حرمة القمار

 

الخامسة عشرة القمار حرام اجماعا .

وتنقيح القول فيه يقع اولا : في القمار موضوعا ، ثم في بيان حكمه :

اما الاول : فالكلام فيه في موردين : الاول : في اصل المعنى الموضوع له .

الثاني : في حدوده وقيوده .

اما المورد الاول : فالمعاني المحتملة له اربعة : نفس الالات ، والمال المجعول في

المعاملة ، واللعب بها ، والمعاملة الواقعة على اللعب بها .

اما المعنيان الاولان : فالظاهر انهما اجنبيان عن معنى القمار ، اذ مضافا

 

 

[ . . . ]

الى تصريح اللغويين بانه اللعب بالالات مع الرهن او بدونه ، او المراهنة على اختلاف

تعابيرهم ، انه مصدر من المفاعلة ، والمناسب للمعني المصدري احد المعنيين الاخيرين

كما لايخفى . نعم في خبر ابي الجارود ( 1 ) اطلق القمار على نفس الالات ، لكنه مضافا

الى ضعف سنده ومعارضته مع النصوص الاخر المتضنة ان كل ماقومر به فهو الميسر ،

الظاهرة في ان القمار هو فعل المكلف ، الاستعمال اعم من الحقيقة ، ثم ان الاظهر

بحسب المتفاهم العرفي هو المعنى الثالث ، وقد صرح به جمع من ائمة اللغة .

واما المورد الثاني : فالظاهر ان القمار لايصدق على اللعب بدون الرهان كما

يظهر لمن راجع الاستعمالات العرفية وكلمات اللغويين ، ففي مجمع البحرين : اصل

القمار الرهن على اللعب بشئ ، وفي القاموس : تقمره راهنه فغلبه ، ونحوه ماعن لسان

العرب ، وفي المنجد : القمار كل لعب يشترط فيه ان يأخذ الغالب من المغلوب شيئا

كان بالورق او غيره .

ولاينافيه ماعن ظاهر الصحاح والمصباح والتكملة والذيل : انه قد يطلق على

اللعب بها مطلقا مع الرهن ودونه ، فانه لو لم يدل على انه موضوع لللعب بها مع الرهن ،

وان اطلاقه على اللعب بدونه نادر ومجاز ، لايدل على انه بنحو الحقيقة ، ولو تنزلنا عن

ذلك فلا اقل من الشك في صدقه بدونه ، فيتعين الاخذ بالقدر المتيقن .

ثم انه لايعتبر في صدقه ان يكون اللعب بالالات المعدة للقمار بحيث لامنفعة

لها غير القمار ولابالالات المعروفة الشاملة لها ولغيرها كالخاتم والجوز والبيص التي

تعارف اللعب بها ولها منافع شائعة اخر لما نرى من صدق القمار على اللعب بكل شئ

مع الرهن ، من دون عناية وعلاقة كما يظهر لمن راجع مرادف هذا اللفظ في سائر

اللغات ، ولتصريح اكثر اللغويين بذلك ، ولما في جملة من النصوص من التصريح

..............................................................................

 ( 1 ) الوسائل - باب 102 - من ابواب مايكتسب به - حديث 12 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بالتعميم : ففي صحيح معمر بن خلاد عن ابي الحسن عليه السلام : النرد والشطرنج

والاربعة عشر بمنزلة واحدة وكل ماقومر عليه فهو ميسر ( 1 ) .

وفي خبر جابر عن الامام الباقر عليه السلام : قيل : يارسول الله صلى الله

عليه وآله ماالميسر ؟ قال : كلما تقومر به حتى الكعاب والجوز ( 2 ) . ونحوهما غيرهما .

فالمتحصل مما ذكرناه : ان القمار هو اللعب باي شئ كان بشرط الرهن .

 

اللعب بالالات المعدة القمار مع الرهن

 

المقام الثاني : في حكمه .

والمراد بحكمه ليس هو حرمة بيع الالات المعدة للقمار وضعا وتكليفا ، اذ الكلام

في ذلك قد تقدم في النوع الثاني مفصلا ، بل المراد به في المقام هو حرمة اللعب بها ،

وتنقيح القول في ذلك انما هو في ضمن مسائل .

الاولى : لاخلاف بين علماء الاسلام في حرمة اللعب بالالات المعدة للقمار مع

الرهن ، بل هي من ضروريات الاسلام ، وتشهد له الايات الشريفة والنصوص

المتواترة .

وما ذكره المحقق الايرواني ره من انه لو كان القمار معناه المعاملة والمراهنة

فلا يكون نفس اللعب حراما الا اذا كان اجماع على حرمته ايضا ، غريب ، اذ مضافا

الى ان عليها الاجماع ، تشهد لحرمته الايات والنصوص المتضمنة للنهي عن اللعب

بالشطرنج والنرد وسائر آلات القمار .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 104 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 .

( 2 ) الوسائل - باب 35 - من ابواب مايكتسب به - حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ومن هذا القبيل المعاملة المعروفة في هذا العصر الواقعة على مايسمي في

الفارسية ب ( بليط بخت آزمائي ) فان ذلك الورق اعد لهذه المراهنة والمغالبة ، فهي

حرام ، والعوض المأخوذ سحت ، وقد اشبعنا الكلام فيها في كتابنا المسائل المستحدثة .

 

اللعب بالالات المعدة للقمار بدون الرهن

 

المسألة الثانية : في اللعب بالالات المعدة للقمار بدون الرهن ، ففي جامع

المقاصد : لاريب في تحريم اللعب بذلك وان لم يكن رهن ، وعن المستند : نفي الخلاف

فيه .

وقد استدل الشيخ ره له بوجوه :

الاول : قوله عليه السلام في خبر تحف العقول : ان مايجئ منه الفساد محضا

لايجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات ( 1 ) .

وفيه : اولا : انه ضعيف السند كما تقدم في اول الكتاب .

وثانيا : ان الشيخ ره في مسألة الانتفاع بالنجس صرح بان المراد بالتقلب ما

يرجع الى الاكل والشرب ، بمعنى ان المراد به المنافع المقصودة الظاهرة للشئ وعليه

فيختص ذلك باللعب بها مع الرهن .

وثالثا : ان كون تلك الالات مما يجئ منه الفساد محضا يتوقف على عدم كون

اللعب بدون الرهن من منافعها ، او كونه حراما ، والاول كما ترى ، والثاني لابد وان

يحرز من الخارج ، ولايمكن اثباته بهذا الخبر ، اذ الدليل المتكفل لبيان الحكم لاتعرض

له للموضوع .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب مايكتسب به حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الثاني : خبر ابي الجارود عن مولانا الباقر عليه السلام في تفسير الاية الشريفة

( انما الخمر والميسر . . . الخ ) واما الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر - الى ان

قال - كل هذا بيعه وشرائه والانتفاع بشئ من هذا حرام محرم ( 1 ) .

وفيه : اولا : ان هذا الخبر ضعيف السند ، لان ابا الجارود زياد بن المنذر لم يرد

فيه توثيق بوجه ، بل هو مذموم اشد الذم ، فعن الصادق عليه السلام : انه كذاب ، مع

انه مرسل .

وثانيا : ان الانصراف الذي يدعيه الشيخ ره في سائر النصوص آت هنا ،

وليس المراد انصراف القمار الى اللعب بالالات مع الرهن حتى يقال ان القمار في هذا

الخبر لم يرد به اللعب بل اريد به الالات انفسها بقرينة قوله بيعه وشرائه وقوله

واما الميسر فالنرد والشطرنج ، بل المراد انصراف الانتفاع بها المنهي عنه الى اللعب

بها مع الرهن .

الثالث : خبر ابي الربيع الشامي عن الامام الصادق عليه السلام : عن النرد

والشطرنج فقال : لاتقربوهما ( 2 ) . بتقريب ان المنهي عنه في هذا الخبر هو القرب اليهما ،

وهو لاينصرف الى اللعب مع الرهن ، اذ المستفاد من المنع عن القرب ارادة المبالغة في

التنزه والاجتناب التي لايناسبها التخصيص بخصوص قسم خاص من التحرز

والتجنب .

وفيه : اولا : انه ضعيف السند ، لان ابا الربيع مجهول الحال ، اللهم الا ان يقال :

ان الراوي عنه بما انه ابن محبوب - وهو من اصحاب الاجماع - فخبره هذا معتمد

عليه .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 102 من ابواب مايكتسب به - حديث 12 .

( 2 ) الوسائل - باب 102 - من ابواب مايكتسب به - حديث 10 .

 

 

[ . . . ]

وثانيا : انه بعد ماعلم من ان المراد بالقرب ليس هو معناه الحقيقي بل اريد

به المعني الكنائي وهو اللعب بهما ، فسبيل هذا الخبر سبيل سائر المطلقات ، وسيأتي

التعرض لها ، فعلى القول بانصرافها الى اللعب بها مع الرهن لاوجه للاستدلال به .

وقد استدل للحرمة بوجهين آخرين : احدهما : الادلة الناهية عن القمار من

الايات والروايات .

واورد عليه الشيخ ره بوجهين : الاول : ان في صدق القمار على اللعب بدون

الرهن نظرا .

اقول : قد عرفت عدم الصدق .

الثاني : انصراف القمار على فرض صدقه عليه عنه .

وفيه : ان منشأ الانصراف سواء كان هو قلة الوجود او قلة الاستعمال ، يرد

عليه : اولا : منع ذلك ، فان اللعب بها بدون الرهن كثير ، كما ان الاستعمال فيه كذلك .

وثانيا : ان الانصراف الناشئ من قلة الوجود او قلة الاستعمال لايوجب تقييد

المطلقات ، ولايعتني به .

ثانيهما : النصوص الناهية عن اللعب بالنرد والشطرنج وغيرهما من آلات

القمار كصحيح ابن خلاد ، وخبر ابي الربيع المتقدمين ، وغيرهما من النصوص الواردة

في تفسير الميسر وغيرها .

واورد عليه الشيخ ره : بانها منصرفه الى اللعب بها مع الرهن ، وقد عرفت ما

فيه .

وقد ذكر الشيخ جملة من الروايات لتأييد الحكم .

منها : ماعن مجالس الطوسي بسنده عن علي عليه السلام في تفسير الميسر :

كل ماالهي عن ذكر الله فهو من الميسر ( 1 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 100 - من ابواب مايكتسب به - حديث 15 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وفيه : اولا : انه ضعيف السند لابن الصلت . وثانيا : انه لابد من حمل الخبر على

 الكراهة لعدم امكان حمله على الحرمة ،

والالزم كون جميع المباحات والمكروهات حراما ، وسيجئ في مسألة اللهو انه لايمكن

الالتزام بحرمة كل مايصدق عليه اللهو ، وتوهم انه كل ماثبت جوازه يخرج عن عموم

الخبر فاسد لاستلزامه تخصيص الاكثر المستهجن .

ومنها : خبر الفضيل عن مولانا عليه السلام : عن هذه الاشياء التي

يعلب بها الناس من النرد والشطرنج ، حتى انتهيت الى السدر قال عليه السلام : اذا

ميز الله الحق من الباطل مع ايهما يكون ؟ قلت : مع الباطل قال : فمالك والباطل ( 1 ) .

واورد عليه : بانه ضعيف السند لسهل .

وفيه : ان الاظهر انه حسن ، والاولى الايراد عليه : بانه سيجئ انه لادليل علي

حرمة كل باطل .

ومنها : موثق زرارة عن الامام الصادق عليه السلام : انه سئل عن الشطرنج

وعن لعبة شبيب - التي يقال لها لعبة الامير - وعن لعبة الثلث فقال : ارأيت اذا ميز

الله الحق والباطل مع ايهما يكون ؟ قلت : مع الباطل قال : فلا خير فيه ( 2 ) .

وفيه : ان نفي الخير اعم من الحرمة والكراهة ، بل ومن الاباحة .

ومنها : خبر عبد الواحد بن المختار عن الامام الصادق عليه السلام : عن اللعب

بالشطرنج قال عليه السلام : ان المؤمن لمشغول عن اللعب ( 3 ) .

وفيه : مضافا الى ضعف سنده لمحمد بن جعفر بن عنبسة وغيره ، انه لادلالة

له على حرمة اللعب ، بل انما هو ارشاد الى ان المؤمن لايشتغل بما لايفيده في دينه او

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 104 - من ابواب مايكتسب به - حديث 3 .

( 2 ) الوسائل - باب 102 - من ابواب مايكتسب به حديث 5 .

( 3 ) الوسائل باب 102 من ابواب مايكتسب به حديث 11 . ( * )

 

 

[ . . . ]

دنياه .

 

اللعب بغير الالات المعدة للقمار مع الرهن

 

المسألة الثالثة : في المراهنة على اللعب بغير الالات المعدة القمار ، كالمراهنة على

؟ ؟ ؟ الحجر الثقيل وعلى المصارعة ونحو ذلك .

والظاهر ان المشهور بين الاصحاب هو تحريم ذلك ، وعن العلامة الطباطبائي :

عدم الخلاف في التحريم والفساد .

وقد استظهر الشيخ ره ذلك من كل من نفي الخلاف في تحريم المسابقة فيما

عدا المنصوص مع العوض وجعل محل الخلاف فيها بدون العوض . توضيح ماافاده :

ان مورد الخلاف في المسابقة بدون العوض في غير الموارد المنصوصة هي الحرمة

التكليفية ، اذ لارهن فيها كي يقع الخلاف في الحرمة الوضعية والفساد ، فمقابلة مورد

الوفاق - وهي حرمة السمابقة - مع العوض بمورد الخلاف تقتضي كون مورد الوفاق

هي الحرمة التكليفية .

وكيف كان : فقد استدل للحرمة بوجوه :

الاول : الاجماع .

وفيه : انه لو ثبت لايصلح للاعتماد عليه ، فضلا عن عدم ثبوته ، وذلك لاحتمال

استناد المجمعين الى الوجوه التي ستمر عليك .

الثاني : الايات والروايات الدالة على حرمة القمار والميسر والازلام ، فانها

باطلاقها تدل على حرمة المراهنة بغير الالات المعدة للقمار لما عرفت من صدق القمار

عليها . فراجع ماذكرناه .

الثالث : النصوص الظاهرة في حرمتها ، وهي طوائف : منها مادل على ان

 

 

[ . . . ]

الملائكة تنفر عند الرهان وتلعن صاحبه : كمرسل الصدوق عن الامام الصادق عليه

السلام : ان الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ماخلا الحافر والخف والريش

والنصل ( 1 ) .

وخبر العلاء بن سيابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ان الملائكة تحضر

الرهان في الخف والحافر والريش ، وما سوى ذلك فهو قمار ( 2 ) .

وفيه : اولا : انهما ضعيفا السند ، اما الاول فللارسال ، واما الثاني فلان العلاء

مجهول .

وثانيا : ان الرهان مصدر باب المفاعلة وهي المعاملة والمراهنة على العمل

الخارجي ، وعليه فهما اجنبيان عن حرمة نفس العمل واللعب الخارجي ، وانما يدلان

على حرمة المراهنة وفسادها ، بل على خصوص الفساد ، ويكون اللعن من جهة اخذ

العوض .

ومنها : ماعن تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الامام الرضاعليه السلام :

عن الميسر ، قال عليه السلام : الثقل من كل شئ ، قال : والثقل مايخرج بين المتراهنين

من الدراهم ( 3 ) .

وفيه : اولا : انه ضعيف السند لياسر .

وثانيا : انه يدل على ان الرهن من الميسر ، فتشمله الاية الامرة بالاجتناب عنه ،

فغاية ماثبت به حرمة التصرف فيه ، فهو يدل على الفساد دون الحرمة التكليفية .

ومنها : صحيح ابن خلاد عن ابي الحسن عليه السلام : النرد والشطرنج

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب السبق والرماية - حديث 6 .

( 2 ) الوسائل - باب 3 - من ابواب السبق والرماية حديث 3 .

( 3 ) الوسائل - باب 104 - من ابواب مايكتسب به - حديث 9 . ( * )

 

 

[ . . . ]

والاربعة عشر بمنزلة الواحدة ، وكل ماقومر عليه فهو ميسر ( 1 ) .

وفيه : ان مايقامر عليه هو الرهن ، وعليه فيرد عليه مااوردناه على سابقه .

ومنها : خبر جابر عن الامام الباقر : قيل : يارسول الله صلى الله عليه وآله ما

الميسر ؟ قال : كلما تقومر به حتى الكعاب والجوز ( 2 ) .

وفيه : انه ضعيف السند لان في سنده عمرو بن شمر .

ومنها : خبر اسحاق بن عمار عن الامام الصادق عليه السلام : عن الصبيان

يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون : لاتأكل منه فانه حرام ( 3 ) .

وفيه : انه صريح في الفساد واجنبي عن ماهو محل الكلام .

فتحصل : ان العمدة في المقام المطلقات الناهية عن القمار ، وتدل على الفساد

وحرمة التصرف في الرهن - مضافا الى تلك النصوص - بعض النصوص المتقدمة آنفا

وغير ذلك من الرويات .

وقد انكر صاحب الجواهر ره الحرمة التكليفية والتزم بخصوص الفساد ، وقد

استدل له : بصحيح محمد بن قيس عن الامام الباقر عليه السلام قال قضي

امير المؤمنين عليه السلام في رجل آكل واصحاب له شاة ، فقال : ان اكلتموها فهي لكم ،

وان لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا . فقضي فيه ان ذلك باطل لاشئ في المؤاكلة من

الطعام ماقل منه وماكثر ومنع غرامة فيه ( 4 ) . بدعوى انه متضمن لفساد المراهنة في

الطعام خاصة ، ولو كانت هي محرمة لردع عنها ايضا ، فيستكشف من عدم الردع

الجواز .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 104 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 .

( 2 ) الوسائل - باب 35 - من ابواب مايكتسب به - حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 35 من ابواب مايكتسب به حديث 7 .

( 4 ) الكافي باب 19 - نوادر القضاء ص 364 . ( * )

 

 

[ . . . ]

واجاب عنه الشيخ ره : بانه لايصح استكشاف الجواز من عدم ردعه عليه

السلام في المقام ، والا لدل على جواز التصرف في الشاة لعدم الردع عن ذلك ، مع انه

على القول بالبطلان يحرم التصرف فيها لكونها مال الغير .

وفيه : اولا : انه لم يذكر في الرواية ان اصحاب الرجل تصرفوا في الشاة حتى

يكون سكوته عن بيان حرمته دليل الجواز .

وثانيا : انه قد دلت الادلة الاخر على حرمة التصرف في المقبوض بالعقد

الفاسد ، ولاجلها لايحكم بالجوز بخلاف المراهنة .

وثالثا : مااورده المحقق الايرواني ره بان الظاهر منه ان صاحب الشاة قد اباح

شاته بشرط ان يلتزموا باعطاء كذا ان لم يأكلوا لابشرط ان يعطوا ، وقد التزموا

فتنجزت الاباحة ، فاكلهم كان بالاباحة المالكية ، وعدم كونهم ملتزمين بالوفاء شرعا

لايرفع الاباحة المالكية ، فلا يكون التصرف في الشاة محرما .

فالحق في الجواب عنه ان يقال : ان الظاهر كون الخبر اجنبيا عن المراهنة

بالاكل ، انما يكون مورد الخبر الاباحة المالكية المشروطة بالالتزام بالاعطاء لا

الاعطاء .

واما مارواه عبد الحميد بن سعيد قال : بعث ابو الحسن عليه السلام غلاما

يشتري له بيضا فاخذ الغلام بيضة اوبيضتين فقامر بها فلما اتي له به اكله فقال له

مولى له : ان فيه من القمار قال : فدعا بطشت فتقيأ فقاءه . فهو على تقدير صحة سنده

- مع انه محل نظر لجهالة عبد الحميد المذكور - لاينافي القاعدة المسلمة وهي لزوم دفع

المأخوذ بالعقد الفاسد مع بقاء عينه ، ومع تلفه يجب رد بدله من المثل ان كان مثليا ، او

القيمة ان كان قيميا وذلك لوجوه : الاول : انه يحتمل ان البيض الذي اكله هو الذي

اشتراه له ، وانما قاءه لانه قومر به ، فاراد الاجتناب عنه لئلا يصير ذلك جزءا من بدنه

الشريف .

 

 

[ . . . ]

الثاني : ان الدنيا ومافيها للامام ، وهو اولى بالتصرف في الاموال من المالكين

كما نطقت بذلك جملة من النصوص ، وقيئه حينئذ انما كان لما تقدم .

الثالث : انه مع الاغماض عن هذين الوجهين وتسليم كونه مال الغير لايتوهم

احد ان قيئه عليه السلام كان لاجل رده الى مكاله لانه بالاكل قد تلف ، وهو بعد

القئ يعد من القذرات العرفية .

ويبقى على هذا الوجه الاشكال في انه عليه السلام كيف اكل الحرام الواقعي ؟

والجواب عنه مااشار اليه الشيخ ره بقوله : ولهم في حركاتهم من افعالهم واقوالهم

شؤونا لايعلمها غيرهم .

 

حكم المسابقة بغير رهان

 

المسألة الرابعة : في المغالبة بغير عوض في غير مانص على جواز المسابقة فيه

كالمصارعة ، والمسابقة على المراكب والسفن ، ورمى الحجارة ونحو ذلك .

والظاهر ان المشهور بين الاصحاب هو التحريم ، وفي جامع المقاصد : ظاهر

المذهب التحريم ، وصريح المحكى عن التذكرة وغيرها : ان عليه اجماع الامامية ،

وعن الشهيد الثاني ومن تبعه ، والمحقق السبزواري ، وجمع من الاساطين ، وفي الحدائق

والجواهر : الجواز :

واستدل للاول بوجوه : الاول : الاجماع الذي حكاه غير واحد .

وفيه : ان الاجماع لو تحقق لايعتمد عليه في المقام لعدم كونه تعبديا .

الثاني : خبر ( 1 ) عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام : لاسبق الا

في خف اوحافر اونصل . يعني النضال . بتقريب ان السبق بسكون الباء مصدر ،

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 3 - من ابواب احكام السبق والرماية - حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

والمراد من نفيه نفي المشروعية ، ومقتضى اطلاقه عدم مشروعية المسابقة بدون الرهن .

واورد عليه تارة : بضعف السند لمعلى بن محمد كما عن الاستاذ .

وفيه : انه حسن اقلا لكونه من مشايخ الاجازة .

واخرى : بما في المكاسب : بانه كما يحتمل نفي الجواز التكليفي يحتمل نفي

الصحة ، لوروده مورد الغالب من اشتمال المسابقة على العوض .

ويمكن دفعه : بان المسابقة بغير الرهان كثيرة ، مع ان قلة الوجود لاتوجب

الانصراف كما تقدم .

وثالثه : بما عن الكفاية : انه يحتمل ان يكون معناه لااعتداد بسبق في امثال

هذه الامور الا في الثلاثة ، اولا فضل لسبق الا في الثلاثة ، فلا دلالة فيه على التحريم .

وفيه : ماتقدم من ظهوره على هذا التقدير في نفي المشروعية . فالاولى ان يورد

عليه : بانه لم يثبت كون السبق المذكور ( بسكون الباء ) ، بل من المحتمل ان يكون

( بالفتح ) ، بل عن الشهيد الثاني : انه المشهور والسبق ( بالفتح ) هو العوض والرهن ،

ونفيه ظاهر في ارادة فساد المراهنة لظهوره في نفي استحقاقه ، وعليه فلا يمكن

الاستدلال به للاجماع وعدم ثبوت قراءة الكسون .

الثالث : اطلاق ادلة القمار لانه مطلق المغالبة ولو بدون العوض .

وفيه : ماعرفت في اول المسألة من اخذ الرهان في مفهوم القمار موضوعا .

الرابع مادل على نفار الملائكة عند الرهان ولعن صاحبه ماخلا الثلاثة ( 1 ) ، مع

التصريح في بعضها بان ماعداها قمار محرم لصدق الرهانة بدون العوض عرفا وعادة .

وفيه : مضافا الى ماتقدم في المسألة السابقة : انه لايصدق الرهان على مالا

رهن فيه ولاعوض .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب احكام السبق والرماية . ( * )

 

 

[ . . . ]

الخامس : مادل على حرمة اللهو ، وهي كثيرة منها : ماعلل فيه تحريم اللعب

بالنرد والشطرنج بانه من اللهو والباطل ( 1 ) ، وقد تقدم .

ومنها : ماتضمن ان كل لهو المؤمن باطل الا في ثلاث ( 2 ) .

ومنها : غير ذلك .

وفيه : اولا : سيأتي في مسألة اللهو ان القول بحرمته مطلقا باطل شاذ .

وثانيا : ان النسبة بين اللهو والمسابقة عموم من وجه ، اذ ربما تكون المسابقة

لغرض عقلائي من التفريح وتربية البدن وغير ذلك كما لايخفى .

فتحصل : انه لادليل على التحريم ، فالاظهر هو الجواز للسيرة القطعية

المستمرة بين العلماء والعوام على المسابقة في عدة من الامور كالسباحة والمشاعرة

والمصارعة ، ونحو ذلك ، ولما ورد من مصارعة الحسن والحسين عليهما السلام بامر النبي

صلى الله عليه وآله ، وما ورد من مكاتبتهما والتقاطهما حب قلادة امهما ( 3 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 102 - من ابواب مايكتسب به .

( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب احكام السبق والرماية .

( 3 ) المستدرك باب 4 من ابواب السبق والرماية حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

القيادة حرام

 

السادسة عشرة لاخلاف ولااشكال في حرمة القيادة ، بل حرمتها من

ضروريات الاسلام .

وتدل عليها جملة من النصوص : منها مرسل الورام عن النبي صلى الله عليه

وآله وسلم عن جبرئيل عليه السلام قال : اطلعت على النار فرأيت واديا في جهنم يغلي

فقلت : يامالك لمن هذا ؟ فقال : ثلاثة : المحتكرين والمدمنين للخمر والقوادين ( 1 ) .

