] الفصل التاسع في الربا وهو معلوم التحريم [

 

الفصل التاسع في الربا

 

وهو في اللغة : الزيادة قال الله تعالى ( فلا يربو عند الله ) ( 1 ).

( وهو معلوم التحريم ) بالكتاب ، قال الله تعالى ( الذين يأكلون الربا لا

يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع

مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما

سلف وأمره الى الله ومن عاد فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ) ( 2 ) وقال عز

وجل : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين ) ( 3 )

وقال سبحانه ( يا ايها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقو الله لعلكم

تفلحون ) ( 4 ) وقال سبحانه : ( وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ) ( 5 ) .

وبالسنة : لاحظ : صحيح هشام عن الامام الصادق ( ع ) درهم ربا أشد من

سبعين زنية كلها بذات حرام ( 6 ) .

...........................................................................

( 1 ) سورة الروم : آية 29 .

( 2 ) سورة البقرة : آية 275 .

( 3 ) سورة البقرة آية 278 .

( 4 ) سورة آل عمران : آية 130 .

( 5 ) سورة النساء : آية 161 .

( 6 ) الوسائل باب 1 من ابواب الربا حديث 1 كتاب التجارة . ( * )

 

 

[ . . . ]

وخبر أبي بصير عنه ( ع ) : درهم ربا أشد عند الله من ثلاثين زنية كها بذات

محرم مثل عمة وخالة ( 1 ) .

وخبر سعيد بن يسار عنه درهم واحد ربا أعظم من عشرين زنية كلها

بذات محرم ( 2 ) .

وفي ملحقات العروة : ولعل اختلاف الأخبار إنما هو بالنسبة الى اختلاف

الأمكنة والأوقات والحالات والأشخاص والكيفيات .

وخبر سعيد بن طريف عن الإمام الباقر ( ع ) : أخبث المكاسب كسب

الربا ( 3 ) .

والنبوي : شر المكاسب كسب الربا ( 4 ) .

وما عن النبي ( ص ) في حديث : ومن أكل الربا ملأ الله بطنه من نار جهنم

بقدر ما أكل ، وإن اكتسب منه مالا لم يقبل الله منه شيئا من عمله ولم يزل في لعنة الله

والملائكة ما كان عنده قيراط واحد ( 5 ) .

وما رواه الطبرسي عن الإمام الصادق ( ع ) : الربا سبعون بابا أهونه عند الله

كالذي ينكح أمه ( 6 ) .

وعنه ( ع ) : إذا اراد الله بقوم هلاكا ظهر فيهم الربا ( 7 ) الى غير ذلك من

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من أبواب الربا حديث 5 كتاب التجارة .

( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب الربا حديث 6 كتاب التجارة .

( 3 ) الوسائل باب 1 من ابواب الربا حديث 2 كتاب التجارة .

( 4 ) الوسائل باب 1 من ابواب الربا حديث 13 كتاب التجارة .

( 5 ) الوسائل باب 1 من ابواب الربا حديث 15 .

( 6 ) الوسائل باب 1 من ابواب الربا حديث 16 .

( 7 ) الوسائل باب 1 من ابواب الربا حديث 17 .

 

 

] بالضرورة من الشرع [

 

النصوص الكثيرة المتواترة الدالة على تحريم الربا .

وفي جملة منها أن العلة في تحريمه ذهاب المعروف ، وتلف الأموال ، ومنعه من

القرض ، ولما فيه من الفساد والظلم ، وقد صدق جريان التاريخ كلمات المعصومين ( ع ) .

حيث ساق أكل الربا الى تراكم الثروة والسودد ، فجر ذلك الى الحروب العامة .

وباجماع المسلمين .

بل تحريمه معلوم ( بالضرورة من الشرع ) المبين فيدخل مستحله في سلك

الكافرين ، وأنه يقتل كما في موثق ابن بكير قال بلغ أبا عبد الله ( ع ) عن رجل أنه

كان ياكل الربا ويسميه اللباء ، فقال : لأن أمكني الله منه لأضربن عنقه ( 1 ) ونحوه غيره .

وكما يحرم أخذ الربا يحرم دفعه ، بل ويحرم كتابته والشهادة عليه ، لاحظ :

العلوي : لعن رسول الله ( ص ) الربا وآكله وبائعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه ( 2 )

والعلوي الآخر : لعن رسول الله ( ص ) في الربا خمسة : آكله ومؤكله وشاهديه وكاتبه ( 3 )

 ونحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة .

 

فساد المعاملة الربوية

 

لا خلاف بين الأصحاب في فساد المعاملة الربوية - ويشهد به : الآية

الكريمة : ( أحل الله البيع وحرم الربا ) ( 4 ) فإن المراد بالحلية المنسوبة الى البيع

والحرمة المنسوبة الى الربا أما الحلية والحرمة الوضعيتان أي : الصحة والنفوذ وعدمهما

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب الربا حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب الربا حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 4 من ابواب الربا حديث 4 .

( 4 ) البقرة آية 275 .

 

 

[ . . . ]

أو التكليفيتان أي : الرخصة وعدمها أو الأعم منهما وهو الظاهر منها ، ولعل الجامع بين

الحيلة الوضعية والتكليفية هو جعله مرخى العنان في مقابل الحرمة بمعنى المنع

والتقيد ، وعلى جمع التقادير تدل الآية على صحة البيع وفساد الربا ، أما على الأول

فواضح ، وكذلك على الثالث .

وأما على الثاني فحيث إنه لا موهم لحرمة البيع ولحلية الربا بما هما فعلان أو

بما هما سببان للملك فلا بد من تقدير التصرفات ، وعليه فيستفاد مملكية البيع وعدم

مملكية الربا بالملازمة العرفية بين حلية جميع التصرفات وبين الملكية ، وعدم حلية

تصرف من التصرفات وعدم الملكية .

وإن شئت قلت : إن الآية تدل على حلية التصرفات المترتبة على البيع وحرمة

التصرفات المترتبة على الربا ، واللازم العرفي للأول الملكية وللثاني عدمها .

وبهذا التقريب يظهر دلالة كثير من النصوص عليه ; فإن ظاهر الأخبار

المتضمنة لاعتبار المثلية منطوقا ومفهوما : بيان الحكم الوضعي أو الأعم منه ومن

التكليفي أيضا تدل عليه كما عرفت .

فان قيل : أن الربا لغة وعرفا وشرعا ونصا هو : الزيادة لا المعاملة المشتملة

عليها ، وعلى ذلك فالمتجه اختصاص الفساد بالزيادة لأنها هي محل المنع وصحة

المعاملة المشتملة عليها فبيع المثلين بالمثل كبيع ما يجوز بيعه وما اليجوز بيعه في عقد

واحد الذي يصح في الأول ويبطل في الثاني .

توجه عليه اولا : أن المراد من الربا في الآية الكريمة المعاملة المشتملة على الزيادة

 بقرينة صدر الآية ( ذلك بأنهم قالوا : إنما البيع مثل الربا ) فإن مماثل البيع

المعاملة الربوية ولذلك قال الطبرسي في المجمع في ذيل الآية : أحل البيع الذي لا ربا

 

 

[ . . . ]

فيه وحرم البيع الذي فيه الربا .

والمراد منه في كثير من النصوص أيضا ذلك ، لاحظ : قول الإمام ( ع ) في

العلوي والمتقدم : لعن رسول الله ( ص ) بائعه ومشتريه ولعله لذلك قال الشهيد الثاني :

إن المراد بالربا شرعا بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل والوزن مع زيادة في أحدهما .

ودعوى أن الزيادة في أحد العوضين حيث تكون بإزاء أجل أو وصف أو

نحوهما في العوض الآخر ، فكانت المعاملة الربوية منحلة الى معاملتين إحداهما بيع

المثل بالمثل ، والأخرى مبادلة الأجل أو الوصف أو نحوهما بالريادة مثلا لو باع منا

من الحنطة الجيدة بمنين من الرديئة يكون المن الزائد في قبال الجودة فيحكم بصحة

الأولى ، وبطلان الثانية كما هو الشأن في نظائر المقام مندفعة بأن الأوصاف لا تقابل

بالأعواض في المعاملات ، بل هي سبب للزيادة ، فالمعاملة واحدة ، ويكون كل جزء من

المثل في مقابل جزءين من المثلين مثلا .

ولا يتوهم أن المتبايعين وإن قصدا كذلك إلا أن الشارع الأقدس يمنعه من

الزيادة وجعل المثل في مقابل المثل ولم يمض ما قصداه ; فان ذلك امر ممكن لو دل عليه

دليل ولم يثبت عليه الدليل ، بل مقتضى قاعدة تبعية العقود للقصود خلاف ذلك .

وثانيا : أنه لو سلم كون المراد من الربا الزيادة لا المعاملة المشتملة عليها ; لزم

من البناء على فساد المعاملة بالنسبة الى ما عدا الزيادة إن كانت الزيادة جزءا ،

وصحتها إذا كانت شرطا كما ذهب إليه بعض أما في الأول ; فلعدم تميز الزيادة عن

الذي يقابل العوض الآخر إذ كل جزء من المثل يقابل جزءين من المثلين كما مر

آنفا ، وأما في الثاني فلما تقدم في محله من أن الشرط الفاسد لا يكون مفسدا .

ويمكن أن يقال : إن الشرط الفاسد للعقد إلا أنه فيما إذا

لم يستلزم فقد العقد ما يعتبر في صحته ، وإلا فيكون مفسدا وعلى ذلك بنينا على بطلان

 

 

] وهو بيع أحد المثلين بآخر مع زيادة [

 

عقد النكاح الذي اشترط في الخيار من جهة إخلال هذا الشرط بقصد الدوام المعتبر

في النكاح الدائم ، ففي المقام حيث إن شرط الزيادة في أحد العوضين موجب لعدم

صدق المماثلة المعتبرة في صحة المعاملة فيفسد العقد لذلك .

فالمتحصل مما ذكرناه : فساد المعاملة الربوية مطلقا سواء أكانت الزيادة جزءا

أو شرطا .

 

جريان الربا في جميع المعاوضات

 

وهل يختص الربا بالبيع كما هو ظاهر المصنف - ره - في المقام ، حيث قال : ( وهو

بيع أحد المثلين بآخر مع زيادة ) وصريحه في غير مقام ، وهو الذي صرح به الحلي وظاهر

الشرائع في المقام ، أم يعم كل معاوضة كما عن السيد والشيخ والقاضي وابن المتوج

وفخر المحققين والشهيدين وابن العباس والقطيفي والعليين والمحقق الأردبيلي وصريح المحقق

 في الشرائع في كتاب الغصب ونسب الاردبيلي ذلك الى الأكثر وفي ملحقات

العروة هو : المشهور ؟ وجهان .

يشهد للثاني : عموم ما دل على حرمته من الكتاب والسنة المتقدم إليه الإشارة ;

فإنه لم يقيد في شئ منها بالبيع ، ودعوى الانصراف إليه لغلبته - كما ترى .

واستدل له سيد الرياض وتبعه غيره بالأخبار الدالة على اشتراط المثلية في

المعاملة مع اتحاد الجنس كصحيح ابن ابي نصر عن الإمام الصادق ( ع ) : الحنطة

والشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما على الآخر - الى أن قال - والدقيق بالحنطة

والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس ( 1 ) .

وفي خبر آخر عنه ( ع ) : كان علي ( ع ) يكره ان يستبدل وسقا من تمر خيبر

...........................................................................

( 1 ) ذكر صدره في الوسائل باب 8 من ابواب الربا عن أبي بصير

 حديث 3 وذكر ذيلة فيها عن زرارة باب 9 حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بوسقين من تمر المدينة لأن تمر خيبر أجودهما ( 1 ) .

والموثق كالصحيح ، بل ربما عد من الصحيح قلت لأبي عبد الله ( ع ) أيجوز

قفيز من حنطة بقفيزين من شعير ؟ فقال ( ع ) : لا يجوز إلا مثلا بمثل ( 2 ) .

وصحيح محمد بن مسلم عن الإمام الباقر ( ع ) عن الرجل يدفع الى الطحان

الطعام فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكل عشرة أرطال اثني عشر رطلا دقيقا فقال

( ع ) : لا . قلت : الرجل يدفع السمسم الى العصار يضمن له لكل صاع أرطالا مسماة .

قال ( ع ) : لا ( 3 ) ونحوها غيرها من النصوص الكثيرة الشاملة بإطلاقها لغير البيع ، بل

بعضها كالخبر الأخير صريح في غيره .

ومع ذلك فلا يصغي الى ما نسب الى الحلي والمصنف - ره - من الاستدلال

للاختصاص بالبيع بحمل المطلق على الفرد الغالب ، وبالأصل ، وبالاقتصار فيما

خالف الأصل على المجمع عليه .

 

عدم جريان الربا في التعاوض

 

ثم إنه بناءا على جريان الربا في المعاوضات كالصلح والمعاوضة بين المالين من

غير تعيين للبائع والمشتري كما إذا قال : تعاوضنا كذا بكذا . فإنها معاملة مستقلة غير

البيع ، لا ينبغي التوقف في عدم جريانه في الهبة المعوضة ; فإن المبادلة بحسب الإنشاء

إنما هي بين الهبتين دون الموهوبين ; وإن كان القصد الاصلي تبادل الموهوبين ; إذا العبرة

في باب الإنشائيات بما ينشأ لا بالغرض والداعي ، فأدلة الربا لا تشملها .

وبذلك يظهر أن ما اختاره المحقق في الشرائع وصاحب الجواهر من جريانه

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 15 من ابواب الربا حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب الربا حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 9 من ابواب الربا حديث 3 .

 

 

[ . . . ]

فيها بدعوى أنها وإن كانت هبة في مقابل هبة إلا أنها في اللب مبادلة بين الموهوبين -

غير تام .

ويترتب على ما اخترناه : أن الإبراء بشرط الابراء كما إذا قال : أبرأتك مما لي

عليك من اثني عشر منا من الحنطة بشرط أن تبرأني مما لك علي من خمسة عشر منا

منها - صحيح ، ولا يشمله حكم الربا .

وهل يجري الربا في التعاوض كالوفاء والغرامة والقسمة كما إذا كان عليه

عشرة أمنان من الحنطة فيوفيه بدفع اثني عشر منا ، فإن المدفوع عوض عما في ذمته

إذا قصد الوفاء بالمجموع لا بالعشرة منها وهبة الزائد ، أو إذا أتلف منا من الحنطة

الجيدة فدفع منا ونصفا من الرديئة فإن المدفوع غرامة عوض من التالف فيكون

بينهما تعاوض خصوصا إذا كان من غير جنس التالف ، أو من غير صنفة ، أو إذا كانت

الشركة بالمناصفة فاقتسما بالثلث والثلثين ، أم لا يجري الربا فيها إلا إذا كان بعنوان

المعاوضة من صلح أو غيره ؟ وجهان - قوي الشهيد الثاني في المسالك : الثاني ، واختاره

السيد الطباطبائي في ملحقات العروة ، وصريح الجواهر في باب القرض : اختيار

الأول .

لا اشكال في انصراف أخبار الربا عن غير المعاوضة .

ويمكن أن يقال : إن جملة من الاخبار الدالة على جواز تبرع المقترض بالزيادة

ظاهرة في كون المجموع وفاء عما في الذمة لا كون الزائد بمنزلة الهبة .

لاحظ : صحيح ابن الحجاج عن الإمام الصادق ( ع ) عن الرجل يقترض من

الرجل الدراهم فيرد عليه المثقال أو يستقرض المثقال فيرد عليه الدراهم ، فقال ( ع ) :

إذا لم يكن شرط فلا بأس ذلك هو الفضل ، إن أبي ( ع ) كان يستقرض الدراهم

الفسولة فيدخل عليه الدراهم الجياد الجلال فيقول : يا بني ردها على الذي استقرضتها

 

 

[ . . . ]

منه . فأقول : يا أبة إن دراهمه كانت فسوله وهذه خير منها . فيقول : يا بني هذا هو

الفضل فأعطه إياها ( 1 ) .

وصحيح الحلبي عنه ( ع ) عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عددا ثم

يعطي سوداء وزنا ، وقد عرف أنها أثقل مما أخذ وتطيب به نفسه أن يجعل له فضلها .

فقال ( ع ) : لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط ، ولو وهبنا له كلها صلح ( 2 ) . ومثله خبر خالد

بن الحجاج ( 3 ) ونحوها غيرهما .

فان قيل : إن الظاهر من بعض النصوص كون ذلك ربا ، لاحظ : صحيح

الحلبي عن الامام الصادق ( ع ) عن الرجل يشتري الحنطة ولا يجد عند صاحبها إلا

شعيرا أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد ؟ قال ( ع ) : لا إنما اصلها واحد ( 4 ) .

وصحيح هشام عنه ( ع ) عن الرجل يبيع الرجل الطعام الأكرار فلا يكون

عنده ما يتم له ما باعه ، فيقول له : خذ مني مكان كل قفيز حنطة قفيزين من شعير

حتى تستوفي ما نقص من الكيل . قال ( ع ) : لا يصلح ( 5 ) .

وخبر علي بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم ( ع ) عن رجل اشترى سمنا

ففضل له فضل ايحل له أن يأخذ مكانه رطلا أو رطلين زيت ؟ قال ( ع ) : إذا اختلفا

وتراضيا فلا بأس

...........................................................................

 ( 1 ) الوسائل باب 12 من ابواب الصرف حديث 7 .

( 2 ) الوسائل باب 12 من ابواب الصرف حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 12 من ابواب الصرف حديث 1 .

( 4 ) الوسائل باب 8 من ابواب الربا حديث 4 .

( 5 ) الوسائل باب 8 من ابواب الربا حديث 1 .

( 6 ) الوسائل باب 13 من ابواب الربا حديث 11 . ( * )

 

 

[ . . . ]

توجه عليه أولا : أن خبر علي بن جعفر ضعيف ; لعبد الله بن الحسن والصحيحين

غير ظاهرين في عدم الجواز ; لأعمية عدم الصلاح عن الحرمة ، وعلى

فرض الظهور فيه الجمع بينهما وبين النصوص الصريحة في الجواز يقتضي حملها على

إرادة بيان الحكم التنزيهي .

وثانيا : أن هذه النصوص تحمل على المعاوضة والمبادلة لا الوفاء خاصة .

وقد يقال : إن قولهم عليهم السلام : خبر القرض ما جر نفعا ( 1 ) يدل على الجواز .

فالمتحصل مما ذكرناه أن الأظهر عدم جريان الربا في التعاوض واختصاصه

بالمعوضات .

وبما ذكرناه يظهر عدم جريان الربا في الإقالة إذا شرط فيها شرطا بناءا على

ما هو الحق من جواز اشتراط شرط فيها وإن لم تجز الإقالة بزيادة أو نقصان في الثمن

أو الثمن ; لعموم ما دل على نفوذ الشرط وعدم المانع ، فأنه بناءا على ما بيناه بما أن

الإقالة ليست معاوضة ، بل هي فسخ مستلزمة للتعاوض - لا توقف في عدم جريان

الربا فيها

وما ذكرناه هو الربا في المعاملة من البيع ونحوه وهو الذي انعقد له هذا

البحث ، أما الربا في القرض فسيأتي الكلام فيه في بابه .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 19 من ابواب الدين والقرض . ( * )

 

 

] عينية كبيع قفيز بقفيزين ، أو حكمية كبيع قفيز بقفيز نسيئة [

 

الزيادة العينية

 

لا يهمنا البحث في أنه هل للربا حقيقة شرعية أو متشرعية أم لا ؟ وإنما المهم

هو البحث في أنه بعد ما لا ريب في شمول موضوع الحكم لما إذا كانت الزيادة

( عينية ) على وجه الجزئية ( كبيع قفيز بقفيزين ) هل يعم على ما إذا كانت عينية على وجه

الاشتراط ( أو حكمية ) غير عينية مما يكون مالا كسكنى دار أو عمل له مالية

كخياطة ثوب ، أو اجل له قسطا من الثمن ( كبيع قفيز بقفيزين نسيئة ) أو مما فيه غرض

 عقلائي كاشتراط قراءة القرآن أو إتيان الصلاة أول الوقت أو نحو ذلك ، أم لا ؟

الظاهر أنه اتفقت كلماتهم على إلحاق الشرط بالجزء .

وقد استدل له بوجهين :

( 1 ) أن المستفاد من الأخبار أن الشرط في صحة المعاملة مع اتحاد الجنس

المثلية ، وأنه لا يجوز إلا مثلا بمثل ، والزيادة وإن كانت على وجه الاشتراط تخرجها

عن كونها مثلا بمثل .

وفيه أنه بعد كون الشرط التزاما في ضمن التزام وعقدا غير عقد البيع الذي

هو في ضمنه كيف يخرج البيع عن كونه مثلا . بمثل .

وبعبارة أخرى أن الأخبار تدل على اعتبار مماثلة المثمن للثمن من دون

زيادة ، والمفروض أن الثمن والمثمن بعد الشرط في ضمن البيع مماثلان لا يزيد أحدهما

عن الآخر .

( 2 ) خبر خالد بن الحجاج : سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عددا

قضا منها مائة وزنا ، قال ( ع ) : عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عددا

قضا منها مائة وزنا ، قال ( ع ) : لا بأس ما لم يشترط . وقال : جاء الربا من قبل الشروط

 

 

[ . . . ]

إنما يفسده الشروط ( 1 ) .

وأورد عليه بأنه في القرض وكون البيع كالقرض في ذلك محل منع .

ولكنه غير وارد ; إذ قوله في ذيل الخبر : جاء الربا الى آخره ، من قبيل الكبرى ،

وفي مقام إفادة قاعدة كلية لا في خصوص المورد ، وإلا لزم التكرار اللغو هذا في الزيادة

العينية على وجه الاشتراط .

 

الزيادة الحكمية

 

واما شمول الحكم للزيادة الحكمية على هذا النحو فهو وإن كان مشهورا بين

الأصحاب ، إلا أنه ليس اجماعيا ، وإن أشعر ما عن المختلف بعد أن وجه ما حكى عن

خلاف الشيخ من كراهة بيع أحد المتساويين بالآخر نسيئه - بحملها على الحرمة

معتذرا بغلبة إطلاقها عليها في كلامه بالإجماع عليه وقد ادعاه جماعة ; لأن المحقق

الأردبيلي - رحمه الله - أفتى صريحا بعدم الربا في الزيادة الحكمية ، وهو الظاهر من

المحكى عن الحلي .

وعن المصنف في القواعد والمحقق الثاني في جامع المقاصد : جواز اشتراط البيع

بثمن المثل بل محاباة في القرض الذي هو أضيق دائرة .

وعن جماعة جواز اشتراط التسليم في بلد غير بلد القرض ، وكذا جواز

اشتراط ضمان أو كفالة أو رهن .

وكيف كان فقد استدل لعموم الحكم لها بأن للأجل قسطا من الثمن عرفا

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 12 من ابواب الصرف حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

وشرعا إجماعا .

وبما في الصحيح : لا تبع الحنطة بالشعير إلا يدا بيد ( 1 ) .

وفي الخبر إنما الربا في النسيئة ( 2 ) ذكرها سيد الرياض .

وبأن الزيادة وإن كانت حكمية وبنحو الاشتراط في أحدهما تخرجه عن كونه

مثلا المعتبر في صحة المعاملة مع اتحاد الجنس .

وبدلالة خبر خالد بن الحجاج المتقدم عليه .

وبدعوى الاتفاق عليه .

ولكن الأول يندفع : بأنه لم يشترط في صحة معاملة أحد الجنسين بالآخر ،

سوى المماثلة ، وأما كون قيمة أحدهما مساويا للآخر فمما لا دليل عليه ، وما ذكر غايته

زيادة قيمة أحدهما على الآخر والصحيح مختص ببيع أحد المتماثلين بالآخر نسيئة ، ولا

يشمل كل زيادة حكمية .

وبه يظهر ما في الخبر مضافا الى ضعف سنده والزيادة بنحو الاشتراط لا

توجب عدم مماثلة للثمن بعد فرض كون الشرط التزاما في ضمن التزام كما مر .

وأما خبر خالد بن الحجاج فهو يدل على مفسدية الشرط في فرض الزيادة

العينية أو المالية ، ولا يدل على مفسدية كل شرط ; لأنه في مقام الفرق مع عدم التماثل

بين صورة الاشتراط وعدمه ، نظير ما ورد في تبرع المقترض بالزيادة في مقام الوفاء

والاتفاق قد عرفت حاله .

فالمتحصل مما ذكرناه : أن الزيادة إن كانت عينية توجب البطلان كانت بنحو

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 8 من ابواب الربا حديث 8 .

