موضوع الرشوة

 

الثامنة : الرشوة حرام اجماعا ، وقد ادرج الشيخ ره في هذه المسألة فروعا :

الاول : في الرشوة موضوعا وحكما .

اما موضوعها فقد اختلفت كلمات اللغويين والفقهاء في تحقيق مفهومها ،

ومجموع ماقيل في ذلك امور : الاول : ماعن القاموس من تفسيرها بالجعل .

الثاني : مااختاره الاستاذ الاعظم وهو : ان الرشوة مايعطيه احد الشخصين

للاخر لاحقاق حق ، او تمشية باطل ، او للتملق ، او الوصلة الى الحاجة بالمصانعة ، او

في عمل لايقابل بالاجرة والجعل عند العرف والعقلاء وان كان محطا لنظرهم .

 

 

[ . . . ]

الثالث : ماعن حاشية الارشاد وهو : ان الرشوة مايبذله المتحاكمان من المال

للحاكم سواء كان للقضاء وتصدي فصل الخصومة ام كان للحكم بالواقع او لنفسه .

الرابع : مانسب الى جماعة وهو : ان الرشوة مايبذله احد المتحاكمين للحاكم

ليحكم له حقا كان او باطلا .

الخامس : انها مايبذل ليحكم بالواقع لنفسه كان او لغيره .

السادس : ماعن المجمع وهو القدر المتيقن من مفهومها وهو الجعل على الحكم

بالباطل .

اما الاول : فيرد عليه : ان لازم ذلك كون اجرة الاجراء والجعل في مثل قول

القائل : من رد عبدي فله كذا من الرشوة ، وهذا مما لايصح التفوه به .

واما الثاني : فقد استشهد له بكلمات بعض اللغويين وباستعمالها فيما اعطى

للحق في الصحيح : عن الرجل يرشو الرجل الرشوة على ان يتحول من منزله فيسكنه

قال عليه السلام : لاباس به ( 1 ) . بدعوى ان الاصل في الاستعمال الحقيقة .

وبقوله عليه السلام في صحيح عمار : واما الرشا في الحكم ( 2 ) . وقريب منه مافي

غيره ، بدعوى انه لو لم يكن مفهوم الرشوة عاما لغير الاحكام لزم الغاء التقييد .

وبقوله عليه السلام في خبر يوسف بن جابر : لعن رسول الله عليه السلام من

نظر الى فرج امرأة - الى ان قال - ورجلا احتاج الناس اليه لفقهه فسألهم الرشوة ( 3 ) .

بتوهم : انه يشمل مايدفع لبذل الفقه من القضاوة والتدريس ونحوهما ، وما

يدفع لاجل تصدي ماهو من وظائف الفقيه كحفظ مال الصغير والغائب وغيره ، اما

شموله للاول فواضح ، واما شموله للثاني فلصدق الاحتياج اليه لفقهه على ان يكون

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 85 من ابواب مايكتسب به - حديث 2 .

( 2 ) الوسائل - باب 5 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 .

( 3 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب آداب القاضي حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الفقه واسطة في الثبوت .

وفي الجميع نظر : اما الاول : فلان قول اللغويين ليس بحجة ، لاسيما في صورة

اختلافهم في تعيين المفهوم .

واما الثاني : فلان اصالة الحقيقة انما يرجع اليها لتشخيص المراد ، لالتعيين

الموضوع له بعد معلومية المراد .

واما الثالث : فلان ذكر القيود التوضيحية لاسيما في صورة اجمال المقيد مفهوما

غير عزيز .

واما الرابع : فلانه لايكون في مقام بيان موضوع الرشوة ، فعلى فرض كونه هو

ماكان بازاء الحكم بالباطل لايكون عموم الصدر قرينة على ارادة المعنى العام من

الرشوة ، بل المستفاد من الخبر حينئذ : هو ان الملعون الصنف الخاص من الرجل الذي

احتاج الناس اليه لفقهه ،

واما سائر الوجوه - غير الوجه الاخير الذي هو القدر المتيقن - فلم يذكروا

لشئ منها مايعينه ، فالمتيقن هو القول السادس .

ولكن الانصاف ان دعوى شمولها لما يدفع بازاء الحكم للباذل مع جهله سواء

طابق الواقع ام لاقريبة جدا ، كما ان دعوى عدم شمولها بحسب المتفاهم العرفي لما

يبذل بازاء الحكم له بالحق مع العلم فضلا عما يبذل بازاء الحكم بالواقع لنفسه او لغيره

قوية جدا .

 

 

[ . . . ]

 

حكم الرشوة

 

واما حكمها : فالظاهر ان على تحريمها اجماع المسلمين لو لم يكن من

الضروريات .

ويشهد له - مضافا الى ذلك ، والى مادل من الادلة الاربعة على حرمة الحكم

بالباطل ، والقضاء مع الجهل بالمطابقة للواقع بضميمة مادل على عدم جواز اخذ المال

بازاء العمل المحرم ، والى النصوص الكثيرة ، كقوله عليه السلام في صحيح عمار : واما

الرشا في الحكم فان ذلك الكفر بالله العظيم ( 1 ) . ونحوه غيره - الاية الشريفة ( ولا

تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال

الناس بالاثم ) ( 2 ) فانها تدل ان ادلاء المال الى الحكام لابطال الحق ، او لاقامة

الباطل حرام ، وقد عرفت ان هذا هو الرشوة ، وهي وان دلت بالمطابقة على حرمة

الاعطاء الا انها تدل على حرمة الاخذ ايضا بالملازمة .

واورد المحقق الايرواني ره على الاستدلال بها : بانه يحتمل قريبا ان يكون

المراد ادلاء المال المتنازع فيه اليهم الحاصل ذلك برفع الخصومات اليهم فيأكلوا مقدارا

من ذلك المال ويحكموا لغير مستحقه في مقدار آخر .

وفيه : ان هذا الاحتمال مندفع باطلاق قوله : وتدلوا بها الى الحكام فانه لو لم

يكن ظاهرا في كون مايدفع اليهم مال المعطي لاريب في اطلاقه .

واما نزولها في خصوص اموال اليتامى والوديعة والمال المتنازع فيه ، فلا يصلح

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 5 - من ابواب مايكتسب به حديث 1 .

( 2 ) النساء - آية 29 . ( * )

 

 

[ . . . ]

دليلا على عدم عموم الحكم لغير تلك الموارد بعد اطلاق الاية الشريفة .

بقي الكلام في حكم أخذ المال ليحكم للباذل بالحق مع العلم ، اقول : صورة

وجوب القضاء عليه خارجة عن محل النزاع ، بمعنى ان فيها بحثا آخر وهو جواز اخذ

الاجرة على الواجب وعدمه ، وسيأتي الكلام في ذلك مفصلا .

واما في صورة عدم التعين فمقتضى العمومات كتجارة عن تراض واوفوا

بالعقود وغيرهما جوازه وعدم المنع عنه لكونه عملا محترما .

واما الاية الشريفة المتقدمة فلا تشمل المقام لاختصاصها بالحكم بالباطل كما

لايخفى .

واما نصوص الرشوة فقد مر انها مختصة بغير المقام لعدم صدق الرشوة على ما

يؤخذ للحكم بالحق .

واما مااستدل به لحرمة اخذ الاجرة على القضاء فسيأتي التعرض له في المسألة

الثانية ، وستعرف انه لادليل عليها ، مع انه لو سلم ذلك كون المراد به المراد به الاجرة وما

يأخذه في مقابل الحكم غير ثابت ، اذ يحتمل أن يكون المراد به مايأخذه في مقابل

تقلد منصب القضاوة .

 

اجوز القضاة

 

الثاني : في اجر القاضي .

والاقوال فيه ثلاثة : الاول : مانسب الى المشهور وهو المنع مطلقا .

الثاني : ماهو المنسوب الى المقنعة والقاضي وهو الجواز كذلك .

الثالث : ماهو المنسوب الى العلامة ره في المختلف وهو التفصيل بين مالو كان

القضاء واجبا عينيا او كان القاضي غنيا ، فالمنع وبين مالو لم يكن واجبا عليه عينا

 

 

[ . . . ]

وكان محتاجا فالجواز :

واستدل للاول : بخبر يوسف بن جابر المتقدم ، بدعوى ان المراد من قوله عليه

السلام فسألهم مطلق الجعل في مقابل الحكم ولو كان بالحق ، اما لانها حقيقة

فيه او انه اطلق عليه الرشوة تأكيدا للحرمة ، وان ظاهر قوله عليه السلام احتاج

الناس اليه الاحتياج الى نوعه لاالى شخصه .

وبصحيح عمار المتقدم : والسحت انواع كثيرة منها مااصيب من اعمال الولاة

الظلمة ، ومنها اجور القضاة . بناءا على ان الاجر في العرف يشمل الجعل . ونحوه ما

عن الجعفريات اذ فيه : انه جعل من السحت اجر القاضي .

بحسن ابن سنان : سئل ابو عبد الله عن قاض بين قريتين يأخذ من السلطان

على القضاء الرزق فقال : ذلك السحت ( 1 ) .

واورد عليه الشيخ ره بايرادين : الاول : ان ظاهره كون القاضى منصوبا من

قبل السلطان الجائر .

الثاني : ان المبذول له هو الرزق من بيت المال ، وهو غير مانحن فيه .

واجاب عنهما بقوله قده : ( الا ان يقال : ان المراد الرزق من غير بيت المال

. . . الخ ) .

ومحصله : حمل القاضي على ارادة من يشمل هو قابل في نفسه للتصدي

وحمل الرزق من السلطان على مايبذل من غير بيت المال بازاء القضاء بقرينة كلمة

على الدالة على المقابلة .

وفي الجميع نظر : اما الاول : فلان الرشوة قد مر عدم شمولها لما يبذل بازاء

الحكم بالحق ، بل هي مختصة بما يبذل بازاء الحكم بالباطل او الحكم للباذل مع الجهل

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب آداب القاضي - حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بالمطابقة للواقع .

ودعوى اطلاق الرشوة في خصوص الخبر على مطلق الجعل قد عرفت مافيها

في المسألة المتقدمة ، واضف الى ذلك ضعف الخبر في نفسه لجهالة يوسف وبعض آخر

من رجال السند .