ومنها : مافي عدة من الاخبار المتقدمة في مسألة تدليس الماشطة من تفسير

الواصلة والمستوصلة بذلك .

ومنها : صحيح ابن سنان عن الامام الصادق عليه السلام عن حد القواد قال

عليه السلام : يضرب ثلاثة ارباع حد الزاني خمسة وسبعين سوطا ينفي من المصر

الذي هو فيه ( 2 ) .

ومنها : غير ذلك .

قال الشيخ ره : وهي من الكبائر . . . الخ .

اقول : في تقسيم الذنوب الى الكبائر والصغائر ثم في ان الصغيرة لاتضر

بالعدالة كلاما محررا في محله ، ولعل الاظهر منع كلا الامرين ، ولكن على تقدير صحة

التقسيم وعدم مضرية الصغيرة بالعدالة الاقوى ماذكره ره من كون القيادة من

الكبائر ، اذ الكبيرة كما عرفت في مسألة الغيبة معصية نص على كونها كذلك ، اوتوعد

عليها في الكتاب اوالسنة ، اوترتب آثار الكبيرة عليها .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 27 - من ابواب آداب التجارة حديث 11 .

( 2 ) الوسائل - باب 5 - من ابواب حد السحق والقيادة حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

والقيادة توعد عليها في جملة من النصوص : منها ماتقدم ، ومنها ماعن عقاب

الاعمال عن النبي صلى الله عليه وآله : من قاد بين امرأة ورجل حراماحرم الله عليه

الجنة ومأواه جهنم وسائت مصيرا ولم يزل في سخط الله حتى يموت ( 1 ) .

ومنها ماعن عيون الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله - في حديث - واما

التي كانت تحرق وجهها وبدنها وهي تجرا معائها فانها كانت قوادة ( 2 ) .

ومنها غير ذلك .

كما انه رتب عليها اثر الكبيرة وهو الحد والنفي من البلد كما في صحيح ابن

سنان المتقدم ، اذ الصغيرة قد وعد الله تعالى التكفير عنها مع اجتناب الكبائر ،

والصغيرة المكفرة لاتوجب الحد والنفي من البلد ، ومعلوم ان اطلاق الصحيح شامل

للمكفرة وغيرها ، فيستكشف من ذلك عدم كونها صغيرة .

 

القيافة

 

السابعة عشرة القيافة حرام كما هو المشهور ، ونسبه صاحب الحدائق الى

الاصحاب .

وعن المنتهى : دعوى الاجماع عليه .

والكلام في هذه المسألة يقع في موارد : الاول : ان القيافة - على مايستفاد من

كلمات اللغويين - هي معرفة الاثار وشبه الشخص باقربائه ، فعن الصحاح والقاموس

والمصباح : القائف هو الذي يعرف الاثار اي العلامات المختصة بكل قبيلة الموجبة

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 27 - من ابواب النكاح المحرم حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 117 من ابواب مقدمات النكاح حديث 7 . ( * )

 

 

[ . . . ]

لشباهة الرجل بابيه اواخيه اوسائر اقربائه ، وعن النهاية : هو الذي يعرف الاثار

وشبه الرجل باخيه وابيه ، وفي مجمع البحرين : هو الذي يعرف الاثار ويلحق الولد

بالوالد ، والاخ باخيه ، وفي المنجد : هو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره الى اعضاء

المولود .

الثاني : الظاهر انه لاريب في جواز تحصيل العلم او الظن بالانساب بعلم

القيافة ، ولم ار من افتي بحرمته ولاما يدل عليها .

نعم ظاهر الروايات ان القيافة لاتطابق الواقع دائما ، ففي خبر ابي بصير عن

الامام الصادق عليه السلام : القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس حين بعث النبي

صلى الله عليه وآله ( 1 ) . وعليه فلا يحصل العلم منها لمن لاحظ النصوص ، واما تعليمه

وتعلمه ففي الحدائق : لاخلاف في تحريم تعليمها ، ولكن لم يرد في الشريعة المقدسة ما

يدل على حرمة ذلك ، والاصل يقتضي الجواز .

الثالث : ان القائف ان اخبر بما استخرجه من القيافة جزما مع عدم علمه به

فهو حرام لكونه كذبا ، والا فالاظهر هو الجواز .

وقد استدل على الحرمة بعض مشايخنا المحققين بدخوله في السحر والكهانة ،

وبظهور معاقد الاجماعات ، بدعوى ان مراد من قيد الحرمة بما اذا ترتب عليها محرم

هو اخباره بذلك ، وبقوله عليه السلام في صحيح الهثيم : من مشي الى ساحر اوكاهن

اوكذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل الله من كتاب ( 2 ) . اذ في جعل المخبر

بالشئ الغائب بين الثالثة دلالة على حرمة اخباره .

وفي الجميع نظر : اما الاول : فلان السحر على ماتقدم هو صرف الشئ عن

وجهه على سبيل التمويه والخدعة ، والكهانة هي الاخبار عن الحوادث المستقبلة

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 26 من ابواب ما يكتسب به حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 26 من ابواب مايكتسب به حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

لاتصاله بالجن اوالشيطان ، فلا وجه لدعوى دخول القيافة فيهما .

واما الثاني : فلان الظاهر ان معقد الاجماعات هو الرجوع الى القائف وترتيب

الاثار عليه .

واما الثالث : فلانه انما يدل على حصر المحرم من الاخبار عن الغائبات على

سبيل الجزم باخبار احدى هذه الطوائف الثلاث ، لاحصر المخبر عنها بهم كما هو

واضح ، مع انه لايدل على حرمة الاخبار يدل على حرمة الرجوع .

الرابع : يحرم الرجوع الى القائف وترتيب الاثار على قوله من نفي النسب عن

شخص او الحاقه به والحكم بانه يرثه الى غير ذلك من الاثار بلاخلاف ، وعن المنتهي :

دعوى الاجماع عليه .

ويشهد له - بعد فرض ان قواعد علم القيافة لاتطابق الواقع والقواعد

الشرعية دائما او احتمل ذلك - : مادل من الايات والروايات على ان الظن لايغني

من الحق شيئا ، وانه لايجوز العمل بغير علم ، وضافا الى ان النسب - مالم تقم على

ثبوته امارة شرعية - ينفي بالاستصحاب ، فالحكم بثبوته وترتب الاثار عليه من

التوارث والنظر وغير هما لايجوز ، ويؤيده خبر ابي بصير عن مولانا الصادق عليه

السلام قال : قلت : فالقيافة ؟ قال : مااحب ان تأتيهم ( 1 ) . ومافي مجمع البحرين : ان في

الحديث : لاآخذ بقول قائف .

وقد استدل الشيخ ره للحرمة : بخبر زكريا بن يحيى بن نعمان الصيرفي الوارد

في اثبات بنوة الجواد عليه السلام لابي الحسن بالرجوع الى القافة ( 2 ) .

والظاهر ان مورد استشهاده به قول الامام الرضا عليه السلام لاخوته بعد ما

قالوا له : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضي بالقافة فبيننا وبينك القافة : ابعثوا

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 26 - من ابواب مايكتسب به حديث 2 .

( 2 ) الكافي ج 1 - ص 322 . ( * )

 

 

[ . . . ]

انتم اليهم واما انا فلا .

وفيه : ان قوله عليه السلام واما انا فلا يمكن لاجل انه كان عالما

ببنوة الجواد عليه السلام ولم يكن له شك في ذلك ، مع ان عدم بعثه اليهم واظهار ذلك

لايدل على عدم المشروعية ، بل ظاهر الخبر ان الخاصة ايضا كانوا يعتقدون بقضائه

صلى الله عليه وآله وسلم بقول القافة والامام عليه السلام لم يردع عن ذلك ، فهو يدل

على الجواز .

ولكن يرد على الخبر - مضافا الى ضعف سنده لزكريا - : ان اخوة الرضا عليه السلام و

عمومته ان لم يكونوا قائلين بامامته عليه السلام فما فائدة الرجوع الى القافة

لاثبات بنوة الجواد عليه السلام ، وان كانوا قائلين بامامته لما احتاجوا اليهم بعد اخباره

ببنوته

الخامس : يحرم اخذ الاجرة على اخبار القائف وان كان اخباره على وجه الجواز

لكونه عملا لايترتب عليه اثر جائز ، ولما في خبر الجعفريات من جعل اجر القائف من

السحت ( 1 ) .

 

حرمة الكذب

 

الثامنة عشرة الكذب حرام بضرورة العقول والاديان ، وتدل عليه الادلة

الاربعة .

اما الكتاب والسنة : فقد دلت عليه كثير من الايات والنصوص وسيمر عليك

بعضها .

..............................................................................

( 1 ) المستدرك - باب 5 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

واما الاجماع : فالظاهر ان حرمة الكذب من ضروريات جميع الاديان ، فضلا

عن دين الاسلام ، وعن اتفاق العلماء عليها .

واما العقل : فهو مستقل بقبحه لكونه مفتاح الشرور ورأس الفجور .

 

الكذب من الكبائر

 

وقد وقع الكلام بين الاصحاب في موردين : الاول : في انه هل هو من الكبائر

ام لا ؟

اقول : قد مر في مبحث الغيبة ضابط كون المعصية صغيرة اوكبيرة على تقدير

صحة تقسيمها اليهما ، وهو احد امور على سبيل منع الخلو :

احدها : ورود النص على كونها من الكبائر .

ثانيها : التوعيد عليها في الكتاب والسنة .

ثالثها : ترتيب آثار الكبيرة عليها .

رابعها : جعلها اكبر من الذنب الذي ثبت كونه منها .

والوجوه المحتملة في كون الكذب من الكبائر ثلاثة : الاول : مااختاره الشيخ

ره تبعا للفاضلين والشيهد الثاني وهو انه من الكبائر مطلقا .

الثاني : عدم كونه منها مطلقا ، بل القسم الخاص منه وهو الكذب على الله وعلى

حججه والكذب لقتل النفس المحترمة ونحوه منها .

الثالث : عدم كونه منها مطلقا .

وقد استدل الشيخ لما اختاره تجملة من النصوص وبالكتاب ، وايده ببعض

نصوص اخر ، اما النصوص التي استدل بها على كون الكذب من الكبائر مطلقا

فمتعدة :

 

 

[ . . . ]

منها ماهو المروي عن العيون بسنده عن الفضل بن شاذان حيث جعل

الامام عليه السلام فيه الكذب من الكبائر ( 1 ) . ونحوه خبر الاعمش ( 2 ) .

واورد عليه الاستاذ الاعظم : بانهما ضعيفا السند ، وقد ذكر في وجه ضعف خبر

العيون بان للصدوق الى الفضل اسنادا كلها مجاهيل ، اذ في احد طرقه : عبد الواحد

بن محمد بن عبدوس النيسابوري ، وعلي بن قتيبة النيسابوري ، وهما مجهولان ، وفي

الطريق الاخر : الحاكم ابو محمد جعفر بن نعيم ، وهو مجهول ، وفي الطريق الثالث : حمزة

بن محمد العلوي ، فهو ايضا مجهول .

وفيه : ان في عبد الواحد وان نقل اقوال الا ان الاظهر انه ثقة كما اختاره في

محكي التحرير والمسالك والحاوي ، بل والصدوق ره حيث قال : حديث عبد الواحد

اصح ، ولااقل من كونه حسنا ، لتوصيف العلامة الخبر الذي رواه عبد الواحد في محكي

التحرير بالصحة ، وكونه من المشايخ الذين ينقل عنهم الصدوق بغير واسطة مع تكرر

ذلك مترضيا بل من مشايخه ، واما ابن قتيبة فان لم يكن ثقة ، فلا ينبغي التوقف في كونه

حسنا لاعتماد الكشي على نقله في مواضع كثيرة من رجاله ، وعد العلامة وابن داود

اياه من المعتمدين ، ووصف العلامة حديثه بالصحة ، وتوثيق الشيخ الكاظمي والفاضل

الجزائري اياه ، فاذا ماافاده الشيخ ره من ان خبر العيون لايقصر عن الصحيح ، هو

الصحيح .

ومنها : الموثق بعثمان بن عيسى عن الامام الباقر عليه السلام : ان الله تعالى

جعل للشر اقفالا وجعل مفاتيح تلك الاقفال الشراب ، والكذب شر من الشراب ( 3 ) .

والايراد عليه بضعف السند لعثمان ، في غير محله ، اذ لو لم يكن ثقة فلا اقل من

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 46 - من ابواب جهاد النفس حديث 33 .

( 2 ) الوسائل باب 46 من ابواب جهاد النفس 36 .

( 3 ) الوسائل - باب 138 - من ابواب احكام العشرة حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

كونه حديثه موثقا كما هو المعروف بين المتأخرين على مانسب اليهم .

ولكن يرد على الاستدلال به : ان هذا الخبر مما لايمكن الالتزام باطلاقه ، اذ

من البديهيات عند المتشرعة انه اذا دار الامر بين شرب الخمر والكذب ، ولو بان

يقول : شربت الخمر قبل ذلك ، بان اكره على اختيار احدهما ، انه يقدم الثاني ، ولم

يتوهم احد جواز اختيار شرب الخمر ، فيستكشف من ذلك ان الكذب باطلاقه ليس

شرا من الشراب ، فيتعين تاويله ، اما بارادة قسم خاص من الكذب وهو الكذب على

الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الائمة الطاهرين عليهم السلام فانه تال

الكفر وتحليل الاشربة المحرمة ثمرة من ثمرات هذا الكذب فان المخالفين بمثل ذلك

حللوها ، او بغير ذلك .

مع انه يمكن ان يقال كما قيل : ان الشر الثاني صفة مشبهة لاافعل التفضيل ،

ومن تعليلية والمعني ان الكذب ايضا شر ينشأ من الشراب .

ومنها : النبوي : الا اخبركم باكبر الكبائر ؟ الا شراك بالله وعقوق الوالدين ،

ثم قعد فقال : الا وقول الزور - اي الكذب - ( 1 ) .

وفيه : مضافا الى ضعف سنده انه يرد عليه : من الضروري عند المتشرعة

عدم كون الكذب باطلاقه اكبر الكبائر حتى الزنا واللواط ونحوهما ، فلا محالة اريد به

القسم الخاص منه ، مع ان تفسير قول الزور بالكذب لعله من الراوي .

ومنها : المرسل عنه صلى الله عليه وآله وسلم : المؤمن اذا كذب بغير عذر لعنه

سبعون الف ملك - الى ان قال - وكتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية اهونها كمن

يزني مع امه ( 2 ) .

وفيه : مضافا الى ضعف سنده انه يرد عليه مااوردناه على سابقيه ، اذ لاينبغي

..............................................................................

( 1 ) المحجة البيضاء ج 5 - ص 242 - صحيح مسلم ج 1 - ص 64 .

( 2 ) المستدرك - باب 120 - من ابواب احكام العشرة حديث 15 . ( * )

 

 

[ . . . ]

التوقف في ان الجماع المحرم اشد منه وان لم يكن بالزنا ، فضلا عن افحش افراده وهو

الزنا ، وكيف بالزناء بالمحرم - بل فكيف بالسبعين منه .

اما الكتاب : فقد استدل بآية منه وهي ( انما يفتري الكذب الذين لايؤمنون

بآيات الله ) ( 1 ) بدعوى انه جعل الكاذب غير مؤمن بآيات الله كافرا بها .

وفيه : ان الظاهر من الاية الشريفة بقرينة الايات السابقة عليها ، وهي ( واذا

بدلنا آية مكان آية والله اعلم بما ينزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لايعلمون

- الى ان قال - ان الذين لايؤمنون بآيات الله لايهديهم الله ولهم عذاب اليم انما

يفتري الكذب . . . الخ ) ارادة ان المكذبين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما ادعاه

من كون مايأتي به من عند الله هم الكاذبون لاالنبي ، فيكون الحصر اضافيا ، وعليه

فالمراد من الكاذبين هم المكذبون له صلى الله عليه وآله وسلم من اليهود والمشركين

غير المؤمنين بالله وبرسوله الذين صدر عنهم الكذب لعدم ايمانهم ، لاان الكذب اوجب

خروجهم عن الايمان ، فلاتدل على المطلوب .

ثم انه ايد مااختاره بكونه من الكبائر بخبرين : احدهما : ماعن الامام

العسكري عليه السلام انه قال : حطت الخبائث كلها في بيت وجعل مفتاحها

الكذب ( 1 ) بدعوى ان مفتاح الخبائث كلها كبيرة .

وفيه : ان المراد من التشبيه بالمفتاح ليس هو التشبيه في السبيبة والعلية لعدم

تماميته في المشبه والمشبه به كما لايخفى ، ولاالتشبيه في الشرطية ، اذ ليس في المشبه

كذلك لعدم كون الكذب شرطا لسائر المعاصي ، والالزم من عدمه عدمها ، بل المراد

به التشبيه في الاشراف الى الوقوع في المحرمات ، فانه يوجب حالة جرأة للنفس على

..............................................................................

( 1 ) سورة النحل - آية 106 .

( 2 ) المستدرك - باب 120 - من ابواب احكام العشرة - حديث 11 . ( * )

 

 

[ . . . ]

اختيارا الخبائث ، وهذا لايوجب كونه معصية ، فضلا عن كونه من الكبائر ، ولذا اعترف

الشيخ ره بان ارتكاب الشبهات يوجب الاشراف على الوقوع في المحرمات ، ومع

ذلك التزم بجوازه وانه لايكون حراما .

ثانيهما : ماروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لابي ذر : ويل

لللذي يحدث فيكذب ليضحك به القول ويل له ، ويل له ، ويل له ( 1 ) . بدعوى ان

الاكاذيب المضحكة لايترتب عليها غالبا الايقاع في المفسدة .

وفيه : ان ماذكره وان كان تاما والتوعد عليه يوجب كونه من الكبائر ، الا انه

لضعف سنده لجملة من رواته لايعتمد عليه .

وقد استدل للقول الثاني بجملة من النصوص :

منها : خبر ابي خديجة عن مولانا الصادق عليه السلام : الكذب على الله تعالى

وعلى رسوله من الكبائر ( 2 ) . بدعوى انه ظاهر من جهة وروده في مقام التحديد في

حصر الكبيرة من الكذب بهذا الكذب الخاص .

وفيه : مضافا الى ضعف سنده كما في مرآت العقول : ان كونه في مقام التحديد

غير معلوم ، ولكن لو سلم كونه في هذا المقام لامناص عن تقييد المطلقات به .

ودعوى الشيخ ره من ان حمله على كون هذا القسم الخاص من الكبائر

الشديدة العظيمة اولى من تقييد المطلقات به ، كما ترى .

وبما ذكرناه ظهر مافي الاستدلال بمرسل الصدوق عن رسول الله صلى الله

عليه وآله : من قال على مالم اقله فليتبوء مقعده من النار ( 3 ) . مضافا الى ضعف سنده .

ومنها : مرسل سيف بن عميرة عن الامام الباقر عليه السلام قال : كان علي

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 140 - من ابواب احكام العشرة حديث 4 .

( 2 ) المستدرك - باب 46 - من ابواب جهاد النفس - حديث 5 .

( 3 ) الوسائل - باب 139 - من ابواب احكام العشرة حديث - 6 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بن الحسين عليه السلام يقول لولده : اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد

وهزل ، فان الرجل اذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير ( 1 ) . فانه يستفاد منه ان عظم

الكذب باعتبار مايترتب عليه من المفاسد .

وفيه : مضافا الى ضعف سنده للارسال : انه يدل على ان للكذب صغيرا وكبيرا ،

وهما انما يكونان بلحاظ مايترتب عليه من المفاسد ، ولكن لاينافي ذلك كون كليهما

من الكبائر بالمعني المبحوث عنه في المقام ، غاية الامر بعض افراده اكبر من آخر .

وقد استدل للقول الاخير بجملة من النصوص .

منها : حسن ابن الحجاج كالصحيح عن الامام الصادق عليه السلام : عن

الكذاب هو الذي يكذب في الشئ ؟ قال : لامامن احد الا يكون ذاك منه ، ولكن

المطبوع على الكذب ( 2 ) . بدعوي انه يدل على ان الكذب من اللمم الذي يصدر من

كل احد لامن الكبائر .

وفيه : ان الخبر متضمن لبيان امرين : احدهما : ان الكذاب لايصدق على من

كذب اتفاقا وانما يصدق على من صار الكذب كالعادة له ، وهذا واضح في نفسه ايضا .

ثانيهما : انه مامن احد الا ويبتلي بهذه المعصية ، وشئ منهما لايدل على ان

الكذب ليس من الكبائر وانه من اللمم .

ومنها : خبر الحارث عن الامام علي عليه السلام : ان الكذب يهدي الى

الفجور والفجور يهدي الى النار ( 3 ) . بدعوى ان فيه اشعارا بان مجرد الكذب ليس

فجور اوكبيرة .

وفيه مضافا الى ضعف سنده : انه يدل على عدم كونه معصية ، فيتعين تاويله .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 140 من ابواب احكام العشرة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل - باب 138 - من ابواب احكام العشرة حديث 9 .

( 3 ) الوسائل - باب 140 - من ابواب احكام العشرة حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ومنها : صحيح عبد العظيم بن عبد الله الحسني الوارد لبيان تعداد الكبائر غير

المتعرض للكذب ( 1 ) .

وفيه : مضافا الى انه مسوق لبيان الكبائر التي ثبت كونها كذلك بالكتاب كما

يشير اليه قول السائل اريد ان اعرف الكبائر من كتاب الله عزوجل : انه يقيد

اطلاق مفهومه بما تقدم مما دل على ان الكذب من الكبائر .

ويشهد لذلك اختلاف الاخبار في عدد الكبائر ، ففي جملة منها انها سبع ، وفي

جملة اخرى انها خمس ، وفي بعضها انها تسع .

فتحصل : ان الاظهر كونه من الكبائر مطلقا .

 

الوعد

 

ثم انه صرح غير واحد : بان الوعد مع اضمار عدم الوفاء لايكون كذبا

حقيقيا ، وان اطلاق الكذب عليه في خبر الحارث الاعور لكونه في حكمه من حيث

الحرمة .

ومنشأ ذلك على مايظهر من الشيخ الاعظم ره : ان الوعد ليس من نوع الخبر ،

بل هو من اقسام الانشاء وهو صريح المحقق المجلسي ره في مرآت العقول ، ولكن

ظاهر كلام المحققين من اصحابنا والمخالفين ان الوعد من نوع الخبر ، وهو محتمل

للصدق والكذب .

وتنقيح القول في ذلك : ان الوعد على اقسام :

الاول : ان يخبر المتكلم عن عزمه على فعل شئ اوتركه ، كأن يقول : اني عازم

على ان اجئ في بيتك ، لاريب في دخول هذا في الخبر ، فانه يخبر عن امر نفساني نظير

..............................................................................

( 1 ) الرسائل - باب 46 - من ابواب جهاد النفس حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الاخبار عن سائر الصفات النفسانية كالحب البغض ونحوهما .

الثاني : ان يخبر عن فعل امر أو تركه في المستقبل ، كأن يقول : اجيئك غدا ،

وهذا ايضا لاريب في كونه من نوع الخبر ، غاية الامر المخبر به امر استقبالي .

الثالث : ان يلتزم بشئ بنفس الجملة التي تكلم بها ، كأن يقول المولى لعبده :

اذا فعلت الفعل الفلاني اعطيك درهما ، والظاهر ان هذا من نوع الانشاء ، فانه ليس

اخبارا عن الاعطاء ، بل هو الزام امر على نفسه وان علم انه لايوقعه . هذا كله في

حقيقة الوعد واقسامه .

واما حكم الوعد ، ففي الاول : اذا كان عازما على ذلك الفعل كان ذلك الخبر

صدقا وجائزا والا فيحرم لاجل كونه كذبا من غير فرق في الصورتين بين ان يفعل في

المستقبل وان لايفعل .

وفي الثاني : اتصافه بالصدق اوالكذب دائر مدار تحقق ذلك الفعل في ظرفه

وعدمه ، واما تنجز حرمته وعدمه فهما دائران مدار علمه بالفعل وعدمه كما لايخفى .

وفي الثالث : لايتصف بالصدق اوالكذب حتى مع اضمار عدم الوفاء والعلم به .

وقد استدل الشيخ ره لحرمة الوعد مع اضمار عدم الوفاء بالاية الشريفة ( كبر

مقتا عند الله ان تقولوا مالاتفعلون ) ( 1 ) وبقوله عليه السلام في خبر الحارث المتقدم :

ولايعدن احدكم صبيه ثم لايفي له ( 2 ) .

وفيهما نظر : اما الاية الشريفة : فسيأتي تحقيق القول فيها ، وستعرف عدم

دلالتها على ذلك .

واما الخبر : فيرد عليه : مضافا الى ضعف سنده : انه معارض باخبار دالة على

جواز الوعد الكاذب مع مطلق الاهل وسيجئ بعضها في مسوغات الكذب .

..............................................................................

( 1 ) سورة الصف - آية 4 .

( 2 ) الوسائل - باب 140 - من ابواب احكام العشرة حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

مع انه يمكن ان يقال : انه نهي عن عدم الوفاء لاعن الوعد ، فان الظاهر من

مثل هذا التركيب رجوع النهي الى القيد ، كما اذا قال : لاتأتني راكبا . فانه نهي عن

الركوب .

 

حكم خلف الوعد

 

هذا كله في حقيقة الوعد وحكمه ، واما خلف الوعد فقد استدل لحرمته بوجوه :

الاول : انه يوجب انصاف الوعد بالكذب فيشمله مادل على حرمة الكذب .

وفيه : ان ظاهر الادلة حرمة ايجاد الكلام كذبا ، واما ايجاد صفة الكذب في

الكلام المتقدم فلا يكون مشمولا لتلك الادلة ، مع انه اخص من المدعي ، فان ذلك

يتم في القسم الثاني من اقسام الوعد دون الاول والثالث كما لايخفى .