( 2 ) كنوز الحقائق في هامش جامع الصغير ص 75 الطبع عبد الحميد أحمد . ( * )

 

 

] وشرطه أمران : الاتحاد في الجنس [

 

الجزئية أو الاشتراط ، وإن كانت حكمية ففي بيع أحد المثلين الآخر نسيئة ، الأظهر

هو البطلان ; للصحيح ، ولعله المتفق عليه ، وفي غيرهما وهو ما إذا كانت الزيادة

حكمية بنحو الاشتراط لا دليل على كونها موجبة للبطلان ، ومع ذلك كله الالتزام

بالحاق الشرط بالجزء ومبطلية كل زيادة حكمية أحوط .

 

شرائط تحقق الربا في المعاملة

 

لا كلام وخلاف في أن تحقق الربا في المعاملة شرعا ، وحرمته مشروط بشروط ،

( و ) قد طفحت كلماتهم بأن ( شرطه امران ) : أحدهما : ( الاتحاد في الجنس ) وهو في

الجملة في المسلمات .

ويشهد به طوائف من الأخبار :

ومنها : ما دل على ذلك بالمطابقة والمنطوق ، كموثق منصور بن حازم عن الإمام

الصادق ( ع ) في حديث : كل شئ يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من

جنس واحد ( 1 ) ونحوه غيره .

ومنها : ما يدل عليه بالمفهوم كصحيح محمد بن مسلم في حديث : إذا اختلف

الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد ( 2 ) ونحوه غيره .

ومنها : ما دل على المنع في الحنطة والشعير من البيع إلا مثلا بمثل ; معللا بأن

الحنطة والشعير أصلهما واحد ( 3 ) .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 16 من ابواب الربا حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 13 من ابواب الربا حديث 1

( 3 ) الوسائل باب 8 من ابواب الربا . ( * )

 

 

[ . . . ]

ومنها غير ذلك من النصوص المختلفة الواردة في الأبواب المتفرقة .

إنما الكلام في المراد من الجنس وقد جعل ضابط وحدة الجنس في الشرائع

والسرائر والتذكرة والتحرير والدروس واللمعة وغيرها : كل شيئين يتاولهما لفظ خاص

كالحنطة .

والى ذلك يرجع ما صرح به غير واحد بأن المراد بالجنس النوع المنطقي

الذي هو جنس لغوي عرفي .

وضابطه : أن يكون له اسم خاص ، ولم يكن تحته قدر مشترك يسمى باسم

خاص كالحنطة والفضة والتمر والزبيب مما يكون الاقدار المشتركة التي تحتها اصنافا

لها وليس لها اسم خاص ، بل تذكر مع الوصف كالحنطة الجيدة ولكن المحقق الثاني في

جامع المقاصد قال : وهذا وإن عز الوقوف عليها إلا أن بعض الاشياء قد قام القاطع

على بيان نوعها ، فالحنطة بالنسبة الى ما تحتها بوع بالنص والإجماع ، والحمراء

والبيضاء وغيرهما واحد . انتهى .

وعن مجمع البرهان : أنه متعسر ، بل قيل : إنه متعذر .

وفي الجواهر : وهو كذلك ضرورة صعوبة الوصول الى معرفة الذاتيات بحيث

يفرق فيها بين الجنس والنوع والصنف والفرد على وجه يطمئن به أنتهى .

ولكن غاية ما أورد على هذا الضابط وجود موارد يشك فيها في اتحاد الجنس

وعدمه وهذا لا يوجب الإشكال في موارد قيام القاطع على أحدهما ، فلا بد من بيان

تأسيس الأصل في موارد الشك ، وأن تلك الموارد هل تكون محكومة بحكم ما ثبت في

الاتحاد أو عدمه ، فأقول :

 

 

[ . . . ]

 

تنقيح الأصل في موارد الشك

 

إذا شك في اتحاد الجنس وعدمه ، ففي الجواهر : فظاهر اعتبار

الأصحاب اتحاد الجنس في الحرمة الحل لأن الشك في الشرط شك في المشروط

والفرض كون المحرم شرطا دون الجائز الباقي على مقتضى العموم .

نعم قد يقال : إن ظاهر النصوص الاشتراط في كل منها - الى أن قال - فيكون

كل من الجائز والمحرم مشروطا بشرط فمع فرض الشك يتجه الفساد ; لأصالة عدم

ترتب الأثر وعدم النقل والانتقال ونصوص كل شئ يكون فيه حلال وحرام في غير

الفرض إلا أن قال - وبذلك يظهر أن مقتضى النصوص في المقتم الفاسد إلا أنه

بملاحظة اقتصار الأصحاب الشرطية في المحرم دون غيره يحكم بالحل في المشتبه .

انتهى .

وتفصيل اقول ي المقام يقتضى البحث في موضعين :

أحدهما : فيما يقتضية الأصل اللفظي وهو أصالة العموم والإطلاق .

الثاني : فيما يقتضية الأصل العملي وهو أصالة الحل .

أما الأول فمقتضى عمومات حل البيع وغيره من المعاوضات هو صحة المعاملة

في مورد الشك في الاتحاد مع التفاصيل ; إذ عدم جواز التفاضل علق على الاتحاد

المشكوك تحققه ومنشأ الشك إجمال المفهوم ، وقد حقق في محله جواز التمسك بالعام في

الشبهة المفهومية إذا كان المخصص منفصلا عن العام كما في المقام .

وأورد عليه بأنه كما أن الحرمة معلقة على الاتحاد كذلك الحلية علقت في أخبار

الباب على الاختلاف ; لقوله ( ع ) : إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم ( 1 ) ففي الفرد

...........................................................................

( 1 ) المستدرك ج 2 ص 480 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المشتبه دخوله في ايهما لايد من الرجوع الى الأصل العملي ولا يجوز التمسك بالعموم

العام .

وفيه : أنه إن أريد بذلك تقيد موضوع الحلية بالاختلاف بحيث لا بد في التمسك

بالعام إحراز الاختلاف فيرده أن الخاص الموافق للعام في الحكم لا يكون مقيدا له إذا

كان منفصلا .

وإن أريد أن مفهوم مثل هذا الخبر يقيد العام ويخصصه بما إذا لم يكن

اختلاف فيرده : أن الخارج عن العام هو مورد عدم الاختلاف ، فيجري فيه ما ذكرناه

في تعليق عدم الجواز على الاتحاد من التمسك بعموم العام في مورد الشبه والشك .

وأما الثاني فعلى فرض عدم جواز التمسك بالعموم فقد يقال : إن مقتضى

أصالة الحل جواز المعاملة ونفوذها ، وقد ذكر السيد في ملحقات عروته وجوها ثلاثة

لاقتضائها ذلك :

( 1 ) أن الأقوى جريانها في الحكم الوضعي ; لأن المراد من الحل عدم المنع

تكليفا ووضعا ، ولذا يجري حديث الرفع ونحوه في الجزئية والشرطية والمانعية في الشبهة

الحكمية ، وفي نفي المانعية في الشبهة الموضوعية .

( 2 ) انا نشك في أن البيع التفاضل بقصد ترتب الأثر عليه حلال أو حرم

لأجل الشبهة في الاتحاد وعدمه ، ومقتضى أصالة الحل حيلته وعدم ما نعية التفاضل ،

وإذا كان حلالا فيترتب عليه الأثر إذا لمانع من حرمته وهي مرفوعة ، فالشك في ترتب

الأثر وعدمه مسبب عن الشك في حرمته فإذا حكم بحيلته فلا من بيعه ; لأنه مال

حلال .

( 3 ) انا نشك في أن الزيادة المأخوذة بالبيع في المزبورة هل هي حلال

وجائز التصرف أولا ؟ وبحكم أصالة الحل حلال ، ويجوز التصرف فيها .

 

 

[ . . . ]

ولكن يرد على الوجه الأول : أن المراد بأصالة الحل إن كان هو أصالة البراءة

الثابتة بحديث الرفع وغيره - فيرد عليه أن ذلك الأصل رافع للحكم لا مثبت .

فان قيل : إنه يرفع مانعية المشكوك فيه فيحكم بالصحة لفرض وجود

المقتضي .

أجبنا عنه بأن رفع الحكم الضمني مستقلا غير صحيح ، فلا بد وأن يرفع الحكم

رأسا ، فلا يثبت به إمضاء العقد مع المشكوك فيه .

وإن أريد بها الحكم بالحلية الثابتة بقوله كل شئ حلال - فيرد عليه : مضافا

الى احتمال كونه بصدد بيان حكم الأشياء بعناوينها الأولية ، ولا يشمل ما لو كان الحكم

الواقعي معلوما كما في المقام ، فإن بطلان المعاملة مع الاتحاد معلوم وكذلك صحتها مع

الاختلاف - أنه لو سلم كونه في مقام جعل الحكم الظاهري ظاهر الاخبار كونها بصدد

بيان حكم تكليفي صرف ، مع أن الالتزام بشمولها للاحكام الوضعية المستقلة في الجعل

يلزم منه تأسيس فقه جديد ، وبهذا أجبنا عن استدلال صاحب الحدائق - ره - لصحة

الصلاة مع اللباس المشكوك فيه بأصالة الحل بدعوى : أنه يشك في حلية الصلاة مع

لك اللباس ، وصحتها وعدمها ، فمقتضى قاعدة الحل الحلية والصحة .

ويرد على الوجه الثاني : أن الشك في ترتب الأثر وعدمه ليس مسببا عن الشك

في حرمة المعاملة مع التفاضل بقصد ترتب الأثر عليه بل مسبب عن الشك فگ

اتحاد الجنس واختلافه ومن المعلوم أن أصالة الحل لا تثبت الاختلاف

ويرد على الثالث أن الشك في حلية الزائد مسبب عن الشك في

ترتب الاثر

على المعاملة وعدمه ، فإذا جرى الاصل في السبب لا يبقى موذرد لإجراء الاصل في

المسبب فالأضهر أن اصالة الحل لا تصلح لإثبات الصحة في المقام .

وحق القول في المقام أن يقال : إنه لو كان شرط صحة المعاملة مع التفاضل

 

 

] والكيل أو الوزن [

 

أختلاف الكنس يجري أصالة عدم الاختلاف الأزلي ويثبت بها عدم صحة المعاملة ، وإن

كان شرط فساد المعاملة وحرمتها الاتحادد يجري أصل عدم الاتحاد الأزلي ، ويدخل

بذلك في موضوع أدلة الإمضاء وحيث إن شرطية الاتحاد لعدم الجواز معلومة كما مر ،

وشريط الاختلاف للجواز لم يدل عليها دليل فمقتضى الأصل العملي أيضا الصحة

في موارد الشك في الاتحاد ودعوى أنه يستفاد شرطية الاختلاف من النبوي المجمع عليه كما عن

السرائر : إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شأتم ( 1 ) يردها ما تقدم من أن منطوقه يوافق

العام ولا يقيده ومفهومه بطلان البيع مع عدم الاختلاف ، فيدل على اشتراط البطلان و

عدم الجواز بعدم الاختلاف وهو عبارة أخرى عن الاتحاد

 

اعتبار الكيل أو الوزن

 

الثاني من الأمرين المعتبرين : ( الكيل أو الوزن ) فلا ربا في غير المكيل

والموزون كالمعدود والمزروع ، وما يباع بالمشاهدة كالبيض والنخيل والأشجار والدور

والثياب ونحوها فيجوز فيه التفاضل ومع اختلاف الججنس نقدا ونسيئة كما

المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة .

وعن المقنعة وأبي سلار إن حكم المعدود حكم المكيل والموزون ، فلا يجوز

التفاضل في المتجانسين مطلقا نقدا .

وعن جماعة منهم القديمان والشيخان وسلار وابن حمزة وزهرة : المنع من البيع وغيره

...........................................................................

( 1 ) المسترك ج 2 ص 480 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المكيل والموزون بمثله تفاضلا إذا كان البيع نسيئة وجوازه نقدا .

فعن النهاية : وأما ما لا يكال ولا يوزن فلا بأس بالتفاضل فيه والجنس واحد

نقدا ، ولا يجوز ذلك نسيئة ، ونحوه المحكي عن العماني وابن الجنيد .

وعن الوسيلة : السادس أي المعدود بالمحدود ، ويجوز التبايع فيه متماثلا ومتفاضلا

نقدا لا نسيئة إذا كان من جنس واحد .

وعن الغنيد ويجوز بيع الحيوان بالحيوان متماثلا بالآخر مع التفاضل نقدا .

الثاني في بيعه به نسيئة .

أما المقام الأول ، فإن كان مكيلا أو موزونا فلا كلام في جريان الربا فيه ، وعليه

الإجماع بقسميه ، والكتاب والسنة شاهدان به ، وفي الجواهر بل كاد يكون ضروريا .

إنما الكلام في اشتراط الكيل أو الوزن فيه فيجوز في غير المكيل والموزون

كالمعدود والمزروع وما يباع بالمشاهدة .

يشهد الاعتبار ذلك : نصوص مسفيضة كصحيح عبيد بن زرارة عن الامام

الصادق ( ع ) : لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن . ( 1 )

وصحيح زرارة عنه ( ع ) : لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن ( 2 ) .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الربا حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 6 من ابواب الربا حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وموثق منصور بن حازم عنه ( ع ) عن البيضة باليضتين ، قال ( ع ) : لا بأس

والثوب بالثوبين ، قال ( ع ) : لا بأس . والفرس بالفرسين ، قال ( ع ) : لا بأس . ثم قال

( ع ) : كل شئ يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، فإذا

كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس اثنان بواحد ( 1 ) .

وصحيح زرارة عن الإمام الباقر ( ع ) البعير بالبعيرين والدابة بالدابتين يدا بيد

ليس به بأس ، وقال : لا بأس بالثوب بالثوبين يدا بيد ، ونسيئة إذا ( 2 ) .

وخبر البصري عن ابي عبد الله ( ع ) عن بيع الغزل بالثياب المنسوجة والغزل

أكثر وزنا من الثياب ، فقال ( ع ) لا بأس بالحيوان كله يدا بيد ، ونسيئة ( 3 ) .

وموثق سماعة : سألته عن بيع الحيوان اثنين بواخإحد ، فقال ( ع ) : إذا سميت

السن فلا بأس ( 4 ) الى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على جريان الربا في

خصوص المكيل والموزون وعدم جريانه في غيرهما .

وبإزاء ذلك كله روايتان ، استدل بهما للقول الآخر ، إحداهما : صحيحة محمد

بن مسلم عن ابي عبد الله ( ع ) عن الثوبين الردين بالثوب المرتفع ، والبعير بالبعيرين

والدابة بالدابتين ، فقال : كره ذلك ذلك علي ( ع ) فنحن نكرهه إلا أن يختلف الصنفان ، قال :

وسألته عن الإبل والبقر والغنم أو احدهن في هذا الباب ، فقال ( ع ) : نعم فإنا

نكرهه ( 5 ) .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 16 من ابواب الربا حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 17 من ابواب الربا حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 19 من ابواب الربا حديث 1 .

( 4 ) الوسائل باب 17 من ابواب الربا حديث 7 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ثانيتمها : صحيحة ابن مسكان عنه ( ع ) عن الرجل يقول : عاوضني بنفسي

وفرسك وأزيدك قال ( ع ) : فلا يصلح ولكن يقول : أعطني فرسك بكذا وكذا واعطيك

فرسي بكذا وكذا ( 1 )

ولكن مع عدم عمل الاصحاب بهما ; فإن المنقول عمن ذركناهم من القائلين

بجريان الربا في غير المكيل والموزون مطلقا التفصيل بين النقد والنسيئة وهو القول

الثالث ، راجع المقنعة والمراسم أنه لو أغمض عن ذلك الجمع بين هذين الصحيحين

والنصوص المتقدمة إنما يكون بأحد نحوين : إما حملها على الكراهة لصراحد تلكم

النصوص في الجواز وهما إما مجملان أو ظاهران في الحرمة ، فعلى التقديرين يحملان

على الكراهة ، أو حملها على إرادة النسيئة

فالمتحصل : أنه لا إشكال في عدم جريان الربا في غير المكيل والموزون نقدا .

وأما المقام الثاني وهو بيع أحد المتماثلين بالآخر مع التفاضل نسيئة فلا إشكال

ولا كلام في عدم جوازه في المكيل والموزون ، وإنما الكلام في غيرهما ، فقد عرفت ذهاب

جماعة من الأساطين الى المنع عنه ، والمشهور بين الأصحاب جوازه .

يشهد للمشهور : إطلاق أكثر النصوص المتقدمة ، وصريح بعضها : عدم الفرق

في الجواز بين النقد والنسيئة

وقد استدل للقول الآخر : بالتقييد بكونه يدا بيد في بعض النصوص كصدر

خبر زرارة المتقدم ، وخبر محمد بن مسلم في حديث : إذا اختلف الشيئان فلا بأس به

مثلين بمثل يدا بيد ( 2 ) ونحوهما غيرهما .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب الربا حديث 16 .

( 2 ) الوسائل باب 13 من ابواب الربا حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وبالأمر بالخط على النسيئة في خبر سعيد بن يسار عن الإمام الصادق ( ع )

عن البعير بالبعيرين يدا بيد ونسيئة ، فقال ( ع ) : نعن لا بأس إذا سميت الاسنان

جذعنين أوشنين ، ثم أمرني فخططت على النسيئة ، وفي التهذيبين لا بأس به ثم قال :

خط على النسيئة ( 1 ) .

وبالتصرح بذلك في صحيح الحلبي عنه ( ع ) ما كان من طعام مختلف أو متاع

أو شئ من الأشياء يتفاضل فلا بأس بيعه مثلين بمثل يدا ، فأما نظرة فلا

يصلح ( 2 ) .

ونحوه خبر محمد بن سنان ( 3 ) . وخبر زياد بن ابي غياث ، إلا أنه قال : فأما

النسيئة فلا يصلح ( 4 ) .

وبالصحيحين المتقدمين في المقام الأول المصرحين بالمنع في غير المكيل

والموزون مطلقا ، وقد مر أنه يمكن حملها على النسيئة وبمضمر علي بن ابراهيم

الطويل : وما عد أو لم يكل ولم يوزن فلا بأس يه اثنان بواحد يدا بيد وتكره نسيئة ( 5 ) .

ولكن ما تضمن التقييد بكونه يدا بيد لا مفهوم له كي يدل على المنع في النسيئة ،

مع أنه لو دل عليه يحمل على الكراهة جمعا بينه وبين ما تقدم ، والأمر بالخط على

النسيئة في صحيح سعيد إنما هو للتقية .

وعن الفقيه بعد نقل الصحيح زاد : لأن الناس يقولون : لا وإنما فعل ذلك

للتقية ، وعدم الصلاحية في الصحيح ، والخبرين أعم من الحرمة ، بل قد يقال : إن ( الا

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب الربا حديث 7 .

 ( 2 ) الوسائل باب 13 من ابواب الربا حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 17 من ابواب الربا حديث 14 .

( 4 ) الوسائل باب 16 من ابواب الربا حديث 19 .

( 5 ) الوسائل باب 16 من ابواب الربا حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

يصلح ظاهر في الكراهة ، والمضمر غير حجة لعدم اتصاله الى المعصوم ( ع ) وعدم

حجية قول التابعي من حيث هو ، فمقتضى الصناعة الباناء على عدم المنع ، ومع ذلك

كله ففز النفس شئ ; إذ صحيح سفيد من جهته الأمر بالخط على النسيئة قوي

الدلالة على المنع ، ومجرد احتمال كونه للتقية لا يصلح لرفع اليد عن الخبر ، وكذا

صحيح الحلبي لا استعمال لا يصلح كثيرا في الأخبار ، وفي كلمات العلماء في الحرمة

خصوصا في باب الربا .

ويؤيد المنع : الخيران الآخران والتققيد بقوله : يدا بيد ، والصحيحان المتقدمان ،

وفتوى الجماعة الذين هم عظماء الطائفة .

فما أفاده بعض الأساطين بقوله : فلولا الشهرة العظيمة المتأخرة المؤيدة

بإجماع التذكرة ومخالفة العامة والفحوى المتقدمة لكان المصير الى هذا القول لا يخلو .

عن قوة ، ولعله لما ذكرناه احتاط به في الغنية ، وهو في غاية الجودة . انتهى ، حسن .

 

المعاملة على الأوراق النقدية

 

وترتب على ما ذكرناه أن ما اشتهر من تصحيح المعاملة على الأوراق النقدية

بأخذ ألف تومان نقدا وردها مع الزيادة بعد مدة بإيقاع البيع عليه ، ببيع ألف تومان

نقدا بألف مائة في الذمة الى خمسة اشهر مثلا ، بدعوى : أن الأوراق اغلنقدية لها مالية

اتبارية صرفة ، وأن كل ورق لها شعار خاص ولون مخصوص يعتر بكذا مقدار من

المال ، وتكون هي الطرفة المعاملة لا الذهب والفضة المودعة ، ولذا لا يعتبر في بيعها

التقابض في المجلس وحيث إنها ليست من المكيل والموزون فلا يدخل فيها الربا .

غير خال عن الاشكال ; إذ غير المكيل والموزون وإن لم يدخل فيه الربا إذا كانت

 

 

[ . . . ]

المعاملة نقدا ، وأما إذا كان نسيئة فلا يبعد جريان الربا فيه ، بل له وجه قوي .

 

المناط في المكيل والموزون

 

أن المناط في المكيل والموزون ما كان في عصر النبي ( ص ) كذلك فما ثبت أنه

مكيل أو موزون في عصر النبي ( ص ) بني عليه حكم الربا إجماعا محكيا في التنقيح

إن لم يكن محصلا ، وإن تغير بعد ذلك ، بل فيه أيضا أنه ما علم أنه غير مكيل ولا

موزون في عصر النبي ( ص ) فليس بربوي إجماعا ، ومقتضاه وإن كيل أو وزن بعد

ذلك . كذا في الجواهر .

وقالوا : إن ما لم يعلم حال عصره فالمرجع عادة البلدان ، وان اختلفت فالشهور

بينهم أن لكل بلد حكم نفسه .

وعن جماعة كالشيخ وسلار والفخر تغليب جانب الحرمة ، يثبت التحريم

حينئذ عموما من غير فرق بين بلد الكيل والوزن والجزاف .

وعن المفيد : كون الحكم للأغلب ، ومع التساوي تغليب جانب الحرمة .

فالكلام في موارد :

( 1 ) فيما كان في عصر النبي ( ص ) مكيلا أو موزونا وإن تغير بعد ذلك ،

فالمعروف بين الأصحاب جريان الربا فيه ، كما أنه ما ثبت عدم كونه مكيلا ولا موزونا

لا يجري فيه الربا وإن كان بالفعل مكيلا أو موزونا ، وقد ادعي الإجماع على الحكم

في الفرضين ، واستدل له بوجوه :

الأول : أن الحكم لم يعلق على عنوان المكيلية والموزونية بل بأن يكون المراد

الأجناس المعينة التي كانت على أحد الوصفين في ذلك الزمان مثل الحنطة والشعير

 

 

[ . . . ]

والماش ونحوها ، فكأنه قال : في الحنطة ونحوها لا يجوز التفاضل ، وفي البيض ونحوه

يجوز ، وعلى الجملة المراد من المكيل والموزون المصاديق الفعلية المعنونة بأحدهما في

زمان النبي ( ص ) .

وفيه : أن الظاهر من الأخبار المتضنة لجريان الربا في المكيل والموزون وعدم

جريانه في غيرهما كسائر القضايا الشرعية كونها من قبيل القضايا الحقيقية ودوران

فعلية الحكم مدار نفس العنوان المأخوذ في الدليل

، لا من قبيل القضايا الخارجية ، ولا

بنحو كون العنوان غير دخيل في الحكم ، بل من قبيل العنوان المشير ، ألا ترى أنه لم

يتوهم أحد اختصاص مادل على حرمة تنجيس المسجد بالمساجد الموجودة في عهد

الشارع الأقدس .

الثاني : أن موضوع الحكم وإن كان هو المعنون بأحد العنوانين بحيث يكون

أحدهما دخيلا في الحكم إلا أنه مقيد بما كان كذلك في عصره ( ص ) والدليل على القيد

هو الإجماع .

وفيه أن الإجاع غير ثابت وعلى فرضه ليس إجماعا تعبديا كاشفا عن رأي

المعصوم ، وظاهر أن الموضوع كل ما صدق عليه المكيل أو الموزون دون مصداق خاص

منه .

الثالث : وجوب عمل اللفظ على المتعارف عند الشارع .