واما الحسن : فلان الظاهر منه هو مايأخذ من السلطان من بيت المال او من

جوائزه ، وحيث انه ستعرف جواز الارتزاق من بيت المال اذا كان القاضي جامعا

للشرائط ، فيتعين حمله مااذا كان في نفسه غير قابل لذلك ، وحرمة اخذه الرزق

حينئذ واضحة كما سيأتي ، وهو غير مربوط بما نحن فيه .

واما الصحيح وكذا ماهو بمضمونه : فمنصرفه او ظاهره ولو بملاحظة العهد

القضاة المنصوبون من قبل السلطان الجائر ، فحكمه حكم خبر ابن سنان .

واستدل للقول الثاني : بخبر ابن حمران قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام

يقول : من استأكل بعلمه افتقر قلت : ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم ويبثونها

في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر والصلة والاكرام فقال عليه السلام : ليس اولئك

بمستأكلين ، انما ذلك الذي يفتي بغير علم ولاهدى من الله ليبطل به الحقوق طمعا

في حطام الدنيا ( 2 ) .

فان الظاهر منه حصر الاستيكال المذموم فيما اذا كان باخذ المال في مقابل

الحكم بالباطل او مع الجهل بالواقع ، فمقتضى مفهومه جواز الاستيكال مع العمل

بالحق والحكم به .

واورد عليه : بان الحصر اضافي بالنسبة الى الفرد الذي سأل عنه السائل ،

فمفهومه عدم الذم على ذلك الفرد دون سائر الافراد .

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 11 - من ابواب صفات القاضي - حديث 12 . ( * )

 

 

[ . . . ]

واجيب عنه : بانه خلاف الظاهر ، وايد الاستاذ الاعظم الايراد ووجهه : بانه لما

توهم السائل ان من يحمل العلوم ويبثها في الشيعة ووصل اليه منهم البر والاحسان

من دون ان يطالب من المستأكل بعلمه المذموم اجاب عليه السلام بان ذلك ليس من

الاستيكال المذموم وان المستأكل هو الذي يفتي بغير علم لابطال الحقوق ، وعليه

فمفهوم الحصر هو العقد السلبي المذكور في الخبر صريحا ، ولايكون الخبر متعرضا

لحكم سائر الافراد .

وفيه : انه على فرض تسليم دلالة انما على الحصر لاينبغي التوقف في دلالة

الخبر على الحصر بالاضافة الى جميع الافراد ، اذ لو كان المراد ماذكره لما كان

 وجه للتقييد بقوله بغير علم ولاهدى من الله ليبطل به الحقوق .

وبعبارة اخرى : ذكر خصوص هذا الفرد وحصر المذموم فيه مع عدم كونه

موردا للسؤال كاشف عن ارادة الحصر بالنسبة الى جميع الافراد ، فالايراد في غير محله .

فالصحيح ان يورد عليه : مضافا الى امكان منع افادة انما للحصر كما حققناه

في حاشيتنا على الكفاية : بان الخبر ضعيف السند لتميم بن بهلول وابيه .

واستدل للقول الثالث : بانه في صورة تعين القضاة عليه لايجوز اخذ الاجر لما

دل على عدم جواز اخذ الاجرة على الواجب ، وفي صورة عدم التعين وعدم كونه

محتاجا لايجوز الاخذ لما دل من النصوص على المنع من اخذ الاجر على القضاء ، واما

في صورة عدم التعين والحاجة فيجوز لاختصاص نصوص المنع بصورة الاستغناء .

اقول : اما في صورة التعين فكلام سيأتي التعرض له في بحث اخذ الاجرة على

الواجبات ، واما في صورة عدم التعين فعلى فرض تسليم دلالة النصوص على المنع لم

يظهر لي وجه اختصاصها بصورة الاستغناء .

فتحصل مما ذكرناه : انه لادليل على المنع من اجر القاضي ، فلابد من الرجوع

الى ماتقتضيه القاعدة وهي تقتضي جوازه سواء اكان المراد به مايبذل بازاء حكم

 

 

[ . . . ]

بالحق ام كان المراد به مايبذل بازاء تقلد منصب القضاوة والتهيأ لحسم المرافعات

سواء رفعت اليه خصومة ام لا ، لانه عمل محترم فلا يذهب هدرا .

ومما ذكرناه ظهر جواز اخذ الاجرة على تبليغ الاحكام الشرعية وتعليم

المسائل الدينية .

واستدل الاستاذ الاعظم للمنع بالاطلاقات الناهية عن أخذ الرشوة على

الحكم ، وبخبر يوسف بن جابر المتقدم .

وفيهما نظر : اما الاطلاقات : فلما عرفت من عدم صدق الرشوة على مايؤخذ

بازاء الحكم بالحق وبيان الاحكام الواقعية .

واما الخبر : فلما مر ، مضافا الى ضعف سنده الذي اعترف به .

 

الارتزاق من بيت المال

 

الثالث : لاخلاف ولااشكال في انه يجوز للقاضي الارتزاق من بيت المال مع

حاجته ، بل مطلقا اذا رأى الامام الصملحة فيه .

وتنقيح القول فيه : ان الاتزاق غير الاجرة ، فانه بسبب كون الشخص قاضيا

مثلا او مؤذنا او نحو ذلك ، وهو منوط بنظر الحاكم من دون ان يقدر بقدر خاص ،

بخلاف الاجرة فانها تحتاج الى تقدير العوض وضبط المدة وتقدير العمل .

ثم ان القاضي ان كان جامعا لشرائط القضاوة يجوز ارتزاقه من بيت المال

مطلقا كما هو المشهور ، سواء اكان منصوبا من قبل السلطان العادل ام كان منصوبا

من قبل السلطان الجائر ، وفرض كونه منصوبا من قبل الجائر مع كونه جامعا لشرائط

القضاوة انما يكون فيما اذا كان غرضه من قبول المنصب قضاء حوائج الشيعة

وانقاذهم من المهلكة والشدة والتحبب الى فقرائهم .

 

 

[ . . . ]

وكيف كان : فيشهد للجواز : ان بيت المال معد لمصالح المسلمين ، كان تحت يد

العادل او تحت يد الجائر ، وهذا من مهماتها لتوقف انتظام امور المسلمين عليه .

ومرسل حماد الطويل وفيه : ويؤخذ الباقي فيكون ذلك ارزاق اعوانه على دين

الله وفي مصلحة ماينويه من تقوية الاسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد وغير ذلك

مما فيه مصلحة العامة ( 1 ) .

وماكتبه امير المؤمنين عليه السلم الى مالك الاشتر ، وفيه : - بعد ذكر صفات

القاضي - وافسح له في البذل مايزيل علته وتقل معه حاجته الى الناس ( 2 ) .

ويؤيده خبر الدعائم عن علي عليه السلام ، انه قال : لابد من قاض ورزق

للقاضي ، وكره ان يكون رزق القاضي على الناس الذين يقضي لهم ولكن من بيت

المال ( 3 ) .

واستدل لعدم جواز الارتزاق من بيت المال مطلقا او في مااذا كان منصوبا من

قبل السلطان الجائر بحسن عبد الله بن سنان المتقدم ، عن قاض بين قريتين يأخذ من

السلطان على القضاء الرزق فقال : ذلك السحت .

وفيه : ماتقدم من تعين حمله على مااذا كان القاضى غير قابل للقضاوة في

نفسه .

وذهب بعض الى عدم جواز الارتزاق مع تعين القضاء عليه ، معللا بوجوب

القضاء عليه ، فلا يجوز له اخذ العوض كما في سائر الواجبات .

وفيه : ماتقدم من ان الارتزاق من بيت المال غير الاجرة .

واختار جماعة عدم جواز الارتزاق مع عدم الحاجة ، وعن المسالك : انه الاشهر

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 8 - من ابواب آداب القاضي - حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب آداب القاضي حديث 9 .

( 3 ) المستدرك - باب 8 من ابواب آداب القاضي حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

واستدل له : بان للمسلم جواز الارتزاق من بيت المال مع الحاجة ولو بواسطة تقلد

منصب القضاوة المانع من التكسب ، وبان بيت المال معد للمحاويج .

وفيهما نظر : فان بيت المال معد لمصالح المسلمين ، كان القائم بالمصالح محتاجا

ام لم يكن كذلك ، مضافا الى اطلاق الخبرين : نعم ان لم يكن القاضي واجدا لشرائط

القضاوة المقررة في الشريعة كجل المنصوبين من قبل سلاطين الجور لايجوز ارتزاقه

من بيت المال لحسن ابن سنان ، ولانه ليس من موارد مصرف بيت المال .

اخذ القاضي للهدية

 

الرابع : في حكم الهدية

 

وهي مايبذله على وجه الهبة ليورث المودة الموجبة للحكم له حقا كان او باطلا ،

وفي حرمتها قولان اختار الاول جماعة منهم صاحب الجواهر ره ، والشيخ وغيرهما :

واستدل له بوجوه :

الاول مادل على حرمة الرشوة بدعوى انها تصدق على الهدية ايضا .

وفيه : ان الرشوة هي ماكان بازاء الحكم لامايبذل بداعي الحكم ، ولااقل من

ان هذا هو المتيقن منها .

ويشهد له جعل ذلك في مقابل الرشوة في خبر الاصبغ .

الثاني : عموم مناط حرمة الرشوة ، وهو صرف القاضي عن الحكم بالحق

للمقام .

وفيه : انه لاقطع بالمناط كي يصح التمسك بتنقيح المناط والالحرم مثل المدح

له وتعظيمه والمبادرة الى سماع قوله وقضاء حوائجه ونحو ذلك .

 

 

[ . . . ]

الثالث : قوله تعالى ( لاتأكلوا اموالكم بينكم بالباطل ) ( 1 ) بتقريب ان المال

الذي يهدي قبل الحكم الى القاضي ليورث المودة الموجبة للحكم له وان لم يقابل

بالداعي الذي دعى الى البذل في الصورة ، الا انه في اللب والواقع قوبل به .

وفيه : ماتقدم غير مرة من ان الدواعي لاتقابل بالمال ، ولذا لايضر تخلف

الداعي بصحة المعاملة ولزومها .

الرابع : مادل على حرمة الاعانة على الاثم .

وفيه : ماتقدم من انه لادليل على حرمة الاعانة .

الخامس : ماتضمن زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمال الصدقة عن

اخذهم للهدية ، كالنبوي المروي عن ابي حميد الانصاري : والذي نفسي بيده لايقبل

احد منكم منها شيئا الا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه .

ويرد عليه : ان الخبر ضعيف السند لكونه نبويا مرويا عن طرق العامه .

