المساقاة

 

( واما المساقاة ) فقد مر بيان حقيقتها ، ومشروعيتها ، ولزومها ، وبقي الكلام

فيها في جملة من شروطها واحكامها ، ( ف ) الكلام في تلك في موضعين :

الاول : في شروطها ، وهي ( ستة ) .

الاول : ( العقد من اهله ) ، وما ذكرناه في المزارعة جار هنا فلا نعيد .

( و ) الثاني والثالث : ( المدة المعلومة وامكان حصول الثمرة فيها ) ، بلا خلاف

يعتد به في اشتراط الاول ، وعلى المشهور في الثاني ، وقد مر الكلام فيهما ايضا في كتاب

المزارعة ، لان المدرك والاقوال فيهما واحد فلا حاجة الى الاعادة ، وما ذكرناه من

الفروع المترتبة على هذين الشرطين هناك تأتي في المقام .

 

 

] وتعيين الحصة وشياعها وان يكون على اصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع

بقائه [

 

( و ) ايضا قد ظهر مما قدمناه في المزارعة اعتبار شرط رابع وهو ( تعيين الحصة ) .

( و ) اما الخامس ، وهو ( شياعها ) ، فقد استدلوا لاعتباره تارة بقاعدة الاقتصار

على المتيقن من النص والفتوى في عقد المساقاة ، المخالف لاصالة عدم الغرر .

واخرى بمنافاة عدم اشاعة النماء بينهما لوضع المساقاة .

وثالثة بان جملة من نصوصها مختصة بذلك .

وقد مر الكلام في هذه الوجوه في كتاب المزارعة وعرفت فساد الجميع ، وانما

بنينا على اعتبار ذلك في المزارعة لنص خاص مفقود في المقام ، ولكن الاجماع على عدم

الفصل بينهما ، بل الاجماع على اعتبار ذلك في المقام نفسه ، يكفي في الحكم باعتباره .

ثم ان هاهنا فروعا مترتبة على اعتبار هذا الشرط ، قد ذكرناها في باب المزارعة

فلا نعيد .

( و ) السادس مما قالوا : بانه يعتبر فيما يساقي عليه ( ان يكون على اصل ثابت

له ثمرة ينتفع بها مع بقائه ) وهذا ينحل الى امور .

1.    اعتبار كونه اصلا ثابتا ، والمراد به ما كان كالنخل والشجر الذي له ساق ،

فلا تصح المساقاة على نحو البطيخ والباذنجان . قال في التذكرة : لا تثبت المساقاة

عليها اجماعا . وفي العروة : ولكن لا يبعد الجواز للعمومات ، وان لم يكن من المساقاة

المصطلحة ، بل لا يبعد في مطلق الزرع كذلك ، فان مقتضى العمومات الصحه بعد

كونها من المعاملات العقلائية ولا تكون من المعاملات الغررية عندهم ، غاية الامر انها

ليست من المساقاة المصطلحة .

ويرد عليه انه : حيث يكون مقدار الحاصل غير معلوم ، فلامحالة يلزم الغرر ،

وعليه فلا وجه للتمسك بالعمومات الدالة على امضاء كل عقد عقلائي ، لانها

 

 

[ . . . ]

خصصت بما دل ( 1 ) على النهي عن الغرر .

واما بناء العقلاء على هذه بالخصوص ، فقد يقال انه بضمية عدم ردع الشارع

كاف في البناء على المشروعية ، وبه يقيد اطلاق دليل الغرر .

ولكن يتوجه عليه ان ما دل على النهي عن الغرر يصلح للرادعية ، فلا دليل

على الامضاء .

فان قيل : ان رادعيته دورية ، لتوقفها على عدم امضاء ذلك البناء الخاص ، وهو

متوقف على رادعية النهي عن الغرر ، والا فلا ردع غيره فيستكشف الامضاء فهي

غير معقولة .

قلنا : ان رادعيته متوقفة على ثبوت موضوعه وصدقه على المورد لا على شئ

آخر ، ولو امضى الشارع الاقدس البناء الخاص لزم منه تقييد دليله ، فلا تتوقف

رادعيته على عدم امضاء ذلك ، بل الامضاء متوقف على عدم رادعية النهي عن الغرر .

وعليه فلا يبقى سوى النصوص الخاصة ، وهي اخبار خيبر ( 2 ) وخبران اخران ( 3 ) ومورد

الجميع ماله ساق ، فثبوت الحكم في غيره يحتاج الى دليل مفقود .

2.    اعتبار كون ما يساقي عليه من الاشجار التي لها ثمرة ، فما لا ثمرة له وانما

له ورق ينتفع به او ورد او نحو ذلك كالحناء لا تصح المساقاة عليه . وهذا ايضا مشهور

بينهم ، وتردد المحقق في الحكم ، بل مال المصنف ره في محكى القواعد والشهيد الثاني في

المسالك الى الجواز ، وفي الجواهر : ولو قيل بالتفصيل بين المساقاة على هذه تبعا لغيرها

من اشجار الفواكه فتجوز ومستقلة فلا تجوز لكان وجيها .

...............................................................................

( 1 ) التذكرة ج 1 ص 466 - مسألة الطير في الهواء وقد سبقه الشيخ في الخلاف .

( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب كتاب المزارعة والمساقاة .

( 3 ) الوسائل - باب 9 من ابواب كتاب المزارعة والمساقاة . ( * )

 

 

[ . . . ]

واستدل للمنع بان هذه المعاملة باشتمالها على ضرب من الغرر بجهالة العوض

على خلاف الاصل ، فيقتصر فيها على محل الوفاق ، وهو شجر الثمرة .

وللجواز بان الورق المقصود كالثمرة في المعنى ، فيكون مقصود المساقاة

حاصلا ، وبما في المسالك : وفي بعض الاخبار ما يقتضي دخوله .

اما وجه المنع فهو متين ، لو لم يكن في الاخبار ما يشهد بالدخول ، والا

فمعه لاوجه للاقتصار على المتيقن .

واما الوجه الاول للجواز فيدفعه ان حصول المقصود لا يكفي في الصحة بعد

كون مقتضى القاعدة عدمها ، واحتياج الصحة الى دليل .

واما الوجه الثاني له فليس المراد بالخبر المقتضي للدخول النص الخاص ، بل

المراد به :

اما اخبار خيبر ، لغلبة الظن بوجود هذه الاشجار في خيبر ، بل عن جامع

المقاصد : كاد يكون معلوما .

واما خصوص ما تضمن منها ان النبي صلى الله عليه وآله عامل اهل خيبر

بشطر ما يخرج من النخل والشجر ( 1 ) و " ما " من ادوات العموم .

واما ما تضمن منها المساقاة على ماله ثمرة ، والثمرة شاملة لها .

واما خبر يعقوب من شعيب عن الامام الصادق عليه السلام عن الرجل يعطي

الرجل ارضه ، وفيها رمان او نخل او فاكهة ، ويقول : اسق هذا من الماء واعمره ولك

نصف ما اخرج ، قال عليه السلام : لا بأس ( 2 ) بدعوى عموم الفاكهة .

والجميع حسنة ، وعليه فالاظهر جواز المساقاة على الاشجار التي ينتفع بورقها

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 10 من ابواب كتاب المزارعة حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 9 من ابواب كتاب المزارعة . ( * )

 

 

] وتصح قبل ظهور الثمرة وبعدها مع الاستزادة بالعمل [

 

كالتوت والحناء .

3.    ان ينتفع به مع بقائه ، فلو انعدم بالانتفاع لا تصح المساقاة ، ووجهه واضح

مما قدمناه .

4.    يعتبر ان يكون ثابتا مغروسا ، فلا يصح في الودي - اي الفسيل قبل

الغرس - والظاهر انه لا خلاف يعتد به في اعتباره ، ووجهه اختصاص النصوص بما

هو ثابت . والاستدلال للصحة في غير الثابت بالعمومات ، قد عرفت فساده من جهة

تقييدها بما دل على النهي عن الغرر .

ولا خلاف ( و ) لا اشكال في انه ( تصح ) المساقاة ( قبل ظهور الثمرة ) ، كما لا

خلاف ( و ) لا اشكال في عدم صحتها بعد البلوغ والادراك ، بحيث لا تحتاج الى عمل

غير الحفظ والاقتطاف ، لانها والحال هذه قد ملكها رب البستان ولم تحصل بالمساقاة

زيادة الثمار ، فلا موضوع للمساقاة .

انما الخلاف في صحتها اذا كان ( بعد ) ظهور ( ها ) قبل البلوغ ( مع الاستزادة

بالعمل ) ، فالمشهور بين الاصحاب على ما في الحدائق الصحة ، واستدل لها بان الغرض

من المساقاة تحصيل الثمارة او جودتها ، فتجوز في الفرض تحصيلا لتلك الفائدة . وايد

ذلك في المسالك بان العقد حينئذ ابعد عن الغرر للوثوق بالثمرة ، فيكون اولى مما لو

كانت معدومة .

ولكن الاول مردود بان الصحة تتوقف على دليل ، ومجرد وجود الغرض لا يكفي

في ذلك . ويرد على الثاني ان الاولوية المزبورة غير قطعية . فالاظهر عدم الصحة ،

لاختصاص خبر شعيب المتقدم وقصة خيبر بما قبل الخروج ، فلا دليل عليها بعده ،

والاصل عدمها كما مر .

 

] واطلاق العقد يقتضي قيام العامل بكل ما يستزاد به الثمرة [

 

احكام المساقاة

 

الموضع الثاني : في احكامها ، وفيه مسائل :

الاولى : في العمل . لا اشكال في انه يعتبر كون عمل على العامل ، ليتحقق به

عنوان هذه المعاملة .

وهل يعتبر السقي بالخصوص عليه ، فلا تصح المساقاة على اشجار لا تحتاج الى

السقي ، لاستغنائها بماء السماء او لمص اصولها من رطوبات الارض ، وان احتاجت

الى اعمال اخر ، نظرا الى اقتضاء عنوان المساقاة ذلك ، واختصاص خبر شعيب بن

يعقوب المتقدم به . ام لا يعتبر ذلك ، لان عنوان المساقاة لم يؤخذ في خبر من الاخبار ،

وانما هي من اصطلاح العلماء من جهة الاحتياج الى السقي غالبا وجعله على العامل ،

والا فاخبار خيبر التي هي العمدة في المقام خالية عن ذلك ، وخبر شعيب لا مفهوم له

كي يدل على عدم الصحة بدونه ، سيما وان السقي في كلام السائل ؟ وجهان ، اوجههما

الثاني .

وليعلم انه لا خلاف بينهم في ان بعض الاعمال على المالك وبعضها على العامل ،

( و ) قالوا : ان ( اطلاق العقد يقتضي قيام العامل بكل ما ) يتكرر كل سنة ، و

( يستزاد به الثمرة ) في الكم او الكيف ، كاصلاح الارض بالحرث او الحفر حيث يحتاج

اليه وما يتوقف عليه من الالات ، وتنقية الاجاجين ، وتنقية الانهار ، والسقي ومقدماته

المتكررة كالدلو والرشا ، واصلاح طريق الماء وتنقيتها من الحمأة ، واستقاء الماء ،

وتهذيب جرائد النخل والكرم ، والتلقيح واللقاط والتشميس ، واصلاح موضعه ، وحفظ

الثمرة الى موقع التقسيم ، وما شاكل .

 

 

] وعلى المالك بناء الجدران وعمل الناضح والخراج [

 

( و ) ان ( على المالك ) ما لا يتكرر في كل سنة ، أولا يستزاد به الثمرة ، ولا يؤثر

في جودتها ، ك ( بناء الجدران وعمل الناضح والخراج ) وما شاكل .

ولا دليل على شئ من الضابطين ، سوى انه في المساقاة بحسب الطبع الارض

وما يتبعها على المالك ، والعمل وما يرتبط به مما هو دخيل في فعلية وجود الثمرة على

العامل ، ولعله الى هذا يشير التعليل في خبر الكندي المتقدم في الخراج المتضمن انه

على المالك : بانه على ارضك .

وانما وقع الخلاف في بعض الامور انه على المالك او العامل ، مثل البقر الذي

يدير الدولاب ، والكبش للتلقيح ، وبناء الثلم ، ووضع الشوك على الجدران ، وغير ذلك .

والاقوى في الجميع انه ان كان هناك عادة موجبة لكونها على المالك او العامل ، والا

فلابد في العقد من التعيين على المالك او العامل او عليهما معا ، دفعا للغرر .

ولا يعتبر في صحة المساقاة كون جميع العمل على العامل ، بل لو شرط كون

بعضه على المالك صحت ، فان كان المشروط هو ما عليه كان تأكيدا ، وان كان غيره

فانما تصح لو كان بعض ذلك والا فتبطل ، لان الحصة انما يستحقها العامل بالعمل ،

فاذا دفعه عنه لم يستحق شيئا نعم ، لا فرق في ما يبقى على العامل بين الاقل والاكثر ،

بشرط ان يكون ما يستزاد به الثمرة كما مر .

وايضا لا خلاف بينهم في انه لا يجب على العامل العمل بالمباشرة ، ويجوز له ان

يستأجر الغير للعمل ، وعليه فيجوز ان يستأجر المالك له ، فتكون الارض والعمل منه

واجرة العمل على العامل ، والحاصل بينهما على ما شرطا . ولو شرطا ذلك في العقد صح .

ولو شرط العامل على المالك اجرة العمل ، فان كان مع عدم ابقاء شئ من

العمل على العامل بطل ، لمنافاته لوضع المساقاة . وان كان مع ابقاء شئ منه مما يستزاد

به الثمرة صح ، وما عن المبسوط من البطلان لمنافاته موضوع المساقاة الذي هو ليس

 

 

] مع بطلانها يثبت للعامل اجرة المثل والنماء لربه . ولو شرط على العامل

مع الحصة ذهبا او فضة ، كره [

 

الا دفع الاصول من المالك ، يدفعه انه لا دليل على اعتبار ذلك بنحو ينافيه اشتراط

خلافه . وان كان مع بقاء ما لا يستزاد به الثمرة ، ففي المسالك ذكر فيه وجهان ، ولكن

قد ظهر مما قدمناه ان الاظهر هو البطلان .

الثانية : في بيان حكم ما لو بطلت المساقاة ، وانه هل يستحق العامل شيئا ام

لا . ( و ) المشهور بين الاصحاب انه ( مع بطلانها يثبت للعامل اجرة المثل ) ، وقد مر

الكلام في نظير المسألة في باب المزارعة فيما اذا بطلت ، وجميع ما ذكرناه في تلك المسألة

جارية في المقام ، فلا وجه للاعادة . ( و ) مما ذكرناه هناك يظهر ان ( النماء لربه ) في المقام .