الثاني : جملة من الايات : منها : قوله تعالى ( واوفوا بالعهد ان العهد كان

مسئولا ) ( 1 ) فانه يشمل بعمومه او اطلاقه عهود الخلق ايضا ، والعهد والوعد

متقاربان .

وفيه : ان المراد بالعهد في هذه الاية بحسب ظاهر السياق هي الوصية .

وعلى كل تقدير كون العهد والوعد بمعنى واحد محل تأمل ونظر ، نعم احد

معاني العهد الوفاء بالوعد ، كما ان الضمان والذمة من جملة معانيه .

ومنها : قوله تعالى ( والموفون بعهدهم اذا عاهدوا ) ( 2 ) .

ويرد عليه مضافا الى ماتقدم : ان لايدل على ازيد من رجحان الوفاء بالعهد

ولا يدل على لزومه .

..............................................................................

( 1 ) سورة الاسراء - آية 35 .

( 2 ) سورة البقرة آية 178 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ومنها : قوله تعالى ( لم تقولون مالاتفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالا

تفعلون ) ( 2 ) .

وتقريب الاستدلال به : انه انما يكون النهي فيه نهيا عن عدم الفعل ، اما على

سبيل القلب ويكون المعني : لم لاتفعلون ماتقولون ؟ اويقال : ان النهي متوجه الى

القيد وهو عدم الفعل ، فيدل على حرمة عدم العمل بما وعد ، ويشير الى ذلك مافي

بعض النصوص الاتي من الاستشهاد به لحرمة خلف الوعد .

وفيه : ان الظاهر من الاية الشريفة - كما افاده جمع من المحققين - هو النهي

عن القول للناس من دون ان يعمل نفسه ، كأن يأمر الناس بالمعروف ويتركه ، وينهيهم

عن المنكر فيفعله ، فتكون هذه الاية نظير قوله تعالى ( اتأمرون الناس بالبر

وتنسون انفسكم ) ( 2 ) وعليه فهي اجنبية عن المقام ، واما النصوص التي استشهد بها

فيها ، فسيأتي التعرض لها .

الثالث : جملة من النصوص : كمصحح هشام بن سالم عن الامام الصادق عليه

السلام : عدة المؤمن اخاه نذر لاكفارة له ، فمن اخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرض ،

وذلك قوله تعالى ( ياايها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون . . . الخ ) ( 3 ) .

ومصحح شعيب العقرقوفي عنه عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله :

من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليف اذا وعد ( 4 ) . ونحوهما غيرهما .

ولكن الاجماع القطعي القائم على جواز خلف الوعد ، ولذا ترى ان المتأخرين

يستدلون على عدم لزوم الوفاء بالشرط الابتدائي بالاجماع على عدم لزومه ، وفي غير

..............................................................................

( 1 ) سورة الصف - آية 2 - 3 .

( 2 ) سورة البقرة - آية 45 .

( 3 ) الوسائل - باب 109 - من ابواب احكام العشرة حديث 3 .

( 4 ) الوسائل باب 109 من ابواب احكام العشرة حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ذلك من موارد الوعد يستدلون بالاجماع على عدم لزوم ماوعد الاتيان به ، والسيرة

القطعية المستمرة القائمة على خلف الوعد ، يوجبان حمل تلك النصوص على

الاستحباب ، اللهم الا ان يقال : ان بعض تلك النصوص لايقبل الحمل على

الاستحباب فمراعاة الاحتياط اولى ، وان اراد الاحتياط بغير الوفاء فيقيد وعده

يقول انشاء الله تعالى فانه يحل النذور والايمان المؤكدة كما صرح به في الاخبار ،

ويوجب عدم انعقاد اليمين وانذر فضلا عن الوعد .

 

حرمة الكذب في الهزل

 

بقي الكلام في امور : احدها : انه يحرم فعل الكذب في الهزل ام لا ؟

اقول : ان الكلام المستعمل في مقام الهزل على قسمين :

الاول : مايقصد به الاخبار عن امر ويكون الداعي له هو الهزل لاالجد ، كأن

يقول لزيد : جاء ابوك من السفر ، بداعي الهزل ، لاكلام في ان هذا من نوع الخبر ولو

كان مخالفا للواقع يكون كذبا ، وتدل على حرمته جميع الادلة الدالة على حرمة الكذب .

الثاني : مالايقصد به الاخبار عن امر ، بل يكون الكلام مسوقا لبيان انشاء

امر بداعي الهزل مع ظهوره في كونه انشاءا ولو بواسطة القرائن ، وكأن يقال للرجل

الجبان مخاطبا اياه : ايها الشجاع اوايها الاسد ، وهذا القسم من الهزل لايكون من

نوع الخبر فلا يتصف بالكذب ولابالصدق ، ولاتشمله ادلة حرمة الكذب ، ومقتضى

الاصل هو الجواز ، وعليه فلا وجه لقول الشيخ ره ولايبعد انه غير محرم ، ثم

الاستدلال له بالانصراف وبالسيرة ، اذ القسم من الهزل لايكون متصفا بالكذب

حتى يحتاج الحكم بجوازه الى دعوى الانصراف والسيرة .

حتى يحتاج الحكم بجوازه الى دعوى الانصراف والسيرة .

 

 

[ . . . ]

وقد استدل لحرمته بجملة من النصوص : كخبر حارث ( 1 ) ومرسل سيف ( 2 )

والنبوي في وصية النبي لابي ذر ( 3 ) المتقدمة .

وخبر الخصال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : انا زعيم بيت في اعلى

الجنة ، وبيت في وسط الجنة ، وبيت في رياض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا ، ولمن

ترك الكذب وان كان هازلا ، ولمن حسن خلقه ( 4 ) .

وخبر الاصبغ بن نباتة عن الامام علي عليه السلام : لايجد عبد طعم الايمان

حتى يترك الكذب هزله وجده ( 5 ) .

يرد على الجميع : اولا : انها ضعيفة السند ، اما الروايات المتقدمة فلما

تقدم ، واما خبر اصبغ فلعروة .

وثانيا : انها تدل على مرجوحية الكذب في الهزل ، وقد عرفت ان القسم الثاني

من الهزل خارج عن الكذب موضوعا .

وثالثا : ان اغلبها لاتدل على الحرمة ، بل غاية ماتدل عليه هي المرجوحية

الملائمة مع الكراهة ، وذلك لان قوله عليه السلام في خبر حارث لايصلح من الكذب

جد ولاهزل لو لم يكن ظاهرا في الكراهة ، لما كان ظاهرا في الحرمة قطعا . كما ان قوله

عليه السلام في مرسل سيف اتقوا الكذب لايستفاد منه ازيد من المرجوحية لمادة

اتقوا ، وللتعليل فيه . وكذلك قوله عليه السلام في خبر الخصال : انا زعيم بيت في الجنة

. . . الخ لايدل الا على رجحان ترك الكذب في الهزل ، كما ان خبر اصبغ لايستفاد منه

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 140 من ابواب احكام العشرة حديث

( 2 ) الوسائل - باب 140 - من ابواب احكام العشرة حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 140 من ابواب احكام العشرة حديث 4 .

( 4 ) الوسائل - باب 135 - من ابواب احكام العشرة حديث 8 .

( 5 ) الوسائل باب 140 من ابواب احكام حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ازيد من ذلك اذ المكروه ايضا يمنع عن وجدان المؤمن طعم ايمانه .

 

المبالغة

 

ثانيها : انه هل المبالغة في الادعاء من الكذب ام لا ؟

المبالغة في الادعاء تارة تكون بالقاء كلام له ظهور اولي وظهور ثانوي

ولو بواسطة القرائن ، وهو بظهوره الاولي مخالف للواقع ، ولكنه بظهوره الثانوي

موافق له ، والمتكلم اراد منه ماهو ظاهر منه بالظهور الثانوي ، ومن هذا القبيل باب

التشبيه والاستعارة والكناية ، كتشبيه الوجه الحسن بالقمر ، واستعارة الاسد للرجل

الشجاع ، والكناية عن الجود بكثرة الرماد .

واخرى : تكون بالقاء كلام ليس له غير ظهور واحد واراد المتكلم منه

ذلك ، وهو مخالف للواقع ، كأن يقول : اعطيت زيدا خمسين درهما ، والحال انه اعطاه

درهما واحدا ، أوالقاء كلام له ظهور ثانوي واراد المتكلم وهو مخالف للواقع ، كأن

يكني عن رجل بخيل بكثير الرماد ، ففي القسم الاول لايتصف الكلام بالكذب

بخلاف القسم الثاني ، فلا نحرم في الاول ، وتحرم في الثاني ، ولايخفي وجههما .

ومن القسم الاول ماجرت به العادة من المبالغة في الاعداد في بعض الموارد ،

كأن يقول : قلت : كذا مائة مرة ، اوطلبت منك ذلك الف مرة ، فانه لايراد بذلك تفهيم

المرات بعددها بل تفهيم التكثير والاهتمام ، وقد تعارف ذلك بين المتحاورين ، فان كان

لم يقل ولم يطلب الامرة واحدة كان الكلام كذبا ، وان قال اوطلب مرات كان صدقا .

 

 

[ . . . ]

 

التورية

 

ثالثها : في انه هل التورية من الكذب ام لا ؟

قبل بيان ان التورية من الكذب ام لا ، لابد من تنقيح الكذب

موضوعا ، فانه وقع الخلاف فيه من جهتين بعد الاتفاق على ان الكذب عدم المطابقة :

الاولى : في المطابق بالكسر وان العبرة بعدم مطابقة المراد اوبعدم مطابقة ظهور

الكلام .

الثانية : في المطابق بالفتح ، وان المعتبر عدم مطابقة الكلام للواقع ، اوعدم

مطابقته للاعتقاد ، اوعدم مطابقته لهما معا .

المشهور بين الاصحاب - على مانسب اليهم - ان الكذب هو مطابقة ظهور

الكلام للواقع ، والظاهر ان هذا منهم مبتن على مابنوا عليه في حقيقة الجملة الخبرية

من انها انما وضعت للنسب الخارجية ، فانه على هذا ان طابق الكلام بما له من الظهور

للواقع كان صدقا والا فكذب ، مثلا لو قال : زيد قائم ، فالمدلول لهذه الجمعة تحقق

النسبة في الخارج ، فان طابق الدال لها فصدق فكذب .

ولكن المبني فاسد كما حققناه في حاشيتنا على الكفاية ، ونشير الى وجوه فساده

في المقام اجمالا :

الاول : عدم وجود النسبة في كثير من الجمل ، كقولنا الانسان ممكن ونحوه ،

ودعوى اعمال العناية في جميع ذلك كما ترى .

الثاني : عدم كاشفية الجملة عن الواقع ولو ظنا ، فلو كانت موضوعة للنسبة

الخارجية لكانت دلالتها عليها قطعية .

الثالث : ان الكلام لوكان دالا على النسبة الخارجية لما كان يحتمل فيه

 

 

[ . . . ]

الكذب ، وقد عرفوا القضية بانها تحتمل الصدق والكذب ، والحق في الجملة الخبرية انها

وضعت لقصد الحكاية عن النسبة الخارجية مثلا ، وهي في هذه الدلالة لاتتصف

بالصدق والكذب وانما تتصف بهما باعتبار المدلول ، اذ الحكاية عن النسبة ان طابقت

الواقع فهي صادقة ، والا فكاذبة ، وبذلك يظهر ان الكذب هو عدم مطابقة مراد المتكلم

للواقع .

لايقال : ان هذا ينافي آية المنافقين ( 1 ) الذين شهدوا بان محمدا رسول الله صلى

الله عليه وآله ، حيث انه تعالى سجل عليهم بانهم كاذبون ، مع ان مااخبروا به كان

مطابقا للواقع .

فانه يقال : ان المخبر عنه لم يكن ثبوت الرسالة بل كان هو الشهادة به ، وهي عبارة عن

حضور المشهود به في الذهن ، وحيث انهم كانوا غير معتقدين بالرسالة ،

فقال الله تعالى في حقهم انهم كاذبون .

فان قلت : بناءا على مااخترت في حقيقة الكذب لو شك المتكلم ان كلامه

مطابق للواقع فيكون صدقا اومخالف له ، فيكون كذبا يتعين البناء على جواز التكلم

به للشك في صدق موضوع الكذب ، فتجري اصالة البراءة عن الحرمة .

قلت : ان هذا الاصل في نفسه وان كان جاريا الا انه للعلم الاجمالي بحرمة

هذا الاخبار اوالاخبار بنقيضه - اذ احدهما كذب جزما - لايجري هذا الاصل

للمعارضة فمقتضي العلم الاجمالي هو الاجتناب عن كلا الخبرين .

اذا عرفت ماذكرناه فاعلم : ان التورية خارجة عن الكذب موضوعا ، فان

حقيقة التورية ، ان يلقي كلاما له ظهور في معني ، وهو يريد منه غير ذلك المعني ،

ويكون المعني المراد مطاقا للواقع دون المعني الظاهر ، كما اذا استأذن رجل بالباب

..............................................................................

( 1 ) المنافقون آية 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقال الخادم له : ماهو ها هنا ، مشيرا الى موضع خال البيت .

ثم انه يعتبر في صدق التورية امران آخران غير مامر : احدهما : ان يكون

اللفظ بحسب المتفاهم العرفي العادي ظاهرا في غير مااراده المتكلم ، فلو كان ظاهرا

فيه ولكن المخاطب لقصور فهمه لم يلتفت اليه ، لم يكن ذلك من التورية .

ثانيهما : ان تكون ارادة ذلك المعني من ذلك اللفظ صحيحة ، بان كان بينهما

علاقة ، فلو كان استعماله فيه غير صحيح لما كان من التورية ، مثلا لو قال : اعطيت

زيدا خمسين درهما ، وهو اراد به درهما واحدا ، وقد اعطاه في الواقع درهما ، كان ذلك من

الكذب لامن التورية ، ولعله الى هذا اشار العلامة في محكي القواعد في مسألة الوديعة

اذا طالبها ظالم حيث قال : ويجب التورية على العارف بها ، كما انه اليه نظر المفيد حيث

قال في هذه المسألة : وان لم يحسن التورية وكان نيته حفظ الامانة . . . الخ .

وقد استدل لخروج التورية عن الكذب بروايات : الاولى : رواية الاحتجاج

عن الامام الصادق عليه السلام : عن قول الله عز وجل في قصة ابراهيم عليه السلام

( بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون ) قال : مافعله كبيرهم ، وما كذب

ابراهيم قيل : وكيف ذلك ؟ فقال انما قال ابراهيم ان كانوا ينطقون ، اي ان نطقوا

فكبيرهم فعل ، وان لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا ، فما نطقوا وما كذب ابراهيم .

وسئل عن قوله تعالى ( ايتها العير انكم لسارقون ) قال : انهم سرقوا يوسف

من ابيه ، الا ترى انهم قالوا ( نفقد صواع الملك ) ولم يقولوا سرقتم صواع الملك .

وسئل عن قوله تعالى حكاية عن قوله تعالى حكاية عن قول ابراهيم ( اني سقيم ) قال : ماكان

ابراهيم سقيما وما كذب ، انما عني سقيما في دينه اي مرتادا ( 1 ) .

فانها تدل على ان الاقوال المذكورة انما هي من التورية وليست من الكذب .

..............................................................................

( 1 ) احتجاج الطبرسي ص 194 من طبعة النجف عام 1350 . ( * )

 

 

[ . . . ]

واورد عليها : بان الفعل الخارجي وهو الكسر لم يصدر عن الاصنام سواء كانوا

ناطقين ام لا ، فكيف تصح الملازمة ، وبعبارة اخرى : ان صدق القضية الشرطية وكذبها

دائران مدار صحة الملازمة وفسادها ، وحيث انها فاسدة في المقام ، اذ الفعل صدر عن

ابراهيم على كل تقدير ، فلا تكون القضية صادقة .

والجواب عن ذلك بعد ملاحظة مقدمتين واضح : الاولى : ان القضية الخبرية انما

تكون مبرزة لقصد الحكاية عن ثبوت المحمول للموضوع اونفيه عنه . وهي ربما

تطابق مع الخارج وقد لاتطابق ، وبهذا الاعتبار تتصف بالصدق والكذب .

الثانية : انه كما ان ظاهر القضية الشرطية في الانشائيات رجوع القيد الى

الاعتبار النفساني المبرز بالصيغة لاالمادة التي متعلقة له ، كذلك ظاهرها في

الاخباريات رجوع القيد الى قصد الحكاية ، فمع انتفاء الشرط ينتفي هذا القصد من

غير نظر الى الواقع .

اذا عرفت هاتين المقدمتين تعرف ان المعلق على الشرط في الاية الشريفة انما

هو قصد الحكاية عن انه فعله كبيرهم ، فمع انتفاء الشرط ينتفي هذا القصد ، فلا تكون

القضية كاذبة .

واجاب عنه المحقق التقي بوجه آخر وهو : ان المقصود صدق الشرطية في قولنا :

وان لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم ، ولا ريب في صدق تلك ، اذ عدم النطق الذي هو كناية

عن عدم القدرة والقوة على شئ مستلزم لعدم صدور الافعال الاختيارية عنها .

وفيه : ان هذه القضية غير مذكورة في الاية الشريفة والمذكورة انما هي القضية

الاولى التي ادعي انها كاذبة ، ولكن الرواية لضعف سندها للارسال لايعتمد عليها .

وقد قيل في تفسير الاية الشريفة وجوه اخر مذكورة في مرآت العقول وغيرها :

منها : ان تلك الاقوال كاذبة خارجة عن الكذب حكما لانها في مقام الاصلاح ، وتدل

على هذا جملة من النصوص .

 

 

[ . . . ]

ومنها : غير ذلك .

الثانية : مارواه ابن ادريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب عبد الله بن بكير

عن الامام الصادق عليه السلام : عن الرجل يستأذن عليه فيقول للجارية : قولي ليس

هو هاهنا ، قال : لابأس ليس بكذب .

الثالثة : رواية سويد بن غفلة قال : خرجنا ومعنا وائل بن حجر نريد النبي

صلى الله عليه وآله وسلم فاخذه اعداء له فخرج القوم ان يحلفوا وحلفت بالله انه

اخي فخلي عنه العدو ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال : صدقت المسلم

اخو المسلم ( 2 ) .

واورد عليه : بان ظاهر الخبر انه حلف على كون الرجل اخاه النسبي ، فيكون

من الكذب الجائز للضرورة لاالتورية .

وفيه : ان المستفاد من كلام النبي صلى الله عليه وآله انه اراد بكونه اخاه انه

اخوه في الدين ، اوانه قصد مفهوم الاخوة ، وعليه فيدل هو على جواز التورية

وخروجها عن الكذب موضوعا .

 

الكذب لدفع الضرورة

 

الثاني : في مسوغات الكذب : والمتفق عليه منها بينهم اثنان : احدهما الكذب

لدفع الضرورة .

اقول : بعد ماتقدم من ان مقتضي الادلة حرمة الكذب في نفسه لاريب في ان

هذا الحكم كسائر الاحكام الشرعية يرتفع اذا زاحمه تكليف آخراهم كما اذا توقف

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 141 من ابواب احكام العشرة حديث 8 .

( 2 ) المبسوط كتاب الطلاق - باب الحيل . ( * )

 

 

[ . . . ]

انجاء المؤمن من الهلاكة على الكذب ، كما انه يرتفع اذا اكره على متعلقه لعموم مادل

على رفع ما استكرهوا عليه .

وقد استدل على جواز الكذب في مورد الضرورة بالخصوص بالادلة الاربعة :

الاول : الاجماع .

وفيه : ان الاجماع وان كان محققا الا انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي

المعصوم عليه السلام لاستناد المجمعين الى مافي المسألة من الايات والروايات .

الثاني : العقل :

قال الشيخ ره : ( والعقل مستقل بوجوب ارتكاب اقل القبيحين مع بقائه على

قبحه اوانتفاء قبحه لغلبة الاخر عليه على القولين . . . الخ ) .

وفيه : ان العقل وان استقل بذلك في بعض موارد الضرورة كحفظ النفس

المحترمة ولكنه لايستقل بذلك في جميع موارد الضرورة ، والسر في ذلك عدم احاطته

بالواقعيات وعدم ادراكه مناطات الاحكام ومقاديرها ، فلا يقدر على ترجيح بعضها

على بعض في جميع الموارد .

الثالث : الكتاب :

فقد استدل الشيخ ره بايتين منه : الاولى : ( من كفر بالله من بعد ايمانه الا

من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ) ( 1 ) .

وتقريب الاستدلال بها بنحو يسلم عما اورد عليه : انها تدل على جواز الكذب

بالاخبار عن عدم اعتقاده بما هو معتقد به واقعا الذي يعتبر في الايمان الاعتقاد به

عند الاكراه ، فتدل على جواز الكذب في غير هذا المقام بالاولوية ، وبذلك يندفع

الايراد عليه بان الظاهر ان الاكراه في الاية على انشاء التبري والارتداد ، فلا ربط

..............................................................................

( 1 ) سورة النحل - آية 107 . ( * )

 

 

[ . . . ]

له بمقامنا .

ولكنها مختصة بخصوص الاكراه ، فلا دلالة لها على جواز الكذب في غير هذا

المورد .

الاية الثانية : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن

يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا ان تتقوا منهم تقاة ) ( 2 ) فانها تدل على جواز

الكذب باظهار المحبة و المودة بالنسبة اليهم في حال التقية ، فتدل على جواز الكذب

في سائر الموارد بالاولوية .

وفيه : مضافا الى ان اخذ الغير وليا لنفسه لايلازم اظهار مودته ، فلا صلة لها

بالمقام ، وانها مختصة بمورد التقية .

الرابع :

السنة : وقد استفاضت الاخبار بل تواترت على جواز الحلف كاذبا لدفع

الضرر البدني اوالمالي عن نفسه اواخيه ( 3 ) ، وستأتي الاشارة الى جملة منها ، ومفادها

اعم مما دل على رفع مااضطروا اليه كما هو واضح .

وقد نسب الشيخ ره الى المشهور انه يعتبر في جواز الكذب لدفع الضرورة

عدم التمكن من التورية ، ولكن كلماتهم التي نقلها ره لاتنطبق على هذه النسبة فان

مورد حكمهم باشتراط التورية ان امكنت انما هو جواز الحلف كاذبا ، واما جواز مطلق

الكذب فهو خارج عن مورد كلامهم ، بل ظاهر ماعن المقنعة عدم اشتراط جواز

الكذب بعدم التمكن من التورية ، فانه قال : من كانت عنده امانة فطالبها ظالم

فليجحد ، وان استحلفه ظالم على ذلك فليحلف ويوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب

..............................................................................

( 2 ) سورة آل عمران - آية 29 .

( 3 ) الوسائل - باب 12 - من كتاب الايمان . ( * )

 

 

[ . . . ]

- الى ان قال - وان لم يحسن التورية وكانت نيته حفظ الامانة اجزأته النية .

فان هذا كما لاحظ - بالمقتضى التفصيل بين جواز الانكار ، وجواز الحلف

كاذبا ، وتقييد الثاني بالتمكن من التورية دون الاول - كالصريح في عدم اعتباره .

وكيف كان : ففي المسألة قولان ، وتحقيق القول فيها يقتضي البحث في مقامين :

الاول : فيما يقتضيه القواعد .

المقام الثاني : في بيان مقتضى النصوص الخاصة الدالة على جواز الكذب لدفع

الضرر المالي اوالبدني عن نفسه اوعن اخيه .

اما المقام الاول : ففيما اذا توقف واجب اهم على الكذب لاينبغي التوقف في

اعتبار عدم التمكن من التورية في جواز الكذب ، اذ مع التمكن منها يكون قادرا على

امتثال التكليفين عقلا وشرعا ، ومعه لايقع التزاحم بينهما كي ترتفع حرمة الكذب .

وبالجملة : في مورد جواز الكذب للاضطرار يعتبر عدم التمكن من التورية ، اذ

مع التمكن منها لايصدق الاضطرار ، واما اذا اكره عليه لا اكره عليه فقد يقال بانه لايعتبر عدم

امكان التورية في الحكم بجواز الكذب . واستدلوا على ذلك بوجوه :

الاول : ان المعتبر في صدق الاكراه ان يخاف انه لو علم المكره بالامتناع

لاوقعه في الضرر ، ومع التفصي بالتورية ، اذا علم المكره بالامتناع لاوقعه في الضرر ،

وليست التورية كسائر مايتفصى به كما لايخفى .

وفيه : ان المناط في صدقه ان يخاف انه لو امتنع لاوقعه في الضرر ، وبديهي ان

من يتمكن من التفصي بالتورية لو امتنع لما اوقعه في الضرر .

الثاني : ان النصوص ( 1 ) الواردة في طلاق المكره وعتقه ومعاقد الاجماعات

والشهرات المدعاة حملها على صورة العجز عن التورية لجهل اودهشة بعيد جدا ، بل

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 14 - من كتاب الايمان - وغيره . ( * )

 

 

[ . . . ]

غير صحيح في بعضها من جهة المورد .

وفيه : اولا : انها مختصة بباب العقود والايقاعات ، وستعرف القول بالفرق بين

الاحكام الوضعية والتكليفية في ذلك .

وثانيا : ان المستهجن هو حمل المطلق على الفرد النادر ، لا ورود الدليل لبيان

ماليس له غير افراد نادرة كما في المقام .

الثالث : ما افاده المحقق الايرواني ره وحاصله يبتني على امور : احدها : ان

الاكراه انما يتعلق بالالفاظ امكن التورية ام لاتفصي بها اوبالكذب .

ثانيها : ان الالفاظ في باب الكذب جزء الموضوع بل عمدته .

ثالثها : ان الاكراه كما يرفع التحريم اذا تعلق بتمام الموضوع ، كذلك اذا تعلق

بجزء الموضوع .