السادس : ماعن عيون الاخبار عن مولانا الرضا عليه السلام عن علي عليه

السلام في تفسير قوله تعالى ( أكالون للسحت ) هو الرجل يقضي لاخيه الحاجة ثم

يقبل هديته ( 2 ) .

وفيه : مضافا الى عدم اعتبار الخبر من حيث السند : ان ظاهره حرمة اخذ

الهدية المتأخرة عن قضاء الحاجة ، وحيث انه لم يفت احد بالحرمة في الفرض فيتعين

حمله على الكراهة ورجحان التجنب عن قبول الهدايا من اهل الحاجة اليه لئلا يقع

في الرشوة يوما ، فان ذلك اولى من حمله على الهدية المتقدمة مقيدا لها بما اذا كانت

بداعي الحكم له بالباطل كما لايخفى .

…………………………………………………..

( 1 ) النساء - آية 29 .

 ( 2 ) الوسائل باب 5 - من ابواب مايكتسب به - حديث - 11 . ( * )

 

 

[ . . . ]

السابع خبر الاصبغ عن امير المؤمنين عليه السلام : ايما وال احتجب عن

حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه ان اخذ هدية كان غلولا

وان اخذ الاجرة فهو مشرك ( 1 ) .

ويرد عليه : مضافا الى ضعف سنده لابي الجارود وسعد الاسكاف : انه يدل على

حرمة اخذ الوالي هدية لااخذ القاضي لها ، ولعل وجه حرمته ماذكره بعض المحققين

من انها تكون عن كره وخوفا من ظلمه وجوره ، او يحمل على الكراهة او غير ذلك

من المحامل المذكورة في المطولات .

الثامن : ماورد من ان هدايا العمال غلول ( 2 ) ، وفي آخر سحت ( 3 ) .

وفيه : مضافا الى ضعف السند : انه اما ان يراد من هذه النصوص مايهديه

العمال الى الرعية ، او يكون المراد مايهديه العمال الى الولاة ، وعلى اي تقدير تكون

اجنبية عن المقام ، اما على الاول : فواضح ، فانها حينئذ تكون من النصوص المتضمنة

عدم جواز اخذ جوائز السلطان وعماله ، وسيجئ الكلام في ذلك في محله ، واما على

الثاني : فلما مر في سابقه .

فتحصل : انه لادليل على حرمة اخذ الهدية ، فالاقوى جوازه سواءا كانت

متقدمة على الحكم ام متاخرة عنه ، وسواءا كانت للروابط الشخصية ام قربة الى الله ،

ام كانت بداعي الحكم بالباطل او بالحق ، او الاعم منهما ، لعموم دليل صحة الهبة

وجوازها .

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب مايكتسب به حديث 10 .

( 2 و 3 ) لم اعثر على اصل لهما في كتب الاحاديث نعم بمضمونهما روايات في بحار الانوار ج 23 ص 14 - من

طبع الكمباني - وفي الوسائل باب 8 من ابواب آداب القاضي هدايا الامراء غلول . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

الرشوة في غير الاحكام

 

وهل تحرم الرشوة في غير الحكم فيه وجهان :

اقول : اخذ المال في مقابل غير الحكم ، تارة يكون لاصلاح امر مباح ، واخرى

لاتمام امر محرم ، وثالثة لاتمام امر مشترك بين المحلل والمحرم .

اما الاول : فلا ريب في جوازه ، اذ لعمل في نفسه جائز ويصلح ان يقابل بالمال ،

ويشهد له مضافا الى ذلك : صحيح محمد بن مسلم عن الامام الصادق عليه السلام :

عن الرجل يرشو الرشوة على ان يتحول عن منزله فيسكنه غيره قال عليه السلام :

لاباس به ( 1 ) .

والمراد المنزل المشترك كالمدرسة والمسجد ونحوهما .

وخبر الصيرفي قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام وسأله حفص الاعور ،

فقال : ان عمال السلطان يشترون منا القرب والاداوي فيوكلون الوكيل حتى يستوفيه

منا ونرشوه حتى لايظلمنا فقال عليه السلام : لابأس ماتصلح به مالك ، ثم سكت

ساعة ثم قال : ارأيت اذا انت رشوته ياخذ اقل من الشرط ؟ قلت : نعم ، قال عليه

السلام : فسدت رشوتك ( 2 ) .

واورد عليه الاستاذ الاعظم : بانه ضعيف لاسماعيل بن ابي سماك .

وفيه : ان العلامة ره وان ضعفه ولكن النجاشي وثقه ، والظاهر ان منشأ تضعيف

العلامة اياه كونه واقفيا وهو كما ترى .

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 85 - من ابواب مايكتسب به - حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 37 من ابواب احكام العقود حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وفيه : اولا : ماتقدم من عدم صدق الرشوة على مايبذل بازاء غير الحكم .

وثانيا : ان نصوص حرمة الرشوة على قسمين : الاول : مادل على حرمة الرشوة

في الحكم الثاني : مادل على حرمتها من دون تقييد بالحكم ، والقسم الاول لايشمل

المقام ، والقسم الثاني ضعيف السند .

وثالثا : ماادعاه الشيخ ره من انصراف النصوص الى الرشوة في الاحكام .

ورابعا : انه لو سلم شمولها للمقام لابد من تقييد اطلاقها بالخبرين المتقدمين .

واما الثاني : فلا ينبغي التوقف في حرمته لحرمة اخذ المال على عمل محرم ،

ويشهد له مضافا الى ذلك : موثق الصيرفي المتقدم .

ودعوى ان ظاهره كون الرشوة لدفع الظلم ، وان اصل الزامه بالشرط وقع ظلما

وعلى وجه الاجبار فلا تكون الرشوة لاخذ الاقل من الشرط من اخذ المال بازاء

المحرم ، مندفعة بان ظاهر الخبر هو التفصيل بين مايؤتي لدفع الظلم ، وبين مايبذل

بازاء الاقل من الشرط ، وليس فيه مايكون ظاهرا في كون الشرط واقعا ظلما

واما الثالث : فان قصد به الجهة المحرمة فهو حرام ، فتامل ، وان قصد المحللة

فهو حلال ، وان لم يقصد شيئا منهما بل بذل المال لاصلاح امره حلالا ام حراما ، فقد

ذهب الشيخ ره الى الحرمة .

واستدل له : بانه اكل للمال بالباطل ، وبفحوى اطلاق ماتقدم في هدية الولاة

والعمال .

وفيهما نظر : اما الاول : فلان اكل المال في مقابل العمل المشترك بين المحلل

والمحرم ليس اكلا للمال بالباطل ، واما الثاني : فلما مر من ضعف سند تلك النصوص

وانها محمولة على غير ظاهرها فراجع .

واما مااورده الاستاذ الاعظم من ان حرمة الهدية لها تقتضي حرمة اعطاء

الرشوة لهما ولادلالة لها على حرمة الرشوة على غيرهما من الناس ، فغير وارد ، اذ مراد

 

 

[ . . . ]

الشيخ ره ان تلك النصوص باطلاقها تدل على حرمة الهدية بداعي قضاء الحاجة

المشتركة ، فاذا كانت الهدية بهذا الداعي حراما كان بذل المال بعنوان المقابلة اولى

بالحرمة فالصحيح ماذكرناه .

 

حكم المعاملة المحاباتية مع القاضي

 

وهل يلحق بالرشوة او تعد منها المعاملة المشتملة على المحابات كبيعه من

القاضي مايساوي عشرة دراهم بدرهم ام لاام هناك تفصيل ؟ وجوه .

ومحصل الكلام : انه تارة : لايقصد من المعاملة الا المحابات التي في ضمنها ،

لابمعني عدم انشاء المعاوضة اصلا ، فان ذلك خروج عن محل الكلام ، بل بمعني ان

المقصود الاصلي من المعاملة ايصال الزائد الى القاضي ليحكم له . وبعبارة اخرى : كان

قصده للمعاملة تبعيا مقدميا لاجل ان يتوصل الى المحابات ، واخرى : يقصد المعاملة

ولكن جعل المحابات لاجل الحكم له ، بمعنى ان الحكم له من قبيل الشروط التي

تواطيا عليها التي هي بحكم التي صرح بها في العقد ، وثالثة : يقصد المعاملة وحابي فيها

لاجل جلب قلب القاضي .

والكلام في حكم هذه الصور يقع اولا : في حكمها التكليفي ، ثم في حكمها

الوضعي .

اما الاول : فقد يقال بالحرمة في الصورة الاولى من جهة كون الناقص من

الرشا المحرم .

وفيه : ان الرشوة هي بذل المال بازاء الحكم ، وفي المقام المال انما يبذل بازاء

الثمن ، غاية الامر ان الداعي هو الحكم .

واستدل المحقق التقي عليها : بان عنوان الرشوة يصدق على نفس المعاملة .

 

 

[ . . . ]

وفيه : ان المعاملة انما هي عنوان ينتزع من بذل المال بازاء الثمن وقبول

صاحب الثمن ، فالمقابلة انما هي بين المالين وليس غير ذلك شئ يقابل الحكم كي

تكون هو الرشوة فتدبر . نعم بعض الوجوه التي استدل بها حرمة الهدية بدل

على حرمة المعاملة المحاباتية ، لكن عرفت مافيها فالاظهر عدم الحرمة .

واما في الصورة الثانية : فان قلنا بان الشرط حتى مثل هذا الشرط غير

المذكور يقسط عليه الثمن يحرم اعطاء مقدار ماقابل الشرط لكونه رشوة ، والا فحكم

هذه الصورة حكم الصورة الاولى ، واولى بعدم الحرمة الصورة الثالثة كما لايخفى .

واما الثاني : ففي الجواهر اختيار عدم الصحة ، وتبعه الشيخ ره حيث قال : ( وفي

فساد المعاملة المحابي فيها وجه قوي).

واستدل له في جميع الصور : بالنصوص الدالة على بقاء المال على ملك الراشي

باي طريق كان .

وفي الصورة الثالثة : بان ذلك مقتضى النهي عن الرشوة الصادقة على المعاملة

في المقام ، وبان اعطاء الرشوة صادق على دفع المبيع حابي في معاملته ، فيكون

الدفع حراما ، وهو لايجامع صحة المعاملة ، اذ صحتها ملازمة لوجوب الدفع .

وفي الصورة الثانية : بان الشرط الفاسد مفسد .