وفيه : أن النزاع في المقام ليس في مفهوم المكيل والموزون ; فإن مفهومها

اللغوي واضح ، ولا حقيقة شرعية لهما قطعا ، ولا يكون مكيلية شئ أو موزونية من

الأمور الواقعية ، ويكون نظر العرف والشرع طريقا إليها حتى يكون الشارع مصوبا

للعرف تارة ، ومخطئا لهم أخرى ، بل هما أمران جعليان رتب الشارع على هذا الأمر

الجعلي البنائي الذي بني العرف عليه حكما ، وحيث إن الجعل والبناء يختلف باختلاف

 

 

[ . . . ]

الأعصار والأمطار ، فلذا وقع النزاع في أنه هل المعيار عصر خاص ومصر مخصوص

أم الميزان صدق عنوان كون الشئ مكيلا أو موزونا ، ولا دخل للقاعدة المشار إليها

بالمقام ؟ مع أن النصوص إنما وصلت الينا من الأئمة عليهم السلام من النبي ( ص )

فلو كان الميزان عرف المتكلم كان اللازم اعتبار كيل زمانهم ووزنه كما لا يخفي .

الرابع : الاستصحاب بتقريب : أن ما كان مكيلا أو موزونا في عصر النبي

( ص ) كان يجري الربا فيه ، كما أن ما ثبت عدم كونه كذلك كان لا يجري فيه الربا

قطعا ، وبعد تغير العنوان وصيرورة المكيل أو الموزون غير مكيل ولا موزون كذلك

العكس يشك في تبدل الحكم فيستصحب الثابت قطعا .

وفيه أولا : أنه لا يرجع الى الاستصحاب مع وجود الدليل ، وستعرف وجوده .

وثانيا : ما حقناه في محله من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام .

وثالثا : أن تمام الموضوع هو أحد العنوانين فبعد تبدله يكون الموضوع غير

باق ، أو يشك في بقائه ، ومعه لا مورد للاستصحاب .

ورابعا : أنه من قبيل الاستصحاب التعليقي بعد فرض كون القضية من قبيل

القضية الحقيقية لا الخارجية ، ولا نقول بحجيته .

فالمتحصل مما ذكرناه : عدم تمامية شئ مما ذكروه ، والحق أن المستفاد من الأدلة

أن مدار على ما هو مكيل أو موزون في زمان البيع وبلده ، فما كان مكيلا أو موزونا في

زمان البيع وبلده يجري فيه الربا وإن لم يكن كذلك في عصر النبي ( ص ) وما لم يكن

مذلك وإن كان في عصر النبي ( ص ) مكيلا أو موزونا لا يجري فيه الربا ; إذ المأخوذ

في الأخبار عنوان المكيل والموزون من دون التقييد بزمان خاص وبلد مخصوص ،

ومقتضى إطلاقها دوران الحكم مدار فعلية الموضوع عند إيقاع المعاملة من حيث

زمانها ومكانها .

 

 

[ . . . ]

وبعبارة أخرى : هذه الأخبار من قبيل القضايا الحقيقية المتضمنة لإنشاء

الحكم فيها على الموضوعات المقدر وجودها ، فكل ما صدق عليه هذا العنوان يشمله

هذا الحكم من غير فرق بين الأزمنة والأمكنة .

( 2 ) فيما لم يثبت كونه مكيلا أو موزونا في عهده ( ص ) ولم يعلم حال عصره ،

فالمشهور أن المرجع عادة البلدان إذا اتفقت ، فما كان في عصر البيع مكيلا أو موزونا

في كل بلد جرى فيه الربا ، وما لم يكن كذلك في كل مكان لا يجري فيه الربا وهذا

على ما اخترناه لا إشكال فيه .

وأما على مسلك من يقول : إنما المدار على عصر النبي ( ص ) فقد استدل له

بوجوه :

أحدهما : الإجماع .

وفيه ما تقدم من عدم ثبوته ، وعلى فرضه فهو معلوم المدرك وليس بحجة .

ثانيها : أن الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية ; فإن الخطابات

الشرعية منزلة على ما هو المتفاهم العرفي .

وفيه : أن النزاع في المقام ليس في مفهوم المكيل والموزون كي يتم فيه ذلك ، بل

في أنه هل لمصداق خاص منه خصوصية أم لا ؟ فلا ربط للقاعدة المشار إليها بالمقام ،

ثالثها : مضمر علي بن ابراهم الطويل : فلا ينظر فيما يكال أؤ يوزن إلا الى

العامة ولا يؤخذ فيه بالخاصة ، فإن كان قوم يكيلون اللحم ويكيلون الجوز فلا يعتبر

بهم لأن أصل اللحم أن يوزن وأصل الجوز أن يعد ( 1 ) .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الربا حديث 6 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وفيه أولا : أنه غير حجة ; لعدم اتصال الخبر الى المعصوم ( ع ) وعدم حجية قول

التابعي من حيث هو .

وثانيا : أن المراد بالعامة ليس جميع الناس ، وإلا لما كان يوجد سيما في عصر

الخبر شئ يحرز اتفاق الناس عليه ، بل المراد منه أن بناء النتعاقدين لا يكفي ، بل

يعتبر بناء قوم كأهل بلد عليه فهو منطبق على ما ذكرناه

رابعها : ما تمسك به صاحب الجواهر - ره - وهو : استصحاب الحال الفعلي الى

زمن الخطاب ، وهو المعبر عنه بالاستصحاب القهقري ، بان يقال : إن الأصل عدم

تبدل ما عليه فعلا ، ومدركه إما بناء العقلاء ، أو أن المراد من قولهم عليهم السلام : لا

تنقض اليقن بالشك صعودا ونزولا ، وعلى أي حال حجية هذا الأصل لا تقبل الإنكار ،

 وإلا نسد باب فهم المراد من الأخبار المتضمنة لبيان الحكم مترتبا على

عنوان غير محرز المراد في زمان الخطاب كما هو واضح ، فمع الإماض عن إشكال

المبنى على فرضه لا بأس بهذا الوجه .

( 3 ) فيما لم يثبت كونه مكيلا أو موزونا في عصر النبي ( ص ) ولم يتفق البلدان ،

بل اختلفت ، فالمشهور بين المتأخرين بل عليه عامتهم : أنه كان لكل بلد حكم نفسه ،

 وهو المحكي عن الشيخ في المبسوط والقاضي .

وعن جماعة كالشيخ وسلار وفخر المحققين : تغليب جانب الحرمة .

وعن المفيد : كون الحكم للأغلب ، ومع التساوي تغليب جانب الحرمة .

أقول : بناء على ما اخترناه من أن المعيار بلد المتعاقدين وعصرهما الحكم واضح ،

وأما على مسالك القوم من أن المعيار عصر النبي ( ص ) فقد استدل للمشهور بوجهين :

أحدهما بإقامة العرف الخاص مقام العام عند انتقائه . ذكره المحقق الثاني في

جامع المقاصد .

 

 

[ . . . ]

وتوضيحه ما ذكره بعض من أن المعتبر العرف والعادة عند عدن الشرع ، وكما

أن عرف تلك البلد التقدير فيلزمه حكمه ، عرف الآخر الجزاف مثلا فيلزمه حكمه

صرفا للخطاب الى المتعارف من الجانبين ، وردا للناس الى عوائدهم كما في القبض

والحرز والإحياء ، وإلا لزم الخطاب بما لا يفهم .

وأورد عليه صاحب الجواهر بمنافيته مع خبر علي بن ابراهيم المتقدم ، وبأنه

يجب تقييده أيضا بما إذا لم يعلم سبق الاختلاف بالاتفاق ; فإن المتجه حينئذ عدم

الربا وإن لم يعلم أن الاتفاق كان على عدم التقدير ، ضروروة الاكتفاء في نفي الحرمة

باحتمال عدم التقرير للأصل وغيره .

ولكن : قد عرفت أن قاعدة الرجوع الى عرف الشارع ومع عدمه الى العام

ومع انتفائه الى العرف الخاص غير مربوط بالمقام مما يكون المفهوم مبينا لا كلام فيه ،

والنزاع إنما هو في أنه هل لمصداق خاص منه خصوصية أم لا ؟

ثانيهما : ما في الجواهر قال : لا ستصحاب هذا الحال الى زمان الخطاب ،

فينساق الذهن حينئذ الى أن لكل بلد حكم نفسه إذ هو صادق عليه اسم التقدير

وعدمه ، والأول علة للربا كما أن الثاني علة لعدمه ، فإعمالها معا بعد عدم الترجيح

بينهما يقضي بذلك .

وفيه أنه لا مدرك لحجية هذا الاستصحاب لا من بناء العقلاء ولا من الأخبار ،

والاستصحاب القهقري وإن كان حجة في بعض الموارد إلا أن مدركه بناء العقلاء

غير الشامل للمقام .

فالحق أن يقال : بناء على ما أخترناه من كون هذه القضية من قبيل القضايا

الحقيقة يكون المعيار بلد العاقد وزمانه ، وأما على مشلك القوم فمع عدم إحراز الحال

عصر الشارع لا محالة يشك في جريان الربا فيه وعدمه ; لا حتمال كونه مكيلا أو موزونا

 

 

[ . . . ]

وعدمه ، وحيث إن التمسك بعمومات الصحة تمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلا

يجوز ، فيتعين الرجوع الى الأصل العملي ، فعلى القول بجريان الأصل في العدم الأزلي

يجري استصحاب عدم كونه مكيلا أو موزونا فيحكم بعدم جريان الربا فيه ، وعلى

القول بعدمه فكذلك إن أحرز عدم كونه كذلك قبل عصر النبي ( ص ) وإلا فيتعين

الرجوع الى أصالة عدم ترتب الأثر ، وبعبارة اخرى الى أصالة الفساد في المعاملات .

ثم إنه بناء على ما اخترناه تسقط جملة من الفروع التي ذكرناها الأصحاب في

المقام .

نعم يبقى فرعان : الأول : لو فرضنا كون المبيع في بلد والعقد في بلد آخر ،

والمتعاقدين أهل بلد ثالث ، والمبيع في بعض تلك البلاد مكيل أو موزون ، وفي بعضها

يباع جزافا فهل العبرة ببلد المبيع نظرا الى أن الشرط وصف له ، أم ببلد العقد ، أم

ببلد المتعاقدين ؟ وجوه أظهرها : الثالث ، فإن الظاهر من الروايات أن ما يشترط في

صحة بيعه الكيل أو الوزن ، ولا يصح بيعه جزافا يجري فيه الربا ، ومن الواضح أنه في

الفرض يشترط في البيع المذكور رعاية حال المتعاقدين ، لقوله ( ع ) في صحيح الحلبي :

ما سميت فيه كيلا ( 1 ) فإنه موجه الى البائع .

الثاني : أنه لو وقعت المعاملة في الصحراء وكان البلاد مختلفة في التقدير ولم يكن

الصحراء ملحقا بأحدها ، فإن كان المتعاقدان أهل بلد لحقهما حكمه كما تقدم ، وإلا

فالظاهر عدم جريان الربا فيه وكذا جواز بيعه بغير الكيل والوزن ، للعمومات بعد

عدم شمول دليل الكيل والوزن لهذا المورد كما واضح ، فإذا لم يكن شرط صحة

بيعه الكيل والوزن فلا يجري فيه الربا .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب عقد البيع وشرطه حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

بيع المكيل بالموزون

 

وقد ذكر السيد - ره - في ملحقات العروة فروعا مناسبة ، لا بأس بالإشارة

إليها :

( 1 ) إذا كان أحد العوضين يباع كيلا والآخر بالوزن فهل يصح بيع أحدهما

بالآخر مع عدم اختلاف الجنس كما إذا كانا فرعين من أصل واحد ، أم لا ؟ الظاهر

عدم صحته ; لاحتمال الزيادة ، فيكون ربا فلا يجوز .

فان قيل : إنه مع الشك ما المانع من التمسك بعمومات صحة البيع توجه عليه

أنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز .

وبه يظهر أن السيد لا بد له من البناء على الصحة ، فإفتاؤه بالمنع معللا بعدم

صدق التساوي لا في الكيل ولا في الوزن غير تام ، فالمرجع على المختار أصالة الفساد ،

إلا أن يتمسك بأصالة عدم الزيادة الازلي ، فيحكم بالصحة من جهة دخوله بذلك في

العمومات

( 2 ) الظاهر أن المناط في كون الشئ من المكيل والموزون وعدمه كون الشئ

بنحو يعتبر في صحة بيعه الكيل أو الوزن ، وعليه فإذا كان شئ يباع بالوزن ولكن

بعض أهل البلد يبيعه جزافا يدخله الربا ; لان عمل البعض لا يوجب إلغاء شرطية

الكيل أو الوزن في صحة بيعه ، وإذا كان نوعه من أحدهما لكن القليل منه يباع

بالمشاهدة كما في بعض الأدوية ، أو كان الكثير منه كذلك كزبرة الحديد الحديد - فالظاهر

عدم جريان الربا في الموردين ; لعدم اعتبار الكيل والوزن في بيعهما ، فما في الملحقات

من الإفتاء بجريان الربا في محله .

( 3 ) إذا كان الجنس مما لا يكال ولا يوزن إلا أن صنفا من أصنافه لا يبع إلا

 

 

[ . . . ]

وزنا كالطين لعدم موزونا لكن الارمني منه يباع بالوزن فالظاهر عدم جريان

الربا فيه إلا في خصوص ذلك الصنف .

( 4 ) إذا كان الشئ مختلفا بحسب الأحوال كما في التمر ، فإنه يباع مشاهدة

إذا كان على النخل ، وموزونا إذا كان بعد القص فالظاهر اختلافه باختلافها ; إذ هو

صادق عليه اسم التقدير وعدمه ، والأول سبب للربا كما أن الثاني سبب لعدمه ،

فإعمالها معا يقضي بذلك ، وأما إذا كان مختلفا بحسب نوع المعاملة كما في الصلح

بالمشادة في مثل الحنطة فإنه جائز مع أن بيعها بالمشاهدة غير جائز ، فالظاهر جريان

بيع الشئ بالكيل أو الوزن

( 5 ) إذا كان جنس يباع بكل من الوزن والعدد كالبيض ، فالظاهر عدم

جريان الربا فيه ، لأن شرط جريان الربا كون الشئ يباع بالكيل أو الوزن أي

شرط صحة بيعه أحدهما ، والمفروض عدم اشتراط بيع هذا الشئ بالوزن لفرض

جواز بيعه بالعد .

 

بيع المكيل وزنا العكس

 

( 6 ) في بيع المكيل وزنا وبالعكس ، والكلام فيه في جهتين :

الأولى : في صحة بيعه من حيث توقفها على العلم بمقدار العوضين ، ورفع الغرر

والجهالة .

الثانية : من حيث الربا فيما كانا من جنس واحد .

اما الجهة الأولى ففي المسألة أقوال ، ثالثها : التفصيل بين جعل كل من

 

 

[ . . . ]

التقديرين طريقا الى التقدير المعتبر في البيع في نفسه فيصح ، وبين ملاحظته مستقلا

فلا يصح .

رابعها : التفصيل بين بيع المكيل بالوزن فيصح ، وبين بيع المزوون بالكيل فلا

يصح .

وملخص القول في المقام : أنه إن قدر بغير ما تعارف تقديره به من حيث

جعله طريقا الى ما تعارف فيه ، فإن كان التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة

فالظاهر هي الصحة ; لأن اعتبار التقدير الخاص إنما هو لمعرفة مقدار المبيع

وحده ، والتقدير بما هو طريق الى ذلك مع كون التفاوت المحتمل مما يتماسح فيه

ينتج ذلك ، ويخرج البيع عن كونه جزافا فيصح .

ويشهد له : مضافا الى ذلك - صحيح الحلبي عن الإمام الصادق ( ع ) عن

الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب

ذلك العدد ، قال ( ع ) : لا بأس به ( 1 ) من جهة ظهوره في اعتقاد السائل لزوم العد ،

والإمام ( ع ) قرره على ذلك ، وإنما سئل عن جواز الكيل بما أنه طريق الى تعين العدد ،

وأجاب ( ع ) يجواز ذلك .

وخبر عبد الملك بن عمرو ، قلت لأبي عبد الله ( ع ) : اشتري مائة راوية من

زيت فاعترض راوية أو أثنين فاتزنهما ثم آخذ سائره على قدر ذلك ، قال ( ع ) : لا

بأس ( 2 ) .

وأما ان كان التفاوت مما لا يتسامح فيه عادة فحكمه يظهر مما سنذكره فيما لو

قدره به مسقبلا وتصحيحه بالبناء على ذلك التقدير مخدوش إذ البناء عليه الراجع

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب عقد البيع وشروطه حديث 1 . ( * )

( 2 ) الوسائل باب 5 من ابواب عقد البيع وشروطه حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

الى شرط الخيار لو نقص لا يصحح العقد ; لأن ذلك لا يخرجه عن الجزافية ولذا لا

يصح البيع بالمشاهدة مبنيا على مقدار معين مما تتعارف فيه .

ودعوى : اطلاق الخبر ; ممنوعة ; فإن الظاهر ولا أقل من المحتمل كون ما بقي

من مائة راوية متحد الوزن مع ما وزن ، كما يظهر بما تدبر فيه .

وأما تقديره به مستقلا ، فالمشهور بين الأصحاب - على ما نسب إليهم سيد

الرياض - جواز بيع المكيل وزنا ، وعدم جواز بين الموزون كيلا :

واستدل له الشيخ الأعظم - ره - بأن الوزن أصل للكيل ، وأن العدول الى

الكيل من باب الرخصة ، وعليه فبيع المكيل بالوزن ليس بيعا جزافيا بخلاف العكس .

أقول : لا اشكال في أن الأصل للكيل هو الوزن ; إذا لأغراض المعاملية

العقلائية تختلف باختلاف مقادير الأشياء من حيث الخفة والثقل ، ولهذه الحيثية مراتب

معينة يعبر عنها بالمثاقيل وما دونها وما فوقها ، وليس الكيل طريقا الى معزفة ذلك في

نفسه ، فلا محالة يقدر الكيل من حيث إنه يبيه مقدارا من الوزن ، إلا أنه بعد تعارف

الكيل في شئ وعدم معرفة وزنه غالبة لا محالة لا يعرف مقدارا تموله بالوزن ، بل يكون

ذلك أيضا بيعا جزافيا .

وقد يستدل للجواز في الموردين : بخبر وهب عن الإمام الصادق ( ع ) عن أبيه

( ع ) عن الامام علي ( ع ) : لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن ( 1 ) .

وفيه أولا : أن الخبر ضعيف لوهب .

وثانيا : أنه يدل على أنه يجوز أن يكون ثمن المكيل موزونا وبالعكس ، ولا يدل

على جواز كل من الكيل والوزن في المورد الآخر ، فالأظهر هو عدم جواز مطلقا .

وأما الجهة الثانية فعن الشيخ والحلي والمصنف - ره - في غير الكتاب : عدم

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب السلف حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

جواز البيع في المتجانسين إلا بما هو المتعارف من المكيل أو الموزون ; لاستلزامه الربا

من جهة اختلاف التقديرين بالزيادة والنقصان ، هذا وإن كان يلزم على تقدير البيع

بالمتعارف أيضا من حيث إنه إذا بيع بالوزن متساويا يكون بالكيل متفاوتا وبالعكس ،

إلا أن هذا التفاوت مغتفر ومأذون فيه ، بخلاف ما إذا بيع بالتقدير الآخر فإنه لم يؤذن فيه .

وظاهر المسالك : الجواز .

والحق : أن هذه الجهة مبتنية على الجهة الأولى فعلى القول بكفاية أحدهما

مكان الآخر نقول بجواره هنا ، ولا تضر الزيادة ; لصدق المساواة ، فهو نظير ما تعارف

بيعه بكل من التقديرين ، فإنه يكفي المساواة بأي من التقديرين بيع فكذا هنا وحيث

عرفت أن الأظهر في تلك المسألة عدم الجواز إلا فيما إذا كان التفاوت يتسامح فيه

عادة ، وكان التقدير بغير المتعارف من جهة كونه طريقا الى ما تعرف فيه ، فالأظهر

عدم الجواز هنا أيضا في المتجانسين من المكيل والموزن .

 

مسائل

 

وتمام البحث في المقام في طي مسائل :

الأولى : أن الثمن والمثمن إما أن يكونا ربويين أو غير ربوبين أو غير ربويين ، أو يكون

أحدهما ربويا ، فالكلام في موارد ثلاثة :

أما الأول وهو ما إذا كانا ربويين ، فإما أن يتحد الجنسان أو يختلفان ، وعلى

الثاني فإما أن يكونا من العروض أو يكون أحدهما من النقود والأثمان والآخر عرضا

من العروض . فإن كانا ربويين واتحد الجنس فاللازم المساواة في القدر فلا يجوز بيع

 

 

] ويجوز بيع المثلين متساويا نقدا ولا يجوز نسيئة وكل ربوي يوز بيعه

بمخالفة نقدا متفاضلا [

 

المتماثلين متفاضلا مطلقا نقدا ونسيئة بلا خلاف ولا إشكال نصا ( 1 ) وفتوى كما مر .

( و ) أيضا لا كلام ولا إشكال في صحة البيع مع رعاية التساوي في القدر

والحلول ف ( يجوز بيع المثلين نقدا ) .

( و ) هل يشترط المساوات في الحلول ف ( لا يجوز نسيئة ) كما هو المشهور بين

الأصحاب ، بل عليه الإجماع في كلمات جماعة أم لا هو المنسوب الى الشيخ في

الخلاف ؟ وقد تقدم الكلام فيه في الزيادة الحكمية ، وعرفت أن الأظهر عدم الجواز ،

وعليه اتفاق الأصحاب ، ويشهد به : النص الصحيح .

وأما ما حكاه المصنف في محكي المختلف عن الشيخ في الخلاف من كراهة بيع

المتناجسين متماثلا نسيئة ، وعن مبسوطه من أن الأحوط أن يكون يدا بيد ; فقد أوله

الشهيد - ره - بإرادة التحريم ; لأن المسألة إجماعية .

وفي الجواهر : قلت لأنه نفسه منع من بيع الثياب بالثياب والحيوان بالحيوان

نسيئة فضلا عما نحن فيه ، فمثله حينئذ لا يعد خلافا بعد الإجماع بقسيمة وظهور

النصوص في تحقق الربا بذلك .

( و ) إن كانا ربويين واختلف الجنس وكان من العروض فلا مانع من التفاضل

إذا كانت المعاملة نقدا ف ( كل ربوي يجوز بيعه بمخالفة نقدا متفاضلا ) بلا خلاف ،

بل وفي الجواهر : بل الاجماع بقسمية عليه .

ويشهد به : النبوي المجمع عليه كما عن السرائر : إذا اختلف الجنسان فبيعوا

كيف شئتم ( 2 ) .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 8 و 9 من ابواب الربا .

( 2 ) المستدرك ج 2 ص 480 . ( * )

 

 

] ونسيئة على كراهية [

 

وصحيح محمد بن مسلم عن الإمام الباقر ( ع ) : إذا اختلف الشيئان فلا بأس

به مثلين بمثل يدا بيد ( 1 ) .

وموثق سماعة عن الإمام الصادق ( ع ) : المختلف مثلان بمثل يدا بيد لا بأس

به ( 2 ) .

وموثقه الآخر : سألته عن الطعام والتمر والزبيب ، قال ( ع ) : لا يصلح منها

اثنان بواحد إلا أن تصرفه الى نوع آخر فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد وأكثر

من ذلك ( 3 ) .

وصحيح الحلبي أو حسسنه عن الإمام الصادق ( ع ) : ويكره قفيز لوز بقفيزين

ولكن صاع حنطة بصاعين من تمر أو بصاعين من زبيب ( 4 ) .

وصحيحه الآخر عنه ( ع ) عن الزيت بالسمن اثنين بواحد ، قال ( ع ) : يدا بيد

لا بأس به ( 5 ) الى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة عليه منطوقا ومفهوما .

( و ) في ال ( نسيئة ) فالمشهور بين الأصحاب الجواز ( على كراهية )  .

وفي الجواهر : والمشهور نقلا وتحصيلا بل لعله عليه عامة المتأخرين الجواز .

وعن إبني أبي عقيل والجنيد والمفيد وسلار وابن البراج : عدم الجواز .

وفي الشرائع : والأحوط المنع . وقريب منه ما في الحدائق .

يشهد للمشهور : إطلاق كثير من الأخبار المتقدم طرف منها ، وما في جملة منها

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 13 من ابواب الربا حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 13 من ابواب الربا حديث 9 .

( 3 ) الوسائل باب 13 من ابواب الربا حديث 5 .

( 4 ) الوسائل باب 13 من ابواب الربا حديث 3 .

( 5 ) الوسائل باب 13 من ابواب الربا حديث 7 . ( * )

 

 

[ . . . ]

من التقييد بيدا بيد حيث إنه لا مفهوم له ومنطوقه لا ينافي المطلقات فلا صلح

للتقييد .

