( واما المساقاة ) فقد مر بيان حقيقتها ، ومشروعيتها ،
ولزومها ، وبقي الكلام
فيها في جملة من شروطها واحكامها ، ( ف ) الكلام في تلك
في موضعين :
الاول : في شروطها ، وهي ( ستة ) .
الاول : ( العقد من اهله ) ، وما ذكرناه في المزارعة جار
هنا فلا نعيد .
( و ) الثاني والثالث : ( المدة المعلومة وامكان حصول
الثمرة فيها ) ، بلا خلاف
يعتد به في اشتراط الاول ، وعلى المشهور في الثاني ، وقد
مر الكلام فيهما ايضا في كتاب
المزارعة ، لان المدرك والاقوال فيهما واحد فلا حاجة الى
الاعادة ، وما ذكرناه من
الفروع المترتبة على هذين الشرطين هناك تأتي في المقام .
] وتعيين الحصة وشياعها وان يكون على اصل ثابت له ثمرة ينتفع
بها مع
بقائه [
( و ) ايضا قد ظهر مما قدمناه في المزارعة اعتبار شرط رابع
وهو ( تعيين الحصة ) .
( و ) اما الخامس ، وهو ( شياعها ) ، فقد
استدلوا لاعتباره تارة بقاعدة الاقتصار
على المتيقن من النص والفتوى في عقد المساقاة ، المخالف
لاصالة عدم الغرر .
واخرى بمنافاة عدم اشاعة النماء بينهما لوضع المساقاة .
وثالثة بان جملة من نصوصها مختصة بذلك .
وقد مر الكلام في هذه الوجوه في كتاب المزارعة وعرفت
فساد الجميع ، وانما
بنينا على اعتبار ذلك في المزارعة لنص خاص مفقود في
المقام ، ولكن الاجماع على عدم
الفصل بينهما ، بل الاجماع على اعتبار ذلك في المقام
نفسه ، يكفي في الحكم باعتباره .
ثم ان هاهنا فروعا مترتبة على اعتبار هذا الشرط ، قد ذكرناها في باب
المزارعة
فلا نعيد .
( و ) السادس مما قالوا : بانه يعتبر فيما يساقي عليه ( ان
يكون على اصل ثابت
له ثمرة ينتفع بها مع بقائه ) وهذا ينحل الى امور .
1.
اعتبار كونه
اصلا ثابتا ، والمراد به ما كان كالنخل والشجر الذي له ساق ،
فلا تصح المساقاة على نحو البطيخ والباذنجان . قال في
التذكرة : لا تثبت المساقاة
عليها اجماعا . وفي العروة : ولكن لا يبعد الجواز
للعمومات ، وان لم يكن من المساقاة
المصطلحة ، بل لا يبعد في مطلق الزرع كذلك ، فان مقتضى
العمومات الصحه بعد
كونها من المعاملات العقلائية ولا تكون من المعاملات
الغررية عندهم ، غاية الامر انها
ليست من المساقاة المصطلحة .
ويرد عليه انه : حيث يكون مقدار الحاصل غير معلوم ،
فلامحالة يلزم الغرر ،
وعليه فلا وجه للتمسك بالعمومات الدالة على امضاء كل عقد
عقلائي ، لانها
[ . . . ]
خصصت بما دل ( 1 ) على النهي عن الغرر .
واما بناء العقلاء على هذه بالخصوص ، فقد يقال انه بضمية
عدم ردع الشارع
كاف في البناء على المشروعية ، وبه يقيد اطلاق دليل
الغرر .
ولكن يتوجه عليه ان ما دل على النهي عن الغرر يصلح
للرادعية ، فلا دليل
على الامضاء .
فان قيل : ان رادعيته دورية ، لتوقفها على عدم امضاء ذلك
البناء الخاص ، وهو
متوقف على رادعية النهي عن الغرر ، والا فلا ردع غيره
فيستكشف الامضاء فهي
غير معقولة .
قلنا : ان رادعيته متوقفة على ثبوت موضوعه وصدقه على
المورد لا على شئ
آخر ، ولو امضى الشارع الاقدس البناء الخاص لزم منه
تقييد دليله ، فلا تتوقف
رادعيته على عدم امضاء ذلك ، بل الامضاء متوقف على عدم
رادعية النهي عن الغرر .
وعليه فلا يبقى سوى النصوص الخاصة ، وهي اخبار خيبر ( 2
) وخبران اخران ( 3 ) ومورد
الجميع ماله ساق ، فثبوت الحكم في غيره يحتاج الى دليل
مفقود .
2.
اعتبار كون
ما يساقي عليه من الاشجار التي لها ثمرة ، فما لا ثمرة له وانما
له ورق ينتفع به او ورد او نحو ذلك كالحناء لا تصح
المساقاة عليه . وهذا ايضا مشهور
بينهم ، وتردد المحقق في الحكم ، بل مال المصنف ره في
محكى القواعد والشهيد الثاني في
المسالك الى الجواز ، وفي الجواهر : ولو قيل بالتفصيل
بين المساقاة على هذه تبعا لغيرها
من اشجار الفواكه فتجوز ومستقلة فلا تجوز لكان وجيها .
...............................................................................
( 1 ) التذكرة ج 1 ص 466 - مسألة الطير في الهواء وقد
سبقه الشيخ في الخلاف .
( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب كتاب المزارعة والمساقاة .
( 3 ) الوسائل - باب 9 من ابواب كتاب المزارعة والمساقاة . ( * )
[ . . . ]
واستدل للمنع بان هذه المعاملة باشتمالها على ضرب من
الغرر بجهالة العوض
على خلاف الاصل ، فيقتصر فيها على محل الوفاق ، وهو شجر
الثمرة .
وللجواز بان الورق المقصود كالثمرة في المعنى ، فيكون
مقصود المساقاة
حاصلا ، وبما في المسالك : وفي بعض الاخبار ما يقتضي
دخوله .
اما وجه المنع فهو متين ، لو لم يكن في الاخبار ما يشهد
بالدخول ، والا
فمعه لاوجه للاقتصار على المتيقن .
واما الوجه الاول للجواز فيدفعه ان حصول المقصود لا يكفي
في الصحة بعد
كون مقتضى القاعدة عدمها ، واحتياج الصحة الى دليل .
واما الوجه الثاني له فليس المراد بالخبر المقتضي للدخول
النص الخاص ، بل
المراد به :
اما اخبار خيبر ، لغلبة الظن بوجود هذه الاشجار في خيبر
، بل عن جامع
المقاصد : كاد يكون معلوما .
واما خصوص ما تضمن منها ان النبي صلى الله عليه وآله
عامل اهل خيبر
بشطر ما يخرج من النخل والشجر ( 1 ) و " ما "
من ادوات العموم .
واما ما تضمن منها المساقاة على ماله ثمرة ، والثمرة
شاملة لها .
واما خبر يعقوب من شعيب عن الامام الصادق عليه السلام عن
الرجل يعطي
الرجل ارضه ، وفيها رمان او نخل او فاكهة ، ويقول : اسق
هذا من الماء واعمره ولك
نصف ما اخرج ، قال عليه السلام : لا بأس ( 2 ) بدعوى
عموم الفاكهة .
والجميع حسنة ، وعليه فالاظهر جواز المساقاة على الاشجار
التي ينتفع بورقها
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 10 من ابواب كتاب المزارعة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 9 من ابواب كتاب المزارعة . ( * )
] وتصح قبل ظهور الثمرة وبعدها مع الاستزادة بالعمل [
كالتوت والحناء .
3.
ان ينتفع به
مع بقائه ، فلو انعدم بالانتفاع لا تصح المساقاة ، ووجهه واضح
مما قدمناه .
4.
يعتبر ان
يكون ثابتا مغروسا ، فلا يصح في الودي - اي الفسيل قبل
الغرس - والظاهر انه لا خلاف يعتد به في اعتباره ، ووجهه
اختصاص النصوص بما
هو ثابت . والاستدلال للصحة في غير الثابت بالعمومات ،
قد عرفت فساده من جهة
تقييدها بما دل على النهي عن الغرر .
ولا خلاف ( و ) لا اشكال في انه ( تصح ) المساقاة ( قبل
ظهور الثمرة ) ، كما لا
خلاف ( و ) لا اشكال في عدم صحتها بعد البلوغ والادراك ،
بحيث لا تحتاج الى عمل
غير الحفظ والاقتطاف ، لانها والحال هذه قد ملكها رب
البستان ولم تحصل بالمساقاة
زيادة الثمار ، فلا موضوع للمساقاة .
انما الخلاف في صحتها اذا كان ( بعد ) ظهور ( ها ) قبل
البلوغ ( مع الاستزادة
بالعمل ) ، فالمشهور بين الاصحاب على ما في الحدائق
الصحة ، واستدل لها بان الغرض
من المساقاة تحصيل الثمارة او جودتها ، فتجوز في الفرض
تحصيلا لتلك الفائدة . وايد
ذلك في المسالك بان العقد حينئذ ابعد عن الغرر للوثوق
بالثمرة ، فيكون اولى مما لو
كانت معدومة .
ولكن الاول مردود بان الصحة تتوقف على دليل ، ومجرد وجود
الغرض لا يكفي
في ذلك . ويرد على الثاني ان الاولوية المزبورة غير
قطعية . فالاظهر عدم الصحة ،
لاختصاص خبر شعيب المتقدم وقصة خيبر بما قبل الخروج ،
فلا دليل عليها بعده ،
والاصل عدمها كما مر .
] واطلاق العقد يقتضي قيام العامل بكل ما يستزاد به الثمرة [
الموضع الثاني : في احكامها ، وفيه مسائل :
الاولى : في العمل . لا اشكال في انه يعتبر كون عمل على
العامل ، ليتحقق به
عنوان هذه المعاملة .
وهل يعتبر السقي بالخصوص عليه ، فلا تصح المساقاة على
اشجار لا تحتاج الى
السقي ، لاستغنائها بماء السماء او لمص اصولها من رطوبات
الارض ، وان احتاجت
الى اعمال اخر ، نظرا الى اقتضاء عنوان المساقاة ذلك ،
واختصاص خبر شعيب بن
يعقوب المتقدم به . ام لا يعتبر ذلك ، لان عنوان
المساقاة لم يؤخذ في خبر من الاخبار ،
وانما هي من اصطلاح العلماء من جهة الاحتياج الى السقي
غالبا وجعله على العامل ،
والا فاخبار خيبر التي هي العمدة في المقام خالية عن ذلك
، وخبر شعيب لا مفهوم له
كي يدل على عدم الصحة بدونه ، سيما وان السقي في كلام
السائل ؟ وجهان ، اوجههما
الثاني .
وليعلم انه لا خلاف بينهم في ان بعض الاعمال على المالك
وبعضها على العامل ،
( و ) قالوا : ان ( اطلاق العقد يقتضي قيام العامل بكل ما
) يتكرر كل سنة ، و
( يستزاد به الثمرة ) في الكم او الكيف ، كاصلاح الارض
بالحرث او الحفر حيث يحتاج
اليه وما يتوقف عليه من الالات ، وتنقية الاجاجين ،
وتنقية الانهار ، والسقي ومقدماته
المتكررة كالدلو والرشا ، واصلاح طريق الماء وتنقيتها من
الحمأة ، واستقاء الماء ،
وتهذيب جرائد النخل والكرم ، والتلقيح واللقاط والتشميس
، واصلاح موضعه ، وحفظ
الثمرة الى موقع التقسيم ، وما شاكل .
] وعلى المالك بناء الجدران وعمل الناضح والخراج [
( و ) ان ( على المالك ) ما لا يتكرر في كل سنة ، أولا
يستزاد به الثمرة ، ولا يؤثر
في جودتها ، ك ( بناء الجدران وعمل الناضح والخراج ) وما
شاكل .
ولا دليل على شئ من الضابطين ، سوى انه في المساقاة بحسب
الطبع الارض
وما يتبعها على المالك ، والعمل وما يرتبط به مما هو
دخيل في فعلية وجود الثمرة على
العامل ، ولعله الى هذا يشير التعليل في خبر الكندي
المتقدم في الخراج المتضمن انه
على المالك : بانه على ارضك .
وانما وقع الخلاف في بعض الامور انه على المالك او
العامل ، مثل البقر الذي
يدير الدولاب ، والكبش للتلقيح ، وبناء الثلم ، ووضع
الشوك على الجدران ، وغير ذلك .
والاقوى في الجميع انه ان كان هناك عادة موجبة لكونها
على المالك او العامل ، والا
فلابد في العقد من التعيين على المالك او العامل او
عليهما معا ، دفعا للغرر .
ولا يعتبر في صحة المساقاة كون جميع العمل على العامل ،
بل لو شرط كون
بعضه على المالك صحت ، فان كان المشروط هو ما عليه كان
تأكيدا ، وان كان غيره
فانما تصح لو كان بعض ذلك والا فتبطل ، لان الحصة انما
يستحقها العامل بالعمل ،
فاذا دفعه عنه لم يستحق شيئا نعم ، لا فرق في ما يبقى
على العامل بين الاقل والاكثر ،
بشرط ان يكون ما يستزاد به الثمرة كما مر .
وايضا لا خلاف بينهم في انه لا يجب على العامل العمل بالمباشرة ، ويجوز له ان
يستأجر الغير للعمل ، وعليه فيجوز ان يستأجر المالك له ،
فتكون الارض والعمل منه
واجرة العمل على العامل ، والحاصل بينهما على ما شرطا .
ولو شرطا ذلك في العقد صح .
ولو شرط العامل على المالك اجرة العمل ، فان كان مع عدم
ابقاء شئ من
العمل على العامل بطل ، لمنافاته لوضع المساقاة . وان
كان مع ابقاء شئ منه مما يستزاد
به الثمرة صح ، وما عن المبسوط من البطلان لمنافاته
موضوع المساقاة الذي هو ليس
] مع بطلانها يثبت للعامل اجرة المثل والنماء لربه . ولو شرط
على العامل
مع الحصة ذهبا او فضة ، كره [
الا دفع الاصول من المالك ، يدفعه انه لا دليل على
اعتبار ذلك بنحو ينافيه اشتراط
خلافه . وان كان مع بقاء ما لا يستزاد به الثمرة ، ففي
المسالك ذكر فيه وجهان ، ولكن
قد ظهر مما قدمناه ان الاظهر هو البطلان .
الثانية : في بيان حكم ما لو بطلت المساقاة ، وانه هل
يستحق العامل شيئا ام
لا . ( و ) المشهور بين الاصحاب انه ( مع بطلانها يثبت
للعامل اجرة المثل ) ، وقد مر
الكلام في نظير المسألة في باب المزارعة فيما اذا بطلت ،
وجميع ما ذكرناه في تلك المسألة
جارية في المقام ، فلا وجه للاعادة . ( و ) مما ذكرناه
هناك يظهر ان ( النماء لربه ) في المقام .
الثالثة : لا اشكال ( و ) لاخلاف في انه ( لو شرط على
العامل مع الحصة ذهبا
او فضة ) جاز ، لانه شرط ليس مخالفا للكتاب والسنة ولا
لمقتضى العقد ، فيشمله دليل
وجوب الوفاء بالشرط ( 1 ) انما الكلام في موردين :
احدهما : فيما افاده بقوله ( كره ) ، وهذا وان كان
مشهورا بينهم بل عن غير
واحد نفي الخلاف فيه ، الا انه لا دليل عليه . ولا وجه
لما في الجواهر - قال : ولعل مثل
ذلك كاف في ثبوتها للتسامح فيه - فان التسامح انما هو في
السنن والمستحبات لا في
المكروهات ، مع انه فيما اذا ورد خبر ضعيف ولا دليل على
التسامح بدونه ولو مع فتوى
المشهور .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الخيار كتاب التجارة . ( * )
] ووجب الوفاء مع سلامة الثمرة [
ثانيهما : ان اكثر الاصحاب بعد ما قالوا في فرض الاشتراط
( ووجب الوفاء )
الذي يقتضيه عموم دليل الشرط ، قيدوه بقولهم ( مع سلامة
الثمرة ) ، فلو تلفت الثمرة
اجمع بآفة لم يلزم الوفاء به ، وكذا اذا لم تخرج . وعن
جماعة وجوب الوفاء به ، وعدم
سقوط الضميمة . وفصل بعضهم بين صورة عدم الخروج اصلا
فتسقط وصورة التلف
فلا .
واستدل للاول بامتناع استحقاق احد العوضين او بعضه بدون
ما يقابله من
العوض الاخر ، فان الشرط جزء من العوض . وبان الفائدة
ركن في المساقاة فمع
عدمها لا يكون شئ في مقابل العمل ، والضميمة المشروطة لا
تكفي في العوضية ،
فتكون المعاملة باطلة من الاول ، ومعه لا يبقى وجوب
الوفاء بالشرط .
ولكن يرد على الاول ان الشرط ليس جزء من العوض ، بل هو
التزام مستقل
في ضمن التزام ، ولذا تخلفه يوجب الخيار لا فساد العقد
ولا سقوط شئ من العوض .
ويرد على الثاني ان حقيقة المساقاة بحسب الارتكاز العرفي
هي المشاركة في
استخراج الاثمار ، بضم العمل من احدهما الى الاصول من
الآخر على ان تكون
الفائدة بينهما ، نظير المزارعة والمضاربة ، ويستتبع العقد
عليها تسليط من المالك للعامل
على الاصول للاستنماء له وللمالك ، فليست الفائدة ركنا
في المساقاة بالمعنى المزبور ،
ولذا لا يستحق العامل اجرة عمله اذا لم تخرج او خرجت
وتلفت في غير صورة ضم
الضميمة ، بدعوى الكشف عن بطلانها من الاول واحترام عمل
المسلم .
فان قيل : فعلى هذا ، يلزم صحة المساقاة مع الاطمينان
بعدم الفائدة .
قلنا - مضافا الى ان المعاملة المفروضة سفهية - : انه لا
يتمشى القصد الجدي
الى المعاملة مع الاطمينان بعدم الفائدة ، مع انه لو سلم
كون المساقاة من المعاوضات
لا المشاركات ، فالمعاوضة انما هي بين العمل من العامل
وبين منفعة الارض وتسلط
[ . . . ]
العامل على الاصول والفائدة خارجة عن طرفي المعاوضة .
اضف الى ذلك كله انه لو
تم ما ذكر وجها للبطلان ، فانما هو في صورة عدم الخروج
لا في صورة خروج الفائدة
وتلفها ، لان العامل يملك حصة من الثمرة بالظهور ، فاذا تلف
بعضها تلف في ملكه
بعد استحقاقه اياه . فالاظهر هو لزوم الوفاء بالشرط وعدم
السقوط .
واولى من ذلك في عدم السقوط ووجوب الوفاء ما لو شرط من
العامل على
المالك ، والمحقق الثاني ره - بعد حكاية السقوط وعدم
وجوب الوفاء في هذه الصورة
عن التذكرة والتحرير - قال : وفيه نظر ، لان العوض من
قبل العامل وهو العمل قد
حصل ، والشرط قد وجب بالعمل ، فكيف يسقط بغير مسقط ، فان
تلف احد العوضين
لا يوجب سقوط البعض الآخر مع سلامة العوض الآخر ، انتهى
. وتبعه في المسالك .
ويرد عليهما اولا : ان المساقاة من المشاركات لا
المعاوضات .
وثانيا : انها لو كانت من المعاوضات فاحد العوضين العمل
، والآخر التسليط
على الاصول لا الفائدة .
وثالثا : ان الشرط ليس جزءا لاحد العوضين كما مر .
ورابعا : ان تلف احد العوضين او عدم وجوده يوجب السقوط
بحسابه من
الآخر ، فيلزم في الفرض استحقاق العامل زايدا على الشرط
اجرة بعض عمله المقابل
للفائدة على ما افاداه .
وبما ذكرناه ظهر حكم ما لو كان التالف البعض خاصد في
الصورتين ، فانه
لا اشكال على ما ذكرناه في عدم سقوط الضميمة ووجوب
الوفاء بالشرط ، وكذا في
صورة القصور في الخروج . لكن في محكى القواعد : وفي تلف
البعض الآخر او قصور الخروج اشكال ،
وافاد المحقق الثاني ره في منشأ الاشكال بقوله : من ان
الشرط محسوب من احد
[ . . . ]
العوضين ، ولا ريب في ان مجموع احد العوضين مقابل بمجموع
الاخر فيقابل الاجزاء
بالاجزاء ، فاذا تلف بعض احد العوضين وجب ان يسقط مقابلة
من العوض الاخر ،
الى ان قال : ومن ان مقابلة الاجزاء بالاجزاء في عوض
المساقاة منتفية ، لان الفائت
والتالف عند حصول التلف او نقصان الخروج غير معلوم ، فلو
تحققت المقابلة لم يكن
الساقط في مقابله معلوما ، انتهى .
ويرد عليه - مضافا الى ما تقدم - : ان عدم معلومية
الساقط لا يوجب وجها ،
لعدم مقابلة الاجزاء بالاجزاء اذا كانت حقيقة المعاوضة
مقتضية للمقابلة ، مع انه لو
سلم فانما هو في صورة نقصان الخروج لا صورة التلف بعد
الظهور .
ولا يخفى ان جميع ما ذكرناه انما هو في صورة عدم الشرط ،
والا فان أخذ
خروج الثمرة وسلامتها شرطا لالتزامه ، فلا اشكال في سقوط
الضميمة ، وعدم وجوب
الوفاء بالشرط مع تلف الثمرة او عدم خروجها ، ولذلك ربما
يقال انه لا يبعد ان يكون
خروج الثمرة وسلامتها عن التلف شرطا ضمنيا لالتزامه ،
ولو تم فلا اشكال في
السقوط لو انتفى احد الامرين ، الا ان الظاهر عدم
تماميته .
اشتراط مساقاة في ضمن مساقاة اخرى
الرابعة : اذا قال : ساقيتك على هذا البستان بكذا على ان
اساقيك على الآخر
بكذا ، فعن الشيخ انه يبطل ، لانه كالبيعين في بيع
المنهى عنه ، ولعدم لزوم هذا الشرط
الذي هو بمنزلة الوعد ، والفرض انه سبب في زيادة العوض
او نقصانه ولم يعرف مقدار
ذلك فيتجهل ويبطل .
وفيه : ان مفروض المسألة لو كان نظير شئ ، فانما هو نظير
ما لو باع شيئا
[ . . . ]
بثمن معين بشرط ان يبيعه شيئا آخر بثمن آخر الذي ليس
منهيا عنه ، فان المنهي عنه
البيع حالا بكذا ومؤجلا بكذا ، والبيع على تقدير بثمن
وعلى تقدير آخر بثمن آخر ( 1 )
واي ربط لذلك بما نحن فيه .
واما ما افاده من عدم لزوم هذا الشرط ، فيرد عليه : انه
لا وجه له
بعد عموم وجوب الوفاء بالشرط ، وكونه شرطا في ضمن عقد لا
كونه وعدا ،
مع ان عدم وجوب الوفاء به لا يوجب بطلان العقد وان صار
داعيا للزيادة او النقصان ،
فان تخلف الدواعي والاغراض وان كانت دخيلة في الزيادة
والنقصان لا توجب خللا
في العقد . فالاظهر هي الصحة ولزوم الوفاء بالشرط .
فان قيل : ان هذه المعاملة على خلاف القواعد كما مر ،
فلا بد من الاقتصار على
المتيقن ، وهو فاقد الشرط .
قلنا : انه لو كان الشرط جزء لاحد العوضين كان ما افيد
تاما ، واما على ما هو
الحق من كونه خارجا عن العقد والتزاما مستقلا في ضمنه
فلا يتم ، لعدم قصور في
العقد ، وعدم زيادة شئ فيه ولا نقصانه منه ، كي يتوهم
عدم شمول دليل الامضاء له .
الخامسة : في جواز مساقاة العامل غيره ان لم يشترط
المباشرة اقوال - ثالثها :
عدم الجواز قبل ظهور الثمرة والجواز بعده ، رابعها :
الجواز مع اذن المالك وعدمه بدونه
- اقواها المنع مطلقا .
