت المادة

 

 

[ . . . ]

منظورا اليها تبعا ، وكانت المالية لخصوص الهيئة ، ولايتم فيما كانت كل واحدة منهما

منظورا اليها ، وكانت المالية لها كما هو المفروض .

واما الادلة الخاصة فالنصوص الواردة في بيع الخشب غاية مايستفاد منها

بالاولوية حرمة بيع الهيئة وفساده ، واما بيع المادة اذا كانت لها منفعة ومالية فلا تدل

هي على عدم جوازه كما هو واضح ، واما سائر الادلة فقد عرفت عدم ، دلالتها على

عدم لجواز :

واما الموضع الثاني : ومحصل القول فيه : ان الصور المتصورة في بيع المادة خاصة

ست .

الاولى : ان يبيع المادة بشرط ان يغير المشتري هيئتها ، وكان المشتري ممن

يوثق بديانته .

الثانية : ان يبيع المادة مع الشرط المذكور ممن لايوثق بديانته .

الثالثة : ان يبيع المادة ممن يوثق بديانته بلا شرط التغيير .

الرابعة : بيع المادة ممن لايوثق بديانته بلا الشرط المذكور .

الخامسة : بيع المادة المتصفة بتغير هيئتها بنحو الشرط المتقدم بنحو يتوقف

دخولها في ملك المشتري على تحقق هذا العنوان له فعلا .

السادسة : بيع المادة المتصفة بانها سيعقبها التغيير في مابعد .

اما في الصورة الاولى : فلا اشكال ولاكلام في صحة البيع لعدم شمول ادلة

المنع وماتوهم دلالته في الصور الاتية عليه له .

واما في الصورة الثانية : فقد استدل لفساد البيع بكونه اعانة على الاثم فيكون

حراما وفاسدا .

وفيه : اولا : ان الاعانة على الاثم لو سلم كونها محرمة لاتوجب فساد البيع لما

حقق في محله من عدم المنافاة بين المبغوضية والصحة في باب المعاملات .

 

 

[ . . . ]

وثانيا : ان الاقباض اعانة على الاثم لاالبيع ، فالاظهر هي الصحة فيها .

واما في الصورة الثالثة : فقد استدل لفساد البيع ، تارة : بان المال هي المادة

بشرط عدم الهيئة ، واخرى : بان عموم العلة المستفادة من قوله عليه السلام : لايباع

شئ فيه غش ( 1 ) . يقتضي الفساد لكونه واجب الكسر .

وفيهما نظر : اما الاول : فلان المادة اذا كانت لها منفعة محللة ولو بعد التصرف

فيها تكون مالا قبله ، ولذا لاخلاف في ان من اتلف هذه الامور ضمن موادها ، كما

لاريب في ان اللحم مال مع انه لاينتفع به الابعد الطبخ .

واما الثاني : فلان الغش انما يكون اذا خفى العيب ، مع انه في صورة خفاء

العيب ايضا يصح البيع ، غاية الامر يثبت الخيار ، فالاظهر فيها ايضا الصحة .

وبما ذكرناه في هاتين الصورتين ظهر حكم الصورة الرابعة ومايمكن ان يستدل

به للفساد فيها .

واما الصورة الخامسة : فالاظهر فيها الفساد ، فانه ان كان المبيع هو عنوان

المغير يكون ذلك من قبيل بيع المعدوم ، وان كان هو المادة الموجودة بعد عروض صفة

التغير يكون من قبيل تعليق بيع الموجود بتحقق صفة في المستقبل .

واما الصورة السادسة : فالاظهر فيها الصحة ان كانا عالمين بالتغيير ، لان

المبيع هي المادة المتصفة بوصف متحقق بالفعل ، والا فهو فاسد لكون المبيع مجهولا ،

فتدبر .

قال في محكي التذكرة : انه اذا كان لمكسورها قيمة وباعها صحيحة ليكسر

وكان المشتري ممن يوثق بديانته فانه يجوز بيعها على الاقوى . انتهى .

والشيخ قده بعد اختياره صحة بيع المادة بلا شرط نقل هذا الكلام من المصنف

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 86 - من ابواب مايكتسب به - حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بالالات المحرمة كالعود والمزمر والاصنام والصلبان

ره تقوية لما اختاره ، وذلك يتوقف على ان يكون قوله ليكسر غاية للبيع ، ويكون

القصد الى كسر الهيئة راجعا الى عدم ملاحظتها في المبيع بل يبيعها مع كون داعيه

كسر الهيئة لينتفع بالمادة خاصة ، ولكن الظاهر منه ارادة اشتراط فعل الكسر من

المشتري . فلاحظ وتدبر .

 

بيع آلات اللهو

 

ومنها : آلات اللهو على اختلاف اصنافها ، وقد طفحت كلمات القوم بحرمة

التكسب ( بالالات المحرمة كالعود والمزمرو الاصنام والصلبان ) وعن المستند : دعوى

الاجماع عليه ، والمتيقن من معقده الالات المعدة للملاهي كالمزامير والمعازف والاوتار

وما شابهها ، التي تنحصر فائدتها بالانتفاع بها في الملاهي الذي لااشكال ولاكلام

نصا وفتوى في حرمته . وعدم جواز البيع في هذا المورد انما يكون على وفق القاعدة

كما عرفت في مسألة بيع هياكل المبتدعة .

كما ان حرمته التكليفية لاشبهة فيها لوقوع البيع في معرض الاضلال وتمحض

المبيع في جهة الفساد ، ولذا يجب اتلافها حسما لمادة الفساد .

انما الكلام فيما اذا اشترك شئ بين ذلك وبين الاعمال في عمل محلل ،

كالراديوات المرسومة في زماننا هذا ، فانه ينتفع بها في الملاهي ، وفي المنافع المحللة

كاستماع قراءة القرآن والاخبار وغير ذلك ، والاظهر في ذلك هو الجواز وضعا وتكليفا

لعموم ادلة حلية البيع ، وماذكرناه في وجه عدم جواز بيع هياكل العبادة ، وآلات القمار ،

لايدل على عدم الجواز في المقام كما هو واضح .

والنبوي المروي عن تفسير ابي الفتوح : ان الله بعثني هدى ورحمة للعالمين ،

 

 

[ . . . ]

وآلات القمار كالشطرنح والنرد والاربعة عشر

وامرني ان امحو المزامير والمعازف والاوتار والاوثان وامور الجاهلية - الى ان قال - ان

آلات المزامير شراؤها وبيعها وثمنها والتجارة بها حرام ( 1 ) . ضعيف لارساله ، لايعتمد

عليه ، وافتاء الاصحاب بالمنع غير ثابت ، وعلى فرضه استنادهم اليه غير معلوم ، ومجرد

الموافقة لايوجب الجبر .

والاستدلال بالاخبار العامة المتقدمة في اول الكتاب ، في غير محله لما عرفت

من ضعف السند .

 

بيع الات القمار

 

( و ) منها : ( الات القمار ) بانواعه ( كالشطرنج والنرد والاربعة عشر ) والظاهر

ان حرمة بيعها مما لاخلاف فيه ، وعن المستند : دعوى الاجماع عليه . والمراد بها مااعد

للمقامرة كالنرد لاكل ماقومر به ولو في بعض الاحيان كالجوز .

وقد استدل للحرمة : بالوجوه المتقدمة في بيع هياكل العبادة التي عرفت عدم

دلالة شئ منها على ذلك ، وانما التزمنا بعدم الجواز فيها لنصوص بيع الخشب لمن يجعله

صليبا ، غير الشاملة لالات القمار لاسيما بناءا على ماستعرف في ذلك المبحث من

اختصاصها بخصوص موردها .

وبخبر ابي الجارود عن الامام الباقر عليه السلام الوارد في تفسير قوله تعالى

( انما الخمر والميسر ) واما الميسر فالنرد ، والشطرنج وكل قمار ميسر - الى ان قال – كل

 هذا بيعه وشرائه والانتفاع بشئ من هذا حرام من الله محرم الحديث ( 2 ) .

وفيه : انه ضعيف لابي الجارود ، فالاولى ان يستدل للحرمة وضعا وتكليفا بها ورد

..........................................................................