واستدل للقول الآخر : بصحيح الحلبي عن الإمام الصادق ( ع ) : ما كان من

طعام مختلف أو متاع أو شئ من الأشياء متفاضل فلا بأس بيعه مثلين بمثل يدا بيد ،

فأما نظرة فلا يصلح ( 1 ) ونحوه خبر زياد بن أبي غياث عنه ( ع ) إلا أنه قال : فأما

النسيئة فلا يصلح ( 2 ) وخبر محمد بن سنان عنه أيضا ( 3 ) .

وبالحديث المشهور : إنما الربا في النسيئة ( 4 ) .

وأورد عليه : بأن الصحيح غير صريح ولا ظاهر في المطلوب لو لم يكن بخلافة ،

وفي الرياض : والدلالة على الكراهة ساطعة النور كما هو المشهور ، مع أن عدم الجواز

إن كان من جهة الربا فهو مخالف لما دل على اعتبار اتحاد الجنس في تحقق الربا ، وإن

كان للتعبد من غير ناحية الربا فبعيد عن ظاهر الخبر ; لأن الظاهر منه كون عدم

الصلاح من جهة الربا ، أضف اليهما احتمال وروده مورد التقية لكون المنع مذهب

العامة كما يلوح من الغنية .

ويؤيده : مصير الإسكافي .

وأما خبرا زياد ومحمد فيرد على الاستدلال بهما مضافا الى ذلك ضعف السند .

وأما الحديث المشهور فهو مضافا الى ضعف سنده متروك المتن لدلالته على

حصر الربا في النسيئة ولا قائل به .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 13 من ابواب الربا حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 17 من ابواب الربا حديث 14 .

( 3 ) الوسائل باب 17 من ابواب الربا حديث 9 .

( 4 ) كنوز الحقائق في هامش جامع الصغير ص 75 ، الطبع عبد الحميد أحمد . ( * )

 

 

] وكذا غير الربوي [

 

ولكن الظاهر أن صحيح الحلبي وإن لم يكن صريحا في المنع إلا أنه ظاهر فيه ;

فإن عدم الصلاحية في الأخبار وكلمات العلماء الأبرار خصوصا في باب الربا يستعمل

في المنع كثيرا .

واسبعاد كون المنع عن النسيئة لأجلها من حيث هي كما في الصرف لا من

حيث الربا ; كي يعارضه مادل على اعتبار اتحاد الجنس لا يوجب رفع اليد عن الخبر

الصحيح .

ويؤيد المنع : الخبران الآخران الذان هما ضعيفان سندا .

فالقول بالمنع قوي لولا مخالفة الأساطين من الفقهاء ، فما في الحدائق : وكيف

كان فالمسألة لا تخلوا من شوب الاشكال متين .

وأن كانا ربويين واختلفا في الجنس وكان أحدهما من العروض والآخر من

الأثمان ، فلا إشكال ولا خلاف في الصحة كيفما وقعت المعاملة متماثلا أو متفاضلا نقدا

والنصوص المتقدمة شاهدة به ومع النسيئة في أحدهما إما أن يكون من قبيل ا

النسيئة الجائز بالنص والفتوى إن كان الأجل في الثمن أو من قبيل السلف إن كان

الأجل في المبيع الذي سيأتي حكمه .

 

بيع غير الربويين متفاضلا نسيئة

 

واما الثاني وهو ما إذا كانا غير ربويين فظاهر المتن حيث قال : ( وكذا غير

الربوي ) هو جواز بيع غير الربوي بمماثلة في الجنس متساويا أو متفاضلا نقدا ،

وكراهة بيعه به متفاضلا نسيئة

أما بيعه نقدا فالمتفق عليه نصا وفتوى الجواز

 

 

] إلا أن يكون أحد العوضين من الأثمان ، والشعير والحنطة جنس واحد هنا [

 

وأما بيعه نسيئة فقدمر الكلام فيه في المقام الثاني في ذيل شرطية الكيل والوزن

في جريان الربا ، وعرفت أن فيه قولين : الجواز ، والمنع ، وأن القول بالمنع لو لم يكن

أقوى لا ريب فيه أنه أحوط .

وأما بيعه بمخالفة فيجوز بلا كراهية مطلقا بلا كلام .

وأما الثالث وهو إذا كان احدهما ربويا والآخر غير ربوي كبيع الحنطة

بالثوب ونحوه ، ففي الحدائق : لا خلاف في جواز بيع أحدهما بالآخر نقدا ونسيئة كيف

اتفق إلا مع تأجيلهما ، تساويا في الأجل أو اختلفا ; لأنه من قبيل بيع الدين بالدين كما

تقدمت الإشارة إليه وإن كان بعض صورة لا يخلو من المناقشة كما سيأتي ان شاء الله

تعالى تحقيقه في باب الدين انتهى .

ثم إن ما ذكره المصنف - ره - بقوله : ( إلا أن يكون أحد العوضين من الأثمان )

إنما يكون استثناء من بيع الربوي الذي عرفت جواز البيع بلا

كراهية نقدا ونسيئة .

 

الحنطة والشعير جنس واحد هنا

 

( و ) المسألة الثانية : المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة خصوصا بين

المتأخرين ، بل عليه عامتهم عدا ابن إدريس : أن ( الشعير والحنطة جنس واحد هنا )

فلا يجوز التفاضل بهما نقدا ولا نسيئة ، ولا بيع أحدهما بالآخر نسيئة وإن تساويا ، بل

عن الخلاف والغنية : دعوى الإجماع عليه .

وعن القديمين وابن ادريس : أنهما جنسان ، فلا يجري حكم الربا فيهما .

والغريب أن ابن إدريس قال : لا خلاف بين المسلمين العامة والخاصة ، ولا بين

 

 

[ . . . ]

أهل اللغة واللسان في أنهما جنسان ، وأنه لم يذهب الى الاتحاد غير شيخنا أبي جعفر

والمفيد ومن قلده في مقالته ، وتبعه في تصنيفه ، وإلا فجل أصحابنا المتقدمين ورؤساء

مشايخنا المصنفين الماضين لم يعتضروا لذلك ، بل افتوا بأنه إذا اختلف الجنس فلا بأس

ببيع الواحد بالاثنين انتهى .

وكيف كان ، فما عن الأكثر أظهر ، لا لما في الشرائع من تناول اسم الطعام لهما ;

لما عرفت من أنه لا يجدي بعد اختصاص كل منهما باسم خاص ، بل للنصوص

المستفيضة إن لم تكن متواترة ، وفيها الصحيح والموثق الذان هما حجة بلا كلام .

كصحيح أبي بصير عن الامام الصادق ( ع ) : الحنطة والشعير راسا برأس لا

يزداد واحد منهما على الآخر ( 1 ) .

وصحيح الحلبي عنه ( ع ) : لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة ، ولا

يباع إلا مثلا بمثل ، والتمر مثل ذلك ، قال : وسئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد

صاحبها إلا شعيرا أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد ؟ قال : إنما أصلها واحد ، وكان علي

( ع ) يعد الشعير بالحنطة ( 2 ) .

وموثق سماعة قال : سألته عن الحنطة والشعير ، فقال ( ع ) : إذا كان سواء فلا

بأس ( 3 ) .

ومعتبر البصري ، قلت لأبي عبد الله ( ع ) : أيجوز قفيز حنطة بقفيزين من

شعير ؟ فقال ( ع ) : لا يجوز إلا مثلا بمثل . ثم قال : إن الشعير من الحنطة ( 4 )

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 8 من ابواب الربا حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب الربا حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 8 من ابواب الربا حديث 6 .

( 4 ) الوسائل باب 8 من ابواب الربا حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وصحيح هشام بن سالم عنه ( ع ) عن الرجل بيع الرجل الطعام الأكرار ، فلا

يكون عنده ما يتم له ما باعه ، فيقول له : خذ مني مكان كل قفيز حنطة قفيزين من

شعير حتى تستوفي ما نقص من الكيل . قال ( ع ) : لا يصلح إن أصل الشعير من

الحنطة ( 1 ) الى غير ذلك من النصوص الكثيرة .

وأورد على الاستدلال بها الحلي بأنها أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا ،

وبمنافاتها لقوله ( ع ) : إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شأتم ( 2 ) .

قال : وقد اختلف الجنس في الحنطة والشعير صورة وشكلا ولونا وطعما ونطقا

وإدراكا وحسا ونحو ذلك مما هو غير خفي على أصاغر الطلبة فضلا من أجلاء

الأصحاب ، وبمخالفتها لفتوى الأصحاب .

لكن هذه الأخبار التي فيها ما هو حجة قطعا إن لم تكن متواترة ، فلا ريب في

استفاضتها .

قال صاحب الجواهر : ولقد اساء معه الأدب صاحب الحدائق - ره - قال :

الواجب عليه مع رده هذه الأخبار ونحوها من أخبار الشريعة هو الخروج من هذا

الدين الى دين آخر .

وقاعدة اشتراط اتحاد الجنس المستفادة من الأخبار إما أن تخصص بالأخبار

التي ذكرنا طرفا منها ، كما أفاده الشهيد الثاني - ره - في المسالك ، أو يقال : إن النصوص

إنما دلت على أن الشعير من الحنطة ، لا أنهما الآن حقيقة واحدة ، لكن الربا يكفي فيه

اتحاد الحقيقة فيه سابقا ، كما يؤمي إليه التعليل في النصوص المزبورة وإن اختلفت

لا حقا كما في الجواهر .

...........................................................................

( 1 )الوسائل باب 8 من ابواب الربا حديث 1 .

( 2 )المستدرك ج 2 ص 480 . ( * )

 

 

] وكذا كل شئ مع أصله كالسمسم والشيرج ، وكل فرعين من أصل

واحد كالسمن والزبد والجيد والردئ [

 

وأما فتوى الأصحاب فلم نعثر على القائل باختلافهما جنسا في باب الربا

إلا ما نقل على القديمين والحلي .

ومن الغريب : اغترار المنصف - ره - بنقله ، قال في محكي التحرير : قال الشيخ :

الحنطة والشعير جنس واحد ، وقال ابن أبي عقيل وباقي علمائنا : إنهما جنسان انتهى .

فالأظهر هو القول باتحاد هما جنسا في هذا الباب .

ثم إن الحكم مختص بالربا ، فلا يحكم باتحادهما في سائر الأبواب ، كالزكاة

والنذور والغرامات وغيرها ; لاختصاص الدليل به .

وأما العلس والسلت ، فإن ثبت ما ذكره بعض أهل اللغة من أن الأول نوع

من الحنطة ، والثاني نوع من الشعير ، وصدقه والعرف - لحقها حكمها ، وإلا فمقتضى

القاعدة عدم الإلحاق ; لاختصاص كل منهما باسم خاص ومع الشك في الاتحاد وعدمه

قد عرفت أن مقتضى القاعدة عدم جريان الربا في الموارد المشكوك فيها .

 

المعمول من الجنس الواحد والأجناس

 

الثالثة : المشهور بين الأصحاب : أن ثمرة النخل بجميع أفرادها جنس واحد

وكذا العنب والزبيب ( وكذا كل شئ مع أصله كالسمسم والشيرج وكل فرعين

من أصل واحد كالسمن والزبد والجيد والردئ ) .

فلا يجوز التفاضل بين الحنطنة ودقيقها وسويقها ولا بينها ، وبين دقيق الشعير

وسويقه ، كما لا يجوز بين الشعير وبينهما ، ولا بين الحنطة أو الشعير والخبز منهما ، ولا

بينهما وبين الهريسة ، كما لا يجوز بين الخبز والهريسة ، ولا بين الأرز وطبيخة ، ولا بين

 

 

[ . . . ]

الحليب والمخيض ، أو الجبن أو الزبد ، أو الاقط ولا بعضها مع بعض ، ولا بين السمسم و

الشيرج والراشي ، ولا بين التمر والدبس منه والسيلان والخل منه ولا بعضها مع بعض ،

وكذا في العنب ودبسه وخله .

وعن التذكرة : دعوى الإجماع على هذه الكلية ، وصاحب الجواهر - ره - لم

يعثر على خلاف في شئ من القاعدة المزبورة وفروعها ، إلا ما عن الاردبيلي من

التأمل في ذلك ، وأنه غير منضبط على القوانين من حيث عدم صدق الاسم الخاص

على الجميع وعدم الاتحاد في الحقيقة .

وفي ملحقات العروة : الإنصاف عدم استفادة الكلية من الأخبار المذكورة ،

واختار هو - قده - التفصيل بين تغيير صورة شئ الى شئ ، وبين استخراج شئ

من شئ أو تركيب شئ من أشياء بحيث يصير شيئا آخر وحقيقة أخرى .

ولكن يمكن أن يستدل لما هو المشهور : مضافا الى الإجماع ، بوجهين أحدهما :

النصوص الخاصة كصحيح زرارة عن الإمام الباقر ( ع ) الدقيق بالحنطة والسويق

بالدقيق مثلا بمثل ، لا بأس به ( 1 ) .

وصحيح محمد وزرارة عنه ( ع ) : الحنطة بالدقيق مثلا بمثل ، السويق مثلا

بالسويق بمثل ، الشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به ( 2 ) .

وصحيح محمد بن مسلم عنه ( ع ) قال : قلت له : ما تقول في البر بالسويق ؟

فقال : مثلا بمثل لا بأس . قلت : إنه يكون له ربع ( أو أي خ ل ) انه يكون له فضل .

فقال أليس له مأوونة ؟ فقلت : بلى . قال : ( ع ) : هذا بذا . وقال : إذا اختلف الشيئان فلا

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 9 من ابواب الربا حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 9 من ابواب الربا حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بأس مثلين بمثل يدا بيد ( 1 ) .

وموثق سماعة : سألته عن الحنطة والدقيق ، فقال ( ع ) : إذا كان سواء فلا

بأس ( 2 ) .

وخبر ابن أبي الربيع عن الإمام الصادق ( ع ) : قلت له : ما ترى في التمر

والبسر الأحمر مثلا بمثل ؟ قال ( ع ) : لا بأس . قلت : فالبختج والعنب مثلا بمثل ؟ قال

( ع ) : لا بأس ( 3 ) .

ومعتبر محمد بن مسلم عن الإمام الباقر ( ع ) قال : سألته عن الرجل يدفع

الطحان الطعام فيقاطعه على أن يعطى لكل عشرة أرطال اثني عشر دقيقا ، قال

( ع ) : لا ( 4 ) ونحوها غيرها .

وتقريب الاستدلال بها : أنها وإن كانت في موارد خاصة ، ولكن لعدم القول

بالفصل ، لأن الظاهر منها أنها في مقام بيان مصاديق اتحاد الجنس لا بصدد بيان التعبد

بجريان الربا في هذه الموارد وأن لم يتحقق شرطه يستفاد قاعدة كلية وهي الاتحاد في

كل فرع مع أصله ، ولازمه اتحاد الفرعين أيضا .

وأورد عليه تارة بمعارضة هذه النصوص مع مادل على البيع كيف شئم مع

اختلاف الجنس وما دل على اعتبار اتحاد الجنس في تحقق الربا ، والنسبة عموم من وجه .

وأخرى : بأن عدم القول بالفصل غير ثابت ، وإجماع التذكرة ممنوع .

وثالثة : بأن مثل الهريسة مركب من الحنطة وغيرها من الماء واللحم والملح كما

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 9 من ابواب الربا حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب الربا حديث 6 .

( 3 ) الوسائل باب 14 من ابواب الربا حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

أن الخل مركب من الماء والتمر .

ولكن يرد الأول : مضافا الى أنه على الوجه الثاني الذي ذكرناه لدلالة الأخبار

على تلك الكلية تكون الأخبار حاكمة على معاريضها أنه لو سلم التعارض وعدم

الحكومة تكون تلك الأخبار مقدمة للشهرة وغيرها من المرجحات .

ويرد الثاني : أن عدم القول بالفصل في الجملة ثابت حتى أن الحلي المصر على

عدم اتحاد الحنطة والشعير وافق الأصحاب في المسألة مدعيا في جملة من مواردها إجماع

الطائفة .

ويرد الثالث : أن المناقشة في بعض الأمثلة بعدم كونه من مصاديق الكبرى

الكلية لا تنافي تمامية الكلية .

الوجه الثاني : التعليل لاتحاد الحنطة والشعير جنسا بأن اصل الشعير من

الحنطة والعلة تعمم وتخصص .

ودعوى : أنها من قبيل الحكمة وإلا لزم الالتزام بإجراء حكم الاتحاد مع

استحالة شئ الى شئ آخر لا ربط له به كاستحالة التمر ملح

والصفر ذهبا أو فضة والزئبق كذلك ونحو ذلك مثل استخراج الملح أو غيره من

بعض الاشياء ببعض الانحاء حتى بمثل القرع والانبيق ، ومثل استخراج القند من

الشوندر وأمثال ذلك مما لا يمكن الالتزام بعدم جواز التفاضل بينه وبين أصله .

لا تتم إذ ظاهر الجملة كونها من قبيل العلة ، وما ذكر من الموارد إن قام قاطع

على جواز التفاضل بينها وبين أصولها فهو المقيد ; لإطلاق العلة ، وإلا فما المانع من

الالتزام بعدم الجواز ، فالأظهر تمامية الكلية وإن كان بعض ما ذكروها من مصاديقها

قابلا للمناقشة .

 

 

] واللحوم تختلف باختلاف الحيوان [

 

اللحوم تختلف باختلاف الحيوان

 

ويظهر مما بيناه تبعا للقوم من أن كل شئ وما تفرغ منه جنس واحد ( و ) أن

كل ما اشترك في الدخول تحت حقيقة من الحقائق فهو جنس واحد - أن ( اللحوم تختلف

باختلاف الحيوان ) كما هو المشهور ، بل عن التذكرة دعوى الإجماع عليه ، والإشتراك

في اسم اللحم لا يقتضي الاتحاد كالاشتراك في اسم الحيوان .

نعم لحم الضأن والمعز جنس جنس واحد لدخولهما تحت لفظ الغنم ، وعليه الإجماع في

الغنية والتذكرة .

ولحم البقر والجاموس جنس واحد إجماعا في المحكي عن العنية والتذكرة ،

لدخولهما تحت لفظ البقر ، واختصاص كل منهما باسم لا تضر كما مر .

ولحم الإبل جنس واحد من غير فرق بين عرابها وبخاتيها إجماعا في محكي

الكتابين ، والعرف واللغة مساعدان لجميع ما ذكر .

وما أفاده سيد الرياض من المناقشة في الثاني بقوله : لتغير جنسهما عرفا وإن

تجانسا لغة كما حكي - يرده : أن الاختلاف في العرف اختلاف أصناف لا اختلاف

حقيقة .

وأما الطيور فالظاهر أنها أجناس مختلفة لغة وعرفا ; لاختصاص كل منها

باسم .

وفي الجواهر : بلا خلاف أجده في شئ من ذلك .

نعم في خصوص الحمام خلاف ، فعن المصنف في التذكرة وغيرها ، والشهيد في

الدروس ، والمحقق الثاني : أنها جنس واحد ; للاشتراك في الاسم ، ولأنه أقرب الى

 

 

[ . . . ]

الاحتياط .

وفي الشرائع وعن التحرير : أن كل ما يختص باسم منه فهو جنس على انفراده

كالخفاتي والورشان .

ومنشؤ الخلاف : أن صدق الحمام على ما تحته من قبيل صدق النوع على أصنافه

أو من قبيل صدق الجنس على الأنواع ، فعلى الأول هو جنس واحد ، وعلى الثاني

أجناس ، والظاهر بحسب المتفاهم العرفي هو الثاني ، سيما والمعروف عند معظم الفقهاء

أن الحمام كل طائر يعب الماء أو يهدر فيدخل فيه المقاري والدباسي والفواخت سواء

أكانت مطوقة أولا ، ألفة أو وحشية بل عن المحقق : أنه عرف عند أهل اللغة أيضا .

ولو تنزلنا عن ذلك فلا أقل من الشك ، وقد عرفت أنه مع الشك بنحو الشبهة

المفهومية لا المصداقية الاطلاقات تقتضي الجواز مع التفاضل ، مضافا الى أصالة

عدم الاتحاد الأزلي .

وأما السمك ففي الشرائع ، وعن التحرير : أنه أيضا أجناس متعدده بتعدد اسم

كل واحد .

وعن بعض مشايخ صاحب الجواهر - ره - أن المعروف كونه جنسا واحدا ;

لشمول الاسم للجميع ، والاختلاف بالعوارض لا يوجب الاختلاف في الحقيقة ، وقواه

صاحب الجواهر ره ، وهو حسن وأحوط .

واما جريان الربا في الطير فإنما هو فيما إذا كان المتعارف بيعه وزنا ، وأما لو

تعارف بيعه مجازفة وبالمشاهدة أو عددا كما هو الغالب فلا يثبت فيه الربا .

واما الألبان فالمعروف بين أصحابنا أنها تتبع اللحمان في التجانس والاختلاف ،

وفي الجواهر : بلا خلاف أجده فيه ، بل في التذكرة الاجماع عليه ، فلبن الإبل جنس ،

ولبن البقر جنس آخر ، كذي اللبن ، وقد يحتمل اتحاد الجنس في بعضها ، وعن بعض

 

 

] وكذا الأدهان ولو كان الشئ جزافا في بلدة وموزونا في أخرى فلكل

بلد حكم نفسه ، ولا يباع الرطب بالتمسر وان تساويا [

 

العامة أنها جميعا جنس واحد .

ومقتضى ما ذكرناه من تبعية كل فرع لأصله وأنه وأصله جنس واحد هو

القول الأول .

( و ) كذا ( الأدهان ) تتبع ما تستخرج منه ، فدهن السمسم جنس ، ودهن البزر

جنس آخر ; إذ الاختلاف في الحقيقة لا ينافي الاشتراك في الدهنية .

( و ) أيضا قد ظهر مما اخترناه فيما هو مناط كون الشئ مكيلا أو موزونا حتى

يجري فيه الربا وأن الميزان فعلية أحد هذين العنوانين وإن كان في عهد النبي ( ص )

على خلاف ذلك أنه ( لو كان الشئ جزافا في بلدة وموزونا في أخرى فلكل بلد

حكم نفسه ) فراجع ما حققناه .

 

حكم بيع الرطب باليابس

 

الربعة : المشهور بين الأصحاب كما عن التذكرة ( و ) عن التنقيح وايضاح

النافع : أن عليه الفتوى : أنه ( لا يباع الرطب بالتمر وإن تساويا ) وكذا كل رطب

بيابس من جنسه كاللحم الطري باالمقدد ، والحنطه المبلولة بالجافة منها ، والفواكه

الرطبة من الخوخ والمشمش ونحوهما باليابسة منها .

وعن الشيخ في الاستبصار وموضع من المبسوط والحلي وصاحبي الكفاية

والحدائق وفي ملحقات العروة : الجواز على كراهة .

وفي ملحقات العروة الجواز كراهة .

وفي الشرائع وعن غيرها : اختصاص الرطب والتمر بالمنع ،

 والجواز في غيرهما ، وهو ظاهر المصنف هنا .

 

 

[ . . . ]

وعن موضع من المبسوط التفصيل فيما عدا الرطب والتمر بين كون الرطوبة

ذاتية فيجوز كبيع العنب بالزبيب ، وعرضية كالحنطة المبلولة بالجافة ، فلا يجوز .

والكلام تارة فيما تقتضيه القاعدة ، وأخرى في مقتضى النصوص الخاصة .

أما المقام الاول ، فقد استدل للمنع مطلقا بتحقق النقصان عند الجفاف

وبانضياف أجزاء مائية مجهولة ، فمقابله أزيد منه بالنسبة إلى أجزائه فعلا فلا مساواة .

واستدل للقول بالجواز مطلقا بأن المعتبر في المساواة هو حال البيع وبها يتحقق

المماثلة فيخرج عما دل على حرمة الربا ، ويدخل فيما دل على الجواز ، فلا عبرة

بالنقصان بعد ذلك .

واستدل للرابع بأن الوجه الثاني الذي ذكر للمنع يتم في ذي البلل العارضي

كالحنطة المبلولة ، لا في مثل العنب ونحوه مما كان الماء في أحد أجزائه .

وأما المقام الثاني ففي المسألة طائفتان من النصوص :

الاولى : ما دل على المنع كالنبوي : سئل ( ص ) عن بيع الرطب بالتمر ، فقال

( ع ) أينقص إذا جف ؟ فقيل له : نعم . فقال ( ع ) : لا آذن ( 1 ) .

وصحيح الحلبي عن الامام الصادق ( ع ) : لا يصلح التمر اليابس بالرطب من

أجل أن اليابس يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص ( 2 ) ونحوه خبر داود بن

سرحان ( 3 ) .

وخبر داود الابزاري عنه ( ع ) : لا يصلح التمر بالرطب التمر يابس والرطب

رطب

...........................................................................