لا لما افاده في المسالك من ان الاصل في هذه المعاملة ان
تقع على الاصول
المملوكة للمساقي ، والعامل لا يملك منها سوى الحصة من
الثمرة بعد ظهورها ،
وباختلاف الناس في العمل وتفاوت الاغراض فيه .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب احكام العقود كتاب التجارة . ( * )
[ . . . ]
فان شيئا من ذلك لا يصلح دليلا للمنع ، اذ كون المعاملة
على الاصول
لا يقتضي عدم الجواز من المساقي بعد معلومية ارادة سقيها
ونحو ذلك من المعاملة
عليها ، فهي حينئذ كالارض في المزارعة فكما لا تعتبر
هناك الملكية كذلك في المقام ،
واختلاف الناس في العمل مشترك فيها وفي المزارعة
والاجارة .
بل لان هذه المعاملة على خلاف القواعد باعتبار الغرر
والجهالة ، ولا نص
خاص في المقام ، ومقتضى الاقتصار على المتيقن هو ذلك .
وبه يظهر عدم الفرق بين
اذن المالك وعده ، ولا بين ظهور الثمرة وعدمه .
المغارسة باطلة
تذييل : المغارسة معاملة خاصة على الارض ، ليغرسها
العامل على ان يكون
الغرس بينهما - وهي مفاعلة منه - وهي باطلة عندنا ، كذا
في المسالك ، وفي الجواهر :
الاجماع بقسميه عليه . وعن المحقق الاردبيلي وصاحب
الكفاية الاشكال فيه ، وفي
العروة : وهو في محله ان لم يتحقق الاجماع ، وتبعه جمع من
محشيها .
واستدل للاول بان عقود المعاوضات موقوفة على اذن الشارع
وهو منفي هنا .
ولكن لو كان مدرك البطلان ذلك امكن الاشكال فيه ، بانه
وان لم يرد نص خاص
بمشروعيتها - وما يظهر من بعض النصوص محمول على وقوع ذلك
بعقد صلح او
اجارة لا على مشروعية هذا العقد - الا انه يكفي في الحكم
بالصحة ما دل على وجوب
الوفاء بالعقد ( 1 ) الشامل للعقود العقلائية غير ما له
عنوان خاص في الاخبار ،
..............................................................................
( 1 ) سورة المائدة آية 2 . ( * )
] الفصل الثالث : في الجعالة [
فالصحيح ان يستدل له بان ذلك العموم قد خصص بما تضمن
النهي عن الغرر ( 1 )
الكافي في الردع ، لو كان هذا عقدا خاصا ومعاملة مخصوصة
فصحته تتوقف على دليل
خاص مفقود . فالاظهر هو البطلان .
وعلى البطلان فالغرس لصاحبه بلاكلام . وهل للآخر عليه
اجرة مثل عمله لو
كان لمالك الارض واجرة المثل للارض مدة شغله بها لو كان
للعامل ، ام ليس له ذلك ،
ام يفصل بين صورة جهل الغارس فالاول وعلمه فالثاني ؟
اقوال .
اظهرها الاول ، لا لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده
لما مر من ان
عموم الموصول فيها اصنافي لا افرادي وهذه المعاملة ليس
لها ضنفان صحيح وفاسد
فلا تشملها القاعدة .
بل لاستيفاء منفعة مال الآخر او عمله ، وقد مر أن مقتضى
قاعدة على اليد
وغيرها ضمان المنافع المستوفاة ، وما في ضمنها من الاذن
ليس اذنا في الاستيفاء مجانا
كي ينافي مع الضمان بل بعوض ، فهو يؤكد الضمان ، ولا فرق
في ذلك بين صورة العلم
بالبطلان والجهل به .
وهل للمالك قلع الغرس أو أمره به ، ام يجب عليه الابقاء
مع الارش او بدونه ؟
وجوه ، وقد تقدم تنقيح القول في ذلك في باب المزارعة في
مسألة المزارعة الفاسدة ، فانها
نظير المقام فلا نعيد ما ذكرناه .
( الفصل الثالث : في الجعالة ) وهي بتثليث الجيم ، وكسرها
اشهر ، كذا في
..............................................................................
( 1 ) التذكرة ج 1 ص 466 . ( * )
[ . . . ]
المسالك . وهي كما ذكروه لغة اسم لما يجعل للانسان على
عمل شئ ، ولا حقيقة شرعية
لها ولا متشرعية ، بل في الشرع تستعمل فيما وضعت له ،
غاية الامر اضاف الشارع
الاقدس في موضوع الاثار قيودا ، والى هذا نظرهم حيث
قالوا : وهي شرعا التزام
عوض عمل محلل مقصود . وكيف كان ، فلا خلاف بين المسلمين
في مشروعيتها ، وعليها
الاجماع في كثير من الكلمات .
والاصل في شرعيتها - مضافا الى عمومات امضاء المعاملات ،
كقوله تعالى ( لا
تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض
) ( 1 ) وتخصيصها
بالتجارات والعقود التي كانت متعارفة في زمان صدورها بلا
وجه ، بعد كونها متضمنة
لبيان الحكم الخالد الباقي في جمع الاعصار وكونها من
قبيل القضايا الحقيقية ، مع ان
الجعالة من التجارات التي كانت متداولة في ذلك الزمان .
قوله سبحانه ( ولمن جاء به حمل بعير ) ( 2 ) بناء على ما
هو الحق من حجية مثله
ما لم يعلم النسخ .
وجملة من النصوص كخبر عبد الله بن سنان ، قال : سمعت ابي
يسأل ابا عبد الله
عليه السلام وانا اسمع ، فقال : ربما آمر الرجل فيشتري
لنا الارض والدار والغلام
والجارية ونجعل له جعلا ، قال عليه السلام : لا بأس ( 3
) الى غير ذلك من النصوص
الآتي طرف منها في ضمن المباحث الاتية .
وتنقيح القول فيها في موضعين :
الاول : في حقيقتها ، وما يعتبر فيها ، وفي الجاعل
والعامل .
..............................................................................
( 1 ) النساء آية 29 .
( 2 ) سورة يوسف آية 27 .
( 3 ) الوسائل باب 4 - من ابواب الجعالة حديث 1 . ( * )
] ولابد فيها من الايجاب والقبول [
الثاني : في الاحكام .
اما الاول فقد وقع الخلاف في انها من العقود او
الايقاعات ، صريح المتن حيث
قال : ( ولابد فيها من الايجاب والقبول ) هو الاول ،
وظاهر الشرايع انها تتحقق بكل
من الوجهين ، حيث انه صرح أولا بأنها لا تفتقر الى قبول ، ثم ذكر بعد ذلك انها عقد
جائز ، والمراد انه لا يشترط في تحققها القبول ، والا
فلو اوقعت بنحو الايجاب والقبول
تكون عقدا .
والاظهر عدم اشتراط القبول ، لان العقد انما هو فيما
يتوقف تحققه على
الالتزامين من الطرفين ، واما ما حقيقته وقوامه بجعل
واحد والتزام فارد فهو ليس من
العقود ، والمقام كذلك ، فان الجعالة من قبيل التسبيب
الصادر من الشارع نحو من
فعل كذا فله كذا المعلوم عدم كونه عقدا ، وبالجملة
الجعالة بما لها من المفهوم العرفي
الذي عليه بناء العقلاء من الانشائات القائمة بشخص واحد
فهي من الايقاعات .
ويؤيده امور :
1.
ما ذكروه من
انه لو انشأها الجاعل وعمل العامل بغير قصد الى الجعالة ،
بل ومع الغفلة عنها وعن كون فعله قبولا ، صح عمله واستحق
الجعل ، ولو كانت من
العقود لزم عدم صحته وعدم استحقاقه الجعل ، لعدم تمامية
الجعالة . وما عن بعضهم من
كفاية الرضا الباطني ولو التقديري منه في القبول وهو
حاصل ، لاوجه له ، بل هذا في
الحقيقة التزام بعدم اشتراط القبول .
2.
انه لو كانت
الجعالة من العقود لزم مقارنة القبول لايجابها كما هو الشأن
في العقود على المشهور ، مع انه تجوز الجعالة ، وان طال
العمل المتوهم كونه قبولا ووقع
الفصل بينه وبين الايجاب .
3.
ترتب اثرها
على من لم يرد الفعل اولا ثم اراد وفعل حتى لو تلبس بالعمل ،
] كقوله من رد عبدي او فعل كذا فله كذا ، [
ثم رفع يده عنه بل ردها ثم عاد اليه ، اذ لو كان ذلك من
العقود افتقر الى ايجاب آخر
بعد الرد .
4.
صحتها من غير
مخاطب خاص ، وممن لم يسمع عبارة الجعل . الى غير تلكم
من الاحكام والاثار المنافية لكونها من العقود .
واما ما عن التذكرة من الاجماع على انها عقد جائز ، وعن
جامع المقاصد :
ظاهرهم انها من العقود الجائزة فيكون القبول فيها فعليا
، فمحمولان على ارادة ما
قدمناه من انها تتحقق بكل من الوجهين ، او على ارادة
العهد منه ، لصدوره ممن ظاهره
او صريحه الايقاعية .
واما خبر علي بن جعفر عن اخيه ( ع ) عن رجل قال لرجل :
اعطيك عشرة
دراهم وتعلمني علمك وتشاركني ، وهل يحل ذلك له ؟ قال
عليه السلام : اذا رضى
فلا بأس ( 1 ) فلا ينافي ذلك ، لعدم ظهور الرضا في
القبول العقدي ، ومن الجائز ارادة عدم
البأس مع تراضيهما على ذلك .
فالمتحصل مما ذكرناه انها ليست من العقود ، وان كان يمكن
تحققها بكل من
الوجهين .
ولا تتحقق الجعالة بالعلم بالرضا الباطني وان كان فعليا
، لما مر من انه يعتبر
في العقود والايقاعات اظهارها بمظهر من قول او فعل . نعم
، لا يعتبر لفظ مخصوص ،
بل تتحقق بكل لفظ مبرز لها ، ( كقوله : من رد عبدي او
فعل كذا فله كذا ) ، أو نحو
ذلك . وعن التذكرة : الصيغة كل لفظ دال على الاذن في
العمل واستدعائه بعوض
يلزمه ، كقوله : من رد عبدي ، أو خاط ثوبي ، او بنى لي
حائطا ، او ما اشبه ذلك من
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الجعالة حديث 1 . ( * )
] ولا يفتقر الى القبول لفظا ، ويجوز على كل عمل محلل مقصود [
الاعمال المحللة المقصودة في نظر العقلاء . وقريب من هذه
العبارة عبارات غيرها من
الكتب الفقهية ، المتفقة على تحققها بكل لفظ من غير فرق
بين " من رد " و " ان رددت "
وغيرهما .
والظاهر جريان المعاطاة فيها ، بناء على ما تقدم في كتاب
البيع من ان جريانها
فيه على القاعدة ، لا من جهة النص الخاص او الاجماع ،
ولذلك بنينا على جريانها في
جميع العقود والايقاعات الا ما خرج بالدليل .
ودعوى ان المعاطاة من باب المفاعلة ، فيعتبر في تحقها
الفعل من الجانبين ،
فتختص بالعقود . مندفعة بان لفظ المعاطاة ليس عنوانا
لموضوع الحكم ، والمراد بها
الانشاء الفعلي ، فتشمل كل فعل مبرز للاعتبار النفساني .
وعليه بنينا على عدم اعتبار
العطاء فيها ، و تحققها بكل فعل مبرز للاعتبار ، ولو كان
حركة الرأس في جواب من
سأله هل لمن رد عبدك او فعل كذا كذا .
ثم على القول بانها من العقود الظاهر عدم الخلاف ( و ) لا
الاشكال في انه ( لا
يفتقر الى القبول لفظا ) ، وهو مقتضى القاعدة كما
اسلفناه .
( و ) اما ما يصح الجعالة فيه فقد طفحت كلماتهم بانه (
يجوز ) الجعالة ( على كل
عمل محلل مقصود ) للعقلاء ، وهو مما لا اشكال فيه في
الجملة لا طلاق الادلة ، انما
الكلام في امور :
1.
هل تصح
الجعالة على الواجب ام لا كما صرح به جماعة حتى انهم قالوا :
لو قال من دلني على مالي فله كذا ، فدله من كان المال في
يده لم يستحق الجعل ، لان
ذلك واجب عليه ؟ وجهان مبنيان على ما تقدم في المكاسب من
جواز اخذ العوض على
[ . . . ]
الواجب وعدمه ، وحيث ان المختار كما مر جوازه ، فالاظهر
هو الاول .
2.
هل تصح
الجعالة على الحرام ام لا ؟ وجهان .
قد استدل للثاني بان العمل المحرم غير مملوك ، فلا ملك
حتى يملك بعوض .
وبان المحرم لا مالية له ، فلا يقبل المعاوضة عليه .
وبان العمل المحرم لو سلم كونه ملكا
ومالا ، إلا ان الشارع الاقدس بتحريمه سلب احترامه ،
والمال غير المحترم لا يعوض
بشئ ، لفرض انه هدر عند الشارع . وبان الحرمة سالبة
للقدرة والسلطان على
التصرف ، ومن المعلوم كون السلطنة من شرائط النفوذ .
ولكن يرد على الاول ان العمل المحرم كيف لا يكون مملوكا
بعد ان لا تقابل
بين الملكية والحرمة باحد انحاء التقابل ، من التضاد
والتناقض والتضائف بين
المتعاندين في الوجود ، والتقابل بالعرض والتبع متفرع
على شرطية الاباحة للتملك ،
مع انه لا تعتبر الملكية في الجعالة ، بل العمل قبل
الجعالة ليس ملكا للعامل .
وعلى الثاني ان العمل المحزم ان كان في نفسه مالا عند
العقلاء ، فالنهي عنه
لا يكون معدما لماليته ، بل هو نهي عن ايجاد المال ، كما
ان الامر باتلاف العبد الجاني
امر باعدام المال .
وعلى الثالث ان هدر المال غير هدر المالية ، فمال الكافر
الحربي مسلوب الحرمة
من حيث المالية ، لجواز اخذه بلا عوض منه قهرا ، ومع ذلك
يصح ايقاع المعاوضة عليه ،
والاحترام من حيث المالية ليس من شرائط نفوذ المعاملة .
وعلى الرابع ان السلطنة الوضعية محفوظة مع الحرمة ،
والتكليفية ليست من
شرائط نفوذ المعاملة .
فالصحيح ان يستدل له بما في خبر تحف العقول المتلقى بالقبول من تعليل
فساد بيع ما لا منفعة محللة له بحرمة التصرف ، وكذا في
اجارة الانسان نفسه فيما هو
] وان كان مجهولا [
محرم عليه ( 1 ) فيستفاد منه ان ما تمحض في الجهة
المحرمة لا يجوز ايقاع اي عقد او
ايقاع عليه ، فيفهم منه ان كونه محرما يوجب سقوطه عن
المالية شرعا فلا يعوض .
ويؤيده النبوي المشهور : ان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه
( 2 ) وجه جعله مؤيدا لا دليلا
عدم وجوده في اصل من اصول العامة والخاصة ، والموجود في
اصولهم هكذا : ان الله اذا
حرم على قوم أكل شئ محرم حرم علهيم ثمنه ( 3 ) . وكيف
كان ، فلا شبهة في اعتبار
اباحة العمل بمعنى عدم حرمته .
3.
لا اشكال في
انه يجوز الجعل على العمل ( وان كان مجهولا ) ، لا لما في
الشرايع من انه عقد جائز ، بل لان بناء مشروعيتها على
جهالة العمل والغرض منها
تحصيل الاعمال المجهولة ، فيقيد بدليلها اطلاق ما دل على
النهي عن الغرر .
وهذا واضح ، انما الكلام في انه هل يعتبر كون العوض
معلوما كما هو المشهور
بين الاصحاب ام لا كما عن بعض ؟ وملخص القول فيه : ان
معلومية العوض تارة
يراد بها التعيين المقابل للترديد . واخرى يراد بها ما
يقابل الجهل الموجب للوقوع في
الغرر والخطر . وثالثة يراد بها ما يقابل الجهالة ولو لم
توجب غررا .
اما اعتبار المعنى الاول فواضح ، فان المردد من حيث هو
مردد لا مالية له ولا
..............................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب ما يكتسب به من كتاب
التجارة حديث 1 .
( 2 ) اورده العامة والخاصة في كتبهم الاستدلالية - راجع
البحار –
ج 23 ص 17 - ومسند احمد ج 1 ص322
( 3 ) مسند احمد ج 1 - ص 247 - و 293 - السنن الكبرى ج 6 - ص
13 . ( * )
[ . . . ]
وجود ولا تحقق ، فهو غير قابل للملكية والاستحقاق عقلا .
واما الثاني فيشهد لاعتباره المرسل المروي في كتب
الفقهاء المتلقى بالقبول :
نهى النبي صلى الله عليه وآله عن الغرر ( 1 ) وقد مر في
كتاب الاجارة الاشكال في
الاستدلال به والجواب عنه ، وبينا دلالته على بطلان كل
معاملة غررية ، ومنها الجعالة .
واما الثالث فظاهر المشهور - حيث قالوا : لابد وان يكون
معلوما بالكيل ، او
الوزن ، او العدد ان كان مما جرت العادة بعده - اعتباره
، ولكن لا دليل عليه . فالاظهر
عدمه كما مر في الاجارة .
ولا فرق في اعتبار المعلومية الرافعة للغرر بين كون
الجهالة مانعة عن التسليم
وعدمها . فما عن القواعد : لو قيل بجواز الجهالة اذا لم
تمنع من التسليم كان حسنا ،
كقوله : من رد عبدي فله نصفه - وعن المحقق الثاني تقويته
، وعن الايضاح انه اصح ،
ونفي عنه البعد في محكى الروضة ، وفي الجواهر ، ولعله
الاقوى - ان اريد بها الجهالة
بالحصول فهو قوي ، فانها كما افيد لا تمنع عن التسليم في
ظرف الاستحقاق وهو بعد
الرد ، وان اريد بها الجهالة حتى من ناحية اوصاف العبد
الدخيلة في المالية فلا يتم ،
لعموم ما دل على النهي عن الغرر ، ورفع الغرر في زمان
التسليم لا يكفي في البناء على
الصحة كما في سائر العقد والايقاعات .
ويعتبر في الجاعل اهلية الاستئجار من البلوغ والعقل وعدم
الممنوعية من
التصرف في امواله وغيرها ، لان ما دل على اعتبارها في
الاجارة من حديث رفع القلم ( 2 )
وحديث رفع ما استكره عليه ( 3 ) وما شابههما يدل على
اعتبارها في الجاعل . واما العامل
..............................................................................
( 1 ) التذكرة ج 1 - ص 466 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات وباب 36 من ابوب
القصاص في النفس .
( 3 ) الوسائل باب 6 من ابواب جهاد النفس . ( * )
[ . . . ]
فلا يعتبر فيه سوى امكان تحصيل العمل عقلا وشرعا ، وذلك
لتمامية الجعالة قبل
العمل بلا دخل للعامل فيها ، وانطباق موضوع الحكم على
فرده قهري ، هكذا استدل
في المقام . ولكن مقتضى اطلاق حديث رفع القلم عن الصبي
والمجنون رفع كل حكم
تكليفي او وضعي عن الصبي ، كان سببه فعله القصدي او غير
القصدي ، كان في رفعه
منة على الامة ام لم يكن ، كان ترتب الاثر منوطا بكمال
العقل واستشعار الفاعل ام لم
يكن .
وعلى ذلك فيشكل القول باستحقاق الجعل برد الصبي المميز
من غير اذن
وليه ، كما عن التذكرة وفي المسالك وغيرهما . نعم ، لو
اكره البالغ العاقل على العمل ،
او كان محجورا ، استحق الجعل . اما في الاول فلورود حديث
نفي الاكراه في مورد
الامتنان ولا منة في رفع هذا الاثر ، واما الثاني فلعدم
كونه تصرفا ماليا كما انه لو اذن
الولي يستحق غير المكلف الجعل ان عمل .
ولا يعتبر في العامل التعيين بلا خلاف ، لا طلاق الادلة
. وفي صحة الجعل على
عمل للغير ، كما لو قال : من رد ضالة زيد فله كذا ، كلام
تقدم في كتاب الاجارة ، وقد
عرفت انه يصح الاستئجار عليه فضلا عن الجعالة ، بل تصح
الجعالة على عمل يعود
نفعه الى العامل نفسه اذا كان له غرض عقلائي .
الموضع الثاني : في الاحكام ، والكلام فيه في طي مسائل :
الاولى : لا خلاف بينهم في ان الجعالة من الامور الجائزة
من الطرفين ، بمعنى
تسلط كل من العامل والمالك على فسخها ، سواء جعلناها
عقدا او ايقاعا .
] فان كان العوض معلوما لزم بالفعل والافاجرة المثل
، [
واستدل له في المسالك بانها من حيث عدم اشتراط القبول
فيها ، بمنزلة امر
الغير بعمل له اجرة ، فلا يجب المضي اليه من الجانبين .
اقول : اما جواز فسخ العامل فلا أرى له وجها ، فان
الجعالة عبارة عن
الايجاب والاذن في الفعل وحكمه بعد الاذن بيده ، ولا ربط
لذلك بالعامل كي يكون
له الفسخ ، وكونه
بحيث لو عمل استحق الجعل من آثار فعل الموجب وليس ذلك تحت
اختيار العامل وقدرته ، ولذا قال في الجواهر : فمعنى
قولهم يجوز للعامل الفسخ انه
لا يجب عليه الوفاء بالعمل . واما الجاعل فكما افاده
يجوز له الفسخ ، لما افاده ، وللاجماع
والتسالم عليه . وهل يجوز ذلك حتى بعد التلبس بالعمل ؟
كلام سيأتي عند تعرض
المصنف ره له .
الثانية : اذا بذل جعلا على رد الضالة مثلا ، ( فان كان
العوض معلوما لزم )
على الجاعل ( بالفعل ) بلا خلاف ولا اشكال ، ( والا )
كما لو ذكر عوضا ولم يعينه ( ف )
يجب عليه مع الفعل رد ( اجرة المثل ) ، لاحترام العمل
والفرض انه لم يعمله مجانا .
ودعوى انه مع علم العامل ببطلان الجعالة يكون كالمتبرع
في عمله فلا يستحق شيئا ،
مندفعة بانه لا يكون متبرعا في عمله بل يعمل لاخذ العوض
، فكيف يكون بحكمه !
هكذا استدلوا له في المقام وغيره من نظائره .
وقد مر في كتاب البيع والاجارة ان مدرك قاعدة الاحترام :
اما قوله عليه
السلام : لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه ( 1 ) أو
قوله صلى الله عليه وآله :
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي - والمستدرك ج
1 ص 212 –
والاحتجاج
ص 267 – مع اختلاف في المتن . ( * )
[ . . . ]
حرمة ماله كحرمة دمه ( 1 ) أو قوله : لا يصلح ذهاب حق
احد ( 2 ) . وشئ من تلكم لا يدل
عليها ، اذ الاولان ظاهران في الحرمة التكليفية ، بمعنى
انه لايجبر المسلم على العمل
ولا على اخذ ماله منه ولا يقهر عليهما ، ولا نظر لهما
الى الحكم الوضعي وهو الضمان .
والثالث يدل على عدم ذهاب الحق ، والكلام انما هو في
ثبوته ، والحكم لا يصلح لاثبات
موضوعه . وتمام الكلام في الجزء الخامس عشر من هذا الشرح .
وعلى هذا فقد يتوهم عدم الضمان في المقام من جهة ان
الضمان : اما بالعقد ، أو
باليد ( 3 ) او بالاتلاف ( 4 ) . وشئ من تلكم لا مورد له في المقام .
اما العقد فلفساده . واما
قاعدة اليد فهي وان كانت تشمل المنافع ، لان اليد على
العين تستتبع اليد على المنافع ،
لكنها لا تشمل عمل الحر . واما قاعدة الاتلاف فلان سببية
العامل فيه اقوى من الامر
لانه المباشر ، كما لو امره باتلاف مال الغير واكل طعامه
، فان المتلف هو الضامن لا
الآمر .
ودعوى ان استيفاء العمل الذي له مالية كاستيفاء المنفعة
ذات المالية موجب
للضمان كما عن الشهيد الثاني ، مندفعة بان ذلك محتاج الى
دليل .
ولكن يمكن ان يستدل للضمان بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده ،
والجعالة الصحيحة موجبة للضمان فكذلك الفاسدة منها .