 

كراهة اشتراط الذهب والفضة

 

الثالثة : لا اشكال ( و ) لاخلاف في انه ( لو شرط على العامل مع الحصة ذهبا

او فضة ) جاز ، لانه شرط ليس مخالفا للكتاب والسنة ولا لمقتضى العقد ، فيشمله دليل

وجوب الوفاء بالشرط ( 1 ) انما الكلام في موردين :

احدهما : فيما افاده بقوله ( كره ) ، وهذا وان كان مشهورا بينهم بل عن غير

واحد نفي الخلاف فيه ، الا انه لا دليل عليه . ولا وجه لما في الجواهر - قال : ولعل مثل

ذلك كاف في ثبوتها للتسامح فيه - فان التسامح انما هو في السنن والمستحبات لا في

المكروهات ، مع انه فيما اذا ورد خبر ضعيف ولا دليل على التسامح بدونه ولو مع فتوى

المشهور .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الخيار كتاب التجارة . ( * )

 

 

] ووجب الوفاء مع سلامة الثمرة [

 

ثانيهما : ان اكثر الاصحاب بعد ما قالوا في فرض الاشتراط ( ووجب الوفاء )

الذي يقتضيه عموم دليل الشرط ، قيدوه بقولهم ( مع سلامة الثمرة ) ، فلو تلفت الثمرة

اجمع بآفة لم يلزم الوفاء به ، وكذا اذا لم تخرج . وعن جماعة وجوب الوفاء به ، وعدم

سقوط الضميمة . وفصل بعضهم بين صورة عدم الخروج اصلا فتسقط وصورة التلف

فلا .

واستدل للاول بامتناع استحقاق احد العوضين او بعضه بدون ما يقابله من

العوض الاخر ، فان الشرط جزء من العوض . وبان الفائدة ركن في المساقاة فمع

عدمها لا يكون شئ في مقابل العمل ، والضميمة المشروطة لا تكفي في العوضية ،

فتكون المعاملة باطلة من الاول ، ومعه لا يبقى وجوب الوفاء بالشرط .

ولكن يرد على الاول ان الشرط ليس جزء من العوض ، بل هو التزام مستقل

في ضمن التزام ، ولذا تخلفه يوجب الخيار لا فساد العقد ولا سقوط شئ من العوض .

ويرد على الثاني ان حقيقة المساقاة بحسب الارتكاز العرفي هي المشاركة في

استخراج الاثمار ، بضم العمل من احدهما الى الاصول من الآخر على ان تكون

الفائدة بينهما ، نظير المزارعة والمضاربة ، ويستتبع العقد عليها تسليط من المالك للعامل

على الاصول للاستنماء له وللمالك ، فليست الفائدة ركنا في المساقاة بالمعنى المزبور ،

ولذا لا يستحق العامل اجرة عمله اذا لم تخرج او خرجت وتلفت في غير صورة ضم

الضميمة ، بدعوى الكشف عن بطلانها من الاول واحترام عمل المسلم .

فان قيل : فعلى هذا ، يلزم صحة المساقاة مع الاطمينان بعدم الفائدة .

قلنا - مضافا الى ان المعاملة المفروضة سفهية - : انه لا يتمشى القصد الجدي

الى المعاملة مع الاطمينان بعدم الفائدة ، مع انه لو سلم كون المساقاة من المعاوضات

لا المشاركات ، فالمعاوضة انما هي بين العمل من العامل وبين منفعة الارض وتسلط

 

 

[ . . . ]

العامل على الاصول والفائدة خارجة عن طرفي المعاوضة . اضف الى ذلك كله انه لو

تم ما ذكر وجها للبطلان ، فانما هو في صورة عدم الخروج لا في صورة خروج الفائدة

وتلفها ، لان العامل يملك حصة من الثمرة بالظهور ، فاذا تلف بعضها تلف في ملكه

بعد استحقاقه اياه . فالاظهر هو لزوم الوفاء بالشرط وعدم السقوط .

واولى من ذلك في عدم السقوط ووجوب الوفاء ما لو شرط من العامل على

المالك ، والمحقق الثاني ره - بعد حكاية السقوط وعدم وجوب الوفاء في هذه الصورة

عن التذكرة والتحرير - قال : وفيه نظر ، لان العوض من قبل العامل وهو العمل قد

حصل ، والشرط قد وجب بالعمل ، فكيف يسقط بغير مسقط ، فان تلف احد العوضين

لا يوجب سقوط البعض الآخر مع سلامة العوض الآخر ، انتهى . وتبعه في المسالك .

ويرد عليهما اولا : ان المساقاة من المشاركات لا المعاوضات .

وثانيا : انها لو كانت من المعاوضات فاحد العوضين العمل ، والآخر التسليط

على الاصول لا الفائدة .

وثالثا : ان الشرط ليس جزءا لاحد العوضين كما مر .

ورابعا : ان تلف احد العوضين او عدم وجوده يوجب السقوط بحسابه من

الآخر ، فيلزم في الفرض استحقاق العامل زايدا على الشرط اجرة بعض عمله المقابل

للفائدة على ما افاداه .

وبما ذكرناه ظهر حكم ما لو كان التالف البعض خاصد في الصورتين ، فانه

لا اشكال على ما ذكرناه في عدم سقوط الضميمة ووجوب الوفاء بالشرط ، وكذا في

صورة القصور في الخروج . لكن في محكى القواعد : وفي تلف البعض الآخر او قصور الخروج اشكال ،

وافاد المحقق الثاني ره في منشأ الاشكال بقوله : من ان الشرط محسوب من احد

 

 

[ . . . ]

العوضين ، ولا ريب في ان مجموع احد العوضين مقابل بمجموع الاخر فيقابل الاجزاء

بالاجزاء ، فاذا تلف بعض احد العوضين وجب ان يسقط مقابلة من العوض الاخر ،

الى ان قال : ومن ان مقابلة الاجزاء بالاجزاء في عوض المساقاة منتفية ، لان الفائت

والتالف عند حصول التلف او نقصان الخروج غير معلوم ، فلو تحققت المقابلة لم يكن

الساقط في مقابله معلوما ، انتهى .

ويرد عليه - مضافا الى ما تقدم - : ان عدم معلومية الساقط لا يوجب وجها ،

لعدم مقابلة الاجزاء بالاجزاء اذا كانت حقيقة المعاوضة مقتضية للمقابلة ، مع انه لو

سلم فانما هو في صورة نقصان الخروج لا صورة التلف بعد الظهور .

ولا يخفى ان جميع ما ذكرناه انما هو في صورة عدم الشرط ، والا فان أخذ

خروج الثمرة وسلامتها شرطا لالتزامه ، فلا اشكال في سقوط الضميمة ، وعدم وجوب

الوفاء بالشرط مع تلف الثمرة او عدم خروجها ، ولذلك ربما يقال انه لا يبعد ان يكون

خروج الثمرة وسلامتها عن التلف شرطا ضمنيا لالتزامه ، ولو تم فلا اشكال في

السقوط لو انتفى احد الامرين ، الا ان الظاهر عدم تماميته .

 

اشتراط مساقاة في ضمن مساقاة اخرى

 

الرابعة : اذا قال : ساقيتك على هذا البستان بكذا على ان اساقيك على الآخر

بكذا ، فعن الشيخ انه يبطل ، لانه كالبيعين في بيع المنهى عنه ، ولعدم لزوم هذا الشرط

الذي هو بمنزلة الوعد ، والفرض انه سبب في زيادة العوض او نقصانه ولم يعرف مقدار

ذلك فيتجهل ويبطل .

وفيه : ان مفروض المسألة لو كان نظير شئ ، فانما هو نظير ما لو باع شيئا

 

 

[ . . . ]

بثمن معين بشرط ان يبيعه شيئا آخر بثمن آخر الذي ليس منهيا عنه ، فان المنهي عنه

البيع حالا بكذا ومؤجلا بكذا ، والبيع على تقدير بثمن وعلى تقدير آخر بثمن آخر ( 1 )

واي ربط لذلك بما نحن فيه .

واما ما افاده من عدم لزوم هذا الشرط ، فيرد عليه : انه لا وجه له

بعد عموم وجوب الوفاء بالشرط ، وكونه شرطا في ضمن عقد لا كونه وعدا ،

مع ان عدم وجوب الوفاء به لا يوجب بطلان العقد وان صار داعيا للزيادة او النقصان ،

فان تخلف الدواعي والاغراض وان كانت دخيلة في الزيادة والنقصان لا توجب خللا

في العقد . فالاظهر هي الصحة ولزوم الوفاء بالشرط .

فان قيل : ان هذه المعاملة على خلاف القواعد كما مر ، فلا بد من الاقتصار على

المتيقن ، وهو فاقد الشرط .

قلنا : انه لو كان الشرط جزء لاحد العوضين كان ما افيد تاما ، واما على ما هو

الحق من كونه خارجا عن العقد والتزاما مستقلا في ضمنه فلا يتم ، لعدم قصور في

العقد ، وعدم زيادة شئ فيه ولا نقصانه منه ، كي يتوهم عدم شمول دليل الامضاء له .

الخامسة : في جواز مساقاة العامل غيره ان لم يشترط المباشرة اقوال - ثالثها :

عدم الجواز قبل ظهور الثمرة والجواز بعده ، رابعها : الجواز مع اذن المالك وعدمه بدونه

- اقواها المنع مطلقا .

لا لما افاده في المسالك من ان الاصل في هذه المعاملة ان تقع على الاصول

المملوكة للمساقي ، والعامل لا يملك منها سوى الحصة من الثمرة بعد ظهورها ،

وباختلاف الناس في العمل وتفاوت الاغراض فيه .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب احكام العقود كتاب التجارة . ( * )

 

 

[ . . . ]

فان شيئا من ذلك لا يصلح دليلا للمنع ، اذ كون المعاملة على الاصول

لا يقتضي عدم الجواز من المساقي بعد معلومية ارادة سقيها ونحو ذلك من المعاملة

عليها ، فهي حينئذ كالارض في المزارعة فكما لا تعتبر هناك الملكية كذلك في المقام ،

واختلاف الناس في العمل مشترك فيها وفي المزارعة والاجارة .

بل لان هذه المعاملة على خلاف القواعد باعتبار الغرر والجهالة ، ولا نص

خاص في المقام ، ومقتضى الاقتصار على المتيقن هو ذلك . وبه يظهر عدم الفرق بين

اذن المالك وعده ، ولا بين ظهور الثمرة وعدمه .

 

المغارسة باطلة

 

تذييل : المغارسة معاملة خاصة على الارض ، ليغرسها العامل على ان يكون

الغرس بينهما - وهي مفاعلة منه - وهي باطلة عندنا ، كذا في المسالك ، وفي الجواهر :

الاجماع بقسميه عليه . وعن المحقق الاردبيلي وصاحب الكفاية الاشكال فيه ، وفي

العروة : وهو في محله ان لم يتحقق الاجماع ، وتبعه جمع من محشيها .

واستدل للاول بان عقود المعاوضات موقوفة على اذن الشارع وهو منفي هنا .

ولكن لو كان مدرك البطلان ذلك امكن الاشكال فيه ، بانه وان لم يرد نص خاص

بمشروعيتها - وما يظهر من بعض النصوص محمول على وقوع ذلك بعقد صلح او

اجارة لا على مشروعية هذا العقد - الا انه يكفي في الحكم بالصحة ما دل على وجوب

الوفاء بالعقد ( 1 ) الشامل للعقود العقلائية غير ما له عنوان خاص في الاخبار ،

..............................................................................

( 1 ) سورة المائدة آية 2 . ( * )

 

 

] الفصل الثالث : في الجعالة [

 

فالصحيح ان يستدل له بان ذلك العموم قد خصص بما تضمن النهي عن الغرر ( 1 )

الكافي في الردع ، لو كان هذا عقدا خاصا ومعاملة مخصوصة فصحته تتوقف على دليل

خاص مفقود . فالاظهر هو البطلان .

وعلى البطلان فالغرس لصاحبه بلاكلام . وهل للآخر عليه اجرة مثل عمله لو

كان لمالك الارض واجرة المثل للارض مدة شغله بها لو كان للعامل ، ام ليس له ذلك ،

ام يفصل بين صورة جهل الغارس فالاول وعلمه فالثاني ؟ اقوال .

اظهرها الاول ، لا لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده لما مر من ان

عموم الموصول فيها اصنافي لا افرادي وهذه المعاملة ليس لها ضنفان صحيح وفاسد

فلا تشملها القاعدة .

بل لاستيفاء منفعة مال الآخر او عمله ، وقد مر أن مقتضى قاعدة على اليد

وغيرها ضمان المنافع المستوفاة ، وما في ضمنها من الاذن ليس اذنا في الاستيفاء مجانا

كي ينافي مع الضمان بل بعوض ، فهو يؤكد الضمان ، ولا فرق في ذلك بين صورة العلم

بالبطلان والجهل به .

وهل للمالك قلع الغرس أو أمره به ، ام يجب عليه الابقاء مع الارش او بدونه ؟

وجوه ، وقد تقدم تنقيح القول في ذلك في باب المزارعة في مسألة المزارعة الفاسدة ، فانها

نظير المقام فلا نعيد ما ذكرناه .

 

الجعالة

 

( الفصل الثالث : في الجعالة ) وهي بتثليث الجيم ، وكسرها اشهر ، كذا في

..............................................................................

( 1 ) التذكرة ج 1 ص 466 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المسالك . وهي كما ذكروه لغة اسم لما يجعل للانسان على عمل شئ ، ولا حقيقة شرعية

لها ولا متشرعية ، بل في الشرع تستعمل فيما وضعت له ، غاية الامر اضاف الشارع

الاقدس في موضوع الاثار قيودا ، والى هذا نظرهم حيث قالوا : وهي شرعا التزام

عوض عمل محلل مقصود . وكيف كان ، فلا خلاف بين المسلمين في مشروعيتها ، وعليها

الاجماع في كثير من الكلمات .

والاصل في شرعيتها - مضافا الى عمومات امضاء المعاملات ، كقوله تعالى ( لا

تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض ) ( 1 ) وتخصيصها

بالتجارات والعقود التي كانت متعارفة في زمان صدورها بلا وجه ، بعد كونها متضمنة

لبيان الحكم الخالد الباقي في جمع الاعصار وكونها من قبيل القضايا الحقيقية ، مع ان

الجعالة من التجارات التي كانت متداولة في ذلك الزمان .