( 1 ) المستدرك ج 2 ص 480 .

( 2 ) الوسائل باب 14 من ابواب الربا حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 14 من ابواب الربا حديث 6 .

( 4 ) الوسائل باب 14 من ابواب الربا حديث 7 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وخبر محمد بن قيس عن الامام الباقر ( ع ) أن أمير المؤمنين ( ع ) كره أن يباع

التمر بالرطب عاجلا بمثل كليه الى آجل أن التمر يبيس فينقص من

كيله ( 1 ) .

وقد استدل بها للقول الأول بدعوى : أنها وإن اختصت بالتمر والرطب إلا

أنه من جهة ما فيها من التعليل الشامل لجميع الموارد يثبت الحكم في الجميع ; لأن

العلة تعمم

وأورد على الاستدلال بها : بأن عدم الصلاحية ظاهر في الكراهة ، كذلك لفظ

كره ظاهر في الكراهة الاصطلاحية .

وفيه : أن عدم الصلاحية والكراهة في الأخبار خصوصا في أخبار الربا سيما

بواسطة ما ورد في نحو ذلك من أن عليا ( ع ) لا يكره الحلال ( 2 ) وما في صحيح الحلبي

من الشاهد بإرادتها من لا يصلح ظاهران في الحرمة .

والإيراد عليه : بأن العلة غير حجة في غير موردها كما عن الحلي حيث قال :

إن مذهبنا ترك التعليل والقياس واه كما حرر في الأصول .

الثانية : مادل على الجواز : كموثق سماعة : أبا عبد الله ( ع ) عن العنب

بالزبيب ، قال ( ع ) : لا يصلح إلا مثلا بمثل . قال : والتمر بالرطب مثلا بمثل ( 3 ) .

وخبر ابي الربيع عن الامام الصادق ( ع ) قال : قلت له ( ع ) : ما ترى في التمر

والبسر الأحمر مثلا بمثل ؟ قال ( ع ) : لا بأس . قلت : فالبختج والعصير مثلا بمثل . قال

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 14 من ابواب الربا حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 15 من ابواب الربا حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 14 من ابواب الربا حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

( ع ) : لا بأس ( 1 ) .

وفي ملحقات العروة : مقتضى الجميع بين النصوص المتقدمة وبين هذ

الخبرين حملها على الكراهة لو سلم ظهورها في الحرمة . قال : والجمع والدلالي مقدم

على الترجيح السندي .

وبما ذكرناه يظهر وجه الاقوال الأخر .

أما موثق سماعة فقد احتمل صاحب الوسائل - ره - فيه أن يكون المراد

بالمماثلة بيع العنب بالعنب والزبيب بالزبيب والتمر بالتمر والرطب بالرطب .

وقد يحتمل فيه ، بل قيل : إنه الظاهر إرادة المماثلة بوصفي الرطوبة واليبوسة .

فيكون مشعرا بالمنع مع المخالفة .

وربما احتمل فيه حمله على عنب يابس أو زبيب رطب : والتفاوت اليسر غير

قادح كبيع العسل بالعسل قبل التصفية .

وفي الكافي : قلت : والتمر والزبيب . قال : مثلا بمثل . فيكون خارجا عما نحن

فيه .

أضف الى ذلك : أنه يحتمل أن يكون قوله : والتمر بالرطب مثلا بمثل . معطوفا

على مدخول لا يصلح فيدل على المنع .

وأما خبر أبي الربيع فليس فيه بيع الرطب بالتمر .

وقد يحتمل فيه إرادة الرطب من التمر فيكون حينئذ من قبيل بيع ذي الحالين

مع التساوي فيهما .

والبختج هو : العصير المطبوخ بالنار . وأصله بالفارسية ( مى پخته ) والعصير ذلك

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 14 من ابواب الربا حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

قبل أن تمسه النار . ومعلوم أن العصير بنفسه لا ينقص ، فالإصناف كونه أجنبيا عن

المقام ، مع أنه لو تم دلالته كان منفيا لتعبدية العلة ومخصصا لها .

ثم على فرض تسليم دلالة الموثق على الجواز ، ما أفاده السيد من الجمع الدلالي

غير تام ; إذ ضابط الجمع العرفي هو فرض المتنافين في كلام واحد ، فإن رأى العرف

أحدهما قرينة على الآخر فهوو جمع عرفي ، وفي المقام إذا جمعنا .

مفهوم ما قي الموثق وهو يصلح مثلا بمثل . مع ما في النصوص المتقدمة من لا

يصلح يراهما العرف متنافيين ولا قرينية لأحدهما على الآخر ، فلا بد من الرجوع الى

المرجحات ، والترجيح لتكلم النصوص ، فالقول الأول أظهر .

 

بيع اللحم بالحيوان

 

الخامسة : أختلفت كلمات القوم في بيع اللحم بالحيوان من ناحية الحكم ومن

ناحية محل النزاع .

أما من الناحية الأولى فالمشهور بين الأصحاب عدم الجواز وعن الخلاف

والغنية اإجماع عليه .

وعن ابن ادريس : الجواز ، ووافقه جماعة ممن تأخر عنه كالشهيد والآبي

والخراساني والكاشاني .

والمحقق في الشرائع اختار المنع ، وفي النافع ذهب الى الجواز .

وكذا المنصف - ره - ذهب الى المنع في المختلف ، قال بعد نقل المنع : ولم نقف

فيه على مخالف منا غير إبن ادريس فجوز . وقوله محدث لا يعول عليه ولا يثلم في

الإجماع .

 

 

] ويكره اللحم بالحيوان [

 

وقال في التذكرة بعد أن ذكر أن المشهور على المنع : والأقرب عندي الجواز

على كراهية .

وقال في المتن ( ويكره اللحم بالحيوان ) وذهب الى الجواز في التحرير والإرشاد .

وأما من الناحية الثانية ، فالمشهور بين الأصحاب اختصاص المنع . بما إذا كان

اللحم من جنس ذلك الحيوان كلحم الغنم بالغنم ، وأنه لا مانع إذا كان من غير جنسه .

وعن جماعة كالنفيد والشيخ في النهاية وسلار والقاضي الأطلاق في المنع .

وأيضا ظاهر المحقق الأردبيلي - ره - أن محل النزاع خصوص المذبوح .

وظاهر الحلي والمصنف في التذكرة والشهيد الثاني في المسالك وغيرهم أن محل

الكلام الحي .

ومقتضى ما عن جماعة من التفصيل بين الحي والمذبوح ، والمنع في الثاني دون

الأول كونه أعم ، وصريح المختلف أيضا ذلك .

والكلام تارة فيما يقتضيه القواعد ، وأخرى في النصوص الخاصة .

أما المقام الاول : فإن كان الحيوان حيا لا يدخله الربا ، فإن شرط جريان الربا

كون ما يقع عليه المعاملة مكيلا أو موزونا ، والحيوان الحي لا يباع بالوزن وعليه فيصح

بيعه باللحم لكن بشرط أن يكون اللحم حاضرا ; لعدم جواز السلف في اللحم .

وأما إذا كان مذبوحا فكذلك قبل السلخ ; لعدم كونه مكيلا ولا موزونا قبل

السلخ ، بل تعارف في زماننا بيعه جزافا بعد السلخ إذا كان جملة ، بل من المعلوم أن

الرأس لا يباع إلا جزافا .

وأما المقام الثاني فقد استدل للمنع بالنبوي : نهي النبي ( ص ) عن بيع اللحم

بالحيوان ( 1 ) .

...........................................................................

( 1 ) المستدرك ج 2 ص 480 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وبخبر غياث عن الامام الصادق ( ع ) : أن أمير المؤمنين ( ع ) كره بيع اللحم

بالحيوان ( 2 ) .

أما النبوي : فهو عامي غير منجبر بالاستناد ، فالمدرك خصوص خبر غياث .

وأورد عليه تارة بضعف السند ، ففي ملحقات العروة : ولم يثبت كون غياث

موثقا وهو بتري .

وأخرى بعدم ظهوره في الحرمة ، بل ظهوره في الكراهة .

وثالثة بما في ملحقات العروة قال : ويحتمل أن يكون المراد النهي عن بيع اللحم

بالحيوان سلفا أو بيع الحيوان باللحم نسيئة ، ويكون وجه المنع : هو الجهالة ; لعدم

إمكان ضبط اللحم المختلف باختلاف الحيوان زمانا ، ومن حيث السمن والهزال ونحو

ذلك ، ولذا يقولون : لا يجوز بيع اللحم سلفا ونسيئة ، فالنظر في الخبرين الى ما هو

المتعارف من دفع الغنم الى القصاب بمقدار من اللحم يؤخذ منه تدريجا ; فإنه لا يجوز .

ولكن الخبر معتبر مسندا ; لأن غياثا وثقة النجاشي والعلامة وغيرهما ، ولم يغمز

فيه أحد ، وكونه بتريا غير ثابت ، وعلى فرضه غير مضر .

أضف الى ذلم كله استناد الأصحاب إليه ، فلا إشكال فيه سندا ، وقد مر غير

مرة أن الكراهة في الأخبار سيما في هذا الباب ظاهرة في إرادة التحريم .

اضف الى ذلك أن الخبر مروي عن أمير المؤمنين ( ع ) وقد دل النص المعتبر

على أن عليا ( ع ) لا يكره الحلال ( 3 ) .

ووجه المنع غير معلوم ، ومجرد الاحتمال المذكور لا يصلح لرفع اليد عن ظاهر

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب الربا حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 15 من ابواب الربا حديث 1 . ( * )

 

 

] ولو باع درهما ومد تمر بدرهمين أو مدين صح [

 

الخبر فالأظهر هو المنع .

الظاهر اختصاص المنع بالحي لظهور الحيوان فيه ولا يشمل بعد الذبح كما أن

مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين بيعه بجنسه أو بغير جنسه ، ولا بيعه به جزافا أو وزنا

وأيضا أنه مختص بالبيع ، ولا يشمل غيره من المعاوضات .

فما في الرياض من أن مقتضى الرواية المنع عن مطلق المعاوضة ولا كذلك

عبائر الجماعة المحكية ; فإنها في البيع خاصة ، وإرجاع كل منها الى الآخر ممكن إنما

هو من جهة أن خبر غياث روي في الكافي والتهذيب مه إلغاء لفظ بيع وحيث إن

الخبر مروي في الفقيه على ما ذكرناه وقد حقق في الفصول أنه لو دار الأمر بين الزيادة

والنقيصة في خبر يبنى على وجود ذلك اللفظ فالعبرة بنقل الصدوق وهو مختص بالبيع .

 

بيع درهم ومد تمر بدرهمين أو مدين

 

الخامسة : المشهور بين الأصحاب أنه لو زاد أحد المتجانسين على الآخر ( و )

ضم الى الطرف الناقص ضميمة من جنس آخر كما إذا ( باع درهما ومد تمر بدرهمين

أو مدين ) أو ضم الى كل من الطرفين جنس آخر كما لو باع مدا ودرهما بمدين ودرهمين

( صح ) البيع وتمون الزيادة في الصورة الأولى في مقابل الجنس المخالف في أحدهما

وفي الصورة الثانية يصرف كل واحد منهما الى غير جنسه وإن لم يقصدا ذلك ، بل الظاهر

أنه لا خلاف بيننا في الجميع .

وفي الجواهر : بل الإجماع بقسيمة عليه ، بل المحكي منه مستفيض جدا إن لم

يكن متواترا .

ويشهد به : مضافا الى الإجماع والعمومات ، بعد اختصاص ادلة الربا بحكم

 

 

[ . . . ]

التبادر والسياق بغير مفروض المسألة - النصوص الكثيرة كصحيح البجلي عن الإمام

الصادق ( ع ) في حديث : فقلت له اشترى ألف درهم ودينارا بألفي درهم ، فقال ( ع ) :

لا بأس بذلك ، إن أبي كان أجرأ أهل المدينة منى وكان يقول هذا ، فيقولون : إنما هذا

الفرار لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار

وكان يقول لهم : نعم الشئ الفرار من الحرام الى الحلال ( 1 ) .

وصحيحه الآخر عنه ( ع ) قال : كان محمد بن المنكدر يقول لأبي جعفر ( ع ) :

يا أبا جعفر رحمك الله والله إنا لنعلم إنك لو أخذت دينارا والصرف ثمانية عشر فدرت

المدينة على أن تجد من يعطيك عشرين ما وجدته وما هذا إلا فرار ، وكان أبي يقول :

صدقت والله ولكنه ، فرار من الباطل الى الحق ( 2 ) .

وصحيح الحلبي عن الإمام الصادق ( ع ) : لا بأس بألف درهم ودهم بألف

درهم ودينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس به ( 3 ) الى غير ذلك من

الأخبار الدالة على المطلوب ، فأصل الحكم لا اشكال فيه .

إنما الكلام في أنه هل يكون ذلك على القاعدة وأن الشارع نبه عليه تنبيها أو

أن انصراف كل جنس الى مخالفة فيما إذا كانت الزيادة في الطرفين ، وانصراف الزيادة

الى الجنس المخالف في الطرف الآخر فيما إذا كانت الزيادة في أحدهما تعبدي بالنسبة

الى خصوص الربا ، والفرار منه ، لا بالنسبة الى سائر الأحكام ، فإذا كانا لمالكين لا

يكون لكل منهما ما يخالف جنسه ، بل على حسب الحكم العرفي ؟ وفيه قولان .

ربما يقال بالأول ، وذكر في وجه أمور :

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الصرف حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 6 من ابواب الصرف حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 6 من ابواب الصرف حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

أحدهما : أن المجموع في مقابل المجموع فكأنهما جنسان ، فلا يكون التفاضل

في جنس واحد .

ثانيها : أن أجزاء الثمن مقابلة أجزاء المثمن على الإشاعة ، فلا تفاضل في

الجنس الواحد ; لانضمام جزء آخر معه .

ثالثها : ظهور الروايات في الصرف المذكور بالنسبة الى جميع الأحكام وإن

كان مقتضى القاعدة لولا التنزيل التعبدي عدم الانصراف .

ولكن يرد الأول : أن المجموع بما هو ليس عنوانا للمبيع ، بل المبيع هو الجميع ،

وعليه ففي ضمن المجموع يلزم التفاضل في جنس واحد ، مثلا لو باع درهما ومدا

بدرهمين ومدين يكون في مقابل كل من الدرهم والمد أزيد من مقداره من جنسه .

وير الثاني : أنه يلزم منه أن لو باع درهما بدرهم ومدين أن لا يكون ربا ،

ويختص الربا بما إذا كانت الزيادة من جنس العوضين ، وهذا ممالا يمكن الالتزام به .

ويرد الثالث : أن المسلم من الأخبار الانصراف على الوجه المزبور بالنسبة الى

حكم الربا ، فالقول الثاني اظهر .

ويترتب عليه أنه لو كانا لمالكين لم يختص كل منهما بما يخالفه ; لعدم كونه مقابلا

لما له ، بل على حسب الحكم العرفي ، وكذا بالنسبة الى حكم الصرف ، فلو باع فضة

ونحاسا بفضة ونحاس لا يخرج عن حكم الصرف من حيث لزوم القبض في المجلس .

بقي الكلام فيما ذكره الشهيد الثاني - ره - بقوله : ويشكل الحكم لو احتيج

الى التقسيط شرعا ، كما لو تلف الدرهم المعين قبل القبض ، أو ظهر مستحقا مطلقا

وكان في مقابلة ما يوجب الزيادة المفضية الى الربا ; فإنه حينئذ يحتمل بطلان البيع

من رأس ; للزوم التفاوت في الجنس الواحد ، كما لو باع مدا ودرهما بمدين أو درهمين

مثلا ، فإن الدرهم التالف إذا كان نصف المبيع بأن كانت قيمة المد درهما يبطل البيع

 

 

] ومن ارتكب الربا بجهالة فلا إثم عليه [

 

في نصف الثمن ، فيبقى النصف الآخر ، وحيث كان منزلا على الإشاعة كان النصف

في كل من الجنسين ، فيكون نصف المدين ونصف الدرهمين في مقابلة المد ، فيلزم الزيادة

الموجبة للبطلان أنتهى .

وفيه : أولا : أنه لو تم لا يكون إشكالا على الحكم في أصل المسألة ; لخروجها

بهذا الفرض عما هي عليه أولا ، فهي مسألة أخرى يرجع فيها الى القواعد .

وثانيا : أنه يمكن الحكم بالصحة نظرا الى عدم تحقق الربا بهذه الزيادة

الحاصلة بالتقسيط التي لم يبن العقد عليها .

وبعبارة أخرى : أن المعلوم من أدلة الربا حرمة الزيادة في نفس العقد ، لا مااذا

كانت بمقتضى التقسيط الذي ا حتيج إليه ; لمكان التلف ، وإلا

فالعقد لا زيادة فيه .

وبهذا الوجه يظهر أنه يحكم بالصحة حتى فيما لو انكشفت استحقاق بعض

الثمن ،

 

حكم من ارتكب الربا بجهالة

 

السادسة : ( ومن ارتكب الربا بجهالة ) بالحكم غير مقصر فيها أو الموضوع

( فلا إثم عليه ) كذلك إن كان الجهل بالحكم عن تقصير وتاب ، بلا خلاف ولا

إشكال .

ويشهد به : مضافا الى أن ذلك مقتضى القواعد العامة - خصوص روايات ، لا

حظ : صحيح الحلبي عن الإمام الصادق ( ع ) عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنه

له حلال ، فقال ( ع ) : لا يضره حتى يصيبه معتمدا فهو بمنزلة قال الله عز

 

 

] وبعيد ما أخذ منه على مالكه إن وجده أو ورثته ، ولو جهل تصدق به عنه [

 

وجل ( 1 ) .

ومثله صحيح هشام عنه ( ع ) ( 2 ) .

وصحيح الحلبي عنه ( ع ) كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم

إذا عرفه منهم التوبة . الحديث ( 3 ) .

وعلى ذلك تدل الآية الكريمة ( فمن جائه موعظه من ربه فانتهى فله

ما سلف ) ( 4 ) إذ المراد من مجئ الموعظة بلوغ حكم الله ومن ا لانتهاء ترك الفعل

المنهي عنه عن نهيه ، وهو عبارة أخرى عن التوبة ، ومن كون ما سلف لهم

انتفاعهم فيما سلف بالتخلص من هذه المهلكة .

وبهذا البيان يظهر عدم اختصاص الآية بالربا ، بل هي شاملة لجميع الكبائر

الموبقة كما هو ظاهرها .

أنما الخلاف في وجوب ردما أخذه حال الجهالة بالتحريم إذا علم بعد ذلك فعن

الصدوق في المقنع والشيخ في النهاية والمحقق في النافع الآبي والقطيف والشهيد في

الدروس والمحقق الأردبيلي وصاحب الحدائق وسيد الرياض : أنه له حلال ولا يجب

رده إما لصحة المعاملة مع الجهل على ما اختاره صاحب الحدائق ، أو تعبدا من جهة

كونه معذورا على بعد .

وعن ابن إدريس في السرائر ، والمصنف في المختلف وهنا ، وجماعة من المتأخرين

بل عن المبسوط نسبته إليهم : أن الجاهل كالعالم في وجوب الرد ( و ) أنه ( يعيد ما أخذ

منه على مالكه إن وجده ، أو ورثته ، ولو جهل تصدق به عنه ) .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب الربا حديث 6 .

( 2 ) الوسائل باب 5 من ابواب الربا حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 5 من ابواب الربا حديث 2 .

( 4 ) سورة البقرة آية 275 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وعن ابن الجنيد الفرق بين كونه موجودا معروفا فيجب رده وبين كونه تالفا

أو موجودا مختلطا بماله بأنه غير معروف فلا يجب ، وهناك احتمالات أخر .

وكيف كان فقد استدل للقول الأول : بأن المتبادر من أدلة حرمة الربا وبطلانه

هو صورة العلم ، وباستصحاب حال الجهل الى ما بعد المعرفة ، وبالأصل .

وبالآية الشريفة ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ) ( 1 )

الظاهرة في صورة الجهل ، وفي أن له ما أكل وليس عليه رد ما سلف ، ولا وجه

لاختصاصها بما كان في الجاهلية من الربا بعد كونه خلاف ظاهر العموم .

وبجملة من النصوص الخاصة التي جملة منها : صحاح .

منها : صحيح هشام عن الإمام الصادق ( ع ) عن الرجل يأكل الربا وهو يرى

أنه حلال ، قال : لا يضره حتى يصيبه معتمدا ، فإذا أصابه فهو بالمنزل الذي ( بالمنزلة

التي خ ل ) الله عز وجل ( 2 ) .

ومنها : صحيح محمد بن مسلم دخل رجل على أبي جعفر ( ع ) من أهل خراسان

قد عمل الربا حتى كثر ماله ، ثم إنه سأل الفقهاء ، فقالوا : ليس يقبل منك شئ إلا

أن ترده الى أصحابه ، فجاء الى أبي جعفر ( ع ) فقص عليه قصته ، فقال له أبو جعفر

( ع ) : مخرجك من كتاب الله : ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره

الى الله ، ) والموعظة : التوبة ( 3 ) .

ومنها : ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه ، قال : إن رجلا أربى

دهرا من الدهر فخرج قاصدا الى أبي جعفر ( ع ) يعني الجواد ، فقال له : مخرجك من

...........................................................................

( 1 ) سورة البقرة آية 275 .

( 2 ) الوسائل باب 5 من ابواب الربا حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 5 من ابواب الربا حديث 7 .

 

 

[ . . . ]

كتاب الله فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره الى الله ، والموعظة :

التوبة ; لجهله بتحريمه ، ثم معرفته به ، فما مضى فحلال ، وما بقي فليتحفظ ( 1 ) .

ومنها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله ( ع ) : كل رباء أكله الناس بجهالة ، ثم

تابوا فإنه يقبل إذا عرف منهم التوبة ، وقال ( ع ) : لو أن رجلا ورث عن أبيه مالا

وقد عرف أن في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا

فليأكله ، وإن عرغه منهم شيئا أنه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا ، وأيما رجلا أفاد مالا

كثيرا قد أكثر فيه من الربا فجهل ذلك ثم عرفه بعد فأراد أن ينزعه فما مضى فله

ويدعه فيما يستأنف ( 2 ) .

ومنها : صحيحة الآخر عن أبي عبد الله ( ع ) قال : أتى رجل أبي ( ع ) فقال : إني

ورثت مالا وقد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربى وقد اعرف أن فيه ربا

واستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه ، وقد سألت فقهاء العراق وأهل

الحجاز ، فقالوا : لا يحل أكله ، فقال أبو جعفر ( ع ) : إن كنت تعلم أن فيه مالا معروفا

ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك ، وإن كان مختلطا فكله هنيئا فإن

المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ; فإن رسول الله ( ص ) قد وضع ما مضى

من الربا وحرم عليهم ما بقي ، فمن جهل وسع له جهله حتى يعرفه ، فإذا عرف

تحريمه حرم عليه ووجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه كما يجب على من يأكل الربا ( 3 ) .

ومنها : خبر أبي الربيع الشامي عنه ( ع ) عن رجل أربى بجهالة ثم أراد أن

يتركه ، فقال ( ع ) : أما ما مضى فله وليتركه فيما يستقبل ، ثم قال : إن رجلا أتى أبا جعفر

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب الربا حديث 10 .

( 2 ) الوسائل باب 5 من ابواب الربا حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 5 من ابواب الربا حديث 3 . ( * )

 

 

 

[ . . . ]

( ع ) فقال : إني ورثت مالا وقد علمت ( 1 ) . الى آخر ما في الخبر السابق بتفاوت يسير .

ومنها : ما رواه الراوندي عن أبي جعفر ( ع ) من أدرك الإسلام وتاب عما كان

عمله في الجاهلية وضع الله عنه ما سلف ، فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم أن ذلك

محظور فليستغفر الله في المستقبل ، وليس عليه فيما مضى شئ ومتى علم أن ذلك

حرام أو تمكن من علمه فكل ما يحصل له من ذلك محرم عليه ، ويجب عليه رده الى

صاحبه ( 2 ) .

والطبرسي - قدس سره - روى الخبر في تفسيره الى قوله ما سلف . وكذا الشيخ

في التبيان .

ولكن يرد الاول : منع التبادر بعد كون المأخوذ موضوعا في تلك الأدلة العنوان

الواقعي غير المقيد بالعلم ، وإلا لزم الالتزام به في جميع الأدلة .

والاستصحاب لا مورد له بعد فرض العلم بالحرمة ، والأصل مقطوع

بالعمومات .

وأما الآية الشريفة فظهورها في نفسها في نفي العقاب والأثم لا يقبل الإنكار

كما مر عند تقريب الاستدلال بها على عدم العقاب .