( 1 ) المستدرك باب 79 من ابواب مايكتسب به حديث 16 .

( 2 ) الوسائل - باب 102 من ابواب مايكتسب به حديث 12 . ( * )

 

 

[ . . . ]

في الموارد الخاصة كصحيح البزنطي عن ابي بصير عن الامام الصادق عليه السلام :

بيع الشطرنج حرام واكل ثمنه سحت . الحديث ( 1 ) .

وخبر المناهي الوارد في بيع النرد ( 2 ) .

فانه بضميمة عدم القول بالفصل بين آلات القمار يثبت الحكم في الجميع .

وعن المسالك : وقوى في التذكرة الجواز مع زوال الصفة ، وهو حسن ،

والاكثر اطلقوا المنع . انتهى .

وقد قيل في بيان مراد العلامة الذي استحسنه الشهيد ره ، وجوه :

الاول : ان يكون المراد زوال صفة المقامرة بان ترك اهلها القمار بها .

الثاني : ان المراد زوال الهيئة .

الثالث : ان المراد الجواز مع اشتراط زوال الصفة .

الرابع : ان المراد جواز البيع اذا كانت المادة من الاموال ، بان يرجع قوله مع

زوال الى ماذكر قبل الحكم بالجواز وهو عدها مالا .

 

بيع اواني الذهب والفضة

 

ومنها : اواني الذهب والفضة ، على القول بحرمة اقتنائها . او قصد المعاوضة على

مجموع الهيئة والمادة ، هكذا افاد الشيخ .

وتنقيح القول في موردين :

( 1 ) قي تعيين الموضوع وبيان مفهوم الاناء .

( 2 ) في حكم الماملة عليها .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 103 - من ابواب مايكتسب به - حديث 4 .

( 2 ) الوسائل - باب 104 - من ابواب مايكتسب به - حديث 6 . ( * )

 

 

[ . . . ]

اما الاول : فقد اختلفت كلمات اللغويين في تعيين مفهوم الاناء ، فعن جملة من

كتب اللغة كالصحاح والقاموس ومجمع البحرين وغيرها : انه معروف ، وحيث انه لا

استعمال له في عرفنا اليوم فلا يفيد ذلك ، وعن المصباح : تفسيره بالوعاء والظاهر انه

لاينبغي التوقف في كونه تفسيرا بالاعم لصدق الوعاء على الصندوق ، ولايصدق عليه

الاناء ، ومنه يظهر ضعف ماعن مفردات الراغب من تفسيره بما يوضع فيه الشئ ،

وماعن غير واحد من تفسيره بالظرف .

ويؤيد ماذكرناه مصحح منصور بن حازم عن مولانا الصادق عليه السلام :

عن التعويذ يعلق على الحائض فقال : نعم ، اذا كان في جلد او فضة او قصبة حديد ( 1 ) .

فان من المستبعد الالتزام بالتخصيص في جلد التعويذ ، والظاهر انه عبارة عن

متاع البيت الذي يستعمل في الاكل أو الشرب او مقدماتهما كالسماور ، او مؤخراتهما

كالابريق .

واما صحيح ابن بزيع ( 2 ) المشتمل على مبالغة الامام عليه السلام في تنزيه فعل

ابي الحسن عليه السلام عن امساك المرآة الملبسة بالفضة الموهم لاعمية الاناء من

ذلك ، فلايعتني به لعدم ظهور جوابه عليه السلام فيها كما لايخفى .

واما الثاني : فبناءا على مااخترناه من عدم جواز الانتفاع بها بشئ لصحيح

ابن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام : انه نهى عن آنية الذهب والفضة ( 3 ) . اذ

حذف المتعلق دليل العموم ، وموثق ابن بكر عن ابي الحسن عليه السلام : آنية الذهب

والفضة متاع الذين لايوقنون ( 4 ) . على ماحققناه في الجزء الاول من هذا الشرح في

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 67 - من ابواب النجاسات والاواني والجلود حديث 2 .

( 2 ) الوسائل - باب 65 - من ابواب النجاسات والاواني والجلود .

( 3 ) الوسائل - باب 65 - من ابواب النجاسات والاواني حديث 3 .

( 4 ) الوسائل باب 65 - من ابواب النجاسات والاواني والجلود حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

احكام الاواني ، تكون الانية بمالها من الهيئة مما يجئ منه الفساد محضا ، ومما له منفعة

محرمة خاصة ، وقد عرفت في البحث عن حرمة بيع هياكل العبادة المبتدعة فساد بيع

مثل ذلك ، فراجع .

نعم اذا كانت هيئتها مما لاينتفع به ، لاجل كونها من الاواني التي ترك استعمالها

صح البيع لتمحض المبيع في المادة التي لها منافع محللة ، بل بناءا على ماعرفت في ذلك

المبحث يمكن الحكم بالتبعيض في الفساد ان كانت لهيئتها مالية .

 

بيع الدراهم المغشوشة

 

ومنها : الدراهم الخارجة المعمولة لاجل غش الناس .

ومحل الكلام الدراهم المغشوشة غير الرائجة ، واما الرائجة بين الناس مع العلم

بالغش فلا كلام في جواز تابع للرواج وهو

تابع لاعتبار من بيده ازمة الامور ، من غير فرق بين كون المادة مغشوشة ، وغير

مغشوشة .

ثم ان الكلام يقع في موضعين : الاول : في صورة العلم بالغش .

الثاني : في صورة الجهل به .

اما الاول : فالكلام فيه يقع تارة : في جواز الانتفاع بها في التزيين ونحوه ،

واخرى : في جواز المعاوضة عليها وعدمه .

اما الاول : فالمشهور بين الاصحاب هو الجواز : وفي الجواهر : لم اجد من افتى

بالمنع بل الفتاوى على خلافه :

وتشهد له جملة من النصوص ، واستدل للمنع بالنصوص الدالة على حرمة

الغش الاتية في ذلك المبحث ، وبقوله ( ع ) في خبر المفضل بن عمر الجعفي مشيرا الى

 

 

[ . . . ]

درهم مغشوش : اكسره فانه لايحل بيع هذا ولا انفاقه ( 1 ) .

وبخبر موسى بن بكر قال : كنا عند أبي الحسن عليه السلام فاذا دنانير

مصبوبة بين يديه فنظر الى دينار فاخذه بيده ثم قطعه بنصفين ثم قال لي : القه في

البالوعة حتى لايباع شئ فيه غش ( 2 ) .

وبقول الامام الصادق عليه السلام في خبر دعائم الاسلام في الستوق : يقطع

ولا يحل ان ينفق ( 3 ) .

وفي الجميع نظر : اما نصوص الغش : فلعدم شمولها لما نحن فيه ، لتوقف صدق

الغش على علم الغاش وجهل المغشوش ، فلايصدق في فرض علم المغرور .

واما الاخبار الاخر : فضعيفة السند ، لان في طريق خبر الجعفي علي بن

الحسين الصيرفي ، والثاني مرسل ، وخبر دعائم الاسلام قد عرفت حاله في اول

الكتاب ، فهي غير منجبرة بعمل الاصحاب لما عرفت من افتائهم بالجواز ، مضافا الى

معارضتها بما هو اصح سندا منها .

واما الثاني : فالاظهر جواز المعاوضة عليها وضعا وتكليفا ، اذ مضافا الى ان ذلك

مما تقتضيه القواعد العامة بعد فرض جواز الانتفاع بها ، يشهد له صحيح ابن مسلم

المتقدم عن الامام الصادق عليه السلام : اذا بين ذلك فلاباس ( 4 ) ونحوه غيره ، ونصوص

الغش ، والاخبار الخاصة قد عرفت حالها .

وبما ذكرناه ظهر ضعف افتاء المحقق النائيني ره بالفساد لاجل عدم وجود

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 10 - من ابواب الصرف حديث 5 .

( 2 ) الوسائل - باب 86 - من ابواب مايكتسب به حديث 5 .

( 3 ) المستدرك باب 6 - من ابواب الصرف الحديث 1 .