وفي جميع نظر : اما الاول : فلان غاية مايستفاد من النصوص بقاء المال على

ملك الراشي ان لم يكن بعقد من العقود ، مع انك عرفت عدم صدق الرشوة على

المعاملة المحابي فيها .

واما الثاني : فلانه يرد عليه مضافا الى ماتقدم من منع صدق الرشوة عليها :

ان حرمة المعاملة غير ملازمة لفسادها كما حققناه في محله واعترف به الشيخ ره في

مسألة الاعانة على الاثم .

واما الثالث : فلانه يرد عليه مضافا الى ان الدفع الواجب بمقتضى المعاملة

 

 

[ . . . ]

الواقعة لايكون مصداقا للرشاء ، انه لايتأتي فيما كان مقبوضا قبل المعاملة او كان في

حكم القبض مما هو ثابت في الذمة ، كما صرح بذلك بعض مشايخنا المحققين ره .

واما الرابع : فلان الشرط الفاسد لايكون مفسدا كما سيأتي التعرض لذلك في

الجزء السابع عشر من هذا الشرح ، فالاظهر هي الصحة .

 

حكم الرشوة وضعا

 

ثم انه في مورد الحكم بحرمة الاخذ فهل يجب الرد على الاخذ لو اخذ ام لا ؟

محصل الكلام في هذا المقام : ان كل مايعطي الباذل بعنوان الرشوة التي حقيقتها على

ماعرفت بذل المال للقاضي ليحكم له ، لاريب في ضمان القابض اياه ، فيجب عليه

ره اورد بدله ، لان المال انما يقع في مقابل الحكم ، فيكون ذلك في الحقيقة اجارة فاسدة

او شبيها بها ، فيكون من صغريات القاعدة المصطادة من النصوص الواردة في باب

الضمان مايضمن بصحيحه يضمن بفاسده .

واما مايبذل بعد المعاملة المحاباتية ، فان بنينا على فساد المعاملة يكون القابض

ضامنا له لقاعدة مايضمن ، والا فلا ولايخفي وجهه .

واما مايعطي مجانا بعنوان الهدية ، فالظاهر ان القابض لايضمن ، اذ غاية ما

تدل عليه الادلة المتقدمة كونها هبة فاسدة ، فتكون من صغريات عكس القاعدة ، وهو

مالايضمن بصحيحه لايضمن بفاسده .

واستدل للضمان فيه بوجهين : الاول : ان مقتضى النصوص الدالة على ان

الرشوة سحت ، بقائها على ملك المالك ، فاذا اخذها القابض كان ضامنا .

وفيه : ان تلك النصوص انما تدل على حرمة الاخذ ولزوم رد المال الى صاحبه

مع بقائه ، ولاتدل على الضمان بعد التلف .

 

 

[ . . . ]

الثاني : عموم على اليد .

وفيه : انه مختص بغير اليد المتفرعة على التسليط المجاني ، ولذا لايضمن بالهبة

الفاسدة في غير المقام .

وفي كلام بعض معاصري الشيخ ره : ان احتمال عدم الضمان في الرشوة

مطلقا غير بعيد .

وعلله بوجهين : الاول : ان المالك سلطه عليها مجانا فلاوجه للضمان .

وفيه : ان التسليط انما يكون في مقابل الحكم لامجانيا .

الثاني : انها تشبه المعاوضة ، ومالايضمن بصحيحه لايضمن بفاسده .

وتقريبه بنحو يندفع مااورد عليه في المكاسب ، وماذكره بعض مشايخنا

المحققين ره من انه تصحيف من النساخ والا صح انها تشبه الهبة الفاسدة : ان اعطاء

الرشوة مطلقا شبيه بالعقد المشتمل على الايجاب والقبول الذي هو الموضوع

للقاعدة ، وليس مراده المعاوضة المشتملة على العوض من الطرفين حتى يرد عليه ما

ذكره الشيخ ره

فالصحيح في الجواب عنه : ان اعطاء المال بازاء الحكم اما ان يكون اجارة او

شبيها بها ، فيكون موجبا للضمان لقاعدة مايضمن .

 

اختلاف الدافع والقابض

 

بقي الكلام في اختلاف الدافع والقابض .

ذكر الشيخ ره في المقام فروعا ثلاثة : ان يتسالم المترافعان على عقد

واحد ولكن القابض يدعي صحته والدافع فساده ، كما لو ادعى القابض كونه هبة

صحيحة ، والدافع ادعى كونه هدية على سبيل الرشوة ، وهذا النزاع انما يترتب عليه

 

 

[ . . . ]

الاثر فيما اذا كانت الدعوى قبل التلف مع كون الهبة لذي رحم او على وجه قربي ،

فانه يترتب عليه حينئذ جواز استرجاع العين من الموهوب له وعدمه ، وفيما اذا كانت

الدعوى بعد الاتلاف فانه يترتب على النزاع حينئذ ضمان الموهوب له ، اذ لو كان هبة

صحيحة لايضمن الموهوب له لانه اتلف مال نفسه ، ولو كان هبة فاسدة ضمن

بمقتضي قاعدة اليد والاتلاف ، وانما خرج من القاعدة صورة التلف وبقي الباقي .

وبذلك ظهر مافي كلام الاستاذ الاعظم حيث قال ايرادا على ماذكره الشيخ

ره بقوله : ولاصالة الضمان اذا كانت الدعوى بعد التلف بان النزاع بعد التلف لااثر

له ، اذ لاضمان للهبة بعد التلف سواء كانت صحيحة ام فاسدة .

وقد استدل لتقديم قول الدافع : بان الدافع اعرف بنيته .

واورد عليه : بانه لادليل على تقديم قول الاعرف .

واجيب عنه : بانه يرجع الى اعتبار قول الشخص فيما لايعلم الا من قبله .

ونوقش في هذا الجواب بوجهين :

الاول : ماذكره المحقق الايرواني ره : بان تقديم قول من يدعي مالايعلم الا

من قبله غير مرضي عند الشيخ ره ، وقد صرح في الخيارات بعدم نهوض الدليل على

ذلك عموما .

وفيه : ان الشيخ ره يدعي في الخيارات اختصاص النصوص بموارد خاصة ، وانه

لم يدل على العموم دليل ، ولكن يمكن ان يكون نظره في المقام الى ماادعاه الفقهاء

في باب الحيض في مسألة اخبار المرأة بالحيض او الطهر من دلالة ادلة قبول قول ذي

اليد على حجية اخبار الشخص عما في نفسه اما بانفسها او بالاولوية ، وعليه فلا يرد

عليه هذا الايراد .

الثاني : ماذكره المحقق التقي ره من انه : لو تم ذلك فانما هو فيما اذا كان

النزاع في نفس الامر الخفي لافي ان الامارة التي اقامها عليه كانت كذا وكذا كما في

 

 

[ . . . ]

مانحن فيه ، حيث ان النزاع في ان الامارة التي اقامها على نيته عند المعاملة هل كانت

دالة على قصد الرشوة او على قصد الهبة .

وفيه : ان الهبة الخارجية لاتختلف باختلاف القصد والنية كي يكون النزاع في

دلالة الامارة ، بل هي على نسق واحد ، وعلى ذلك فلا محالة يكون النزاع في نفس ذلك

الامر الخفي

واستدل له ايضا : باصالة الضضمان في اليد اذا كانت الدعوى بعد التلف ، اذ

مقتضي عموم على اليد هو الضمان حتى يقوم دليل مخرج .

واورد عليه تارة : بان موضوع القاعدة اليد الواقعة على ملك الغير والقابض

يدعي انه يده على ملكه ، واستصحاب عدم السبب الناقل - اعني الهبة الصحيحة -

لايعين حال اليد الخارجية وانها يد على مال الغير كي يصح التمسك بعموم على اليد

كما في تعليقة المحقق الايرواني .

واخرى : بان عموم على اليد مختص باليد العادية ، ومع الاغماض عنه الشبهة

مصداقية كما في ملحقات العروة .

وثالثة : بانه ماالوجه في التقييد بما اذا كانت الدعوى بعد التلف مع ان ما

يمكن ان يستدل به على الضمان بعد التلف يدل عليه قبله ايضا .

وفي الجميع نظر : أما الاول : فلان الدافع والقابض يتفقان على

ورود اليد على ملك الدافع ، اذ القبض جزء المملك في الهبة ، والقابض يدعي ان ورودها

مملك والدافع ينكر .

واما الثاني : فلان قاعدة على اليد عامة ، غاية الامر انها تختص في المورد بما

اذا لم يكن المبذول على وجه الهبة الصحيحة ، وعليه فيمكن احراز هذا الجزء من

الموضوع بالاصل ، ويضم ذلك الى الجزء الاخر المحرز وجدانا فيلتئم الموضوع

ويترتب عليه الحكم ، ولايعارض هذا الاصل اصالة عدم الهبة الفاسدة لعدم ترتب

 

 

[ . . . ]

الاثر عليها .

واما الثالث : فلان الدعوى ان وقعت قبل التلف فلا مورد للتمسك بقاعدة

اليد ، لوجود الامارة على كونه ملكا للقابض ، وهي اليد التي هي امارة على الملكية

حين وجودها خاصة بناءا على حجية اليد مع الاعتراف بسبق ملك الغير لما في يده

كما استظهره الشيخ ره من الصحيح الوارد في محابة امير المؤمنين عليه السلام مع

ابي بكر في امر فدك ( 1 ) .

واما ان وقعت بعد التلف فحيث انه لاحكم لليد - اذ لادليل على اعتبار اليد

السابقة - فيرجع الى قاعدة الضمان ، ولكن التحقيق هو عدم الضمان لما ذكره الشيخ

ره بقوله : والاقوى تقديم الثاني لانه يدعي الصحة ، اشار بذلك الى اصالة الصحة في

العقود المقدمة على جميع الاصول الموضوعية التي عليها بناء العقلاء واجماع العلماء .

الفرع الثاني : ان يدعي الدافع فساد العقد ، والقابض يدعي صحته ، مع

الاختلاف في مصب الدعوى ، كما اذا ادعي الدافع ان المبذول رشوة او اجرة على

المحرم ، والقابض ادعي انه موهوب بهبة صحيحة .