اذا تبينت هذه الامور يظهر انه اذا اكره الشخص على اللفظ اوجب اكراهه

ذلك ارتفاع الحكم التحريمي الضمني عن ذلك اللفظ ، والمفروض ان مجرد القصد

للمعنى ايضا ليس بحرام ، فلا بأس ان لايوري ويقصد المعنى الظاهر .

ولكن : يرد على ما افاده ره - بعد بيان مقدمة ، وهي : انه لو اكره على احد

الفعلين احدهما حرام والاخر مباح لاكلام في عدم ارتفاع حرمة الفرد المحرم ، بل

يتعين الفعل المباح - ان اللفظ الذي يكون كذبا حرام ، وما يكون مصداقا للتورية

مباح ، فالاكراه المتعلق باحدهما لايوجب رفع حرمة الاول .

فتحصل : ان الاظهر اعتبار عدم امكان التفصي بالتورية في ارتفاع حرمة

الكذب بالاكراه ايضا .

واما ماذكره الشيخ ره في وجه اعتبار عدم امكان التورية من ان قبح الكذب

عقلي فلا يسوغ الا مع تحقق عنوان حسن في ضمنه يغلب حسنه على قبحه ويتوقف

تحققه على تحققه ، ولا يكون التوقف الا مع العجز عن التورية . فيرد عليه : ان قبحه

 

 

[ . . . ]

ليس ذاتيا بحيث لايقبل التخصيص ، بل يكشف من تجويز الشارع اياه في بعض

الموارد انه ليس بقبيح لاانه قبيح ، وانما يجوز لاستقلال العقل بوجوب ارتكاب اقل

القبيحين .

واما المقام الثاني : فمقتضي اطلاق النصوص الكثيرة الدالة على جواز الحلف

كاذبا لدفع الضرر البدني اوالمالي عن نفسه اوعن اخيه ، عدم اعتبار ذلك ، لاحظ

صحيح اسماعيل عن الامام الرضا عليه السلام : عن رجل يخاف على ماله من

السلطان فيحلفه لينجوبه منه قال : لاجناح عليه ، وسألته هل يحلف الرجل على مال

اخيه كما يحلف على ماله ؟ قال : نعم ( 1 ) .

وخبر السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه عن الامام علي عليه السلام عن

رسول الله صلى الله عليه وآله : احلف بالله كاذبا ونج اخاك من القتل ( 2 ) .

وموثق زرارة عن الامام الباقر عليه السلام قال : قلت له : انا نمر على هؤلاء

القوم فيستحلفونا على اموالنا وقد أدينا زكاتها فقال : يازرارة اذا خفت فاحلف لهم ما

شاءوا ( 3 ) . الى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك .

وما دل على جواز الكذب للاصلاح ، فان هذه النصوص تدل على عدم اعتبار

عدم التمكن من التورية ، فتدل بالاولوية على جواز الكذب بغير الحلف لدفع الضرر .

والشيخ ره بعد مااستحسن عدم اعتبار هذا القيد بمقتضى الاطلاق ، وايده

بان ايجاب التورية على القادر لايخلو عن التزام بالعسر ، جعل مانسبه الى المشهور

من اعتبار هذا القيد موافقا للقواعد .

ومحصل كلامه : ان النسبة بين تلك المطلقات وخبر سماعة عن مولانا الصادق

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 12 - من كتاب الايمان حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 12 من كتاب الايمان حديث 4 .

( 3 ) الوسائل - باب 12 - من كتاب الايمان حديث 14 . ( * )

 

 

[ . . . ]

عليه السلام : اذا حلف الرجل تقية لم يضره اذا هو اكراه اواضطر اليه ، وقال : ليس

شئ مما حرم الله الا وقد احله لمن اضطر اليه ( 1 ) . وما بمضمونه هي العموم من وجه ،

فان المطلقات تدل على جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر بلغ حد الاضطرار ام لا ، اي

امكن التورية ام لا .

ورواية سماعة وما مضمونها تدل على اختصاص الجواز بصورة الاضطرار

والاكراه ، ومفهومها عدم الجواز في غير هذين الموردين ، فتقع المعارضة بينهما في الكذب

لدفع الضرر مع امكان التورية وعدم البلوغ حد الاضطرار والاكراه ، فتتساقطان

ويرجع الى عمومات حرمة الكذب .

واورد عليه المحقق الايرواني بايرادين : الاول : ان حديث رفع الاضطرار اي

خبر سماعة وما بمضمونه لايشتمل الا على عقد سلبي ، ولا تعرض له للعقد الاثباتي

وهو عدم الارتفاع مع عدم الاضطرار كي يعارض مفهومه هذه الاخبار بالعموم من

وجه .

وفيه : ان ماذكر وان تم في غير صدر خبر سماعة ، ولكنه لايتم فيه ، لانه مشتمل

على قضية شرطية وهي ذات مفهوم كما لايخفى .

الوجه الثاني : انه لاوجه لجعل المرجع اطلاقات حرمة الكذب ، مع ان هذه

الاطلاقات معارضة لها بالعموم من وجه .

وفيه : ان النسبة بين مادل على جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر ، ومادل على

حرمة الكذب عموم مطلق .

فالحق ان يورد على الشيخ ره - مضافا الى ضعف سند خبر سماعة للارسال ،

وعدم وجود خبر آخر له مفهوم ، ومضافا الى مااحتمله المحقق التقي من ان صدر خبر

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 12 من الكتاب الايمان حديث 18 . ( * )

 

 

[ . . . ]

سماعة وارد مورد الرخصة في الحلف في غير محل الدعوى والقضاء من دون نظر الى

الصادق والكاذب فيكون خارجا عن محل الكلام - انه وان كانت النسبة هي العموم

من وجه ، الا انه لاظهرية هذه المطلقات تقدم هي على مفهوم خبر سماعة ، اذ لو قدم

خبر سماعة وحكم باختصاص جواز الحلف كاذبا بصورة الاكراه والاضطرار لزم

لغوية العناوين المأخوذة في المطلقات ، وهي الكذب لدفع الضرر المالي او البدني عن

نفسه اوعن اخيه ، وهذا بخلاف العكس ، فان لازم تقديم المطلقات تقييد مفهوم خبر

سماعة ، ولاريب في ان الاول هو المتعين وبعبارة اخرى : لو قدم خبر سماعة لزم كون

تعليق الحكم على العناوين المأخوذة في المطلقات لغوا وعدم دخلها في الحكم ، وهذا

بخلاف مالو قدم المطلقات .

فتحصل : ان الاظهر عدم اعتبار هذا القيد في جواز الحلف كاذبا ، ويؤيده عدم

الاشارة الى ذلك في تلك الاخبار الكثيرة خصوصا في قضية عمار وابويه حيث اكرهوا

على الكفر واظهر لهم عمار ماارادوا فنزلت الاية ( من كفر بالله من بعد ايمانه . . .

الخ ) ( 1 ) فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ان عادوا عليك فعد . ولم ينبهه على

التورية مع شفقته صلى الله عليه وآله وسلم على عمار وعلمه بكراهة عمار للتلفظ

بالفاظ الكفر من دون تورية .

وقد ذكر الشيخ : ان اكثر الاصحاب اعتبروا في جواز الكذب عدم تمكنه من

التورية ، ولم يعتبروا ذلك في فساد مااكراه عليه من العقود والايقاعات ، بل في كلام

بعضهم دعوى الاجماع على عدم اعتبار ذلك .

واورد عليهم الشيخ ره : بان المكره على البيع مثلا مع تمكنه من عدم ارادة

المعنى انما يكون مكرها على التلفظ بالصيغة ، ولايكون مكرها على البيع الحقيقي

..............................................................................

( 1 ) سورة نحل - الاية 107 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المتقوم بارادة المعنى ، فلو اراد المعنى ولم يور فقد اوجد البيع باختياره وارادته فيكون

صحيحا .

واجاب هو قده بوجود الفارق بين المقامين ، واجماله : ان المسوغ للكذب المحرم

- مع قطع النظر عن النصوص الخاصة - هو الاضطرار والالجاء ، وهذا العنوان

لايصدق مع التمكن من التفصي بالتورية ، واما الرافع لاثر المعاملة فهو اعم من ذلك ،

بل لو صدق عنوان المكره عليه على البيع الخارجي لما كان صحيحا ، وحيث ان الاكراه

انما تعلق بنفس المعاملة وواقعها فاذا اوجدها المكره بالفتح فقد اوجد نفس مااكره

عليه ، فيرتفع اثر بالاكراه .

واشكل عليه اغلب المحشين ، وهم المحققون الشيرازايان ، والايرواني ، بما

حاصله : ان هذا الفرق لو تم فانما هو بين الاكراه والاضطرار ، وتماميته في المقام تبتني

على عدم شمول نفي الاكراه للكذب اذا اكراه عليه ، ويختص دليل نفي الاضطرار

باشمول له ، وهذا مما لايمكن الالتزام به ، كيف ونسبة كل من دليلي رفع الاكراه

والاضطرار الى كل من الامرين على حد سواء فباي وجه يجعل التصرف في دليل

حرمة الكذب بادلة الاضطرار والتصرف في ادلة العقود والايقاعات بادلة الاكراه .

ولكن الظاهر ان مراد الشيخ ره على مايظهر من ذكره الفرق بين المقامين

في كتاب البيع في مبحث الاكراه ، غير مافهموه واوردوا عليه ، ومحصل كلامه قده : ان

الاكراه الرافع لاثر المعاملات اوسع من الاكراه المسوغ للمحرمات ، اذ مناط الاول

عدم طيب النفس ، ومناط الثاني دفع ضرر المكره على ارتكاب المكره عليه .

توضيح ذلك : ان المتبادر من الاكراه هو الجبر والالجاء ، وعليه يحمل الاكراه

في حديث الرفع فيكون الفرق بينه الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث

اختصاص الاضطرار بالحاصل ، لامن فعل الغير كالجوع ونحوه ، والاكراه بما كان

من فعل الغير ، وحيث انه لامسوغ لارتكاب المحرمات سوى حديث الرفع ومايقرب

 

 

[ . . . ]

منه فلايجوز ارتكابها يحصل الالجاء والضرورة ، وهذا العنوان لايصدق مع امكان

التفصي بالتورية ، واما في المعاملات فحيث انه يعتبر في صحتها - زائدا على عدم

الاكراه بالمعنى المتقدم - صدورها عن الرضا وطيب النفس على ماتدل عليه الاية

الشريفة والنصوص الكثيرة ، فيكفي في عدم ترتب آثارها عليها الاكراه المقابل لطيب

النفس وان لم يصل الى حد الالجاء والاضطرار ، وهو قد يتحقق مع امكان التفصي

بغيرها ، مثلا من كان قاعدا في مكان خاص خال عن الغير متفرغا لعبادة اومطالعة

فجاءه من اكرهه على بيع شئ مما عنده ، وهو في هذه الحال غير قادر على دفع ضرره ،

وهو كاره للخروج عن ذلك المكان ، لكن لو خرج كان له في الخارج خدم يكفونه شر

المكره ، فالظاهر صدق الاكراه ، بمعني عدم طيب النفس لو باع ذلك الشئ ، ولو

فرض في هذا المثال اكراهه على محرم لم يعذر فيه بمجرد كراهة الخروج عن ذلك

المكان ، ففي المقام اذا اكره على الكذب وهو يتمكن من التفصي بالتورية لايصدق

الاكراه ، اذ المسوغ لارتكاب الحرام هو الالجاء والضرورة غير الصادق في الفرض ،

واذا اكره على المعاملة فالمعاملة مكره عليها ، غاية الامر يقدر المكره على التفصي عنه

بايقاع الصورة من دون ارادة المعنى ، لكنه غير المكره عليه ، فلا يعتبر ذلك في حكم

الاكراه ، هذا غاية مايمكن ان يقال في توجيه كلامه وبه يندفع الايراد المتقدم .

لكنه يرد عليه قده امران : الاول : عدم تمامية الفرق المذكور ، اذ طيب النفس

والرضا المعتبر في صحة العقود والايقاعات ليس الا مايقابل الالجاء والاكراه ، مثلا

في المثال المتقدم لو باع من اكره على البيع فهو بالعنوان الاولي وان كان لايرضى به ،

ولكن بعد ملاحظة العناوين الثانوية مثل انه لايريد الخروج عن ذلك المكان لامحالة

يرضى بالمعاملة ، فلو صدرت المعاملة عنه يكون صدورها عن الرضا وطيب النفس

وبالاستقلال ، ولايكون ساقطا عن الاستقلال في التصرف بحيث لاتطيب نفسه بما

صدر منه ، فلو اعتذر وقال : ماكنت راضيا بها ، يقال له : ماكنت ملجئا ومضطرا فكيف

 

 

[ . . . ]

عاملت .

وبالجملة : لايعتبر في صحة المعاملة من الرضا وطيب النفس سوى مايقابل

الاكراه والالجاء

الثاني : انه لو تم ذلك لما كان المقام من مصاديق الاكراه ، اذ من يتمكن من

التفصي بالتورية كمن كان خدمه حاضرين عنده في المثال وتوقف دفع ضرر اكراه

الشخص على امر خدمه بدفعه وطرده ، اعترف هو قده في كتاب البيع به بانه

لايتحقق الاكراه في حقه ، ويكذب لو ادعاه .

فتحصل : انه لافرق بين المقامين .

قال الشيخ : نعم يستحب تحمل الضرر المالي الذي لايجحف . . . الخ .

وفيه : ان الضرر المالي ان صدق عليه الضرر جاز الكذب لدفعه ، والا فلا ، ولم

يدل دليل على استحباب تحمل الضرر وعدم الكذب في بعض الموارد ، وقوله عليه

السلام في نهج البلاغه : علامة الايمان ان تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب

حيث ينفعك ( 1 ) الذي استدل به لذلك لايدل عليه ، اذ بواسطة التقابل فيه بين

الصدق الضار مع الكذب النافع ، يتعين حمل الضرر على ارادة عدم النفع ، اوالنفع

على ارادة عدم الضرر ، والاول لو لم يكن اظهر لاريب في اجمال الكلام حينئذ فلا

يصح الاستدلال به اذ على الاول يكون الكذب محرما ، وتركه حينئذ يكون علامة

الايمان ، فهو اما اجنبي عن المقام اومجمل لايمكن الاستدلال به .

بقي الكلام في امرين :

( 1 ) ان الاقوال الصادرة عن الائمة في مقام التقية في بيان الاحكام محمولة

على ارادة خلاف ظواهرها ، اوعلى الكذب لمصلحة ، والشيخ قده قال : ان الاليق

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 141 من ابواب احكام العشرة حديث 11 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بشانهم هو الاول وفيه انه مبني على القول باستقلال العقل بقبح الكذب حتى فيما

اذا طرأ عليه عنوان جوزه الشارع الاقدس ، ولكنك عرفت عدم كونه كذلك ، وانه في

موارد تجويز الشارع اياه لايستقل العقل بقبحه في نفسه ، وانه انما يجوز لاجل ارتكاب

اقل القبيحين ، وعليه فلا يكون حمل النصوص الواردة في مورد التقية على ارادة خلاف

ظواهرها من دون نصب قرينة اليق بشأنهم ، بل ذلك والكذب لمصلحة سواء .

( 2 ) انه اذا دار الامر بين التقية والحمل على الاستحباب كما في الامر بالوضوء

عقب بعض ماقال العامة بكونه حدثا ، فهل يتعين الثاني كما افاده الشيخ ره ام لا ؟

وملخص القول في المقام : ان الكلام الذي يدور امره بين الحمل على التقية ،

او الاستحباب ، يكون على اقسام :

الاول : ان يكون متضمنا لبيان حكم تكليفي ، فيدور امره بين ابقائه على

ظاهره من الوجوب وحمله على التقية ، وبين ان يراد به الاستحباب . ففي هذا القسم

يحمل على الاستحباب ، لالما علله الشيخ ره من ان التقية تتأدى بارادة المجاز واخفاء

القرينة ، بل لان حقيقة الاستحباب ليست الا الامر بالفعل مع الترخيص في تركه

في مقابل الوجوب الذي هو الامر بالفعل مع عدم الترخيص في تركه . وبعبارة اخرى :

ان الوجوب والاستحباب ينتزعان عن الترخيص في ترك المأمور به وعدمه ، والا

فالامر في الموردين يستعمل في معنى واحد ، وعليه فاذا ورد امر بشئ وعلم من الخارج

عدم وجوبه يحمل على الاستحباب .

الثاني : ان يكون متضمنا لبيان حكم وضعي ، كما اذا ورد ان المذي ناقض

للوضوء ودار الامر بين حمله على التقية ، اوعلى ارادة استحباب الوضوء عقيب المذي

منه ، فالمتعين في هذا القسم الحمل على التقية ، اذ ارادة الاستحباب من مثل هذه الجملة

غير صحيحة . فتامل .

القسم الثالث : ان يتضمن الامر بعمل ويكون ظاهره الارشاد الى حكم

 

 

[ . . . ]

وضعي ، كما اذا امر بالوضوء عقيب المذي ، حيث ان ظاهره الارشاد الى ناقضيته

للوضوء ، ففي هذا القسم اذا دار الامر بين الحمل على الاستحباب بارداة خلاف

ظاهر الامر منه اوحمله على التقية ، فحيث ان الامر دائر بين الغاء اصالة الظهور ،

وبين الغاء اصالة تطابق المراد الجدي للمراد الاستعمالي ، ولامرجع لاحداهما على

الاخرى فتتساقطان ولا يصح الاعتماد على شئ منهما ، فلا وجه للحمل على

الاستحباب في هذا المورد .

وبما ذكرناه من القول الفصل ظهر مافي كلمات الاستاذ الاعظم وسائر

الاساطين في المقام .

 

الكذب لارادة الاصلاح

 

الثاني من مسوغات الكذب : ارادة الاصلاح .

لا خلاف في جواز الكذب لارادة الاصلاح بين المتخاصمين ، وتشهد له

جملة من النصوص : كصحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق عليه السلام : المصلح

ليس بكذاب ( 1 ) .

وخبر عيسى بن حسان عن الامام الصادق عليه السلام : كل كذب مسؤول

عنه صاحبه يوما الا كذبا في ثلاثة : رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه ، أورجل

اصلح بين اثنين يلقي هذا بغير مايلقي هذا يريد بذلك الاصلاح ، أورجل وعد اهله

شيئا وهو لايريد ان يتم لهم ( 2 ) . الى غير ذلك من النصوص .

ويمكن ان يستدل له بانه امر في الاية الشريفة ( انما المؤمنون اخوة

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 141 - من ابواب احكام العشرة حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 141 من ابواب احكام العشرة حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

فاصلحوا بين اخويكم ) ( 1 ) بالاصلاح ، ومفتضى اطلاقه مطلوبية الاصلاح وان كان

بالكذب ، فتعارض الاية الشريفة مع عموم مادل على حرمة الكذب بالعموم من وجه ،

والترجيح مع الاية الشريفة .

فأصل الحكم مما لاتوقف فيه ، انما الكلام في موارد :

الاول : انه قد يقال : انه كما يجوز الكذب لارادة الاصلاح كذلك يجوز لجلب

نفع الاخوان . واستدل له بما عن الصدوق في كتاب الاخون بسنده عن الامام الرضا

عليه السلام قال : ان الرجل ليصدق على اخيه فيناله عنت من صدقه فيكون كذابا

عندالله ، وان الرجل ليكذب على اخيه يريد به نفعه فيكون عندالله صادقا ( 2 ) .

وفيه : انه مضافا الى مافي سنده من الخلل ، واعراض الاصحاب عنه : انه انما

يدل على جواز الكذب لجلب النفع بالاطلاق لشموله للكذب للاصلاح ، فالنسبة بينه

وبين مفهوم الحصر في جملة من النصوص الحاصرة لجواز الكذب في الثلاثة عموم من

وجه ، والترجيح مع تلك النصوص ، فالاظهر عدم جوازه في هذا المورد .

الثاني : انه هل من الكذب للاصلاح الكذب لاجل تحبيب غير المتحابين ام

لا ؟ وجهان : اقواهما الثاني : اذ ظاهر الاصلاح هو رفع التباغض فيعتبر سبقه ،

فالكذب لمجرد التحبيب لادليل على جوازه .

الثالث : انه يكفي في صدق مفهوم الاصلاح البغض من جانب واحد فتشمله

المطلقات ، مع انه مورد مرسل الواسطي روي عن أبي عبد الله عليه السلام : الكلام

ثلاثة : صدق وكذب واصلاح بين الناس ، قيل له جعلت فداك وما الاصلاح بين

الناس ؟ قال : تسمع من الرجال كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول سمعت فلانا قال

..............................................................................

( 1 ) سورة الحجرات - آية 11 .

( 2 ) الوسائل باب 141 - من ابواب احكام العشرة حديث 10 - 6 . ( * )

 

 

[ . . . ]

فيك من الخير كذا وكذا خلاف ماسمعته ( 1 ) .

حيث ان الرجل الذي قيل في حقه ماقيل ابغض الرجل المتكلم ، واما الرجل

الذي تكلم فلا يلازم كلامه بغض صاحبه ، اذ لعل كلامه كان من قبيل نفي الاجتهاد

اونفي العدالة مما لايكون صادرا عن البغض .

الرابع : لافرق في جواز الكذب للاصلاح بين ان يكون المصلح غير

المتخاصمين اواحدهما ، بل لايبعد دعوى تأكد الحكم في الثاني لخبر حمران عن ابي

جعفر عليه السلام : مامن مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث الا وبرأت منهما في الثالثة ، قيل :

هذا حال الظالم فما بال المظلوم ؟ فقال : مابال المظلوم لايصير الى الظالم فيقول : انا

الظالم حتى يصلحا ( 2 ) . اذ بديهي ان قول المظلوم انا الظالم كذب ونحوه غيره .

قال الشيخ قده : ثم قد ورد في اخبار ( 3 ) كثيرة جوازالوعد الكاذب . . . الخ .

وهذه الاخبار لشمولها لما اذا كان الوعد على سبيل الاخبار توجب تقييد ما

دل على حرمة الكذب ، كما انها تقييد مادل على لزوم الوفاء بالوعد او رجحانه .

 

الكهانة

 

التاسعة عشرة الكهانة حرام بالاخلاف .

والكلام في هذه المسألة يقع في مواضع :

الاول : ان الكهانة على مايستفاد من كلمات اللغويين وخبر الاحتجاج : هي

الاخبار عن الغائبات لاتصال المخبر بالجن والشيطان ، والقيود المعتبرة فيها او قيل

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 141 من ابواب احكام العشرة حديث 6 .

( 2 ) الوسائل - باب 144 - من ابواب احكام العشرة حديث 10 .

( 3 ) الوسائل باب 141 من ابواب احكام العشرة . ( * )

 

 

[ . . . ]

باعتبارها امور ، وقبل بيانها لابد وان يعلم ان كل قيد شك في اعتباره ولم يدل على

عدمه دليل لابد من البناء على اعتباره اخذا بالمتيقن :

احدها : كون الاخبار بواسطة الاتصال بالجن والشيطان كما صرح به الاكثر ،

فما عن ظاهر النهاية من كون الكهانة بغير قذف الشياطين غير تام ، وقوله عليه

السلام في خبر الاحتجاج وذلك في وجوه شتى : فراسة العين ، وذكاء القلب ، ووسوسة

النفس ، وفطنة الروح مع قذف في قلبه ( 1 ) لايدل عليه لاحتمال رجوع القيد الى

الجميع ، بل هو الظاهر بواسطة التعليل بقوله لان مايحدث في الارض من الحوادث

الظاهرة فذلك يعلم الشيطان .

ثانيها : كون المخبر به امرا استقباليا ، فالاخبار عن الامور الماضية اوالكائنة

بالفعل لايكون من الكهانة .

ويشهد له - مضافا الى تصريح جمع من اللغويين به - قوله عليه السلام في

خبر الاحتجاج : تؤدي الى الشياطين - اي الكهنة - مايحدث في البعد من الحوادث .

ولكن دعوى عدم اعتبار هذا القيد بحسب المتفاهم العرفي المؤيد باطلاق

كلمات اكثر الفقهاء ليست ببعيدة ، بل صحيح الهيثم الاتي دال عليه كما ستعرف .

ثالثها : ان يكون مركبا من الاخبار بخبر السماء والاخبار بخبر الارض .

واستدل له : بقوله عليه السلام في خبر الاحتجاج : فمنذ منعت الشياطين عن

استراق السمع انقطعت الكهانة .

ولكن الاظهر ان للكهانة قسمين : الاول : ان يخبر الكاهن عن الحوادث

المستقبلة ، لاتصاله بالشياطين المخبرة عن اخبار السماء .

الثاني : ان يخبر الكاهن عن الكائنات الارضية للاتصال بالشياطين والجن

..............................................................................

( 1 ) احتجاج الطبرسي ص 185 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المخبرة عن الاخبار الارضية ، وقد اطلق الكاهن في خبر الاحتجاج على القسم الثاني ،

كما اطلق فيه على الاول ، لاحظ قوله عليه السلام فيه : لان مايحدث في الارض من

الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤديه الكاهن . ويخبره بما يحدث في المنازل

والاطراف ، وقوله عليه السلام فيه : واليوم انما يؤدي الشيطان الى كهانها اخبار الناس

مما يتحدثون به . . . الخ وعليه فتحمل الكهانة في قوله انقطعت الكهانة على الكهانة

الكاملة اي القسم الاول :

الثاني : الظاهر جواز تسخير الجن للكهانة ، وقد تقدم الكلام فيه في آخر مبحث

السحر .

الثالث : تحرم الكهانة وتشهد له جملة من النصوص : كخبر ابي بصير عن

مولانا الصادق ( ع ) : من تكهن اوتكهن له فقد برئ من دين محمد صلى الله عليه

وآله ( 1 ) .

ونحوه غيره ، وقد تقدم بعضها في مبحث التنجيم ، والسحر .