( 4 ) الوسائل - باب 10 - من ابواب الصرف حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المنفعة لها المستفاد ذلك من خبر موسى بن بكر ، ثم انه لافرق في ذلك كله بين علم

البائع وجهله ، كما لايخفى .

واما الموضع الثاني : فتارة يكونان جاهلين معا ، واخرى يكون المشتري جاهلا

والبائع عالما ، اما اذا كانا جاهلين فلا دليل على الحرمة التكليفية ولاوجه لها ، واما اذا

كان المشتري عالما فهو يحرم لكون ذلك غشا في المعاملة .

هذا بالنسبة الى الحكم التكليفي ، واما من حيث الحكم الموضعي ، اي صحة

البيع وفساده فمحصل القول فيه ان صور المسألة اربع :

الاولى : ان يوقع المعاملة على الكلي .

الثانية : ان يبيع الدرهم المسكوك بسكة المعاملة بهذا العنوان اي الدرهم

الخارجي المعنون بهذا العنوان .

الثالثة : ان يبيع الدرهم الخارجي معتقدا انه فضة مسكوكة بسكة السلطان .

الرابعة : ان يبيع المادة بلا هيئة .

اما الصورة الاولى : فلا اشكال في عدم فساد البيع فيها ، وعدم ثبوت الخيار

وانما عليه التبديل .

واما الصورة الثانية : فاما ان يظهر عدم كونه مسكوكا بسكة المعاملة الرائجة ،

او يظهر عدم كونه فضة بل نحاسا بتمامه ، او يظهر كون المادة مغشوشة بان كان

بعضها فضة وبعضها نحاسا .

فقد استدل للبطلان في جميع الفروض : بان المبيع هو العنوان غير المنطبق على

مافي الخارج ، كما اذا باع هذا الحمار فانكشف انه فرس .

ولكن هذا الوجه يتم في الفرض الثاني من جهة ان النحاس والفضة عنوانان

مختلفان حقيقة ولايتم في باقي الفروض .

اما في الاول : فلان كون الفضة مسكوكة بسكة المعاملة ليس الا وصفا لها ،

 

 

[ . . . ]

فتخلفه تخلف للوصف ولايوجب هو الا الخيار ، والشاهد على ذلك هو نظر العرف

الذي هو الميزان في هذا الباب ، ويؤيد ماذكرناه بل يشهد له عدم كون العنوان في

المقام دخيلا في المالية .

واما في الفرض الاخير فلان الغش في المادة يوجب ثبوت خيار العيب ، لان

المغشوش معيب غيره نظير شوب اللبن بالماء لاانه عنوان مغاير .

واستدل لفساد البيع في الفرض الاول : بان البيع واقع على الموجود الخارجي

المتشكل بهذا الشكل الذي لايصح بيعه فيكون فاسدا بمقتضى اطلاق مادل على

عدم جواز البيع في هذا الموجود ، فانه غير جائز البيع بذاته لابما هو معلوم .

وفيه : ان الهيئة التي تنحصر فائدتها في المحرم الموجب ذلك لفساد البيع ليست

ملحوظة في المبيع ، ولم تقع المعاملة عليها ، ومالوحظ انما هي الخصوصية المفقودة التي

عرفت ان فقدها لايوجوب البطلان ، فالاظهر هي الصحة في الفرض الاول والثالث .

نعم في الفرض الاول يثبت خيار التدليس او تخلف الوصف ، وفي الفرض الاخير خيار

العيب .

واما الصورة الثالثة : فقد استدل على البطلان في جميع فروضها من ظهور عدم

كون الدرهم مسكوكا ، او عدم كونه فضة ، او كونه مركبا من الفضة وغيرها : بان بيع

ذات الشئ المردد بين كونه درهما وغيره على تقدير كونه درهما صحيحا ام معيبا . باطل

للجهل والغرر .

وفيه : انهما يرتفعان بالعلم ، ولو كان جهلا مركبا ، وبالشرط والمفروض تحقق

احدهما .

وقد يستدل للفساد في الفرض الاول : بان البيع على هذا الوجه يكون واقعا

على ماهو واقع المبيع ، ان واقعه مما لايصح بيعه فيكون البيع فاسدا ، كما لو

باع المردد بين كونه حرا ، او عبدا ، فانه لو انكشف كونه حرا بطل البيع .

 

 

[ . . . ]

وفيه : انه مع العلم بكونه درهما مسكوكا ، لايكون الواقع على ماهو عليه موردا

للبيع كي لايصح ، فان هيئته لاتقع المعاملة عليها على ذلك ، فالاظهر هي الصحة في

الفرضين الاول والاخير ، مع ثبوت خيار التدليس او تخلف الوصف في الاول ، وخيار

العيب في الاخير ، والبطلان في الثاني لان ماقصد لم يقع وماوقع لم يقصد ، اذا المقصود

هو بيع الفضة ، والموجود نحاس على الفرض .

ومما ذكرناه ظهر حكم الصورة الرابعة ، وهو صحة البيع لو انكشف كون المادة

فضة مشوبة ، مع ثبوت الخيار والفساد لو انكشف كونها غير الفضة ، واما الهيئة

فوجودها كالعدم لعدم لحاظ هيئة من الهيئات في البيع .

ثم ان الشيخ قده بعد حكمه بصحة المعاملة في الصورة الثالثة وهي بيعه معتقدا

انه فضة مسكوكة ، قال : وهذا بخلاف ماتقدم من الالات ، فان البيع الواقع عليها

لايمكن تصحيحه بامضائه من جهة المادة فقط واسترداد ماقابل الهيئة من الثمن

المدفوع . انتهى .

قد يقال كما عن بعض مشايخنا المحققين ره : بان غاية مايمكن ان يقال في

توجيه كلامه : ان ماذكرناه من تصحيح المعاملة الواقعة على الشخص في الدراهم

المغشوشة ولم نجعل في قبال الهيئة شيئا وانما اثبتنا خيار التدليس من جهة عدم السكة

الصحيحة ، لايجري في سائر الالات ، فلو اوقع المعاوضة على هياكل العبادة ، مثلا جهلا

بكونها كذلك معتقدا انها من العناوين المباحة ، فتبين كونها كذلك بطلت .

ثم اورد عليه بانه مضافا الى طلب الفرق بينهما وليس فيما ذكره كفاية ، اذ

السكة وهيكل العبادة لايقسط عليهما الثمن ، لايناسب قوله في مقام الفرق انه

لايمكن التبعيض في الالات مادة وهيئة ، اذ لم يلتزم بذلك في غيرها ايضا .

اقول : قبل بيان مراد الشيخ ره لابد من بيان امرين كي يرتفع هذا الاشكال

واشكال غيره من المحشين ، وكذلك يرتفع مااورد عليه بانه ماالفرق بين تبين الغش

 

 

[ . . . ]

في المادة وتبين تفاوت السكة ، حيث التزم في الاول بثبوت خيار العيب ، وفي الثاني

بثبوت خيار التدليس .

الاول : ان هيئة الدرهم لامالية لها ، اي لاتقابل بالمال ولاتوجب ازدياد مالية

المادة ، بل مالية الفضة التي بقدر مافي الدرهم تساوي مالية الدرهم ، وهذا بخلاف ما

تقدم من هياكل العبادة وآلات اللهو وغيرهما ، فانها اما تكون مالا تقابل بالمال كما

هو المختار ، او توجب ازدياد مالية المادة كما هو مختار الشيخ ره ، بدعوى ان الهيئة من

قبيل القيد للمادة جزء عقلي لاخارجي ، اي لايكون بنظر العرف موجودا مستقلا وان

كانت بالدقة العقلية كذلك .

الثاني : ان خيار العيب مختص بصورة تخلف الوصف الموجب نقصه نقص مالية

الموصوف ولايكون ثابتا في مورد تخلف وصف لايوجب نقصه نقص المالية ، ولافي

مورد مااذا كان بدل القيد الصحيح في المبيع قيد فاسد يبذل الثمن الخاص لداعي

وجوده ، اما في المورد الاول فلعدم صدق العيب على الفاقد له ، واما في الثاني فلانه

على الفرض المبيع هو الشخص الخارجي ، وهيئته اوجبت زيادة مالية فيه ، وحيث انها

على الفرض لاتقابل بنفسها بالمال فلايمكن الالتزام بتبعض الصفقه ، وبما انه

لايمكن الالتزام بصحة المعاملة حتى فيما يبذل لاجل وجودها فلابد من الالتزام بفساد

المعاملة رأسا ، ومعه لامورد لثبوت الخيار من جهة القيد المفقود .