ومما ذكرناه يظهر انه لاضمان لو استدعى الرد ولم يبذل
الاجرة ولا شئ للراد ،
كما في الشرايع ، وعن القواعد والارشاد والتحرير ، بل
قيل هو قضية كلام اللمعة . نعم ،
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب القصاص في النفس حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 40 من ابواب الشهادات حديث 1 و 4 .
( 3 ) كنز العمال ج 5 ص 257 - سنن البيهقي ج 6 ص 90 .
( 4 ) قاعدة مستفادة من الاخبار الوارد في الموارد الخاصة . ( * )
] الا في البعير والابق يوجدان في المصر ، فعن كل واحد دينار
، وفي غير المصر
اربعة . ولو تبرع فلا اجرة له سواء جعل لغيره اولا [
يمكن ان يقال باجرة المثل لوجرت العادة باجرة لمثله ،
فان ذلك حينئذ يكون نظير
الجعالة على عوض مجهول ، ولا اقل من انه حينئذ امر بالعمل
بعوض الذي هو نظير
الاباحة بعوض معاملة مستقلة صحيحة ، ويستحق فيه العامل
الاجرة المسماة مع
معلومية العوض ، وعليه فهو فاسد ما في صحيحه الضمان
فيضمن به .
وكيف كان ، فالذي يستحقه هو اجرة المثل في جميع موارد
الفساد ( الا في البعير
والابق ) ، فان المشهور انه تارة ( يوجدان في المصر فعن
كل واحد دينار ، و ) اخرى
يوجدان ( في غير المصر ) فعن كل واحد ( اربعة ) دنانير .
والمدرك خبر مسمع بن عبد الملك كردين ابي سيار عن الامام
الصادق عليه
السلام : ان النبي صلى الله عليه وآله جعل في جعل الآبق
دينارا اذا اخذ في مصره ،
وان اخذ في غير مصره فاربعة دنانير ( 1 ) . وقد عمل به
المشهور كما اعترف به غير
واحد ، وعن الرياض : ان الشهرة به عظيمة قديمة ومتأخرة ،
وعن المختصر : انه مؤيد
بعمل الاصحاب وشهرته حتى صار العمل به قريبا من الاجماع
، وعن الخلاف - بعد
الفتوى بما تضمنه - : دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم ،
وعن المقنعة : انه ثبتت السنة عن
النبي صلى الله عليه وآله بذلك .
فضعفه منجبر بالعمل وباخبار اخر ، فلاوجه لاشكال المصنف
ره في القواعد
في الحاق البعير بالعبد الابق في هذا الحكم ، واضعف منه
اشكال الشهيد الثاني في هذا
الحكم في الموردين لضعف سند الخبر .
الثالثة : ( ولو تبرع ) من لم يعين الجعالة له ، ( فلا
اجرة له سواء جعل لغيره
اولا ) بلا خلاف في عدم الاجرة للعامل ، لانه متبرع على
الفرض ، وقد مر حصر
..............................................................................
( 1 ) الوافي الجزء العاشر ص 56 - التهذيب ج 6 ص 398 ح
43 . ( * )
] ولو تبرع الاجنبي بالجعل لزمه مع العمل ويستحق الجعل
بالتسليم [
موجبات الضمان في عدة امور لا ينطبق شئ منها على المقام
. واما عدم الجعل لمن جعل
له فلان الجعل ، انما هو بازاء العمل الممتنع ، لان الحاصل
لا يتحصل فيفسخ المعاملة .
وفي المسالك : هذا اذا شرط على المجعول له العمل بنفسه ،
او قصد الراد
العمل لنفسه ، او اطلق . اما لو رده نيابة عن المجعول له
حيث يتناول الامر النيابة ،
فانه لا يضيع عمله ، وكان الجعل لمن جعل له ، انتهى .
وفيه : ان مجرد قصد النيابة مع عدم أمر من المنوب عنه
ولا عمل في ذمته لا يجعله
نائبا ، ولا فعله فعله .
( ولو تبرع الاجنبي بالجعل لزمه مع العمل ) وان لم يعد
نفعه اليه ، ولا يلزم
على المالك شئ للعامل ولا للباذل ، بلا خلاف ولا اشكال ،
لما مر من انه لا يعتبر كون
الجعل من المالك .
الرابعة : ( ويستحق ) العامل ( الجعل بالتسليم ) بيد
المالك ، مع التصريح
بالجعل على ذلك او الاطلاق ، بناء على ان المتبادر من
الرد القبض . فلو جاء به الى
البلد أو المنزل ففر ، لم يستحق الجعل بلا خلاف ، لعدم
تحقق ما جعل العوض بازائه .
نعم ، لو صرح بما لا يقتضي التسليم - كالايصال الى البلد
- استحق الجعل بايجاده ،
وهو واضح .
وهل الموت كالفرار في عدم استحقاق شئ من الجعل كما عن
التذكرة
والمسالك وغيرهما ، ام يستحق العامل في الموت بالنسبة
كما عن القواعد احتماله وعن
الايضاح اختياره ؟ وجهان ، اظهرهما الاول ، لان الجعل
انما هو على العمل الخاص
] ومع التلبس بالعمل ليس للجاعل الفسخ بدون اجرة ماعمل ويعمل
بالمتأخر من الجعالتين [
المنتفي في الفرض ، وعدم كون المانع من قبل العامل لا
يصلح منشئا للاستحقاق .
الخامسة : قد عرفت انه لا اشكال ولا خلاف في ان الجعالة
جائزة قبل التلبس
بالعمل ، ( و ) اما ( مع التلبس بالعمل ) ففيه قولان :
احدهما : انه ( ليس للجاعل الفسخ بدون اجرة ما عمل ) وان
كان للعامل
ذلك ، فتصير الجعالة لازمة من طرف ، وباقية على الجواز
من الطرف الآخر ، وهو مختار
الماتن هنا والمحقق في الشرايع ، وعن المبسوط والارشاد ،
بل ظاهر المتن كالمبسوط
توقف فسخ الجاعل على دفع الاجرة .
ثانيهما : انه لا فرق بين قبل التلبس وبعده ، وهو
المشهور ، وفي المسالك دعوى
الاجماع عليه .
والاظهر هو الثاني : لانه لم يطرأ ملزم لها بالتلبس ،
والاستصحاب يقتضي بقاء
جواز الفسخ . وعليه فلو فسخ الجاعل ، فحيث انه لا معنى
لفسخ بعض وابقاء بعض ،
فلا محالة لا يستحق من الجعل بالنسبة ، وانما يستحق اجرة
مثل عمله ، كما لا يخفى .
السادسة : ( و ) لو عقب الجعالة على عمل معين بعوض
بجعالة اخرى ، وزاد
في العوض او نقص ( يعمل بالمتأخر من الجعالتين ) بلاخلاف
، مع سماع الجعالتين قبل
التلبس بالعمل ، لان الثانية تقتضي فسخ الاولى بعد ان
لاوجه لصحتهما معا ، الا مع
ارادة زيادة الجعل ولكنها خلاف الفرض .
اما اذا لم يسمع العامل الا احدى الجعالتين ، فعن المحقق
الكركي والشهيد
الثاني ان العبرة بما سمعه منهما ، سواء كانت الاولى او
الثانية . وعن المصنف ره في
التذكرة انه ان كان المسموع هي الثانية فالعبرة بها ،
والا فيرجع الى اجرة المثل .
والحق ان يقال : انه لا وجه لكون العبرة بما سمعه مطلقا
، فان المسموع ان كان
] ولو جعل لفعل يصدر عن كل واحد بعضه [
هو الاولى فقد انفسخت بالثانية ، فلا بقاء لها كي تقتضي
استحقاق ما فيها من الجعل ،
ولا غرور بعد ان اقدم على عقد جائز للمالك فسخه في كل
وقت ، وكان له طريق الى
الزامه به بصلح ونحوه .
واما اجرة المثل فقد اورد على البناء على استحقاقها بانه
اقدم على الجعل
المسمى ، فيستحقه دون اجرة المثل خصوصا مع زيادتها عليه
.
ويرده ان اقدامه على المسمى ليس من المعينات له بعد
سقوطه بالفسخ
بالثانية .
فالحق هو ثبوت اجرة المثل في هذا الفرض . نعم ، ان كانت
الاجرة المسماة في
الثانية ازيد من المثل لا يبعد القول باستحقاقها ، لانه
لا يعتبر سماع الجعالة في
استحقاق الجعل كما سمعته ، وانما لا نلتزم به في صورة
كونه اقل لصدق الغرور ، فانه
وان لم يصدق على ما لو فسخ الاولى لما ذكرناه ، الا انه
يصدق على ما لو عقبها بجعالة
اخرى ، وإلا لزم التوصل بذلك الى الغاء ما جعله في جعالة
وتبديله باقل ما يصح ،
بفسخ الاولى وايجاد جعالة اخرى من دون ان يسمع غيره .
هذا كله مع التنافي بين الجعالتين ، والا - كما لو قيد
كل منهما بزمان او مكان
غير ما قيد الاخرى به ، كما لو قال : من رد ضالتي الى
آخر هذا الاسبوع فله كذا ،
ثم قال : من ردها الى آخر الشهر فله نصف ذلك الجعل -
تبقى الجعالتان على حالهما ،
وله الجعل المسمى على كل من التقديرين .
لو جعل على عمل معين جعلا فشاركه غيره
السابعة : ( ولو جعل لفعل فصدر عن كل واحد بعضه ) ، كما
لو قال : من رد
] فللجميع الجعل ، ولو صدر من كل واحد فلكل واحد جعل ، ولو
جعل للرد
من المسافة فرد من بعضها فله النسبة [
ضالتي فله دينار ، فردها جماعة ( فللجميع الجعل ) بلا
اشكال ، لان المفروض انطباق
موضع الحكم - وهو رد الضالة - على فعل الجميع ، لان ردهم
من مصاديق الرد
المأخوذ في الموضوع ، وحينئذ ان لم يتفاوتوا في العمل
يوزع الجعل عليهم بالسوية ،
ومع التفاوت يوزع عليهم على قدر العمل .
( ولو ) جعل لفعل ( وصدر ) ذلك الفعل ( عن كل واحد )
مستقلا ، ولم يكن
الصادر عن الجميع فعلا واحدا ، كما لو قال : من دخل داري
فله دينار ، فدخله جماعة
( فلكل واحد جعل ) ، لان فعل كل واحد منهم موضوع مستقل وفرد
مما اخذ في
الموضوع ، وهذا بخلاف الصورة الاولى التي كان الفعل
الصادر من الجميع فردا من
الموضوع ، والصادر من كل واحد منهم بعضه لا تمامه .
وما عن المختلف من احتمال التساوي ، فيستحقون كلهم
دينارا واحدا في
الصورة الثانية لانه المبذول ، والعموم يقتضي التشريك لا
الزيادة على المبذول ، غير
تام ، كما يظهر مما ذكرناه .
( ولو جعل للرد من مسافة ) ، كما لو قال : من رد ناقتي من
الشام فله كذا ،
( فرده من بعضها فله ) من الجعل ( بالنسبة ) اي بنسبة
المسافة ، كما عن الشيخ وابن
حمزة والمصنف وغيرهم ، بل في المسالك نسبته الى الاصحاب
وان تنظر فيه .
والحق ان يقال : ان الجعل ان كان للرد عن مسافة ، فالرد
من بعضها ليس جزء
من ذلك العمل بل هو غيره ، وعليه فالمتجه حينئذ اجرة مثل
عمله على مامر ، فان
عمله محترم لا يذهب هدرا ولم يجعل بازائه شئ ، فيتعين
اجرة المثل . وان الجعل
للرد ، وكان التقييد بالمسافة لتخيله كونها هناك ،
فالمستحق الاجرة المسماة لاتيان ما
جعل له . وان كان الجعل للرد من مسافة على نحو التوزيع ،
كان المستحق من الاجرة
] والقول قول المالك في عدم الجعل ، وفي تعيين المجعول فيه ،
وفي القدر ،
[
المسماة بنسبة ما عمل . وهو واضح ، ولا يبعد ظهور الجملة
المزبورة بلا قرينة في الاخير ،
وعليه فيتم ما افاده الاساطين فلايرد عليهم شئ مما ذكر
في المقام .
الثامنة : في فروع التنازع ، وهي اربعة :
1 – ( و ) لو
تنازعا في الجعل وعدمه ، فقال المالك لم اشارطك وما امرتك ، وقال
العامل شرطتني وامرتني بالعمل ، وجعلت لي جعلا معينا أو
استحق به اجرة المثل ،
ف ( القول قول المالك في عدم الجعل ) بلا خلاف ، لاصالة
عدم الاشتراط ، واصالة
البراءة من العوض . ومقتضى قول المشهور في نظائر المسألة
، كالاختلاف في الاجارة
والاعارة من تقديم قول مدعي الضمان لقاعدتي اليد
والاحترام ، الحكم بالضمان في
المقام لقاعدة الاحترام ، ولكن قد عرفت في كتاب الاجارة
فساد ذلك ، فالاظهر عدم
الضمان .
2 – ( و ) لو
اختلفا ( في تعيين المجعول فيه ) ، كما لو اختلفا في عين ما شرط
في رده العوض ، فقال العامل شرطت لي العوض فيما رددته ،
وقال الجاعل بل شرطت
لك فيما لم ترده ، فلا خلاف في انه يقدم قول الجاعل ،
لان مرجع هذا الخلاف الى دعوى
العامل على المالك الشرط على هذا الذي رده وهو ينكره
فالقول قوله ، لاصالة عدم
الشرط وان اتفقا على اصل الشرط .
3 – ( و ) لو
اختلفا ( في القدر ) اي قدر الجعل ، ففيه اقوال :
احدها : ما عن الشيخ في الخلاف وجماعة ، وهو انه تثبت
حينئذ اجرة المثل بعد
يمين الجاعل .
] فيثبت فيه الاقل من اجرة المثل والمدعي [
ثانيها : ما في المتن والشرايع وعن اللمعة وغيرها ، وهو
ان القول قول المالك ،
( فيثبت فيه الاقل من اجرة المثل والمدعى ) مع الحلف .
ثالثها : ان القول قول المالك ، لكن يثبت مع يمينه اقل
الامرين من اجرة
المثل ومدعى العامل ، واكثر الامرين منها ومن مدعى
المالك .
رابعها : تقديم قول المالك ، الا
ان الثابت بيمينه هو ما يدعيه ، لا اجرة المثل
ولا الاقل ، وهو قول الشيخ نجيب الدين من مشايخ المحقق
والشهيدين .
خامسها : انهما يتحالفان ، لان كل واحد منهما مدع ومدعى
عليه ، اختاره في
محكى القواعد .
والاظهر هو الرابع ، لان استحقاق الاقل متيقن ولو في ضمن
الاكثر ، ووقوعه
على الاكثر غير معلوم ، والاصل عدم وقوعه عليه ، وعدم
استحقاقه الزايد .
وبه يظهر دفع ما اورده المحقق ره على هذا القول بان
فائدة يمين المالك
اسقاط دعوى العامل لا ثبوت ما يدعيه الحالف ، وما في
الجواهر من ان اختصاص
الدعوى بينهما في الامرين لا يقتضي الانحصار واقعا كذلك
ضرورة احتمال كون
الواقع خلافهما ، فان نفي استحقاق الزايد من الاجرتين
انما هو بالاصل لا باليمين .
وقد استدل للقول الاول بان القول قول المالك ، لان الفعل
فعله فيقدم قوله
فعليه اليمين ، فاذا حلف ينفى الزايد ، وحيث لا يثبت ما
يدعيه بحلفه ، فليس حينئذ
الا اجرة المثل بعد الاتفاق على ان العمل بعوض ولم يثبت
فيه مقدر .
ويرده : ان الزايد ينفى بالاصل ، مع انه لو اغمض عن ذلك
فاللازم هو ثبوت
اقل الامرين من اجرة المثل وما يدعيه العامل ، لاعترافه
بعدم استحقاق الزايد ان
كانت اجرة المثل ازيد من ما يدعيه ، بل واكثر الامرين
منها ومن مدعى المالك ، لان
ما يدعيه المالك ان كان اكثر من اجرة المثل فهو يعترف
بثبوته في ذمته للعامل ، فيؤخذ
] وعدم السعي [
باقراره . وبما ذكرناه ظهر مدرك القول الثاني والثالث
وضعفه ، كما ظهر قوة القول
الثالث بالنسبة الى الاولين كما افاده في المسالك .
واما التحالف فقد استدل له بان كل واحد منهما مدع ومدعى
عليه ، فلا ترجيح
لاحدهما ، فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه الاخر .
وبان العقد الذي تشخص
بالعوض الذي يدعيه المالك ، غير العقد الذي تشخص بما
يدعيه العامل .
ويرد على الاول ما تقدم من ان المالك منكر لا مدع ،
لانهما متوافقان على
استحقاق الاقل ، والنزاع انما هو بالنسبة الى الزيادة .
وعلى الثاني ان العقد متفق عليه وانما الاختلاف في
الزيادة والنقصان ، فكان
كالاختلاف في قدر الاجرة في الاجارة ، والقدر الذي يدعيه
المالك متفق عليه وانما
الاختلاف في الزايد ، فيقدم قول منكره . اضف الى ذلك كله
ما يأتي في كتاب القضاء
من ان التحالف في الموارد التي يكون كل من طرفي المنازعة
مدعيا ومنكرا لا دليل
عليه ، فان ظاهر دليل الحلف هو الحلف فيما اذا كان منكرا
محضا ، راجع ما ذكرناه .
فالمتحصل مما ذكرناه انه يقدم قول المالك ، ويثبت بيمينه
ما يدعيه لا اجرة
المثل ولا الاقل .
( و ) لو اختلفا في السعي بان قال المالك : حصل في يدك قبل
الجعل فلا جعل
لك ، وقال العامل : قد حصل في يدي بعده ، قالوا : فالقول
قول المالك من ( عدم
السعي ) وهذا يتم على القول بوجوب رد المال الى صاحبه
اذا وقع في يد الغير ، وعدم
جواز الجعل على الواجب ، فان المالك حينئذ يدعي عدم
الاستحقاق والاصل معه ،
وحيث عرفت جواز الجعل على الواجب فيسقط ذلك ، والله
العالم .
] الفصل الرابع : في السبق والرماية ]
( الفصل الرابع : في السبق والرماية ) والسبق - بسكون
الباء - مصدر لكلمة
سبقه الى كذا ، اي تقدمه وغلبه على كذا ، وعن الصحاح انه
مصدر سابق ، قال في
المسالك : وكلاهما صحيح ، الا ان الثاني اوفق بالمطلوب ،
لان الواقع في معاملته كون
العمل بين اثنين فصاعدا ، فباب المفاعلة به اولى .
واما السبق - بالتحريك - فهو العوض المبذول للسابق وما
في معناه ، ويقال له
الخطر .
والمسابقة عرفا هي اجراء الخيل وشبهها في حلبة السباق ،
ليعلم الاجود منها
والافرس من الرجال والمتسابقين .
والرماية عرفا هي المناضلة بالسهام مثلا ، ليعلم حذق الرامي
ومعرفته بمواقع
الرمى .
ومستند شرعيتهما ، مضافا الى اجماع الامة المحكي مستفيضا :
من الكتاب قوله تعالى ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة
ومن رباط الخيل
ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ( 1 ) وفي المرفوع لعبد
الله بن المغيرة - الذي هو من
اصحاب الاجماع - في تفسيره عن النبي صلى الله عليه وآله
انه الرمي ( 2 ) . وقوله تعالى
حكاية عن اخوة يوسف ( يا ابانا انا ذهبنا نستبق وتركنا
يوسف عند متاعنا ) ( 3 )
..............................................................................
( 1 ) سورة الانفال آية 60 .
( 2 ) الوسائل باب 2 - من ابواب كتاب السبق والرماية حديث 3 .
( 3 ) سورة يوسف آية 18 . ( * )
[ . . . ]
فانه ظاهر في مشروعية السباق في الجملة ، والاصل بقائها
ما لم يعلم النسخ ، فتأمل
فانه ليس في شئ من الآيتين ما يشهد بكون المعاملة
المزبورة مشروعة .
ومن السنة نصوص مستفيضة ستمر عليك جملة منها في طي
المسائل الآتية .
وفائدتهما بعث النفس على الاستعداد للقتال والهداية
لممارسة النضال ، وهي من
اهم الفوائد الدينية في الجهاد للاعداء الذي هو معظم
اركان الاسلام .
وتحقيق هذا الفصل يستدعي البحث في موضعين :
الاول : في حكم المسابقة .
الثاني : في المعاملة عليها .
والمقصود الاصلي في هذا الفصل وان كان هو الثاني ولذا لم
يتعرض المصنف ره
لغيره ، الا انه لا بأس مقدمة له من بيان الحكم في
الموضع الاول ، نظرا الى شيوع
المباراة باقسامها المختلفة في هذا العصر .
اما الموضع الاول فالكلام فيه في موردين :
الاول : في الرياضة البدنية ، لا اشكال في ان ما كان
منها مؤديا الى الضرر على
النفس بالهلاكة او هلاكة عضو من الاعضاء تكون حراما ،
لان دفع الضرر واجب
عقلا وشرعا . وما كان منها موجبا لقوة الجسم او الروح او
قوة الامة الاسلامية حسن
ومطلوب ، فان الشريعة المقدسة تطلب كثرة قوية ، ولذلك
عنيت بكل ما يكفل
للانسان قوة الجسم وقوة الروح وقوة المجتمع ، لاحظ
الاخبار الواردة في بيان حكمة
العبادات ، والواردة في بيان حكمة حرمة جملة من المحرمات
وكراهة المكروهات ، وما
[ . . . ]
ورد في تفسير الآية المتقدمة ( واعدوا لهم ) . . . الخ
الى غير تلكم من الآثار . وعلى
الجملة ان سعادة الانسان وهي بلوغه منتهى كماله وغاية
فعليته بحسب نوعه معقودة
بقوة جسمه وروحه ، ومن الواضح ان للرياضية البدنية
والروحية اثرا عظيما في ذلك .
واما الرياضات التي لا تترتب عليها هذه الغايات ولا تكون مضرة ففيها
خلاف ، والحق ان يقال ان تلك الرياضات على اقسام :
الاول : الفعل لغاية الالتذاذ بلا قصد غاية اخرى ، ويعبر
عنه باللعب .
الثاني : الفعل الخالي عن الغاية ، ويعبر عنه باللغو .
الثالث : الفعل الموجب لاشتغال النفس باللذائد الشهوية
بلا قصد غاية ،
ويعبر عنه باللهو .
وقد مر في المكاسب المحرمة تفصيل القول في كل واحد من
هذه الثلاثة ، وبينا
هناك ان جميع تلكم جائزة وليس شئ منها محرما .
الثاني : في انه في الافعال الجائزة - كرمي الحجارة ،
والسير مع السفينة او
الطيارة ، وما شاكل - هل تجوز المباراة والمغالبة بغير
عوض ، ام لا ؟ وملخص القول
فيه : انه لا اشكال في جواز المسابقة في بعض الافعال ،
انما الكلام في غير ما نص على
الجواز فيه ، كالمصارعة ، والمباراة على المراكب والسفن
والبقر والكلاب والطيور ، ورمي
البنادق ، والوقوف على رجل واحدة ، وحفظ الاخبار
والاشعار ، والجرى على الاقدام ،
وحمل الاثقال ، وما شاكل .
وقد استدل لعدم الجواز بوجوه :
[ . . . ]
الاول : خبر عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه
السلام : لا سبق الا في
خف او حافر او نصل ، يعني
النضال ( 1 ) بتقريب ان السبق - بسكون الباء - مصدر
لكلمة سبقه الى كذا ، اي تقدمه وغلبه على كذا ، فالمراد
من نفيه نفي المشروعية ،
ومقتضى اطلاقه عدم مشروعية المسابقة بغير رهان .
وفيه : اولا : ان الخبر ضعيف لمعلى بن محمد ، فتأمل فانه
من مشايخ الاجازة .
وثانيا : انه لم يثبت كون السبق بسكون الباء ، ومن
المحتمل ان يكون بفتحها ،
بل عن الشهيد ره انه المشهور ، والسبق بالفتح هو العوض ،
ونفيه ظاهر في فساد
المراهنة ، لظهوره في نفي استحقاقه ، فلا يصح الاستدلال
به للاجمال .