وما أفاده الحلي فيها بقوله : فالمراد - والله أعلم - فلهما سلف من الوزر وغفران

الذنب وحق القديم سبحانه بعد أنتهائه وتوبته لأن إسقاط الذنب عند التوبة تفضل

عندما . انتهى ، متين جدا .

ويؤيد ما ذكرناه في معنى الآية : قوله تعالى : وأمره الى الله . فإنه كما أفاده بعض

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب الربا حديث 4 .

( 2 ) المستدرك ج 2 ص 479 .

 

 

[ . . . ]

الأعاظم من المفسرين أن المعنى : أن من انتهى عن موعظة جاءته ، فالذي تقدم منه

من المعصية سواء أكان في حقوقه تعالى ، أو في حقوق الناس ; فإنه لا يؤاخذ بعينها ،

لكنه لا يوجب تخلصه من تبعاته أيضا كما تخلص من أصله من حيث صدوره ، بل أمره

فيه الى الله إن شاء وضع فيا تبعة كقضاء الصلاه الفائتة ، وموارد الحدود ورد المال

المحفوظ المأخوذ غصبا أو ربا وغير ذلك مع العفو عن أصل الجرائم بالتوبة والانتهاء ،

وإن شاء عفا عن الذنب ولم يضع عليه تبعة بعد التوبة ، كالمشرك إذا تاب عن شركه

ومن عصى بنحو شرب الخمر واللهو فيما بينه وبين الله ونحو ذلك .

وأما صحيحا هشام ومحمد فليس فيهما التعرض للحكم الوضعي ، بل ظاهرهما

السؤال عن الحكم التكليفي وتبعاته أي العقاب ، والجواب بكون المسؤل عنه من

ضمير الخطاب الى ضمير الغائب .

وأما صحيح الحلبي فصدره متضمن لبيان الحكم التكليفي وتبعته وهو العقاب ،

وما بعده متضمن لبيان حكم مال ورثه الإنسان مع علمه بأن فيه ربا ، وليس فيه تعرض

لحكم من أكل الربا بجهالة ثم صار عالما ، وعليه فيحمل على العلم بأن الميت كان

يربي وإن لم يعلم في خصوص المال منه شيئا ، وعلى أنه مجهول المالك قد أباحه الإمام

له ، أو نحو ذلك .

وأما قوله : فأيما رجل الى آخره فسبيله سبيل الآية الكريمة ، فتدبر فيه .

وأما صحيحه الآخر فأجنبية صدره عن المقام ، وكونه في مسألة أخرى واضحة

على ما بيناه ، وذيله مربوط بالحكم التكليفي والعقوبة فتدبر فيه .

 

 

] ولا ربا بين الوالد وولده [

 

وبه يظهر حال خبر أبي الربيع الشامي .

وأما ما رواه الراوندي ، ويؤيده الشيخ والطبرسي رويا الخبر الى قوله ما سلف .

فالمتحصل أنه لا دليل على حلية ما أخذه بعنوان الربا جهلا ، فلا بد من

الرجوع الى القواعد وهي تقتضي وجوب ردما أخذ على مالكه أو ورثته ولو جهله

لحقه حكم المال المجهول مالكه ، ويؤيده : الأمر بالرد مع التميز .

واستدل الحلي لوجوب الرد بالآية الكريمة ( فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم

لا تظلمون ولا تظلمون ) ( 1 ) .

وفيه كلام وهو اختصاصها بصورة العلم ، فالأظهر هو القول الثاني ، وأيده

صاحب الجواهر بعد الميل إليه بقوله : على أن النصوص المزبورة ظاهرة في معذورية

من تناول الربا جهلا وهو شامل لما إذا كان الطرف الآخر عالما مع أن المعاملة حينئذ

فاسدة قطعا ; لحرمة الربا وفساد المعاملة بالنسبة الى العالم ، وذلك يقتضي فسادها

بالنسبة الى الجاهل فلا بد من التزام أمور عظيمة حينئذ بالنسبة الى حل مال الغير

في يد الآخر ، وعدم واز أخذه لمالكه مع وجود عينه ، وغير ذلك مما يصعب التزامه .

 

لا ربا بين الوالد وولده

 

السابعة : المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل ( و ) حكي الإجماع عليه

مستفيضا إن لم يكن متواترا - أنه ( لا ربا بين الوالد وولده ) بل يمكن تحصيل الإجماع

...........................................................................

( 1 ) سورة البقرة آية 279 . ( * )

 

 

[ . . . ]

عليه كما في الجواهر ; إذ لم ينقل الخلاف إلا عن اغلسيد المرتضى - ره - في الموصليات ،

لكنه في الانتصار بعد نقله ما ذهب إليه في الموصليات ، والاستدلال له بظاهر القرآن ،

قال : ثم لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب ; لأني وجدت أصاحبنا مجمعين على

نفي الربا بين من ذكرنا ، وغير مختلفين فيه في وقت من الأوقات ، وإجماع هذه الطائفة

قد ثبت أنه حجة ، ويخص بها ظاهر القرآن .

وكيف كان فيشهد به : خبر عمرو بن جميع الذي رواه المشايخ الثلاثة عن

الإمام الصادق ( ع ) ، قال أمير المؤمنين ( ع ) : ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس بين

السيد وعبده ربا ( 1 ) .

وصحيح زرارة عن أبي جعفر ( ع ) : ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده

ولا بين أهله ربا ، إنما الربا فيما بينك وبين مالا تملك . قلت : فالمشركون بيني وبينهم ربا ،

قال ( ع ) : نعم قلت : فإنهم مماليك . فقال : إنك لست تملكهم ، إنما تملكهم مع غيرك أنت

وغيرك فيهم سواء ، فالذي بينك وبينهم ليس من ذلك لأن عبدك ليس مثل عبدك

وعبد غيرك ( 2 ) .

ومثله صحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر ( ع ) إلا أنه قال : إن عبدك

ليس عبد غيرك ( 3 ) .

وفي الجواهر : فمن الغريب دغدغة بعض المتأخرين في الحكم المزبور ، وكأنه

ناشئ من اختلال الطريقة . انتهى ، أشار بذلك الى استشكال المحقق الأردبيلي - ره

- وصاحب الكفاية ، نظرا الى عدم بلوغ الروايات حد الحصة ، وهو كما ترى فلا

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب الربا حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 7 من ابواب الربا حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 7 من ابواب الربا حديث 4 . ( * )

 

 

] ولا بين السيد وعبده ولا بين الرجل وزوجته [

 

إشكال في الحكم .

ومقتضى إطلاق الأخبار وكلمات علمائنا الأبرار : أنه يجوز كل منهما

الفضل من صاحبه ، كما صرح به الأساطين من المتأخرين ، بل الظاهر أنه لا خلاف

فيه إلا من الإسكافي قال : لا ربا بين الوالد وولده إذا أخذ الوالد الفضل إلا أن يكون

له وارث أو عليه دين ، وهو كما صرح به غير واحد اجتهاد في مقابل النص .

ولا يتعدى الى الام ; لاختصاص الدليل بلأب ، وليس من مذهبنا القياس ،

كما أن الظاهر اختصاص الحكم بالولد النسبي دون الرضاعي ; لعدم الإطلاق لدليل

المنزلة ، والمتبادر من النص الولد النسبي .

وهل يشمل الحكم ولد الولد كما عن الدروس ، أم لا كما عن جماعة منهم

المصنف - ره - والمحقق الثاني ؟ وجهان ، أظهرهما : الأول للاطلاق ، وأحوطهما : الثاني .

وأيضا الأظهر عدم الفرق في الولد بين الذكر والانثى والخنثى ; لإطلاق

الدليل ، وقد يتوقف في ولد الزنا من صدق الولد ، من انصرافه الى غيره ، لكن

الانصراف ممنوع ، فعموم الجواز قوي .

( و ) كذا ( لا ) ربا ( بين السيد وعبده ) إجماعا بقسيمة ، والنصوص شاهدة به .

( ولا بين الرجل وزوجته ) إجماعا أيضا بقسيمة ، كذا في الجواهر .

ويشهد به : صحيح محمد وزرارة المتقدم ; لأن الظاهر من الأهل المضاف الى

الرجل إرادة زوجته .

ومرسل الصدوق ، قال الصادق ( ع ) : ليس بين المسلم وبين الذمي ربا ، ولابين

المرأة وزوجها ربا ( 1 ) وهو مضافا الى معاقد الإجماعات قرنية على إرادة الزوجة من

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب الربا حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الأهل في الصحيح المتقدم ، والمرسل من جهة إسناد المرسل الخبر الى المعصوم جزما

يكون من قسم الحجة .

والمشهور كما عن الكفاية أنه لا فرق بين الزوجة الدائمة والمتمتع بها ; لصدق

الأهل والزوجة .

والمناقشة فيه : يعدم صدق الزوجة والأهل على المتمتع بها خصوصا إذا كانت

المدة قليلة ولم يكن متخذا لها اتخاذ الزوجة ، بل اتخذها اتخاذ المستأجرة ، وبالانصراف

عنها على فرض تسليم الصدق - في غير محلها ; فإنها زوجة ما دامت في حبالته .

وما عن التذكرة من منع عموم النص ; لأن التفاوت في مال الرجل المأدوم ونحوه - مندفع : بأن

اختصاص ذلك الحكم للدليل على التقييد لا يوجب اختصاص هذا الحكم المطلق .

وما في الجواهر من أنه ينبغي الاقتصار في رفع اليد عن عموم حرمة الربا على

المتيقن وهي الدائمة - يرده : ما حرر في الأصول من أن إطلاق المقيد مقدم على إطلاق

المطلق .

وبذلك يظهر عدم ثبوت الربا بين الرجل وزوجته المطلقة رجعية ; إذ هي

زوجة ، وعدم صدق الأهل عليها لا يضر بعد أن لا مفهوم لما تضمن الأهل ; كي يدل

على ثبوته مع عدم صدق الأهل .

ومنه يظهر اندفاع ما في الجواهر من أن الجمع بين خبري الزوجة والأهل

يقتضي اعتبار كل منهما ; إذ بعد أن لا مفهوم لهما ، الجمع بينهما يقتضي الاكتفاء

 في ثبوت الحكم بصدق أحدهما .

 

 

] ولا بين المسلم والحربي ويثبت بينه وبين الذمي [

 

لاربا بين المسلم والكافر

 

( و ) كذا ( لا ) ربا ( بين المسلم والحربي ) إجماعا بقسيمة ; إذا أخذ المسلم

الفضل ، كذا في الجواهر .

ويشهد به ما رواه الكليني مسندا ، قال رسول الله ( ص ) : ليس بيننا وبين أهل

حربنا ربا ناخذ منهم ألف درهم بدرهم ولا نعطيهم ( 1 ) وضعف سنده منجبر بالعمل .

وأورد عليه بمعارضته بصحيح زرارة ومحمد بن مسلم المتقدم الدال على ثبوت

الربا بينهما ، والمحقق الأردبيلي - ره - جمع بينهما بحمل الصحيح على المعاهد وحمل هذا

الخبر على غيره ، ولكنه جمع تبرعي ، والمتعين الرجوع الى أخبار الترجيح ، وهي

تقضي تقديم الخبر ; للشهرة التي هي أول المرجحات ، مضافا الى ما في الصحيح من

الإشكالات ، ولذا لم يتعرض الأصحاب لنقله في المقام كما صرح به صاحب الحدائق

ره .

( و ) هل ( يثبت ) الربا ( بينه ) أي بين المسلم ( وبين الذمي ) كما هو المشهور بين

الأصحاب أم لاربا بينهما إذا كان الأخذ هو المسلم كما عن السيد المرتضى وابني بابويه

والمفيد والقطيفي وجماعة ؟ وجهان ، استدل للأول بالعمومات .

ولكن يشهد للثاني مرسل الصدوق ، قال الصادق ( ع ) : ليس بين المسلم وبين الذمي ربا ( 2 ) .

وأورد عليه بضعف السند ، وباحتمال إرادة الحرمة من النفي كقوله تعالى : ( فلا

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب الربا حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 7 من ابواب الربا حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) ( 1 ) .

ولكن ضعف السند يندفع بما تقدم من أن المرسل إذا أسند الخبر الى المعصوم

جزما يكون المرسل حجة كما حقق في محله .

ويندفع الثاني : بأن إرادة النهي من النفي وإن كانت ممكنة إلا أنه خلاف

الظاهر ، بل الظاهر من هذا التعبير كما في نظائره في المقام وغير المقام إرادة نفي الحكم

بلسان نفي الموضوع ، فالأظهر : عدم حرمة الربا بين المسلم والذمي ، ومقتضى إطلاقه

عدم الحرمة من الطرفين إلا أنه للإجماع على الحرمة إذا كان الآخذ هو الذمي يقيد

الإطلاق ،

وعلى القول بثبوت الربا بين المسلم والذمي يمكن أن يقال بأنه بعد وقوع

المعاملة يجوز أخذ الربا منه من جهة قاعدة الإلزام كما أفتى به فقيه العصر في منهاجه .

وتستفاد القاعدة من الأخبار ، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر ( ع ) عن

الأحكام قال ( ع ) تجوز على أهل كل ذوي دين ما يستحلون ( 2 ) .

وخبر محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الإمام الرضا ( ع ) عن ميت ترك أمه

وإخوة وأخوات فقسم هؤلاء ميراثه فأعطوا الأم السدس ، وأعطوا الإخوة والأخوات

ما بقي فمات الأخوات فأصابني من ميراثها فأحببت أن أسألك هل يجوز لي أن آخذها

أصابني من ميراثها على هذه القسمة أم لا ؟ فقال ( ع ) : بلى . فقلت ( ع ) : بلى . فقلت : إن الميت فيما

بلغني قد دخلت في هذا الأمر أعني الدين ، فسكت قليلا ثم قال : خذه ( 3 ) .

وخبر أيوب بن نوح ، قال : كتبت الى أبي الحسن ( ع ) أسأله هل نأخذ في

 

 

[ . . . ]

أحكام المخالفين ما ياخذون منا في أحكامهم أم لا ؟ فكتب ( ع ) يجوز لكم ذلك إذا كان

مذهبكم فيه التقية منهم والمداراة ( 1 ) .

وصحيح ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن عبد الله بن محرز قال : قلت لأبي

عبد الله ( ع ) : رجل ترك ابنة وأخته لأبيه وأمه ، فقال ( ع ) : المال كله لا بنته ، وليس

للأخت من الأب والأم شئ . فقلت فإنا قد احتجنا الى هذا والميت رجل من هؤلاء

الناس وأخته مؤمنة عارفة . قال ( ع ) : فخذ لها النصف ، خذوا منهم كما يأخذون منكم

في سنتهم وقضاياهم . قال ابن اذينة : فذكرت ذلك لزرارة ، فقال : ان على ما جاء به

لبن محرز لنورا ( 2 ) .

وخبر علي ابن أبي حمزة عن أبي الحسن ( ع ) : ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ( 3 ) .

وما رواه الشيخ في التهذيب ، قال : قد روي أيضل أنه ( ع ) قال : إن كل قوم

دانوا بشئ يلزمهم حكمهم ( 4 ) . ونحوها غيرها ، ولتمام الكلام في خصوصيات هذه

القاعدة محل آخر .

 

بيع الصرف

 

ومن لواحق هذا الفضل : الصرف ، ومو لغة : الصوت ، وشرعا أو متشرعية : بيع

الأثمان وهي الذهب والفضة مطلقا مسكوكين كانا أم لا بالأثمان ، وإنما سمي بالصرف ;

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب ميراث الاخوة والاجداد حديث 3 . ( * )

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب ميراث الاخوة والاجداد حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 3 من ابواب ميراث المجوس حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 1 من ابواب ميراث المجوس حديث 3 .

 

 

] وأما الصرف فشرطه : التقابض في المجلس [

 

لما يشمل عليه من الصوت عن تلقيبها في البيع والشراء .

وبه يظهر أن إطلاقه على ما هو محل الكلام من باب إطلاق اللفظ الموضوع

على الكلي على بعض مصاديقه ، والنسبة بين الربا والصرف عموم من وجه ،

 ويختص الصرف ببيع أحد

الأثمان بالآخر ، ولذلك ذكره المصنف في آخر الربا ، قال :

( وأما الصرف فشرطه ) أي الشرط المختص به زائدا على الربويات :

( التقابض ) من كل منهما ( في المجلس ) .

والمراد بالمجلس حال المتبائعين قبل الافتراق ; إذ ليس في النصوص لفظ

المجلس ، ولا مكان المتبائعين ; كي يفسر المجلس بمطلق مكان المتبائعين كما عن بعض

الأساطين ، بل في الأخبار ذكر شرطا لصحته التقابض في تلك الحال ، فلو لم يكن بينهما

اجتماع حال البيع كما لو أوقعا العقد بواسطة التلفن مع كون كل منهما في بلد غير بلد

الآخر لم يصح البيع .

نعم حيث يكون المراد الاجتماع بالأبدان فيكون المراد الاجتماع من حيث

المكان ، وحيث إن الغالب من مكان الاجتماع كونه محلا للجلوس ، فلذا عبر في كلمات

الفقهاء باشتراط التقابض في المجلس ، وتنقيح القول بالبحث في مسائل :

الأولى : التقابض في المجلس بالمعنى المشار إليه شرط ي صحته كما هو المشهور

بين الأصحاب .

وفي الرياض : بل لعله عليع عامة من تقدم وتأخر عدا من شذ ونذر .

وفي الغنية والسرائر والمسالك وغيرها الإجماع عليه نصا في الأولين ظاهرا في

الباقي .

ويشهد به طائفة من الأخبار ، منها : صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله

 

 

[ . . . ]

( ع ) : إذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه ، وإن نزى

حائطا فانز معه ( 1 ) .

وصحيح البجلي : سألته عن الرجل الدرهم بالدينار فينزها

وينقدها ويحسب ثمنها كم هو دينارا ، ثم يقول : أرسل غلامك معي حتى أعطيه

الدنانير .

فقال : ما أحب أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير . فقلت : إنما هم في دار واحدة

وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض ، وهذا يشق عليهم . فقال ( ع ) : إذا فرغ من وزنها

وانقاذها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه ويدفع إليه الورق

ويقبض من الدنانير حيث يدفع إليه الورق ( 2 ) .

والمناقشة فيما كما عن الأردبيلي بعد ظهور ما أحب في عدم تالجواز مندفعة .

بما تكرر منا من ظه وره فيه ، وذيل الخبر بواسطة أنه بعد فرض السائل أن التقابض

يشق عليهم يعلمه ما يسهل عليهم الأمر مه رعاية شرطية التقابض .

ويمكن أن يستدل له بصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر ( ع ) : قال أمير

المؤمنين ( ع ) : لا يبتاع رجل فضة بذهب إلا يدا بيد ، ولا يبتاع ذهبا بفضة إلا يدا بيد ( 3 ) .

وخبر محمد بن مسلم عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلن بمثل ، قال : لا

بأس به يدا بيد ( 4 ) .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب الصرف حديث 8 .

( 2 ) الوسائل باب 2 من ابواب الصرف حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 2 من ابواب الصرف حديث 3 .

( 4 ) الوسائل باب 2 من ابواب الصرف حديث 7 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وأورد عليهما المحقق الأردبيلي - ره - بقوله : إن يدا بيد . كناية عن النقد لا

النسيئة ، فلا يدل على اشتراط القبض .

والجواب عنه ما أفاده صاحب الحدائق - ره - بأن حقيقة هذا اللفظ المتبادر

من حاق النظر فيه إنما هو التقابض في المحل ، والمعنى الذي ذكره إنما هو معنى مجازي ،

وحمل اللفظ على خلاف حقيقته لا يصار إليه إلا بدليل يمنع من إرادة حقيقية ، والأمر

إنما هو بالعكس .

ويشهد به أيضا : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله ( ع ) من رجل

بدينار وأخذ بنصفه بيعا وبنصفه ورقا ، قال : لا بأس ; وسألته هل يصلح أن يأخذ بنصفه

ورقا أو بيعا ويترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ به ورقا أؤ بيعا . فقال : ما أحب أن أترك

منه شيئا حتى آخذه جميعا فلا تفعله ( 1 ) .

ولو نوقش في ظهور ما أحب في الحرمة لا مجال للمناقشة هنا بقرينة قوله في

ديله : فلا تفعله .

وبإزاء هذه الأخبار طائفة من النصوص ظاهرة في عدم الاشتراط ، كأخبار

الساباطي الأربعة عن الإمام الصادق ( ع ) المتضمنة لنفي البأس عن بيع الدراهم

بالدنانير نسيئة ، وعن سلف الدنانير بالدراهم ( 2 ) .

وخبر زرارة عن أبي جعفر : لا بأس أن يبيع الرجل الدنانير نسيئة بمائة أو أقل

أو أكثر ( 3 ) ومكاتبة محمد بن عمر الى أبي احسن الرضا ( ع ) أن امرأة من أهلنا أوصت

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب الصرف حديث 9 .

( 2 ) الوسائل باب 2 من ابواب الصرف حديث 10 و 11 و 12 و 14 .

( 3 ) الوسائل باب 2 من ابواب الصرف حديث 13 . ( * )

 

 

[ . . . ]

أن يدفع اليك ثلاثين دينارا وكان لها عندي فلم يحضرني فذهبت الى بعض الصيارفة

فقلت : أسلفني دنانير على أن أعطيك ثمن كل دينار ستة وعشرين درهما ، فأخذت

منه عشرة دنانير بمائتين وستين درهما ، وقد بعثتها اليك فكتب الي ( وصلت الدنانير ) ( 1 ) .

قال الشيخ ره - بعد نقل أخبار عمار : والأصل فيها عمار ، فلا تعارض الأخبار

الكثيرة السالفة ، ثم قال : ويحتمل أن قوله : نسيئة صفة لدنانير ، ولا يكون حالا للبيع

بمعنى أن من كان له على غيره دنانير نسيئة جاز أن بيعها عليه في الحال بدراهم ، وياخذ الثمن عاجلا . انتهى .

وأور عليها جماعة : بضعف الاسناد ، ولكن لو سلم المناقشة في سند بعضها لا

تتم في الجميع ، وروايات عمار موثقات ، ولم يظهر لي مراد الشيخ من أن الأصل فيها

عمار ، فلا تعارض الأخبار السالفة وما ذكره من الاحتمال خلاف الظاهر جدا ، مع أنه

لا يأتي في سائر الأخبار ، وصاحب الحدائق - ره - حملها على التقية ، ولكن الموافقة

للعامة من مرجحات أحد المتعارضين على الآخر بعد فقد جملة من المرجحات ، فهي

لا تصلح لحمل الخبر غير المعارض على التقية ، فضلا عما إذا لم يكن الخبر موافقا

لمذهب العامة .

والحق أن يقال : إن هذه النصوص معارضة لما تقدم ، والترجيح مع ما تقدم ، فلا

بد من طرح هذه كما عن الدروس ، أو حملها على بعض المحامل غير المنافي لتلك

النصوص .

فإن قيل : إن الجمع بينهما يقتضي حمل تلم النصوص على الكراهة . أجبنا عنه

أنه ليس جمعا عرفيا ، وعلى فرضه فهذه معرض عنها عند الأصحاب ، فالمتحصل : أنه

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب الصرف 15 . ( * )

 

 

[ . . . ]

لا إشكال في عدم الجواز .

وعن جماعة من الأساطين منم المصنفين - ره - في التذكرة ، والشهيد في

الدروس : التقابض قبل الافتراق زائدا على كونه شرطا للصحة واجب ، ويأثمان

تركه كما يأثمان بالربا ، فإن أرادا التفرق قبله لتعذر التقابض يفسخان العقد ، ثم

يفترقان ، والظاهر أن منشا النهي عن الافتراق قبل التقابض الظاهر في الحرمة ، أو

إثبات البأس على ما لو لم يتقابضا ، وظاهره تبعية التكليف واظن أن نظر الشهيد

الثاني - ره - في المسالك الى الثاني حيث قال : وفي الأخبار ما ينبه على التحريم .

ولكن النهي في غير باب المعاملات والموانع وإن كان ظاهرا في المولوية النفسية

ولكن في هذين البابين يكون ظاهرا في الإرشاد الى البطلان ، أو المانعية ، ألا ترى أنه

لم يتوهم أحد مما تضمن النهي عن بيع الغرر كونه بصدد إثبات حرمته دون الفساد ،

أو أنه لم يقل أحد أن لبس غير المأكول حرام في الصلاة ، لا موجب للبطلان .

وبالجملة هذا النهي كسائر ما ورد في أمثال المقام ظاهر في كونه إرشادا .

وأما البأس فهوى بمعنى المنع والشدة وماا يقرب من ذلك ، فهو أيضا ظاهر في

إفادة الحكم الوضعي دون التكليفي .