اذا عرفت هذين الامرين تعرف تمامية ماذكره قبل قوله : وهذا بخلاف . . .

الخ من الالتزام بثبوت خيار العيب فيما اذا كانت مادة الدرهم مغشوشة ، وثبوت خيار

التدليس في صورة تفاوت السكة وعدم ثبوت خيار العيب فيها ، فان تفاوت السكة

لايوجب نقص المالية ، وكذا تمامية ماذكره بعده وارتباطه بما قبله ، فان في صورة الجهل

في ماتقدم من الالات الامر يدور بين امور ثلاثة : امضاء المعاملة من جهة المادة خاصة

وامضائها رأسا ، وفسادها ، وحيث لاسبيل الى الاول لما تقدم من عدم كون الهيئة مما

 

 

[ . . . ]

الثالث يحرم التكسب بما يقصد به المساعدة على الحرام كبيع السلاح لاعداء

الدين

يقابل بالمال ، ولاالى الثاني لما تقدم ايضا ، فيتعين الالتزام بالثالث فتدبر حتى لاتبادر

بالاشكال .

ولكن قد تقدم ان الهيئة قد تكون مما له مالية ، وتقابل بنظر العرف بالمال وتكون

ملحوظة باستقلالها ، مثلا الكوز المعمول من الخزف هيئته تقابل بالمال لاانها توجب

ازدياد مالية المادة ، ولذا لو باع الكوز ثم تبين كونه مكسورا لم يتوهم احد ثبوت خيار

العيب .

 

بيع السلاح لاعداء الدين

 

( الثالث ) من ما ( يحرم التكسب ) به : ( مايقصد به ) المتعاملان المنفعة

المحرمة .

وهو تارة على وجه يرجع الى بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة كالمعاوضة على

العنب مع التزامهما ان لايتصرف فيه الا بالتخمير ، واخرى على وجه يكون الداعي

الى المعاوضة ، والمقصود منها ( المساعدة على الحرام كبيع السلاح لاعداء الدين ) او

اللصوص وقطاع الطريق والمفسدين في الارض .

وتقيح القول في ذلك بالبحث في مسائل :

الاولى : لاخلاف بين الاصحاب في حرمة بيع السلاح لاعداء الذين ، وقد

اختلفت كلماتهم في التعميم والتخصيص على اقوال :

منها : ماعن الشيخين والديلمي والشهيد : وهو التحريم مطلقا ، لكن ظاهر

بعضهم التحريم في بيع السلاح للكفار ، ولم يتعرضوا لبيعه من المخالف ، بل يمكن

نسبة ذلك الى جميعهم ، وعليه فلا يحرز ان يكون هذا قولا في قبال مااختاره صاحب

 

 

[ . . . ]

المستند وتبعه بعض من تاخر عنه وهو التحريم مطلقا بالنسبة الى المشركين ، والتفصيل

بين حال المباينة والصلح بالنسبة الى المخالفين .

ومنها : التحريم في حال قيام الحرب ، نسب ذلك الى المشهور .

ومنها : التحريم في حال المباينة ، نسب ذلك الى جماعة .

ومنها : ماعن المسالك : وهو التحريم في حال الحرب والتهيؤ له .

ومنها : مااختاره في الجواهر اولا ، وهو التحريم مع احد الامرين من القصد

الى المساعدة وقيام الحرب ، ولكن بما انه يرجع عن ذلك في آخر كلامه ويختار القول

الثاني فلا يمكن جعل ذلك قولا في المسألة .

ومنها : التحريم مع القصد الى المساعدة وقيام الحرب .

ومنها : التحريم مع قصد المساعدة خاصة . هذه هي مجموع اقوال المسألة .

واما الادلة فقد استدل للتحريم مطلقا بالنسبة الى الكفار بقوله تعالى ( ولن

يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) ( 1 ) .

وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم : الاسلام يعلو ولايعلى عليه ( 2 ) .

وبقوله في خبر تحف العقول : - او يقوى به الكفر والشرك ( 3 ) .

بدعوى ان بيع السلاح لاعداء الدين ولو في حال الهدنة ، اثبات سبيل لهم

على المسلمين ، واعلاء لكلمتهم ، وتقوية للكفر والشرك .

ولكن يرد على ذلك : اولا : ان هذه العناوين انما تنطبق على اقباض السلاح

لاعلى بيعه .

وثانيا : سيأتي في مسألة بيع العبد المسلم من الكافر ، انه يحتمل ان تكون الاية

..........................................................................

( 1 ) سورة النساء - آية 142 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب موانع الارث حديث 11 .

( 3 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الشريفة واردة في مقام بيان مايرجع الى امر الاخرة ، كما يحتمل ان يكون المراد

بالسبيل الحجة ، وعليهما فهي اجنبية عن المقام .

واما النبوي : فالظاهر منه ان الاسلام يغلب بنفسه على سائر الاديان . وبعبارة

اخرى : ظاهره وروده في مقام التكوين لاالتشريع ، مضافا الى انه مرسل .

واما الخبر : فقد مر انه ضعيف لايعبأ به .

كما انه قد استدل للتحريم : بما دل على حرمة الاعانة على الاثم ، وبما دل على

وجوب دفع المنكر ، وسيأتي انه لادليل على هذين الحكمين .

فالعمدة اذا النصوص الخاصة وهي على طوائف :

الاولى : مادل على التحريم في حال قيام الحرب بالنسبة الى المخالفين : كخبر

هند السراج عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث - : فاذا كانت الحرب بيننا فلا

تحملوا ، فمن حمل الى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك ( 1 ) .

الثانية : مادل على التحريم بالنسبة الى المخالفين في حال المباينة : كصحيح

الحضرمي عن ابي عبد الله عليه السلام - في حديث - : فاذا كانت المباينة حرم عليكم

ان تحملوا اليهم السلاح والسروج ( 2 ) .

الثالثة : مادل على الجواز في حال الهدنة بالنسبة الى المخالفين : كمكاتبة

الصيقل : اشتري السيوف وابيعها من السلطان اجائز لي بيعها ؟ فكتب عليه السلام :

لابأس به ( 3 ) .

واختصاصها بحال الهدنة انما يكون من جهة ان عصر الراوي عصر الهدنة ،

وليس الجواب مطلقا حتى يتمسك بعدم الاستفصال لدعوى كونها مطلقة ، بل وارد في

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 8 من ابواب مايكتسب به حديث 2 .

( 2 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب مايكتسب به حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 8 من ابواب مايكتسب به حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

مقام الجواب عن قضية شخصية مختصة بحال الهدنة ، واما اختصاصها بالمخالفين فلان

المنصرف من السلطان سلاطين الجور الذين كانوا في عصر الائمة عليهم السلام .

وبما ذكرناه ظهر مافي كلمات الشيخ حيث ذكر هذا الخبر مثالا لما دل على

الجواز مطلقا .

الرابعة : مادل على المنع في البيع من المشركين مطلقا : كخبر علي بن جعفر

عن اخيه عليه السلام : عن حمل المسلمين الى المشركين التجارة قال عليه السلام : اذا

لم يحملوا سلاحا فلاباس ( 1 ) . فان مفهومه ثبوت البأس في حمل السلاح .

الخامسة : مادل على المنع في البيع من اهل الحرب : كالنبوي : ياعلي كفر بالله

العظيم من هذه الامة عشرة ، وعد منهم بائع السلاح من اهل الحرب ( 2 ) . وظاهره

الاختصاص بحال قيام الحرب ، فانه الظاهر من قوله من اهل الحرب ، لان كل

عنوان اخذ في الموضوع ظاهر في الفعلية ، ولكنه مطلق من حيث كون المحارب كافرا

ام مسلما .