الثاني : اطلاق ادلة القمار ، لانه مطلق المغالبة ولو بدون العوض .
وفيه : ان القمار لا يصدق بدون الرهان والعوض .
الثالث : ما دل على حرمة اللهو .
وفيه : اولا : ما تقدم من ان اللهو بقول مطلق لا دليل
على حرمته .
وثانيا : ان المسابقة اذا كانت لغرض عقلائي لا تكون لهوا .
فالمتحصل انه لا دليل على حرمتها ، والاصل يقتضي الجواز
، مع انه يدل على .
جوازها - مضافا الى الاصل - السيرة القطعية القائمة من
المسلمين على المباراة في
عدة امور كالسباحة والمصارعة والمكاتبة والمشاعرة وغيرها
، وما ورد من مصارعة
الحسنين عليهما السلام بامر النبي صلى الله عليه وآله
ومكاتبتهما والتقاطهما حب قلادة
امهما ( 2 ) .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب السبق والرماية حديث 2 .
( 2 ) المستدرك باب 4 من ابواب السبق والرماية . ( * )
[ . . . ]
الموضع الثاني : في المعاملة على المسابقة ، اي المباراة
مع العوض بغير آلات
القمار ، فلا بد أولا من تأسيس الاصل حتى يكون هو المرجع
عند عدم الدليل الخاص ،
وقد يقال ان الاصل هو الجواز وصحة المعاملة الواقعة
عليها . واستدل له بوجوه :
1.
الآية
الشريفة حكاية عن اخوة يوسف عليه السلام : ( يا ابانا انا ذهبنا
نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا ) ( 1 ) بدعوى انها تدل
على مشروعية السباق في
شرعهم ، ويشك في رفع المشروعية ونسخها ، والاصل بقائها .
وفيه : اولا : انه يتوقف على عدم ورود منع من الشارع
الاقدس ولو بنحو
العموم ، والا فمع وجود الدليل لا يرجع الى الاصل ،
وستعرف وجوده .
وثانيا : انه لا يعلم انهم كانوا بم يستبقون ، ولعله كان
بما يجوز السباق عليه
عندنا .
وثالثا : انه ليس في الآية الكريمة ما يشعر بكون سباقهم
كان مع العوض .
2.
ان مقتضى
عموم ( اوفوا بالعقود ) ( 2 ) صحة العقد على السباق بكل
شئ .
وفيه : انه يتوقف الاستدلال به على عدم ورود المنع
وستعرف وجوده ، وانه
يصدق القمار عليه الخارج عن عموم ( اوفوا بالعقود ) .
3.
ان الحكمة في
مشروعية هذه المعاملة في الموارد المنصوصة ، هي الاستعداد
..............................................................................
( 1 ) سورة يوسف آية 18 .
( 2 ) المائدة آية 2 . ( * )
[ . . . ]
للجهاد والتهيأ له وتحصيل القوة ، وعليه فتجوز المسابقة
على المراكب وآلات الحرب
الحديثة ، للعلة المشار اليها .
وفيه - مضافا الى اخصيته عن المدعي - : ان حكمة الحكم ان
ذكرت في الدليل
بصورة العلة يتعدى عنها ، فانها بحسب المتفاهم العرفي
تمام الموضوع للحكم ، فكانه
جعل الحكم اولا على ذلك العنوان العام ، والا فهي حكمة
لا يتعدى عنها ، والعبرة ،
حينئذ بالظهور اي المتبع ظهور الدليل ، فاذا فرضنا
اختصاص الدليل بالموارد الخاصة
فلا وجه للتعدي عنها .
4.
انه روي : ان
النبي صلى الله عليه وآله سابق عايشة بالقدم مرتين سبق
في احدهما وسبق في الاخرى ( 1 ) وانه صلى الله عليه وآله
صارع يزيد بن ركابة ثلاث
مرات كل مرة على شاة ، فصرع خصمه في الثلاث واخذ منه
ثلاث شياة ( 2 ) .
وفيه : انه لم يثبت شئ من ذلك من طرقنا ، ولم ترد رواية
بذلك بل الثابت
خلافه .
فتحصل انه لا دليل على الجواز ، بل يشهد لعدم الصحة
وجهان :
احدهما : صدق مفهوم القمار عليه ، فانه الرهن على اللعب
باي شئ كان ، ففي
المجمع : اصل القمار الرهن على اللعب بشئ ، وفي القاموس
: تقمره راهنه فغلبه ،
ونحوه ما عن لسان العرب ، وفي المنجد : القمار كل لعب
يشترط فيه ان يأخذ الغالب
من المغلوب شيئا كان بالورق او غيره . وهذا المفهوم يصدق
على المعاملة المفروضة في
المقام ، فتكون باطلة وما يأخذه الغالب من المغلوب حرام .
الوجه الثاني : النصوص الظاهرة في الفساد وحرمة التصرف
في الرهن ، وهي
..............................................................................
( 1- 2 ) التذكرة ج 2 ص 354 - والثاني مروي في المستدرك باب 4 من
السبق والرماية حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
طوائف من الاخبار :
منها : ما دل على نفار الملائكة عند الرهان ولعن صاحبها
، ما خلا الحافر والخف
والريش والنصل ، كخبر العلاء بن سيابة ( 1 ) ومرسل
الصدوق ( 2 ) وخبر ابي بصير ( 3 ) .
لكنها باجمعها ضعيفة سندا ، اما الاول فلابن سيابة ،
واما الثاني فللارسال ، واما الثالث
فلسعدان بن مسلم .
ومنها : خبر ياسر الخادم عن الامام الرضا عليه السلام ،
قال : سألته عن الميسر ،
قال : الثقل من كل شئ ، قال : والثقل ما يخرج بين
المتراهنين من الدراهم ( 4 ) ، ولكنه
ايضا ضعيف لياسر .
ومنها : خبر جابر عن الامام الباقر عليه السلام عن النبي
صلى الله عليه وآله
وسلم ، قيل له : ما الميسر ؟ قال عليه السلام : كل ما
تقومر به حتى الكعاب والجوز ( 5 )
وهو ايضا ضعيف السند لعمرو بن شمر .
ومنها : صحيح ابن خلاد عن ابي الحسن عليه السلام : النرد
والشطرنج
والاربعة عشرة بمنزلة واحدة ، وكل ما قومر عليه فهو ميسر
( 6 ) .
ومنها : خبر اسحق بن عمار عن الامام الصادق عليه السلام
عن الصبيان
يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون ، فقال : لا تأكل منه
فانه حرام ( 7 ) .
..............................................................................
( 1 )
الوسائل - باب 3 من ابواب السبق والرماية حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب السبق والرماية حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 2 من ابواب السبق والرماية حديث 4 .
( 4 ) الوسائل باب 104 من ابواب ما يكتسب به كتاب التجارة حديث
- 9 .
( 5 ) الوسائل باب 35 من ابواب ما يكتسب به حديث 4 .
( 6 ) الوسائل باب 104 من ابواب ما يكتسب به من التجارة حديث 1 .
( 7 ) الوسائل باب 35 من ابواب ما يكتسب به - حديث - 7 . ( * )
[ . . . ]
فالمتحصل مما ذكرناه ان المراهنة والمباراة مع العوض
فاسدة ، وما يؤخذ حرام
لا يجوز التصرف فيه .
هذا كله في الحكم الوضعي . واما حكمها التكليفي فيدل على
الحرمة ادلة
القمار ، واما سائر النصوص المتقدمة فهي ظاهرة في الحكم
الوضعي ولا نظر لها الى
الحكم التكليفي .
وقد استدل صاحب الجواهر ره لجوازها التكليفي بصحيح محمد
بن قيس عن
ابي جعفر عليه السلام : قضى امير المؤمنين عليه السلام
في رجل آكل واصحاب له شاة ،
فقال : ان أكلتموها فهي لكم ، وان لم تأكلوها فعليكم كذا
وكذا ، فقضى فيه ان ذلك
باطل لا شئ في المؤاكلة من الطعام ما قل منه وما كثر ،
ومنع عن الغرامة فيه ( 1 ) بدعوى
انه متضمن لفساد المراهنة في الطعام خاصة ، ولو كانت
محرمة لردع عنها ايضا ،
فيستكشف من عدم الردع الجواز .
وفيه : ان الظاهر كون الخبر اجنبيا عن المراهنة بالاكل ،
وانها يكون مورد الخبر
الاباحة المالكية المشروطة بالالتزام بالاعطاء لا
الاعطاء ،
فالقاعدة الاولية تقتضي فساد المعاملة وحرمتها .
الالفاظ المستعملة في هذا الباب
وقد خرج عن هذه القاعدة المعاملة على السباق في موارد
خاصة كما مر ،
وتنقيح القول فيه ببيان امور :
..............................................................................
( 1 ) الكافي ج 8 ص 424 باب نوادر القضاء الوسائل باب 5
من ابواب كتاب الجعالة . ( * )
[ . . . ]
منها : بيان الالفاظ المستعملة في هذا الباب ، وهي
السابق ، والكتد ، والمصلى ،
والسبق ، والمخلل ، والغاية ، والمناضلة ، والرشق ،
والحابي ، والخاصر ، والخازق ، والخاسق ،
والخارق ، والخارم ، والمزدلف ، والغرض ، والهدف ،
والمبادرة ، والمحاطة .
اما السابق فهو الذي يتقدم ولو بالعنق .
واما الكتد - بفتح التاء وكسرها - فهو الكاهل .
واما المصلى فهو الذي يحاذي برأسه صلوى السابق فصاعدا ،
والصلون هما
العظمان النابتان عن يمين الذنب وشماله ، والتالي للمصلى
هو الثالث ، ويليه البارع
الرابع ، ثم المرتاح وهو الخامس ، ثم الخطى وهو السادس ،
ثم العاطف ، ثم المؤمل ، ثم
اللطيم ، ثم السكيت بالتصغير .
واما السبق فقد مر في اول الفصل بيانه .
واما المخلل فهو الذي يدخل بين المتراهنين ولا يبذل
معهما عوضا ، بل يجري
فرسه بينهما او في احد الجانبين ، على وجه يتناوله العقد
على انه ان سبق بنفسه او مع
غيره اخذ العوض او بعضه على حسب الشرط ، وان لم يسبق لم
يغرم شيئا .
واما الغاية فهي منتهى السباق .
واما المناضلة فهي المسابقة والمراماة .
واما الرشق - بكسر الراء - فهو عدد ما يرمى به من السهام
، وبالفتح فهو
الرمي الذي هو المصدر .
واما الحابي فهو وما بعده من الالفاظ الخمسة من اوصاف
السهم المرامي به ،
وقد ذكر في التحرير على المحكي من أوصافه ستة عشر ، واما
اقتصرنا على الستة لعدم
فائدة معتد بها في بيانها ، بعد عدم كونها مأخوذة في
موضوعات احكام الباب . وكيف
كان ، فالحابي ما زلق على الارض ثم اصاب الغرض .
] ولا بد فيهما من ايجاب وقبول ، [
والخاصر ما اصاب احد جانبي الغرض .
والخازق ماخدش الغرض .
والخاسق ما فتحه وثبت فيه .
والخارق ما يخرج من الغرض نافذا .
والخارم هو الذي يخرم حاشية الغرض .
والمزدلف هو الذي يضرب الارض ثم يثب الى الغرض ، وظاهر
القواعد
مرادفته مع الحابي ، وعن التذكرة الفرق بينهما باعتبار
القوة في المزدلف .
واما الغرض فهو ما يقصد اصابته .
والهدف ما يجعل فيه الغرض من تراب او غيره .
واما المبادرة فهي احد قسمي المراماة ، وهي ان يبادر
احدهما الى الاصابة مع
التساوي في الرشق .
والقسم الثاني منها المحاطة ، وهي اسقاط ما تساويا فيه
من الاصابة .
( و ) منها : انه ( لابد فيهما من ايجاب وقبول ) كغيرهما
من العقود على المشهور .
وعن الشيخ والمصنف ره في المختلف ان هذا العقد جعالة ،
فلا يفتقر الى قبول . ثم انهم
اختلفوا في لزومه وجوازه ، وبعضهم بنى الخلاف في لزومه
وجوازه على انه عقد او
ايقاع ، فعلى الاول يكون لازما ، وعلى الثاني جائزا .
وبعضهم عكس ، فبنى كونه عقدا
او ايقاعا على لزومه وجوازه . ثم ان ظاهرهم ابتناء كونه
عقدا او ايقاعا على انه اجارة
او جعالة .
[ . . . ]
والحق ان يقال : انه عقد أو ايقاع مستقل لا اجارة ولا
جعالة على حسب
المتفاهم العرفي ، سيما وهو بنفسه من العقود العقلائية ،
ويعضده تخلف بعض آثاره عن
كل من الامرين ، وظاهر النافع والمختلف وغيرهما
المفروغية من ذلك ، وان التردد انما
هو في اللزوم . والجواز .
ثم ان الظاهر كونه من العقود ولا يكفي فيه الايجاب خاصة
، فان ثبوت الاثار
على الطرف الآخر بدون القبول مخالف لقاعدة السلطنة على
النفس والمال ( 1 ) . وان
شئت قلت : ان اثر ذلك والمترتب عليه عمل قائم بشخصين ،
ثم كل منهما قد يجب عليه
العوض وقد يجب له ، وثبوت جميع ذلك عليه بدون رضاه
وانشائه خلاف قاعدة
السلطنة والمعهود من الشرع .
ثم انه بعد ثبوت كونه من العقود يكفي في لزومه عموم (
اوفوا بالعقود ) ( 2 ) .
وما عن المختلف من ان المراد من الامر بالوفاء بالعقد
العمل على مقتضاه وان كان
جائزا ، وليس المراد مطلق العقود والا لوجب الوفاء
بالجائزة ، غير تام ، فان الوفاء عبارة
عن التمام او ما يقاربه ، والايفاء عبارة عن الاتمام
والانهاء ، فاذا كان العقد متعلقا
بالنتيجة لا بالفعل كان الوفاء به اتمامه ، وعدم رفع
اليد عنه بحله ونقضه .
وعليه فالامر به ان كان ارشاديا - كما هو الظاهر - كان
ارشادا الى اللزوم .
وان كان مولويا نفسيا ، فحيث ان وجوب الوفاء عدم جواز
الفسخ لو كان فانما هو
بمناط عدم ثبوت هذا الحق له ، فيكون من قبيل حرمة الظلم ، ولا يحتمل كونه محرما
بالحرمة النفسية مع ثبوت هذا الحق ، فيستكشف من عدم الحق
عدم تأثير الفسخ ،
..............................................................................
( 1 ) البحار ج 2 - ص 272 الطبع الحديث .
( 2 ) سورة المائدة آية 2 . ( * )
] وانما يصحان في السهام ، والحراب ، والسيوف ، والابل ،
والفيلة ، والخيل ،
والبغال ، والحمير خاصة . [
وهذا معنى اللزوم ، مع ان الاجماع قائم على انه لو كان
حراما كان غير مؤثر . وبالجملة
فدلالة الآية الكريمة على اللزوم لا تنكر ، وخروج بعض
العقود عن تحتها لدليل
خاص لا يوجب خللا في عمومها لغير ما علم بخروجه ، اذ
العام حجة فيما بقى من
الافراد غير الفرد الخارج عن تحته . ويمكن ان يستدل
للزومه بالاستصحاب ايضا
بالتقريب المتقدم في كتاب البيع .
فالمتحصل انه من العقود اللازمة ، وحينئذ فما ذكرناه في كتاب
البيع والاجارة
من القيود المعتبرة في العقد والعاقد تجري هنا ، كما ان
ما اثبتنا عدم اعتباره من العربية
والماضوية والقول وما شاكل لا يكون معتبرا فيه ، فلا
نطيل المقام بذكر تلك الامور .
ومنها : بيان ما يسابق به ، قال قده : ( وانما يصحان في
السهام ، والحراب ،
والسيوف ، والابل ، والفيلة ، والخيل ، والبغال ،
والحمير خاصة ) ، والصحة في جملة
من ما افاده متفق عليها ، وفي جملة منها الخلاف .
والتحقيق يقتضي ان يقال : ان النصوص تضمنت جواز السباق
والمعاملة عليه
في النصل والخف والحافر ، لاحظ خبر عبد الله بن سنان عن
مولانا الصادق عليه
السلام : لا سبق الا في خف او حافر او نصل ، يعني النضال
( 1 ) .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب السبق والرماية - حديث 2 - ( * )
[ . . . ]
وما دل على نفار الملائكة عند الرهان ولعن صاحبها ، ما
خلا الحافر والخف
والريش والنصل ، كخبر العلا بن سيابة ( 1 ) ومرسل الصدوق ( 2 )
وخبر ابي بصير ( 3 ) .
وما تضمن ان رسول الله صلى الله عليه وآله اجرى الخيل
التي اضمرت من
الحصى - وفي بعض النسخ من الحفى - الى مسجد بنى زريق ،
وسبقها من ثلاث
نخلات ، فاعطى السابق عذقا ، واعطى المصلى عذقا ، واعطى
الثالث عذقا ( 4 ) .
وما دل على انه اجرى الخيل وجعل سبقها اواقي فضة ( 5 )
وقريب منها غيرها .
وهذه النصوص على طوايف :
منها : ما تضمن فعله ( ص ) ، وهو مختص بالخيل ولا اطلاق
له ، ومثله الصحيح
المتضمن ان مولانا عليه السلام كان يحضر الرمي والرهانة
( 6 ) .
ومنها : ما تضمن الحصر في الثلاثة ، وهي وان كانت جملة
منها ضعيفة السند ، الا
ان فيها الصحيح وغيره مضافا الى انجبار ضعف السند بالعمل .
ومنها : ما اضاف اليها الريش ، وهي باجمعها ضعيفة السند
، مع ان الريش
يحتمل ان يكون المراد منه السهم ذي الريش ، وليس في عطفه
على النصل في احد
الخبرين دلالة على التغاير بينهما ، بعد احتمال كونه من
قبيل عطف المرادف او الخاص
على العام .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب السبق والرماية حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 1 من ابواب كتاب السبق والرماية حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب السبق والرماية حديث 4 .
( 4 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب السبق والرماية حديث 1 .
( 5 ) الوسائل باب 4 - من ابواب كتاب السبق والرماية حديث 2 .
( 6 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب السبق والرماية - حديث 4 . ( * )
] ويجوز ان يكون العوض دينا وعينا ، وان يبذله اجنبي
، [
وفي المقام اخبار اخر استدل بها صاحب الحدائق على اضافة الطيور
الى
الثلاثة ، لكنها ضعيفة السند ، غير منجبرة بالعمل ،
وقاصرة الدلالة من جهة احتمال
ارادة اللعب بها بلا مسابقة ، مع ان فيها الحمام ومن
المحتمل ارادة الخيل منه ، بل قيل
انه المتعارف في لسان اهل المدينة ، ويعضده الاستدلال له
في خبره بالنبوي المتضمن
لاجراء الخيل ( 1 ) . فالمتحصل انه لا يجوز ذلك الا في
ثلاثة :
النصل الشامل للسهام ، والحراب جمع حربة وهي الآلة ،
والسيف ، وربما زيد
النشاب . وهل يدخل فيه الدبوس والعصا والمرافق اذا جعل
في رأسها حديدة ؟ فيه
اشكال .
والخف ، ويدخل تحته الابل والفيلة .
والحافر ، ويدخل تحته الخيل والبغال والحمير .
( و ) منها : بيان العوض وما يعتبر فيه . ( يجوز ان يكون
العوض دينا وعينا )
حالا او مؤجلا بلاخلاف ، للاصل ، والعمومات . ( وان
يبذله اجنبي ) اجماعا لذلك ،
وللعمومات والاصل ، بل يثاب الاجنبي عليه مع نيته ، لانه
بذل في طاعة وقربة
ومصلحة للمسلمين ، فهو نظير ما لو اشترى لهم خيلا وسلاحا
وغيرهما مما فيه اعانتهم
على الجهاد . ودعوى ان مقتضى المعاوضة خروج العوض عن كيس
من هو طرف
المعاوضة ، مندفعة بعدم كونه من المعاوضات المصطلحة ، مع
انه قد عرفت في كتاب البيع
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب السبق والرماية حديث
3 . ( * )
] أو احدهما ، او من بيت المال ، وجعله للسابق منهما ، او
للمحلل ، وليس المحلل
شرطا . ولابد في المسابقة من ]
جواز كون العوض من غير كيس من دخل في كيسه المعوض .
وبالجملة فيجوز بذل الاجنبي ، كما يجوز بذلهما ( او
احدهما او من بيت المال ) .
ودعوى انه مع بذل احدهما بان يقول لصاحبه : ان سبقت فلك
عشرة وان سبقت انا
فلا شئ عليك ، يكون قمارا ، مندفعة بان كونه قمارا لا
يختص بهذه الصورة بل يعم
جميع صور البذل ، والمستند في جوازه النصوص الخاصة وبها
يقيد اطلاق ادلة القمار .
( و ) يجوز ( جعله للسابق منهما او للمحلل ) ان سبق ، بلا
خلاف ، للعمومات
والاصل . وفي الرياض : قيل لا لاجنبي ، ولا للمسبوق
منهما ومن المحلل ، ولا جعل
القسط الاوفر للمتأخر او المصلى والاقل للسابق ، لمنافاة
ذلك كله للغرض الاقصى
من شرعيته ، وهو الحث على السبق والتمرن عليه .
( وليس المحلل شرطا ) عندنا ، للاصل ، والاجماع ، وشمول ما
دل على الجواز
للعقد الخالي عنه . وعن ابن الجنيد لا يجوز الا بالمحلل
، ومستنده رواية ( 1 ) عامية عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وسندها ضعيف ، ودلالتها
قاصرة ، والاصحاب اعرضوا
عنها .
ومنها : في شرائط المسابقة والمراماة . اما الاولى
فلاخلاف ( و ) لا اشكال في انه
( لابد في المسابقة من ) امور ، ذكر الماتن هنا جملة منها
، وانهاها الى اثني عشر في
..............................................................................
( 1 ) التذكرة ج 2 ص 355 . ( * )
] تقدير المسافة والعوض ، وتعيين الدابة ، وتساويهما في
احتمال السبق . [
التذكرة .
الاول : ( تقدير المسافة ) التي يستبقان فيها ، وتعيينها
ابتداء وانتهاء ، لاختلاف
الاغراض في ذلك اختلافا بينا ، فيلزم من عدم التقدير
الغرر وقد نهي عنه ( 1 ) . ودعوى
انها جعالة فلا يعتبر فيها تعيين المسافة كما لا يعتبر
في الجعالة ، مندفعة بما مر من انها
عقد مستقل .
( و ) الثاني : ( تعيين العوض ) للغرر في المجهول ، واثارة
النزاع .
( و ) الثالث : ( تعيين الدابة التي يسابق عليها من فرس
وبعير وغيرهما
بالمشاهدة ، فلا يكفي الاطلاق ، ولا التعيين بالوصف ،
لاختلاف الغرض بذلك كثيرا ،
ولا يتم الغرض بالتوصيف وانما يتم بالشخص ، بخلاف نحو
السلم لان الغرض فيه
متعلق بالكلي .
( و ) الرابع : ( تساويهما في احتمال السبق ) بمعنى احتمال
كل منهما ان يسبق
الاخر ، فلو علم قصور احدهما بطل ، لانتفاء الفائدة .
هذه هي الشروط التي ذكرها المصنف ره هنا ، واما ما اضافه
في التذكرة فهي
ثمانية .
الاول : جعل السبق لاحدهما او للمحلل ، فلو جعله للاجنبي
بطل ، وقد مر
الكلام فيه .
الثاني : تساوي الدابتين في الجنس ، فلا يجوز المسابقة
بين الخيل والبغال .
الثالث : ارسال الدابتين دفعة ، فلو ارسل احدهما دابة
قبل الاخر ليعلم هل
يدركه ام لا لم يصح .
..............................................................................
( 1 ) التذكرة ج 1 ص 466 . ( * )
] ويفتقر الرمي الى تقدير الرشق ، [
الرابع : ان يستبقا على الدابتين بالركوب ، فلو شرطا
ارسالهما ليجريا بانفسهما
لم يجز .