قوله سبحانه ( ولمن جاء به حمل بعير ) ( 2 ) بناء على ما هو الحق من حجية مثله

ما لم يعلم النسخ .

وجملة من النصوص كخبر عبد الله بن سنان ، قال : سمعت ابي يسأل ابا عبد الله

عليه السلام وانا اسمع ، فقال : ربما آمر الرجل فيشتري لنا الارض والدار والغلام

والجارية ونجعل له جعلا ، قال عليه السلام : لا بأس ( 3 ) الى غير ذلك من النصوص

الآتي طرف منها في ضمن المباحث الاتية .

وتنقيح القول فيها في موضعين :

الاول : في حقيقتها ، وما يعتبر فيها ، وفي الجاعل والعامل .

..............................................................................

( 1 ) النساء آية 29 .

( 2 ) سورة يوسف آية 27 .

( 3 ) الوسائل باب 4 - من ابواب الجعالة حديث 1 . ( * )

 

 

] ولابد فيها من الايجاب والقبول [

 

الثاني : في الاحكام .

اما الاول فقد وقع الخلاف في انها من العقود او الايقاعات ، صريح المتن حيث

قال : ( ولابد فيها من الايجاب والقبول ) هو الاول ، وظاهر الشرايع انها تتحقق بكل

من الوجهين ، حيث انه صرح أولا بأنها لا تفتقر الى قبول ، ثم ذكر بعد ذلك انها عقد

جائز ، والمراد انه لا يشترط في تحققها القبول ، والا فلو اوقعت بنحو الايجاب والقبول

تكون عقدا .

والاظهر عدم اشتراط القبول ، لان العقد انما هو فيما يتوقف تحققه على

الالتزامين من الطرفين ، واما ما حقيقته وقوامه بجعل واحد والتزام فارد فهو ليس من

العقود ، والمقام كذلك ، فان الجعالة من قبيل التسبيب الصادر من الشارع نحو من

فعل كذا فله كذا المعلوم عدم كونه عقدا ، وبالجملة الجعالة بما لها من المفهوم العرفي

الذي عليه بناء العقلاء من الانشائات القائمة بشخص واحد فهي من الايقاعات .

ويؤيده امور :

1.     ما ذكروه من انه لو انشأها الجاعل وعمل العامل بغير قصد الى الجعالة ،

بل ومع الغفلة عنها وعن كون فعله قبولا ، صح عمله واستحق الجعل ، ولو كانت من

العقود لزم عدم صحته وعدم استحقاقه الجعل ، لعدم تمامية الجعالة . وما عن بعضهم من

كفاية الرضا الباطني ولو التقديري منه في القبول وهو حاصل ، لاوجه له ، بل هذا في

الحقيقة التزام بعدم اشتراط القبول .

2.     انه لو كانت الجعالة من العقود لزم مقارنة القبول لايجابها كما هو الشأن

في العقود على المشهور ، مع انه تجوز الجعالة ، وان طال العمل المتوهم كونه قبولا ووقع

الفصل بينه وبين الايجاب .

3.     ترتب اثرها على من لم يرد الفعل اولا ثم اراد وفعل حتى لو تلبس بالعمل ،

 

 

] كقوله من رد عبدي او فعل كذا فله كذا ، [

 

ثم رفع يده عنه بل ردها ثم عاد اليه ، اذ لو كان ذلك من العقود افتقر الى ايجاب آخر

بعد الرد .

4.     صحتها من غير مخاطب خاص ، وممن لم يسمع عبارة الجعل . الى غير تلكم

من الاحكام والاثار المنافية لكونها من العقود .

واما ما عن التذكرة من الاجماع على انها عقد جائز ، وعن جامع المقاصد :

ظاهرهم انها من العقود الجائزة فيكون القبول فيها فعليا ، فمحمولان على ارادة ما

قدمناه من انها تتحقق بكل من الوجهين ، او على ارادة العهد منه ، لصدوره ممن ظاهره

او صريحه الايقاعية .

واما خبر علي بن جعفر عن اخيه ( ع ) عن رجل قال لرجل : اعطيك عشرة

دراهم وتعلمني علمك وتشاركني ، وهل يحل ذلك له ؟ قال عليه السلام : اذا رضى

فلا بأس ( 1 ) فلا ينافي ذلك ، لعدم ظهور الرضا في القبول العقدي ، ومن الجائز ارادة عدم

البأس مع تراضيهما على ذلك .

فالمتحصل مما ذكرناه انها ليست من العقود ، وان كان يمكن تحققها بكل من

الوجهين .

ولا تتحقق الجعالة بالعلم بالرضا الباطني وان كان فعليا ، لما مر من انه يعتبر

في العقود والايقاعات اظهارها بمظهر من قول او فعل . نعم ، لا يعتبر لفظ مخصوص ،

بل تتحقق بكل لفظ مبرز لها ، ( كقوله : من رد عبدي او فعل كذا فله كذا ) ، أو نحو

ذلك . وعن التذكرة : الصيغة كل لفظ دال على الاذن في العمل واستدعائه بعوض

يلزمه ، كقوله : من رد عبدي ، أو خاط ثوبي ، او بنى لي حائطا ، او ما اشبه ذلك من

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الجعالة حديث 1 . ( * )

 

 

] ولا يفتقر الى القبول لفظا ، ويجوز على كل عمل محلل مقصود [

 

الاعمال المحللة المقصودة في نظر العقلاء . وقريب من هذه العبارة عبارات غيرها من

الكتب الفقهية ، المتفقة على تحققها بكل لفظ من غير فرق بين " من رد " و " ان رددت "

وغيرهما .

والظاهر جريان المعاطاة فيها ، بناء على ما تقدم في كتاب البيع من ان جريانها

فيه على القاعدة ، لا من جهة النص الخاص او الاجماع ، ولذلك بنينا على جريانها في

جميع العقود والايقاعات الا ما خرج بالدليل .

ودعوى ان المعاطاة من باب المفاعلة ، فيعتبر في تحقها الفعل من الجانبين ،

فتختص بالعقود . مندفعة بان لفظ المعاطاة ليس عنوانا لموضوع الحكم ، والمراد بها

الانشاء الفعلي ، فتشمل كل فعل مبرز للاعتبار النفساني . وعليه بنينا على عدم اعتبار

العطاء فيها ، و تحققها بكل فعل مبرز للاعتبار ، ولو كان حركة الرأس في جواب من

سأله هل لمن رد عبدك او فعل كذا كذا .

ثم على القول بانها من العقود الظاهر عدم الخلاف ( و ) لا الاشكال في انه ( لا

يفتقر الى القبول لفظا ) ، وهو مقتضى القاعدة كما اسلفناه .

 

الجعالة على العمل المحرم

 

( و ) اما ما يصح الجعالة فيه فقد طفحت كلماتهم بانه ( يجوز ) الجعالة ( على كل

عمل محلل مقصود ) للعقلاء ، وهو مما لا اشكال فيه في الجملة لا طلاق الادلة ، انما

الكلام في امور :

1.     هل تصح الجعالة على الواجب ام لا كما صرح به جماعة حتى انهم قالوا :

لو قال من دلني على مالي فله كذا ، فدله من كان المال في يده لم يستحق الجعل ، لان

ذلك واجب عليه ؟ وجهان مبنيان على ما تقدم في المكاسب من جواز اخذ العوض على

 

 

[ . . . ]

الواجب وعدمه ، وحيث ان المختار كما مر جوازه ، فالاظهر هو الاول .

2.     هل تصح الجعالة على الحرام ام لا ؟ وجهان .

قد استدل للثاني بان العمل المحرم غير مملوك ، فلا ملك حتى يملك بعوض .

وبان المحرم لا مالية له ، فلا يقبل المعاوضة عليه . وبان العمل المحرم لو سلم كونه ملكا

ومالا ، إلا ان الشارع الاقدس بتحريمه سلب احترامه ، والمال غير المحترم لا يعوض

بشئ ، لفرض انه هدر عند الشارع . وبان الحرمة سالبة للقدرة والسلطان على

التصرف ، ومن المعلوم كون السلطنة من شرائط النفوذ .

ولكن يرد على الاول ان العمل المحرم كيف لا يكون مملوكا بعد ان لا تقابل

بين الملكية والحرمة باحد انحاء التقابل ، من التضاد والتناقض والتضائف بين

المتعاندين في الوجود ، والتقابل بالعرض والتبع متفرع على شرطية الاباحة للتملك ،

مع انه لا تعتبر الملكية في الجعالة ، بل العمل قبل الجعالة ليس ملكا للعامل .

وعلى الثاني ان العمل المحزم ان كان في نفسه مالا عند العقلاء ، فالنهي عنه

لا يكون معدما لماليته ، بل هو نهي عن ايجاد المال ، كما ان الامر باتلاف العبد الجاني

امر باعدام المال .

وعلى الثالث ان هدر المال غير هدر المالية ، فمال الكافر الحربي مسلوب الحرمة

من حيث المالية ، لجواز اخذه بلا عوض منه قهرا ، ومع ذلك يصح ايقاع المعاوضة عليه ،

والاحترام من حيث المالية ليس من شرائط نفوذ المعاملة .

وعلى الرابع ان السلطنة الوضعية محفوظة مع الحرمة ، والتكليفية ليست من

شرائط نفوذ المعاملة .

فالصحيح ان يستدل له بما في خبر تحف العقول المتلقى بالقبول من تعليل

فساد بيع ما لا منفعة محللة له بحرمة التصرف ، وكذا في اجارة الانسان نفسه فيما هو

 

 

] وان كان مجهولا [

 

محرم عليه ( 1 ) فيستفاد منه ان ما تمحض في الجهة المحرمة لا يجوز ايقاع اي عقد او

ايقاع عليه ، فيفهم منه ان كونه محرما يوجب سقوطه عن المالية شرعا فلا يعوض .

ويؤيده النبوي المشهور : ان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه ( 2 ) وجه جعله مؤيدا لا دليلا

عدم وجوده في اصل من اصول العامة والخاصة ، والموجود في اصولهم هكذا : ان الله اذا

حرم على قوم أكل شئ محرم حرم علهيم ثمنه ( 3 ) . وكيف كان ، فلا شبهة في اعتبار

اباحة العمل بمعنى عدم حرمته .

 

حكم الجهل بالعمل ، او العوض

 

3.     لا اشكال في انه يجوز الجعل على العمل ( وان كان مجهولا ) ، لا لما في

الشرايع من انه عقد جائز ، بل لان بناء مشروعيتها على جهالة العمل والغرض منها

تحصيل الاعمال المجهولة ، فيقيد بدليلها اطلاق ما دل على النهي عن الغرر .

وهذا واضح ، انما الكلام في انه هل يعتبر كون العوض معلوما كما هو المشهور

بين الاصحاب ام لا كما عن بعض ؟ وملخص القول فيه : ان معلومية العوض تارة

يراد بها التعيين المقابل للترديد . واخرى يراد بها ما يقابل الجهل الموجب للوقوع في

الغرر والخطر . وثالثة يراد بها ما يقابل الجهالة ولو لم توجب غررا .

اما اعتبار المعنى الاول فواضح ، فان المردد من حيث هو مردد لا مالية له ولا

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب ما يكتسب به من كتاب التجارة حديث 1 .

( 2 ) اورده العامة والخاصة في كتبهم الاستدلالية - راجع البحار –

ج 23 ص 17 - ومسند احمد ج 1 ص322

( 3 ) مسند احمد ج 1 - ص 247 - و 293 - السنن الكبرى ج 6 - ص 13 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وجود ولا تحقق ، فهو غير قابل للملكية والاستحقاق عقلا .

واما الثاني فيشهد لاعتباره المرسل المروي في كتب الفقهاء المتلقى بالقبول :

نهى النبي صلى الله عليه وآله عن الغرر ( 1 ) وقد مر في كتاب الاجارة الاشكال في

الاستدلال به والجواب عنه ، وبينا دلالته على بطلان كل معاملة غررية ، ومنها الجعالة .

واما الثالث فظاهر المشهور - حيث قالوا : لابد وان يكون معلوما بالكيل ، او

الوزن ، او العدد ان كان مما جرت العادة بعده - اعتباره ، ولكن لا دليل عليه . فالاظهر

عدمه كما مر في الاجارة .

ولا فرق في اعتبار المعلومية الرافعة للغرر بين كون الجهالة مانعة عن التسليم

وعدمها . فما عن القواعد : لو قيل بجواز الجهالة اذا لم تمنع من التسليم كان حسنا ،

كقوله : من رد عبدي فله نصفه - وعن المحقق الثاني تقويته ، وعن الايضاح انه اصح ،

ونفي عنه البعد في محكى الروضة ، وفي الجواهر ، ولعله الاقوى - ان اريد بها الجهالة

بالحصول فهو قوي ، فانها كما افيد لا تمنع عن التسليم في ظرف الاستحقاق وهو بعد

الرد ، وان اريد بها الجهالة حتى من ناحية اوصاف العبد الدخيلة في المالية فلا يتم ،

لعموم ما دل على النهي عن الغرر ، ورفع الغرر في زمان التسليم لا يكفي في البناء على

الصحة كما في سائر العقد والايقاعات .

ويعتبر في الجاعل اهلية الاستئجار من البلوغ والعقل وعدم الممنوعية من

التصرف في امواله وغيرها ، لان ما دل على اعتبارها في الاجارة من حديث رفع القلم ( 2 )

وحديث رفع ما استكره عليه ( 3 ) وما شابههما يدل على اعتبارها في الجاعل . واما العامل

..............................................................................

( 1 ) التذكرة ج 1 - ص 466 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات وباب 36 من ابوب القصاص في النفس .

( 3 ) الوسائل باب 6 من ابواب جهاد النفس . ( * )

 

 

[ . . . ]

فلا يعتبر فيه سوى امكان تحصيل العمل عقلا وشرعا ، وذلك لتمامية الجعالة قبل

العمل بلا دخل للعامل فيها ، وانطباق موضوع الحكم على فرده قهري ، هكذا استدل

في المقام . ولكن مقتضى اطلاق حديث رفع القلم عن الصبي والمجنون رفع كل حكم

تكليفي او وضعي عن الصبي ، كان سببه فعله القصدي او غير القصدي ، كان في رفعه

منة على الامة ام لم يكن ، كان ترتب الاثر منوطا بكمال العقل واستشعار الفاعل ام لم

يكن .