الرابع : يحرم الرجوع الى الكاهن والعمل بقوله وترتيب الاثر عليه لجملة من

النصوص الناهية عن اتيان الكاهن : كخبر الخصال المتقدم ، والصحيح الهيثم الاتي

وغيرهما ، فان الاتيان الى الكاهن والمجئ اليه كناية عن تصديقه والعمل بقوله .

الخامس : لايجوز اخذ الاجرة على اخبار لكونه عملا لايترتب عليه

اثر جائز ، ولخبر السكوني عن الامام الصادق عليه السلام : جعل من السحت اجر

الكاهن ( 2 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 26 - من ابواب مايكتسب به - حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 5 - من ابواب مايكتسب به - حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

الاخبار عن الامور المستقبلة .

 

ثم انه قد استدل لحرمة الاخبار عن الغائبات والامور المستقبلة بامور : الاول :

صحيح الهيثم عن الامام الصادق عليه السلام قال : قلت له ان عندنا بالجزيرة رجلا

ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشئ يسرق اوشبه ذلك فنسأله ؟

فقال : قال رسول

الله صلى الله عليه وآله : من مشى الى ساحر او كاهن او كذاب يصدقه فيما يقول فقد

كفر بما انزل الله من كتاب ( 1 ) . بتقريب انه يدل على حصر المخبر بالشئ الغائب

بالساحر والكاهن والكذاب ، جعل الكل حراما .

وفيه : اولا : انه يدل على حصر المحرم من الاخبار عن الغائبات باخبار هذه

الطوائف الثلاث لاحصر المخبر عنها به كما لايخفى .

وثانيا : انه بقرينة السؤال ظاهر في الاخبار عن الامور الماضية ، ولم يستشكل

احد في جوازه اذا لم يكن بالكهانة .

وثالثا : انه يدل على حرمة الرجوع وتصديق المخبر ، وهي لاتلازم حرمة

الاخبار ، كما في حرمة تصديق الفاسق وشهادة العدل الواحد في بعض الموارد ، مع جواز

اخبار الفاسق وجواز الشهادة للعادل ، بل وجوبها احيانا عليه .

الثاني : قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج لئلا يقع الارض سبب يشاكل

الوحي بتقريب انه يدل على مبغوضية الاخبار عن الغائبات لمشاكلته للوحي من اي

سبب كان .

وفيه : اولا : انه يدل على المبغوضية التكوينية ، ولذا قطع الله سبحانه سببه بمنع

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 26 من ابواب مايكتسب به حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الشياطين عن الاطلاع على السماء واخباره منعا تكوينيا .

وثانيا : انه مختص بالاخبار عن السماء بل يدل على عدم المنع من الاخبار عن

الغائبات من الكائنات في الارض

الثالث : قوله عليه السلام في حديث المناهي انه نهى عن اتيان العراف وقال :

من اتاه وصدقه فقد برئ مما انزل الله عزوجل على محمد صلى الله عليه وآله ( 1 ) اذ

المخبر عن الغائبات في المستقبل كاهن يخص باسم العراف .

وفيه : اولا : انه ضعيف السند .

وثانيا : انه يدل على حرمة تصديقه ، وقد مر انها لاتلازم حرمة الاخبار .

فتحصل : انه لادليل على حرمته ، وعليه فان كان جازما بالمخبر عنه جاز ، والا

حرم لكونه من الكذب المحرم .

 

حرمة اللهو

 

العشرون : نسب الشيخ الى المبسوط والسرائر والمعتبر والقواعد والذكرى

والجعفرية وغيرها : ان اللهو حرام .

ولكن الكلمات التي ذكرها ره لادلالة فيها على ارادة حرمة اللهو بقول مطلق ،

فانها متضمنة لحرمة طلب الصيد لللهو ، ومعلوم ان قولهم لللهو ليس تعليلا للحرمة ،

بل هو قيد للطلب ، وعليه فمرادهم ان الصيد لللهو لاللانتفاع وغيره من الاغراض

العقلائية حرام ، وهذا لايلازم حرمة اللهو بقول مطلق ، اذ لعل في هذا الفعل اللهوي

 خصوصية وهي ايذاء الحيوانات بلا جهة ، نعم بعضها ظاهر في ذلك كقول المحقق في

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 26 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

محكي المعتبر : قال علماؤنا : اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا لايترخص لنا ان اللهو

حرام فالسفر له معصية .

وكيف كان : فتنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موردين :

الاول : في بيان الموضوع .

فقد احتمل الشيخ ره فيه احتمالات ثلاثة : الاول : ان يراد به مطلق اللعب كما

يظهر من الصحاح والقاموس .

الثاني : هو اللعب عن بطر ، اي شدة الفرح - والظاهر ان مراده هو الحركة

لالغرض عقلائي - الناشئة عن شدة الفرح كالرقص ، اوالموجبة لها كالضرب

بالطشت .

الثالث : هي الحركات التي لايتعلق بها غرض عقلائي مع انبعاثها عن القوى

الشهوية .

ولكن يرد عليه - مضافا الى مافي الاحتمال الاخير من نحو من الاجمال ، اذ

تحصيل مقتضيات القوى الشهوية بانفسها اغراض عقلائية . فتأمل - ان الظاهر ان

اللهو من افعال النفس ، بمعنى انه عنوان منطبق عليها ، ولاربط له بالافعال

الجوارحية ، وليس كاللعب منطبقا على تلك الافعال كما يظهر لمن تدبر في مشتقات

هذا اللفظ ، لاحظ قوله تعالى ( لاهية قلوبهم ( 1 ) اي ساهية غافلة مشغولة بالباطل

عن الحق وتذكره ، وقوله تعالى ( الهيكم التكاثر ) ( 2 ) اي شغلكم التفاخر والتباهي

بكثرة المال عن الاخرة ، وقوله تعالى ( لاتلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله ) ( 3 )

..............................................................................

( 1 ) سورة الانبياء - آية 4 .

( 2 ) سورة التكاثر - آية 2 .

( 3 ) سورة النور - آية 38 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقوله ( فانت عنه تلهى ) ( 1 ) ولذا قيل في قول لهو الحديث : ان الاضافة بمعنى من ،

لان اللهو يكون من الحديث وغيره ، واطلاقه على بعض الافعال الجوارحية كالغناء

انما هو من باب اطلاق اللفظ الموضوع للمسبب على السبب .

وعليه فاللهو هو اشتغال النفس باللذائد الشهوية بلاقصد غاية ، وان كانت

الغاية حاصلة سواء صدرت منه حركة جوارحية ام لا ، كما ذكره بعض المحققين .

المورد الثاني : في حكمه .

فقد استدل الشيخ ره لحرمة مطلق اللهو بجملة من النصوص .

منها : خبر تحف العقول : ومايكون منه وفيه الفساد محضا ولايكون منه ولافيه

شئ من وجوه الصلاح فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به واخذ الاجر عليه ( 2 ) . بدعوى

ان اللهو من هذا القبيل .

وفيه : اولا : انه ضعيف السند .

وثانيا : ان كون اللهو مما يجئ منه الفساد محضا يتوقف على ثبوت حرمته ، اذ

لو كان جائزا لما كان من هذا القسم واثبات حرمته بهذا الخبر دور واضح ، وان شئت

قلت : ان الخبر متضمن لبيان الكبرى ، وهي ان مايجئ منه الفساد محضا يحرم العمل

به جميع التقلبات فيه ، واما احراز الصغرى فلابد وان يكون بدليل آخر ، وكون اللهو

من مصاديقها اول الكلام .

ومنها : خبر الاعمش عن مولانا الصادق عليه السلام وقد عد من الكبائر

الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء وضرب الاوتار ( 3 ) . بدعوى ان

الملاهي جمع الملهي مصدرا او الملهي وصفا لاالملهاة آلة لانه لايناسب التمثيل بالغناء .

..............................................................................

( 1 ) سورة عبس - آية 10 .

( 2 ) الوسائل - باب 4 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 46 - من ابواب جهاد النفس حديث 36 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وفيه : اولا : ان الخبر ضعيف السند كما تقدم .

وثانيا : انه يدل على حرمة اللهو الذي يصد عن ذكر الله ، اي يوجب حالة

الاحتجاب للنفس كالغناء وشبهه ، فلا دلالة فيه على حرمة اللهو المطلق .

وثالثا : انه يحتمل ان تكون الملاهي جمع الملهاة التي هي اسم الالة ، ومناسبته

مع التمثيل بالغناء انما هي لاجل ارادة الغناء في آلة اللهو .

ومنها حسن الفضل بن شاذان عن الامام الرضا عليه السلام وقد عد فيه

الاشتغال بالملاهي من الكبائر ( 1 ) .

وفيه : ان الظاهر من اللغة كون الملاهي جمع الملهاة اسم الالة ، ولاصارف عن

هذا الظهور ، بل يؤكده ان الظاهر من الباء في صدرها الاستعانة ، وزيادة كلمة

الاشتغال قبل كلمة الملاهي ، وعليه فهو يدل على ان استعمال آلات اللهو حرام ولا

نزاع في ذلك ، ولادلالة له على حرمة اللهو المطلق .

ومنها : خبر عبد الله بن علي عن علي بن موسى عن آبائه عن الامام علي

عليهم السلام : كل ماالهي عن ذكر الله فهو من الميسر ( 2 ) .

وفيه : اولا : ان الخبر ضعيف السند كما تقدم في مبحث القمار .

وثانيا : انه بعد مالاريب في ان المراد ليس جعل كل مايجوب الالتهاء عن

ذكر الله بمعنى الاشتغال الفعلي عنه من الميسر المحرم ، اذ كل فعل مباح يكون

كذلك ، فلابد من حملة على ارادة حصول حالة الاحتجاب للنفس من تلك المعصيه .

ومنها : خبر زرارة عن الامام الباقر عليه السلام في جواب من خرج في السفر

يطلب الصيد بالبزاة والقصور : انما خرج في لهو لايقصر ( 3 )

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 46 من ابواب جهاد النفس حديث 33 .

( 2 ) الوسائل باب 100 - من ابواب مايكتسب به حديث 15 .

 ( 3 ) الوسائل - باب 9 - من ابواب صلاة المسافر حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقريب منه جملة من النصوص .

وفيه : اولا ان هذه الطائفة تدل على ان السفر للصيد اللهوي لايوجب القصر ،

وهذا لايلازم الحرمة ، اذ وجوب اعم من كون السفر معصية .

وثانيا : انها لو دلت على الحرمة فانما تدل على حرمة الصيد اللهوي ، وهذه

لاتلازم حرمة اللهو بقول مطلق ، اذ لعل في هذا القسم منه خصوصية كما تقدم .

ومنها : خبر ابي عباد عن الامام الرضا عليه السلام عن السماع فقال : لاهل

الحجاز فيه رأي ، وهو في حيز الباطل واللهو ( 1 ) .

وفيه : اولا : انه ضعيف السند ، لان ابا عباد امامي مجهول .

وثانيا : انه لايدل على حرمة اللهو ، وكون الغناء المحرم من اقسامه لايدل على

حرمة مطلقه .

ومنها : خبر عبد الاعلى عن الامام الصادق عليه السلا عن الغناء وقلت : انهم

يزعمون ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في ان يقال جئناكم - الى ان

قال - كذبوا ان الله عزوجل يقول ( لو اردنا ان نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا . . .

الخ ) ( 2 ) .

وفيه : اولا : ان الخبر ضعيف السند كما تقدم .

وثانيا : انه يدل على ان اللهو لايناسب ساحته المقدسة ، وهذا لايلازم حرمته

علينا كما هو واضح ، والاستشهاد بالاية الشريفة لحرمة القول المزبور انما هو من قبيل

ذكر المناسبات .

ومنها : مادل على ان اللهو من الباطل ( 3 ) ، بضميمة مايظهر منه حرمة الباطل .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 99 من ابواب مايكتسب به - حديث 19 .

( 2 ) الوسائل باب 99 من ابواب مايكتسب به حديث 15 .

( 3 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب احكام السبق والرماية حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وفيه : انه لم يدل على حرمة الباطل العرفي دليل ، وغاية مايستفاد من الادلة

حرمة قسم خاص منه ، ومما ذكرناه ظهر الحال فيما ايد به الشيخ ره .

ولو تنزلنا عما ذكرناه وسلمنا دلالة ماتقدم على حرمة اللهو بقول مطلق ،

لامناص عن حمله على قسم خاص منه ، وذلك لما عرفت من ان اللهو هو الاشتغال

عن الله تعالى ، وحيث لاريب في ان مجرد الاشتغال الفعلي لايكون حراما والا لزم

حرمة جميع الافعال المباحة ، فلا محيص عن ارادة حالة الالتهاء عن الله ، وهي لاتحصل

الا عن بعض الامور ، وقد دل الدليل على ان بعض الاشياء منها ، فما لم يدل دليل على

منشأية فعل لحصول تلك الحالة لما كان وجه للحكم بحرمته .

 

اللعب واللغو

 

وليعلم ان هنا عنوانين آخرين ، اللعب واللغو لابد من التعرض لهما .

اما اللعب : فهو الفعل لغاية الالتذاذ بلا قصد غاية اخرى .

واما حكمه : فعن الحلي والطبرسي : حرمته بقول مطلق ، وقد اختار الشيخ ره

كراهته .

ولكن حيث لم يدل دليل على حرمته ولا على كراهته ، فالاظهر عدم الكراهة

ايضا ، والمرسل المروي عن مجمع البيان : كل لعب حرام الاثلاثة : لعب الرجل بقوسه

وفرسه واهله .

لارساله لايعتمد عليه ، واظن انه اراد الطبرسي بذلك ماعن النبي

صلى الله عليه وآله - المروي في الوسائل في حديث - : كل اللهو باطل الا في ثلاث :

 في تأديبه الفرس ، ورميه عن قوسه ، وملاعبة امرأته فانهم حق ( 1 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 1 - من ابواب احكام السبق والرماية - حديث 5.

 

 

[ . . . ]

وعليه فيرد عليه - مضافا الى انه انما يكون في اللهو لااللعب ، ومضافا الى

ضعف سنده للرفع - : انه يدل على ان كل اللهو باطل ، ولا دليل على حرمة الباطل ،

اضف الى ذلك كله قيام الضرورة على جواز اللعب في الجملة ، وكونه من المباحات

كاللعب باللحية او الاحجار او الحبل او نحوها ، وعليه فلو دل دليل على النهي عنه

لابد من حمله على قسم خاص منه .

واما اللغو : فهو الفعل الخالي عن الغاية ، والشيخ ره استظهر من خبر ابي عباد

المتقدم اتحاد اللغو واللهو لاستشاده عليه السلام بالاية الشريفة ( واذ مروا باللغو

مروا كراما ) ( 1 ) لحرمة الغناء الذي قال عليه السلام فيه : انه في حيز الباطل واللهو .

ولكن يرد عليه - مضافا الى ضعف سنده كما تقدم - : انه انما يدل على صدق

العنوانين في بعض الموارد وهو السماع ، حيث انه لغو في نفسه واستماعه يوجب حالة

الالتهاء عن الله تعالى ، فلا دلالة فيه على اتحاد مفهومهما .

واما حكمه : فقد استدل لحرمته تازة : بالاية الشريفة ، واخرى : بخبر الكابلي

عن سيد الساجدين ( ع ) تفسير الذنوب التي تهتك العصم بشرب الخمر واللعب

بالقمار وتعاطي مايضحك الناس من اللغو والمزاح وذكر عيوب الناس ( 2 ) وثالثة : بوصية

النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابي ذر : ان الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس

ليضحكهم بها فيهوى في جهنم مابين السماء والارض ( 3 ) .

وفي الجميع نظر : اما الاية الشريفة : وفالظاهر ولااقل من المحتمل عدم ارادة

مطلق اللغو منها ، حيث انها ليست الا في مقام بيان مايترتب على التجنب عن اللغو ،

فلا يمكن التمسك باطلاقها ، والمتيقن منها ارادة الغناء ، مع انه لاظهور في الاية الا

..............................................................................

( 1 ) سورة الفرقان - آية 73 .

( 2 ) الوسائل - باب 41 - من ابواب الامر والنهي من كتاب الامر بالمعروف حديث .

( 3 ) الوسائل - باب 140 - من ابواب احكام العشرة في السفر والحضر حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

في رجحان التجنب عنه ، ولاتدل على لزومه ، مضافا الى انها في مقام بيان مايتريب

على الاعراض عن اللغو ، وان الراجح هو المرور باللغو مرور الكرام ، فسبيل هذه

الاية سبيل قوله تعالى ( والذين هم عن اللغو معرضون ) وقوله تعالى ( واذا سمعوا

اللغو اعرضوا عنه ) .

واما خبر الكابلي : فمضافا الى ضعف سنده لبكر بن عبد الله بن حبيب : انه

في مقام بيان الذنوب التي تترتب عليها هذه الخاصية وهي هتك العصم المفروغة

ذنبيتها ، وليس في مقام بيان حرمة اللغو ، وان شئت قلت : ان المستفاد منه حرمة اللغو

الموجب لهتك عصم الناس كسخرية المؤمن ونحوها ، ولايستفاد منه حرمة مطلق اللغو .

واما الخبر المتضمن لوصية النبي صلى الله عليه وآله : فمضافا الى ضعف سنده

كما تقدم : ان الظاهر منه انه ربما يتكلم الانسان بكلمة تكون كذلك لاان كل مزاح

كذلك ، فلعل مايكون كذلك هو ماكان من قبيل الغيبة اوالسخرية .

واما مااورده المحقق الايرواني ره عليه بان الهوى كناية عن انحطاط مقامه

ولو بالاحباط من حسناته ونوافله فلادلالة فيه على التحريم ، فيرده : ان هذا يتم في

الجملة التي نقلها الشيخ في المكاسب ، واما في الجملة التي في الخبر نقلناها وهي قوله

فيهوى في جهنم فلا يتم ذلك كما هو واضح .

 

مدح من لايستحق المدح

 

الحادية والعشرون : مدح من لايستحق المدح اويستحق الذم ، ذكره

المصنف ره في المكاسب المحرمة .

اقول : ليس محل الكلام هو المدح بالجملة الخبرية بما ليس فيه ، فانه حينئذ

يكون كذبا ويدل على حرمته جميع مادل على حرمة الكذب ، بل المراد هو المدح بها

 

 

[ . . . ]

بما فيه اومدحه بالجملة الانشائية ، ثم ان المراد من من لايستحق المدح هو من كان

عدوا لله لكفره عصيانه .

وقد استدل الشيخ ره لحرمته بامور : الاول : حكم العقل بقبح ذلك .

وفيه : ان العقل وان كان يدرك ذلك ولكن كونه بنحو يلازم حرمته شرعا غير

معلوم ، وان شئت قلت : ان العقل يراه خلقا رديا لامحرما مالم ينطبق عليه عنوان محرم

آخر كتقوية الظالم ونحوها ولم يكن الممدوح ممن يجب البراءة عنه لكونه مبدعا في

الدين .

الثاني : الاية الشريفة ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) ( 1 )

وتقريب الاستدلال بها : ان الركون هو الميل اليهم ، فاذا حرم الميل القلبي حرم المدح

بالاولوية ، اوان المدح من مصاديق الميل ، اذ الميل اعم من الميل القلبي والميل

الخارجي .

وفيه : ان المنهي عنه هو الركون الى الظالم لامطلق العاصي وان كان كل عاص

ظالما ، الا ان المتبادر منه بحسب المتفاهم العرفي هو من شاع اطلاق الظالم عليه ، اي

الحاكم الجائر او الظالم لغيره بجناية او سرقة ، ويؤيده صحيح ابي حمزة عن سيد

الساجدين عليه السلام : اياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ( 2 ) . اذ المقابلة آية

التعدد ، وعليه فلاربط لها بالمقام ، نعم بعض مصاديق مدح من لايستحقق المدح يحرم

لكونه ركونا الى الظالم .

الثالث : مارواه الصدوق ره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من عظم

صاحب دنيا واحبه لطمع دنياه سخط الله عليه وكان في درجته مع قارون في التابوت

..............................................................................

( 1 ) سورة هود آية 114 .

( 2 ) الوسائل - باب 42 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الاسفل من النار ( 1 ) . اذ المدح من مصاديق التعظيم .

وفيه : اولا : ان الخبر ضعيف السند لحفص بن عائشة الكوفي وغيره .

وثانيا : ان الظاهر ولااقل من المحتمل ان المراد من صاحب دنيا هو السلطان

الجائر وذلك لوجوه : الاول : ان تعظيم صاحب المال ، لاسيما اذا كان من المطيعين لله

تعالى طمعا في ماله لم يفت احد بحرمته ، بل السيرة جارية على جوازه .

الثاني : عدم صحة هذا الاطلاق على من له المال فقط .

الثالث : سياق سائر عبارات الخبر ، وعليه فسبيله سبيل الخبر الاتي .

الرابع : قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المناهي : من مدح سلطانا

جائرا اوتخفف وتضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار ( 2 ) .

وفيه : اولا : ان الخبر ضعيف السند اما تقدم .

وثانيا : انه مختص بمدح السلطان الجائر ، ثم انه على فرض دلالة الدليل على

حرمة مدح من لايستحق المدح تختص حرمته بما اذا لم يضطر اليه لدفع ضرر ، والا

فلاريب في جواره .

ويشهد له - مضافا الى اختصاص الخبرين بغير هذا المورد - : عموم ادلة

التقية ، فانها تدل على جوازها في كل خوف وضرورة .

وقد استدل الشيخ ره والاستاذ الاعظم عليه بما في جملة من النصوص : ان شر

الناس عندالله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم ( 3 ) .

وفيه انه لايدل على جواز اكرم المكرمين كما لايخفى .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 42 من ابواب مايكتسب به حديث 14 .

( 2 ) الوسائل - باب 43 من ابواب مايكتسب به حديث 1 .

( 3 ) الوسائل - باب 70 من ابواب جهاد النفس . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

حرمة معونة الظالمين

 

الثانية والعشرون : قد طفحت كلماتهم بان معونة الظالمين في ظلمهم حرام .

هاهنا مسائل :

الاولى : لاريب ولا كلام في حرمة معونة الظالمين في ظلمهم ، وتشهد لحرمتها

الادلة الاربعة :

اما الاجماع : فواضح .

واما العقل : فلانه كما يستقل بقبح الظلم يستقل بقبح اعانة الظالم في ظلمه .

واما الكتاب : فقوله تعالى ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) ( 1 )

اذ الركون هو الميل فتدل الاية على حرمة المعونة بالاولوية ، او المراد به الدخول معهم

في ظلمهم .

واما السنة : فنصوص كثيرة : كصحيح ابي حمزة عن سيد الساجدين عليه

السلام : اياكم وصحبه العاصين ومعونة الظالمين ( 2 ) .

وخبر طلحة بن زيد عن الامام الصادق عليه السلام : العامل بالظلم والمعين

له والراضي به شركاء ثلاثتهم ( 3 ) . ونحو هما غير هما .

ثم انه على فرض صحة تقسيم الذنوب الى الكبائر والصغائر تكون معونة

الظالمين من الكبائر ، للتوعيد عليها في كتاب الله تعالى وفي النصوص التي اشار

الشيخ ره الى بعضها ، ثم ان المراد بالظالم هو الظالم للغير كما تقدم في المبحث المتقدم

..............................................................................

( 1 ) سورة هود - الاية 114 .

( 2 ) الوسائل - باب 42 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 .

 ( 3 ) الوسائل باب 42 من ابواب مايكتسب به حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ولايعم الظالم لنفسه بالمعصية ، ثم انه قد استدل على حرمة معونة الظالمين بالاية

الشريفة ( ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ) ( 1 ) ولكن قد تقدم في مبحث الاعانة على

الاثم : ان التعاون غير الاعانة . فراجع .

المسألة الثانية : تحرم صيرورة الشخص من اعوان الظلمة وتشهد له - مضافا

الى الادلة المتقدمة - جملة من النصوص : كخبر الكاهلي عن مولانا الصادق ( ع ) : من

سود اسمه في ديوان ولد سابع مقلوب عباس حشره الله يوم القيامة خنزيرا ( 2 ) .

ونحوه غيره .

وسيأتي في المسألة الثالثة : ان طائفة من النصوص تدل على حرمة صيرورة

الشخص عونا للظالم وان كان عمله غير مربوط بظلمه ، وعليه فترديد المحققين

الشيرازيين في حرمة كون الشخص عونا للظالم ولو في مالايرتبط بمظالمه بل الافتاء

بجوازه في غير محله .

 

اعانة الظالم في غير جهة ظلمه

 

المسألة الثالثة : قال الشيخ : واما معونتهم في غير المحرمات فظاهر كثير من

الاخبار حرمتها ، ولكن المشهور بين الاصحاب عدم حرمتها ، بل عن العلامة

الطباطبائي : الاجماع عليه .

وقد استدل للحرمة بنصوص كثيرة ، ولكنها لاتدل على ذلك ، اذ الاخبار على

طوائف :

..............................................................................

( 1 ) سورة المائدة - آية 3 .

( 2 ) الوسائل - باب 42 - من ابواب مايكتسب به حديث - 9 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الاولى : مادل على الحرمة فيما اذا صدق على المعين عنوان عون الظالم وكان

معدودا في العرف من المنسوبين اليه بان يقال : هذا كاتب الظالم مثلا : كحسن محمد

بن عذافر عن ابيه عن مولانا الصادق عليه السلام : ياعذافر نبئت انك تعامل ابا

ايوب والربيع ، فما حالك اذا نودي بك في اعوان الظلمة ( 1 ) . اذ الظاهر منه ان عذافر

كان دأبه المعاملة مع الظلمة بحيث كان يعد من اعوانهم .