الخامس : ان يجعلا المسافة بحيث يحتمل الفرسان قطعها ولا
ينقطعان دونها .
السادس : ان يكون ما ورد عليه العقد عدة للقتال ، فلا يجوز السبق والرمي
من النساء .
السابع : العقد المشتمل على اركانه المعتبرة فيه .
الثامن : عدم تضمن العقد الشرط الفاسد .
اما اعتبار الاخير فهو متوقف على مبطلية الشرط الفاسد ،
وقد مر في محله عدم
مبطليته للعقد ، واما ما قبله فقد مر الكلام فيه ، وكذا
في الاول منها ، واما الخمسة الباقية
فدليل اعتبارها : اما لزوم الغرر مع عدمها كما في بعضها
، واما المنافاة للغرض من هذه
المعاملة ، واما الاجماع .
( و ) اما الثانية : فالمشهور بين الاصحاب انه ( يفتقر
الرمي الى ) شروط :
الاول : ( تقدير الرشق ) اي عدد الرمي ، واستدل له في
المسالك بانه العمل
المقصود المعقود عليه ، ليكون غاية رميها معلومة منتهية
اليه ، فلو لم يعين أمكن ان
يطلب المسبوق الرمي بمقتضى العقد ، فيلحق او يسبق ويمتنع
الاخر فيحصل
التنازع .
والاولى ان يستدل له بلزوم الغرر من عدم تقديره .
والوجهان يختصان
بالمحاطة ، واما المبادرة فلا يجريان فيها ، لان
الاستحقاق فيها يتعلق بالبدار الى اصابة
] وعدد الاصابة ، وصفتها ، وقدر المسافة ، والغرض ، والعوض ،
وتماثل جنس
الآلة . ولا يشترط تعيين السهم ولا القوس . [
العدد المعتبر حيث اتفق ، ولا يجب اكمال العدد المشروط ، فلا حاجة الى
تعيينه .
( و ) الثاني : تقدير ( عدد الاصابة ) ، كخمس من عشرين
رمية ، واستدلوا له بان
الاستحقاق انما يحصل بالاصابة ، وبها يحصل معرفة جودة
الرمية ومعرفة الناضل من
المنضول . وتأمل فيه الفاضل الخراساني ، لجواز حصول
معرفة الاصابة بكونه اكثر
اصابة في العدد المشترط او غير ذلك ، وهو حسن ، لولا
لزوم الغرر ، واجماع الاصحاب
على اعتباره .
( و ) الثالث : تعيين ( صفتها ) من المارق والخاسق وما
شاكل ، للغرر مع عدمه .
( و ) الرابع : تشيص ( قدر المسافة ) التي يرميان فيها
بالمشاهدة او ذكر
المساحة ، الا ان تكون هناك عادة ينصرف اليها الاطلاق ،
قيل لاختلاف الاصابة
بالقرب والبعد .
( و ) الخامس : تعيين ( الغرض ) ، لاختلافه بالسعة والضيق .
( و ) السادس : تعيين ( العوض ) ، وقد مر الكلام فيه .
( و ) السابع : ( تماثل جنس الآلة ) من كون القوس مثلا
عربيا او فارسيا ،
والكلام فيه هو الكلام في تماثل حيوان السبق .
( ولا يشترط تعيين ) شخص ( السهم ولا القوس ) ، لاطلاق
الادلة ، وعدم ما
يوجب اشتراطه . وعن التذكرة : لو عينه لم يتعين ، ويفسد
العقد بذلك ، كما في كل شرط
فاسد .
وفيه : اولا : ان الشرط المزبور ليس مخالفا للكتاب والسنة ولا
لمقتضى العقد ،
فيصح ويكون لازم الوفاء .
وثاينا : ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد .
] ولو قالا : من سبق منا ومن المحلل فله العوضان ، فمن سبق
من الثلاثة
فهماله ، فان سبقا فلكل ماله وان سبق احدهما والمحلل
فللسابق ماله
ونصف الآخر والباقي للمحلل . ولو فسد العقد فلا اجرة [
ومنها : في الاحكام ، ( و ) تفصيل القول فيها في طي
مسائل :
الاولى : ( لو ) كان المتراهنان اثنين ، واخرج كل واحد
منهما عوضا وادخلا محللا ،
و ( قالا من سبق منا ) اي من المتراهنين ( ومن المحلل
فله العوضان ، فمن سبق من
الثلاثة فهما له ) بلا خلاف ولا اشكال ، بناء على ما
قدمناه من جواز جميع صور بذل
العوض . وحينئذ ( فان سبقا ) اي سبق المستبقان ( فلكل )
واحد منهما ( ماله ) ، لانه
جعل العوض لمن سبق ولم يسبق احد في الفرض ، وبه يندفع
الايراد عليه بانه - على
ما ذكر سابقا - يشتركان في المالين ، لا انه يكون لكل
واحد منهما مال نفسه . ( و ) كذا
الحال ( ان سبق احدهما والمحلل فللسابق ماله ) ، لانه لم
يسبقه احد ( ونصف الآخر
و ) النصف ( الباقي للمحلل ) ، لاشتراكهما في صفة السبق
له .
الثانية : ( ولو فسد العقد ) وركض المتسابقان على فساده
، وسبق الذي لو
صحت المسابقة لاستحق السبق المشروط ، ( ف ) عن الشيخ وفي
الشرايع والمتن انه
( لا اجرة ) له ، لا المسماة ولا اجرة المثل ، اما عدم
استحقاقه الاجر المسمى فلفساد
العقد ، واما عدم استحقاقه اجرة المثل فلانه لم يعمل له
ولا استوفى منفعة عمله ، لان
نفع سبقه راجع اليه فلا شئ يوجب الضمان . هكذا استدلوا
لعدم الضمان .
ولكن يمكن ان يقال : ان قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده مقتض
للضمان ، ولذا حكي عن القواعد والتذكرة وجامع المقاصد
القول به .
فان قيل : ان القاعدة بكليتها لا مدرك لها ، وحيث ان
شيئا من القواعد الموجبة
] ولو كان العوض مستحقا فعلى الباذل مثله او قيمته ويحصل
السبق بالتقدم
بالعنق والكتد ، [
للضمان لا تكون متحققة هنا ، ولا اجماع ، فلا ضمان كما
افاده الشهيد الثاني .
قلنا : ان القاعدة بنفسها مجمع عليها ، والاجماع عليها
من قبيل الاجماع على
القاعدة ، فلا حاجة الى ثبوت الاجماع في كل مورد شخصي ،
فتأمل .
الثالثة : ( ولو كان العوض مستحقا ، فعلى الباذل مثله او
قيمته ) ، كما هو
المشهور بين الاصحاب ، بل ظاهرهم عدم الخلاف فيه .
واستدلوا له بان العقد صحيح ابتداء بالعوض المعين وانما
اتفق تزلزله موقوفا
على اجازة المالك ، فقد تشخص العوض المعين للعقد ، فاذا
طرأ زوال ذلك العوض
لعدم اجازة المالك وجب الرجوع الى اقرب شئ اليه ، وهو
مثله ان كان مثليا ، وقيمته
ان كان قيميا .
وفيه : ان العقد لم يقع صحيحا ابتداء بل كان يتخيل صحته
، فلم يتشخص
العوض المعين للعقد ، لفرض انه مال الغير فهو باطل مع
عدم اجازة المالك ، فيلحقه
حكم الفاسد المتقدم .
ويمكن ان يقال : انه على القول بالضمان في الصورة
السابقة في هذه الصورة ،
اذا كانت اجرة المثل اقل من المسماة فقد التزم السابق في
ضمن العقد بعدم استحقاق
الزايد عليها بالالتزام الضمني الارتكازي وان كانت اكثر
فقد التزم ببراءة ذمته من
الزيادة ، وعليه فيستحق المثل او القيمة ، والله العالم .
الرابعة : ( ويحصل السبق بالتقدم بالعنق والكتد ) ، كما
هو المشهور ، وعن
الاسكافي حصوله باذنه .
واستدل للثاني بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
بعثت والساعة كفرسي
] ولا يشترط ذكر المحاطة والمبادرة [
رهان ، كاد احدهما ان يسبق الآخر باذنه ( 1 ) .
وفيه : انه لا اشكال في صدق السبق بالاذن على ما لو حصل
السبق باذنه ، انما
الكلام في ما اذا اطلقا السبق ، وان السبق بقول مطلق هل
يصدق على السبق بالاذن
ام لا ؟ فالخبر اجنبي عن ذلك
والحق عدم تمامية شئ من القولين باطلاقه ، والمتعين
ايكال ذلك الى العرف ،
كما هو الشأن في كل مفهوم وفع في الدليل ولم يفسر ، فان
كان والا فلا بد من التقييد
لرفع الغرر والنزاع .
( و ) الخامسة : ( لا يشترط ذكر ) احد قسمي المراماة
وتعيينه ، وهما ( المحاطة
والمبادرة ) مع وجود القرينة من العرف او العادة على
تعيين احدهما ، كما عن المصنف
ره في اكثر كتبه والروضتين وغيرها . واما مع عدم وجودها
، فالاظهر لزوم التعيين ،
لمخالفة حكم كل منهما لحكم الآخر وتفاوت الاغراض ، فان
من الرماة من يكثر
اصابته في الابتداء ويقل في الانتهاء ، ومنهم من هو
بالعكس ، فدفعا للغرر لابد من
التعيين .
ولعله يكون منشأ الاختلاف في المقام انه مع الاطلاق هل
ينصرف الى احد
القسمين ام لا ؟ والقائلون بعدم لزوم التعيين نظرهم الى
الانصراف ، والقائلون بلزومه
- كالشيخ في المبسوط ، والمصنف ره في التذكرة ، وغيرهما في
غيرها - بنائهم على الثاني ،
والا فلا أظن الخلاف في الحكم الكلي ، والله العالم .
..............................................................................
( 1 ) التذكرة ج 2 - ص 360 . ( * )
] الفصل الخامس : في الشركة [
والنظر فيه يقع في مواضع :
الاول : في حقيقة الشركة ، وماهيتها ، واقسامها . وهي
قسمان :
احدهما : ما فسروه بكون شئ واحد لاثنين او ازيد ، ملكا
او حقا .
ثانيهما : العقد الذي ينشأ به التشريك في المال على سبيل
الشياع فيه ، ويقال
لهذه الشركة الشركة العقدية .
وقد يقال ان الشركة العقدية التي مفادها التشريك بين
الشريكين في ماليهما
لا معنى لها ، لان ظاهرهم الاجماع على اعتبار الامتزاج
بين المالين قبل العقد او حاله
او بعده ، فلا معنى لانشاء التشريك بالعقد ، لان
الامتزاج بنفسه يقتضي ذلك ، فلذا
انكر بعضهم كون الشركة من العقود .
وقال في المسالك : انها عقد ، ثمرته جواز تصرف الملاك
لشئ واحد على سبيل
الشياع فيه .
واجاب عنه صاحب الجواهر ره بان الشركة الحاصلة من
الامتزاج شركة
ظاهرية ، والا ففي الواقع كل من الشريكين يملك جزئه
المعين وان لم يتميز ، والشركة
المنشأة بالعقد شركة واقعية ، فيملك به كل من الشريكين
جزء مشاعا في المجموع
بلا تعيين اصلا .
وفيه : اولا : ان الشركة الظاهرية لا تتصور في بعض
الموارد ، كما لو امتزج
المالان بنحو تبدلا الى حقيقة ثالثة عرفا .
وثانيا : ان لازم ما افاده قده اجتماع ملكيتين في شئ
واحد ، احدهما قائمة
[ . . . ]
بالجزء المشاع ، والاخرى قائمة بالمعين ، وهو غير معقول .
وثالثا : ان ما افاده خلاف ظاهر الاجماعات على تحقق
الشركة بالمزج على نحو
تحققها بالعقد .
والحق ان يقال : ان الامتزاج المعتبر اجماعا في الشركة
العقدية ليس هو
الامتزاج الموجب للشركة الواقعية ، بل لو امتزج نوع من
الحنطة بنوع آخر او امتزج
النقود كفى ، ومن الواضح ان الامتزاج المزبور لا يوجب
الشركة كما سيمر عليك ،
وايضا انهم لم يعتبروا الامتزاج السابق بل قالوا بكفاية
الامتزاج اللاحق ، فمع اللحوق
يكون السبب هو العقد والامتزاج شرطا .
ثم ان للقسم الاول اقساما : اذ قد تكون الشركة واقعية
قهرية كما في المال
الموروث ، وقد تكون واقعية اختيارية من غير استناد الى
عقد كما اذا احيى شخصان
ارضا مواتا بالاشتراك او حفرا بئرا او ما شاكل .
واضاف في العروة اليهما قسمان آخران ، وهما : الظاهرية
القهرية كما اذا امتزج
مالهما من دون اختيارهما ولو بفعل اجنبي بحيث لا يتميز
احدهما من الاخر ،
والظاهرية الاختيارية كما اذا مزجا باختيارهما لا بقصد
الشركة .
ولكن الشركة الظاهرية لا دليل عليها ، بل في موارد
الامتزاج ان كان المالان بعد المزج يعدان بنطر العرف
شيئا واحدا - كما لو خلط الخل
بالدبس - كانت الشركة واقعية والا فلا شركة .
وايضا للقسم الثاني - وهو الشركة المنشأة بالعقد - قسمان :
احدهما : الشركة المنشأة بتشريك احدهما الاخر في ماله ،
كما اذا اشترى شيئا
فطلب منه شخص ان يشركه فيه ، ويسمى عندهم بالتشريك .
الثاني : الشركة المنشأة بتشريك كل منهما الاخر في ماله
، ويختص هذا باسم
] انما تصح في الاموال دون الاعمال [
الشركة العقدية ومعدود من العقود .
ثم المال المشترك قد يكون عينا كما هو ظاهر ، وقد يكون
منفعة بالاجارة
وشبهها او بالارث ، وقد يكون حقا كحق الشفعة والخيار
الموروثين .
ثم ان كيفية الشركة قد تكون بنحو الاشاعة كما هو ظاهر ،
وقد تكون بنحو
الكلي في المعين - كما لو باع ثمرات اشجار واستثنى
ارطالا - فان الحق ان كلا منهما
يملك حصته بنحو الكلي في المعين .
واضاف في العروة اليهما بقوله : وقد تكون على وجه يكون
كل من الشريكين
او الشركاء مستقلا في التصرف ، كما في شركة الفقراء في
الزكاة ، والسادة في الخمس ،
انتهى . وفيه : ان هذا ليس من الشركة في المال بل يكون المالك هو الكلي ، كما
مر
تفصيل القول في ذلك في كتاب الزكاة .
واما الدليل على مشروعية العقد المنشأ به الشركة -
فمضافا الى بناء العقلاء
- بضميمة عدم الردع ، العمومات العامة الدالة على امضاء كل
عقد ، ونصوص خاصة
ستمر عليك . واما الشركة في القسم الاول ، فوجهها ظاهر
لا يحتاج الى بيان .
الموضع الثاني : في مورد الشركة :
( انما تصح ) الشركة العقدية ( في الاموال ) بل الاعيان ،
( دون ) الديون و
( الاعمال ) . فلو كان لكل منهما دين على شخص ، فأوقعا
العقد على كون كل منهما
بينهما لم تصح ، لان من شرائط الشركة العقدية الامتزاج
اجماعا ، وهو منتف فيها . وبه
يظهر مدرك عدم صحة الشركة في المنافع ، بان كان لكل
منهما دار مثلا واوقعا العقد على
] فلكل اجرة عمله ، [
ان تكون منفعة كل منهما بينهما بالنصف . ولو ارادا
الاشتراك في الموردين صالح احدهما
الآخر نصف منفعة داره بدينار مثلا ، وصالحه الآخر نصف
منفعة داره بذلك الدينار ، او
صالح احدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الاخر
، وكذا في الدين .
ولا تصح الشركة بالاعمال - كالخياطة والنساجة - بلا خلاف
معتد به اجده فيه
بيننا ، بل الاجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما
مستفيض او متواتر ، كذا في الجواهر .
واستدل له في الجواهر بالاصل السالم عن معارضة ( اوفوا
بالعقود ) .
وفيه : ان المتيقن من النصوص الخاصة وان كان هو الشركة
في الاعيان ، فلا
دليل خاص على جواز هذا العقد في الاعمال . وما يحكى من
شركة سعد بن ابي وقاص
وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر فيما يغنمونه ، فأتى
سعد بأسيرين ولم يأتيا بشئ ،
فاقرهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشركهما جميعا (
1 ) غير ثابت ، مع انه يمكن ان
يكون ذلك في يوم بدر وغنائمه كانت للنبي صلى الله عليه
وآله على ما صرح به
المصنف ، فيمكن ان يكون ذلك منه صلى الله عليه وآله هبة
لهم ، الا ان عمومات أدلة
امضاء المعاملات كافية في الحكم بالصحة ، ومعها لا تصل
النوبة الى الاصل .
فالمتعين الاستدلال له - مضافا الى الاجماع ، اذ لم ينقل
الخلاف عن احد سوى
ابن الجنيد ، وقد يقال ان يمكن ان يكون مرادة ما لا
يخالف الاصحاب بارادة باب
المزارعة وشبهه ، فلا يكون خلاف فيه بل تتفق كلمة اهل
الحق على البطلان - بما مر
من اعتبار الامتزاج المنتفي في الفرض .
( ف ) لو عملا لشخص كان ( لكل ) منهما ( اجرة عمله ) . نعم
، لو عملا معا
لواحد مثلا باجرة ، ودفع اليهما شيئا واحدا عوضا عن
اجرتهما ، تحققت الشركة فيه ،
..............................................................................
( 1 ) التذكرة ج 2 ص 220 . ( * )
] والوجوه ، [
ولكنها ليست من شركة الاعمال ، بل هي من شركة الاموال .
ويمكن تحقق الشركة
بنحو آخر ، بان يصالح احدهما نصف منفعته المعينة بنصف
منفعة الاخر ، او يصالحه
نصف منفعته بعوض معين ، ويصالحه الآخر ايضا نصف منفعته
بذلك العوض .
( و ) لا تصح ايضا الشركة ب ( الوجوه ) باشتراك وجهين
لامال لهما بعقد لفظي
على ان يبتاع كل منهما في ذمته الى اجل ، ويكون ما
يبتاعه بينهما فيبيعانه ويؤديان
الثمن ، ويكون ما حصل من الربح بينهما .
وقيل : هي ان يبتاع وجيه في الذمة ، يفوض بيعه الى خامل
، ويشترط ان
يكون الربح بينهما .
وقيل : ان يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ، ليكون
العمل من الوجيه
والمال من الخامل ، ويكون المال في يده ولا يسلمه الى
الوجيه والربح بينهما .
وقيل : ان يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ، ليكون
بعض الربح له .
وفي المسالك : والكل باطل عندنا خلافا لابن الجنيد ،
فانه جوزها بالمعنى
الاول .
لا اشكال في بطلان العقد المزبور ، للاجماع ، ولما مر من
فقد شرط الامتزاج
انما الكلام في انه هل يمكن القول بالشركة من جهة اخرى
ام لا ؟ الظاهر
هو ذلك في غير التفسير الثاني ، اما في التفسير الاول فلان
كلا منهما يشتري متاعا
على ان يدخل نصفه في ملكه ونصفه في ملك صاحبه بثمن في
ذمة نفسه ، وهذا البيع
صحيح على المختار من عدم اعتبار دخول المعوض في كيس من
خرج العوض عن
كيسه ، ويتبعه ان الربح بينهما . واما التفسير الثاني
فلا يحضرني الآن ما يمكن
تصحيحه به .
واما موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام عن
الرجل يشتري
] والمفاوضة . ويتحقق باستحقاق الشخصين فما زاد
عينا واحدة ، او بمزج
المتساويين بحيث يرتفع الامتياز بينهما . [
الدابة وليس عنده نقدها ، فأتى رجل من اصحابه فقال : يا
فلان انقد عني ثمن هذه
الدابة والربح بيني وبينك ، فنقد عنه فنفقت الدابة ، قال
عليه السلام : ثمنها عليهما ،
لانه لو كان ربحا فيها لكان بينهما ( 1 ) ونحوه غيره ،
فلا يدل على صحة ذلك ، بل الظاهر
من مفاد هذه النصوص تحقق الشركة في مال اشترى بثمن معين
، مثلا بقول : شركتك
فيه ، على معنى ارادة نقل نصفه مثلا اليه بنصف الثمن ،
او بقول : الربح بيني وبينك
فيه ، ونحو ذلك ، كما نبه عليه في الجواهر .
واما التفسيران الاخيران فيمكن ان يقال فيهما بتوكيل
الخامل الوجيه في البيع
والشراء بماله لهما ، ولا محذور فيه كما مر .
( و ) مما ذكرناه ظهر بطلان شركة ( المفاوضة ، و ) هي ان
يشترك اثنان او ازيد
على ان يكون كل ما يحصل لاحدهما - من ربح تجارة او زراعة
او كسب اخر ، أو ارث
او وصية ، او نحو تلكم - مشتركا بينهما ، وكذا كل غرامة
ترد على احدهما تكون عليهما .
وفي الجواهر : بل الاجماع بقسميه على فسادها . وظاهر المسالك
وجود المخالف ، قال :
وهي باطلة الا عند أبي حنيفة ومن شذ . وعن المحقق
الاردبيلي - بعد ما نقل عن
المصنف ره ان شركة المفاوضة عندنا باطلة - قال : وليس
لها اصل ؟
وأيضا ظهر ان الشركة ( تتحقق باستحقاق الشخصين فما زاد
عينا واحدة )
بارث وما شاكل ، ( وبمزج المتساويين بحيث يرتفع الامتياز
بينهما ) .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب الشركة حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
الثالث : في شرائط الشركة العقدية . يشترط فيها امور :
1.
الايجاب
والقبول ، والكلام فيهما وفيما يعتبر فيهما هو الكلام في العقد في
سائر الابواب - كالبيع والاجارة وما شاكل - فيعتبر ان
يكونا مبرزين للشركة المنشأة ،
ولا تعتبر العربية ولا الماضوية بل لا يعتبر اللفظ ،
وتتحقق بالفعل ايضا وبالمركب من
القول والفعل .
2.
البلوغ .
3.
العقل .
ويشهد لاعتبارهما ما دل على رفع القلم عنهما ( 1 ) وغيره
مما دل على اعتبارهما
في البايع والمشتري والمؤجر والمستأجر .
4.
الاختيار ،
لا تصح الشركة مع اكراه احدهما أو هما معا ، لحديث رفع ما
استكره عليه ( 2 ) .
5.
عدم الحجر ،
لادلته ( 3 ) .
6.
امتزاج المالين
سابقا على العقد أو لاحقا ، بحيث لا يتميز احدهما من
الآخر - من النقود كانا او من العروض - ولا دليل له سوى
الاجماع والمتيقن منه
ذلك . واما اعتبار الاتحاد في الجنس والوصف فلا دليل
عليه ، لعدم الاجماع عليه ، بل
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث 11 -
وباب 36 من القصاص في النفس .
( 2 ) الوسائل باب 56 - من ابواب جهاد النفس .
( 3 ) الوسائل باب 6 من ابواب الحجر . ( * )
] ولكل منهما في الربح والخسران بقدر ماله ولو اشترطا
التساوي مع اختلاف
المالين ، او بالعكس ، جاز [
قد يقال بكفاية امتزاج الحنطة بالشعير ، لان المتيقن من
الاجماع غير هذه الصورة ،
فتكون داخلة تحت عمومات ادلة الامضاء ، وهو متين .
بقى في المقام فرعان :
احدهما : انه لاخلاف ولا اشكال في انه يتساوى الشريكان
في الربح
والخسران ، ( و ) ان ( لكل منهما في الربح والخسران بقدر
ماله ) . فلو تساويا في المال
المشترك تساويا في الربح والخسران ، ولو كان لاحدهما
زيادة كان له من الربح بقدر
رأس ماله ، وكذا عليه من الخسارة ، بلا خلاف في شئ من
ذلك ، مع اتفاقهما في العمل
او اختلافهما فيه ، بل الاجماع بقسميه عليه ، والسنة
مستفيضة او متواترة فيه ، مضافا
الى اقتضاء اصول المذهب وقواعده في المشاع ذلك ، بل هو
مقتضى الاصول العقلية
ايضا ، كذا في الجواهر .