وعلى ذلك فيشكل القول باستحقاق الجعل برد الصبي المميز من غير اذن

وليه ، كما عن التذكرة وفي المسالك وغيرهما . نعم ، لو اكره البالغ العاقل على العمل ،

او كان محجورا ، استحق الجعل . اما في الاول فلورود حديث نفي الاكراه في مورد

الامتنان ولا منة في رفع هذا الاثر ، واما الثاني فلعدم كونه تصرفا ماليا كما انه لو اذن

الولي يستحق غير المكلف الجعل ان عمل .

ولا يعتبر في العامل التعيين بلا خلاف ، لا طلاق الادلة . وفي صحة الجعل على

عمل للغير ، كما لو قال : من رد ضالة زيد فله كذا ، كلام تقدم في كتاب الاجارة ، وقد

عرفت انه يصح الاستئجار عليه فضلا عن الجعالة ، بل تصح الجعالة على عمل يعود

نفعه الى العامل نفسه اذا كان له غرض عقلائي .

 

الجعالة عقد جائز من الطرفين

 

الموضع الثاني : في الاحكام ، والكلام فيه في طي مسائل :

الاولى : لا خلاف بينهم في ان الجعالة من الامور الجائزة من الطرفين ، بمعنى

تسلط كل من العامل والمالك على فسخها ، سواء جعلناها عقدا او ايقاعا .

 

 

] فان كان العوض معلوما لزم بالفعل والافاجرة المثل ، [

 

واستدل له في المسالك بانها من حيث عدم اشتراط القبول فيها ، بمنزلة امر

الغير بعمل له اجرة ، فلا يجب المضي اليه من الجانبين .

اقول : اما جواز فسخ العامل فلا أرى له وجها ، فان الجعالة عبارة عن

الايجاب والاذن في الفعل وحكمه بعد الاذن بيده ، ولا ربط لذلك بالعامل كي يكون

له الفسخ ، وكونه بحيث لو عمل استحق الجعل من آثار فعل الموجب وليس ذلك تحت

اختيار العامل وقدرته ، ولذا قال في الجواهر : فمعنى قولهم يجوز للعامل الفسخ انه

لا يجب عليه الوفاء بالعمل . واما الجاعل فكما افاده يجوز له الفسخ ، لما افاده ، وللاجماع

والتسالم عليه . وهل يجوز ذلك حتى بعد التلبس بالعمل ؟ كلام سيأتي عند تعرض

المصنف ره له .

الثانية : اذا بذل جعلا على رد الضالة مثلا ، ( فان كان العوض معلوما لزم )

على الجاعل ( بالفعل ) بلا خلاف ولا اشكال ، ( والا ) كما لو ذكر عوضا ولم يعينه ( ف )

يجب عليه مع الفعل رد ( اجرة المثل ) ، لاحترام العمل والفرض انه لم يعمله مجانا .

ودعوى انه مع علم العامل ببطلان الجعالة يكون كالمتبرع في عمله فلا يستحق شيئا ،

مندفعة بانه لا يكون متبرعا في عمله بل يعمل لاخذ العوض ، فكيف يكون بحكمه !

هكذا استدلوا له في المقام وغيره من نظائره .

وقد مر في كتاب البيع والاجارة ان مدرك قاعدة الاحترام : اما قوله عليه

السلام : لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه ( 1 ) أو قوله صلى الله عليه وآله :

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي - والمستدرك ج 1 ص 212 –

 والاحتجاج ص 267 – مع اختلاف في المتن . ( * )

 

 

[ . . . ]

حرمة ماله كحرمة دمه ( 1 ) أو قوله : لا يصلح ذهاب حق احد ( 2 ) . وشئ من تلكم لا يدل

عليها ، اذ الاولان ظاهران في الحرمة التكليفية ، بمعنى انه لايجبر المسلم على العمل

ولا على اخذ ماله منه ولا يقهر عليهما ، ولا نظر لهما الى الحكم الوضعي وهو الضمان .

والثالث يدل على عدم ذهاب الحق ، والكلام انما هو في ثبوته ، والحكم لا يصلح لاثبات

موضوعه . وتمام الكلام في الجزء الخامس عشر من هذا الشرح .

وعلى هذا فقد يتوهم عدم الضمان في المقام من جهة ان الضمان : اما بالعقد ، أو

باليد ( 3 ) او بالاتلاف ( 4 ) . وشئ من تلكم لا مورد له في المقام . اما العقد فلفساده . واما

قاعدة اليد فهي وان كانت تشمل المنافع ، لان اليد على العين تستتبع اليد على المنافع ،

لكنها لا تشمل عمل الحر . واما قاعدة الاتلاف فلان سببية العامل فيه اقوى من الامر

لانه المباشر ، كما لو امره باتلاف مال الغير واكل طعامه ، فان المتلف هو الضامن لا

الآمر .

ودعوى ان استيفاء العمل الذي له مالية كاستيفاء المنفعة ذات المالية موجب

للضمان كما عن الشهيد الثاني ، مندفعة بان ذلك محتاج الى دليل .

ولكن يمكن ان يستدل للضمان بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ،

والجعالة الصحيحة موجبة للضمان فكذلك الفاسدة منها .

ومما ذكرناه يظهر انه لاضمان لو استدعى الرد ولم يبذل الاجرة ولا شئ للراد ،

كما في الشرايع ، وعن القواعد والارشاد والتحرير ، بل قيل هو قضية كلام اللمعة . نعم ،

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب القصاص في النفس حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 40 من ابواب الشهادات حديث 1 و 4 .

( 3 ) كنز العمال ج 5 ص 257 - سنن البيهقي ج 6 ص 90 .

( 4 ) قاعدة مستفادة من الاخبار الوارد في الموارد الخاصة . ( * )

 

 

] الا في البعير والابق يوجدان في المصر ، فعن كل واحد دينار ، وفي غير المصر

اربعة . ولو تبرع فلا اجرة له سواء جعل لغيره اولا [

 

يمكن ان يقال باجرة المثل لوجرت العادة باجرة لمثله ، فان ذلك حينئذ يكون نظير

الجعالة على عوض مجهول ، ولا اقل من انه حينئذ امر بالعمل بعوض الذي هو نظير

الاباحة بعوض معاملة مستقلة صحيحة ، ويستحق فيه العامل الاجرة المسماة مع

معلومية العوض ، وعليه فهو فاسد ما في صحيحه الضمان فيضمن به .

وكيف كان ، فالذي يستحقه هو اجرة المثل في جميع موارد الفساد ( الا في البعير

والابق ) ، فان المشهور انه تارة ( يوجدان في المصر فعن كل واحد دينار ، و ) اخرى

يوجدان ( في غير المصر ) فعن كل واحد ( اربعة ) دنانير .

والمدرك خبر مسمع بن عبد الملك كردين ابي سيار عن الامام الصادق عليه

السلام : ان النبي صلى الله عليه وآله جعل في جعل الآبق دينارا اذا اخذ في مصره ،

وان اخذ في غير مصره فاربعة دنانير ( 1 ) . وقد عمل به المشهور كما اعترف به غير

واحد ، وعن الرياض : ان الشهرة به عظيمة قديمة ومتأخرة ، وعن المختصر : انه مؤيد

بعمل الاصحاب وشهرته حتى صار العمل به قريبا من الاجماع ، وعن الخلاف - بعد

الفتوى بما تضمنه - : دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم ، وعن المقنعة : انه ثبتت السنة عن

النبي صلى الله عليه وآله بذلك .

فضعفه منجبر بالعمل وباخبار اخر ، فلاوجه لاشكال المصنف ره في القواعد

في الحاق البعير بالعبد الابق في هذا الحكم ، واضعف منه اشكال الشهيد الثاني في هذا

الحكم في الموردين لضعف سند الخبر .

الثالثة : ( ولو تبرع ) من لم يعين الجعالة له ، ( فلا اجرة له سواء جعل لغيره

اولا ) بلا خلاف في عدم الاجرة للعامل ، لانه متبرع على الفرض ، وقد مر حصر

..............................................................................

( 1 ) الوافي الجزء العاشر ص 56 - التهذيب ج 6 ص 398 ح 43 . ( * )

 

 

] ولو تبرع الاجنبي بالجعل لزمه مع العمل ويستحق الجعل بالتسليم [

 

موجبات الضمان في عدة امور لا ينطبق شئ منها على المقام . واما عدم الجعل لمن جعل

له فلان الجعل ، انما هو بازاء العمل الممتنع ، لان الحاصل لا يتحصل فيفسخ المعاملة .

وفي المسالك : هذا اذا شرط على المجعول له العمل بنفسه ، او قصد الراد

العمل لنفسه ، او اطلق . اما لو رده نيابة عن المجعول له حيث يتناول الامر النيابة ،

فانه لا يضيع عمله ، وكان الجعل لمن جعل له ، انتهى .

وفيه : ان مجرد قصد النيابة مع عدم أمر من المنوب عنه ولا عمل في ذمته لا يجعله

نائبا ، ولا فعله فعله .

( ولو تبرع الاجنبي بالجعل لزمه مع العمل ) وان لم يعد نفعه اليه ، ولا يلزم

على المالك شئ للعامل ولا للباذل ، بلا خلاف ولا اشكال ، لما مر من انه لا يعتبر كون

الجعل من المالك .

 

العامل يستحق الجعل بالتسليم

 

الرابعة : ( ويستحق ) العامل ( الجعل بالتسليم ) بيد المالك ، مع التصريح

بالجعل على ذلك او الاطلاق ، بناء على ان المتبادر من الرد القبض . فلو جاء به الى

البلد أو المنزل ففر ، لم يستحق الجعل بلا خلاف ، لعدم تحقق ما جعل العوض بازائه .

نعم ، لو صرح بما لا يقتضي التسليم - كالايصال الى البلد - استحق الجعل بايجاده ،

وهو واضح .

وهل الموت كالفرار في عدم استحقاق شئ من الجعل كما عن التذكرة

والمسالك وغيرهما ، ام يستحق العامل في الموت بالنسبة كما عن القواعد احتماله وعن

الايضاح اختياره ؟ وجهان ، اظهرهما الاول ، لان الجعل انما هو على العمل الخاص

 

 

] ومع التلبس بالعمل ليس للجاعل الفسخ بدون اجرة ماعمل ويعمل

بالمتأخر من الجعالتين [

 

المنتفي في الفرض ، وعدم كون المانع من قبل العامل لا يصلح منشئا للاستحقاق .

الخامسة : قد عرفت انه لا اشكال ولا خلاف في ان الجعالة جائزة قبل التلبس

بالعمل ، ( و ) اما ( مع التلبس بالعمل ) ففيه قولان :

احدهما : انه ( ليس للجاعل الفسخ بدون اجرة ما عمل ) وان كان للعامل

ذلك ، فتصير الجعالة لازمة من طرف ، وباقية على الجواز من الطرف الآخر ، وهو مختار

الماتن هنا والمحقق في الشرايع ، وعن المبسوط والارشاد ، بل ظاهر المتن كالمبسوط

توقف فسخ الجاعل على دفع الاجرة .

ثانيهما : انه لا فرق بين قبل التلبس وبعده ، وهو المشهور ، وفي المسالك دعوى

الاجماع عليه .

والاظهر هو الثاني : لانه لم يطرأ ملزم لها بالتلبس ، والاستصحاب يقتضي بقاء

جواز الفسخ . وعليه فلو فسخ الجاعل ، فحيث انه لا معنى لفسخ بعض وابقاء بعض ،

فلا محالة لا يستحق من الجعل بالنسبة ، وانما يستحق اجرة مثل عمله ، كما لا يخفى .

السادسة : ( و ) لو عقب الجعالة على عمل معين بعوض بجعالة اخرى ، وزاد

في العوض او نقص ( يعمل بالمتأخر من الجعالتين ) بلاخلاف ، مع سماع الجعالتين قبل

التلبس بالعمل ، لان الثانية تقتضي فسخ الاولى بعد ان لاوجه لصحتهما معا ، الا مع

ارادة زيادة الجعل ولكنها خلاف الفرض .

اما اذا لم يسمع العامل الا احدى الجعالتين ، فعن المحقق الكركي والشهيد

الثاني ان العبرة بما سمعه منهما ، سواء كانت الاولى او الثانية . وعن المصنف ره في

التذكرة انه ان كان المسموع هي الثانية فالعبرة بها ، والا فيرجع الى اجرة المثل .

والحق ان يقال : انه لا وجه لكون العبرة بما سمعه مطلقا ، فان المسموع ان كان

 

 

] ولو جعل لفعل يصدر عن كل واحد بعضه [

 

هو الاولى فقد انفسخت بالثانية ، فلا بقاء لها كي تقتضي استحقاق ما فيها من الجعل ،

ولا غرور بعد ان اقدم على عقد جائز للمالك فسخه في كل وقت ، وكان له طريق الى

الزامه به بصلح ونحوه .

واما اجرة المثل فقد اورد على البناء على استحقاقها بانه اقدم على الجعل

المسمى ، فيستحقه دون اجرة المثل خصوصا مع زيادتها عليه .

ويرده ان اقدامه على المسمى ليس من المعينات له بعد سقوطه بالفسخ

بالثانية .

فالحق هو ثبوت اجرة المثل في هذا الفرض . نعم ، ان كانت الاجرة المسماة في

الثانية ازيد من المثل لا يبعد القول باستحقاقها ، لانه لا يعتبر سماع الجعالة في

استحقاق الجعل كما سمعته ، وانما لا نلتزم به في صورة كونه اقل لصدق الغرور ، فانه

وان لم يصدق على ما لو فسخ الاولى لما ذكرناه ، الا انه يصدق على ما لو عقبها بجعالة

اخرى ، وإلا لزم التوصل بذلك الى الغاء ما جعله في جعالة وتبديله باقل ما يصح ،

بفسخ الاولى وايجاد جعالة اخرى من دون ان يسمع غيره .

هذا كله مع التنافي بين الجعالتين ، والا - كما لو قيد كل منهما بزمان او مكان

غير ما قيد الاخرى به ، كما لو قال : من رد ضالتي الى آخر هذا الاسبوع فله كذا ،

ثم قال : من ردها الى آخر الشهر فله نصف ذلك الجعل - تبقى الجعالتان على حالهما ،

وله الجعل المسمى على كل من التقديرين .