فالمتحصل : أنه لا دليل على حرمة الافتراق قبل التقابض فما عن الاكثر من

كونه شرطا للصحة لا واجبا بحيث يأتم بتركه هو الأظهر .

ولا يخفى ان الظاهر من دليل الاشتراط كونه من قبل الشرط المقارن لا

المتأخر ; إذ الشرط المتأخر لو تعلقناه لا ريب في كونه خلاف الظاهر ، كما أن الظاهر

من الأدلة كون التقابض قبيل الافتراق شرطا للصحة ، فقبله لا صحة فلا إنتقال ،

فالقول بكشفه عن حصول الملك من أول العقد نظرا الى قاعدة اقتضاء العقد الملك ،

وغاية ما يثبت بالدليل أنه شرط ، أما أنه هل هو بنحو الشرط المقارن أو المتأخر

 

 

[ . . . ]

فهو ساكت عنه ، والقاعدة تقتضي الثاني ، أو أن المتيقن من دليل التقابض أن

الافتراق قبل التقابض يبطل العقد ، فهو نظير الفسخ بالخيار أو الإقالة . غير تام .

 

حكم بيع الوكيل وقبضه

 

وتمام الكلام في المقام بالبحث في فروع :

( 1 ) لو وكل أحدهما غيره في القبض عنه فقبض الوكيل قبل تفرق المتعاقدين

صح ، ولو قبض بعده بطل ، وكذا لو وكلا معا على القبض عنهما ، ولا اعتبار هنا في

مفرقة الوكيل لهما أو لأحدهما ، وهذا كله واضح .

إنما الكلام فيما لو وكلا أو أحدهما على الصرف خاصة أو مع القبض فهل

العبرة بالمفارقة من وقع العقد معه كما في المسالك وجامع المقاصد ، وعن الروض

والروضة ; لأن الضابط التقابض قبل تفرق المتعاقدين سواء كانا مالكين أو وكيلين أم

بتفرق من له العقد وهو المالك الموكل أم يعتبر تفرقها ؟

أقول : إن المستفاد من النصوص سيما خبر البلجي أن الشرط هو تقابض من

له ذلك وهو المالك ووكيله المفوض أو في القبض قبل تفرق المتبائعين ، وعليه فلا عبرة

يتفرق المالكين الموكلين مع عدم تفرق الوكيلين في العقد .

وهل تبطل بتفرق الوكيلين مع عدم تفرق الموكلين ؟ الظاهر عدم البطلان ; لأن

الشرط هو التقابض قبل تفرق المتبائعين ، والبائع كما يصدق على الوكيل يصدق على

المصدق إذ البائع كما يصدق على المنشئ وموجد البيع يصدق على من كان حصول

البيع باختياره واستقلاله وسلطانه ولو كان غير مباشر له فيقال : فلان باع داره . وإن

كان البيع صادرا عن وكليه وإن أبيت إلا بظهور البائع في العاقد فبما أن العقد كما

 

 

[ . . . ]

ينسب الى الوكيل بالمباشرة ينسب الى الموكل بالتسبيب ، لا سيما إذا كان وكيلا في

إجراء الصيغة خاصة ، فلا إشكال في أن التقابض قبل تفرق الوكلين كاف وإن افترق

الوكيلان فالمتحصل : أن الشرط أعم من قبض الموكلين أو الوكيلين قبل تفرق

الموكلين أو الوكيلين فتدبر فنه حقيق به .

( 2 ) لو كان العقد صادرا من الفضولين فالعبرة بتقابض المالكين حين

الإجازة ، فلو كانا في ذلك في ذلك الوقت مجتمعين شملهما ما دل على

 اعتبار تقابضهما والاكتفاء به .

وما أفاده بعض الأساطين من أنه يحتمل دخل خصوصية الاجتماع حال

العقد والتقابض في تلك الحالة الاجتماعية - غير تام ; لأنه خلاف الإطلاق .

( 3 ) ولو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولاية أو وكالة فقد

يقال ببطلان البيع ; لعدم إمكان وجود شرط الصحة وهو التقابض قبل الافتراق ،

وذلك لوجهين :

أحدهما : أن الموضوع هو تقابض المتبائعين ، وهذا اللفظ ظاهر في التعدد ، ولا

يشمل ما إذا كان البائع والمشتري واحدا :

ثانيهما : أن الافتراق المجعول غاية ، ومقابلة الذي هو قيد للموضوع من قبيل

العدم والملكة ، والشخص الواحد غير قابل لعروض الافتراق عليه ، فيكون خارجا

عن مورد الحكم .

وبعبارة أخرى : أن الافتراق قيد للمتعلق ، فالشرط هو التقابض قبل

الافتراق أي التقابض الملحوق به ، فإذا لم يكن الافتراق لم يكن تحقق شرط

الصحة .

 

 

[ . . . ]

ولكن يردا لأول : أن التثنية في المقام باعتبار العنوان أي البائع والمشتري ، لا

الأفراد والعنوان في المقام متعدد .

ويرد الثاني : أن الافتراق ليس عبارة عن عدم الاجتماع ، بل الافتراق أمر

وجودي وهو عدمه من قبيل السلب والإيجاب لا يعقل ارتفاعها ، والافتراق لم يجعل

قيدا للمتعلق بالنحو المشار إليه ، بل هو غاية بمعنى ما ينتهي عنده المتعلق ، فالأظهر

كفاية التقابض .

فعلى القول بصحة البيع وكفاية تقابض تقابض الشخص الواحد وكالة عن شخصين

أو ولاية عليهما أو وكالة عن شخص أو ولاية عليه وأصالة من طرف نفسه ، فالظاهر

عدم بطلان البيع و = ن طال التقابض .

وقد يقال : إنه يعتبر الى مقدار طول مجلس نوع المتعاقدين بمعنى مقدار أطول

المجالس أو أوسطها .

وفيه : أن الافتراق لم يجعل غاية من حهة كونه طريقا الى مقدار من الزمان كي

يجري فيه ذلك ، بل الظاهر من النص دخله فيه من حيث هو ، فالأظهر كفاية

التقابض ولو بعد مدة مديدة .

 

لو كان عليه دنانير فاشترى بها دراهم

 

( 4 ) ولو كان لشخص على آخر دنانير أو دراهم فاشترى بها منه دراهم أو

دنانير صح البيع وإن لم يقبض النقود المبتاعة ; لأن ما في الذمة بمنزلة المقبوض .

ولصحيح إسحاق بن عمار ، قلت لأبي عبد الله ( ع ) : تكون لرجل عندي من

الدراهم الواضح فيلقاني فيقول : كيف سعر الوضع اليوم ؟ فأقول له : كذا . فيقول :

 

 

[ . . . ]

أليس لي عندك كذا وكذا ألف درهم وضحا ؟ فأقول : بلى . فيقول لي : حولها دنانير بهذا

السعر وأثبتها لي عندك فما ترى في هذا ؟ فقال ( ع ) لي : إذا كانت قد استصقيت له

السعر يومئذ فلا بأس بذلك فقلت : إني لم أوازنه ولم أنا قده ، إنما كان كلام مني ومنه ،

فقال : أليس الدراهم من عندك والدنانير من عندك ؟ قلت : بلى . قال : فلا بأس

بذلك ( 1 ) وموثق عبيد بن رزارة عنه ( ع ) عن الرجل يكون لي هنده دراهم فآتيه فأقول :

حولها دنانير من غير أن أقبض شيئا ، قال ( ع ) : لا بأس ( 2 ) .

وظاهر الخبرين هو وقوع المعاملة منهما بذلك ، لا حصول التحويل بمجرد الأمر

بالتحويل .

وبعد ورود النص الصحيح وعمل القوم به لا مورد لما في كلمات الأصحاب

من تنزيل النص على إرادة التوكيل في القبض أو فيه وفي البيع ، وإن ما في الذمة له

وعليه مقبوض ، فإن ذلك كله اجتهاد في مقابل النص ، كما أنه لا وجه لما أفاده الشهيد

الثاني ره وربما بنوا حكمهم على مقدمات يلزم من صحتها صحة الحكم .

الأولى : أن اللأمر بالتحويل توكيل في تولي طرفي العقد . الثانية : أنه صحيح

تولي طرفي العقد من الواحد .

الثالثة أنه يصح أيضا تولية طرفي القبض .

الرابعة : أن ما في الذمة مقبوض .

الخامسة : أن يبيع ما في الذمة للغير من الدين الحال بثمن في ذمته ليس بيع دين

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب الصرف حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب الصرف حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بدين .

السادسة : أن الوكيل في البيع إذا توفقت صحته على القبض يكون وكيلا فيه ،

وإلا فإن مطلق التوكيل في البيع لا يقتضي التوكيل في القبض ، فإذا سلمت فهذه

المقدمات صحة المسألة ، انتهى .

فإن ذلك متين إن لم يكن في المسألة نص معمول به ، ومعه لا وجه لبنائه عليها ،

ولذا أفتى بالخبرين من لا يقول ببعض تلك المقدمات ، هذا كله فيما لو كان عليه

دراهم .

وأما لو اشترى منه دراهم بعقد الصرف ثم ابتاع بها منه دنانير قبل قبض

الدراهم لميصح البيع الثاني مطلقا ، وكذا الأول إن تفرقا قبل التقابض ، أما البطلان

في البيع الثاني ; فلأنه باع ما لا يملك ، وأما في البيع الأول ; فلعدم التقابض الذي هو

شرط الصحة .

واستدل له المصنف - ره - في محكي المختلف : بصحيح إسحاق بن عمار ، قلت

لأبي عبد الله ( ع ) : الرجل يجئ بالورق يبيعها يريد بها ورقا عندي فهو اليقين أنه

ليس يريد الدنانير ليس يريد إلا الورق ولا يقوم حتى يأخذ ورقي فاشتري منه

الدراهم بالدنانير ، فلا تكون دنانيره عندي كاملة ، فاستقرض له جاري فأعطيه

كمال دنانيره ، ولعلي لا أحرر وزنها ، فقال : أليس ياخذ وفاء الذي له ؟ قلت : بلى قال

( ع ) : ليس ب بأس ( 1 ) .

وفي الجواهر : وكأنه لما يفهم منه البأس إذا لم يقبض الدنانير ; إذا المراد أني

استقرض به الدنانير ثم اشتريها منه بالورق الذي يريده كما يومئ إليه في صدر

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب الصرف حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الخبر ، ويمكن أن يكون مراد السائل التوقف من جهة عدم إحراز الوزن فيخرج

حينئذ عن الاستدلال . انتهى .

وكيف كان فالحكم مشهور بين الأصحاب ، وخالف القوم جماعة

منهم الشهيد الثاني مع

التقابض قبل التفرق ، وألحقاه بالفضولي

وفي الرياض ومختارهما لا يخلو من قوة لعموم دليل الفضولي بل فحواه

والصحيح أن القول بالصحة هنا يتوقف على القول بالصحة فيما لو باع شيئا

ثم ملك ، لا بالقول بالصحة في الفضوي مطلقا .

ومنهم : ابن إدريس فإنه فصل بين ما إذا كان النقد المبتاع في الذمة ، أو لم يحصل

التقابض فيه فضدها لوجود موجبه في الثاني ، ولزوم بيع الدين بالدين في الأول .

ويرد عليه : ما أورده جماعة عليه من أن الممنوع بيع الدين قبل البيع به كذلك ،

لا ما كانا أو أحدهما بعقد البيع .

ومنهم صاحب التنقيح قال : لنا أن نقول : إن بطلان البيع بالتفرق قبل

التقابض لا يستلزم عدم تملك المشتري ; لجواز تملكه ملكا متزلزلا كالبيع في زمان الخيار

فإن قبض لزم ، وإلا بطل ، وإذا ملك صح البيع الثاني ; لأنه اشترى بثمن مملوك ، وصح

البيع الأول أيضا ; لانه وإن لم يقبض الدراهم لكن قبض عوضها وهو الدنانير ، وقبض

العوض كقبض المعوض .

وفيه : أولا : ما تقدم من أن القبض شرط المقارن .

وثانيا : أنه لم يدل دليل على أن قبض العوض كقبض المعوض ، فالصحيح ما

ذكرناه .

 

 

] فان تساوي الجنس وجب تساوي المقدار والا فلا [

 

التفاضل في الجنس الواحد

 

قد عرفت أن النسبة بين الربا وبيع الصرف عموم من وجه ، والمجمع هو بيع

أحد النقدين بجنسه ، والمصنف - ره - بعد بيان شرطية التقابض نبه على أن لبيع

الصرف قسمين : أحد هما : صرف فقط ، والآخر صرف وربا ويختلف حكمها .

( فإن تساوى الجنس ) أي بيع أحد النقدين بالآخر ( وجب تساوي المقدار )

وأن لا يتفاضل أحدهما على الآخر ( وإلا ) كما لو باع أحد النقدين بالآخر ( فلا ) يجب

التساوي ، بل يجوز التفاضل من غير فرق في الموردين بين الاختلاف في الجودة

والرداءة والصفة ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل عليه الإجماع في كثير من

الكلمات .

أما وجوب التساوي مع الاتحاد فيشهد به : مضافا الى عمومات الربا ; إن

النقدين من الموزونات حتى المسكوك منها ، والاكتفاء بالعد في بعض الأزمنة أو

الأحوال إنما هو لمعلومية وزن الأصل ، وهو الذهب والفضة فيكون عدم الوزن

اعتمادا عليها ، وإلا فلا يكتفي به ، ففي خبر البجلي عن أبي عبد الله ( ع ) قال له :

اشتري الشئ بالدراهم فأعطى الناقص الحبة والحبتين ، قال ( ع ) : لا حتى تبنيه ، ثم

قال : إلا أن يكون نحو هذه الدراهم الأوضاحية التي يكون عندنا عدد ( 1 ) .

وفي خبره الآخر : سألت أبا عبد الله ( ع ) عن رجل يشتري المبيع بدرهم وهو

ينقص الحبة ونحو ذلك أيعطيه الذي يشتريه منه ولا يعلمه أنه ينقص ؟ قال ( ع ) : لا

إلا أن يكون مثل هذه الأوضاحية يجوز كما يجوز عندنا عددا ( 2 ) _ :

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 10 من ابواب الصرف حديث 7 .

( 2 ) من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 141 حديث 41 . ( * )

 

 

[ . . . ]

جملة من النصوص ، كصحيح الحلبي عن الإمام الصادق ( ع ) : الفضة بالفضة

مثلا بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان الزائد والمستزيد في النار ( 1 ) .

وخبر وليد بن صبيح عنه ( ع ) : الذهب بالذهب والفضة بالفضة الفضل فيها

هو الربا المنكر ( 2 ) .

وصحيح محمد بن مسلم عن الإمام الباقر ( ع ) : الورق بالورق وزنا بوزن

والذهب بالذهب وزنا بوزن ( 3 ) . ونحوها غيرها .

وأما جواز البيع مع الاتحاد وإن اختلفا في الجودة والرداء فلما مر من أن جيد

كل جنس مع رديئة واحد .

ويشهد به في المقام : صحيح الحلبي عن الإمام الصادق عليه ( ع ) عن الرجل

يستبدل الكوفية بالشامية وزنا بوزن ، فيقول الصيرفي : لا أبدل لك حتى تبذل لي

يوسفية بغلة وزنا بوزن . فقال ( ع ) : لا بأس . فقلت : إن الصيرفي إنما طلب فضل

اليوسفية على البغلة فقال ( ع ) : لا بأس به ( 4 ) .

وخبر أبي بصير عنه ( ع ) عن رجل يستبدل الشامية بالكوفية وزنا بوزن ، فقال

( ع ) لا بأس .

وأما جواز البيع مع الاختلاف ; فلوجود المقتضي ، واستكمال الشروط ، وعدم

المانع .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب الصرف حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب الصرف حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 1 من ابواب الصرف حديث 3 .

( 4 ) الوسائل باب 7 من ابواب الصرف حديث 1 .

 ( 5 ) الوسائل باب 7 من ابواب الصرف حديث 3 . ( * )

 

 

] ولو قبض البعض صحة فيه خاصة [

 

( 6 ) ( ولو قبض ) خاصة قبل التفرق فهناك أحكام :

منها : أنه ي ( يصح ) البيع ( فيه خاصة ) ولا يصح في غيره ، والظاهر أنه لا

خلاف فيها .

ويشهد بالأول : وجود المقتضي والشرائط فالعمومات مقتضية للصحة .

وبالثاني : انتقاء الشرط الموجب للفساد .

وأما صحيح الحلبي عن الإمام الصادق ( ع ) عن الرجل يبتاع من رجل بدينار

فيؤخذ بنصفه بيعا وبنصفه ورقا ، قال : لا بأس ; فسألته هل يصح أن يأخذ بنصفه ورقا

أو بيعا ويترك نصفه ، حتى يأتي بعد فيأخذ منه ورقا أو بيعا ، قال ( ع ) : ما أحب أن أترك

شيئا حتى آخذه جميعا فلا تفعله ( 1 ) فالظاهر الى صحة المجموع من حيث

المجموع .

ومنها : أنه إن لم يكن تأخير القبض بتفريط من أحدهما تخيرا معا في الفسخ

والإمضاء ; لتبعض الصفقة الموجب للخيار على ما تقدم في مبحث الخيارات .

ومنها : أنه إذا كان ذلك بتفريطها فلا خيار لهما .

والمستند هو : أصالة اللزوم ، والعمومات بعد عدم الموجب للخيار ; لأن الضرر

إنما جاء من إقدامها فلا موجب للخيار .

ويمكن أن يقال : إن عدم إقباض كل منهما موجب لخيا صاحبه ، وهو لا يكون

قادما عليه .

نعم ما ذكروه من أن عدم القبض لو كان بتفريط من أحدهما سقط خياره

خاصة - متين .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب الصرف حديث 9 . ( * )

 

 

] ولو فارقا المجلس مصطحبين ثم تقابضا صح ، ومعدن الذهب يباع

بالفضة وبالعكس [

 

( 7 ) ( ولو فارقا المسجد مصطحبين ثم تقابضا صح ) الصرف بلا خلاف ، وقد

أشبعنا الكلام فيه عند بيان شرطية التقابض في المجلس وبينا أن المراد التقابض قبل

التفرق .

 

بيع معدم الذهب والفضة

 

الثانية : في حكم بيع معدن الذهب والفضة المشتمل على التراب والذهب

والفضة .

( و ) المشهور بين الأصحاب : أن ( معدن الذهب يباع بالفضة وبالعكس ) سواء

علم المساواة أو عدمها أو لم يعلم شئ منهما وذلك لعدم الربا ; لا ختلاف الجنس

فتشمله العمومات المقتضية للصحة .

وهل يجري عليه حكم الصرف ؟ وجهان .

ففي الجواهر : وإن تحقق الصرف باعتبار وجود الأجزاء الذهبية والفضية في

التراب ، لا أنه مستحيل بالعمل .

والظاهر أن نظرة الى رد صاحب الحدائق حيث قال : والظاهر أن مثل هذا لا

يدخل في باب الصرف فيشترط في صحته التقابض في مجلس أو قبل التفرق ; لأنه

لا يصدق عليه بيع الأثمان بالأثمان ، وعدم صدق الذهب والفضة ، وإنما هو تراب

الذهب وتراب الفضة .

وما أفاده صاحب الجواهر أظهر ; لأن الذهب والفضة موجودان في المعدن لا

أنهما يوجدان بالعمل .

 

 

] والدراهم المغشوشة إذا كانت معلومة الصرف جاء إنفاقها [

 

وهل يجوز بيع معدن الذهب بالذهب ومعدن الفضة بالفضة مع عدم العلم

بالمساوات ؟ قالوا : لا يجوز احتياطا وتحرزا . عن الوقوع في الربا .

فإن قيل : إن معدن الذهب غير الذهب ، وكذا معدن الفضة غير الفضة .

أجبنا عنه : بأنه قد تقدم أن الأصل والنوع جنس واحد ، بل حيث إن المعاملة

إنما تقع على الذهب والفضة إذ لا قيمة لترابها فالجنس واحد .

ومع ذلك ففي النفس شئ ; إذ شرط جريان الربا كون العوضين من قسم

المكيل أو الموزون والذهب والفضة وإن كانا كذلك إلا أن معدن الذهب والفضة لا

يباع بالوزن ، بل بالمشاهدة وعليه فالظاهر عدم جريان الربا فيه ، فيصح البيع ولو

علم بعدم المساواة .

 

بيع الدراهم المغشوشة

 

الثالثة : ( والدراهم المغشوشة إذا كانت معلومة الصرف ) بين الناس وكانت

رائجة بينهم مع العلم بالغش ( جاز انفاقها ) والمعاوضة عليها وضعا وتكليفا بلا خلاف ;

لأن الجواز تابع للرواج وهو تابع لا عتبار من بيده أزمة الأمور من غير فرق بين كون

المادة مغشوشة وغير مغشوشة .

ولجملة من النصوص : كصيح محمد بن مسلم عن الإمام الباقر ( ع ) : جاء

رجل من سجستان فقال له : إن عندنا دراهم يقال لها : الشامية تحمل على الدراهم

دانقين ، فقال ( ع ) : لا بأس به إذا كانت تجوز ( 1 ) .

...........................................................................

( 1 )الوسائل باب 10 من ابواب الصرف حديث 6 . ( * )

 

 

] وإلا [

 

وخبر حريز بن عبد الله ، قال : كنت عند أبي عبد الله ( ع ) فدخل عليه قوم

من أهل سجستان فسألوه عن الدراهم المحمول عليها ، فقال ( ع ) لا بأس إذا كانت

جواز المصر ( 1 ) .

ومعتبر البقباق ، قال : سألت أبا عبد الله ( ع ) عن الدراهم المحمول عليها ،

فقال : إذا أنفقت ما يجوز بين أهل البلد فلا بأس ، وإن أنفقت ما لا يجوز بين أهل

البلد فلا ( 2 ) .

( وإلا ) أي وإن كانت مجهولة الصرف فالكلام فيه في موضعين :

الأول : في صورة العلم بالغش .

الثاني : في صورة الجهل .

أما الأول ، فالكلام فيه يقع تارة في جواز الانتفاع بها في التزيين ونحوه ،

وأخرى في جواز المعاوضة عليها وعدمه .

ويشهد له جملة من النصوص : كخبر ابن رئاب ، قال : لا أعلمه إلا عن محمد

بن مسلم ، قلت لأبي عبد الله ( ع ) : الرجل يعمل الدراهم ويحمل عليها النحاس أو

غيره ثم يبعها ، فقال ( ع ) : إذا كان بين ذلك فلا بأس ( 3 ) ونحوه غيره .

واستدل للمنع : بما دل على حرمة الغش .

وبقوله ( ع ) في خبر المفضل بن عمر الجعفي مشيرا الى درهم مغشوش :

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 10 من ابواب الصرف حديث 10 .

( 2 )الوسائل باب 10 من ابواب الصرف حديث 9 .

( 3 ) الوسائل باب 10 من ابواب الصرف حديث 2 . ( * )

 

 

] فلا ، إلا أن يبين حالها [

 

اكسره ; فإنه لا يحل بيع هذا ولا إنفاقه ( 1 ) .

وبخبر موسى بن بكر قال : كنا أبي الحسن ( ع ) فإذا دنانير مصبوبة بين

يديه فنظر الى دينار فأخذه بيده ثم قطعه بنصفين ثم قال لي : ألقه في البالوعة حتى

لا يباع شئ فيه غش ( 2 ) .

وبقول الامام الصادق ( ع ) في خبر دعائم الإسلام ( في السوق يقطع ولا يحل

أن ينفق ) ( 3 ) .

وفي الجميع نظر .

أما نصوص الغش ; فلعدم شمولها نحن فيه ; لتوقف صدق الغش على علم

الغاش وجهل المغشوش ، فلا يصدق في فرض علم المغرور .

وأما الأخبار الأخر فضعيفة السند . لأن في طريق خبر الجعفي علي بن الحسين

الصيرفي ، والثاني مرسل ، وخبر دعائم الاسلام قد عرفت حاله في هذا الكتاب غير

منجبرة بعمل الأصحاب ، مع أنه لو تم سندها نسبتها مع النصوص المشار إليها عموم

مطلق ( ف ) الجمع بين الطائفتين يقتضي البناء على أنه ( لا ) يجوز إنفاقها ( إلا أن يبين

حالها ) .

وأما الثاني فالأظهر جواز المعاوضة عليها وضعا وتكليفا ; إذ مضافا الى أن ذلك

مما تقتضيه القاعدة بعد فرض جواز الانتفاع بها - يشهد له : صحيح محمد بن مسلم

المتقدم ، ونحوه غيره ، ونصوص الغش والأخبار الخاصة قد عرفت حالها .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 10 من ابواب الصرف حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 86 من ابواب ما يكتب به حديث 5 .