( و ) انما الخلاف فيما لو اشترطا في العقد غير ذلك .
وملخص القول فيه : انه
تارة يشترطان التساوي مع اختلاف المالين ، واخرى يشترطان
الاختلاف مع تساوي
المالين ، وثالثة يشترطان كون تمام الربح لاحدهما ،
ورابعة يشترطان كون تمام الخسران
عليه ، وخامسة يشترطان كون تمام الربح لاحدهما والخسران
على الآخر ، او تمام الربح
له والخسران عليه . ثم انه في جميع الصور تارة يكون
الشرط للعامل منهما ، واخرى
يكون لغيره .
اما ( لو اشترطا التساوي مع اختلاف المالين أو بالعكس )
اي اشترطا
الاختلاف مع تساويهما ، وكان شرط الزيادة للعامل منهما
او لمن عمله ازيد ، فلا خلاف
ولا اشكال على الظاهر عندهم في انه ( جاز ) كما اعترف به
غير واحد ، قال في محكي
التذكرة : لو اختص احدهما بمزيد عمل وشرط مزيد ربح له صح
عندنا ، والى ذلك
[ . . . ]
يشير استدلالهم لعدم الصحة في الفرض الآتي بان الفرض
انها ليست في مقابلة عمل ،
وعلى الجملة فالظاهر انه لاخلاف في ذلك بل ولا اشكال كما
ستعرف .
اما لو اشترطا لغير العامل منهما ، او لغير من عمله ازيد
، ففي صحة الشرط
والعقد ، وبطلانهما ، وصحة العقد وبطلان الشرط فيكون
كصورة الاطلاق ، اقوال :
اولها : للمرتضى والمصنف ووالده وولده ، بل عن المرتضى
الاجماع عليه .
ثانيها : للشيخ والحلي والمحقق الثاني وجماعة .
ثالثها : لابي الصلاح .
واستدل للاول بالادلة العامة الدالة على امضاء العقود
والشروط .
وللثاني بان شرط الزيادة مخالف لمقتضى العقد ، فيبطل
ويبطل العقد ، اذ لم يقع
التراضي بالشركة والاذن في التصرف الا على ذلك التقدير .
وبان جعل الزيادة
لاحدهما من غير ان يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس
تجارة عن تراض ، بل هو
اكل بالباطل .
ولكن يرد على الاول ان الشرط ليس مخالفا لمقتضى العقد ، فان مقتضى العقد
اي ما ينشأ به هو التشريك في المال ، وهذا يلائم مع كون
الربح لاحدهما ازيد من ما
للآخر ، مع انه لو تم لما كان هناك فرق بين مقابلة
الزيادة بالعمل وعدمها . اضف الى
ذلك انه لو تم هذا الوجه لزم بطلان الشرط خاصة دون العقد
، فان الشرط لا يوجب
تقييد التراضي بالشركة ، بعد كونه التزاما في ضمن التزام
لاجزء من الالتزام العقدي .
ويرد على الثاني - مضافا الى ما مر من كون الشرط خارجا
عن التجارة
والتزاما في ضمنها - منع عدم كونه معه من التجارة عن
تراض . فالاظهر هو الاول .
فان قيل : ان العمل بالشرط غير لازم ، لانه في عقد جائز
.
قلنا : اولا : انه مشترك الورود ، ولا فرق فيه بين ما لو
كانت الزيادة بازاء عمل
] ولا يصح تصرف احدهما بدون اذن الاخر ، ويقتصر على المأذون . [
وبين ما لو لم تكن بازائه .
وثانيا : ان الشرط في ضمن العقد الجائز لازم الوفاء ،
كما مر الكلام فيه في محله .
وثالثا : ما افاده صاحب الجواهر ره بان عقد الشركة لازم
لاجائز ، وبطلانه
بالقسمة لايقتضي جوازه كبطلان العقود اللازمة بالفسخ .
اما لو اشترط كون تمام الربح لاحدهما ، ففي العروة بطل
العقد ، لانه خلاف
مقتضاه .
وفيه : اولا : ان مقتضى العقد كما مر هو الاشتراك في المال ، واما كون
الربح
بينهما فهو من جهة القواعد الاولية في المشاع وتبعية
الربح لملك الاصل ، فلا محذور
في اشتراط كونه لاحدهما .
وثانيا : ان لازم ذلك بطلان الشرط دون العقد .
فان قيل : ان اشتراط كون الربح لاحدهما مخالف للشرع ،
فان الملكية تحتاج
الى سبب ولا تثبت بالشرط .
قلنا : ان الظاهر كما بيناه في محله من هذا الشرح كون
الملكية من الغايات
التي يجوز اشتراطها ، اذ لا يعتبر في تحققها سبب خاص ،
فدليل وجوب الوفاء بالشرط
يصلح دليلا على كون الشرط من اسبابها .
وبما ذكرناه يظهر صحة اشتراط كون تمام الخسران على
احدهما ، او كون تمام
الخسران على احدهما وتمام الربح للآخر ، او كون تمام
الربح لاحدهما والخسران عليه
ايضا .
( و ) الثاني : انه اذا اشترك المال باحد اسبابه السابقة (
لا يصح تصرف احدهما
بدون اذن الآخر ) ، لعدم جواز التصرف في مال الغير بغير
اذنه ، فان حصل الاذن
لاحدهما تصرف هو دون الاخر ، ( و ) لكن ( يقتصر ) من
التصرف ( على المأذون ) . ولو
[ . . . ]
اذن كل واحد من الشريكين لصاحبه جاز لهما التصرف ، ولكل
من الشركاء الرجوع
من الاذن الذي هو كالتوكيل لعدم الملزم للاذن ، وليس هو
من قبيل الاباحة بالعوض .
الرابع : في القسمة ، وهي تعيين الحق لكل شريك ، والظاهر
كونها معاملة مستقلة
ليست بيعا ولا صلحا ولا غيرهما ، سواء كان فيها ردا ولم
يكن ، بلا خلاف اجده فيه ولا
اشكال ، فلا يترتب عليها آثار البيع من الشفعة وخيار
المجلس واعتبار القبض في
النقدين ، بل هي ليست من قبيل المعاوضات فلا يلحقها
الربا وان تحقق فيها
التعاوض .
والاصل في شرعيتها - مضافا الى انها معاملة عقلائية لم
يردع الشارع الاقدس
عنها واجماع الامة عليها - : من الكتاب قوله تعالى (
واذا حضر القسمة اولوا
القربى ) . . . الخ ( 1 ) . وقوله سبحانه ( ونبئهم ان
الماء قسمة بينهم كل شرب
محتضر ) ( 2 ) .
ومن السنة نصوص مستفيضة ستمر عليك جملة منها في طى
المسائل الآتية .
وقد فعلها النبي صلى الله عليه وآله ، فانه روى مجمع بن
حارثة انه صلى الله عليه وآله
قسم خيبر على ثمانية عشر سهما ( 3 ) وروي انه قسمها على
ستة وثلثين سهما ( 4 ) وللجمع
بين هذين الخبرين محل آخر . وروي انه كان لامير المؤمنين
عليه السلام قاسم يقال
..............................................................................
( 1 ) النساء آية 9 .
( 2 ) سورة القمر آية 28 .
( 3 - 4 ) المبسوط - كتاب القضاء - فصل ذكر القاسم . ( * )
] ومع انتفاء الضرر بالقسمة يجبر الممتنع عنها مع المطالبة [
له عبد الله بن يحيى ، وكان يرزقه من بيت المال ( 1 ) .
وتمام الكلام في المقام بالبحث في مسائل :
الاولى : اذا طلب احد الشريكين القسمة وجب على الاخر
اجابته مع عدم
الضرر ، ( ومع ) امتناعه و ( انتفاء الضرر بالقسمة يجبر الممتنع
عنها مع المطالبة ) بلا
خلاف .
واستدل له في الرياض بان للانسان ولاية الانتفاع بماله ،
والانفراد اكمل نفعا .
وفي الحدائق بانه يجب ايصال المال الى صاحبه ، وهو هنا
بالقسمة .
ولكن ثبوت الولاية على الانتفاع بالمال لا يقتضي الولاية
على تبديل ماله ومال
شريكه ، فان الملكية المشاعة غير الملكية المفروزة ،
وتبديل الاولى بالثانية - الذي يعبر
عنه بالقسمة وعرفت انها معاملة مستقلة - انما يكون
بتبديل مال نفسه ومال شريكه ،
ودليل السلطنة لا يثبت الولاية على التصرف الموجب للتصرف
في مال الغير ايضا . واما
وجوب ايصال المال الى صاحبه فهو ايضا لا يقتضي وجوب
الاجابة ، لان الايصال
الواجب انما هو عدم الممانعة من تصرف المالك في ماله ،
وهذا غير وجوب تبديله الى
مال آخر .
واستدل المحقق القمي ره في جامع الشتات له بحديث لا ضرر
ولا ضرار ( 2 ) ،
قال : وهو المدرك في هذه المسألة في اغلب المواضع .
وفيه : انه بعد تحق الشركة وصيرورة الموجود ملكا مشاعا
لشريكين ، لا يترتب
ضرر على عدم القسمة بل غايته فوت النفع ، مع ان حديث لا
ضرر لا يصلح لاثبات
..............................................................................
( 1 ) المبسوط - كتاب القضاء - فصل ذكر القاسم
( 2 ) الوسائل باب 17 من ابواب الخيار كتاب التجارة . ( * )
[ . . . ]
الوجوب ، لانه ناف للحكم لا مثبت . فاذا لا دليل على
وجوب الاجابة .
ثم على تقدير الوجوب ، لو امتنع الشريك عنه ، وقلنا
بجواز اجباره لانه ممتنع ،
تحقق القسمة بدون رضاه يحتاج الى دليل مفقود . ولكن
الظاهر تسالم الاصحاب على
الحكمين ، وتكرر في كلماتهم دعوى الاجماع عليهما ، وهو
المستند فيهما .
ثم انه اذا كانت القسمة موجبة للضرر ، فتارة يتضرر
الشريك بها ولا يتضرر
الطالب بتركها ، واخرى يتضرران بها معا ، وثالثة يتضرر الشريك
بها والطالب بتركها ،
ورابعة يتضرر الطالب بها خاصة .
اما في الصورة الاولى والثانية فلا خلاف بينهم في عدم
وجوب الاجابة ، ووجهه
قاعدة لاضرر مضافا الى الاصل كما مر .
واما في الصورة الثالثة ، ففي الحدائق : فيتعارض الضرران
، فينبغي ان يرجح
الاقل ضررا ، ومع التساوي يشكل الامر ، فيحتمل الرجوع
الى القرعة . وفيه : انه
لا وجه لترجيح الاقل ضررا ، لانه لا يجب على الانسان
تحمل الضرر ليدفع الضرر
عن غيره ، فوجوب الاجابة اذا كان ضرريا يرتفع بالحديث ،
وان كان في ترك القسمة
ضرر اعظم منه على الطالب .
واما في الصورة الرابعة ، فقد استدلوا لعدم وجوب الاجابة
بان ارتكاب ذلك
سفه وتضييع لماله . وفيه : أنه اذا كان ذلك بنحو يجوز
لمالكه ذلك كما لو كان التضرر
بنقص القيمة ، فلا وجه لعدم وجوب الاجابة ، لعدم المانع
عنه .
ثم انه حيث عرفت ان منشأ عدم وجوب الاجابة في موارده هو حديث
لا ضرر ( 1 ) فاعلم ان المناط في الضرر نقص القيمة او
غيره مما يوجب صدق كون
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 17 - من ابواب الخيار كتاب التجارة . ( * )
] ويكفي القرعة في تحقق [
القسمة ضررية ، ولا يعتبر الخروج عن الانتفاع بالمرة ولا
خصوص نقصان الانتفاع .
نعم ، لو لم يكن في القسمة بما هي قسمة ضرر ، وكان الضرر
خارجيا متوجها
بسبب القسمة - كما اذا كان شريكه من لا يقدر احد عليه ،
واذا استقل هو بحصة
يتمكن الغاصب من غصب ما له مثلا - قد يقال بعدم كفايته
في رفع وجوب الاجابة ،
ولعل وجهه ان حديث لاضرر انما يرفع حكم الموضوع الضرري
ويكون من قبيل
نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، والموضوع في المقام ليس
ضرريا ، ولكن بما ان
المختار عندنا تبعا للشيخ الاعظم ره انه ينفي كل حكم نشأ
منه الضرر ، فالظاهر
كفاية الضرر الخارجي ايضا في رفع الوجوب .
ولا فرق فيما ذكرناه بين كون القسمة بنحو الافراز كما في
المثليات من الحبوب
والادهان من نوع واحد ، او بالتعديل كما في القيميات من
نوع واحد او انواع كالدور
والدكاكين وما شاكل ، او تكون بنحو الرد بضم شئ الى احد
الطرفين من الخارج .
فما افادوه من انه يجبر عليها في الاوليين ان لم يكن ضرر
، ولا يجبر عليها في الثالثة
معللا بانها متضمنة للمعاوضة المحتاجة الى التراضي لا
يتم ، فان القسمة في الموارد
الثلاثة متضمنة للتعاوض ، ولا تكون متضمنة للمعاوضة في
شئ من الموارد ، وفي
التعاوض الذي هو من المعاملات وان كان يعتبر التراضي الا
ان المفروض في المقام
سقوط اعتبار ذلك . اللهم الا ان يقال : ان عمدة مدرك
وجوب الاجابة هو الاجماع
والمتيقن من معقده القسمان الاولان ، فلا تجب في الثالث
للاصل .
الثانية : ( و ) قد صرح غير واحد من الاصحاب بانه ( تكفي
القرعة في تحقق
] القسمة مع تعديل السهام ، [
القسمة مع تعديل السهام ) بالاجزاء ان كانت في متساويها
كيلا أو وزنا ، او عدا بعدد
الانصباء ، أو بالقيمة ان اختلفت كالارض والحيوان ، ولا
حاجة الى شئ آخر من رضا
بعدها وغيره في قسمة الاجبار وغيرها ، من غير فرق بين
كونها ردية او غيرها ، ولا بين
كون القاسم منصوبا من الامام عليه السلام أو الحاكم أو
غيره ككونه منهما او من
وكيلهما ، لان القسمة اذا وقعت صحيحة فهي كساير
المعاملات لا يعتبر فيها الرضا
بعد تمامية المعاملة .
وعن المشهور - على ما قيل - الاحتياج الى إلرضا بعد
القرعة ، خصوصا في
قسمة الرد ، لاشتمالها على المعاوضة المتوقفة على ما يدل
على الرضا بذلك . فان كان
نظرهم الى ان القسمة من المعاملات فلا تتحقق بدون الرضا
، فيرد عليهم ان المفروض
وجود الرضا المقارن ، او عدم اعتباره كما في قسمة
الاجبار . وان كان الى ان القرعة
وحدها ليست مميزة للحق ومشخصة له وملزمة به ، فيرده نصوص
القرعة ( 1 ) وكون
القرعة عند العرف مما ينشأ به القسمة فتشملها ادلة
القسمة .
وهل تعتبر القرعة في القسمة ، ام لا ؟ قولان ، فظاهر
جماعة بل قيل انه ظاهر
الجميع اعتبارها . وعن المحقق الاردبيلي والمحدث
البحراني وغيرهما ممن تأخر عنهما
عدم اعتبارها ، والاكتفاء بالرضا من كل من الشركاء بأخذ
سهم .
والثاني اظهر ، لا طلاق ما دل على القسمة من الادلة
المتقدمة ، ولو شك في
اعتبارها يرتفع الشك باطلاقها والاصل ، كسائر ما يشك في
اعتباره في المعاملة .
وللنصوص الواردة في قسمة الدين ، كخبر غياث عن جعفر عن
ابيه عن علي عليهم
السلام في رجلين بينها مال ، منه بأيديهما ومنه غائب
عنهما ، فاقتسما الذي بأيديهما واحال
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 13 من ابواب كيفية الحكم واحكام
الدعوى كتاب القضاء . ( * )
[ . . . ]
كل واحد منهما من نصيبه الغائب ، فاقتضى احدهما ولم يقتض
الاخر ، قال عليه
السلام : ما اقتضى احدهما فهو بينهما ، وما يذهب بينهما
( 1 ) ومثله خبر الثمالي عن ابي
جعفر عليه السلام ( 2 ) وخبر محمد بن مسلم عن احدهما
عليهما السلام ( 3 ) وصحيح
عبد الله بن سنان ( 4 ) وخبر سليمان بن خالد ( 5 ) . فان
ظاهرها صحة قسمة ما بايديهما مع
عدم القرعة ، فتأمل لورود النصوص سؤالا وجوابا في مقام
بيان حكم آخر ، فلا وجه
للتمسك بها ، فالعمدة هو الاطلاق والاصل .
واستدل للاول في الجواهر تارة بان القرعة داخلة في حقيقة
القسمة بحيث
لاتصدق بدونها .
واخرى بان القرعة شرعت للتعيين ، كما شرع قبض المستحق من
المستحق
عليه في الدين .
وثالثة بان مقتضى تعريف القسمة بانها تمييز الحقوق كون
حصة الشريك كليا
دائرا بين مصاديق متعددة ، فتكون محلا للقرعة ، اذ هي
حينئذ لاخراج المشتبه ، وتعيين
ما لكل منهما من المصداق واقعا ، فنكشف حينئذ عن كون حقه
في الواقع ذلك .
ورابعة باتفاق الاصحاب على اعتبارها في القسمة شرعا
مؤيدا بتعارف ذلك
بين عوام المتشرعة فضلا عن خواصهم .
وفي الجميع نظر . اما الاول فلان القسمة كما مر معاملة
خاصة تنشأ بالقول او
الفعل ، ولا دخل للقرعة فيها . نعم ، هي احد الافعال
المنشأ بها القسمة .
..............................................................................
( 1 - 2 - 3 ) الوسائل - باب 6 من ابواب كتاب الشركة
حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 6 من ابواب كتاب الشركة حديث 2 .
( 5 ) الوسائل باب 29 من ابواب الدين والقرض حديث 1 . ( * )
] والاحوط حضور قاسم وليس شرطا والشريك امين
، [
واما الثاني فلانه لاكلام في ان القرعة تصلح للتعيين
وانها شرعت له ، ولكن
لا يلازم ذلك عدم معين غيرها .
واما الثالث فلانه في موارد الشركة انما يكون المال
بينهما بنحو الاشاعة لا
الكلي في المعين ، مع انه لو كان من قبيل الكلي في المعين كان
مقتضى اطلاق ادلة
القسمة تعين حق كل منهما بما ينشأ به القسمة .
واما الرابع فلعدم ثبوت كون الاجماع تعبديا ، مع انه قده
صرح بانه قد يقال
ان مراد الاصحاب اعتبار القرعة حال عدم التراضي لانها
العدل بينهما .
فتحصل مما ذكرناه انه مع التراضي لاحاجة الى القرعة .
الثالثة : ( والاحوط حضور قاسم ) من قبل الحاكم ، او من
قبلهما ، لانه ابعد الى
التنازع خصوصا اذا كان هو الحاكم المنصوب من قبل الامام
عليه السلام ، فانه يقطع
النزاع بين المتخاصمين . ( وليس شرطا ) في صحة القسمة
ولزومها بلاخلاف ، لعدم
الدليل عليه ، بل مقتضى اطلاق الادلة عدم شرطيته .
الخامس : في جملة من احكام الشركة والقسمة ، وهي تذكر في
طي فروع :
1.
لا خلاف ( و
) لا اشكال في انه لا يضمن ( الشريك ) ما تلف من مال الشركة
الذي في يده باذن الشريك ، من غير تعد ولا تفريط ، لانه
( امين ) ، وقد اتفقت
النصوص ( 1 ) والفتاوى على انه لا يضمن الا مع التعدي او
التفريط .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب الوديعة وباب 1 من العارية
وباب 28 و 29 و 30 من الاجارة . ( * )
] ولا تصح مؤجلة وتبطل الشركة بالموت والجنون
، [
2.
( ولا تصح )
الشركة ( مؤجلة ) .
قال في المسالك : المراد بصحة التأجيل المنفية ترتب
اثرها بحيث لا تكون لازمة
الى الاجل ، وانها لم تصح لانها عقد جائز ، فلا يؤثر شرط
التأجيل فيها ، بل لكل منهما
فسخها قبل الاجل . نعم ، يترتب على الشرط عدم جواز
تصرفهما بعده الا باذن
مستأنف ، لعدم تناول الاذن له ، فلشرط الاجل اثر في
الجملة ، انتهى . ونحوه ما قاله
في الحدائق .
ونقل في محكى المختلف عن الشيخين انهما قالا : الشركة
بالتأجيل باطلة ، قال :
وظاهر ان مرادهما ليس البطلان من رأس بل عدم اللزوم ، ولذا قال المفيد عقيب ذلك :
ولكل واحد من الشريكين فراق صاحبه اي وقت شاء . ثم نقل
عن ابي الصلاح انه
قال : ولا اثر للتأجيل في عقد الشركة ، ولكل شريك مفارقة
شريكه اي وقت شاء وان
كانت مؤجلة . ثم قال : والعبارتان رديتان ، والتحقيق ان
للتأجيل اثرا ، وهو منع كل منهما
من التصرف بعده الا باذن مستأنف ، وان لم يكن له مدخل في
الامتناع من الشركة ،
اذ لكل منهما الفسخ قبل الاجل ، انتهى .
ولو اشترط عدم الرجوع قبل الاجل ، فهل يجوز له الرجوع ام
لا ؟ الظاهر
انه ليس له ذلك تكليفا ، لعموم ما دل على وجوب الوفاء
بالشرط ( 1 ) ولكن له الرجوع
وضعا كما لا يخفى .
3.
( وتبطل الشركة
بالموت والجنون ) والحجر ، بمعنى انه لا يجوز للآخر
التصرف ، واما الشركة فهي باقية ، فالاولى في التعبير ما
في الشرايع ، قال : ويبطل
الاذن بالجنون والموت .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الخيار كتاب التجارة . ( * )
] ويكره مشاركة الكفار ، وليس لاحد الشريكين المطالبة باقامة
رأس المال ،
وانما تصح القسمة بالتراضي ولا يصح قسمة الوقف ، ويجوز
قسمته مع
الطلق [
4.
( ويكره مشاركة
الكفار ) عند علمائنا كما عن التذكرة ، ويشهد به خبر
السكوني ( 1 ) وصحيح ابن رئاب ( 2 ) وهما وان اختصا
بالذمي الا انه يثبت الحكم في غيره
بالاولوية .
5.
( وليس لاحد
الشريكين المطالبة باقامة رأس المال ) ، بل يقتسمان العين
الموجودة ما لم يتفقا على البيع كما هو واضح .
6.
( وانما تصح
القسمة ) في غير القسمة الاجبارية ( بالتراضي ) ، ووجهه
ظاهرمما قدمناه .
7.
( و ) قد صرح
الاصحاب بانه ( لا تصح قسمة الوقف ، ويجوز قسمته مع
الطلق ) . ولكن في محكي التحرير : ولو قيل بقسمة الوقف
بعضه من بعضه مطلقا
امكن ، اذ القسمة ليست بيعا ، والاقرب
عدم جوازها ، اذ البطن الثاني يأخذ الوقف
عن الواقف ولا يلزمه ما فعل البطن الاول ، ولو تعدد
الواقف والموقوف عليه فالاقرب
جواز القسمة ، انتهى .
وتبعه في الحدائق ، قال : واما لو تعدد الواقف والموقوف
عليه ، بان كانت الدار
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الشركة - حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الشركة حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
مشتركة بين زيد وعمرو نصفين مثلا ، فوقف زيد نصفه على
ذريته وعمر ونصفه على
ذريته ، فانه يجوز للموقوف عليهم من الطرفين قسمة هذا
الوقف ، انتهى .
وكذا المحقق القمي ره ، بل يظهر منه جوازها مع تعدد
الوقف والموقوف عليه ،
كما اذا كان نصف مشاع من ملك وقفا على مسجد والنصف الآخر
على مشهد .