 

لو جعل على عمل معين جعلا فشاركه غيره

 

السابعة : ( ولو جعل لفعل فصدر عن كل واحد بعضه ) ، كما لو قال : من رد

 

 

] فللجميع الجعل ، ولو صدر من كل واحد فلكل واحد جعل ، ولو جعل للرد

من المسافة فرد من بعضها فله النسبة [

 

ضالتي فله دينار ، فردها جماعة ( فللجميع الجعل ) بلا اشكال ، لان المفروض انطباق

موضع الحكم - وهو رد الضالة - على فعل الجميع ، لان ردهم من مصاديق الرد

المأخوذ في الموضوع ، وحينئذ ان لم يتفاوتوا في العمل يوزع الجعل عليهم بالسوية ،

ومع التفاوت يوزع عليهم على قدر العمل .

( ولو ) جعل لفعل ( وصدر ) ذلك الفعل ( عن كل واحد ) مستقلا ، ولم يكن

الصادر عن الجميع فعلا واحدا ، كما لو قال : من دخل داري فله دينار ، فدخله جماعة

( فلكل واحد جعل ) ، لان فعل كل واحد منهم موضوع مستقل وفرد مما اخذ في

الموضوع ، وهذا بخلاف الصورة الاولى التي كان الفعل الصادر من الجميع فردا من

الموضوع ، والصادر من كل واحد منهم بعضه لا تمامه .

وما عن المختلف من احتمال التساوي ، فيستحقون كلهم دينارا واحدا في

الصورة الثانية لانه المبذول ، والعموم يقتضي التشريك لا الزيادة على المبذول ، غير

تام ، كما يظهر مما ذكرناه .

( ولو جعل للرد من مسافة ) ، كما لو قال : من رد ناقتي من الشام فله كذا ،

( فرده من بعضها فله ) من الجعل ( بالنسبة ) اي بنسبة المسافة ، كما عن الشيخ وابن

حمزة والمصنف وغيرهم ، بل في المسالك نسبته الى الاصحاب وان تنظر فيه .

والحق ان يقال : ان الجعل ان كان للرد عن مسافة ، فالرد من بعضها ليس جزء

من ذلك العمل بل هو غيره ، وعليه فالمتجه حينئذ اجرة مثل عمله على مامر ، فان

عمله محترم لا يذهب هدرا ولم يجعل بازائه شئ ، فيتعين اجرة المثل . وان الجعل

للرد ، وكان التقييد بالمسافة لتخيله كونها هناك ، فالمستحق الاجرة المسماة لاتيان ما

جعل له . وان كان الجعل للرد من مسافة على نحو التوزيع ، كان المستحق من الاجرة

 

 

] والقول قول المالك في عدم الجعل ، وفي تعيين المجعول فيه ، وفي القدر ، [

 

 

المسماة بنسبة ما عمل . وهو واضح ، ولا يبعد ظهور الجملة المزبورة بلا قرينة في الاخير ،

وعليه فيتم ما افاده الاساطين فلايرد عليهم شئ مما ذكر في المقام .

 

حكم ما لو اختلفا في الجعل

 

الثامنة : في فروع التنازع ، وهي اربعة :

1 ( و ) لو تنازعا في الجعل وعدمه ، فقال المالك لم اشارطك وما امرتك ، وقال

العامل شرطتني وامرتني بالعمل ، وجعلت لي جعلا معينا أو استحق به اجرة المثل ،

ف ( القول قول المالك في عدم الجعل ) بلا خلاف ، لاصالة عدم الاشتراط ، واصالة

البراءة من العوض . ومقتضى قول المشهور في نظائر المسألة ، كالاختلاف في الاجارة

والاعارة من تقديم قول مدعي الضمان لقاعدتي اليد والاحترام ، الحكم بالضمان في

المقام لقاعدة الاحترام ، ولكن قد عرفت في كتاب الاجارة فساد ذلك ، فالاظهر عدم

الضمان .

2 ( و ) لو اختلفا ( في تعيين المجعول فيه ) ، كما لو اختلفا في عين ما شرط

في رده العوض ، فقال العامل شرطت لي العوض فيما رددته ، وقال الجاعل بل شرطت

لك فيما لم ترده ، فلا خلاف في انه يقدم قول الجاعل ، لان مرجع هذا الخلاف الى دعوى

العامل على المالك الشرط على هذا الذي رده وهو ينكره فالقول قوله ، لاصالة عدم

الشرط وان اتفقا على اصل الشرط .

3 ( و ) لو اختلفا ( في القدر ) اي قدر الجعل ، ففيه اقوال :

احدها : ما عن الشيخ في الخلاف وجماعة ، وهو انه تثبت حينئذ اجرة المثل بعد

يمين الجاعل .

 

 

] فيثبت فيه الاقل من اجرة المثل والمدعي [

 

ثانيها : ما في المتن والشرايع وعن اللمعة وغيرها ، وهو ان القول قول المالك ،

( فيثبت فيه الاقل من اجرة المثل والمدعى ) مع الحلف .

ثالثها : ان القول قول المالك ، لكن يثبت مع يمينه اقل الامرين من اجرة

المثل ومدعى العامل ، واكثر الامرين منها ومن مدعى المالك .

رابعها : تقديم قول المالك ، الا ان الثابت بيمينه هو ما يدعيه ، لا اجرة المثل

ولا الاقل ، وهو قول الشيخ نجيب الدين من مشايخ المحقق والشهيدين .

خامسها : انهما يتحالفان ، لان كل واحد منهما مدع ومدعى عليه ، اختاره في

محكى القواعد .

والاظهر هو الرابع ، لان استحقاق الاقل متيقن ولو في ضمن الاكثر ، ووقوعه

على الاكثر غير معلوم ، والاصل عدم وقوعه عليه ، وعدم استحقاقه الزايد .

وبه يظهر دفع ما اورده المحقق ره على هذا القول بان فائدة يمين المالك

اسقاط دعوى العامل لا ثبوت ما يدعيه الحالف ، وما في الجواهر من ان اختصاص

الدعوى بينهما في الامرين لا يقتضي الانحصار واقعا كذلك ضرورة احتمال كون

الواقع خلافهما ، فان نفي استحقاق الزايد من الاجرتين انما هو بالاصل لا باليمين .

وقد استدل للقول الاول بان القول قول المالك ، لان الفعل فعله فيقدم قوله

فعليه اليمين ، فاذا حلف ينفى الزايد ، وحيث لا يثبت ما يدعيه بحلفه ، فليس حينئذ

الا اجرة المثل بعد الاتفاق على ان العمل بعوض ولم يثبت فيه مقدر .

ويرده : ان الزايد ينفى بالاصل ، مع انه لو اغمض عن ذلك فاللازم هو ثبوت

اقل الامرين من اجرة المثل وما يدعيه العامل ، لاعترافه بعدم استحقاق الزايد ان

كانت اجرة المثل ازيد من ما يدعيه ، بل واكثر الامرين منها ومن مدعى المالك ، لان

ما يدعيه المالك ان كان اكثر من اجرة المثل فهو يعترف بثبوته في ذمته للعامل ، فيؤخذ

 

 

] وعدم السعي [

 

باقراره . وبما ذكرناه ظهر مدرك القول الثاني والثالث وضعفه ، كما ظهر قوة القول

الثالث بالنسبة الى الاولين كما افاده في المسالك .

واما التحالف فقد استدل له بان كل واحد منهما مدع ومدعى عليه ، فلا ترجيح

لاحدهما ، فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه الاخر . وبان العقد الذي تشخص

بالعوض الذي يدعيه المالك ، غير العقد الذي تشخص بما يدعيه العامل .

ويرد على الاول ما تقدم من ان المالك منكر لا مدع ، لانهما متوافقان على

استحقاق الاقل ، والنزاع انما هو بالنسبة الى الزيادة .

وعلى الثاني ان العقد متفق عليه وانما الاختلاف في الزيادة والنقصان ، فكان

كالاختلاف في قدر الاجرة في الاجارة ، والقدر الذي يدعيه المالك متفق عليه وانما

الاختلاف في الزايد ، فيقدم قول منكره . اضف الى ذلك كله ما يأتي في كتاب القضاء

من ان التحالف في الموارد التي يكون كل من طرفي المنازعة مدعيا ومنكرا لا دليل

عليه ، فان ظاهر دليل الحلف هو الحلف فيما اذا كان منكرا محضا ، راجع ما ذكرناه .

فالمتحصل مما ذكرناه انه يقدم قول المالك ، ويثبت بيمينه ما يدعيه لا اجرة

المثل ولا الاقل .

( و ) لو اختلفا في السعي بان قال المالك : حصل في يدك قبل الجعل فلا جعل

لك ، وقال العامل : قد حصل في يدي بعده ، قالوا : فالقول قول المالك من ( عدم

السعي ) وهذا يتم على القول بوجوب رد المال الى صاحبه اذا وقع في يد الغير ، وعدم

جواز الجعل على الواجب ، فان المالك حينئذ يدعي عدم الاستحقاق والاصل معه ،

وحيث عرفت جواز الجعل على الواجب فيسقط ذلك ، والله العالم .

 

 

] الفصل الرابع : في السبق والرماية ]

 

السبق والرماية

 

( الفصل الرابع : في السبق والرماية ) والسبق - بسكون الباء - مصدر لكلمة

سبقه الى كذا ، اي تقدمه وغلبه على كذا ، وعن الصحاح انه مصدر سابق ، قال في

المسالك : وكلاهما صحيح ، الا ان الثاني اوفق بالمطلوب ، لان الواقع في معاملته كون

العمل بين اثنين فصاعدا ، فباب المفاعلة به اولى .

واما السبق - بالتحريك - فهو العوض المبذول للسابق وما في معناه ، ويقال له

الخطر .

والمسابقة عرفا هي اجراء الخيل وشبهها في حلبة السباق ، ليعلم الاجود منها

والافرس من الرجال والمتسابقين .

والرماية عرفا هي المناضلة بالسهام مثلا ، ليعلم حذق الرامي ومعرفته بمواقع

الرمى .

ومستند شرعيتهما ، مضافا الى اجماع الامة المحكي مستفيضا :

من الكتاب قوله تعالى ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل

ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ( 1 ) وفي المرفوع لعبد الله بن المغيرة - الذي هو من

اصحاب الاجماع - في تفسيره عن النبي صلى الله عليه وآله انه الرمي ( 2 ) . وقوله تعالى

حكاية عن اخوة يوسف ( يا ابانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا ) ( 3 )

..............................................................................

( 1 ) سورة الانفال آية 60 .

( 2 ) الوسائل باب 2 - من ابواب كتاب السبق والرماية حديث 3 .

( 3 ) سورة يوسف آية 18 . ( * )

 

 

[ . . . ]

فانه ظاهر في مشروعية السباق في الجملة ، والاصل بقائها ما لم يعلم النسخ ، فتأمل

فانه ليس في شئ من الآيتين ما يشهد بكون المعاملة المزبورة مشروعة .

ومن السنة نصوص مستفيضة ستمر عليك جملة منها في طي المسائل الآتية .

وفائدتهما بعث النفس على الاستعداد للقتال والهداية لممارسة النضال ، وهي من

اهم الفوائد الدينية في الجهاد للاعداء الذي هو معظم اركان الاسلام .

وتحقيق هذا الفصل يستدعي البحث في موضعين :

الاول : في حكم المسابقة .

الثاني : في المعاملة عليها .

والمقصود الاصلي في هذا الفصل وان كان هو الثاني ولذا لم يتعرض المصنف ره

لغيره ، الا انه لا بأس مقدمة له من بيان الحكم في الموضع الاول ، نظرا الى شيوع

المباراة باقسامها المختلفة في هذا العصر .

 

الرياضة البدنية

 

اما الموضع الاول فالكلام فيه في موردين :

الاول : في الرياضة البدنية ، لا اشكال في ان ما كان منها مؤديا الى الضرر على

النفس بالهلاكة او هلاكة عضو من الاعضاء تكون حراما ، لان دفع الضرر واجب

عقلا وشرعا . وما كان منها موجبا لقوة الجسم او الروح او قوة الامة الاسلامية حسن

ومطلوب ، فان الشريعة المقدسة تطلب كثرة قوية ، ولذلك عنيت بكل ما يكفل

للانسان قوة الجسم وقوة الروح وقوة المجتمع ، لاحظ الاخبار الواردة في بيان حكمة

العبادات ، والواردة في بيان حكمة حرمة جملة من المحرمات وكراهة المكروهات ، وما

 

 

[ . . . ]

ورد في تفسير الآية المتقدمة ( واعدوا لهم ) . . . الخ الى غير تلكم من الآثار . وعلى

الجملة ان سعادة الانسان وهي بلوغه منتهى كماله وغاية فعليته بحسب نوعه معقودة

بقوة جسمه وروحه ، ومن الواضح ان للرياضية البدنية والروحية اثرا عظيما في ذلك .

واما الرياضات التي لا تترتب عليها هذه الغايات ولا تكون مضرة ففيها

خلاف ، والحق ان يقال ان تلك الرياضات على اقسام :

الاول : الفعل لغاية الالتذاذ بلا قصد غاية اخرى ، ويعبر عنه باللعب .

الثاني : الفعل الخالي عن الغاية ، ويعبر عنه باللغو .

الثالث : الفعل الموجب لاشتغال النفس باللذائد الشهوية بلا قصد غاية ،

ويعبر عنه باللهو .

وقد مر في المكاسب المحرمة تفصيل القول في كل واحد من هذه الثلاثة ، وبينا

هناك ان جميع تلكم جائزة وليس شئ منها محرما .

 

المباراة بغير رهان

 

الثاني : في انه في الافعال الجائزة - كرمي الحجارة ، والسير مع السفينة او

الطيارة ، وما شاكل - هل تجوز المباراة والمغالبة بغير عوض ، ام لا ؟ وملخص القول

فيه : انه لا اشكال في جواز المسابقة في بعض الافعال ، انما الكلام في غير ما نص على

الجواز فيه ، كالمصارعة ، والمباراة على المراكب والسفن والبقر والكلاب والطيور ، ورمي

البنادق ، والوقوف على رجل واحدة ، وحفظ الاخبار والاشعار ، والجرى على الاقدام ،

وحمل الاثقال ، وما شاكل .

وقد استدل لعدم الجواز بوجوه :

 

 

[ . . . ]

الاول : خبر عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام : لا سبق الا في

خف او حافر او نصل ، يعني النضال ( 1 ) بتقريب ان السبق - بسكون الباء - مصدر

لكلمة سبقه الى كذا ، اي تقدمه وغلبه على كذا ، فالمراد من نفيه نفي المشروعية ،

ومقتضى اطلاقه عدم مشروعية المسابقة بغير رهان .