وخبر ابن ابي يعفور قال ، كنت عند ابي عبد الله عليه السلام اذ دخل عليه

رجل اصحابنا فقال : جعلت فداك ربما اصاب الرجل منا الضيق والشدة فيدعي

الى البناء يبنيه او النهر يكريه او المسناة يصلحها فما تقول في ذلك ؟ فقال ابو عبد الله

عليه السلام : مااحب اني عقدت لهم عقدة - الى ان قال - ان اعوان الظلمة يوم

القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد ( 2 ) . اذ الظاهر من تطبيق الامام

عليه السلام قوله : ان اعوان . . . الخ ان الرجل المسؤول عنه هو من تصيبه الشدة

فيلتجئ الى الظالمين بحيث يكون ارتزاقه من قبلهم .

الثانية : مايدل على حرمة تعظيم شوكتهم والعمل بما يكون راجعا الى شأن

من شئون الرئاسة : كحسن يونس بن يعقوب عن الامام الصادق عليه السلام : لا

تعنهم على بناء مسجد ( 3 ) . فان بناء المسجد تعظيم لشوكتهم وتحصيل لشأن من شؤون

الرئاسة .

الثالثة : مادل على حرمة محبتهم : كخبر صفوان الظاهر في المنع عن اكرائه

الجمال من هارون الرشيد ، وفيه : اتحب بقائهم حتى يخرج كراؤك ؟ قلت : نعم ، قال : من

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 42 من ابواب مايكتسب به حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 42 من ابواب مايكتسب به حديث 6 .

( 3 ) الوسائل - باب 42 - من ابواب مايكتسب به حديث 8 . ( * )

 

 

[ . . . ]

احب بقائهم فهو منهم ، ومن كان منهم كان ورد النار ( 1 ) . بل هذا الخبر ادل على الجواز ،

اذ الامام عليه السلام ردعه عن محبة بقائهم ، وعلى ذلك يحمل مافي خبر العياشي

الاتي : النظر اليهم على العمد من الكبائر التي بها يستحق النار ، اي النظر على وجه

المحبة .

الرابعة : مايكون ظاهرا في حرمة معونتهم مطلقا ظهورا بدويا : كصحيح ابي

حمزة عن السجاد عليه السلام : اياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ( 2 ) .

وموثق السكوني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اذا كان يوم القيامة نادي

مناد : اين اعوان الظلمة ومن لاق لهم دواتا او ربط كيسا او مد لهم مدة قلم فاحشروهم

معهم ( 3 ) .

وخبر العياشي عن الامام الرضا عليه السلام : الدخول في اعمالهم والعون لهم

والسعي في حوائجهم عديل الكفر ( 4 ) .

ولكن يتعين حملها على ان المراد معونتهم في ظلمهم ، وذلك لوجهين :

الاول : قيام الضرورة على جواز المعونة في الجملة ، كبذل الطعام والشراب لهم

والمعاملة معهم .

الثاني : مناسبة الحكم والموضوع .

فتحصل مما ذكرناه : ان المحرم عناوين اربعة : الاعانة لهم في ظلمهم ، وصيرورة

الانسان من اعوانهم ، وتعظيم شوكتهم ، ومحبتهم ، واما غير ذلك فلا دليل على حرمته .

ولايخفى ان جملة من النصوص المتقدمة ضعيفة السند ، الا انه لاجل مطابقة مضامينها

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 42 - من ابواب مايكتسب به حديث 17 .

( 2 ) الوسائل باب 42 من ابواب مايكتسب به حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 42 من ابواب مايكتسب به حديث 11 .

( 4 ) الوسائل باب 45 من ابواب مايكتسب به حديث 12 . ( * )

 

 

[ . . . ]

لنصوص معتبرة اغمضناه عن التعرض لذلك .

 

حرمة النجش

 

الثالثة والعشرون : المشهور بين الاصحاب : ان النجش حرام ، وعن جامع

المقاصد والمنتهى ، الاجماع عليه .

الكلام يقع في مقامين : الاول : في بيان موضوعه .

الثاني : في بيان حكمه .

اما الاول : فقد وقع النزاع فيه في جهات .

الاولى : ان النجش هل هو زيادة الرجل في ثمن السلعة ليسمعه غيره فيزيد

بزيادته ام هو مدح السلعة في البيع لينفقها ويروجها ، ام هو الجامع بينهما ؟ الظاهر هو

الاخير كما يظهر لمن راجع كلمات اللغويين ، وقد صرح بالتعميم في مجمع البيان

والمنجد . وهو المحكي عن تاج العروس وابراهيم الحربي وابي عبيد .

الثانية : هل يعتبر في صدق النجش المواطاة مع البائع ، ام لا ؟ ظاهر كلمات اكثر

اللغويين - لو لم يكن صريحها - عدم اعتبار ذلك ، ومافي كلمات بعضهم من ذكر هذا

القيد الظاهر انه واقع موقع الغالب ، اذ الغالب عدم النجش الا مع المواطاة مع البائع

كما هو واضح .

الثالثة : هل يعتبر في صدقه بالمعنى الاول عدم ارادة الشراء اصلا ، ام يكفي

عدم الرغبة في شراء العين ، وانما يزيد لغرض ايصال النفع الى البائع او اظهار الثروة

والتمول او غير ذلك ؟ الظاهر ولااقل من المتيقن هو الاول .

الرابعة : هل يعتبر في صدقه وقوع البيع على ازيد من القيمة السوقية ، ام يكفي

وقوعه على ازيد من ماكان يشتريه لولا النجش ، وان كان باقل من قيمته السوقية

 

 

[ . . . ]

او بما يساويها ؟ وجهان : المتيقن هو الاول ، وقد صرح به جمع من اللغويين .

واما المقام الثاني فقد استدل للحرمة بامور :

الاول : انه اضرار وهو حرام .

وفيه : ان المشتري انما يقدم على الضرر باختياره .

الثاني : انه غش وتلبيس ، وقد مر ان غش المؤمن في المعاملة حرام .

وفيه : اولا : ان هذا الوجه يختص بما اذا كان الناجش من اهل الخبرة كي

تكون زيادته كاشفة عن ان السلعة تسوي بذلك ، ويكون الناجش عالما بانها

لاتسوي بذلك ، والمشتري جاهلا به كما لايخفى .

وثانيا : ان المتيقن من الغش المحرم في المعاملة هو مزج المبيع او اخفاء عيبه ،

واما مدح السلعة مثلا فليس من هذا القبيل ، الا ترى انه لم يفت احد بحرمة مدح

البائع سلعته ليرغب المشتري فيها ، فلو كان يصدق الغش لكان محرما .

الثالث : حكم العقل بقبحه .

وفيه : ان حكمه بالقبح بحد يستتبع جعل الحرمة غير ثابت .

الرابع : دليل حرمة المغالبة بقول مطلق وفيه انه لادليل عليها ، مع انها لاتصدق

على مدح السلعة .

الخامس : ادلة حرمة الكذب ، فان النجش تارة يكون بالكذب الصريح ،

واخرى يتضمن ذلك لتضمنه الاخبار بانه مقدم على الشراء بهذا الثمن ، او انه يسوي

بهذه القيمة ، مضافا الى وجود مناط حرمة الكذب وهو الاغراء فيه ، استدل بهذا الوجه

جمع من الاساطين .

الظاهر ان النجش ان كان بمدح السلعة بما ليس فيها ، او كان بزيادة الثمن

بان يقول : ان هذه السلعة تسوي بهذه القيمة ، او اني اشتريه بها وهو لايريد شرائها ،

فهو كذب صريح ويكون حراما لذلك ، والا كما لو مدحها بما فيما ولكن بالغ في

 

 

[ . . . ]

مدحها او زاد الثمن لابالاخبار ، كما لو قال : بعني بهذا الثمن مثلا ، فلا وجه لحرمته ،

اذ مجرد تخيل المشتري انه بنظر الناجش السلعة تسوي بهذه القيمة لايوجب اتصاف

كلامه بالكذب لما عرفت من ان الكذب هو عدم مطابقة مراد المتكلم للواقع . فراجع .

وكون مناط حرمة الكذب الاغراء غير معلوم ، بل معلوم العدم لحرمة الكذب

وان كان المخاطب مثلا عالما بعلم المتكلم عدم مطابقة المخبر عنه للواقع .

السادس : خبر عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام : عن رسول

الله صلى الله عليه وآله : الواشمة والمتوشمة والناجش والمنجوش ملعونون على لسان

محمد صلى الله عليه وآله ( 1 ) .

واورد عليه الاستاذ الاعظم : بضعف السند ، وبانه مختص بصورة مواطاة

الناجش مع البائع على النجش للعن المنجوش له .

لكن : لاوجه لدعوى ضعف السند سوى وجود محمد بن سنان في طريقه ، وهو

وان كان ضعيفا على المشهور ، الا ان الاظهر اعتبار روايته .

واما الايراد الثاني : فيدفعه انه يدل على لعن المنجوش له ايضا لاعلى

اختصاص لعن الناجش بما اذا كان هناك منجوش له مستحق للذم واللعن كي تتم

دعوى الاختصاص .

فالحق ان يورد عليه : بان اللعن اعم من الحرمة ، لانه دعاء بالابعاد المطلق

الشامل للكراهة ، ولذا استعمل في المكروهات في بعض النصوص .

السابع : قول النبي صلى الله عليه وآله : لاتناجشوا ولاتدابروا ( 2 ) .

وفيه : انه ضعيف السند ، اذ في طريقه علي بن عبد العزيز المجهول ، واعتماد

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 49 - من ابواب آداب التجارة - حديث 2 .

( 2 ) الوسائل - باب 49 - من ابواب آداب التجارة حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الاصحاب عليه غير معلوم ، فلا وجه لدعوى الانجبار .

واورد عليه الاستاذ الاعظم : بانه مختص بصورة مواطاة الناجش مع البائع ، اذ

المنهي عنه هو التناجش .

وفيه : ان التناجش ليس هو النجش مع المواطاة ، بل هو عبارة عن زياة اثنين

او ازيد في ثمن السلعة ليسمع غيرهما فيزيد بزيادتهما كما هو المتعارف في الحراج

المتداول في هذا الزمان .

الثامن : النبوي : انه صلى الله عليه وآله نهى عن النجش ( 1 ) .

وفيه : انه مرسل ، ودعوى انجبار ضعف السند بعمل الاصحاب تقدم مافيها .

فتحصل : انه لادليل على حرمة النجش من حيث هو مالم ينطبق عليه عنوان

الكذب .

 

حرمة النميمة

 

الرابعة والعشرون : النميمة محرمة بالادلة الاربعة

وهي نقل الحديث او الفعل من قوم الى قوم على وجه الفساد والشر ، ويعتبر

في صدقها كراهة المنقول عنه ، وتعلق غرضه بستره ، وان يكون ذلك القول او الفعل

سوءا من شتم ، او غيبة ، او اهانة ، فلو كان مدحا فصدق النميمة عليه محل تامل وان

اوجب الكدورة ، ولايعتبر فيها شئ آخر .

وتدل على حرمتها : الاية الشريفة ( ولاتطع كل حلاف مهين هماز مشاء

بنميم ) ( 1 ) اي نقال للحديث على وجه السعاية .

..............................................................................

( 1 ) المستدرك - باب 35 - من ابواب آداب التجارة - حديث 2 .

( 2 ) سورة القلم الاية 11 - و 12 . ( * )

 

 

[ . . . ]

والنصوص المتواترة : منها : ماتضمن ان النمام شر الناس : كصحيح عبد الله بن

سنان عن الامام الصادق عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الا

انبئكم بشراركم ؟ قالوا : بلى يارسول الله قال : المشائون بالنميمة ، المفرقون بين

الاحبة ( 2 ) .

ومنها : ماتضمن العقاب عليها : كالنبوي المروي عن عقاب الاعمال : من

مشي في نميمة بين اثنين سلط الله عليه في قبره نارا تحرقه الى يوم القيامة ، واذا خرج

من قبره سلط الله عليه تنينا اسود ينهش لحمه حتى يدخل النار ( 3 ) .

ومنها : ماتضمن عدم دخول النمام الجنة ( 4 ) .

واورد عليه المحقق الايرواني ره : بان عدم دخول الجنه - اي احباط اعماله

بالنميمة - اعم من الحرمة ، الا ترى ان المنة تبطل الصدقة وان كانت واجبة ، ولاتكون

محرمة .

وفيه : ان ذلك لو تم في بعضها لايتم في جميع تلك النصوص ، انظر صحيح

محمد بن قيس عن الامام الباقر عليه السلام : الجنة محرمة على القتاتين المشائين

بالنميمة ( 5 ) : فان تحريم الجنة لايكون الا اذا كان الفعل حراما ، بل يدل على حرمتها

جميع مادل على حرمة الغيبة فيما اذا كان صدور ذلك القول او الفعل من المقول عنه

على وجه محرم وقبيح ، ان لم يكن ذلك معتبرا في صدق النميمة كما هو الحق ، والافتدل

على حرمتها بقول مطلق ، وقد استقل العقل بقبحها .

وبالجملة : تدل على حرمتها الادلة الاربعة .

..............................................................................

( 2 ) الوسائل باب 164 من ابواب احكام العشرة حديث 1 .

( 3 ) الوسائل - باب 164 - من ابواب احكام العشرة حديث 6 .

( 4 ) الوسائل باب 164 من ابواب احكام العشرة حديث 7 .

( 5 ) الوسائل باب 164 من ابواب احكام العشرة حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقد استدل لحرمتها بجملة من الايات : منها : قوله تعالى ( ويقطعون ماامر

الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) ( 1 ) بدعوى

ان النمام قاطع لما امر الله به ان يوصل ومفسد .

وفيه : ان الاية متضمنة لذم من يكون الوصل عليه واجبا ، وهو قاطع له ، وذلك

لان مادة الامر ظاهرة في الوجوب ، وعليه فهي اجنبية عن المقام ، اذا النمام لايجب عليه

الوصل ، وتختص بموارد وجوب الوصل كقطع الرحم ونحوه ، مع ان الظاهر من الاية

ذم قطع الشخص نفسه عن آخر ولاتشمل قطع الشخصين احدهما عن الاخر .

ومنها قوله تعالى ( ويفسدون في الارض ) ( 2 ) .

وفيه : ان النمام ربما يكون مفسدا ، وربما لاتوجب النميمة الفساد ، فالاية لاتدل

على حرمة النميمة بقول مطلق .

ومنها : قوله تعالى ( والفتنة اشد من القتل ) ( 3 ) وفي موضع آخر : اكبر يدل

اشد ( 4 ) .

وفيه : ان المراد بالفتنة على ماذكره المفسرون : الفتنة في الدين ، وهو الشرك

والكفر ، وانما سمي بها لانه يؤدي الى الهلاك ، والمراد من القتل هو القتل في الاشهر

الحرم ، فالمعنى حينئذ : ان الكفر والشرك اعظم ذنبا من القتال في الاشهر الحرم ، ويؤيد

ارادة هذا المعنى ملاحظة صدر الاية الشريفة ، فهي غريبة عن المقام .

..............................................................................

( 1 ) سورة الرعد آية 26 .

( 2 ) سورة البقرة - آية 28 .

( 3 ) البقرة - آية 192 .

( 4 ) سورة البقرة - آية 218 . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

النياحة

 

الخامسة والعشرون : ذكر الشيخان وسلار والحلي والمحقق ومن تاخر عنه

في المكاسب المحرمة : النوح بالباطل .

وحق القول في المقام يقتضي البحث في موردين : الاول : في الحكم التكليفي .

الثاني : في الحكم الوضعي .

اما الاول : فقد اختلفت فيه كلمات القوم على اقوال :

الاول : القول بالحرمة مطلقا ، اختاره جمع من الاصحاب .

الثاني : القول بالكراهة كذلك ، اختاره في محكي مفتاح الكرامة .

الثالث : القول بالتفصيل بين النوح بالباطل فيحرم ، وبين النوح بالحق اي ما

لم يستلزم محرما فيجوز ، نسبه في الحدائق الى المشهور ،

ثم ان القائلين بالقول الثالث اختلفوا على اقوال : منها : جواز النوح بالحق

على كراهة .

ومنها : جوازه من غير كراهة .

ومنها : جوازه على كراهة اذا اشترطت فيه الاجرة ، والا فلا كراهة فيه .

والنصوص الواردة في الباب على طوائف :

الاولى : مادل على جوازها مطلقا ، كحسن الحسين بن زيد قال : ماتت ابنة لابي

عبد الله عليه السلام فناح عليها سنة ، ثم مات له ولد آخر فناح عليه سنة ، ثم مات

اسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح فقيل لابي عبد الله عليه السلام : ايناح

في دارك ؟ فقال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما مات حمزة قال : لكن حمزة

 

 

[ . . . ]

لابواكي عليه ( 1 ) .

وصحيح يونس بن يعقوب عن الامام الصادق عليه السلام : قال لي ابي ، يا

جعفر اوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى ايام منى ( 2 ) . اللهم

الا ان يقال : انه مختص بالنوح على الامام ويحتمل اختصاص ذلك بالائمة عليهم

السلام لما فيه من تشييد حبهم وبغض ظالميهم في القلوب ، وهما العمدة في الايمان .

وبذلك يظهر حال ماتضمن نوح فاطمة عليها السلام لابيها صلى الله عليه وآله

وسلم ، بل والفاطميات في كربلاء وغيرها .

وصحيح الثمالي المتضمن نوح ام سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

لابن عمها الوليد في حضوره صلى الله عليه وآله وسلم ( 3 ) . وقريب منهما غيرهما .

الثانية : مادل على المنع من النياحة مطلقا : كحديث المناهي : ونهي عن

النياحة ( 4 ) .

وخبر الزعفراني عن الامام الصادق عليه السلام : ومن اصيب بمصيبة فجاء

عند تلك المصيبة بنائحة فقد كفرها ( 5 ) .

والنبوي المروي عن الخصال : ان النائحة اذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم

القيامة وعليها سربال من قطران ( 6 ) . ونحوها غيرها .

الثالثة : مادل على الكراهة : كصحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 71 - من ابواب الدفن ومايناسبه حديث 2 .

( 2 )الوسائل باب 17 - من ابواب مايكتسب به حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 17 من ابواب مايكتسب به حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 17 من ابواب مايكتسب به حديث 11 .

( 5 ) الوسائل - باب 17 من ابواب مايكتسب به حديث 5 .

( 6 ) الوسائل باب 17 من ابواب مايكتسب به حديث 12 . ( * )

 

 

[ . . . ]

قال : سألته عن النوح على الميت ايصلح ؟ قال عليه السلام : يكره ( 1 ) .

الرابعة : مادل على عدم البأس به ان لم يكن بالباطل : كمرسل الفقيه قال

عليه السلام : لابأس بكسب النائحة اذا قالت صدقا ( 2 ) . وهو وان دل بالمطابقة على

حكم الكسب الظاهر في الحكم الوضعي الا انه بالالتزام يدل على الجواز التكليفي

فيما اذا قالت صدقا كما لايخفى .

والحق في مقام الجمع ان يقال : انه مع قطع النظر عن ضعف سند جملة منها ،

تحمل الاخبار المانعة على النوح بغير الصدق والباطل ، والمجوزة على النوح بالحق ،

لان الطائفة الرابعة بمنطوقها تقيد الاخبار المانعة ، وبمفهومها تقيد المجوزة ، واما

الطائفة الثالثة : فحيث انها غير ظاهرة في الكراهة الاصطلاحية فاما ان تحمل على

المنع فسبيلها سبيل الطائفة الثانية ، او يقال : انها مجملة لايستفاد منها ازيد من

المرجوحية .

وعلى كل تقدير لادليل على الكراهة في غير مورد المنع ، اما على الاول

فواضح ، واما على الثاني فالاجمال الخبر واحتمال ارادة المنع منه . هذا كله مع قطع النظر

عن قصور السند ، والا فالطائفتان الثانية والرابعة ضعيفتا السند ، وعليه فان قلنا

بظهور الطائفة الثالثة في المنع تقع المعارضة بينها وبين الطائفة الاولى لعدم امكان

الجمع بالحمل على الكراهة لدلالة خبر الحسين بن زيد على عدم الكراهة كما لايخفى ، فلابد

من الرجوع الى المرجحات وهي تقتضي تقديم الاولى للاشهرية ولمخالفتها للعامة ،

وان قلنا بانها مجملة لايستفاد منها ازيد من الكراهة فتقدم الاولى للاشهرية فقط .

فتامل .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب مايكتسب به حديث 13 .

( 2 ) الوسائل باب 17 من ابواب مايكتسب به حديث 9 . ( * )

 

 

[ . . . ]

لايقال : ان هذه النصوص بعد الجمع بينها تدل على جواز النياحة مطلقا ،

والنسبة بينها وبين النصوص الدالة على حرمة الكذب وحرمة الغناء هي العموم من

وجه ، فتتساقطان في المجمع فيرجع الى اصالة الحل ، ولازم ذلك جوازها وان كان

بالباطل .

فانه يقال : ان هذه النصوص تدل على جواز النوح من حيث هو مع قطع

النظر عن العناوين الثانوية المنطبقة عليه في بعض الموارد .

فتحصل : ان الاظهر هو الجواز مالم ينطبق عليه احد العناوين المحرمة

كالكذب ونحوه .

واما المورد الثاني ففيه ايضا طوائف من النصوص : الاولى : مادل على جوازه

مطلقا : كخبر ابي بصير عن الامام الصادق عليه السلام : لابأس باجر النائحة التي

تنوح على الميت ( 1 ) .

الثانية : مادل على المنع كذلك : كخبر عذافر عنه عليه السلام عن كسب

النائحة : تستحله بضرب احدى يديها على الاخرى ( 2 ) . اي لاياخذ الاجر على النياحة

بل على مايضم اليها من الاعمال .

الثالثة : مادل على الجواز اذا كان بالحق : كمرسل الفقيه المتقدم .

الرابعة : مادل على الجواز اذا لم يشارط وقبل النائح مايعطي : كموثق حنان

عن الامام الصادق عليه السلام : قل لها لاتشارط وتقبل مااعطيت .

الخامسة : مادل بظاهره على الكراهة : كخبر سماعة قال : سألته عن كسب

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 17 - من ابواب مايكتسب به - حديث 7 .

( 2 ) الوسائل - باب 17 - من ابواب مايكتسب به - حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 17 من ابواب مايكتسب به حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المغنية والنائحة فكرهه ( 1 ) .

والحق في مقام الجمع ان يقال : بعد طرح خبر عذافر لجهالته ، ومرسل الفقيه

لارساله ، وحمل كرهه على ارادة المنع كما تقدم ، انه يقيد اطلاق الطائفة المجوزة بموثق

حنان المفصل بين الاشتراط وعدمه مع قبول مايعطي ، فتكون النتيجة ان كسب

النائحة جائز اذا لم تشارط وقبلت مااعطيت . والله العالم .

 

حرمة الولاية من قبل الجائر

 

السادسة والعشرون : لاخلاف في حرمة الولاية من قبل الجائر في الجملة .

وتشهد له النصوص المستفيضة : كحسن محمد بن مسلم قال : كنا عند ابي

جعفر عليه السلام على باب داره بالمدينة فنظر الى الناس يمرون افواجا فقال لبعض

من عنده : حدث بالمدينة امر ؟ فقال : جعلت فداك ولي المدينة وال فغدا الناس يهنئونه

فقال : ان الرجل ليغدي عليه بالامر يهني به ، وانه لباب من ابواب النار ( 2 ) . ونحوه غيره

من النصوص الكثيرة وهذا مما لاكلام فيه .

انما الكلام في انه هل الولاية من قبل الجائر وهي اخذ المنصب منه بنفسها

محرمة ، وان لم ينضم اليها اعمالها ، ام تختص الحرمة بالقيام باعمالها ؟ وعلى الثاني فهل

المحرم هو مطلق اعمالها ، او ان المحرم خصوص اعمالها المحرمة ؟ وجوه : اظهرها الاول ،

وذلك : لظهور جملة من نصوص الباب في ذلك ، وهي النصوص الناهية عن الولاية

والتمضمنة للوعيد عليها ( 3 ) . ولان الوالي من اعظم الاعوان لهم ، وقد تقدم ان صيرورة

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب مايكتسب به حديث 8 .

( 2 ) الوسائل - باب 45 من ابواب مايكتسب به - حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 45 من ابواب مايكتسب . ( * )

 

 

[ . . . ]

الشخص من اعوان الظالم من المحرمات .

وقد استدل المحقق الايرواني لعدم كونها بنفسها من المحرمات : بان منصرف

تلك الادلة حرمة الولاية ، بمعنى القيام باعمالها ، لامجرد اخذ المنصب ، وبان اخذ

المنصب لو كان حراما في ذاته لما جاز ذلك لاجل غاية مستحبة ، وقد ادعي الشيخ ره

تطابق الادلة على جوازه لاجل هذه الغاية ، وبالتعليل في خبر تحف العقول لحرمتها

بان في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله ، واحياء الباطل كله ، واظهار الظلم والجور

والفساد ، وابطال الكتب ، وقتل الانبياء ، وهذم المساجد ، وتبديل ؟ ؟ ؟ الله وشرائعه ( 1 ) .

وبخبر زياد بن ابي سلمة عن الامام موسى بن جعفر عليه السلام : يازياد

لان اسقط من حالق فاتقطع قطعة قطعة احب الي من ان اتولى لاحد منهم عملا او

اطأ بساط رجل منهم الا لماذا ؟ قلت : لاادري جعلت فداك قال : الا لتفريج كربة

عن مؤمن ، او فك اسره ، او قضاء دينه ( 2 ) .

وفي الجميع نظر : اما الاول : فلانه لامنشأ لدعوى الانصراف سوى الغلبة ، وهي

لاتوجب الانصراف المقيد للاطلاق .

واما الثاني : فلانه اجتهاد في مقابل النص .

واما الثالث : فلضعف سنده كما تقدم .

واما الرابع : فلانه ضعيف السند لحسين بن الحسن الهاشمي ، مع انه يدل على

ان التولي حرام الا للامور الثلاثة المذكورة فيه ، وظاهر ذلك هو حرمة نفس الولاية

في غير تلك الموارد .

وقد استدل للقول الاخير : بالتعليل في خبر تحف العقول ، وبحسن داود بن

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب مايكتسب به - حديث 1 .