السادسة : مااستدل به على الجواز في غير حال الفتنة مطلقا : وهو مرسل

السراج عن الامام الصادق عليه السلام : عن بيع السلاح قال عليه السلام : لاتبعه

في فتنة ( 3 ) .

اما على القول بثبوت المفهوم للقيد فواضح ، واما على عدمه فلان الراوي قال

اني ابيع السلاح فيستفاد من قوله لاتبعه في فتنة انه لابأس به الا في هذه

الصورة

هذه هي تمام ماوصل الينا من النصوص .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 8 من ابواب مايكتسب به حديث 6 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب مايكتسب به حديث 7 .

( 3 ) الوسائل باب 8 من ابواب مايكتسب به حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

والحق في الجمع ان يقال : ان الاوليين لاتنافي بينهما ، فان خبر هند لامفهوم له

كي يدل على الجواز في غير حال الحرب ، فهو وخبر الحضرمي مثبتان لاتنافي بينهما ،

فمقتضاهما عدم الجواز بالنسبة الى المخالفين في حال المباينة .

واما الثالثة : فهي تدل على الجواز في خصوص حال الهدنة ، فهذه الطوائف

لاتعارض بينها .

واما الطائفة الرابعة المطلقة : فهي مختصة بالمشركين ولاتعم المسلمين المعادين ،

فلا وجه لتقييدها بما تقدم .

واما الخامسة : فهي وان اختصت بحال قيام الحرب الا انه لامفهوم لها كي تقيد

اطلاق الطائفة الرابعة .

واما السادسة : فهي لاتدل على الجواز في غير حال الفتنة الا على القول

بمفهوم الوصف ، فان ماذكر وجها للدلالة عليه على هذا القول فهو وجه لدلالة القيد

على المفهوم مطلقا .

فتحصل : ان مقتضى الجمع بين النصوص هو الالتزام بالتحريم مطلقا بالنسبة

الى الكفار ، والتفصيل بين حال المباينة وحال الهدنة بالنسبة الى المخالفين .

ومما ذكرناه ظهر مافي كلمات القوم في المقام فلا وجه لاطالة الكلام في ذلك . كما

انه ظهر أن مااختاره الشهيد حق لايتعدى عنه ، فلا مورد لما ذكره الشيخ الاعظم

ره انه شبه الاجتهاد في مقابل النص .

نعم مااورده عليه بان دليله ضعيف متين ، لانه استدل له بان فيه تقوية الكافر

على المسلم ، وظاهر ذلك هو الاستدلال بالاية الشريفة ( 1 )

وتمام الكلام انما هو ببيان امور :

..........................................................................

( 1 ) سورة النساء - آية 142 . ( * )

 

 

[ . . . ]

( 1 ) ان ظاهر الروايات شمول الحكم لما اذا لم يقصد البائع المعونة ، بل صريح

مورد السؤال في خبري الحكم وهند هو صورة عدم قصد ذلك ، فالقول باختصاص

حرمة البيع بصورة قصد المساعدة كما يظهر من الشيخ ضعيف جدا .

( 2 ) هل يعتبر العلم باستعمال اهل الحرب للمبيع في الحرب كما عن جماعة ، ام

يكفي مظنة ذلك بحسب غلبة ذلك مع قيام الحرب بحيث يصدق حصول التقوى لهم

بالبيع كما اختاره الشيخ الاعظم ، ام لايعتبر الظن بذلك ؟ وجوه : اقواها الاخير ،

فيحرم مع عدم الظن ، بل يحرم مع العلم بعدم استعماله في المحاربة لاطلاق الادلة

الموافق للاعتبار ، فان تقوية الكفار والكفر من حيث هي مبغوضة ، ومن الواضح ان

بيع السلاح منهم تقوية لهم بنفسه ، وكذلك تقوية المخالفين في حال المباينة .

وبالجملة : بعد اطلاق الدليل لاوجه للتخصيص بمورد خاص ، فالاظهر هو

المنع مطلقا .

( 3 ) ان الشيخ ره افاد حيث ان الحكم مخالف للاصول فيقتصر فيه على مورد

الدليل وهو السلاح دون مالايصدق عليه ذلك كالمجن والدرع والمغفر وسائر ما

يكن ، وهو المحكي عن اكثر كتب المصنف ره والشهيدين والمحقق الثاني .

وفيه : ان النصوص وان اختص اكثرها بالسلاح الا ان بعضها كصحيح

الحضرمي اخذ الموضوع فيه اعم من السلاح للتصريح بالسروج ، واداتها .

دعوى ان المراد بالسروج السيوف السريجية ، مندفعة بان السريجي يجمع على

سريجيات ، كما ان دعوى ان المراد باداتها ، اداة السيف ، كما ترى لرجوع الضمير الى

السروج .

نعم يقع الكلام في ان هذا الحكم هل هو مختص باسباب الغلبة على العدو من

السلاح والسروج ونحوهما ، ام يعم كل مايكن وان كان موجبا لازدياد القوة على

الدفع والتوقي من قهره وبأسه ؟

 

 

] المساكن للمحرمات والحمولة وبيع العنب ليعمل خمرا والخشب ليعمل صنما . [

 

وقد استدل للثاني في المكاسب : بان ظاهر رواية تحف العقول : اناطة الحكم

على تقوي الكفر ووهن الحق ( 1 ) ، وبأن ظاهر قوله عليه السلام في خبر هند فمن حمل

الى عدونا سلاحا يستعينون به علينا ان الحكم منوط بالاستعانة ، وكل موجود في

كل مايكن .

وفيهما نظر : اما الاول : فلما مر مرارا من ضعف سنده .

واما الثاني : فلانه لايدل على ان تمام الموضوع هي الاستعانة اولا ، وعدم شموله

الاستعانة لشراء غير اسباب الغلبة على العدو ثانيا . وعلى ذلك ، فان امكن الغاء

الخصوصيات بفهم ان المناط هي تقوية الكفر والمخالف فهو ، والا فلابد من

التخصيص بغير مايتوفى به من قهر العدو وبأسه .

 

بيع العنب ليعمل خمرا

 

( و ) الثانية : المشهور بين الاصحاب حرمة التكسب في اجارة ( المساكن )

ونحوها ( للمحرمات ) بان يباع او يحرز فيها الخمر مثلا .

( و ) كذا إجارة السفن ( والحمولة ) لها ( وبيع العنب ) مثلا ( ليعمل خمرا و ) بيع

( الخشب ليعمل صنما ) مثلا .

وفي الجواهر فلا خلاف اجده فيها ، مع التصريح بالشرطية او الاتفاق عليها

على وجه بنى العقد عليها : بل عن مجمع البرهان : نسبته الى ظاهر الاصحاب ، بل

عن المنتهى : دعوى الاجماع عليه ، كما عن الخلاف والغنية الاجماع على عدم صحة

اجارة مسكن ليحرز فيه الخمر او الدكان ليباع فيه .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 2 من ابواب مايكتسب به - حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

واستدل له في جميع المعاملات بوجوه : الاول : الاجماع المحكي عن جماعة .

وفيه : ان الاجماع المنقول ليس بحجة لاسيما في صورة احتمال استناد المجمعين

الى الادلة الاخر كما في المقام .

الثاني : ماذكره السيد الفقيه ره وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ان الله اذا

حرم شيئا حرم ثمنه .

وفيه : مضافا الى ماتقدم من ضعف السند ، انه غير شامل للمقام ، اذ الثمن

لايقع في مقابل المنفعة المحرمة وانما يقع في مقابل العين التي لها منفعة محللة في المقام .

الثالث : ان الالتزام بان يعمل العنب خمرا شرطا مخالف للكتاب والسنة وهو

فاسد وفساد الشرط يوجب فساد المشروط .

وفيه : ماسيأتي في محله من ان الشرط الفاسد لايوجب فساد المعاملة .

الرابع : ان فعل المباح للتوصل به الى الحرام حرام ، فبيع العنب مثلا لان يعمل

خمرا حرام .