( 3 ) المستدرك باب 6 من ابواب الصرف حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وبما ذكرناه يظهر ضعف إفتاء المحقق النائيني - ره - بالفساد . لأجل عدم

وجود المنفعة لها المستفاد ذلك من خبر موسى بن بكر ولا فرق في ذلك كله بين علم

البائع وجهله .

وأما الموضع الثاني ، فتارة يكونان جاهلين معا ، وأخرى يكون المشتري جاهلا

والبائع عالما .

أما إذا كانا جاهلين ، فلا دليل على الحرمة التكليفية ولا وجه لها ،

وأما إذا كان المشتري عالما فهو يحرم لكون ذلك غشا في المعاملة .

هذا بالنسبة الى الحكم التكليفي ، وأما من حيث الحكم الوضعي أي صحة

المعاملة وفسادها فمحصل القول فيه : أن صور المسألة أربع

الأولى : أن يوقع المعاملة على الكلي .

الثانية : أن يبيع مثلا الدرهم المسكوك بسكة المعاملة بهذا العنوان أي الدرهم

الخارجي المعنون بهذا العنوان .

الثالثة : أن يبيع مثلا الدرهم الخارجي معتقدا أنه فضة مسكوكة بسكد السلطان .

الرابعة : أن يبيع المادة بلا هيئة .

أما الصورة الأولى فلا إشكال في عدم فساد البيع فيها ، وعدم ثبوت الخيار ،

وإنما عليه التبديل .

وأما الصورة الثانية فإما أن يظهر عدم كونه مسكوكا بسكة المعاملة الرائجة ،

أو يظهر عدم كونه فضة بل نحاسا بتمامه ، أو يظهر كون المادة مغشوشة بأن كانت

فضة ونحاسا .

فقد استدل للبطلان في جميع الفروض بأن المبيع هو العنوان غير المنطبق على

ما في الخارج كما إذا باع هذا الحمار فانكشف أنه فرس .

 

 

[ . . . ]

ولكن هذا الوجه يتم في الفرض الثاني من جهة أن الفضة والنحاس عنوانان

مختلفان حقيقة ، ولا يتم في الفرض الأول والأخير .

أما في الاول ; فلأن كون الفضة مسكوكة بسكة المعاملة ليس إلا وصفا لها ،

فتخلفه تخلف للوصف ، ولا يوجب هو إلا الخيار . لأن الميزان في هذا الباب هو نظر

العرف .

وأما في الأخير ; فلأن الغش في المادة يوجب ثبوت خيار العيب ; لأن المغشوش

معيب غيره ، نظير شرب اللبن بالماء ، لاأنه عنوان مغاير .

واستدل لفساد البيع في الفرض الأول : بأن العقد وقع على الموجود الخارجي

المتشكل بهذا الشكل الذي لا يصح بيعه ، فيكون فاسدا ; لما دل عليه ، فإنه غير جائز

البيع بذاته ، لا بما أنه معلوم .

وفيه : أن الهيئة التي تنحصر فائدتها في المحرم الموجب ذلك لفساد البيع ليست

ملحوظة في المبيع ولم تقع المعاملة عليها وما لوحظ إنما هي الخصوصية المفقودة التي

عرفت أن فقدها لا يوجب البطلان ، فالأظهر هي الصحة في الفرض الأول والأخير .

نعم في الفرض الأول يثبت خيار التدليس أو تخلف الوصف ، وفي الأخير خيار

العيب .

وأما الصورة الثالثة فقد استدل للبطلان في جميع ضهورها من ظهور عدم

كون الدرهم مسكوكا أو عدم كونه فضة أو مركبا من الفضة وغيرها : بأن بيع ذات

الشئ المردد بين كونه درهما وغيره على تقدير كونه درهما صحيحا أم معيبا باطل ;

للجهل والغرر .

وفيه : أنهما يرتفعان بالعلم ولو كان جهلا مركبا ، وبالشرط والمفروض تحقق

أحدهما .

 

 

] والمصاغ من الجوهرين إن أمكن تخليصه لم بيع بأحدها قبله ، وإلا بيع

بالناقص ، ومع التساوي يباع بهما [

 

وقد يستدل على الفساد في الفرض الأول : بأن البيع على هذا الوجه يكون

واقعا على ما هو واقع المبيع ، وحيث إن واقعة مما لا يصح بيعه فيكون البيع فاسدا ، كما

لو باع المردد بين كونه حرا أو عبدا فإنه لو انكشف كونه حرا بطل البيع .

وفيه : أنه مع العلم بكونه درهما مسكوكا لا يكون الواقع على ما هو عليه موردا

للبيع كي لا يصح ; فإن هيئته لا تقع المعاملة عليها على ذلك .

فالأظهر هي الصحة في الفرض الأول مع ثبوت خيار التدليس أو تخلف

الوصف ، والصحة في الأخير مع خيار العيب ، والبطلان في الثاني ; لأن ما قصد لم يقع

وما وقع لم يقصد ; إذ المقصود هو بيع الفضة والموجود نحاس .

ومما ذكرناه يظهر حكم الصورة الرابعة وهو صحة البيع لو انكشف لون المادة

فضة مشوبة . مع ثبوت الخيار ، والفساد لو انكشف كونها غير الفضة وأما الهيئة

فوجودها كالعدم ; لعدم لحاظ هيئة من الهيئا ت في البيع .

 

المصاغ من الجوهرين

 

الرابعة : ( و ) قد طفحت كلماتهم بأن ( المصاع من الجوهرين ) أي الذهب

والفضة كالأواني المصوغة منهما إن كان كل واحد منهما معلوما جاز بيعه بجنسه من غير

زيادة ، وبغير الجنس وإن زاد وإن لم يعلم ف ( إن أمكن تخيليصه لم يبع بأحدهما )

أي بالذهب ولا بالفضة ( قبله ) وبيعع بهما أو بغيرهما ( وإلا ) أي وإن لم يمكن وكان

أحدهما أغلب ( بيع بالناقص ومع التساوي يباع بهما ) .

قيل : إن اصل هذا الكلام للشيخ في النهاية ، وتبعه جماعة في جملة من الكتب

 

 

[ . . . ]

كالوسيلة والشرائع والنافع والقواعد والتذكرة والارشاد والتحرير وغيرها .

وأورد عليهم جماعة من المتأخرين عنهم بمخالفة ذلك كله للقواعد .

وقد ذكر الشهيد جملة من المواضع المخالفة في المسالك ، وكذا المحدث البحراني

في الحدائق وغيرهما في غيرهما ، ونشير الى تكلم المواضع .

منها : أن الشيخ ذكر أنه إن كان أحدهما معلوما جاز بيعه بجنسه من غير

زيادة ، وبغير الجنس وإن زاد .

ويرد عليه : أنه إن أراد بيع المجموع بجنسه أي الجنسين معا فلا وجه لا

شتراط عدم الزيادة ; إذ كل من الجنسين ينصرف الى مخالفة ، وقد مر الكلام فيه في

مبحث الربا ، فلا تضر الزيادة هنا ولا النقصان .

وان أراد بيع المجموع بجنس أحدهما اشترط فيه زيادة الثمن على جنسه

لتكون تلك الزيادة في مقابلة الأخر ، ولا فرق في هذين القسمين بين أن يعلم قدر كل

واحد منهما أو يجهل كما مر ، فلا وجه للتقييد بالعلم بهما .

وإن أراد من بيعه بيع ذلك الجنس خاصة دون المجموع فهذا لا وجه له ;

لأن فرض المسألة هو بيع المركب من الذهب والفضة لا أحدهما ، وحينئذ فما ذكر

خارج عن محل البحث .

ومنها : إنهم قالوا : وإن لم يعلم وأمكن تخليصهما لم يبع بأحدهما وبيع بهما أو

بغيرهما - فإنه يرد عليهم أنه لا وجه للمنع من بيعه بوزنه ذهبا أو فضة ، بل هو جائز

مطلقا ; لحصول المماثلة في الجنسين ، والمخالفة بالنسبة الى الجنس الآخر ، فلا يجري فيه

الربا ، وكذا مع الزيادة على قدر المركب ، وكذا مع نقصانه إذا علم زيادة الثمن على

مجانسه بما يتمول ، فيجوز بيعه بهما وبأحدهم وبغيرهما والأقل سواء أمكن التخليص

أم لا .

 

 

[ . . . ]

ومنها : قوله : وإن لم يمكن وكان أحدهما أغلب بيع بالأقل .

وفيه : أنه بمقتضى القواعد المتقدمة يجوز بيعه بهما وبغيرهما وبالأقل وبالأكثر

إذا علم زيادة الثمن على جنسه ، فالتقييد بالناقص غير ظاهر الوجه .

واعتذار الشهيد - ره - عن ذلك بأن ذكر الأقل محافظة على طلب الزيادة -

في غير محله ; إذ الزيادة المعتبرة في الثمن عن جنسه يمكن تحققها مع الأقل والأكثر ،

ومع ذلك فالإرشاد الى الزيادة غير كاف في التخصيص الموجب لتوهم المنع من غيره .

ومنها : ما ذكره من أنه مع التساوي بيع بهما .

وفيه : أنه مع التساوي يجوز بيعه بهما وبأحدهما مع الزيادة وبغيرهما ، فلا وجه

للتخصيص بهما ، ولا فرق في ذلك أيضا بين إمكان التخليص وعدمه ، ولا بين العلم بقدر

كل واحد منهما وعدمه ، بل المعتبر العلم بالجملة .

ويمكن فرض العلم بتساويهما مع جهالة قدر كل واحد منهما بأن يكون معهما

ثالث من نحاس وغيره بحيث يوجب الجهل بقدرهما مع العلم بتساويهما .

فإن قيل : إنه يشهد بالتفصيل بين إمكان التخليص وعدمه : خبر ابراهيم بن

هلال : قلت لأبي عبد الله ( ع ) : جام فيه ذهب وفضة اشتريته بذهب أو فضة ، فقال :

إن كان تقدر على تخليصه فلا ، وإن لم تقدر على تخليصه فلا بأس . ( 1 ) .

أجبنا عنه بأن الخبر ضعيف السند ; لأن إبراهيم مجهول وفي الطريق وإن كان

ابن فضال إلا أنه لا يوجب اعتبار الخبر ; إذ ما ورد من الأمر بأخذ ما رووه بنو فضال

إنما يدل على أن رواياتهم معتبرة من ناحيتهم ، لا من جميع النواحي .

نعم الروايات التي في كتبهم معتبرة لما دل على العمل بما في كتبهم من

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 15 من ابواب الصرف حديث 5 . ( * )

 

 

] وتراب الصياغة يتصدق به [

 

الروايات ، ولكن الخبر لا يكون من جملتها ، مع أنه أيضا لا يدل على بقية ما ذكروه .

وعلى الجملة إنه بعد ما عرفت من أن المجتمع من جنسين يجوز بيعه بغير

جنسهما مطلقا وبهما معا سواء علم قدر كل منهما أم لا إذا علم قدر المجموع ، وسواء

أمكن تخليصهما أم لا .

ويجوز أيضا بكل واحد إذا علم زيادته عن جنسه بحيث تصلح ثمنا

للآخر وإن قل من غير فرق بين إمكان التخليص وعدمه وبين العلم بقدر كل واحد

أم لا . وهذه المسألة من جزئيات تلك الكلية ، وليس فيها نص خاص دال على جمبع

ما ذكروه ، فلا وجه للبنا ، ء على ما أفادوه ، والله العالم .

 

حكم تراب الصياغة

 

الخامسة : ( وتراب الصياغة ) المجتمع فيه غالبا من الذهب والفضة والرصاص

وغيرها يعلم حكم بيعه مما ذكرناه في معدن الذهب والفضة والأواني ومن القاعدة الشار

إليها آنفا ; فإنه أيضا من جزئيات تلك الكلية ، ولذا يتعرض له المصنف .

وإنما الكلام في المقام في حكمه باعتبار انه مجتمع من مال الناس غالبا ، فظاهر

المتن وغيره : أنه يلحقه حكم مجهول المالك ف ( يتصدق به بل قيل : إنه لا خلاف فيه .

وملخص الول في المقام بالبحث في موضعين : الأول في مقتضى القواعد .

الثاني في النصوص الخاصة الواردة في المقام .

أم الأول فتارة يعلم أن ملاكه أعرضوا عنه ، وأخرى لا يحرز ذلك ، فإن أحرز

الإعراض فالظاهر جواز تصرفه فيه بأنواع التصرفات ،

لا لأن الإعراض موجب لزوم الملك فإن ذلك باطل قد أشبعنا الكلام فيه في كتاب

 الأطعمة والأشربة ، بل

 

 

[ . . . ]

للعلم بأن المالك يكون راضيا بالتصرفات حتى بالتملك .

وإن لم يحرز ذلك ، فإن عرف ملاكه ولو في ضمن عدد محصور كما هو الغالب

فاللازم رده عليهم أو الاستحلال منم بأي كيفية أمكنت وإن لم يعرفهم ويأس عن

معرفتهم فهو مجهول المالك وحكمه حينئذ التصدق به ، كما مر الكلام فيه في أول كتاب

التجارة وأما الثاني ففي المقام خبران ، أحدهما : خبر علي بن ميمون الصائغ : سألت أبا

عبد الله ( ع ) عما يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به ؟ قال : تصدق به فإمالك وإما

لأهله . فقلت له : فإن كان فيه ذهب وفضة وحديد فبأي شئ أبيعه ؟ قال : ( ع ) : بعه

بطعام . قلت : فإن كان لي قرابة محتاج أعطيه فيه ؟ قال : ( ع ) : نعم ( 1 ) .

وخبره الآخر : سألته عن تراب الصواغين وإنا نبيعه ؟ قال : أما تستطيع أن

تستحله من صاحبه ؟ قلت : لا ، إذا أخبرته اتهمني . قال : بعه . قلت : فبأي شئ نبيعه ؟

قال : بطعام . قلت : فأي شئ أصنع به ؟ قال ( ع ) : تصدق به إما لك وإما لأهله . قلت :

إن كان ذا قرابة محتاجا فأصله ؟ قال ( ع ) : نعم ( 2 ) .

ولكن الخبرين ضيعفا السند أما الأول ; فلأن الراوي عن الصائغ علي بن

حديد المضعف ، كما صرح به الشيخ بالتهذيب .

وأما الثاني ; فلأن في طريقة عمران وهو مجهول مردد بين جماعة مع أن

الأصحاب على ما ذكره صاحب الجواهر - ره - صرحوا من غير خلاف يعرف بينهم

من أنه إن علم صاحبه ولو في محصور وجب التخلص منه والخبران سيما الأخير منها

منافيان لذلك ، وخوف التهمة لا يبح التصرف في مال الغير مع إمكان ايصال حقه

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 16 من ابواب الصرف حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 16 من ابواب الصرف حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

إليه أو الاستحلال منه ، فالخبران لم يعمل بهما الأصحاب فلا بد من طرحهما أو حملهما

على ما أفاده صاحب الجواهر - ره - من أن السيرة المستقيمة ء المعلوم كشفها عن

إعراض المالك عن ذلك في الصياغة والخياطة والحدادة وغيرها ، وإلا فلا ينكر أن

الغلاب معرفة الصاحب جميعهم أو كثير منه ولا أقل عند الفراغ من العمل فيتجه

وجوب الاستحلال منه عنده ، مع أنه لم يعرف من أحد منهم ذلك ، وليس في الخبرين

إشارة الى ذلك ، فيمكن بناء ذلك على ظهور الإعراض إلا أنه لما كان يمكن أن لا

يكون معرضا سأل الإمام ( ع ) عن ذلك لإرادة كمال الاحتياط ، وحيث إن السائل

أجابه بخوف التهمة رجح الأخذ بالظاهر المزبور ، والإعراض ع الإحتياط

المستحب ، بل لعل قوله ( ع ) فيهما : وأما لك أو لأهله . يومئ الى ذلك بناء على أن المراد

به هو إن كان ظهور الإعراض كذلك وإلا فهو لأهله ; لعدم الإعراض في الواقع

وإن كان هو الظاهر من حال المالك .

فالمتحصل : أنه مع إحراز الاعراض ولو بحسب ظاهر الحال المقدم على

الاستصحاب يتملك ، ويتصرف فيه كيف ما شاء ، وإلا فلا بد من الاستحلال من

مالكه إن عرفه ولو في محصور ، وإلا فيتصدق به .

ولو تصدق به وجاء صاحبه وطالبه فهل هو ضامن أم لا ؟ فيه كلام قد أشبعناه

في أوائل كتاب التجارة عند بيان حكم مجهول المالك ، فراجع .

 

 

] ويجوز أن يقرضه ويشترط الإقباض بأرض أخرى [

 

القرض واشتراط الإقباض بأرض اخرى

 

السادسة : ( ويجوز أن يقرضه ) الدراهم والدنانير ( ويشترط الإقباض بأرض

أخرى ) كما عن جماعة منهم المصنف في هذا الكتاب وكتاب القرض وفي القواعد ،

والشهيد - قده - في الدروس في باب القرض .

وإنما ذكروه في المقام مع أنه بحسب الظاهر ذكره ثم أنسب ، لعله من جهة

التنبيه على أن ما ذكرناه من اعتبار التقابض في بيع الصرف لا يجري في القبض ، ولا

يعتبر في قرض الدراهم والدناير التقابض وقد مر وجهه .

وكيف كان فقد استدل له في الرياض بالأصل ، والعمومات مع فقد المانع من

نص أو إجماع ; لاختصاصهما بالمنع عن القرض بشرط النفع ، وليس الإنقياد في بلد

آخر منه .

وبصحيح يعقوب بن شعيب : قلت لأبي عبد الله ( ع ) : يسلف الرجل الورق

على أن ينقدها إياه بأرض أخرى ويشترط عليه ذلك ، قال ( ع ) : لا بأس ( 1 ) بدعوى :

أنالمراد من الإسلاف فيه القرض ; لكثرة استعماله فيه .

وربما يستدل له بخبرين آخرين ، أحدهما : خبر إسماعيل بن جابر : قلت لأبي

عبد الله ( ع ) : يدفع الى الرجل الدراهم فاشترط عليه أن يدفعها بأرض أخرى سودا

بوزنها واشترط ذلك عليه ؟ قال ( ع ) : لا بأس ( 2 ) .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 14 من ابواب الصرف حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 14 من ابواب الصرف حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ثانيهما : خبر النكناني عنه ( ع ) في الرجل يبعث بمال الى أرض فقال الذي يريد

أن يبعثه به : أقرضنيه وأنا أوفيك إذا قدمت الارض . فقال ( ع ) : لا بأس بذا ( 1 ) .

ولكن الأصل لا يرجع إليه مع الدليل ، والعمومات خصصت بالقرض مع

الزيادة ولو حكمية ، كما حرر في محله ، من الزيادة الحكمية الانقاذ بأرض أخرى مع

كون المصلحة للمقرض ، والصحيح إنما هو في بيع السلف لا في القرض .

وخبر إسماعيل مطلق من حيث الاشتراط في ضمن القرض ، وأيضا مطلق من

حيث كون المعاملة بعنوان القرض .

فان قيل : إنه مع تسليم الإطلاق في الخبرين لم لا يعمل بهما في المقام ؟

قلنا : إن النسبة بينهما وبين أدلة بطلان القرض مع الشرط للمقرض عموم من وجه ،

فيرجع الى المرجحات ، وحيث إن الأصحاب لم يتعرضوا لهذه المسألة ، فالشهرة

المرجحة غير متحققة ، فيرجع الى موافقة الكتاب ، وهي تقضي تقديم أدلة المنع ،

فتدبر .

اللهم إلا أن يقال : إن خبر الكناني بقرينة قوله : أقرضنيه وأنا أوفيك . الظاهر

- في كونه شرطا في ضمن القرض وهو المنشأ للسؤال عن حكمه - ظاهر في الاشتراط ،

وهو بضميمة عدم دليل قطعي على مبطلية اشتراط الزيادة الحكمية مطلقا مدرك

الجواز ، ومع ذلك فالمسألة مشكلة ، والاحتياط طريق النجاة .

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 14 من ابواب الصرف حديث 2 . ( * )

 

 

] وأن يشتري درهما بدرهم ، ويشترط صياغة خاتم على إشكال ، ولا ينسحب

على غيره [

 

اشتراء درهم بدرهم مع اشتراط الصياغة

 

السابعة : قال الشيخ ( و ) تبعهه جماعة ، بل عن كشف الرموز : نسبته الى

المشايخ ، وأن المخالف منحصر في ابن حمزة ، وكذا عن إيضاح النافع أنه ( يجوز أن

يشتري درهما بدرهم ويشترط صياغة خاتم ) وظاهر المصنف - ره - في المقام حيث

قال : ( على اشكال ) التوقف في الحكم .

ثم إن جماعة من القائلين به ذهبوا الى تعدية الحكم من بيع الدرهم الى غيره

ومن شرط الصياغة الى غيرها ، والأخرون منه هم : الشهيدان والمصنف والمحقق لثاني

والصيمري قالوا : ( ولا ينحسب على غيره ) .

والحكم إن كان على وفق القاعدة لا بد من التعدي .

وقد ذكر ابن إدريس في وجه الفتوى : أن الربا هو الزيادة في العين إذا كان

الجنس واحدا ، وهنا لا زيادة في العين .

وفيه : ما مر من أن الزيادة ولو كانت لا في العين مع كونها مما يكون مالا يكون

ربا ، وتبطل المعاملة بذلك ، ومن الواضح أن شرط صياغة الخاتم من هذا القبيل .

وقد يستدل له بخبر أبي الصباح الكناني عن الإمام الصادق ( ع ) عن الرجل

يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم وأبدل لك درهما طازجيا بدرهم غلة ، قال ( ع ) : لا

...........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 13 من ابواب الصرف ، حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ولكن الخبر ضعيف السند ; لأن الراوي عن الكناني محمد بن الفضيل ، وهو

مردد بين ابن غزوان الثقة وابن كثير الأزدي الضعيف ، ولا دليل على كونه ابن غزوان .

وما في الجواهر من أنه قوي إن لم يكن صحيحا - لعله من جهة أن صاحب

الجواهر موافق مع المجلسي الأول وصاحب الوجيزة حيث اختار أن ابن الفضيل

الراوي عن الكناني هو ابن غزوان ، مع أنه لا شاهد له .

ويعارضه : ما عن المعتبر من اختيار المحقق كونه ابن كثير الأزدي وما عن

المحقق الأردبيلي من أنه محمد بن القاسم بن الفضيل .

والحق أنه لا شاهد على شئ من هذه الأقوال ، مع أنه أجنبي عن المقام ، ولا

يدل على حكم المسألة فإنه جعل إبدال الدرهم بالدرهم شرطا في الصياغة لا بيعهما

بشرط الصياغة الذي هو محل العمل .

أضف إليه : أنه في تبديل درهم طازج ، والطازج هو الخالص كما صرح به جماعة من

أهل اللغة - بدرهم غلة ، والغلة هو المغشوش ، وعليه فالزيادة إنما هي بأزاء الغش ، وهذا

الإشكال فيه لافي هذه المسألة ولا في غيرها .

وما أفاده الحقق الأردبيلي دفعا للإشكال الأخير من أن ظاهر قوانينهم أنه

ليس الجيادة زيادة تجبر بشئ ، ولهذا لا يتحقق الربا بين الجيد في غاية الجيادة والردئ

في غاية الردائة مع التساوي في المقدار ، ويتحقق مع التفاوت وإن كان في جانب

الردئ - غريب منه - قده - ذ فرق بين الجير والردئ والخالص والمغشوش ، وما

أفادوه إنما هو في الأول ، ومورد الرواية من قبيل الثاني ،

فالمتحصل مما ذكرناه : أن بيع الدرهم بالدرهم مع شرط صياغة الخاتم ربا ومحرم

وباطل .

قال صاحب الجواهر ره - بعد أن منع من جواز اشتراط صياغة خاتم في بيع

 

 

[ . . . ]

درهم بدرهم - : نعم لو كان الشرط مثلا بيعه بفضة مصوغة خاتما أمكن عدم تحقق

الربا ; لعدم اشتراط العمل ، فهو كبيعه الفضة بالفضة من الدراهم مثلا ، أو بفضة من

جنس المصوغ على وجه خاص ، ونحو ذلك مما هو أفراد للمبيع بالوصف والشرط

يتعين بعض أفرادها ، ومثله لا يتحقق به الربا قطعا ; إذ ليس مطلقا الاشتراط في أحد

العوضين يتحقق به ذلك ، انتهى .

وفيه : أنه يتم إذا لم يكن لهيئة الخاتمية مالية وقيمة ، وإلا فهي زيادة في أحد

العوضين لها مالية ، ويتحقق الربا في ذلك قطعا .