اقول : تقديم قول الدافع او القابض في المقام يدور مدار حجية اصالة الصحة

فيما اذا لم يكن مصب الدعوى امرا واحدا معلوما للمترافعين وعدمها ، اذ على الاولى

يقدم قول القابض لما تقدم في الفرع السابق ، وعلى الثاني يقدم قول الدافع ، اذ الاثر

مترتب على وقوع العقد الصحيح وعدمه ، فتجري اصالة عدمه غير المعارضة باصالة

عدم تحقق الرشوة المحرمة او الاجرة الفاسدة لعدم ترتب الاثر عليهما ، اذ موضوع

الاثر - اي الضمان - هو وضع اليد على ملك الدافع مع عدم تحقق السبب الناقل

سواء تحقق معه شئ من الاسباب الفاسدة ام لم يتحقق ، فاذا انضم الى ماهو محرز

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 25 من ابواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بالوجدان - وهو وضع القابض يده على ملك الدافع الاصل المزبور - يلتئم الموضوع

ويترتب عليه الحكم ، وحيث ان مدرك اصالة الصحة هي الادلة اللبية فلابد من الاخذ

بالقدر المتيقن ، وهو مااذا كان مصب الدعوى عقدا واحدا ، وعليه فالاظهر هو تقديم

قول الدافع .

الفرع الثالث : ان يتوافق المترافعان على فساد الاخذ والاعطاء ، ولكن الدافع

يدعي كون المبذول رشوة مثلا فيضمن القابض ، والقابض يدعي انه موهوب بهبة

فاسدة فلا يكون موجبا للضمان ، والظاهر هنا ايضا تقديم قول الدافع ، وذلك لان

موضوع الضمان هو وضع اليد على ملك الغير اذا لم تكن متصفة بالمجانية ، لامااذا

كانت متصفة بعدم المجانية ، اذ الخارج عن تحت عموم على اليد التسليط المجاني ،

وعليه فتجري اصالة عدم تحقق التسليط المجاني ، ويضم ذلك الى ماهو محرز

بالوجدان وهو وضع اليد على مال الغير ، فيترتب عليه الحكم وهو الضمان .

وبهذا التقريب اندفع مااورده المحقق الايرواني على هذا الوجه بان الاصل

المزبور لايثبت ان اليد الخارجية ليست يدا مجانية .

وتمام الكلام في جريان هذا الاصل ، وان تخصيص العام بمخصص منفصل ، او

كالاستثناء من المتصل يوجب تعنون موضوع العام بعدم كونه متصفا بعنوان الخاص

لاتعنونه بكونه متصفا بعدمه كي لايفيد الاصل المزبور ، موكول الى محله ، وقد اشبعنا

الكلام في ذلك في حاشيتنا على الكفاية في مبحث العام والخاص .

ولايعارض هذا الاصل اصالة عدم تحقق سبب الضمان - اي استصحاب عدم

المركب المتحقق قبل زمان الشك - اذ لااثر للمركب بما هو مركب - اي وصف

الاجتماع - وانما الاثر يترتب على ذوات الاجزاء التوأمة .

واما ماذكره الشيخ ره في وجه عدم الجريان من حكومة اصالة عدم تحقق

التسليط المجاني على هذا الاصل ، وتوضيحه ماافاده المحقق النائيني قده في رسالة

 

 

[ . . . ]

لباس المشكوك من ان الشك في وجود المركب مسبب عن الشك في وجود اجزائه ،

والاصل الجاري في السبب حاكم على الاصل الجاري في المسبب ، فغير تام ، اذ حكومة

والاصل السببي على الاصل المسببي انما تكون فيما اذا كانت السببية شرعية ،

والسببية في المقام ليست شرعية ، ولعله لذلك امر بالتامل ، والله العالم .

 

يحرم سب المؤمن

 

التاسعة : سب المؤمنين حرام في الجملة بالادلة الاربعة .

ويدل على حرمته من الكتاب قوله تعالى ( واجتنبوا قول الزور ) ( 1 ) فان

السب من اوضح مصاديق قول الزور .

واما العقل فانه مستقل بذلك لكون السب ظلما وايذاءا واذلالا .

واما الاجماع فالظاهر ان على ذلك اجماع المسلمين .

ومن السنتة نصوص كثيرة منها : خبر ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سباب المسلم فسوق وقتا له كفر واكل لحمه

معصيتة وحرمة ماله كحرمة دمه ( 2 ) .

وهذه الرواية موثقة ، والتعبير فيها بالفسوق وفي اكل لحمه بالمعصية لايبعد ان

يكون تفننا في العبارة ، وقد يقال انها ضعيفة الدلالة لاحتمال ان يكون سباب بصيغة

المبالغة .

ومنها : خبر السكوني عن ابي عبد الله ( ع ) : قال رسول الله ( ص ) : سباب

…………………………………………………..

( 1 ) سورة الحج - ااية 31 .

( 2 ) الوسائل باب 158 - من ابواب احكام العشرة حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المؤمن كالمشرف على الهلكة ( 1 ) .

وقد ضعفه الاستاد الاعظم للنوفلي .

وفيه : انه وان ضعف بعضهم الحسين بن يزيد النوفلي واهمله آخر ، الا انه بعد

ملاحظة انه لم يقدح فيه احد من ائمة الرجال ، وجماعة من الاساطين كالمحقق في

المعتبر والشيخ وغيرهما قد عملوا برواياته واعتمدوا عليها وجعلوها من الموثقات ،

ورواية جمع من القميين واكثارهم من الرواية عنه ، والمدائح التي نطقوا بها ككونه ذا

كتاب وكثير الرواية وسديد الرواية ومقبول الرواية ، لو لم نقل بان رواياته موثقات ،

لاريب في انها بضميمة كون الرجل اماميا بلا شبهة توجب كون الرجل من الحسان ،

ومانسب الى جمع من القميين انه غلا في آخر عمره ، لايوجب طرح رواياته ، اذ مضافا

الى عدم الاعتناء برمي القدماء بالغلو ، وان الغلو في آخر عمره لايضر فيما رواه قبل

غلوه ، ان ذلك لايوجب مغمزا فيه كما في كثير من الفقهاء الثقات الاثبات كيونس بن

عبد الرحمان كما صرح بذلك السيد الداماد .

ولكن الذي يرد على الاستدلال بالخبر : انه ضعيف الدلالة ، اذ قوله كالمشرف

على الهلكة لاظهور له في الحرمة كما لايخفي ، مع انه يحتمل ان يكون السباب بصيغة

المبالغة كشراب ، بل هذا هو الاظهر منه بقرينة كالمشرف .

واضعف منه خبر ابي بصير عن الامام الباقر عن رسول الله صلى الله عليه

وآله : لاتسبوا فتكسبوا العداوة لهم ( 2 ) اذ ظاهره ان النهي عن السب ارشادي الى ما

يترتب عليه من مفسدة العداوة التي لاتكون لزومية ، لاسميا مع اطلاق العداوة من

حيث عداوة المؤمن وعداوة غيره .

ومنها : خبر الاحتجاج عن ابي الحسن عليه السلام : في الرجلين يتسابان قال

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 158 - من ابواب احكام العشرة حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 158 من ابواب احكام العشرة حديث . ( * )

 

 

[ . . . ]

عليه السلام : البادئ منهما أظلم ووزره على صاحبه مالم يعتذر الى المظلوم .

قال الشيخ ره بعد نقل هذا الخبر : وفي مرجع الضمائر اغتشاش .

ولكن هذه الرواية رويت في الكتب المعتبرة هكذا : في رجلين يتسابان ، فقال :

البادئ منهما اظلم ووزره ووزر صاحبه عليه مالم يعتذر الى المظلوم ( 1 ) . وفي رواية اخرى

باختلاف في صدر السند وذيل المتن ، اذ فيها مالم يتعد المظلوم ( 2 ) والاولى صحيحة ،

والثانية حسنة ، وعلى هذا فلا اغتشاش في مرجع الضمائر ، ويكون المستفاد منهما في

بادي النظر ان الوزرين ثابتان على البادي وليس على الراد وزر ، غاية الامران الاولى

تدل على البراءة من الوزرين بالاعتذار الى المظلوم مع التوبة ، والثانية تدل على ان

الوزرين على البادي ، وليس على الراد وزر الا اذا تجاوز عن الاعتداء بالمثل ، واذا

تجاوز كان هو البادي في خصوص القدر الزائد كما افتي بذلك جمع من الاساطين .

ولكن بعد التدبر في الخبرين يظهر عدم تمامية ذلك ، فان التعبير بوزر صاحبه

ظاهر في ثبوت الوزر على الراد ، وحمله على ارادة مقدار وزر صاحبه لو كان هو البادي

ليس باولي من حمله على ارادة مثل وزر صاحبه من دون ان ينقص من وزره شئ ،

ولعل الثاني اظهر

ثم ان ثبوت مثل وزر الراد على البادي انما يكون فيما اذا لم يتجاوز عن

الاعتداء بالمثل ، والا فان تجاوز لايثبت مثل وزره في القدر الزائد على البادي ، لالقوله

عليه السلام في الرواية الثانية مالم يتعد المظلوم ، اذ بعد كون الخبرين رواية

واحدة مروية بطريقين كما هو الظاهر ، اذ من البعيد جدا سؤال الحجاج عن ابي

الحسن موسى عليه السلام ، هذه المسأله مرتين ، ثم نقلهما للراوي عنه ، لاوجه

للاستدلال بشئ من الجملتين اللتين اختلفا فيهما كما لايخفى ، بل من جهة عدم

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 158 - من ابواب احكام العشرة في السفر والحضر حديث 1 .

( 2 ) الاصول من الكافى ص 322 باب السفه . ( * )

 

 

[ . . . ]

صدق الراد عليه في القدر الزائد بل هو البادي فيه .

ولايبعد دعوى عدم حرمة الرد وعدم ثبوت الوزر على الراد للايات الظاهرة

في الاعتداء بالمثل ، فان فيها دلالة على جواز شتم المشتوم بمثل فعله كما نبه على ذلك

المحقق الاردبيلي ره ، ولاوجه لحمل الخبر على الاحتمال الاول ،

ثم انه بناءا على كون الخبر على النحو المذكور في المكاسب يمكن ان يقال لا

اغتشاش في مرجع الضمائر ، فان الضمير في كلمة وزره يرجع الى السب المستفاد

من قوله يتسابان كما اليه يرجع الضمير في كلمة صاحبه اي فاعل السب ، فيكون

مفاد الخبر حينئذ : ان وزر كل سب على فاعله لهتك كل منهما صاحبه ، ولايرتفع ذلك

الا بالاعتذار الى المظلوم .