وفيه : ماحقق في محله من عدم حرمة مقدمات الحرام الا مالاينفك عنه الحرام ،

مع ان هذا الوجه لايقتضي الفساد بناءا على ماهو الحق من عدم تلازم المبغوضية

للفساد في المعاملات كما عرفت في اول الكتاب .

الخامس : ان ادلة النهي عن المنكر تدل على حرمته ، اذ لو وجب النهي للرفع

فالنهي عن المنكر لدفعه اولى بالوجوب .

وفيه : مضافا الى ان هذا الوجه ايضا لايقتضي الفساد كما مر ، انه سيجئ في

المسألة الاتية تنقيح القول في ذلك وانه لادليل على وجوب الدفع .

السادس : ان البيع في الفرض اعانة على الاثم ، المحرمة كتابا وسنة واجماعا .

وفيه : مضافا الى ماستعرف من عدم حرمتها ، ان البيع ليس اعانة على الاثم ،

وانما يكون الاقباض والتسليط الخارجي اعانة عليه ، مع ان حرمة الاعانة على الاثم

 

 

[ . . . ]

لاتوجب الفساد ، اذ حرمة المعاملة ومبغوضيتها لاتلازم الفساد .

السابع : ان الالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة اكل للمال بالباطل .

وفيه : انه ان اريد بذلك ان الشرط يوجب تمحض البيع في الحرام ، فيرد عليه :

انه في البيع الثمن لايقع في مقابل المنافع وانما يقع في مقابل العين بداعي الانتفاع

بمنافع العين ، وعليه فلا يكون اكل المال في مقابل مااشترط ان ينتفع به بالمنفعة

المحرمة اكلا للمال بالباطل ، وعلى فرض التنزل فانما يقابل الثمن بالمنافع ، اي قابلية

الشئ لان ينتفع به لاالانتفاع الخارجي ، ولذا لاشبهة في صحة البيع لو اشترى خبزا

للاكل ولم ياكله ، وفي المقام المبيع له منافع محللة وان اشترط الانتفاع بالمنفعة المحرمة ،

نعم ذلك يتم في الاجارة ، فان مرجع ذلك الى ايقاع الاجارة لذلك بحيث لاينتقل الا

المنفعة الخاصة فتفسد لاجل ان المقابل بالمال فيها المنفعة .

وان اريد به ان الشرط بمنزلة القيد وبه تزيد المالية وتنقص كما قيل ، فيرد

عليه : ان الشرط لايقابل بالمال بل هو التزام في التزام على ماسيأتي تحقيقه في محله ،

ولايترتب على مخالفته الا الخيار .

الثامن : خبر جابر ، او حسن صابر ، عن مولانا الصادق عليه السلام : عن الرجل

 يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ، قال عليه السلام : حرام اجره ( 1 ) .

وهو وان ورد في الاجارة الا انه يتم في البيع ايضا من جهة اتحاد حكمهما .

وفيه : مضافا الى ضعف سنده لو كان خبر جابر ، ان ظاهر هذا الخبر هو فساد .

الاجارة مع اتفاق وقوع الخمر فيه بلا شرط والتزام ، وحيث انه معارض مع النصوص

المستفيضة الاخر ولم يفت به احد فلابد من طرحه لاحمله على ارادة معنى آخر ، ثم

على فرض التنزل وتسليم تعين حمله على معنى آخر لايبعد دعوى اظهرية ارادة

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 39 من ابواب مايكتسب به حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الفساد في صورة العلم بوقوع بيع الخمر فيه ، لااشتراط ذلك ولاكونه داعيا للبيع ،

وسيجئ ان هذه الصورة وردت نصوص مستفيضة دالة على صحة المعاملة ، وهي

تكون معمولا بها ، مع انه لو سلم الفساد في تلك الصورة اولوية الفساد في هذه الصورة

من الفساد في تلك الصورة غير ثابتة .

ثم على فرض التنزل وتسليم تعين حمله على صورة الاشتراط يتردد الامر بين

معنيين : احدهما : كون الاجارة مطلقة مشروطة بهذا الشرط ، ثانيهما : ايقاع الاجارة

لذلك بحيث لاينتقل الا المنفعة الخاصة .

وعلى الثاني لاريب في فساد الاجارة لان المقابل بالمال فيها المنفعة ، وذلك

لايلازم فساد البيع لذلك الذي يكون المقابل به نفس العين .

ولايخفى ان جماعة منهم صاحب الجواهر ره بعد تسليمه دلالة خبر جابر على

المنع - قالوا يعارضه مصحح ابن اذينة كتبت الى أبي عبد الله عليه السلام أساله عن

الرجل يؤجر سفينته او دابته ممن يحمل فيها او عليها الخمر والخنازير فقال عليه

السلام لاباس ( 1 ) - واجاب عنه الشيخ ره بان المصحح محمول على مااذا اتفق الحمل

من دون ان يؤخذ ركنا او شرطا في العقد بناء على ان خبر جابر نص فيما نحن فيه

وظاهر في هذا عكس الصحيحة فيطرح ظاهر كل بنص الاخر - ثم امر بالتأمل - ثم

قال مع انه لو سلم التعارض كفى العمومات المتقدمة .

ولكن - ظاهر قوله ان المصحح محمول على مااذا اتفق الحمل كون مورد

الاجارة صورة العلم بالحمل فهي اجنبية عن الفرض وعن مورد خبر جابر مع ان

موردهما لو كان صورة واحدة يمكن ان يقال بعدم التعارض بينهما ، من جهة ان خبر

جابر يدل على الفساد مع العلم ببيع الخمر فيه ، الذي هو حرام ، والمصحح يدل على

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 39 من ابواب مايكتسب به حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الصحة ، مع العلم بحمل الخمر الذي لادليل على حرمته .

( قوله قده : فيطرح ظاهر كل . . . الخ ) تقدم الكلام في هذا الجمع في بيع العذرة

وعرفت انه ليس جمعا عرفيا ، ولعله لذلك امر قده بالتأمل .

( قوله قده : كفى العمومات . . . الخ ) على فرض التعارض لابد من الرجوع

الى المرجحات وهي تقتضي تقديم الخبر لاشهرية مضمونه ، مضافا الى ماعرفت من

عدم دلالة العمومات المتقدمة على الفساد .

قال الشيخ ره : لافرق بين ذكر الشرط المذكور في متن العقد وبين التواطي

عليه خارج العقد ، ووقوع العقد عليه ولو كان فرق فانما هو في لزوم الشرط وعدمه

لافيما هو مناط الحكم هنا .

وقد اورد عليه : بان معنى عدم اعتناء الشارع بالشرط غير المذكور واعتبار

الذكر في الشرط ، صحة العقد بلاشرط ، ومقتضاه وقوع تمام الثمن في مقابل العين ،

ومعه لايكون اكل المال اكلا بالباطل وبلاعوض .

وفيه : انه كما ان الشارع الغى الشرط الذي لم يذكر في ضمن العقد ، كذلك

الغى الشرط المخالف للكتاب والسنة كمثل هذا الشرط ، فهذا الشرط على كل تقدير

ساقط في نظر الشارع وبحكم العدم ، والاظهر في الصحة في الموردين لما عرفت من

عدم كون اكل المال في صورة الاشتراط ايضا اكلا بالباطل من جهة عدم تقابل المال

بالمنافع ، ثم ان لازم ماذكره قده الحكم بالبطلان حتى فيما كان الداعي هي المنفعة

المحرمة لعين ماذكره في الشرط غير المذكور .

 

 

[ . . . ]

 

حكم بيع الجارية المغنية

 

المسألة الثالثة : يحرم المعاوضة على الجارية المغنية وكل عين مشتملة على صفة

يقصد منها الحرام اذا قصد منها ذلك وقصد اعتبارها في البيع على وجه يكون دخيلا في

زيادة الثمن كالعبد الماهر في القمار او اللهو والسرقة اذا لوحظ فيه هذه الصفة وبذل

بازائها شئ من الثمن اقول : ملخص القول في المقام : ان اعتبار الصفة في المبيع ان

كان على وجه الاشتراط لااشكال في الصحة سواء كانت الصفة مما لامالية له ام

كانت لها مالية عرفية شرعية ام كانت ماليتها ملغاة شرعا ، فانه على جميع التقادير

لاتقابل الصفة بالمال ولاتكون دخيلة في المبيع ، نعم بين الاقسام فرق من جهة لزوم

الوفاء بالشرط وعدمه ، وهو غير مربوط بالمقام ، كما انه لاكلام فيها لو كان اعتقاد

وجودها داعيا على المعاملة كما هو واضح ، واولى من ذلك صحة مالو لم تلاحظ

الصفة اصلا .