والتحقيق يقتضي ان يقال : انه ان لم تكن القسمة منافية
لمقتضى الوقف بسبب
اختلاف البطون قلة وكثرة - كما لو كان نصف مشاع وقفا على
مسجد والنصف الآخر
على مشهد ، او كان نصفه وقفا على قبيلة والنصف الآخر
وقفا على قبيلة اخرى -
فالاظهر هو الجواز مطلقا . ودعوى عدم انحصار الحق في
الموجودين فيما اذا كان
الوقف على القبيلة ، مندفعة بانه يمكن ان يتصدى المتولي
او الحاكم الشرعي ويتولاه
عن البطون اللاحقة .
فان قيل : انه اذا كان الوقف على نحو وقف المشاع ،
فالقسمة الموجبة للافراز
والتعيين خلاف وضع الوقف ، وقد دلت النصوص على ان الوقوف
على ما وقفت .
قلنا : ان القسمة موجبة عند العرف للتمييز لا لتغيير وضع
الوقف ، وعلى فرض
تسليم كونه كذلك فلا اشكال في اغتفار مثل ذلك ، ( و )
لذا اتفقوا على انه ( يجوز
قسمته مع الطلق ) .
واما ان كانت منافية لمقتضى الوقف بسبب اختلاف البطون
قلة وكثرة ، فان
اقتسم اهل كل طبقة بالنسبة الى انفسهم فقط صحت القسمة
لعدم المانع عنها ، والا
فلا تصح ، لان الحق يتغير بزيادة البطون ونقصانها ،
فربما استحق بعض بطون
المتقاسمين اكثر مما ظهر بالقسمة لمورثهم وبالعكس .
ثم ان قسمة الوقف عن الطلق اذا اشتملت على الرد من جانب
الوقف ، فلا
مانع منها ومقابل الرد وقف ان كان من الوقف ، وان كان من
مال الموقوف عليهم فهو
] الفصل السادس : في المضاربة ، وهي ان يدفع الانسان مالا
الى غيره
ليعمل فيه بحصة من ربحه [
لهم ، وان كان الرد من جانب الطلق فلا تجوز ، لاستلزام
القسمة ملكية بعض الوقف .
وتسمى قراضا عند اهل الحجاز ، ( وهي ) عبارة عن ( ان
يدفع الانسان مالا
الى غيره ليعمل فيه بحصة من ربحه ) .
وتوضيح ذلك ما في المسالك تبعا للتذكرة ، قال : اعلم ان
من دفع الى غيره
مالا ليتجربه ، فلا يخلو اما ان يشترطا كون الربح بينهما
، او لاحدهما ، اولا يشترطا
شيئا . فان شرطاه بينهما فهو قراض ، وان شرطاه للعامل
فهو قرض ، وان شرطاه
للمالك فهو بضاعة ، وان لم يشترطا شيئا فكذلك الا ان
للعامل اجرة المثل .
واورد على ما افاداه تارة بان مجرد شرط كون الربح للعامل
لا يوجب تحقق
القرض الذي هو انشاء تمليك المال بعوض في الذمة ، واخرى
بان ظاهر ما ذكراه انه
مع اشتراطهما كون تمام الربح للمالك لا يكون للعامل اجرة
المثل ، وعن الرياض
نسبته الى ظاهر الاصحاب ، وهو مناف لقاعدة احترام عمل
المسلم المقتضية للضمان .
اقول : اما الايراد الاول فيمكن دفعه بان مرادهما بيان
حال كل من القراض
والقرض والبضاعة في حد ذاته ، لا ان المراد تحققه على
الوجه المزبور . مع انه اذا كان
كون الربح للعامل من اللوازم الشرعية لملك المال ، فمجرد
قصد كون الربح له كاف
في تحقق القرض ، بناء على عدم اعتبار الصراحة في انشاء
العقود ، وصحة انشائها
بالكنايات وشبهها ، كما حققناه في كتاب البيع . ويؤيد ما
ذكرناه الصحيح عن ابي
جعفر عليه السلام عن امير المؤمنين عليه السلام : من ضمن
تاجرا فليس له الا رأس
[ . . . ]
ماله ، وليس له من الربح شئ ( 1 ) والموثق عنه عليه
السلام : من ضمن مضاربة فليس
له الا رأس المال ، وليس له من الربح شئ ( 2 ) اذ كما ان
التضمين من لوازم القرض
كذلك الاختصاص بالربح ، فكما ان الاول يكفي في تحقق
القرض فكذلك الثاني .
واما الايراد الثاني فهو وارد ، ان لم يكن لاشتراط كون
تمام الربح للمالك بدون
ذكر اجرة للعامل ظهور عرفي في ارادة المجانية وليس بكل
البعيد . وجه الورود ليس
ما افاده صاحب الجواهر من اقتضاء قاعدة احترام عمل المسلم
ذلك - لما مر في كتاب
الاجارة من عدم اقتضائها الضمان - بل هو ان الامر بالعمل
، او الاذن في العمل ، او
دفع السلعة الى الغير للعمل واشباهها ، كأكل مال الغير
بالضمان والاباحة بالعوض ،
من الاسباب المعاملية للضمان التي قامت السيرة عليها
وبناء العقلاء ولم يردع الشارع
عنها ، بل هذه كلها من العقود ، فتشملها ادلة امضاء
المعاملات ولزومها ، كما تقدم
الكلام في ذلك في كتاب الاجارة . فالاظهر هو ثبوت اجرة
المثل في الموردين .
قال في المسالك : ان عقد القراض مركب من عقود كثيرة ، لان
العامل مع
صحة العقد وعدم ظهور ربح ودعي امين ، ومع ظهوره شريك ،
ومع التعدي غاصب ،
وفي تصرفه وكيل ، ومع فساد العقد اجير ، انتهى . وبديهي
ان ليس مراده انشاء هذه
العقود بانشاء عقد المضاربة ، بل المراد انه يتبعها
احكام هذه العقود ، وفي عده الغصب
واجرة المثل والشركة في الربح من العقود مسامحة واضحة ،
فالاولى ما افاده غيره من
ان عقد المضاربة يتبعها احكام عقود كالوكالة والوديعة
والشركة ، وغيرها كالغصب
واجرة المثل ونحوها .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب المضاربة - حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب المضاربة حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
وتمام الكلام في هذا الفصل يستدعى بيان امور :
الاول : العقد ، وقد جعله المصنف في التذكرة والقواعد
على ما حكى من اركان
هذه المعاملة ، بل صرح في التذكرة بانه لابد فيه من لفظ
يدل على الرضا ، وصريح
ذلك عدم جريان ما يشبه المعاطاة من الانشاء الفعلي فيه .
والحق ان يقال : انه لا اشكال في لزوم العقد واعتباره
بمعنى الانشاء الملائم مع
كونه ايقاعا ، لان المضاربة وان كانت من مقولة المعنى ،
ولكن قد عرفت غير مرة ان
بناء العقلاء والشارع الاقدس على عدم العبرة بالاعتبارات
النفسانية غير المبرزة ،
وانه يعتبر الابراز في جميع العقود والايقاعات .
والظاهر كونها من العقود فتفتقر الى ايجاب وقبول ، فانها
عقد تعاوضي قائم
بطرفين ، فلا يكفي الانشاء من جانب واحد ، ولا يشبه
الوكالة التي هي اذن ، وحيث
عرفت في كتاب البيع ان مقتضى القاعدة الاولية عدم اعتبار
اللفظ في الانشاء ايجابا
وقبولا ، فيكفي انشاء هذه المعاملة بالفعل ، بل يكفي ان
يكون ايجابها بالقول والقبول
بالفعل .
وهل يعتبر التواصل بين الايجاب والقبول كما صرح به
المصنف ره ام لا ؟
وجهان مبنيان على اعتبار التوالي بينهما في العقود مطلقا
وعدمه ، فعلى الاول يعتبر دون
الثاني ، وقد مر الكلام في المبنى مستوفى .
قال في محكي التذكرة : يجب التنجيز في العقد ، فلا يجوز
تعليقه على شرط او
صفة ، مثل اذا دخلت الدار واذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك
، وكذا لا يجوز تعليق
البيع ونحوه ، لان الاصل عصمة مال الغير ، انتهى .
[ . . . ]
ويرد عليه انه لابد من الخروج عن الاصل بعمومات ادلة
امضاء المعاملات ، وخصوص ما ورد في المضاربة بعد ان ليس
فيها ما
يشير الى اعتبار التنجيز . واما الوجوه التي استدلوا بها لمبطلية التعليق
في مطلق العقود فقد ذكرناها في كتاب البيع ، وبينا عدم
تمامية شئ منها سوى الاجماع
في بعض العقود وليس منه المضاربة ، كيف وقد افتى المحدث
البحراني صريحا بعدم
اعتبار التنجيز ! فالاظهر عدم اعتباره .
ويشترط في المتعاقدين البلوغ والعقل والاختيار ، وفي
المالك عدم الحجر
لفلس ، بلا خلاف في شئ من تلكم ، وقد مر الكلام في
الجميع في كتاب الاجارة
والمزارعة ، وما ذكرناه في ذينك البابين يجري في المقام
فلا وجه للاعادة .
وستعرف ان عقد المضاربة جائز من الطرفين ، يجوز لكل
منهما فسخه .
انما الكلام في انه لو اشترط فيه عدم الفسخ الى زمان ،
فعن المشهور بطلان
الشرط المذكور بل العقد ايضا ، لانه مناف لمقتضى العقد .
ونخبة القول في المقام : انه تارة يشترط عدم الفسخ في
ضمن عقد المضاربة ،
واخرى يشترطه في ضمن عقد جائز او لازم آخر .
اما في المورد الاول ، فان كان الشرط لزوم العقد وعدم
انفساخه بالفسخ ، صح
ما ذكره المشهور من كونه منافيا لمقتضى العقد ، ويكون
مخالفا للمشروع ، والظاهر ان
[ . . . ]
نظرهم في المقام الى ذلك .
قال في الشرايع - بعد ذكر ان عقد المضاربة جائز من
الطرفين - : فلو اشترط
فيه الاجل لم يلزم ، لكن لو قال : ان مرت بك سنة مثلا
فلا تشتر بعدها وبع صح ، لان
ذلك من مقتضى العقد ، وليس كذلك لو قال : علي ان لا املك
فيها منعك ، لان ذلك
مناف لمقتضى العقد . ومثله عبارة القواعد ، الا انه لم
يتعرض لتعليل عدم الصحة ،
وعلله في محكي جامع المقاصد بذلك اعتمادا منه على ما
ذكره من القواعد قبل ذلك .
وبالجملة المتتبع في كلمات الفقهاء يجد ان الشرط المنافي
لمقتضى العقد عندهم هو شرط
لزوم عقد المضاربة لا شرط عدم الفسخ .
وكيف كان ، فالشرط باطل لكنه لا يبطل العقد ، لما مر في
محله من ان الشرط
الفاسد لا يفسد ، وان كان الشرط عدم الفسخ بطل الشرط ،
لا لما نسب الى المشهور
بل لان حقيقة الشرط حيث تكون تعليق الالتزام بالعقد
والوفاء به عليه ، فلا يصح
شرط عدم الفسخ .
واما في المورد الثاني ، فان كان الشرط لزوم العقد بطل
لما مر ، وان كانت عدم
الفسخ فان كان العقد جائزا بطل ايضا لما مر ، وان كان
لازما صح ووجب الوفاء به ،
ولكن لو فسخه ينفسخ وان عصى ، وعلى جميع التقادير لا
يبطل العقد .
ولو اشترط احدهما على الاخر في ضمن عقد المضاربة مالا او
عملا ، فالظاهر
صحته ولزوم الوفاء به ، لعموم دليل وجوب الوفاء بالشرط .
وما اشتهر من ان الشروط
في ضمن العقود الجائزة غير لازمة الوفاء ، يكون المراد
به انه للمشروط عليه ان يفسخ
العقد ومعه لا يجب الوفاء به ، لا انه لا يجب الوفاء به
مع بقاء العقد وعدم فسخه .
واما ما افاده صاحب الجواهر ره من انه لا يجب الوفاء بها
مع بقائها ، بدعوى
انها تابعة للعقد لزوما وجوازا ، بل مع جوازه هي اولى
بالجواز وانها معه شبه الوعد ،
[ . . . ]
والمراد من قوله عليه السلام : المسلمون عند شروطهم ( 1
) بيان صحة اصل الشرط لا
اللزوم والجواز .
فيرد عليه : ان الشرط هو الالتزام في ضمن التزام ، ومع
تحقق ذلك مقتضى ظهور
المسلمون عند شروطهم - الذي مضمونه عدم انفكاك المسلم عن
شرطه - وجوب
الوفاء به مادام بقاء الموضوع . فحينئذ ان كان ذلك في
ضمن عقد لازم فلا اشكال ،
وان كان في ضمن عقد جائز ، فان ارتفع العقد بفسخ فقد
انتفى الشرط فينتفي
الوجوب بتبعه ، والا فالموضوع باق ولا يعقل تخلف حكمه
عنه . وما افاده من تبعيته
للعقد لزوما وجوازا ، لا دليل عليه اصلا ، بل اطلاق دليل
وجوب الوفاء به يشهد
بخلافه ، واغرب من ذلك دعواه عدم دلالة المسلمون عند
شروطهم على لزوم الوفاء
به .
وكذا يصح الشرط ويجب الوفاء به لو اشترط المالك على
العامل ، او العكس ،
بيعا او قرضا او قراضا او بضاعة او نحو ذلك .
ودعوى ان القدر المتيقن من ادلة امضاء المضاربة
ومشروعيتها ما اذا كان من
المالك رأس المال خاصة ومن العامل التجارة ، فمع اضافة
آخر لا يعلم المشروعية
والاصل عدمها ، مندفعة :
اولا : بان الشرط كما مر مرارا لايكون داخلا في العقد ،
بل هو التزام مستقل
غير مرتبط بالالتزام العقدي ، وانما يكون الالتزام
بالعقد والوفاء به معلقا عليه ، فهذا
العقد الذي اشترط في ضمنه لا يكون فيه من المالك الا رأس
المال ، ومن العامل
التجارة .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الخيار . ( * )
[ . . . ]
وثانيا : انه مع اطلاق ادلة الامضاء العامة ، بل وبناء
العقلاء ، بل اطلاق ما دل
من الاخبار على امضاء المضاربة الشاملة للمضاربة مع
الشرط ايضا ، يمنع عن
الرجوع الى الاخذ بالمتيقن ، والرجوع في غيره الى الاصل .
وثالثا : ان ما ذكر لو تم لكان من حيث متعلق العقد ،
ويكفي في صحة الشرط
عموم ادلة الشروط .
وعن الشيخ فيما اذا اشترط المالك على العامل بضاعة بطلان
الشرط دون
العقد في احد قوليه ، وبطلانهما في قوله الآخر . وقد ذكر
في وجه بطلانهما ان الشرط
المزبور مناف لمقتضى العقد فيكون باطلا ، وحيث انه يلزم
من بطلانه جهالة حصة
العامل لان للشرط قسطا من الربح ، وببطلان الشرط يسقط
ذلك القسط وهو
مجهول ، فيبطل العقد لذلك .
وفيه : اولا : ان الشرط ليس منافيا لمقتضى العقد ، لان
مقتضاه كون عمله في
مال القراض بجزء من الربح ، والعمل الخارجي ليس عملا في
مال القراض .
وثانيا : ان الشرط ليس مقابلا في شئ من الموارد بالعوض ،
فلا ينقص ببطلانه
شئ من الحصة ، فلا تصير مجهولة .
وذكر في وجه بطلان الشرط خاصة - مضافا الى ما مر - بان
هذا الشرط لا
اثر له ، لعدم وجوب الوفاء به لكونه في العقد الجائز ،
ولا يلزم من تخلفه التسلط على
الفسخ ، لجواز فسخه ولو مع عدم التخلف .
وفيه : اولا : ما تقدم من ان الشروط في ضمن العقود
الجائزة لازمة الوفاء .
وثانيا : ان الفسخ الثابت بتخلف الشرط غير الفسخ المتحقق
مع عدم
التخلف ، فان الاول حل العقد من الاول ، والثاني حله من
الاثناء ، والثمرة ظاهرة .
فالاظهر صحة الشرط والعقد معا .
] وانما تصح بالاثمان الموجودة ، [
الامر الثاني : في مال القراض ، قالوا : ( وانما تصح
بالاثمان الموجودة ) ، وينحل
ذلك الى انه يعتبر فيه امور :
1.
ان يكون رأس
المال عينا فلا تصح بالدين ، فلو كان له على العامل دين
لا يصح جعله قراضا ، وكذا لو كان له دين على احد لم يجز
ان يجعله مضاربة ، بلاخلاف
في ذلك . ويشهد به خبر السكوني عن ابي عبد الله عليه
السلام ، قال امير المؤمنين عليه
السلام في رجل له على رجل مال فتقاضاه ولا يكون عنده ،
فيقول : هو عندك مضاربة ،
قال عليه السلام : لا يصلح حتى يقبضه منه ( 1 ) .
ولا تصح بالمنفعة ايضا ، اجماعا محققا ومحكيا مستفيضا ،
وهو العمدة فيه كما
صرح به في المسالك ، وبه يخرج عن عمومات الصحة .
2.
ان يكون من
الاثمان اي الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة بان
يكون درهما او دينارا ، فلا تصح بالفلوس والاسكناس وما
شاكل ولا بالعروض . وقد
اعترف جملة من الاصحاب بانهم لم يقفوا على دليل على
اعتبار ذلك غير الاجماع
الدعى في المقام ، وكفى به حجة في مثل هذا الحكم المخالف
للقواعد والاصول ، فان
مثل هذا الاجماع لامحالة يكون تعبديا كاشفا عن رأي
المعصوم عليه السلام ، فلا وجه
لتأمل بعض متأخري المتأخرين فيه لشمول العمومات ، فانها
تخصص بالاجماع . نعم ،
لا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به ، ولو كان خالصا
ولم يكن بسكة المعاملة
فلا تصح المضاربة به ، لعدم كونه من الدرهم والدينار .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب المضاربة - حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
3.
ان يكون
معلوما قدرا ووصفا ، ولا تكفي المشاهدة ، للنهي عن الغرر ( 1 ) .
وعن الشيخ والمختلف انه يصح مع الجهالة ، وتجوز المضاربة
بالجزاف من غير
تقييد بالمشاهدة . واحتج له في محكي المختلف بالاصل ،
وقوله عليه السلام : المؤمنون
عند شروطهم ( 2 ) ولا اثر لاقتضاء هذه الجهالة التنازع ،
بعد ان كان القول قول العامل
شرعا في قدر الواصل ، لان الاصل عدم وصول الزايد اليه .
وفي الجواهر : والتحقيق ان لم يكن ثم اجماع عدم قدح
الجهالة التي تؤول الى
العلم ، نحو ان يقع العقد على ما في الكيس مثلا ثم يعد
انه بعد ذلك ، لاطلاق الادلة
او عمومها . نعم ، بناء على عدم عموم او اطلاق مستند
اليه في مثل ذلك ، فلا ريب في
ان الاصل الفساد . اما الجهالة التي لا تؤول الى العلم ،
فالظاهر عدم جوازها ، لعدم
امكان تحقق الربح معها ، وهو روح هذه المعاملة ، انتهى .
ولكن : يرد على ما افاده المصنف ره - بعد تصحيحه بارادة
العمومات
والاطلاقات من الاصل ، والاغماض عن التمسك بدليل الشرط -
انه لابد من تقييد
الاطلاق ، وتخصيص العام بما دل على النهي عن الغرر ،
المنجبر ضعفه بالعمل
والاستناد في كثير من الابواب كالاجارة وغيرها . ودعوى
ان النسبة بينه وبين ادلة
المقام عموم من وجه فلا وجه لتقديمه ، مندفعة بانه من
قبيل الحاكم على الاطلاقات
لامعارض ، مع انه لو سلم التعارض فالترجيح للنص بفتوى
المشهور التي هي اول
المرجحات . وليس مدرك اعتبار العلم اداء الجهالة الى
التنازع ، حتى يقال لا اثر
لاقتضاء هذه الجهالة التنازع ، بل هو لزوم الغرر مع
الجهالة .
..............................................................................
( 1 ) التذكرة ج 1 ص 466 .
( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب المهور كتاب النكاح حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
ويرد على صاحب الجواهر انه ان صح التمسك بدليل النهي عن
الغرر ، كان
مقتضاه البطلان وان آلت الى العلم ، لان الغرر أوجب
البطلان ، والعلم المتأخر
لا يوجب انقلاب العقد الباطل صحيحا ، والا صح العقد حتى
مع الجهالة التي لا تؤول
الى العلم ، لامكان تحقق الربح بان يتجر كل مرة ببعض
المال المعين حين التجارة او
بجميعه ، بعد رفع الجهالة بالنسبة الى العامل خاصة .
4.
ان يكون معينا
، فلو احضر مالين وقال : قارضتك بأحدهما أو بايهما شئت ،
لم ينعقد بذلك قراض ، بلا خلاف بل عليه الاجماع في بعض
الكلمات .
والحق ان يقال : ان العقد ان وقع على المردد ولو في
الواقع لم يصح ، لان المردد
من حيث هو مردد لا حقيقة له ولا تحقق في الخارج .
وان وقع على المعين الواقعي المردد عندهما ، فان كان مع
الاختلاف في الصفات
بطل للغرر ، وان كان مع التساوي فيها فلا وجه للبطلان
الا الاجماع ان ثبت .
وان وقع على احد امور بنحو الكلي في المعين صح مع
التساوي في الصفات
لولا الاجماع ، لا طلاق الادلة وعدم المانع ، وكذا ان
وقع على احد امور بنحو التخيير .
وان وقع العقد على ما يختاره العامل مع التساوي في
الصفات ، فقد استدل في
الجواهر لبطلانه بلزوم موقوفية العقد مع التخيير الى حال
وقوعه ، وليس في الادلة حتى
الاطلاقات ما يدل على مشروعية ذلك ، بل لعل الادلة قاضية
بخلافه ضرورة ظهورها
في سببية العقد وعدم تأخر آثارها عنها ، وجعل الخيار
كاشفا عن مورد العقد من أول
الامر لا دليل عليه ، لكونه مخالفا للاصل ، انتهى .
وفيه : ان المضاربة المنشأة ان كانت بنحو يكون المنشأ من
حين العقد ، فهو
الدليل على كون الخيار كاشفا عن مورد العقد من اول الامر
، وان كانت بنحو يكون
المنشأ بعد الخيار ، فالموقوفية المشار اليها لا تنافي
سببية العقد بل هي لازمها . فالعمدة
[ . . . ]
في هذا الشرط ايضا هو الاجماع ان كان .
عدم اعتبار كون رأس المال بيد العامل
وقد ذكروا اعتبار امرين آخرين في مال القراض :
احدهما : ما قاله المصنف ره في القواعد : الرابع - ان
يكون مسلما في يد العامل ،
فلو شرط المالك ان تكون يده عليه لم يصح ، اما لو شرط ان
يكون مشاركا في اليد
او يراجعه في التصرف او يراجع مشرفه فالاقرب الجواز ،
انتهى . وحاصله اعتبار كون
رأس المال بيد العامل ، واستدل له بان عدمه خلاف وضع
المضاربة .
ويرده ما افاده المحقق الثاني ره ، قال : ان اريد انه
خلاف مقتضى وضع
المضاربة شرعا فهو ممنوع ، وان اريد عادة فهو لايقدح .
ولذا قال في العروة - تبعا للتذكره - : لكن لا دليل عليه
، فلا مانع ان يتصدى
العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك .
الثاني : ان لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن
التجارة به مع اشتراط
المباشرة ، او كان عاجزا حتى مع الاستعانة بالغير ، والا
فلا يصح ، لان المضاربة متقومة
بالمال والعمل .
وقد يقال : ان كان المال كثيرا لا يقدر على التجارة
بجميعه ، ويتمكن من
التجارة ببعضه ، تصح المضاربة بالنسبة الى المقدور ،
ويستحق العامل حصته من الربح
كما في الاجارة .