وفيه : اولا : ان الخبر ضعيف لمعلى بن محمد ، فتأمل فانه من مشايخ الاجازة .

وثانيا : انه لم يثبت كون السبق بسكون الباء ، ومن المحتمل ان يكون بفتحها ،

بل عن الشهيد ره انه المشهور ، والسبق بالفتح هو العوض ، ونفيه ظاهر في فساد

المراهنة ، لظهوره في نفي استحقاقه ، فلا يصح الاستدلال به للاجمال .

الثاني : اطلاق ادلة القمار ، لانه مطلق المغالبة ولو بدون العوض .

وفيه : ان القمار لا يصدق بدون الرهان والعوض .

الثالث : ما دل على حرمة اللهو .

وفيه : اولا : ما تقدم من ان اللهو بقول مطلق لا دليل على حرمته .

وثانيا : ان المسابقة اذا كانت لغرض عقلائي لا تكون لهوا .

فالمتحصل انه لا دليل على حرمتها ، والاصل يقتضي الجواز ، مع انه يدل على .

جوازها - مضافا الى الاصل - السيرة القطعية القائمة من المسلمين على المباراة في

عدة امور كالسباحة والمصارعة والمكاتبة والمشاعرة وغيرها ، وما ورد من مصارعة

الحسنين عليهما السلام بامر النبي صلى الله عليه وآله ومكاتبتهما والتقاطهما حب قلادة

امهما ( 2 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب السبق والرماية حديث 2 .

( 2 ) المستدرك باب 4 من ابواب السبق والرماية . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

المباراة مع العوض

 

الموضع الثاني : في المعاملة على المسابقة ، اي المباراة مع العوض بغير آلات

القمار ، فلا بد أولا من تأسيس الاصل حتى يكون هو المرجع عند عدم الدليل الخاص ،

وقد يقال ان الاصل هو الجواز وصحة المعاملة الواقعة عليها . واستدل له بوجوه :

1.     الآية الشريفة حكاية عن اخوة يوسف عليه السلام : ( يا ابانا انا ذهبنا

نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا ) ( 1 ) بدعوى انها تدل على مشروعية السباق في

شرعهم ، ويشك في رفع المشروعية ونسخها ، والاصل بقائها .

وفيه : اولا : انه يتوقف على عدم ورود منع من الشارع الاقدس ولو بنحو

العموم ، والا فمع وجود الدليل لا يرجع الى الاصل ، وستعرف وجوده .

وثانيا : انه لا يعلم انهم كانوا بم يستبقون ، ولعله كان بما يجوز السباق عليه

عندنا .

وثالثا : انه ليس في الآية الكريمة ما يشعر بكون سباقهم كان مع العوض .

2.     ان مقتضى عموم ( اوفوا بالعقود ) ( 2 ) صحة العقد على السباق بكل

شئ .

وفيه : انه يتوقف الاستدلال به على عدم ورود المنع وستعرف وجوده ، وانه

يصدق القمار عليه الخارج عن عموم ( اوفوا بالعقود ) .

3.     ان الحكمة في مشروعية هذه المعاملة في الموارد المنصوصة ، هي الاستعداد

..............................................................................

( 1 ) سورة يوسف آية 18 .

( 2 ) المائدة آية 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

للجهاد والتهيأ له وتحصيل القوة ، وعليه فتجوز المسابقة على المراكب وآلات الحرب

الحديثة ، للعلة المشار اليها .

وفيه - مضافا الى اخصيته عن المدعي - : ان حكمة الحكم ان ذكرت في الدليل

بصورة العلة يتعدى عنها ، فانها بحسب المتفاهم العرفي تمام الموضوع للحكم ، فكانه

جعل الحكم اولا على ذلك العنوان العام ، والا فهي حكمة لا يتعدى عنها ، والعبرة ،

حينئذ بالظهور اي المتبع ظهور الدليل ، فاذا فرضنا اختصاص الدليل بالموارد الخاصة

فلا وجه للتعدي عنها .

4.     انه روي : ان النبي صلى الله عليه وآله سابق عايشة بالقدم مرتين سبق

في احدهما وسبق في الاخرى ( 1 ) وانه صلى الله عليه وآله صارع يزيد بن ركابة ثلاث

مرات كل مرة على شاة ، فصرع خصمه في الثلاث واخذ منه ثلاث شياة ( 2 ) .

وفيه : انه لم يثبت شئ من ذلك من طرقنا ، ولم ترد رواية بذلك بل الثابت

خلافه .

فتحصل انه لا دليل على الجواز ، بل يشهد لعدم الصحة وجهان :

احدهما : صدق مفهوم القمار عليه ، فانه الرهن على اللعب باي شئ كان ، ففي

المجمع : اصل القمار الرهن على اللعب بشئ ، وفي القاموس : تقمره راهنه فغلبه ،

ونحوه ما عن لسان العرب ، وفي المنجد : القمار كل لعب يشترط فيه ان يأخذ الغالب

من المغلوب شيئا كان بالورق او غيره . وهذا المفهوم يصدق على المعاملة المفروضة في

المقام ، فتكون باطلة وما يأخذه الغالب من المغلوب حرام .

الوجه الثاني : النصوص الظاهرة في الفساد وحرمة التصرف في الرهن ، وهي

..............................................................................

( 1- 2 ) التذكرة ج 2 ص 354 - والثاني مروي في المستدرك باب 4 من السبق والرماية حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

طوائف من الاخبار :

منها : ما دل على نفار الملائكة عند الرهان ولعن صاحبها ، ما خلا الحافر والخف

والريش والنصل ، كخبر العلاء بن سيابة ( 1 ) ومرسل الصدوق ( 2 ) وخبر ابي بصير ( 3 ) .

لكنها باجمعها ضعيفة سندا ، اما الاول فلابن سيابة ، واما الثاني فللارسال ، واما الثالث

فلسعدان بن مسلم .

ومنها : خبر ياسر الخادم عن الامام الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن الميسر ،

قال : الثقل من كل شئ ، قال : والثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم ( 4 ) ، ولكنه

ايضا ضعيف لياسر .

ومنها : خبر جابر عن الامام الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله

وسلم ، قيل له : ما الميسر ؟ قال عليه السلام : كل ما تقومر به حتى الكعاب والجوز ( 5 )

وهو ايضا ضعيف السند لعمرو بن شمر .

ومنها : صحيح ابن خلاد عن ابي الحسن عليه السلام : النرد والشطرنج

والاربعة عشرة بمنزلة واحدة ، وكل ما قومر عليه فهو ميسر ( 6 ) .

ومنها : خبر اسحق بن عمار عن الامام الصادق عليه السلام عن الصبيان

يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون ، فقال : لا تأكل منه فانه حرام ( 7 ) .

..............................................................................

 ( 1 ) الوسائل - باب 3 من ابواب السبق والرماية حديث 3 .

( 2 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب السبق والرماية حديث 6 .

( 3 ) الوسائل باب 2 من ابواب السبق والرماية حديث 4 .

( 4 ) الوسائل باب 104 من ابواب ما يكتسب به كتاب التجارة حديث - 9 .

( 5 ) الوسائل باب 35 من ابواب ما يكتسب به حديث 4 .

( 6 ) الوسائل باب 104 من ابواب ما يكتسب به من التجارة حديث 1 .

( 7 ) الوسائل باب 35 من ابواب ما يكتسب به - حديث - 7 . ( * )

 

 

[ . . . ]

فالمتحصل مما ذكرناه ان المراهنة والمباراة مع العوض فاسدة ، وما يؤخذ حرام

لا يجوز التصرف فيه .

هذا كله في الحكم الوضعي . واما حكمها التكليفي فيدل على الحرمة ادلة

القمار ، واما سائر النصوص المتقدمة فهي ظاهرة في الحكم الوضعي ولا نظر لها الى

الحكم التكليفي .

وقد استدل صاحب الجواهر ره لجوازها التكليفي بصحيح محمد بن قيس عن

ابي جعفر عليه السلام : قضى امير المؤمنين عليه السلام في رجل آكل واصحاب له شاة ،

فقال : ان أكلتموها فهي لكم ، وان لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا ، فقضى فيه ان ذلك

باطل لا شئ في المؤاكلة من الطعام ما قل منه وما كثر ، ومنع عن الغرامة فيه ( 1 ) بدعوى

انه متضمن لفساد المراهنة في الطعام خاصة ، ولو كانت محرمة لردع عنها ايضا ،

فيستكشف من عدم الردع الجواز .

وفيه : ان الظاهر كون الخبر اجنبيا عن المراهنة بالاكل ، وانها يكون مورد الخبر

الاباحة المالكية المشروطة بالالتزام بالاعطاء لا الاعطاء ،

فالقاعدة الاولية تقتضي فساد المعاملة وحرمتها .

 

الالفاظ المستعملة في هذا الباب

 

وقد خرج عن هذه القاعدة المعاملة على السباق في موارد خاصة كما مر ،

وتنقيح القول فيه ببيان امور :

..............................................................................

( 1 ) الكافي ج 8 ص 424 باب نوادر القضاء الوسائل باب 5 من ابواب كتاب الجعالة . ( * )

 

 

[ . . . ]

منها : بيان الالفاظ المستعملة في هذا الباب ، وهي السابق ، والكتد ، والمصلى ،

والسبق ، والمخلل ، والغاية ، والمناضلة ، والرشق ، والحابي ، والخاصر ، والخازق ، والخاسق ،

والخارق ، والخارم ، والمزدلف ، والغرض ، والهدف ، والمبادرة ، والمحاطة .

اما السابق فهو الذي يتقدم ولو بالعنق .

واما الكتد - بفتح التاء وكسرها - فهو الكاهل .

واما المصلى فهو الذي يحاذي برأسه صلوى السابق فصاعدا ، والصلون هما

العظمان النابتان عن يمين الذنب وشماله ، والتالي للمصلى هو الثالث ، ويليه البارع

الرابع ، ثم المرتاح وهو الخامس ، ثم الخطى وهو السادس ، ثم العاطف ، ثم المؤمل ، ثم

اللطيم ، ثم السكيت بالتصغير .

واما السبق فقد مر في اول الفصل بيانه .

واما المخلل فهو الذي يدخل بين المتراهنين ولا يبذل معهما عوضا ، بل يجري

فرسه بينهما او في احد الجانبين ، على وجه يتناوله العقد على انه ان سبق بنفسه او مع

غيره اخذ العوض او بعضه على حسب الشرط ، وان لم يسبق لم يغرم شيئا .

واما الغاية فهي منتهى السباق .

واما المناضلة فهي المسابقة والمراماة .

واما الرشق - بكسر الراء - فهو عدد ما يرمى به من السهام ، وبالفتح فهو

الرمي الذي هو المصدر .

واما الحابي فهو وما بعده من الالفاظ الخمسة من اوصاف السهم المرامي به ،

وقد ذكر في التحرير على المحكي من أوصافه ستة عشر ، واما اقتصرنا على الستة لعدم

فائدة معتد بها في بيانها ، بعد عدم كونها مأخوذة في موضوعات احكام الباب . وكيف

كان ، فالحابي ما زلق على الارض ثم اصاب الغرض .

 

 

] ولا بد فيهما من ايجاب وقبول ، [

 

والخاصر ما اصاب احد جانبي الغرض .

والخازق ماخدش الغرض .

والخاسق ما فتحه وثبت فيه .

والخارق ما يخرج من الغرض نافذا .

والخارم هو الذي يخرم حاشية الغرض .

والمزدلف هو الذي يضرب الارض ثم يثب الى الغرض ، وظاهر القواعد

مرادفته مع الحابي ، وعن التذكرة الفرق بينهما باعتبار القوة في المزدلف .

واما الغرض فهو ما يقصد اصابته .

والهدف ما يجعل فيه الغرض من تراب او غيره .

واما المبادرة فهي احد قسمي المراماة ، وهي ان يبادر احدهما الى الاصابة مع

التساوي في الرشق .

والقسم الثاني منها المحاطة ، وهي اسقاط ما تساويا فيه من الاصابة .

 

عقد المسابقة والمراماة

 

( و ) منها : انه ( لابد فيهما من ايجاب وقبول ) كغيرهما من العقود على المشهور .

وعن الشيخ والمصنف ره في المختلف ان هذا العقد جعالة ، فلا يفتقر الى قبول . ثم انهم

اختلفوا في لزومه وجوازه ، وبعضهم بنى الخلاف في لزومه وجوازه على انه عقد او

ايقاع ، فعلى الاول يكون لازما ، وعلى الثاني جائزا . وبعضهم عكس ، فبنى كونه عقدا

او ايقاعا على لزومه وجوازه . ثم ان ظاهرهم ابتناء كونه عقدا او ايقاعا على انه اجارة

او جعالة .

 

 

[ . . . ]

والحق ان يقال : انه عقد أو ايقاع مستقل لا اجارة ولا جعالة على حسب

المتفاهم العرفي ، سيما وهو بنفسه من العقود العقلائية ، ويعضده تخلف بعض آثاره عن

كل من الامرين ، وظاهر النافع والمختلف وغيرهما المفروغية من ذلك ، وان التردد انما

هو في اللزوم . والجواز .

ثم ان الظاهر كونه من العقود ولا يكفي فيه الايجاب خاصة ، فان ثبوت الاثار

على الطرف الآخر بدون القبول مخالف لقاعدة السلطنة على النفس والمال ( 1 ) . وان

شئت قلت : ان اثر ذلك والمترتب عليه عمل قائم بشخصين ، ثم كل منهما قد يجب عليه

العوض وقد يجب له ، وثبوت جميع ذلك عليه بدون رضاه وانشائه خلاف قاعدة

السلطنة والمعهود من الشرع .

ثم انه بعد ثبوت كونه من العقود يكفي في لزومه عموم ( اوفوا بالعقود ) ( 2 ) .

وما عن المختلف من ان المراد من الامر بالوفاء بالعقد العمل على مقتضاه وان كان

جائزا ، وليس المراد مطلق العقود والا لوجب الوفاء بالجائزة ، غير تام ، فان الوفاء عبارة

عن التمام او ما يقاربه ، والايفاء عبارة عن الاتمام والانهاء ، فاذا كان العقد متعلقا

بالنتيجة لا بالفعل كان الوفاء به اتمامه ، وعدم رفع اليد عنه بحله ونقضه .