( 2 ) الوسائل - باب 46 - من ابواب مايكتسب به - حديث 9 . ( * )

 

 

[ . . . ]

زربي ، عن ابي عبد الله عليه السلام - في حديث - : تناول السماء ايسر عليك من

ذلك ( 1 ) . مشيرا الى القيام بالعدل .

ولكن يرد على الاول : ماتقدم ، وعلى الثاني : انه يحتمل ان يكون ذلك اشارة

الى الترخيص في الدخول ، مع انه لو كان المشار اليه هو العدل يمكن ان يقال بعدم

دلالته على جواز الولاية نفسها ، اذا الظاهر ان السائل من العامة كما يظهر من حلفه

بالطلاق والعتاق ، وعليه ، فلم يكن له محيص من التخلص الا بذلك .

فتحصل : ان الاظهر هو حرمة الولاية من حيث هي ، ولو انضم اليها عمل

محرم يعاقب بعقابين ، ولو لم يعمل شيئا من الاعمال المحرمة يعاقب بعقاب واحد .

 

اخذ الولاية للقيام بمصالح العباد

 

ويجوز اخذ الولاية وتصديها في موردين : احدهما : القيام بمصالح العباد .

وقد استدل لجوازه بوجوه : الاول : ان الولاية ان كانت محرمة لذاتها جاز

ارتكابها لاجل المصالح ودفع المفاسد التي هي اهم من مفسدة انسلاك الشخص في

اعوان الظلمة بحسب الظاهر .

واورد عليه : بانه ان كان المراد من المصالح ماكان من قبيل حفظ النفوس

فالمدعي اعم من ذلك ، وان كان المراد المصالح غير اللزومية فلاشبهة في ان مجرد ذلك

لايقاوم الجهة المحرمة .

وذكر المحقق الايرواني ره في تأييد ماذكره الشيخ ره مايكون جوابا عن ذلك ،

وهو : انه يجوزان يحصل التوازن والتكاسر بين الملاكات ، ثم المتخلف من ملاك الحكم

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 45 من ابواب مايكتسب به حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الالزامي لم يكن الا اليسير غير المقتضي للالزام .

وفيه : مضافا الى مامر في مبحث الغناء من ان مورد انطباق عنوانين احدهما

محرم والاخر - مستحب على شئ لايكون من موارد تزاحم الملاكات ، بل من باب

التنافي بين الحكمين . فراجع ، وقد اعترف الشيخ ره في ذلك المبحث بان ادلة الاحكام

الالتزامية لاتزاحم بادلة الاحكام الترخيصية - ان المقام من موارد تزاحم الحكمين ،

حيث ان المحرم هو اخذ المنصب والتولي من قبل الجائر ، والمستحب هو قضاء حوائج

المؤمنين مثلا ، والمفروض عدم قدرة المكلف على امتثال التكليفين ، فلابد من سقوط

احدهما ، ولاشبهة في ان الساقط في هذا المقام هو الحكم الاستحبابي لاالتحريمي

كما حقق في محله .

الوجه الثاني : الاجماع .

وفيه : انه لمعلومية مدرك المجمعين لايكون ذلك اجماعا تعبديا .

الوجه الثالث : قوله تعالى ، حكاية عن يوسف عليه السلام ( اجعلني على

خزائن الارض اني حفيظ عليم ) ( 1 ) .

واورد عليه المحقق الايرواني والاستاذ الاعظم : بان يوسف كان مستحقا

للسلطنة ، فاقتصاره على المرتبة التي دونها لايوجب كونه واليا من قبل الجائر .

وفيه : ان المحرم هو الولاية من قبل الجائر ، وتقلد هذا المنصب منه كان الوالي

مستحقا لذلك المنصب ام لم يكن ، فالحق في الجواب ان يقال : انه وردت روايات ان

قبول يوسف للولاية كان عن كره ( 2 ) ، مع انه كان سببا لحفظ النفوس من الموت

بالقحط والغلاء ، ولاشبهة في الجواز في هذا المورد .

..............................................................................

( 1 ) سورة يوسف - آية 56 .

( 2 ) الوسائل - باب 48 - من ابواب مايكتسب به . ( * )

 

 

[ . . . ]

وبما ذكرناه ظهر انه لايمكن الاستدلال له بقبول علي بن موسى الرضا عليه

السلام ولاية العهد ، فانه كان عن كره كما نطقت به النصوص ( 1 ) .

الوجه الرابع : النصوص الكثيرة ، وقد ذكر الشيخ ره جملة منها في المكاسب ،

والبقية المذكورة في كتب الاحاديث كالوسائل ، وتلك النصوص على طوائف :

منها : مادل على ان الوالي والعريف اذا ظلم يعاقب في جهنم ، واذا قام بمصالح

العباد يعاقب في خارج جهنم : كالنبوي : من تولى عرافة قوم اتي به يوم القيامة ويداه

مغلولتان الى عنقه ، فان قام فيهم بامر الله اطلقه الله ، وان كان ظالما هي به في نار

جهنم ( 2 ) ، ونحوه ماعن عقاب الاعمال ( 3 ) : وهذه الطائفة تدل على خلاف المطلوب .

ومنها : مادل على رجحان فعل الوالي من قضاء حاجة المؤمن ونحوه غير

المتضمن لجواز الولاية ولالعدم الوعيد عليها ، وهي متعددة ، وهذه الطائفة غريبة عن

المقام ، اذ لاينكر احد رجحان تلك الاعمال كانت الولاية محرمة ام لا .

ومنها : ماتضمن ان الاحسان بالاخوان كفارة لما تصداه : كمرسل الصدوق

قال الصادق عليه السلام : كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان ( 4 ) ، وقوله عليه

السلام في خبر زياد المتقدم فان وليت شيئا من اعمالهم فاحسن الى اخوانك فواحدة

بواحدة ( 5 ) وهذه الطائفة ايضا ادل على خلاف المطلوب كما لايخفى .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل ، باب 48 من ابواب مايكتسب به

( 2 ) الوسائل - باب 45 - من ابواب مايكتسب به حديث 6 .

( 3 ) الوسائل باب 45 من ابواب مايكتسب به حديث 7 .

( 4 ) الوسائل باب 46 من ابواب مايكتسب به حديث 3 .

( 5 ) الوسائل باب 46 من ابواب مايكتسب به حديث 9 . ( * )

 

 

[ . . . ]

لايدل عليه ، اذ لاظهور في الاستثناء في رجوعه الى الجملة الاولى ، بل الظاهر - ولا

اقل من المحتمل - هو رجوعه الى الجملة الاخيرة ، وعليه فلا يدل على جواز الولاية

ولو في مورد .

واما صحيح الشحام عن الامام الصادق عليه السلام : من تولى امرا من امور

الناس فعدل فيهم وفتح بابه ورفع ستره ونظر في امور الناس كان حقا على الله عز

وجل ان يؤمن روعته يوم القيامة ويدخله الجنة ( 1 ) . فمضافا الى انه كما يلائم جواز

الولاية يلائم مع حرمتها ، وكون الامور المذكورة كفارة لها ، انه لااطلاق له كي يشمل

التولي من قبل الجائر ، ولعله مختص بالتولي من قبل السلطان العادل ، او من تولى

بنصب الناس اياه ، فلا يبقي من النصوص الا قليل من ماذكروه ، وفيه الكفاية ،

كصحيح علي بن يقطين قال : قال ابو الحسن عليه السلام : ان لله تعالى مع السلطان

اولياء يدفع بهم عن اوليائه . وفي خبر آخر : اولئك عتقاء الله من النار ( 2 ) .

والايراد عليه تارة : بان له تعالى مع السلطان من هو كذلك لايلازم ان يكون

ذلك واليا من قبله ، بل هم عدة من وجوه البلد واعيانه الذين يختلفون اليه لاجل

قضاء حوائج الناس ، واخرى : بانه لم يشتمل على مايدل على جواز تصديهم للولاية

كما عن المحقق الايرواني ره ، في غير محله ، اما الاول : فلان الظاهر من هذا الكلام

ارادة المنصوبين من قبله ، واما الاعيان المختلفون اليه فهم ليسوا مع السلطان كما

لايخفى .

واما الثاني : فلان التعبير عنهم باولياء الله من اقوى الادلة على جواز تصدي

الولاية .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 46 من ابواب مايكتسب به حديث 7 .

( 2 ) الوسائل باب 46 من ابواب مايكتسب به حديث 1 - 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وخبره الاخر عنه عليه السلام المتضمن لقوله عليه السلام لا آذن لك

بالخروج من عملهم واتق الله . ( 1 ) في جواب استيذانه بالخروج من عملهم ، وقريب

منهما غيرهما ، ومادل على ان القيام بها كفارة لما تصداه ، لايصلح للمعارضة مع تلك

النصوص لضعف سنده . اما خبر زياد فلما تقدم ، واما المرسل فلارساله ، مضافا الى ان

الظاهر منهما اختصاص ذلك بما اذا كان الدخول في الولاية حراما ابتداءا ثم تبدل

قصده الى الاحسان بالاخوان .

فتحصل : ان الولاية من قبل الجائر جائزة اذا كانت للقيام بمصالح العباد .

وعليه .

 

اقسام الولاية من قبل الجائر

 

فيقع الكلام في انه على فرض عدم الحرمة ماذا حكمه ؟ الاباحة ، او

الاستحباب او الوجوب ؟

وملخص الكلام في هذه المسالة يقع تارة : فيما تقتضيه القواعد ، واخرى : فيما

تقتضيه النصوص الخاصة . وفي كلا المقامين تارة : يقع البحث في غير الوجوب ،

واخرى : فيه فهاهنا مواضع للبحث :

الاول : قد يقال : ان مقتضى القواعد استحباب الولاية في غير موارد وجوبها

لكونها مقدمة للمستحب ، وقد حقق في محله ان مقدمة المستحب مستحبة .

وفيه : ان مقدمة المستحب انما تتصف بالاستحباب اذا لم تكن محرمة .

الموضع الثاني : ذكر الشيخ ره : ان خبر مهران بن محمد بن ابي نصر ، عن ابي

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 46 من ابواب مايكتسب به حديث 16 . ( * )

 

 

[ . . . ]

عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : مامن جبار الا ومعه مؤمن يدفع الله عزوجل

به عن المؤمنين وهو اقلهم حظا في الاخرة ، يعني اقل المؤمنين حظا لصحبة الجبار ( 1 ) .

يدل على كراهة الولاية .

وخبر ابن بزيع عن الامام الرضا عليه السلام : ان لله تعالى بابواب الظالمين

من نور الله به البرهان ، ومكن له في البلاد ، ليدفع بهم عن اوليائه ، ويصلح الله بهم

امور المسلمين ، اليهم يلجأ المؤمنون من الضرر - الى ان قال - اولئك المؤمنون حقا ،

اولئك امناء الله في ارضه ، اولئك نور الله في رعيته يوم القيامة . الى آخر الحديث ( 2 ) .

يدل على استحباب الولاية من قبل الجائر .

اقول : ونحوه في ذلك جملة من النصوص الاخر : كخبر هشام بن سالم عن

الامام الصادق عليه السلام : ان لله مع ولاة الجور اولياء يدفع بهم عن اوليائه ، اولئك

المؤمنون حقا ( 3 ) . ونحوه خبر المفضل ( 4 ) ، وصحيح علي بن يقطين المتقدم ( 5 ) .

وقد جمع الشيخ ره بين الطائفتين : بحمل الاولى على من تولي لهم لنظام معاشه

قاصدا للاحسان في خلال ذلك الى المؤمنين ودفع الضرر عنهم ، وحمل الثانية على من

لم يقصد بدخوله الا الاحسان الى المؤمنين .

واورد عليه المحقق الايرواني ره : بانه جمع تبرعي استحساني لم يساعده سوى

الاعتبار بلاشاهد عليه من الاخبار .

وفيه : ان ماذكره ره جمع عرفي ، اذ خبر مهران مطرق شامل لما اذا تولي

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 44 من ابواب مايكتسب به حديث 4 .

( 2 ) رواه المامقاني ره عن نسخة قديمة لرجال الكشي في ترجمة محمد بن اسماعيل بن بزيع .

( 3 ) المستدرك باب 39 من ابواب مايكتسب به حديث 15 .

( 4 ) المستدرك باب 39 من ابواب مايكتسب به حديث 16 .

( 5 ) الوسائل باب 46 من ابواب مايكتسب به حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

لخصوص الاحسان ام له مع نظام معاشه ، وخبر ابن بزيع مختص بما اذا تولي لخصوص

الاحسان لقوله عليه السلام في ذيله : فهنيئا لهم ماعلى احدكم ان لو شاء لنال هذا

كله ، قال : قلت : بماذا جعلني الله فداك ؟ قال : يكون معهم فيسرنا بادخال السرور على

المؤمنين من شيعتنا ، فكن معهم يامحمد . فبه يقيد اطلاق خبر مهران فيختص بما اذا

تولي لنظام معاشه مع كون قصده الاحسان الى الاخوان في خلال ذلك ، وعليه فتنقلب

النسبة بين خبر مهران واخبار ابن يقطين وهشام والمفضل من التباين الى العموم

المطلق ، فيقيد اطلاقها به . فتأمل . فتكون النتيجة ماذكره الشيخ ره .

ولكن يرد عليه : ان خبر مهران لايعتمد عليه لجهالته ، وخبرا هشام والمفضل

وان كانا مرسلين الا انه يعتمد عليهما في الحكم بالاستحباب مطلقا لقاعدة التسامح

في ادلة السنن ، مضافا الى ان في صحيح علي بن يقطين كفاية .

ثم ان الاستاذ الاعظم ذكر ان بعض النصوص يدل على ان الولاية مباحة

وقال : ان صحيح الحلبي قال : سئل ابو عبد الله عليه السلام عن رجل مسلم وهو في

ديوان هؤلاء وهو يجب آل محمد ( ص ) ويخرج مع هؤلاء في بعثهم فيقتل تحت رايتهم ،

قال : يبعثه الله على نيته ( 1 ) . يدل على ذلك ،

وفيه : ان هذا الصحيح اجنبي عن مااستدل به له ، فانه انما يدل على ان القتل

تحت رايتهم ان كان بقصد الدفاع عن بيضة الاسلام لالتقوية سلطانهم يثاب عليه

لكونه ناشئا عن هذه النية ، او على ان القتل تحت رايتهم لايوجب ضعفا في ايمانه وانه

ان كان مؤمنا جشر مؤمنا ولا ينظر الى عمله . وعلى كل تقدير فهو غريب عن المقام .

فتحصل : انه لاشئ من الولاية الجائزة بمباحة او مكروهة .

وقد نسب الى المشهور وجوب تصدي الولاية وان توقف الامر بالمعروف

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 48 - من ابواب مايكتسب به - حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

والنهي عن المنكر الواجبان عليها ، بل في الجواهر : لم يحك عن احد التعبير بالوجوب

الا عن الحلي في السرائر ، وقد مر أن الكلام في ذلك ايضا يفع في موضعين : الاول : فيما

تقتضيه القواعد ، الثاني : فيما تقتضيه النصوص الخاصة .

اما الموضع الاول : فقد استدل لعدم الوجوب بوجوه : الاول : ان دليل الامر

بالمعروف والنهي عن المنكر مقيد بالقدرة الشرعية ، ودليل حرمة الولاية مطلق من هذه

الجهة ، وقد حقق في محله انه اذا تزاحم تكليفان احدهما مشروط بالقدرة شرعا دون

الاخر يقدم المشروط بالقدرة عقلا على المشروط بالقدرة شرعا ، اذ ملاك الحكم غير

المشروط بالقدرة شرعا تام لاقصور فيه ، ولامانع عن جعل الحكم على طبقه فيكون

حكمه فعليا وموجبا لعجز المكلف عن امتثال التكليف الاخر ومانعا عن تحقق ملاكه

المتوقف على القدرة عليه على الفرض .

وهذا بخلاف المشروط بالقدرة شرعا ، اذ جعله يتوقف على تمامية ملاكه ،

 وهي تتوقف على عدم فعلية الحكم الاخر ، فلو استند عدم فعليته الى فعلية الحكم

المشروط بالقدرة شرعا لزم الدور ، وهذا الوجه هو الذي اشار اليه في محكي الكفاية ،

وهو حسن ان ثبت كون وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروطا بالقدرة

شرعا ، والا فيكفي في نفي اعتبارها اطلاق الادلة ، وحيث انه لادليل عليه والانصراف

لو كان فانما هو بدوي يزول بادني التفات ، فاصحيح عدم تمامية هذا الوجه .

الوجه الثاني : مافي الجواهر وهو : انه يعارض مادل على الامر بالمعروف وما

دل على حرمة الولاية من قبل الجائر ولو من وجه ، فيجمع بينهما بالتخيير المقتضي

للجواز رفعا لقيد المنع من الترك ، مما دل على الوجوب والمنع من الفعل مما دل على

الحرمة .

وفيه : ان المقام من صغريات باب التزاحم لاالتعارض المتوقف على وحدة

المتعلق ، اذ متعلق الحرمة هو تصدي منصب الولاية ، ومتعلق الوجوب هو الامر

 

 

[ . . . ]

بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولاربط لاحدهما بالاخر . غاية الامر لاجل عدم قدرة

المكلف على امتثالهما يقع التنافي بينهما ، فلابد من الرجوع الى مرجحات باب التزاحم ،

مع انه لو سلم كونه من صغريات باب التعارض ماذكره في وجه التخيير من الجمع

بين الدليلين بما انه ليس جمعا عرفيا لايتم ، بل يتعين الرجوع الى المرجحات ، وحيث

ان النسبة بين الدليلين عموم من وجه ، ودلالة كل منهما على حكم المجمع انما هي

بالاطلاق ، فلابد من الحكم بالتساقط والرجوع الى الاصول - فتامل - فان المختار

اخيرا تعين الرجوع الى الاخبار العلاجية في موارد التعارض بالعموم من وجه مطلقا .

الوجه الثالث : ماافاده الشهيد ره واوضحه الشيخ ره وهو : انه يزاحم مادل

على حرمة الولاية مع مادل على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر المتوقفين عليها ،

فللمكلف ملاحظة كل منهما والعمل بمقتضاه نظير تزاحم الحقين ، فتارة تكون ناحية

الوجوب اهم فيؤخذ بها ، واخرى تكون ناحية الحرمة اهم فتقدم ، وثالثة تتساويان

فيكون المكلف مخيرا في اختيار ايهما شاء ، وحيث انه في المقام لم يحرز اهمية الوجوب

بهذا الحد فلا وجه للحكم بالوجوب .

وفيه ان هذا يتم بناءا على عدم تمامية ما اختاره المحقق النائيني وتبعه جمع منهم

الاستاذ الاعظم من انه اذا تزاحم تكليفان ولم يحرز اهمية احدهما وكانا طوليين يكون

التكليف بالمتقدم فعليا دون المتأخر ، مستدلا عغليه بان سقوط كل من التكليفين

المتزاحمين بناءا على كون التخيير بين المتزاحمين عقليا لايكون الا بامتثال الاخر ، وبما

ان امتثال التكليف بالمتأخر متاخر خارجا لتأخر متعلقه على الفرض فلا يكون

للتكليف بالمتقدم مسقط في عرضه فيتعين امتثاله على المكلف بحكم العقل ، والا ففي

صورة عدم احراز اهمية الوجوب يتعين البناء على حرمة الولاية وعدم جوازها ، فضلا

عن الوجوب .

الموضع الثاني : في حكم الولاية التي توقف عليها الامر بالمعروف والنهي عن

 

 

[ . . . ]

المنكر بحسب النصوص الخاصة .

الظاهر : انها تقتضي الحكم بالوجوب ، اذ بعد تخصيص ادلة حرمة الولاية

بالنصوص المتقدمة الدالة على جواز الولاية للقيام بمصالح المسلمين الشاملة للمقام ،

اما لكون ذلك من تلك المصالح او بالفحوي ، لامعارض ولامزاحم لما دل على وجوب

المقدمة ، فلا مانع من اتصافها به .

ودعوى ان تلك النصوص المتضمنة لاستحباب الولاية كما تخصص دليل

حرمة الولاية كذلك تخصص ادلة الامر بالمعروف لعدم تعقل وجوب الامر بالمعروف

مع استحباب مقدمته ، مندفعة لابما في المكاسب من ان دليل استحباب الشئ الذي قد

يكون مقدمة لواجب لايعارض ادلة وجوب ذلك الواجب - اذ استحباب الشئ في

ذاته لاينافي وجوبه بالغير ، فانه يرد عليه : ان تلك انصوص متضمنة للاستحباب

المقدمي لاالذاتي ، وماذكره ره يتم في الثاني - بل لان تلك النصوص انما تدل على

مطلق الرجحان ، فيحكم في المقام بالوجوب لاجل وجوب ذي المقدمة .

فتحصل : ان الاقوى وجوب الولاية فيما اذا كان هناك معروف متروك او منكر

مركوب يجب فعلا الامر بالاول والنهي عن الثاني .

 

قبول الولاية عن كره

 

الثاني : اتفقوا على انه يسوغ الولاية الاكراه عليها بالتوعيد على تركها .

لاخلاف ولااشكال في جواز الولاية اذا اكره عليها وتوعد على تركها بما

يشق على المكره تحمله ، سواء كان ضررا ماليا ام عرضيا ، وسواء تعلق بنفسه ام بمن

يعد الاضرار به اضرارا به .

 

 

[ . . . ]

ويشهد له : عموم ادلة التقية ( 1 ) ، وعموم مادل على رفع مااستكره عليه ( 2 ) ،

وحديث نفي الضرر ( 3 ) . اذ حرمة الولاية ضرر على الشخص في الفرض فهي مرفوعة

به .

واما الاية الشريفة ( الا ان تتقوا منهم تقاة ) ( 4 ) فهي غريبة عن المقام لكونها

استثاء عن عموم مادل على حرمة مودة الكفار .

وكذلك لايصح الاستدلال بحديث نفي الاضطرار ، اذ الاضطرار غير الاكراه

وهو لايصدق بمعناه اللغوي في اغلب موارد الاكراه على الولاية

 

حكم الاضرار بالناس مع الاكراه عليه

 

وينبغي التنبيه على امور : الاول : لاكلام في انه كما يباح بالاكراه نفس الولاية

المحرمة كذلك يباح به مايلزمها من المحرمات الاخر ومايتفق مما يصدر الامر به من

السلطان الجائر عدا اراقة الدم .

انما الاشكال في ان مايرجع الى الاضرار بالغير من نهب الاموال

وهتك الاعراض وماشاكل هل يباح بالاكراه ، وان كان الضرر المتوعد به على ترك

المكره عليه اقل بمراتب من الضرر المكره عليه ، ام لابد من ملاحظة الضررين

والترجيح بينهما ؟ وفي المسألة وجوه واقوال اربعة :

الاول : اختاره الشيخ ره وهو ارتفاع حرمة الاضرار بالغير بالاكراه مطلقا ،

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 24 - من ابواب الامر والنهي وما يناسبهما .

( 2 ) الوسائل - باب 56 - من ابواب جهاد النفس .

( 3 ) الوسائل - باب 12 من ابواب احياء الموات .

( 4 ) سورة آل عمران آية 29 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ولو كان الضرر المتوعد به على ترك المكره عليه اقل بمراتب من الضرر المكره عليه .

الثاني : عدم ارتفاع حرمته كذلك .

الثالث : التفصيل بين مااذا كان الضرر الذي توعد به اعظم او مساويا فترتفع

الحرمة ، وبين مااذا كان اقل فلا ترتفع .

الرابع : مااختاره الاستاذ الاعظم وهو التفصيل بين مااذا كان الضرر الذي

توعده المكره بالكسر امرا مباحا في نفسه ، كما اذا اكرهه الجائر علن نهب مال غيره

وجلبه اليه والا فيحمل اموال نفسه اليه فلا ترتفع الحرمة ، وبين مااذا كان ذلك الضرر

امرا محرما كما اذا اكرهه على ان يلجئ شخصا آخر الى فعل محرم كالزنا والا اجبره

على ارتكابه بنفسه ، فتقع المزاحمة ويرجع الى قواعد باب التزاحم .

وقد استدل الشيخ ره لما اختاره بوجوه : الاول : عموم دليل نفي الاكراه ( 1 )

لجميع المحرمات حتى الاضرار بالغير مالم يبلغ الدم .

وفيه : ان الحديث كغيره مما دل على نفي الاكراه مسوق في مقام الامتنان على

الامة ، والحكم بجواز الاضرار مناف للامتنان بالاضافة الى ذلك الغير ، وان كان موافقا

للامتنان بالاضافة الى المكره ، فلا يكون مشمولا للحديث .

الوجه الثاني : عموم نفي الحرج ( 2 ) ، فان الزام الغير بتحمل الضرر وترك ما

اكره عليه حرج .

وفيه : اولا : ان الحرج المنفي في الشريعة هي المشقة التي لاتتحمل عادة ،

وبديهي ان الوقوع في الضرر لايستلزم ذلك مطلقا ، فلا يصح التمسك لجواز الاضرار

بدليل نفي الحرج بقول مطلق .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 56 - من ابواب جهاد النفس .

( 2 ) سورة الحج - آية : 79 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وثانيا : ان دليل نفي الحرج يعارض مادل على نفي الضرر الدال على عدم

جواز الاضرار بالغير من جهة تضرره ، والنسبة عموم من وجه ، اللهم الا ان يقال : ان

دليل نفي الضرر لايشمل المقام للعلم الاجمالي بجعل حكم ضرري في المقام من

الاباحة او التحريم ، اذ كل منهما يوجب ضررا على شخص ، فيبقى دليل نفي الحرج

بلا معارض ، فالعمدة هي الايراد الاول .

الوجه الثالث : النصوص ( 1 ) المتضمنة : انه انما جعلت التقية ليحقن بها الدم

فاذا بلغ الدم فلا تقية . حيث انها تدل على ان حد التقية بلوغ الدم ، فتشرع لما عداه .