وان كان اعتبارها على وجه التقييد والعنوان فان كانت لها مالية شرعا فلا

اشكال ايضا في الصحة سواءا كانت الصفة منافعها ممحضة في المحللة ام كان لها

نوعان من المنفعة المحللة والمحرمة .

واما ان لم يكن لها مالية شرعا كان لها المالية العرفية ام لم تكن ، فبناءا على

كون تخلف الوصف فيما اخذ عنوانا للمبيع موجبا لثبوت الخيار دون التبعيض

والبطلان ، كما لعله المشهور المنصور على ماسيأتي تنقيحه في محله الملازم ذلك للالتزام

بان المعوض هو الموصوف ، وان الثمن غير مقابل بالوصف ، يتعين القول بالصحة

ووقوع جميع الثمن في مقابل الموصوف ، واما بناءا على كون تخلفه موجبا للبطلان ، كما

هو الشأن في العناوين الموجب تخلفها تغاير الموصوف للموجود ذاتا ، فان كان الوجه

 

 

[ . . . ]

للبطلان ان ماتعلق الانشاء به وهو العين المتصفة بهذا الوصف غير موجود ، وماهو

موجود لم يتعلق به الانشاء ، او ان الوصف دخيل في الرضا ، فمع تخلفه لايكون الرضا

الفعلي موجودا ، يكون الحكم في المقام هي الصحة بتمام الثمن ، اذ على كل تقدير يكون

المفروض كون المبيع هو ذات الموصوف ، وان اوجب الوصف زيادة مالية الموصوف ،

الا ان المعوض هو المال لاالمالية ، وان كان الوجه للبطلان وقوع شئ من الثمن

بازاء القيد يتعين القول بالفساد في المقام ، لان جزءا من الثمن وقع في مقابل مالا

مالية له شرعا ، الا ان لازم هذا الوجه هو التبعيض في الفساد ، اذ لازمه كون كل من

الموصوف والوصف جزءا من المبيع وملحوظا مستقلا .

فتحصل : انه على جميع التقادير لاوجه للبطلان رأسا . هذا ماتقتضيه القواعد .

واما النصوص ( 1 ) الخاصة الواردة في الجارية المغنية الناهية عن بيعها ، فالذي

يخطر بالبال انها لم يعمل بها المشهور ، ومعارضة مع النصوص الاخر ، وذلك يظهر بعد

بيان امرين : الاول : ان صفة غناء الجارية لها منفعتان محللة ومحرمة ، بناءا على ماهو

المعروف من ان كسب المغنيات التي تدعى الى الاعراس ليس به بأس كما نطقت

النصوص به .

الثاني : ان بعض نصوص الباب صريح في جواز بيع المغنية وشرائها اذا كان

يطلب بها الرزق لاسوى ذلك ، ومعلوم ان التاجر الذي يشتري المغنيات ويبيعهن انما

يوقع المعاملة عليهن بما هن مغنيات لاسيما في فرض البيع ، وعلى ذلك فبعد تقييد تلك

النصوص بهذا النص تختص تلك النصوص بما اذا بيعت المغنية بداعي سماع الغناء

والانتفاع بها في الحرام ، وفي هذا الفرض بالخصوص لم يفت احد بالفساد لاسيما بعد

ملاحظة عدم كون صفة الغناء مما له منفعة محرمة خاصة .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 16 - من ابواب مايكتسب به . ( * )

 

 

[ . . . ]

بل يمكن ان يقال : ان هذا النص معارض مع تلك النصوص لتضمنه جواز

بيع التاجر المغنية وان كان المتشري يشتريها بداعي الانتفاع بغنائها على وجه محرم

والبائع كان عالما بذلك ، والجمع العرفي يقتضي حمل تلك النصوص على الكراهة .

قال الشيخ قده : انه ان لوحظت الصفة وبذل بازائها شئ من الثمن فبذل

الشئ من الثمن بملاحظة الصفة اكل للمال بالباطل ، والتفكيك بين القيد والمقيد

بصحة العقد في المقيد وبطلانه في القيد غير معروف عرفا وغير واقع شرعا ، لان الثمن

لايوزع على الشروط ، فتعين بطلان العقد رأسا وان لوحظت من حيث انها صفة كمال

قد تصرف الى المحلل فيزيد لاجلها الثمن ، فان كانت المنفعة المحللة لتلك الصفة مما

يعتد بها فلا اشكال في الجواز ، وان كانت نادرة بالنسبة الى المحرمة ففيه وجهان اقواهما

الجواز ، اذ لايعد اكلا للمال بالباطل ، والنص بان ثمن المغنية سحت مبني على الغالب .

لكن : يرد على ماافاده بان التفكيك بين القيد والمقيد . . . الخ انه بناء على

مقابلة القيد بالمال لامانع من التفكيك ، وعدم وقوعه شرعا وعدم معروفيته عرفا انما

يكونان من جهة عدم بذل شئ من الثمن بازائه ، ولازمه صحة البيع في المقيد بتمام

الثمن ، وكون القيد لغوا ، وبذل الثمن بازاء المقيد بداعي وجود القيد ليس اكلا للمال

بالباطل كما تقدم .

( وعلى قوله قده : اذ لايعد اكلا للمال بالباطل . . . الخ ) انه لو كانت الصفة

ملحوظة مستقلة في البيع وجعل بازائها الثمن يعتبر في عدم كون اكل المال في مقابلها

اكلا بالباطل مايعتبر في العين من اعتبار اشتمالها على منفعة غير نادرة ، اي منفعة

لايعتد بها عرفا لخستها لالمزاحمتها مع ماهو اهم منها كما هو ظاهر الشيخ على ما

عرفت ، وان لم تلاحظ مستقلة بل كانت موجبة لبذل المال لاجل وجودها فلاوجه

لالحاقها بالعين كما لايخفى . واما النص بان ثمن المغنية سحت فقد عرفت مافيه .

 

 

] ويكره بيعهما على من يعمل ذلك بغير شرط . [

 

بيع العنب ممن يجعله خمرا

 

( و ) الرابعة : المشهور بين الاصحاب : انه ( يكره بيعهما ) اي الخشب والعنب

( على من يعمل ذلك بغير شرط ) .

وذهب جماعة الى المنع ، والشيخ الاعظم ره فصل بين مالم يقصد منه الحرام ،

فحكم بالجواز ، وبين مايقصد منه الحرام ، فحكم بالحرمة لكونه اعانة على الاثم التي

تكون محرمة بلا خلاف ولااشكال .

لكن : يرد على هذا التفصيل : اولا : انه لابد من تقييد ذلك بما اذا قصد المعان

فعل الحرام ، لانه قده يصرح فيما بعد باعتبار ذلك .

وثانيا : ان جماعة صرحوا باعتبار ترتب المعان عليه في صدق الاعانة ، فلابد

من التقييد ، بذلك ، اللهم الا أن يكون ذلك اشارة الى اصل الحكم او الى العلة بلحاظ

محرم آخر وعليه فيرتفع الاشكال الثاني ، لانه في صورة عدم ترتب فعل الحرام وان

كان لاتصدق الاعانة بلحاظه ، الا انها تصدق بلحاظ كونه اعانة على اشتغال

المشتري بمقدمات الحرام بقصد ترتب الحرام وهو بنفسه معصية .

وكيف كان : فتنقيح القول في هذه الصورة ايضا سيأتي عند التعرض لادلة

الصورة الاتية ، ثم ان تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موضعين : الاول : فيما

تقتضيه النصوص الخاصة ، الثاني : فيما تقتضيه القواعد العامة .