ثم ان المرجع في السب الى العرف ، والظاهر من العرف واللغة ، ولااقل من كون

ذلك هو المتيقن لو سلم اجمال مفهومه ، كون السب متحدا مع الشتم ، وانه يعتبر فيه

كونه تنقيصا وازراءا واعتبار الاهانة والتعيير في مفهومه ، وعليه فيعتبر في مفهومه قصد

الهتك ولايعتبر فيه مواجهة المسبوب ، واما اعتبار قصد الانشاء فلم يدل عليه دليل ،

بل الظاهر صدقه مع قصد الاخبار ايضا .

فما ذكره المحقق الايرواني من ان النسبة بين السب والغيبة هو التباين من

جهة ان السب هو ماكان بقصد الانشاء واما الغيبة فجملة خبرية ، غير تام ، بل

الصحيح هو ماذكره الشيخ ره من ان النسبة بينهما عموم من وجه ، اذ ربما يصدق

السب ولايصدق الغيبة ، كما لو خاطب المسبوب بصفة مشهورة بقصد الاهانة ، بل لو

خاطبه بالمذمة والتنقيص ، فان الغيبة لاتصدق مع المواجهة فتدبر ، وقد تصدق الغيبة

ولايصدق السب كما لو اظهر عيوبه من دون قصد الى الاهانة والتنقيص ، وقد

يجتمعان ويتعدد العقاب في مورد الاجتماع .

 

 

[ . . . ]

 

المستشنيات

 

ويستثنى من المؤمن المتظاهر بالفسق ، اذ يدل على جواز سب المتجاهر

بالفسق في الجملة مادل من النصوص على ان الفاسق اذا تجاهر بفسقه لاحرمة له ،

وسيأتي ذكرها في مسألة الغيبة ، فانها تدل على ان التظاهر بالفسق يوجب سلب

احترام الفاسق ، هذا بالنسبه الى المعصية التي تجاهر فيها ، واما بالنسبة الى المعاصي

التي لم يتجاهر فيها فجواز السب بها وعدمه مبنيان على ماسيأتي تحقيقه في تلك

المسألة من ان قوله عليه السلام لاحرمه له هل يدل على زوال الاحترام بقول مطلق

او بالنسبة الى خصوص تلك المعصية فانتظر ، ومنه يظهر حكم سبه بغير ماليس في

المسبوب ولم يكن معصية ، واما السب بما ليس فيه فهو افتراء محرم بلا كلام .

ويستثنى منه المبتدع ايضا ، والمراد منه المبتدع في الاحكام الشرعية ، اذ

المبتدع في الاصول الاعتقادية كافر لايشمله مادل على حرمة السب ، فخروجه ليس

الا استثناءا منقطعا .

ويشهد لاستثناء المبتدع بالمعنى المذكور ، جملة من النصوص : كصحيح داود

بن سرحان عن الامام الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله

وسلم : اذا رأيتم اهل الريب والبدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم واكثروا من سبهم

والقول فيهم والوقيعة ، وباهتوهم كي لايطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس

ولايتعلمون من بدعهم ، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في

الاخرة ( 1 ) . ونحوه غيره .

…………………………………………………..

 ( 1 ) الوسائل - باب 39 - من ابواب الامر والنهي وما يناسبهما حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ومقتضي اطلاق قوله عليه السلام واكثروا من سبهم والقول فيهم لو لم يكن

صريحه ، وصريح قوله عليه السلام وباهتوهم جواز السب بغير ماتظاهر فيه من

البدعة ، وبما ليس فيه .

وبذلك يظهر ان هذا غير المستثني المتقدم ، فما افاده الاستاذ الاعظم من انه

لاوجه لجعله من المستثنيات باستقلاله فانه ان كان المراد به المبدع في الاحكام

الشرعية فهو متجاهر بالفسق ، غير سديد .

قال الشيخ ره : ويمكن ان يستثني من ذلك مااذا لم يتاثر المسبوب . . .

الخ ) .

وفيه : ان عدم تأثر المسبوب بالمعنى المذكور - اي عدم كون السب اهانة

المسبوب في نظر العرف - موجب لعدم صدق السب عليه ، فلا يحرم من هذه الجهة ،

وعليه فلا يصح جعل ذلك استثناء من حرمة السب الا بنحو الاستثناء المنقطع ، واما

اذا كان السب موجبا لاهانة المسبوب فهو حرام كان الساب ابا للمسبوب او سيدا

او معلما له او غيرهم لاطلاق الادلة .

واستدل للجواز في سب الوالد ولده والمعلم متعلمه والسيد عبده : بان سب

هؤلاء فخر للمسبوب وتأديب له ، وبالسيرة على الجواز في الموارد المذكورة .

وفيهما نظر : اما الاول : فلان عنواني التأديب والفخر منافيان لعنوان السب ،

فان المأخوذ في حقيقة السب الهتك والاهانة ، فلا يمكن اجتماعهما في مورد واحد ، واما

الثاني فلان ثبوت السيرة المستمرة الى زمان المعصوم عليه السلام في موارد التهتك

والظلم ممنوع .

وقد استدل لجواز سب السيد عبده : بفحوى مادل على جواز ضربه ( 1 ) .

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 30 - من ابواب مقدمات الحدود . ( * )

 

 

[ . . . ]

وفيه : ان مناط حرمة السب لو كان بعينه مناطر حرمة الضرب وهو الايذاء كان

الاستدلال المزبور له وجه ، وان امكن منعه ايضا من جهة ان الايذاء بالقول اشد من

الايذاء بالضرب ، واما اذا يكن ذلك مناطه ولم تكن حرمة السب من جهة انطباق

عنوان محرم عليه صادق على الضرب ايضا ، بل كان السب له خصوصية كما هو

الظاهر من الادلة ، فلا وجه للاستدلال المزبور اصلا .

واستدل لجواز سب الوالد ولده : بضم الجملة الواردة في النصوص الصحيحة

وهي انت ومالك لابيك ( 1 ) بالفحوى التي استدل بها في المملوك ، فانه يستنتج من

ذلك جواز سب الاب ابنه ، وبفحوى مادل على جواز تأديب الولد الصغير

بالضرب ( 2 ) فانه يدل على جواز سبه بالاولوية ، وبضميمة استصحاب الجواز الى حال

الكبر يثبت المطلوب .

وفيهما نظر : اما الاول : فلان تلك الجملة ناظرة الى الجهات الاخلاقية ، ولاتدل

على الملكية الحقيقة كي يكونا من مصاديق السيد وعبده ، ولاالملكية التنزيلية كي

يكونا بحكمهما لاطلاق التنزيل ، اذ لاريب في انه ليس للاب التصرف في اموال الابن

تصرفه في ماله ، وقد ورد في جملة من النصوص ان للاب ان يستقرض من مال ابنه ،

ولو كان الاب مالكا للابن وامواله لما احتاج الى الاستقراض ، مع انك قد عرفت

عدم ثبوت الفحوى المزبورة .

واما الثاني : فلمنع الاولوية كما تقدم ، مضافا الى ان ذلك الدليل دل على جواز

التأديب بالضرب ، فيدل على جواز ذلك بالسب لاعلى جواز السب بنفسه الذي

عرفت انه عنوان مناف لعنوان التأديب ، مع انا اشرنا في هذا الكتاب مرارا الى ان

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 78 - من ابواب مايكتسب به .

( 2 ) الوسائل - باب 85 من ابواب احكام الاولاد من كتاب النكاح .

 

 

[ . . . ]

الاظهر عندنا عدم جريان الاستصحاب في الاحكام .

فتحصل : ان استثناء هذه الموارد في غير محله .

 

حرمة السحر

 

العاشرة : في السحر .

والكلام فيه في مقامين : الاول : في حكم السحر .

الثاني : في بيان موضوعه .

اما الاول : المشهور بين الاصحاب : كون السحر حراما في الجمله ، بل

لاخلاف فيه ، بل هو ضروري ، فضلا عن اجماع المسلمنى عليه .

والاخبار به مستفيضة : منها مافي نهج البلاغة : من ان الساحر كالكافر ، وقد

تقدم .

 

ومنها : حسن ابي البختري عن جعفر بن محمد عن ابيه : ان عليا عليهم السلام

قال : من تعلم شيئا من السحر قليلا او كثيرا فقد كفر وكان آخر عهده بربه ، وحده

ان يقتل الا ان يتوب ( 1 ) .

ومنها : خبر السكوني عنه عليه السلام عن ابيه عليه السلام : قال رسول الله

صلى الله عليه وآله : ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لايقتل : قيل : يارسول الله

صلى الله عليه وآله لم لايقتل ساحر الكفار ؟ قال عليه السلام : لان الشرك اعظم من

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل - باب 25 - من ابواب مايكتسب به حديث 7 .

( 2 ) الوسائل باب 25 من ابواب مايكتسب به حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقد ضعفه الاستاد للنوفلي ، وقد مر في المسألة السابقة انه من الحسان .

قوله صلى الله عليه وآله : لان السحر والشرك مقرونان . اي الجملة الثانية

بمنزلة الصغرى للاولي ، فيكون مفاد الخبر - والله العامل - ان الشرك والسحر مقرونان

ومجتمعان في المشرك الساحر ، والشرك اعظم من السحر ، فاذا اجتمع السحر مع ما

هو اعظم منه سقط اثره ، الى غير ذلك من الاخبار .

ثم انه ورد في جملة من نصوص الباب مادل على انه يقتل ، وفي جملة اخرى انه

كافر ، اما الحكم بقتله فهو المشهور بين الاصحاب ، وعن غير واحد : دعوى الاجماع

عليه ، وعن بعض متاخري المتاخرين : تقييده بكونه مستحلا له .

اقول : اما اذا كان مستحلا للسحر فلا ينبغي التوقف في الحكم بقتله لصيرورته

بذلك منكر الضروري الدين ، فتدبر ، مضافا الى نصوص الباب .

واما اذا لم يكن مستحلا له فيدل على انه يقتل اطلاق جملة من النصوص :

كخبر السكوني المتقدم وفيه : ساحر المسلمين يقتل .

وخبر ابي البختري : من تعلم شيئا من السحر قليلا او كثيرا فقد كفر وكان

آخر عهده بربه وحده ان يقتل الا ان يتوب . ونحوهما غيرهما .

وقد توقف الاستاذ الاعظم في الحكم بقتله بدعوى انه وان ورد في الروايات

العديدة ان حد الساحر هو القتل الا انها روايات ضعيفة .