وفيه : انه ان اريد بهذه الجملة انه كلما سوغت التقية لحفظ شئ اذا بلغته

التقية فلا تقية ، فهي على خلاف المطلوب ادل ، اذ التقية انما شرعت لحفظ الاعراض

والاموال ايضا ، ولازم ذلك ان لايشرع هتك عرض الغير ونهب ماله بالتقية . وان اريد

بها ان التقية انما شرعت لخصوص حفظ الانفس فلازمه عدم شمول نصوص التقية

في غير مورد كون الضرر المتوعد به هو قتل النفس ،

 مع انه لاريب في شمولها لغير ذلك المورد ، فلامناص عن التصرف في كلمة انما .

اللهم الا ان يقال : ان المراد بها انه انما قررت التقية لئلا ينتهي آخرا الى اراقة

الدم ، وان كان في اول الحال يجوز التقية لغيرها ، وبعبارة اخرى : العمدة في مصلحة

التقية حفظ النفس فلا تنافي جوازه التقية لغيره ايضا كحفظ المال او العرض ، وعلى

ذلك فهي مسوقة لبيان عدم جواز التقية في تلف النفس لالجوازها في غير ذلك المورد

كي يستفاد منها جواز اضرار الغير لدفع الضرر عن نفسه .

الوجه الرابع : مايكون مركبا من صغرى وكبرى ، اما الاولى : فهي ان في مورد

الاكراه الضرر متوجه الى الغير ابتداءا بحسب اكراه المكره بالكسر وارادته الحتمية

..............................................................................

 ( 1 ) الوسائل - باب 31 - من ابواب الامر والنهي وما يناسبهما . ( * )

 

 

[ . . . ]

والمكره بالفتح وان كان مباشرا ، الا انه ضعيف لاينسب اليه توجيه الضرر الى الغير

حتى يقال انه اضر بالغير كي لايتضرر نفسه ، نعم لو تحمل الضرر ولم يضر بالغير فقد

صرف الضرر عن الغير الى نفسه عرفا .

واما الثانية : فهي ان المستفاد من الادلة ان تشريع نفي الاكراه انما هو لدفع

الضرر ، فلا يجوز دفع الضرر عن نفسه بالاضرار بالغير ، ولايلزم تحمله لدفعه عن

الغير ، لان ذلك مناف للامتنان ، فتكون النتيجة عدم وجوب تحمل الضرر في المقام

لدفع الضر عن الغير .

اقول : في المقدمة الاولى نظر لان الاكراه لايوجب سلب اختيار المكره

بالفتح وصيرورته كالالة ، بل هو بعد على كونه مختارا فيه وفعله الجزء الاخير من

العلة ، ولولاه لما تحقق الاضرار بالغير ، وعليه فهو يضر بالغير اختيارا دفعا للضرر عن

نفسه .

وان شئت قلت : ان الاكراه انما يوجب تخيير المكره بين الاضرار بالغير وبين

تحمل الضرر على فرض العدم ، فلا يكون من توجه الضرر الى الغير ابتداءا نظير ما

اذا توجه سيل الى داره ، الذي لاكلام في عدم وجوب صرفه الى نفسه .

الوجه الخامس : ان في الزام الشارع الاضرار على نفسه لدفع الضرر المتوجه

الى الغير حرجا قطعا ، وهذا بخلاف مااذا كان الضرر متوجها اليه ابتداءا ، ولاحرج

في تحمله وعدم الاضرار بغيره دفعا له ، فيرتفع بادلة نفي الحرج .

وفيه : ماتقدم من ان مطلق تحمل الضرر لايكون حرجيا .

واستدل للقول الثاني : باطلاق ادلة حرمة الاضرار بالغير بعد عدم شمول ادلة

نفي الاكراه والحرج والضرر للمقام كما تقدم ، ويؤيده انه لو عمت جملة نفي الاكراه

من الحديث للمقام لعمت نفي الاضطرار لوحدة السياق ، وتلك الجملة لاتعم كما

صرح به الشيخ ره ، ولم يجوز احد الاضرار بالغير في صورة الاضطرار ، فكذلك هذه

 

 

[ . . . ]

الجملة .

وفيه : ان هذا الوجه وان كان تاما في نفسه ، الا انه ربما يزاحم حرمة الاضرار

محرم آخر وهو مااذا كان الضرر المتوعد به امرا محرما ، وحينئذ فلابد من الرجوع الى

مرجحات باب التزاحم ، فالاظهر هو القول الرابع .

واستدل للقول الثالث : بان نسبة جميع الناس الى الله سبحانه نسبة واحدة ،

فالكل بمنزلة عبد واحد ، فالضرر المتوجه الى احد شخصين كاحد الضررين المتوجه

الى شخص واحد ، فلابد من ملاحظة اقل الضررين ، وعند التساوي يحكم بالتخيير .

وفيه : ان هذا وجه اعتباري استحساني لايعتمد عليه ، مع انه اذا كان الضرر

المتوعد به امرا مباحا في نفسه كيف يحكم بالتخيير بين ذلك وبين الامر المحرم ، وهو

الاضرار بالغير .

 

حكم قبول الولاية لدفع الضرر عن الغير

 

الثاني : اذا كان الضرر المتوعد به على ترك المكره عليه مما يتعلق بالاجنبي

فهل يعد اكراها ام لا ؟

اقول : الاكراه عبارة من الحمل على فعل يكرهه المكره بالفتح مع التوعد

على تركه بما يكرهه ، كان ذلك امرا متعلقا بنفسه او عشيرته او الاجانب ، فلو فرض

شخص يكره ضرر كل مؤمن - وان كان اجنبيا عنه بالمرة - يصدق الاكراه بالتوعد

بالضرر المتعلق بالاجنبي ، ولو فرض انه لايكره الضرر المتعلق بولده وبنفسه لما

صدق الاكراه ، فالضابط هو ذلك ، لاالقرب والبعد .

ثم انه في مورد لايصدق الاكراه ، كما اذا كان الشخص ممن لايتأثر بضرر

المؤمنين لو حمله الظالم على قبول الولاية او على غيرها مما حرمه الله تعالى غير

 

 

[ . . . ]

الاضرار بالغير وتوعد على تركه بالاضرار بالمؤمنين ، جاز ذلك المحرم بذلك لما دل من

الادلة على جواز الولاية لاصلاح امر المؤمنين ودفع الضرر عنهم ( 1 ) ، ومادل على

مشروعية التقية لحفظ المؤمنين عن المهالك والمضرات ( 2 ) ، فانه اذا صار المحرم مباحا

لدفع الضرر عن المؤمنين مع عدم الاكراه على قبول الولاية صار مباحا مع الاكراه

عليه بلافرق كما لايخفى .

انما الكلام في انه لو كان المحمول عليه هو الاضرار بالغير ، وكان الضرر

المتوعد به هو مايرجع الى الغير ، فقد اختار الشيخ ره عدم جواز الاضرار لاطلاق

ادلة حرمته بعد فرض عدم شمل ادلة نفي الاكراه والحرج للمقام .

وهو حسن ، بل قد عرفت في التنبيه الاول انه مع صدق الاكراه ايضا

لايجوز ، لان رفعه خلاف الامتنان على الامة .

 

يعتبر العجز عن التفصي في الاكراه

 

الثالث : ذكر بعض مشايخ الشيخ قده : انه يظهر من الاصحاب ان في اعتبار

عدم القدرة على التفصي من المكره عليه وعدمه اقوالا :

الكلام يقع في مقامين : الاول : في الاقوال في المسألة .

الثاني : في بيان المختار .

اما المقام الاول : فقد توهم ان في المسألة اقوالا ثلاثة ، ثالثها التفصيل بين

الاكراه على الولاية ، فلا يعتبر العجز عن التفصي ، وبين الاكراه على غيرها من

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 46 - من ابواب مايكتسب به .

( 2 ) الوسائل - باب 24 - من ابواب الامر والنهي . ( * )

 

 

[ . . . ]

المحرمات فيعتبر فيه العجز عن التفصي .

اما القول باعتبار العجز عن التفصي مطلقا مالم يكن حرجيا ولم يترتب عليه

ضرر فهو المشهور بين الاصحاب ، كما ان المشهور بينهم عدم اعتباره اذا كان جرجيا

ام ضرريا ، وعدم اعتبار عدم القدرة العقلية على خلافه ، وماتوهمه الشهيد الثاني ره

في محكي المسالك من ان المحقق اعتبر العجز العقلي غير صحيح .

واما القول بعدم اعتباره مطلقا فالظاهر ان منشأ زعمه مااوهمته عبارة الشهيد

ره في بيان مختاره ، ولكن الحق انه لايقول بذلك ، بل مراده من العجز الذي نفي اعتباره

هو العجز العقلي ، وقد عرفت ان هذا مما تطابقت عليه كلماتهم ، والشاهد على ان مراده

ذلك قوله : ولايشترط الالجاء اليه بحيث لايقدر على خلافه ، وقد صرح به الاصحاب

في كتبهم .

واما القول بالتفصيل فمنشأ زعمه هو مااحتمله في المسالك من عبارة الشرائع

حيث قال المحقق ره : اذا اكرهه الجائر على الولاية جاز له الدخول والعمل بما يأمره

مع عدم القدرة على التفصي . . . فانه احتمل فيها احتمالات : منها : ان الولاية لاتشترط

بالاكراه ، بل المشروط به هو العمل بما يأمره الجائر .

ومنها : ان الولاية والعمل معا مشروطان بالاكراه فقط دون العجز عن

التفصي .

ومنها : التفصيل بين الولاية والعمل ، فيقيد الاولى بالاكراه والثاني بالعجز عن

التفصي ، والمتوهم توهم ان كل واحد من هذه الاحتمالات قول برأسه فنقل ان في

المقام قولا بالتفصيل ، والشيخ ره قد دفع الاحتمال الاخير بانه فرق بين الولاية ، حيث

انه لايقدر المكره على التفصي عنها من دون ضرر ولاكلفة .

وبين مااذا امر الوالي باعمال محرمة في ولايته فانه يتمكن غالبا من عدم

الموافقة ودعوى الامتثال ظاهرا من اخذ المال جهرا ثم رده اليه سرا ونحو ذلك ،

 

 

[ . . . ]

والمحقق ره كان متفطنا لذلك فلذا صرح باعتبار العجز عن التفصي الذي هو معتبر

في صدق الاكراه في اباحة تلك الاعمال خاصة ، وهو حسن .

واما المقام الثاني : فالاظهر اعتبار العجز عن التفصي اذا لم يكن حرجيا ام

ضرريا لعدم صدق الاكراه بدونه ، ولافرق بين هذا المحرم وسائر المحرمات الالهية .

وسيأتي تنقيح القول في ذلك في مبحث اعتبار الاختيار في المتعاقدين في الجزء السادس

عشر من هذا الشرح . فانتظر .

 

جواز الولاية مع الضرر المالي رخصة

 

الرابع : هل قبول الولاية مع الضرر المالي الذي لايضر بالحال رخصة ام

عزيمة .

لاينبغي التوقف في جواز تحمل الضرر المالي وعدم قبول الولاية

المحرمة ، لان مقتضي حديث رفع الاكراه انما هو رفع الحرمة ، ولايكون هو متكفلا

للوجوب ، ولادليل غيره ، فلابد من الرجوع الى القواعد وهي تقتضي جواز تحمل

الضرر ، لان الناس مسلطون على اموالهم ( 1 ) .

وقد استدل لعدم جوازه : بان في دفع المال اعانة على الاثم ، وهي محرمة .

وفيه : اولا : ان الاعانة على الاثم لادليل على حرمتها كما تقدم .

وثانيا : ان دفع المال الى الجائر من قبيل تجارة التاجر مع اعطاء الكمرك ،

ولايصدق عليه الاعانة كما اسلفناه في محله .

..............................................................................

( 1 ) البحار ج 1 ص 154 . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

حكم قتل المؤمن بالاكراه او بالتقية

 

الخامس : لايباح بالاكراه قتل المؤمن ولو توعد على تركه بالقتل اجماعا ،

وتحقيق القول في المقام يقتضي البحث في مقامين :

الاول : فيما تقتضيه القواعد .

الثاني : في النصوص الخاصة .

اما المقام الاول : فقد عرفت ان حديث رفع الاكراه لوروده مورد الامتنان

لايصلح لرفع حرمة القتل في المقام ، اذ لاامتنان في رفعها على الامة ، فهو لايشمل

المقام . واما ادلة التقية فهي وان دلت على اباحة المحرمات لحفظ المؤمنين عن المهالك

والمضرات الا انها لاتدل على الجواز في المقام ، لانها انما شرعت لحفظ نفوس المؤمنين

واعراضهم واموالهم ، فاذا توقف حفظ شئ منها على اتلاف نظيره من شخص آخر

لاتكون هناك تقية لارتفاع الغاية ،

وعليه فان كان التوعيد بغير القتل لم يجز القتل بلا كلام .

وان كان به فقد يتوهم ان حرمة القتل حينئذ تزاحم حرمة الالقاء في التهلكة

ووجوب التحفظ على النفس ، اذ الامر دائر بين القاء النفس في الهلكة ، وبين قتل

المؤمن ، ولامناص عن اختيار احدهما . فلابد من الرجوع الى مرجحات باب

التزاحم ، فان ثبت اهمية احدهما تعين والا تخير بين الامرين .

ودعوى ان الاية الشريفة ( وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس ) ( 1 ) تدل

على ان الدماء المحترمة ليس احدها اهم من الاخرين فلا وجه لملاحظة الاهم والمهم

..............................................................................

( 1 ) المائدة آية 46 . ( * )

 

 

[ . . . ]

في ذلك مندفعة بانها واردة في القصاص ولاربط لها بالمقام .

ولكنه توهم فاسد ، اذ قتل الغير ايجاد لما يرفع القتل عن نفسه ، وتركه ترك

لذلك لاانه القاء لها في التهلكة ، وايجاد مايرفع القتل وان كان واجبا في الجملة لكن

لادليل على وجوبه اذا انحصر الدفع بقتل غيره ، وعلى هذا فحيث ان هلاك احدهما

مما لابد منه ، ويمتاز قتل الغير بارتكاب محرم ، فلا وجه لتسويغه .

فتحصل : ان مقتضي القواعد عدم جواز القتل .

واما المقام الثاني : فالنصوص ايضا تقتضي ذلك ، لاحظ صحيح محمد بن مسلم

عن الامام الباقر عليه السلام : انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس

تقية ( 1 ) .

وموثق الثمالي عن الامام الصادق عليه السلام : انما جعلت التقية ليحقن بها

الدم فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية ( 2 ) . ونحوهما غيرهما .

فانها تدل على ان حفظ النفس اذا توقف على اي محرم يجوز ذلك ، ولكنه اذا

توقف على اراقة دم محترم لاتكون التقية حينئذ مشروعة ولايجوز ذلك .

ومانقله المحقق المجلسي ره عن بعض واختاره المحقق الايرواني ره من ان

المراد بهذه الاحاديث ان التقية انما شرعت لحفظ النفس ، فاذا كان الشخص مقتولا

على كل حال اتقي او لم يتق فلا تقية لانتفاء ماهو الغرض من تشريع التقية . فهي

غير مربوطة بالمقام ، غير صحيح ، اذ لو احتمل ارادة هذا المعنى من بعضها ولم تكن

خلاف الظاهر ، مع انه محل منع ، لاتحتمل في موثق الثمالي ، اذ قوله عليه السلام فيه :

فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية كالصريح في المعنى الذي اشرنا اليه كما لايخفى .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 31 - من ابواب الامر والنهي حديث - 1 .

( 2 ) الوسائل باب 31 من ابواب الامر والنهي حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

فما هو المشهور - بل المجمع عليه - من عدم جواز قتل المؤمن ولو توعد على تركه

بالقتل منطبق على القواعد ، وتشهد به النصوص الخاصة .

 

حكم المستحق للقتل

 

بقي في المقام فروع تعرض لها الشيخ ره :

الاول : ماذكره بقوله ( ولو كان المؤمن مستحقا للقتل . . . الخ ) .

اقول : المستحق للقتل ان كان مهدور الدم لكل واحد لاريب في انه ليس

مشمولا للنصوص المتقدمة ، وان يجوز قتله لو اكره عليه بالاولوية مالم تترتب عليه

الفتنة ، وان كان مهدور الدم لكل احد ولكن باجازة الحاكم الشرعي كمن استحق

القتل بالحد ، او كان مهدور الدم لشخص معين او جماعة كذلك كالمستحق للقتل

قصاصا ، فحكمه حكم سائر النفوس المحترمة ، فلا يجوز قتله ولو مع التقية او

الاكراه .

وماذكره المحقق الايرواني ره من ان النصوص منصرفة الى محقون الدم بقول

مطلق فيرجع فيما عداه الى عموم رفع ما استكرهوا عليه ، ومقتضاه جواز القتل في

المقام ، غير صحيح لعدم تمامية دعوى الانصراف ، بل مقتضى اطلاقها الشمول لكل

محقون الدم نعم هي منصرفة عن مهدور الدم بقول مطلق ، مع انه قد عرفت انه مع

قطع النظر عن النصوص الخاصة القواعد تقتضي عدم جواز القتل - فراجع ما

حققناه - والنصوص الخاصة لامفهوم لها كي تقيد الاطلاقات الاولية .

 

 

[ . . . ]

حكم قتل المخالف

 

الفرع الثاني : في انه اذا اكره على قتل المخالف فهل يجوز ذلك ام لا ؟ فقد

اختار الشيخ ره وتبعه الاستاذ الاعظم : انه يجوز مع التقية او بالاكراه :

واستدل له : بان النصوص الدالة على ان حد التقية هو الدم مختصة بدماء

الشيعة ، اذ الغرض من التقية هو حفظها ، وعليه فلا مخصص لعمومات التقية ونفي

الاكراه .

وفيه : إن ماذكر من ان التقية انما شرعت لحفظ دماء الشيعة مسلم ، كما ان

ماذكر من اختصاص نصوص المقام بها لاكلام فيه ، ولكن بما ان ادلة التقية ونفي

الاكراه انما وردت في مورد الامتنان ، وشمولها للمقام مناف له ، فلا تشمل قتل

المخالفين ، فهو باق على حكمه الاولي وهو عدم الجواز مالم يزاحم هذا الحكم حكم

اهم اللهم الا ان يقال : ان ادلة التقية انما وردت في مقام الامتنان على الشيعة لاعلى

الامة كما هو الشأن في دليل رفع الاكراه ، وعلى ذلك فهي تشمل قتل المخالفين وترتفع

الحرمة بها .

الفرع الثالث : ماذكره الشيخ ( بقوله : بقي الكلام في ان الدم يشمل الجرح

وقطع الاعضاء . . . الخ ) .

واستدل الشيخ ره لما قواه من جواز الجرح وقطع الاعضاء في مورد الاكراه

والتقية : بان ظاهر النصوص الخاصة الدالة على انه لاتقية في الدم هو الاختصاص

بالدم المبقي للروح ، وعليه فمقتضي عمومات التقية ونفي الحرج والاكراه هو ذلك .

وفيه : ان تلك الادلة لورودها مورد الامتنان لاتشمل الجرح والقطع ، فلابد من

الرجوع الى مادل على حرمة ذلك من الادلة الاولية .

 

 

[ . . . ]

 

حرمة هجاء المؤمن

 

السابعة والعشرون : هجاء المؤمن حرام بالادلة الاربعة .

الهجاء في اللغة عد معايب الشخص ، صرح بذلك في القاموس ، وهذا في الجملة

مما لاخلاف فيه ، وانما وقع الخلاف بين القوم في موردين : الاول : في انه هل يعتبر في

صدقه ان يكون ذلك بالشعر كما عن جامع المقاصد ، ام لاكما عن غيره .

الثاني : في انه هل يختص ذلك بذكر مافيه من المعايب ، ام يعم ذكر ماليس

فيه منها .

ولكن حيث لم يرد نص على حكم الهجاء من حيث هو ، والاجماع وان انعقد

على حرمته ، الا انه ليس اجماعا تعبديا ، فالاولى الاغماض عن بيان ذلك وصرف عنان

الكلام الى بيان الادلة .

وقد استدل الشيخ ره لحرمته بالادلة الاربعة قال : لانه همز ولمز وأكل اللحم

وتعيير واذاعة سر ، وكل ذلك كبيرة موبقة ، فيدل عليه فحوى جميع ماتقدم في الغيبة

. . . الخ .

وظاهر كلامه هذا صدق جميع هذه العناوين في جميع موارد الهجو ، وهو غير تام

كما سيظهر ، وحق القول في المقام ان الهجو ربما يكون بالجملة الخبرية ، وربما يكون

بالجملة الانشائية ، اما الاول : فان كان الهجو بما فيه من المعايب كان حراما لكونه

غيبة واهانة وتعييرا ، وان كان بما ليس فيه كان حراما من جهة الكذب والاهانة

والتعيير .

واما الثاني : فهو يكون حراما لما دل من النصوص على حرمة هتك المؤمن

واهانته وتعييره .

 

 

[ . . . ]

بقي في المقام فروع : الاول : انه لافرق في المؤمن الذي يحرم هجوه بين الفاسق

وغيره لاطلاق الادلة .

واما الخبر : محصوا ذنوبكم بذكر الفاسقين ( 1 ) . فقد حمله الشيخ ره على ارادة

الخارجين عن الايمان أو المتجاهرين في الفسق ، ولكن هذا الحمل خلاف الظاهر

لايصار اليه مع عدم القرينة ، فالاولى ان يقال : انه يحتمل في الخبر وجوه :

الاول : مافهمه الشيخ ره منه .

الثاني : تذكر احوالهم وعاقبة امرهم وان مصيرهم الى النار الموجب للارتداع

عن المعاصي والتوبة عن مافعله من الذنوب .

الثالث : تذكيرهم عذاب الله كي يرتدعوا عن المعاصي ، وعلى الاخيرين فهو

اجنبي عن المقام ، هذا كله في غير المعلن بالفسق ، واما هو فان كان الهجو بالجملة

الخبرية وكان بما فيه من المعايب ولم يستلزم الهجو اهانة وهتكا زائدا عما يلازم اغتيابه ،

جاز لما دل على جواز غيبة المتجاهر بالفسق ، والا فلا يجوز لعموم الادلة وعدم

المخصص ، اذ الدليل المخرج مختص بغيبة المتجاهر بالفسق لابكل مايكون اهانة له .

الثاني : هل يجوز هجو الفاسق المبدع في الدين ام لا ؟ وجهان : اقواهما الاول ،

وذلك لانه فيما كان الهجو بما فيه بالجملة الخبرية او بالجملة الانشائية مقتضي الاصل

ذلك بعد كون ادلة حرمة الغيبة وحرمة الاهانة والهتك مختصة بالمؤمن غير الشامل له ،

وفيما كان الهجو بما ليس فيه بالجملة الخبرية يدل عليه صحيح داود بن سرحان عن

الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اهل الريب

والبدع : واكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة ، وباهتوهم كي لايطمعوا في الفساد

في الاسلام ويحذرهم الناس ولايتعلمون من بدعهم . . . الخ ( 2 ) .

..............................................................................

 ( 1 ) لم اعثر على اصل له في كتب الحديث وانما هو مذكور في المكاسب .

( 2 ) الوسائل - باب 39 - من ابواب الامر والنهي حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وحمله على ارادة اتهامهم وسوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به وعدم تجويز

الكذب عليهم كما احتمله الشيخ ره خلاف الظاهر لايصار اليه بلا قرينة ، وهذا يدل

على الجوار في الشق الاول ايضا كما لايخفى .

الثالث : هل يجوز هجو المخالفين ام لا ؟ فيه ايضا وجهان بل وجوه . والحق ان

يقال : ان هجوهم بما فيهم او بالجملة الانشائيه جائر لما تقدم من اختصاص ادلة حرمة

الغيبة والاهانة والهتك بالمؤمنين القائلين بامامة الائمة الاثني عشر كما تقدم تنقيح

القول في ذلك في مبحث الغيبة ، وان كان بما ليس فيهم من المعايب فغير جائز لعموم

ادلة حرمة الكذب والبهتان .

واستدل للجواز : بخبر ابي حمزة عن الامام الباقر عليه السلام قال : قلت له :

ان بعض اصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم فقال عليه السلام : الكف عنه

اجمل ( 1 ) .

وفيه : ان الخبر ضعيف السند لعلي بن العباس لايعتمد عليه .

 

حرمة الهجر

 

الثامنة والعشرون : لاخلاف بين المسلمين في حرمة الهجر . وهو الفحش

والقول القبيح .

وتشهد له جملة من النصوص : كصحيح ابي عبيدة عن الامام الصادق عليه

السلام : البذاء من الجفاء ، والجفاء في النار ( 2 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 73 - من ابواب جهاد النفس ومايناسبه حديث 3 .

( 2 ) الوسائل - باب 72 - من ابواب جهاد النفس حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وخبر سليم بن قيس عن الامام علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم : ان الله حرم الجنة على كل فحاش بذئ قليل الحياء لايبالي ماقال

ولاماقيل له ( 1 ) ونحوهما غيرهما .

ومقتضى اطلاق النصوص عدم الفرق بين ان يكون المخاطب به مؤمنا او

ومسلما او كافرا ، ذكرا او انثى ، صغيرا او كبيرا ، اذ الظاهر منها انه محرم من حيث نفسه

لابعنوان انه اهانة وهتك للمخاطب كي تختص الحرمة ببعض من تقدم ، بل يمكن ان

يقال : ان الاطلاقات تشمل مااذا كان المقول له من البهائم والحيوانات كما افاده

المحقق التقي ره .

وبذلك قد تم الجزء الرابع عشر من كتابنا فقه الصادق ويتلوه الجزء الخامس

عشر من اول مبحث اخذ الاجرة على الواجبات . والحمدلله اولا وآخرا .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 72 من ابواب جهاد النفس حديث 2 . ( * )