وفيه : انه اذا لم يصح العقد بالنسبة الى المجموع لم يصح
في البعض ، لان نسبة
العقد الى كل جزء من المجموع كنسبته الى الاجزاء الاخر ،
وحيث لا ترجيح لبعضها
] والشركة في الربع ، [
على بعض فلا بد من البناء على البطلان في الجميع .
ويترتب عليه ان تمام الربح للمالك ، وللعامل اجرة عمله
علم بالبطلان ام لا ،
لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، ولما مر من ان من
اسباب الضمان الامر
بالعمل لامجانا .
وهل يكون العامل ضامنا للمال اذا تلف مطلقا ، ام لا يكون
ضامنا كذلك ، ام
يفصل بين ما لو أخذ الجميع دفعة فالاول ، وبين ما اذا
أخذ اولا بقدر مقدوره ثم أخذ
الزايد ولم يمزجه بما أخذه أولا فيضمن خصوص المقدار
الزايد ؟ وجوه واقوال ، اظهرها
الثاني ، لقاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، وقد
مر نظير المسألة في كتاب
الاجارة ، فراجع ما ذكرناه فيه .
الامر الثالث : في الربح ، ( و ) المعروف بينهم انه
يعتبر في صحة المضاربة
( الشركة في الربح ) ، فلو شرط احدهما شيئا معينا والباقي
بينهما فسد .
واستدل له في الشرايع بعدم الوثوق بحصول الزيادة ، فلا
تتحقق الشركة .
وفي الحدائق بانه مقتضى المضاربة كما تنادي به الاخبار
الحاكمة بان الربح
بينهما ، وما لم يكن مشتركا فانه خارج عن مقتضاها ، فهذا
الشرط داخل في مفهوم
المضاربة .
وفي الجواهر بالشك في شمول الاطلاقات له ، ولو لظهورها
في اعتبار الشركة
الاشاعية في جميع الربح .
اما ما افاده المحقق ره ، فيرده اولا : انه يتصور صورة
يوثق فيها بالزيادة .
[ . . . ]
وثانيا : ان عدم الوثوق بالزيادة كعدم الوثوق باصل الربح
لا يمنع عن
الصحة .
واما ما افاده العلمان ، فان كان نظرهما الى الاستدلال
بالنصوص الخاصة
كمصحح اسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه السلام عن مال
المضاربة ، قال عليه
السلام : الربح بينهما والوضيعة على المال ( 1 ) ونحوه
غيره ، الدالة على انه في المضاربة
الاشتراك في جميع الربح ، تم الاستدلال . لكن التعبير في
كلام الاول بان هذا الشرط
داخل في مفهوم المضاربة ، وفي كلام الثاني بالشك في شمول
الاطلاقات له ، غير جيد ،
والا فالاشكال عليهما ظاهر .
ويتفرع على ذلك البطلان في صور :
منها : ان يجعل لاحدهما شيئا معينا ، فانه باطل اتفاقا .
ومنها : ان يقول : خذها قراضا والربح لي ، ووجه الفساد
في هذه الصورة ظاهر
مما قدمناه . وهل يكون في هذه الصورة بضاعة ، بمعنى ان
العامل لا يستحق على عمله
اجرة كما هو المقرر في البضاعة ، ام يكون قراضا باطلا ؟
والمشهور بينهم هو الثاني ،
للتصريح به ، ولان البضاعة توكيل في التجارة تبرعا وهذا
ليس ظاهرا فيه ، فانه ظاهر
في كون الربح للمالك لا ان عمله المحترم المستوفى بالامر
به هدر ومجاني . وعليه
فيستحق اجرة المثل لعمله ، لعدم ظهور الكلام في المجانية
، بل قد مر ان الامر بالعمل
لامجانا بنفسه موجب للضمان . فما عن المصنف ره في
المختلف : والوجه عندي انه لا
اجرة للعامل ، لانه دخل على ذلك فكان متبرعا بالعمل ،
غيره وجيه .
ومنها : ما لو قال : خذها قراضا والربح كله لك ، وقد ظهر
من ما ذكرناه بطلانه
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب المضاربة - حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
مضاربة . وهل يصح قرضا ؟ فيه كلام قد مر في اول هذا
الفصل .
والاصحاب ذكروا شرطين آخرين في الربح :
احدهما : تعيين حصة كل منهما من نصف او ثلث او نحو ذلك ،
ان لم يكن هناك
متعارف ينصرف اليه الاطلاق ، والظاهر عدم الخلاف في
اعتباره . ووجهه على تقدير
الابهام ظاهر ، فان المبهم لاتحقق له في الخارج . واما
على تقدير التعيين ولو بعدا ، بنحو
لا يعلمه العامل حين العقد أو ولا المالك ، فلا وجه له
سوى الاجماع والتسالم ، ولا
سبيل الى التمسك بما دل على النهي عن الغرر ( 1 ) فان
اصل الربح في المقام غير معلوم
الحصول وكذا قدره ، فالجهل بحصة منه لايضر .
وقد وقع الخلاف بينهم في موارد :
منها : ما لو قال : خذه على النصف ، فحكم جمع بصحته ،
وتنظر فيه في المسالك ،
ولعل الاول اظهر ، لظهور العبارة المذكورة في كون الربح
بينهما نصفين ، ومثله ما لو
قال : خذه على ان الربح بيننا .
ومنها : ما لو قال : خذه على ان لك النصف ، والظاهر هو
الصحة فيه ايضا ، اذ
المالك لا يفتقر الى تعيين حصته للتبعية ، وانما يفتقر
اليه العامل وقد ذكر له النصف .
ومنها : ما لو قال : خذه على ان لي النصف ، فالظاهر هو
البطلان ، لانه لم يعين
للعامل حصة ، والفرق بينه وبين المورد السابق ظاهر ،
فانه في المورد السابق عين حصة
العامل والباقي لامحالة يكون للمالك للتبعية ، واما في
هذا المورد فقد عين حصة المالك
ولم يعين حصة العامل مع انها تفتقر الى التعيين . ويمكن
ان يقال في الموردين : بان ظاهر
هذه العبارة - اي تعيين حصة لاحدهما - كون الباقي للآخر
، وعليه فيصح في
..............................................................................
( 1 ) التذكرة ج 1 ص 466 . ( * )
[ . . . ]
الموردين .
ثانيهما : كون الربح بين المالك والعامل . فلو شرطا جزءا
منه لاجنبي ، فان كان
الاجنبي عن المعاملة - بمعنى من لم يفوض اليه امر
التجارة - عاملا صح الشرط ،
لانه حينئذ يكون بمنزلة العامل المتعدد ، وان لم يصدق
عليه العامل بحسب
الاصطلاح ، وهو من فوض اليه امر التجارة .
وان لم يكن عاملا فسد بلاخلاف ، ولم يستبعد في العروة
القول بالصحة لعموم
الادلة ، وذكره وجها آخر في الشرايع بعد حكمه بالفساد ،
وفي المسالك : قيل انه اذا
شرط للاجنبي يصح الشرط وان لم يعمل ، لعموم : المؤمنون
عند شروطهم ( 1 ) و ( اوفوا
بالعقود ) ( 2 ) . وقيل ان المشروط يكون للمالك حيث لم
يعمل رجوعا الى اصله ، لئلا
يخالف مقتضى العقد ، انتهى .
ولكن مقتضى النصوص الخاصة المتقدم بعضها ان من احكام
المضاربة كون
الربح بينهما ، وعليه فشرط كون بعضه لغيرهما شرط مخالف
للمشروع فيفسد . وحينئذ
فلا يبعد القول بصحة المضاربة وكون المشروط للمالك وعدم
بطلان العقد ، اذ لاشئ
يتوهم كونه مدركا للبطلان سوى انه مع بطلان الشرط يكون
حصة كل منهما غير
معلومة ، ودلالة النصوص الخاصة عليه . وهما غير تامين ،
اما الاول فلان حصة العامل
معلومة ، وما شرط للاجنبي لفساد الشرط يرجع الى اصله ،
فيكون للمالك فلاجهل بها .
واما الثاني فلانها لاتدل على انه يعتبر في المضاربة جعل
الربح لهما ، بل تدل على ان
من آثار المضاربة كون الربح بينهما ، وفي المقام بعد
بطلان الشرط يكون الربح بينهما .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 20 من ابواب المهور كتاب النكاح حديث
4 .
( 2 ) المائدة آية 2 . ( * )
] وللعامل ما شرطه له ، [
فالاظهر بطلان الشرط وصحة المضاربة .
قال في التذكرة - على ما حكى - : انه يعتبر ان يكون الاسترباح بالتجارة ،
واما اذا كان بغيرها كان يدفع اليه ليصرفه في الزراعة
ويكون الربح بينهما لم يصح .
وعلله بان هذه الاعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها ،
فاستغنى عن القراض فيها ،
وانما يسوغ القراض فيما لايجوز الاستئجار عليه ، وهو
التجارة التي لا يمكن ضبطها
ولا معرفة قدر العمل فيها .
ولكنه لا يصلح للمنع لو كان لدليل المضاربة اطلاق شامل
للفرض ، فالعمدة
في اعتبار ذلك انه لا اطلاق لادلة المضاربة شامل للدفع
لغير التجارة . ودعوى ان
عمومات امضاء العقود كافية في الحكم بالصحة ، مندفعة
بانها مخصصة بما دل على النهي
عن الغرر اللازم في الفرض ، للجهل بحصول الزرع ومقداره
كما لا يخفى . فالظاهر
اعتبار ذلك .
الامر الرابع : في الاحكام ، وفيه مسائل .
الاولى : ( وللعامل ما شرط له ) في هذه المعاملة ، ان
نصفا فنصف وان ثلثا
فثلث ، كما هو المشهور بين الاصحاب . وعن المفيد والشيخ
في النهاية وسلار وابن
البراج ان له اجرة المثل والربح بتمامه للمالك .
ومرجع هذا الخلاف الى ان عقد المضاربة هل يكون مشروعا ام
لا ؟ والقول
المشهور مبنى على الاول ، والثاني على الثاني .
والاول اظهر ، للنصوص الخاصة الدالة على ذلك ، لاحظ صحيح
] ولو وقعت فاسدة فله اجرة المثل والربح لصاحب المال ، وليست
لازمة . [
محمد بن قيس عن مولانا الباقر عليه السلام عن امير
المؤمنين
عليه السلام : من اتجر مالا واشترط نصف الربح فليس عليه
ضمان ، وقال :
من ضمن تاجرا فليس له الا رأس ماله ، وليس له من الربح
شئ ( 1 ) ومثله موثقه ( 2 ) .
وموثق اسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه السلام عن مال
المضاربة ، قال عليه
السلام : الربح بينهما والوضيعة على المال ( 3 ) ونحوه
غيره من النصوص الكثيرة .
واستدل للثاني بان النماء تابع للاصل بالاصالة ، فيكون
الربح للمالك . وبان
هذه المعاملة معاملة فاسدة لجهالة العوض ، فتبطل فيكون
الربح لصاحب المال ، وعليه
اجرة المثل للعامل .
وفيه : ان جميع ما ذكر وان كانت موافقة للقواعد ، ولكنها
مندفعة بالنصوص
الخاصة المعتبرة المعمول بها بين الاصحاب ، فلا اشكال في
الحكم اصلا .
هذا على تقدير صحة المعاملة ، ( و ) اما ( لو وقعت فاسدة
، فله اجرة المثل
والربح لصاحب المال ) ، اما كون الربح لصاحب المال
فلتبعية النماء للاصل ، واما
كون اجرة المثل للعامل فلقاعدة ما يضمن ، ولما مر من ان
الامر بالعمل لامجانا
موجب للضمان .
الثانية : المضاربة جائزة من الطرفين ( وليست لازمة )
اجماعا ، وبه يخرج عن
اصالة اللزوم . وفي الحدائق : ويؤيده انه وكالة في
الابتداء ، ثم قد يصير شركة بعد
العمل ، وكل من الوكالة والشركة من العقود الجائزة .
وكيف كان ، فيجوز لكل منهما
فسخها ، سواء كان قبل الشروع في العمل او بعده ، قبل
حصول الربح او بعده ، نض
..............................................................................
( 1 ) اورد صدره في الوسائل باب 3 من ابواب كتاب
المضاربة - حديث 2 وذيله في باب 4 منها .
( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب المضاربة حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 3 من ابواب المضاربة حديث 5 . ( * )
] ويقتصر على المأذون ، [
المال او كان به عروض .
لكن ذكر واحد انه ان كان الفاسخ هو العامل ولم يظهر ربح
فلا شئ له ،
وان كان هو المالك ضمن للعامل اجرة المثل الى ذلك الوقت .
وقيل : انه لا شئ له وان فسخ المالك ، لاقدامه عليه مع
معرفته جواز العقد
وامكان فسخه قبل ظهور الربح بل وبعده ، مع تحقق الوضيعة
المستغرقة له لكونه
وقاية لرأس المال .
وعن التذكرة انه يستحق اجرة المثل وان فسخ العامل . وهذا
هو الاظهر ، لما
مر من ان العمل لا مجانا محترم لا يذهب هدرا اذا كان
بامر المالك ، والاقدام
مع العلم
بجواز العقد غير الاقدام على التبرع ، والنافي للضمان هو
الثاني دون الاول .
وقد تقدم الكلام في اشتراط الاجل وعدم الفسخ مفصلا في
الامر الاول فلا
نعيد .
بقى في المقام فروع :
1.
اذا اشترط
المالك على العامل شراء الجنس الخاص ، او الشراء من
شخص معين ، او ان لا يسافر وما شاكل ، يجب عليه العمل
بالشرط ( ويقتصر على
المأذون ) ، لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشرط ( 1 )
ولتقييد الاذن في التصرف في
ماله ، فمقتضى قاعدة السلطنة عدم التصرف غير المأذون .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الخيار كتاب التجارة . ( * )
[ . . . ]
ولكن لو خالف وربح يكون الربح بينهما ، وذلك لجملة من
النصوص الخاصة ،
لاحظ صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام عن
الرجل يعطى المال
مضاربة ، وينهى ان يخرج به فخرج ، قال عليه السلام :
يضمن المال ، والربح بينهما ( 1 ) .
وصحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام ، انه قال في
الرجل يعطي
الرجل المال فيقول له : ائت ارض كذا وكذا ولا تجاوزها
واشتر منها ، قال عليه السلام :
فان جاوزها وهلك المال فهو ضامن ، وان اشترى متاعا فوضع
فيه فهو عليه ،
وان ربح
فهو بينهما ( 2 ) .
وخبر ابي بصير عنه عليه السلام في الرجل يعطي الرجل
المال مضاربة وينهاه
ان يخرج الى ارض اخرى فعصاه ، فقال : هو له ضامن ،
والربح بينهما اذا خالف شرطه
وعصاه ( 3 ) .
وموثق جميل عنه عليه السلام في رجل دفع الى رجل مالا
يشتري به ضربا
من المتاع مضاربة ، فذهب فاشترى به غير الذي امره به ،
قال عليه السلام : هو
ضامن ، والربح بينهما على ما شرط ( 4 ) وقال المحقق
الاردبيلي ره : ان هذه الرواية أصح
الروايات التي في هذا الباب ، مع ان في سندها معاوية بن
حكيم ، فيستكشف من ذلك
ان نظره موافق مع ما قاله النجاشي من انه ثقة جليل ، الى
غير تلكم من النصوص
الكثيرة .
ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين اخذ الشرط قيدا ، وبين
كونه من قبيل
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة - حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة حديث 10 .
( 4 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة حديث 9 . ( * )
] ولو اطلق تصرف كيف شاء مع اعتبار المصلحة ، ويضمن لو خالف
. وتبطل
بالموت . [
الالتزام في الالتزام ، وعدم انطباقها حينئذ على القواعد
، فانها في صورة القيدية تقتضي
كون تمام الربح للمالك ، وكذا في صورة الالتزام في
الالتزام ، لو فسخ المالك العقد وليس
عليه اجرة المثل للعامل حينئذ ، لعدم كون العمل بامره ،
بل المفروض كونه مع نهيه
لا يضر بعد كون الروايات معتبرة والاصحاب عملوا بها ،
وكم من قاعدة يقيد اطلاقها
بالنص الخاص . ولا يصغى الى ما ارتكبه المحقق الاردبيلي
ره من الاحتمالات البعيدة
والتمحلات غير السديدة ، ولا الى ما ذكره بعض محشي
العروة من امكان تطبيقها
على القواعد .
2.
( ولو اطلق )
المالك ولم يشترط شيئا ( تصرف ) العامل ( كيف شاء مع
اعتبار المصلحة ) ، اما تصرفه كيف شاء فهو للاذن المطلق
في عقد المضاربة ، واما
اعتبار المصلحة فلكونه من قبيل الشرط الضمني .
3.
( و ) لو اشترط
عليه ( يضمن لو خالف ) بلا خلاف ، للنصوص المتقدمة .
4.
لا خلاف ( و
) لا كلام في انه ( يبطل ) عقد المضاربة ( بالموت ) من غير فرق
بين موت المالك او العامل .
اما الاول فقد استدل لبطلان العقد بموته بانتقال المال
بموته الى وارثه ، فابقائه
يحتاج الى عقد جديد بشرائطه .
وفيه : انه ان اريد بذلك انه ليس للمالك في حال حياته
التصرف في ماله بعد
موته ، فيرد عليه اولا : انه يختص بما زاد على الثلث .
وثانيا : ان الحق ان له ان يتصرف في ماله بعد موته بازيد
من الثلث ايضا بمثل
البيع بثمن المثل .
وان اريد به ان مناط جواز تصرف العامل هو الاذن وينقطع
بالموت ، ففيه : ان
[ . . . ]
حدوث الاذن سيما العقدي منه كاف فيه ، ولذا لو وكله ثم
سهى عن توكيله بالمرة
بحيث لم يبق في خزانة نفسه نفذ تصرفه عليه ، مع ان له ان
يقول : انت مأذون في
التصرف في مالي في حياتي وبعد مماتي ، غاية الامران يدخل
في عنوان الوصية بالنسبة
الى ما بعد الموت . فالعمدة في الحكم بالبطلان الاجماع
ان تم ، وما قيل من انصراف
العقد الى حال حياته في الغالب .
واما الثاني فقد استدل لبطلانه بموته باختصاص الاذن به .
ويمكن ان يقال :
ان عقد المضاربة اذا اوجب حقا للعامل في التصرف في المال
، فما دل على ان ما تركه
الميت فلوارثه ( 1 ) يدل على انتقال هذا الحق كحق الشفعة
وغيره الى الوارث ، اللهم الا
ان يقال : ان ذلك متوقف على ؟ ؟ وت كونه من قبيل الحق
القابل للانتقال ولم يثبت ،
والذي يسهل الخطب ان المسألة اجماعية ، كما ان ظاهر الاصحاب
التسالم على بطلان
العقود الجائزة مطلقا بالموت او الجنون او الاغماء ، أو نحو ذلك مما يوجب بطلان الاذن
من المالك .
وهل يجوز لوارث المالك اجازة العقد بعد موته ام لا ؟
ربما يقال بالثاني ، نظرا
الى ان المال حال العقد غير مربوط بالوارث ، فالعقد غير
واقع على ماله حتى يأذن
فيه ويجيزه .
واورد عليه بانه يكفي في صحة الاجازة كون المال في معرض
الانتقال اليه ،
وان لم يكن له علقة به حال العقد ، ومرجع اجازته حينئذ
الى ابقاء ما فعله المورث ،
وهذا بظاهره بين الضعف .
ويمكن ان يقال : ان المقام من قبيل اجازة البيع الواقع
من غير المالك ثم ملك
..............................................................................
( 1 ) النساء آية 11 و 12 اصول الكافي ج 1 ص 406 . ( * )
] ويشترط العلم بمقدار المال . ويملك العامل حصته من النماء
بالظهور ،
[
حال الاجازة ، فكما ان هناك يقال ان للعقد بقاء والمالك
باجازته اياه ينسبه الى نفسه ،
كذلك يقال في المقام ان للعقد بقاءا مادام بقاء المال
فيجيز الوارث المالك ذلك العقد ،
ومجرد انه في هذه المسألة يكون العقد صحيحا حدوثا بخلافه
في تلك المسألة ، لا يصلح
فارقا بعد عدم كون المجاز هو حدوث العقد بل بقائه .
فان قيل : لو تم ذلك لزم التقييد بما اذا كان المال نقدا
، فانه بالاجازة يتحقق
فرد آخر من المضاربة ، فيعتبر فيه ذلك .
قلنا : ان مدرك اعتبار كون مال القراض نقدا هو الاجماع ،
والمتيقن منه غير
الفرض .
5.
( و ) قد مر
انه ( يشترط العلم بمقدار المال ) .
يملك العامل حصته من النماء بالظهور
الثالثة : ( و ) المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة انه (
يملك العامل حصة
من النماء بالظهور ) ملكا متزلزلا ، ولا يتوقف ذلك على
وجوده ناضا .
وعن الفخر عن والده ره ان في المسألة اقوالا اربعة ،
ولكنه لم يذكر القائل
واحتمل ان يكون من العامة :
1.
ما هو
المشهور .
2.
انه يملك
بالانضاض .
3.
انه يملك
بالقسمة .
4.
ان القسمة
كاشفة عن الملك سابقا .
والاول اظهر ، لانه جعل الربح لهما ، فالربح من اول
تحققه يكون مشتركا
[ . . . ]
بينهما . ولانه مملوك وليس للمالك ، فيكون للعامل . ولا
طلاق النصوص بان العامل يملك
ما شرط من الربح ، وهو متحقق قبل الانضاض وقبل القسمة .
ولصحيح محمد بن
قيس عن الامام الصادق عليه السلام عن رجل دفع الى رجل
ألف درهم مضاربة
فاشترى اباه وهو لا يعلم ، قال عليه السلام : يقوم ، فان
زاد درهما واحدا اعتق
واستسعى في مال الرجل ( 1 ) اذ لو لم يكن مالكا لحصة من
الربح بمجرد ظهوره لم
ينعتق عليه ابوه في الصورة المفروضة في الخبر .
واستدل للثاني بانه قبل الانضاض غير موجود خارجي بل مقدر
موهوم ،
والمملوك لابد وان يكون محقق الوجود .
واورد عليه تارة بما عن جامع المقاصد والمسالك وغيرهما
بالنقض بملك الدين
مع انه معدوم ، واخرى بمنع كونه امرا وهميا كما في
العروة .
ولكن الصحيح ان يقال : ان الربح لا يراد به المالية
المحضة التي هي امر
انتزاعي ناش من الرغبة في العين ، والا لم يتم شئ من
الايرادين ، بل المراد به مقدار
من العين الموجودة على حسب الحصة من المالية ، وبه يندفع
الاشكال رأسا ، وكون
المراد من الربح ذلك هو المرتكز في اذهان اهل العرف كما
يظهر لمن راجع ، ويشهد به
ان له مطالبة القسمة .
واستدل للثالث بانه لو ملك قبل القسمة لاختص بربحه ،
وبانه يلزم ان يكون
النقصان الحادث بعد ذلك شايعا في المال كسائر الاموال
المشتركة ، والتالي باطل
لانحصاره في الربح .
ولكن يرد على الوجه الثاني انه لا ملازمة بين الملك
وضمان الحادث
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 8 - من ابواب المضاربة . ( * )
[ . . . ]
على الشياع ، ويجوز ان يكون مالكا بالملك المتزلزل ويكون
استقراره مشروطا
بالسلامة ، فلا منافاة بين الملك وكون ما يملك وقاية
لرأس المال . ويرد ما قبله انه
لامنافاة بين ملك الحصة وعدم ملك ربحها بسبب تزلزل الملك
، وايضا لو اختص بربح
نصيبه لزم استحقاقه من الربح اكثر مما شرط له ، فكان هذا
مشروط في ضمن العقد .
واستدل للرابع بان القسمة ليست من الاسباب المملكة ،
والمقتضى للملك انما
هو العمل ، وهي دالة على تمام العمل الموجب للملك . ومما
قدمناه ظهر ضعف ذلك .
وفالاظهر ما عليه المشهور ، ويترتب عليه جميع آثار
الملكية من جواز المطالبة
بالقسمة ، وصحة تصرفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ،
وتعلق الخمس والزكاة ،
وحصول الاستطاعة للحج ، وتعلق حق الغرماء به ، وغير تلكم من الآثار .