وفيه : ماتقدم من عدم كون خبر السكوني ضعيفا ، واما حسن اسحاق فقد

اعترف هو دام ظله بكونه حسنا ، مع انه لو سلم ضعف الروايات فهو مجبور بالشهرة

الفتوائية .

واما الحكم بالكفر فهو وان كان ظاهر جملة من النصوص الا انه لايمكن

الاخذ بظاهرها ، ويتعين حملها على ارادة مستحل السحر اومن يدعي به الرسالة او

من يدعي مالا يقدر عليه الا الله ، اوحملها على المبالغة في الحرمة وذلك لما في جملة

 

 

[ . . . ]

اخرى منها ماينافي ذلك ، ففي نهج البلاغة : الساحر كالكافر . وفي حسن السكوني :

ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لايقتل . اذ لو كان الساحر كافرا لما كان بينهما

فرق ، وفيه ايضا تعليل الفرق بينهما بان الشرك اي الكفر اعظم من السحر .

وفي خبر الامام العسكري في قصة هاروت وماروت قوله عليه السلام : فلا

تكفر باستعمال هذا السحر وطلب الاضرار به ودعاء الناس الى ان يعتقدوا انك به

تحيي وتميت وتفعل مالايقدر عليه الا الله فان ذلك كفر ( 1 ) .

وفي المرسل فيمن اخذ السحر صناعة لنفسه : حل ولاتعقد ( 2 ) .

ولانه لاكلام عندهم في عدم ترتيب آثار الارتداد من قسمة الاموال وبينونة

زوجته وغيرهما عليه لو صار المسلم ساحرا ، ويضاف الى جميع ذلك قيام السيرة

المستمرة الى زمان المعصوم عليه السلام على عدم معاملة الكافر مع الساحر .

وقد يقال : انه يعتبر في ترتب حكم السحر عليه كون ذلك مضرا بالمسحور .

اقول : ان كان ذلك لاجل دعوى اعتبار الاضرار في موضوع السحر كما عن

الشهيدين فسيأتي الكلام فيه ، وان كان لاجل النصوص الخاصة ، بدعوى ان بعض

النصوص الواردة في قصة هاروت وماروت يدل على ذلك ، فيرد عليه : انه لامفهوم له

كي يدل على عدم حرمة غير المضر منه ويوجب تقييد المطلقات ، فلاقوى - بناءا على

عدم اعتبار الاضرار في السحر - حرمته مطلقا سواءا كان مضرا ام لا ، كما عن جمع

من الاساطين لاطلاق الادلة .

…………………………………………………..

( 1 ) الوسائل باب 25 من ابواب مايكتسب به - حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 25 من ابواب مايكتسب به حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

حقيقة السحر

 

واما المقام الثاني : وهو بيان حقيقة السحر ، فقد اختلفت كلمات ائمة اللغة

والفقه في بيان حقيقة السحر ، وقد ذكر الشيخ ره جملة منها ، والذي يظهر بعد المراجعة

الى موارد استعمال هذه الكلمة ومشتقاتها عند اهل اللسان ، والتدبر في مجموع

التفاسير المنقولة عن الفقهاء العظام ، وائمة اللغة ، وضم بعضها ببعض : ان السحر هو

صرف الشئ عن وجهه على سبيل التمويه والخدعة ، وقلبه من جنسه في الظاهر لا

في الحقيقة ، وتصويره على خلاف صورته الواقعية ، فهو امر لاواقعية له ، بل مجرد

تصرفات خيالية .

وبعبارة اخرى : انه تمويهات لاحقيقة لها يخيل الى المسحور ان لها حقيقة ، نعم

ربما يترتب عليه امر واقعي كما لو اظهر الساحر للمسحور شيئا مهولا فخاف منه

ومات اوصار مجنونا ، فان الموت الجنون وان كان امرا واقعيا الا انه من آثار السحر

لاانه بنفسه السحر ، وبهذا الاعتبار يطلق السحر على طلي الفضة بالذهب ، واطلق

المشركون الساحر على النبي الصادق حيث تخيلوا انه صلى الله عليه وآله وسلم يظهر

الباطل بصورة الحق بتسحير اعين الناس وقلوبهم ، ونفاه عنه سبحانه وتعالى .

واماما عن القاموس من تفسيره بما لطف ماخذه ودق فهو تفسير بالاعم بلا

كلام ، فان كثيرا من مالطف مأخذه ودق كالقوة الكهربائية وماشابهما ليست من

السحر قطعا ، كما ان ماعن جمع من تفسيره بصرف الشئ عن وجهه تفسير بالاعم ،

ثم انه لاوجه المتفاهم العرفي لاعتبار الاضرار في صدق السحر كما عن

المسالك ، ولالاعتبار كون السحر مؤثرا في بدن المسحور او عقله او قلبه من غير

مباشرة كما عن العلامة ره ، كما يظهر من الرجوع الى اهل اللسان .

 

 

[ . . . ]

لايقال : انه قد اطلق في خبر الاحتجاج الاتي المروي في المكاسب على جملة امور

غير ماذكر كالسرعة والخفة والنميمة فيستكشف من ذلك كون السحر اعم من ما

ذكر .

فان يقال : مضافا الى ضعف الخبر للارسال : ان الاطلاق اعم من الحقيقة ، بل

الظاهر ان اطلاق السحر على بعض تلك الامور انما يكون بنحو من العناية والمجاز .

فان قلت : ان مارواه الصدوق في الفقيه : في المرأة التي صنعت شيئا ليعطف

زوجها عليها فقال لها رسول الله : اف لك كدرت البحار وكدرت الطين ولعنتك الملائكة

الاخيار ، وملائكة السماء والارض . الحديث ( 1 ) . يدل على ان من السحر احداث حب

مفرط في الشخص ، كما استدل به الشيخ ره لذلك .

قلت : اولا : انه لتضمنه توبيخ النبي صلى الله عليه وآله اياها وحكمه عليها

بعدم قبول التوبة واستقباله اياها باللعن وان كان دالا على الحرمة ، الا انه ليس فيه

شهادة على ان وجه الحرمة انطباق عنوان السحر عليه .

فان قلت : ان الاية الشريفة ( فيتعلمون منهما مايفرقون به بين المرء

وزوجه ) ( 2 ) تدل على ان من السحر ايجاد التفرقة بين الزوجين .

قلت : ان في ذلك اقوالا للمفسرين : احدها : انه كان من شرع سليمان ان من

تعلم السحر بانت منه زوجته ، ثانيها : انه اذا تعلم السحر كفر فحرمت عليه امرأته .

وفي المقام اقوال اخر ، فمن اراد الاطلاع عليها فليراجع كتب التفسير .

وثانيا : انه لايمكن العمل باطلاق الخبر ، والالزم الالتزام بحرمة احداث الحب

في قلب الزوج بالاخلاق الحسنة التي امر بها في النصوص ، وهذا مما لايمكن الالتزام

…………………………………………………..

( 1 ) المستدرك - باب 22 - من ابواب مايكتسب به الحديث 2 .

( 2 ) سورة البقرة - آية 103 . ( * )

 

 

[ . . . ]

به ، وعليه فلابد من حمله على كون آلة احداث الحب مايكون محرما بل موجبا

للارتداد والا لما كان وجه لعدم قبوله صلى الله عليه وآله توبتها .

وبما ذكرناه في بيان حقيقة السحر ظهر الفرق بينه وبين المعجزة ، فان المعجزة

امر واقعي ولها واقعية لكنها غير جارية على السير الطبيعي ، بل هي امر خارق العادة .

 

اقسام السحر

 

ثم انه لابأس بذكر اقسام السحر التي ذكرها بعض الاصحاب ، وقد جمعها المحقق

المجلسي ره في ج 14 بحار الانوار ، وحاصل ماذكره : ان للسحر انواعا ثمانية .

الاول : سحر الكذابين :

والكذابون هم الذين كانوا في قديم الدهر وكانوا يعبدون الكواكب ويزعمون

انها مدبرة العالم السفلي ومنها تصدر الخيرات والشرور والسعادات والنحوسات ، وهم

الذين بعث الله ابراهيم مبطلا لمقالتهم ، وهؤلاء فرق ثلاث :

الفريق الاول : هم الذين زعموا ان هذه الافلاك والكواكب واجبة الوجود في

ذواتها ، وهؤلاء هم الصائبة الدهرية .

الفريق الثاني : هم الذين يزعمون انها قديمة لقدم علتها .

الفريق الثالث : هم الذين يزعمون انها حاديثة مخلوقة .

والساحر عند هذه الفرق من يعرف القوي العالية الفعالة بسائطها ومركباتها ،

ويعرف مايليق بالعالم السفلي ، ويعرف معداتها ليعدها ، وعوائقها ليرفعها بحسب

الطاقة البشرية ، فيكون متمكنا من استحداث مايخرق العادة .

وفيه : انه قد مر في مبحث التنجيم ان معتقد تأثير الكواكب في العناصر

 

 

[ . . . ]

السفلية استقلالا كافر ، من غير فرق بين الفرق الثالث ، ولكن الكلام في ان

استحداث مايخرق العادة هل يصدق عليه السحر ام لا ؟ والاظهر عدمه لعدم انطباق

ماذكرناه في تفسيره الذي ذكره المحقق المجلسي ايضا قبل بيان هذه الانواع على

ذلك ، فانه عبارة عن صرف الشئ عن وجهه على سبيل الخدعة من دون ان يكون

له واقعية .

النوع الثاني : سحر اصحاب الاوهام والنفوس القوية :

فقد ثبت امكان تأثير النفوس في مواد هذا العالم ، وهذه النفوس الفعالة تارة ،

تكون بواسطة الرياضات قوية شديدة الانجذاب الى عالم السموات وتكون مستغنية

في التأثير في صدور الامور الغريبة الخارقة للعادة عن الاستعانة بادوات سحرية

اخرى ، واخرى تكون ضعيفة ممزوجة باوساخ المواد فتحتاج الى الاستعانة بها . انتهى

ملخصا .

وفيه : انه لااشكال في عدم انطباق مااخترناه في معنى السحر على ذلك ،

فان النفوس الصافية بالرياضات المؤثرة في الامور التكوينية التي منها نفوس اولياء

الله تعالى وان كانت الاشياء عن وجهها ، لكنه ليس صرفا على سبيل الخدعة ،

من دون ان يكون واقعية بل يكون صرفا حقيقيا .