اما الموضع الاول : فالكلام فيه تارة يقع في الحكم الوضعي ، واخرى في الحكم

التكليفي ، اما من حيث الحكم الوضعي ، فقد استدل لعدم جواز المعاوضة في صورة

العلم بصرف المبيع في المحرم بخبر جابر - او صابر - المتقدم : في الرجل يؤاجر بيته

فيباع فيه الخمر قال عليه السلام : حرام اجره ( 1 ) .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 39 - من ابواب مايكتسب به حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقد مر في المسألة السابقة مافي هذا الخبر من حيث السند والدلالة والمعارضة

مع النصوص الاخر ، وتقدم انه لايصح الاستدلال به بوجه .

واما من حيث الحكم التكليفي ، فمجمل القول فيه : ان جميع النصوص الواردة

في المقام او المتوهم ورودها في الباب على طوائف : الاولى : ماتضمن جواز بيع العنب

ممن يعلم انه يصنعه خمرا : كحسن ابن اذينة قال : كتبت الى أبي عبد الله عليه السلام

اسأله عن رجل له كرم ايبيع العنب والتمر ممن يعلم انه يجعله خمرا او سكرا ؟ فقال

عليه السلام : انما باعه حلالا في الابان الذي يحل شربه او اكله فلا بأس ببيعه ( 1 ) .

وصحيح الحلبي عن مولانا الصادق عليه السلام : عن بيع عصير العنب ممن

يجعله خمرا فقال عليه السلام : لابأس به يبيعه حلالا فيجعله حراما ابعده الله

واسحقه ( 2 ) .

وصحيح رفاعة قال : سئل ابو عبد الله عليه السلام وانا حاضر عن بيع العصير

ممن يخمره فقال عليه السلام : حلال ألسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا ( 3 ) . ونحوها

غيرها .

الثانية : ماتوهم دلالتها على المنع عن بيع العنب ممن يعمله خمرا : وهو خبر

جابر - او صابر - المتقدم في المسألة المتقدمة بدعوى ارادة العلم ببيع الخمر من قوله

فيباع فيه الخمر فانه حينئذ بضميمة عدم الفرق بين الاجارة والبيع يدل على ذلك .

الثالثة : مااستفيد منها كراهة بيع العنب ممن يخمره : وهو خبر رفاعة على ما

في المكاسب ، وصحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام : عن بيع العصير ممن يصنعه

خمرا قال عليه السلام : بيعه ممن يطبخه خلا احب الي ، ولاارى بالاول

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 59 - من ابواب مايكتسب به حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 59 من ابواب مايكتسب به حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 59 من ابواب مايكتسب به حديث 8 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بأسا ( 1 ) .

الرابعة : ماتدل على المنع عن بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا او يصنعه صنما ،

فانه يدل على الحكم في المقام بالغاء الخصوصية : كحسن ابن اذينة قال : كتبت الى ابي

عبد الله عليه السلام اسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا قال عليه

السلام : لا ( 2 ) .

وصحيح ابن حريث عن الامام الصادق عليه السلام : عن التوت ابيعه يصنع

به الصليب والصنم قال عليه السلام : لا ( 3 ) .

الخامسة : ماتوهم دلالتها على جواز بيع الخشب ايضا : كحسن ابن اذينة : عن

رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط فقال عليه السلام : لابأس به ( 4 ) . هذه هي جميع

نصوص الباب .

وقد قيل في الجمع بينها وجوه ، امتنها : حمل النصوص المانعة على بيع الخشب

ممن يعمله صليبا او صنما ، كما هو موردها ، بان لايتعدى عن موردها ، وحمل المجوزة

على غيره .

واورد عليه تارة : بكونه خرقا للاجماع المركب ، واخرى : بان خبر جابر دال

على المنع في بيع العنب ايضا ، وثالثا : بانه قام الدليل على اتحاد مناط الحكم وهو قوله

عليه السلام في خبر الحارثي : بعته حلالا فجعله حراما فابعده الله ( 5 ) . ونحوه مافي خبر

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 59 - من ابواب مايكتسب به حديث 9 .

( 2 ) ( 4 ) الوسائل - باب 41 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 41 من ابواب مايكتسب به حديث 2 .

( 5 ) الوسائل باب 59 من ابواب مايكتسب به حديث 10 . ( * )

 

 

[ . . . ]

أبي كهمس ( 1 ) ، ورواية رفاعة ( 2 ) ، ورابعة : بأن الطائفة الخامسة تأبى عن ذلك لدلالتها

على جواز بيع الخشب .

وفي الجميع نظر : اما الاول : فلان مثل هذا الاجماع المركب خرقه لامانع عنه ،

اذ في المسألة طوائف من الاخبار ، فقد استندوا في فتاويهم الى هذه النصوص ، وكل

واحد جمع بما رآه جمعا عرفيا ، وعليه فلا يضر مخالفة الجميع ، مع ان صاحبي الوسائل

والمستدرك قائلان بالفصل .

واما الثاني : فلما تقدم في المسألة من انه ظاهر في المنع مع اتفاق بيع

الخمر فيه ، فراجع ماذكرناه من محتملات الرواية ، مع انه يمكن الجمع بالالتزام

بالكراهة في غير الخشب

واما الثالث : فلانه لو سلم استفادة الكبرى الكلية من تلك النصوص الا انه

لامانع من تخصيصها بما ورد في الخشب يباع ممن يجعله صنما او صليبا .

واما الرابع : فلان حسن ابن اذينة وارد في بيع الخشب ممن يجعله برابط ، وهو

غير جعله صنما او صليبا ، بل هو بنفسه دليل الفصل ، فانه يفصل بين الاصنام

والبرابط ، والانصاف ان هذا الجمع متين غايته ، ويساعده الاعتبار لما علم من الشرع

من الاهتمام بالتجنب عن الشرك باي نحو امكن ، قال الله تعالى ( ان الله لايغفر ان

يشرك به ويغفر مادون ذلك ) ( 3 ) .

وبما ذكرناه ظهر ان ماذكره بعض الاعاظم من ان النصوص متعارضة

لايمكن الجمع بينها بوجه فلابد من الرجوع الى المرجحات في غير محله ، وقد نسب

الى المشهور الجمع بين النصوص بالحمل على الكراهة ، واستشهد له الشيخ ره بقوله

..........................................................................

( 1 ) ( 2 ) الوسائل باب 59 من ابواب مايكتسب به حديث 6 .

( 3 ) سورة النساء - آية 49 . ( * )

 

 

[ . . . ]

عليه السلام في خبر رفاعة : بيعه ممن يطبخه او يصنعه خلا احب الي .

وفيه : انه يوهن هذا الجمع قوله عليه السلام في خبر أبي كهمس : هو ذا نحن

نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه خمرا . وقوله عليه السلام في خبر رفاعة : هو حلال ألسنا

نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا . لاسيما وان ظاهرهما تكرار البيع المذكور كما لايخفى ،

وعليه فيتعين حمل الاحبية في خبر رفاعة على الاحبية بحسب الاخلاق ، وقد يجمع

بينها بحمل النصوص المانعة على صورة الاشتراط ، او التواطي عليه قبل البيع .

وفيه : مضافا الى ماذكره الشيخ ره من انه في غاية البعد ، انه جمع تبرعي

لاشاهد له ، ومجرد كون فرد متيقن الارادة لايجعلهما من النص أو الظاهر لاسيما مع

احتياج الجمع الى التصرف في كلا المتعارضين ومنه يظهر ضعف ماقيل من حمل

الاخبار المانعة على صورة القصد الى ترتب الحرام ، والمجوزة على صورة العلم خاصة .

وفي تعليقة السيد الفقيه الجميع بنحو آخر ، وهو حمل الاخبار المانعة على صورة

العلم بصرف المبيع في المحرم ، وحمل الاخبار المجوزة على صورة العلم بكون المشتري

شغله ذلك وان لم يكن جعله هذا العنب الخاص خمرا معلوما .

وفيه : ان ذلك لو تم في بعض نصوص الجواز لايتم في جميعها ، لاحظ قوله عليه

السلام في صحيح رفاعة ألسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا فان الظاهر رجوع

الضمير الى المبيع الخاص