ثم انه لاتكون تصفية النفس بنفسها من المحرمات ، بل تصفيتها بالرياضات

الحقة مطلوبة للشارع ، نعم التصفية بالامور الباطلة محرمة لحرمة اسبابها .

ثم ان المعتقد بتأثير النفوس في الامور التكوينية ان اعتقد تأثيرها فيها

استقلالا ، او مع الله تعالى ، فهو كافر بلا كلام ، واما ان اعتقد ان الله تعالى هو المؤثر

الاعظم ، ويكون تأثيرها فيها كتأثير سائر العلل والموجدات التكوينية ، فلاوجه

للحكم بكفره .

النوع الثالث من السحر : الاستعانة بالارواح الارضية :

 

 

[ . . . ]

والمراد بها الاجنة ، وهي مختلفة الاصناف ، فمنها خيرة ومنها شريرة ، وهي قادرة

عالمة مدركة للجزئيات ، واتصال النفوس الناطقة بها اسهل من اتصالها بالارواح

السماوية ، الا ان القوة الحاصلة للنفوس الناطقة بواسطة الاتصال بهذه الارواح

اضعف من القوه الحاصلة لها بسبب اتصالها بتلك الارواح السماوية . ثم ان اصحاب

التجربة شاهدوا ان الاتصال بهذه الارواح يحصل باعماله سهلة قليلة من الرق

والتجريد والدخن ، فهذا النوع هو المسى بالعزائم وعمل تسخير الجن . انتهى

ملخصا .

اقول : قد عرفت من ماتقدم عدم صدق السحر على ذلك ، واما من حيث

حكمه فسيأتي الكلام فيه في آخر هذا المبحث . وعن المعتزلة : الاتفاق على تكفر من

يجوز ذلك ، لانه مع هذا الاعتقاد لايمكنه ان يعرف صدق الانبياء .

وفيه : ان من يظهر هذه الاشياء على يده ، اماان لايدعي النبوة فلايفضي

الامر الى التلبيس ، وان ادعي النبوة فعلى الله تعالى ان لايظهر على يده هذه الاشياء .

النوع الرابع من السحر : التخيلات والاخذ بالعيون :

وهذا النوع مبني على مقدمات : الاولى : ان اغلاط البصر كثيرة ، كراكب

السفينة يرى نفسه ساكنا والشط متحركا .

الثانية : ان المحسوسات قد تختلط ولايتميز بعضها عن بعض ، وذلك فيما اذا

ادركت القوة الباصرة المحسوس في زمان قصير جدا ثم ادرك بعده محسوسا آخر .

الثالثة ، انه قد تشتغل النفس بشئ ولايدرك الانسان حينئذ شيئا حاضرا

عنده كالوارد على السلطان فانه قد يلقاه شخص آخر ويتكلم معه وهو لايلتفت اليه

وبعد معرفة هذه الامور يتضح تصوير هذا النوع من السحر ، لان المشعبد الحاذق

يظهر عمل شئ يشغل اذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم اليه ، ثم يعمل عملا آخر

بسرعة شديدة وحركة خفيفة ، وحينئذ يظهر لهم شئ غير ماانتظروه فيتعجبون منه

 

 

[ . . . ]

جدا .

اقول : هذا النوع هو الشعبدة ، والفرق بينها وبين السحران السحر لاواقعية

له اصلا وهي امر له واقعية وليس خياليا محضا ، واطلاق السحر على هذا النوع في

خبر الاحتجاج قد مر انه مبني على العناية والمجاز ، واما حكم هذا القسم فسيأتي

الكلام فيه في المسألة الاتية .

النوع الخامس : الاعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الالات المركبة على

النسب الهندسية تارة وعلى ضرورة الخلاء اخرى :

مثل فارسين يقتتلان فيقتل احدهما الاخر : وكفارس على فرس في يده بوق

كلما مضت ساعة من النهار ضرب البوق من غير ان يمسه احد ، ومنها الصور التي

تصورها الروم واهل الهند حتى لايفرق الناظر بينها وبين الانسان ، حتى يصورونها

ضاحكة وباكية ، وحتى يفرق فيها بين ضحك السرور وضحك الخجل وضحك

الشامت . فهذه الوجوه من لطيف امور التخائيل ، وكان سحر سحرة فرعون من هذا

القبيل ، ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات وعلم جر الاثقال بالات خفيفة .

اقول : الاعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الالات المركبة المتعارفة في زماننا

كالطائرات والراديوات وغيرها ليست من السحر قطعا كما اعترف به المجلسي ره ،

وكون سحر سحرة فرعون من هذا النوع غير ثابت ولادليل على حرمة ذلك لو لم

نقل برجحانه مالم ينطبق عليه احد العناوين المحرمة .

النوع السادس من السحر : الاستعانة بخواص الادوية :

مثل ان يجعل في الطعام بعض الادوية المبلدة او المزيلة للعقل اوالدخن

المسكر اوعصارة البنج المجعول في الملبس ، وهذا مما لاسبيل الى انكاره لان اثر

المغناطيس مشاهد .

اقول : لاينبغى التوقف في ان هذا ليس من السحر ، فان اطعام الغير طعاما

 

 

[ . . . ]

يوجب زوال عقله كاطعامه طعاما يوجب وجع بطنه ، ومجرد عدم معلومية ذلك على عامة

الناس لايوجب صدق عنوان السحر عليه ، والالزم كون علم الطب من السحر ، نعم

ان انطبق عليه احد العناوين المحرمة كعنوان الاضرار بالغير - لو بنينا على حرمته

- حرم والا فلا .

النوع السابع من السحر : تعليق القلب :

وهو ان يدعي الساحر : اني اعرف الاسم الاعظم ، وان الجن يطيعونني

ينقادون لي في اكثر الامور ، فاذا اتفق ان كان السامع ضعيف العقل قليل التمييز

اعتقد انه حق وتعلق قلبه بذلك وحصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة ، فاذا حصل

الخوف ضعفت القوي الحساسة ، فحينئذ يتمكن الساحر من ان يعفل مايشاء ، ومن

جرب الامور وعرف اهل العالم علم ان لتعلق القلب اثرا عظيما في تنفيذ الاعمال

واخفاء الاسرار .

وفيه : انه ان اريد ان الدعاوي المذكورة بانفسها ، او من حيث ترتب ميل العوام

الى المدعي لها من السحر ، فهو بديهي الفساد ، اذ مجرد ذلك لايصدق عليه السحر

والالزم كون الاستعمالة بمطلقها سحرا ، وهو كما ترى ، وان اريد ان السحر هو مايفعله

المدعى لهذه الدعاوي من الخوارق بعد حصول تعلق القلب وضعفه ، وفيرد عليه : ان

ذلك امر واقعي ، والسحر هو مالاواقعية له ، بل خيالي محض .

النوع الثامن : السعي بالنميمة والتضريب من وجوه خفية لطيفة .

وفيه : ان النميمة وان كانت من المحرمات ومن المعاصي الكبيرة ، الا انها

ليست من السحر .

فتحصل : ان شيئا من هذه الاقسام ليس من السحر موضوعا بما فسروا له

من المعنى ، ولعل غرضهم مشاركة تلك الامور للسحر حكما لادخولها فيه موضوعا

كما تنادى بذلك عبارة الايضاح التي تقدم نقلها كما نبه على ذلك بعض المحققين .

 

 

[ . . . ]

قال الشيخ ره : ثم لايخفي ان الجمع بين ماذكر في معنى السحر في غاية

الاشكال . . . الخ .

لكن قد عرفت ان السحر من المفاهيم المبينة ، وان كلمات القوم اما صريحة

فيما ذكرناه او قابلة للحمل عليه ، وماذكروه من الاقسام ارادوا بها انها ملحقة به حكما

لاموضوعا كما ينادي بذلك ماذكره المجلسي ره ، فانه ره فسر السحر اولا بما ذكرناه ،

ثم بعد ذلك ذكر الاقسام الثمانية ، وحيث انه لايمكن الجمع بين كلماته لعدم انطباق

الضابط المذكور على شئ من تلك الانواع ، فلا محيص الا عن الحمل على مانبهنا

عليه فراجع .

واختار الشيخ ره حرمة الاقسام الاربعة التي ذكرها فخر المحققين - قال في

محكي الايضاح على مافي المكاسب : ان استحداث الخوارق اما بمجرد التأثيرات

النفسانية وهو السحر ، او بالاستعانة بالفلكيات فقط وهو دعوة الكواكب ، او بتمزيج

القوي السماوية بالقوي الارضية وهي الطلسمات ، او على سبيل الاستعانة بالارواح

السازجة وهي العزائم ، ويدخل فيها النيرنجات ، والكل حرام في شريعة الاسلام ،

ومستحله كافر . انتهى .

واستدل لها بوجهين : احدهما : شهادة المحدث المجلسي في البحار بدخولها في

المعنى المعروف للسحر عند اهل الشرع ، فيشملها الاطلاقات .

وفيه : اولا : ماتقدم من عدم شهادة المجلسي بكونها من السحر .

وثانيا : ان هذه الشهادة معارضة بشهادة الفخر عدم كون اكثرها منه ، وبشهادة

الشهيد عدم كون مالايكون مضرا من السحر ، وسيصرح الشيخ ره بتقديم شهادة

النافي في المقام على شهادة المثبت .

وثالثا : ان شهادته بعد كون المفهوم مبينا عندنا ونرى عدم صدقه عليها ، لا

تصلح ان تكون مدركا للحكم الشرعي .

 

 

[ . . . ]

ثانيهما : دعوى فخر المحققين في الايضاح كون حرمتها من ضروريات الدين ،

وان مستحلها كافر ، وهو ظاهر الدروس ايضا ، وذلك يوجب الاطمئنان بالحكم .

ويرد عليه : ان دعوى الضرورة لو اوجبت الاطمئنان باتفاق العلماء ، مع ان

للمنع عنه مجالا في المقام ، لما افتي به شارح النخبة وحكاه عن بعض الاصحاب من

جواز بعض مافي الايضاح من الاقسام ، لكنها لاتوجب الاطمئنان بالحكم بعد استناد

المجمعين ، او احتمال استنادهم الى مابايدينا من الادلة الضعيفة .

واماما اورده عليه جمع من المحشين منهم الاستاذ الاعظم بمعارضة هذه

الدعوى بشهادة الفخر والمسالك ، فغريب ، اذ المشهود به في كلمات هؤلاء عدم كونها

من السحر موضوعا لاعدم الحرمة