وعليه فالامر به ان كان ارشاديا - كما هو الظاهر - كان ارشادا الى اللزوم .

وان كان مولويا نفسيا ، فحيث ان وجوب الوفاء عدم جواز الفسخ لو كان فانما هو

بمناط عدم ثبوت هذا الحق له ، فيكون من قبيل حرمة الظلم ، ولا يحتمل كونه محرما

بالحرمة النفسية مع ثبوت هذا الحق ، فيستكشف من عدم الحق عدم تأثير الفسخ ،

..............................................................................

( 1 ) البحار ج 2 - ص 272 الطبع الحديث .

( 2 ) سورة المائدة آية 2 . ( * )

 

 

] وانما يصحان في السهام ، والحراب ، والسيوف ، والابل ، والفيلة ، والخيل ،

والبغال ، والحمير خاصة . [

 

وهذا معنى اللزوم ، مع ان الاجماع قائم على انه لو كان حراما كان غير مؤثر . وبالجملة

فدلالة الآية الكريمة على اللزوم لا تنكر ، وخروج بعض العقود عن تحتها لدليل

خاص لا يوجب خللا في عمومها لغير ما علم بخروجه ، اذ العام حجة فيما بقى من

الافراد غير الفرد الخارج عن تحته . ويمكن ان يستدل للزومه بالاستصحاب ايضا

بالتقريب المتقدم في كتاب البيع .

فالمتحصل انه من العقود اللازمة ، وحينئذ فما ذكرناه في كتاب البيع والاجارة

من القيود المعتبرة في العقد والعاقد تجري هنا ، كما ان ما اثبتنا عدم اعتباره من العربية

والماضوية والقول وما شاكل لا يكون معتبرا فيه ، فلا نطيل المقام بذكر تلك الامور .

 

بيان ما يسابق به

 

ومنها : بيان ما يسابق به ، قال قده : ( وانما يصحان في السهام ، والحراب ،

والسيوف ، والابل ، والفيلة ، والخيل ، والبغال ، والحمير خاصة ) ، والصحة في جملة

من ما افاده متفق عليها ، وفي جملة منها الخلاف .

والتحقيق يقتضي ان يقال : ان النصوص تضمنت جواز السباق والمعاملة عليه

في النصل والخف والحافر ، لاحظ خبر عبد الله بن سنان عن مولانا الصادق عليه

السلام : لا سبق الا في خف او حافر او نصل ، يعني النضال ( 1 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب السبق والرماية - حديث 2 - ( * )

 

 

[ . . . ]

وما دل على نفار الملائكة عند الرهان ولعن صاحبها ، ما خلا الحافر والخف

والريش والنصل ، كخبر العلا بن سيابة ( 1 ) ومرسل الصدوق ( 2 ) وخبر ابي بصير ( 3 ) .

وما تضمن ان رسول الله صلى الله عليه وآله اجرى الخيل التي اضمرت من

الحصى - وفي بعض النسخ من الحفى - الى مسجد بنى زريق ، وسبقها من ثلاث

نخلات ، فاعطى السابق عذقا ، واعطى المصلى عذقا ، واعطى الثالث عذقا ( 4 ) .

وما دل على انه اجرى الخيل وجعل سبقها اواقي فضة ( 5 ) وقريب منها غيرها .

وهذه النصوص على طوايف :

منها : ما تضمن فعله ( ص ) ، وهو مختص بالخيل ولا اطلاق له ، ومثله الصحيح

المتضمن ان مولانا عليه السلام كان يحضر الرمي والرهانة ( 6 ) .

ومنها : ما تضمن الحصر في الثلاثة ، وهي وان كانت جملة منها ضعيفة السند ، الا

ان فيها الصحيح وغيره مضافا الى انجبار ضعف السند بالعمل .

ومنها : ما اضاف اليها الريش ، وهي باجمعها ضعيفة السند ، مع ان الريش

يحتمل ان يكون المراد منه السهم ذي الريش ، وليس في عطفه على النصل في احد

الخبرين دلالة على التغاير بينهما ، بعد احتمال كونه من قبيل عطف المرادف او الخاص

على العام .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب السبق والرماية حديث 3 .

( 2 ) الوسائل - باب 1 من ابواب كتاب السبق والرماية حديث 6 .

( 3 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب السبق والرماية حديث 4 .

( 4 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب السبق والرماية حديث 1 .

( 5 ) الوسائل باب 4 - من ابواب كتاب السبق والرماية حديث 2 .

( 6 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب السبق والرماية - حديث 4 . ( * )

 

 

] ويجوز ان يكون العوض دينا وعينا ، وان يبذله اجنبي ، [

 

وفي المقام اخبار اخر استدل بها صاحب الحدائق على اضافة الطيور الى

الثلاثة ، لكنها ضعيفة السند ، غير منجبرة بالعمل ، وقاصرة الدلالة من جهة احتمال

ارادة اللعب بها بلا مسابقة ، مع ان فيها الحمام ومن المحتمل ارادة الخيل منه ، بل قيل

انه المتعارف في لسان اهل المدينة ، ويعضده الاستدلال له في خبره بالنبوي المتضمن

لاجراء الخيل ( 1 ) . فالمتحصل انه لا يجوز ذلك الا في ثلاثة :

النصل الشامل للسهام ، والحراب جمع حربة وهي الآلة ، والسيف ، وربما زيد

النشاب . وهل يدخل فيه الدبوس والعصا والمرافق اذا جعل في رأسها حديدة ؟ فيه

اشكال .

والخف ، ويدخل تحته الابل والفيلة .

والحافر ، ويدخل تحته الخيل والبغال والحمير .

 

العوض وما يعتبر فيه

 

( و ) منها : بيان العوض وما يعتبر فيه . ( يجوز ان يكون العوض دينا وعينا )

حالا او مؤجلا بلاخلاف ، للاصل ، والعمومات . ( وان يبذله اجنبي ) اجماعا لذلك ،

وللعمومات والاصل ، بل يثاب الاجنبي عليه مع نيته ، لانه بذل في طاعة وقربة

ومصلحة للمسلمين ، فهو نظير ما لو اشترى لهم خيلا وسلاحا وغيرهما مما فيه اعانتهم

على الجهاد . ودعوى ان مقتضى المعاوضة خروج العوض عن كيس من هو طرف

المعاوضة ، مندفعة بعدم كونه من المعاوضات المصطلحة ، مع انه قد عرفت في كتاب البيع

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب السبق والرماية حديث 3 . ( * )

 

 

] أو احدهما ، او من بيت المال ، وجعله للسابق منهما ، او للمحلل ، وليس المحلل

شرطا . ولابد في المسابقة من ]

 

جواز كون العوض من غير كيس من دخل في كيسه المعوض .

وبالجملة فيجوز بذل الاجنبي ، كما يجوز بذلهما ( او احدهما او من بيت المال ) .

ودعوى انه مع بذل احدهما بان يقول لصاحبه : ان سبقت فلك عشرة وان سبقت انا

فلا شئ عليك ، يكون قمارا ، مندفعة بان كونه قمارا لا يختص بهذه الصورة بل يعم

جميع صور البذل ، والمستند في جوازه النصوص الخاصة وبها يقيد اطلاق ادلة القمار .

( و ) يجوز ( جعله للسابق منهما او للمحلل ) ان سبق ، بلا خلاف ، للعمومات

والاصل . وفي الرياض : قيل لا لاجنبي ، ولا للمسبوق منهما ومن المحلل ، ولا جعل

القسط الاوفر للمتأخر او المصلى والاقل للسابق ، لمنافاة ذلك كله للغرض الاقصى

من شرعيته ، وهو الحث على السبق والتمرن عليه .

( وليس المحلل شرطا ) عندنا ، للاصل ، والاجماع ، وشمول ما دل على الجواز

للعقد الخالي عنه . وعن ابن الجنيد لا يجوز الا بالمحلل ، ومستنده رواية ( 1 ) عامية عن

النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وسندها ضعيف ، ودلالتها قاصرة ، والاصحاب اعرضوا

عنها .

 

شرائط المسابقة

 

ومنها : في شرائط المسابقة والمراماة . اما الاولى فلاخلاف ( و ) لا اشكال في انه

( لابد في المسابقة من ) امور ، ذكر الماتن هنا جملة منها ، وانهاها الى اثني عشر في

..............................................................................

( 1 ) التذكرة ج 2 ص 355 . ( * )

 

 

] تقدير المسافة والعوض ، وتعيين الدابة ، وتساويهما في احتمال السبق . [

 

التذكرة .

الاول : ( تقدير المسافة ) التي يستبقان فيها ، وتعيينها ابتداء وانتهاء ، لاختلاف

الاغراض في ذلك اختلافا بينا ، فيلزم من عدم التقدير الغرر وقد نهي عنه ( 1 ) . ودعوى

انها جعالة فلا يعتبر فيها تعيين المسافة كما لا يعتبر في الجعالة ، مندفعة بما مر من انها

عقد مستقل .

( و ) الثاني : ( تعيين العوض ) للغرر في المجهول ، واثارة النزاع .

( و ) الثالث : ( تعيين الدابة التي يسابق عليها من فرس وبعير وغيرهما

بالمشاهدة ، فلا يكفي الاطلاق ، ولا التعيين بالوصف ، لاختلاف الغرض بذلك كثيرا ،

ولا يتم الغرض بالتوصيف وانما يتم بالشخص ، بخلاف نحو السلم لان الغرض فيه

متعلق بالكلي .

( و ) الرابع : ( تساويهما في احتمال السبق ) بمعنى احتمال كل منهما ان يسبق

الاخر ، فلو علم قصور احدهما بطل ، لانتفاء الفائدة .

هذه هي الشروط التي ذكرها المصنف ره هنا ، واما ما اضافه في التذكرة فهي

ثمانية .

الاول : جعل السبق لاحدهما او للمحلل ، فلو جعله للاجنبي بطل ، وقد مر

الكلام فيه .

الثاني : تساوي الدابتين في الجنس ، فلا يجوز المسابقة بين الخيل والبغال .

الثالث : ارسال الدابتين دفعة ، فلو ارسل احدهما دابة قبل الاخر ليعلم هل

يدركه ام لا لم يصح .

..............................................................................

( 1 ) التذكرة ج 1 ص 466 . ( * )

 

 

] ويفتقر الرمي الى تقدير الرشق ، [

 

الرابع : ان يستبقا على الدابتين بالركوب ، فلو شرطا ارسالهما ليجريا بانفسهما

لم يجز .

الخامس : ان يجعلا المسافة بحيث يحتمل الفرسان قطعها ولا ينقطعان دونها .

السادس : ان يكون ما ورد عليه العقد عدة للقتال ، فلا يجوز السبق والرمي

من النساء .

السابع : العقد المشتمل على اركانه المعتبرة فيه .

الثامن : عدم تضمن العقد الشرط الفاسد .

اما اعتبار الاخير فهو متوقف على مبطلية الشرط الفاسد ، وقد مر في محله عدم

مبطليته للعقد ، واما ما قبله فقد مر الكلام فيه ، وكذا في الاول منها ، واما الخمسة الباقية

فدليل اعتبارها : اما لزوم الغرر مع عدمها كما في بعضها ، واما المنافاة للغرض من هذه

المعاملة ، واما الاجماع .

 

شرائط المناضلة

 

( و ) اما الثانية : فالمشهور بين الاصحاب انه ( يفتقر الرمي الى ) شروط :

الاول : ( تقدير الرشق ) اي عدد الرمي ، واستدل له في المسالك بانه العمل

المقصود المعقود عليه ، ليكون غاية رميها معلومة منتهية اليه ، فلو لم يعين أمكن ان

يطلب المسبوق الرمي بمقتضى العقد ، فيلحق او يسبق ويمتنع الاخر فيحصل

التنازع .

والاولى ان يستدل له بلزوم الغرر من عدم تقديره . والوجهان يختصان

بالمحاطة ، واما المبادرة فلا يجريان فيها ، لان الاستحقاق فيها يتعلق بالبدار الى اصابة

 

 

] وعدد الاصابة ، وصفتها ، وقدر المسافة ، والغرض ، والعوض ، وتماثل جنس

الآلة . ولا يشترط تعيين السهم ولا القوس . [

 

العدد المعتبر حيث اتفق ، ولا يجب اكمال العدد المشروط ، فلا حاجة الى تعيينه .

( و ) الثاني : تقدير ( عدد الاصابة ) ، كخمس من عشرين رمية ، واستدلوا له بان

الاستحقاق انما يحصل بالاصابة ، وبها يحصل معرفة جودة الرمية ومعرفة الناضل من

المنضول . وتأمل فيه الفاضل الخراساني ، لجواز حصول معرفة الاصابة بكونه اكثر

اصابة في العدد المشترط او غير ذلك ، وهو حسن ، لولا لزوم الغرر ، واجماع الاصحاب

على اعتباره .

( و ) الثالث : تعيين ( صفتها ) من المارق والخاسق وما شاكل ، للغرر مع عدمه .

( و ) الرابع : تشيص ( قدر المسافة ) التي يرميان فيها بالمشاهدة او ذكر

المساحة ، الا ان تكون هناك عادة ينصرف اليها الاطلاق ، قيل لاختلاف الاصابة

بالقرب والبعد .

( و ) الخامس : تعيين ( الغرض ) ، لاختلافه بالسعة والضيق .

( و ) السادس : تعيين ( العوض ) ، وقد مر الكلام فيه .

( و ) السابع : ( تماثل جنس الآلة ) من كون القوس مثلا عربيا او فارسيا ،

والكلام فيه هو الكلام في تماثل حيوان السبق .

( ولا يشترط تعيين ) شخص ( السهم ولا القوس ) ، لاطلاق الادلة ، وعدم ما

يوجب اشتراطه . وعن التذكرة : لو عينه لم يتعين ، ويفسد العقد بذلك ، كما في كل شرط

فاسد .

وفيه : اولا : ان الشرط المزبور ليس مخالفا للكتاب والسنة ولا لمقتضى العقد ،

فيصح ويكون لازم الوفاء .

وثاينا : ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد .

 

 

] ولو قالا : من سبق منا ومن المحلل فله العوضان ، فمن سبق من الثلاثة

فهماله ، فان سبقا فلكل ماله وان سبق احدهما والمحلل فللسابق ماله

ونصف الآخر والباقي للمحلل . ولو فسد العقد فلا اجرة [

 

حكم الاجرة مع فساد العقد

 

ومنها : في الاحكام ، ( و ) تفصيل القول فيها في طي مسائل :

الاولى : ( لو ) كان المتراهنان اثنين ، واخرج كل واحد منهما عوضا وادخلا محللا ،

و ( قالا من سبق منا ) اي من المتراهنين ( ومن المحلل فله العوضان ، فمن سبق من

الثلاثة فهما له ) بلا خلاف ولا اشكال ، بناء على ما قدمناه من جواز جميع صور بذل

العوض . وحينئذ ( فان سبقا ) اي سبق المستبقان ( فلكل ) واحد منهما ( ماله ) ، لانه

جعل العوض لمن سبق ولم يسبق احد في الفرض ، وبه يندفع الايراد عليه بانه - على

ما ذكر سابقا - يشتركان في المالين ، لا انه يكون لكل واحد منهما مال نفسه . ( و ) كذا

الحال ( ان سبق احدهما والمحلل فللسابق ماله ) ، لانه لم يسبقه احد ( ونصف الآخر

و ) النصف ( الباقي للمحلل ) ، لاشتراكهما في صفة السبق له .

الثانية : ( ولو فسد العقد ) وركض المتسابقان على فساده ، وسبق الذي لو

صحت المسابقة لاستحق السبق المشروط ، ( ف ) عن الشيخ وفي الشرايع والمتن انه

( لا اجرة ) له ، لا المسماة ولا اجرة المثل ، اما عدم استحقاقه الاجر المسمى فلفساد

العقد ، واما عدم استحقاقه اجرة المثل فلانه لم يعمل له ولا استوفى منفعة عمله ، لان

نفع سبقه راجع اليه فلا شئ يوجب الضمان . هكذا استدلوا لعدم الضمان .

ولكن يمكن ان يقال : ان قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده مقتض

للضمان ، ولذا حكي عن القواعد والتذكرة وجامع المقاصد القول به .

فان قيل : ان القاعدة بكليتها لا مدرك لها ، وحيث ان شيئا من القواعد الموجبة

 

 

] ولو كان العوض مستحقا فعلى الباذل مثله او قيمته ويحصل السبق بالتقدم

بالعنق والكتد ، [

 

للضمان لا تكون متحققة هنا ، ولا اجماع ، فلا ضمان كما افاده الشهيد الثاني .

قلنا : ان القاعدة بنفسها مجمع عليها ، والاجماع عليها من قبيل الاجماع على

القاعدة ، فلا حاجة الى ثبوت الاجماع في كل مورد شخصي ، فتأمل .

الثالثة : ( ولو كان العوض مستحقا ، فعلى الباذل مثله او قيمته ) ، كما هو

المشهور بين الاصحاب ، بل ظاهرهم عدم الخلاف فيه .

واستدلوا له بان العقد صحيح ابتداء بالعوض المعين وانما اتفق تزلزله موقوفا

على اجازة المالك ، فقد تشخص العوض المعين للعقد ، فاذا طرأ زوال ذلك العوض

لعدم اجازة المالك وجب الرجوع الى اقرب شئ اليه ، وهو مثله ان كان مثليا ، وقيمته

ان كان قيميا .

وفيه : ان العقد لم يقع صحيحا ابتداء بل كان يتخيل صحته ، فلم يتشخص

العوض المعين للعقد ، لفرض انه مال الغير فهو باطل مع عدم اجازة المالك ، فيلحقه

حكم الفاسد المتقدم .

ويمكن ان يقال : انه على القول بالضمان في الصورة السابقة في هذه الصورة ،

اذا كانت اجرة المثل اقل من المسماة فقد التزم السابق في ضمن العقد بعدم استحقاق

الزايد عليها بالالتزام الضمني الارتكازي وان كانت اكثر فقد التزم ببراءة ذمته من

الزيادة ، وعليه فيستحق المثل او القيمة ، والله العالم .

الرابعة : ( ويحصل السبق بالتقدم بالعنق والكتد ) ، كما هو المشهور ، وعن

الاسكافي حصوله باذنه .

واستدل للثاني بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بعثت والساعة كفرسي

 

 

] ولا يشترط ذكر المحاطة والمبادرة [

 

رهان ، كاد احدهما ان يسبق الآخر باذنه ( 1 ) .

وفيه : انه لا اشكال في صدق السبق بالاذن على ما لو حصل السبق باذنه ، انما

الكلام في ما اذا اطلقا السبق ، وان السبق بقول مطلق هل يصدق على السبق بالاذن

ام لا ؟ فالخبر اجنبي عن ذلك

والحق عدم تمامية شئ من القولين باطلاقه ، والمتعين ايكال ذلك الى العرف ،

كما هو الشأن في كل مفهوم وفع في الدليل ولم يفسر ، فان كان والا فلا بد من التقييد

لرفع الغرر والنزاع .

( و ) الخامسة : ( لا يشترط ذكر ) احد قسمي المراماة وتعيينه ، وهما ( المحاطة

والمبادرة ) مع وجود القرينة من العرف او العادة على تعيين احدهما ، كما عن المصنف

ره في اكثر كتبه والروضتين وغيرها . واما مع عدم وجودها ، فالاظهر لزوم التعيين ،

لمخالفة حكم كل منهما لحكم الآخر وتفاوت الاغراض ، فان من الرماة من يكثر

اصابته في الابتداء ويقل في الانتهاء ، ومنهم من هو بالعكس ، فدفعا للغرر لابد من

التعيين .

ولعله يكون منشأ الاختلاف في المقام انه مع الاطلاق هل ينصرف الى احد

القسمين ام لا ؟ والقائلون بعدم لزوم التعيين نظرهم الى الانصراف ، والقائلون بلزومه

- كالشيخ في المبسوط ، والمصنف ره في التذكرة ، وغيرهما في غيرها - بنائهم على الثاني ،

والا فلا أظن الخلاف في الحكم الكلي ، والله العالم .

..............................................................................

( 1 ) التذكرة ج 2 - ص 360 . ( * )

 

 

] الفصل الخامس : في الشركة [

 

الفصل الخامس : في الشركة

 

والنظر فيه يقع في مواضع :

الاول : في حقيقة الشركة ، وماهيتها ، واقسامها . وهي قسمان :

احدهما : ما فسروه بكون شئ واحد لاثنين او ازيد ، ملكا او حقا .

ثانيهما : العقد الذي ينشأ به التشريك في المال على سبيل الشياع فيه ، ويقال

لهذه الشركة الشركة العقدية .

وقد يقال ان الشركة العقدية التي مفادها التشريك بين الشريكين في ماليهما

لا معنى لها ، لان ظاهرهم الاجماع على اعتبار الامتزاج بين المالين قبل العقد او حاله

او بعده ، فلا معنى لانشاء التشريك بالعقد ، لان الامتزاج بنفسه يقتضي ذلك ، فلذا

انكر بعضهم كون الشركة من العقود .

وقال في المسالك : انها عقد ، ثمرته جواز تصرف الملاك لشئ واحد على سبيل

الشياع فيه .

واجاب عنه صاحب الجواهر ره بان الشركة الحاصلة من الامتزاج شركة

ظاهرية ، والا ففي الواقع كل من الشريكين يملك جزئه المعين وان لم يتميز ، والشركة

المنشأة بالعقد شركة واقعية ، فيملك به كل من الشريكين جزء مشاعا في المجموع

بلا تعيين اصلا .

وفيه : اولا : ان الشركة الظاهرية لا تتصور في بعض الموارد ، كما لو امتزج

المالان بنحو تبدلا الى حقيقة ثالثة عرفا .

وثانيا : ان لازم ما افاده قده اجتماع ملكيتين في شئ واحد ، احدهما قائمة

 

 

[ . . . ]

بالجزء المشاع ، والاخرى قائمة بالمعين ، وهو غير معقول .

وثالثا : ان ما افاده خلاف ظاهر الاجماعات على تحقق الشركة بالمزج على نحو

تحققها بالعقد .

والحق ان يقال : ان الامتزاج المعتبر اجماعا في الشركة العقدية ليس هو

الامتزاج الموجب للشركة الواقعية ، بل لو امتزج نوع من الحنطة بنوع آخر او امتزج

النقود كفى ، ومن الواضح ان الامتزاج المزبور لا يوجب الشركة كما سيمر عليك ،

وايضا انهم لم يعتبروا الامتزاج السابق بل قالوا بكفاية الامتزاج اللاحق ، فمع اللحوق

يكون السبب هو العقد والامتزاج شرطا .

ثم ان للقسم الاول اقساما : اذ قد تكون الشركة واقعية قهرية كما في المال

الموروث ، وقد تكون واقعية اختيارية من غير استناد الى عقد كما اذا احيى شخصان

ارضا مواتا بالاشتراك او حفرا بئرا او ما شاكل .

واضاف في العروة اليهما قسمان آخران ، وهما : الظاهرية القهرية كما اذا امتزج

مالهما من دون اختيارهما ولو بفعل اجنبي بحيث لا يتميز احدهما من الاخر ،

والظاهرية الاختيارية كما اذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة .

ولكن الشركة الظاهرية لا دليل عليها ، بل في موارد

الامتزاج ان كان المالان بعد المزج يعدان بنطر العرف شيئا واحدا - كما لو خلط الخل

بالدبس - كانت الشركة واقعية والا فلا شركة .

وايضا للقسم الثاني - وهو الشركة المنشأة بالعقد - قسمان :

احدهما : الشركة المنشأة بتشريك احدهما الاخر في ماله ، كما اذا اشترى شيئا

فطلب منه شخص ان يشركه فيه ، ويسمى عندهم بالتشريك .

الثاني : الشركة المنشأة بتشريك كل منهما الاخر في ماله ، ويختص هذا باسم

 

 

] انما تصح في الاموال دون الاعمال [

 

الشركة العقدية ومعدود من العقود .

ثم المال المشترك قد يكون عينا كما هو ظاهر ، وقد يكون منفعة بالاجارة

وشبهها او بالارث ، وقد يكون حقا كحق الشفعة والخيار الموروثين .

ثم ان كيفية الشركة قد تكون بنحو الاشاعة كما هو ظاهر ، وقد تكون بنحو

الكلي في المعين - كما لو باع ثمرات اشجار واستثنى ارطالا - فان الحق ان كلا منهما

يملك حصته بنحو الكلي في المعين .

واضاف في العروة اليهما بقوله : وقد تكون على وجه يكون كل من الشريكين

او الشركاء مستقلا في التصرف ، كما في شركة الفقراء في الزكاة ، والسادة في الخمس ،

انتهى . وفيه : ان هذا ليس من الشركة في المال بل يكون المالك هو الكلي ، كما مر

تفصيل القول في ذلك في كتاب الزكاة .

واما الدليل على مشروعية العقد المنشأ به الشركة - فمضافا الى بناء العقلاء

- بضميمة عدم الردع ، العمومات العامة الدالة على امضاء كل عقد ، ونصوص خاصة

ستمر عليك . واما الشركة في القسم الاول ، فوجهها ظاهر لا يحتاج الى بيان .

 

مورد الشركة

 

الموضع الثاني : في مورد الشركة :

( انما تصح ) الشركة العقدية ( في الاموال ) بل الاعيان ، ( دون ) الديون و

( الاعمال ) . فلو كان لكل منهما دين على شخص ، فأوقعا العقد على كون كل منهما

بينهما لم تصح ، لان من شرائط الشركة العقدية الامتزاج اجماعا ، وهو منتف فيها . وبه

يظهر مدرك عدم صحة الشركة في المنافع ، بان كان لكل منهما دار مثلا واوقعا العقد على

 

 

] فلكل اجرة عمله ، [

 

ان تكون منفعة كل منهما بينهما بالنصف . ولو ارادا الاشتراك في الموردين صالح احدهما

الآخر نصف منفعة داره بدينار مثلا ، وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار ، او

صالح احدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الاخر ، وكذا في الدين .

ولا تصح الشركة بالاعمال - كالخياطة والنساجة - بلا خلاف معتد به اجده فيه

بيننا ، بل الاجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض او متواتر ، كذا في الجواهر .

واستدل له في الجواهر بالاصل السالم عن معارضة ( اوفوا بالعقود ) .

وفيه : ان المتيقن من النصوص الخاصة وان كان هو الشركة في الاعيان ، فلا

دليل خاص على جواز هذا العقد في الاعمال . وما يحكى من شركة سعد بن ابي وقاص

وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر فيما يغنمونه ، فأتى سعد بأسيرين ولم يأتيا بشئ ،

فاقرهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشركهما جميعا ( 1 ) غير ثابت ، مع انه يمكن ان

يكون ذلك في يوم بدر وغنائمه كانت للنبي صلى الله عليه وآله على ما صرح به

المصنف ، فيمكن ان يكون ذلك منه صلى الله عليه وآله هبة لهم ، الا ان عمومات أدلة

امضاء المعاملات كافية في الحكم بالصحة ، ومعها لا تصل النوبة الى الاصل .

فالمتعين الاستدلال له - مضافا الى الاجماع ، اذ لم ينقل الخلاف عن احد سوى

ابن الجنيد ، وقد يقال ان يمكن ان يكون مرادة ما لا يخالف الاصحاب بارادة باب

المزارعة وشبهه ، فلا يكون خلاف فيه بل تتفق كلمة اهل الحق على البطلان - بما مر

من اعتبار الامتزاج المنتفي في الفرض .

( ف ) لو عملا لشخص كان ( لكل ) منهما ( اجرة عمله ) . نعم ، لو عملا معا

لواحد مثلا باجرة ، ودفع اليهما شيئا واحدا عوضا عن اجرتهما ، تحققت الشركة فيه ،

..............................................................................

( 1 ) التذكرة ج 2 ص 220 . ( * )

 

 

] والوجوه ، [

 

ولكنها ليست من شركة الاعمال ، بل هي من شركة الاموال . ويمكن تحقق الشركة

بنحو آخر ، بان يصالح احدهما نصف منفعته المعينة بنصف منفعة الاخر ، او يصالحه

نصف منفعته بعوض معين ، ويصالحه الآخر ايضا نصف منفعته بذلك العوض .

( و ) لا تصح ايضا الشركة ب ( الوجوه ) باشتراك وجهين لامال لهما بعقد لفظي

على ان يبتاع كل منهما في ذمته الى اجل ، ويكون ما يبتاعه بينهما فيبيعانه ويؤديان

الثمن ، ويكون ما حصل من الربح بينهما .

وقيل : هي ان يبتاع وجيه في الذمة ، يفوض بيعه الى خامل ، ويشترط ان

يكون الربح بينهما .

وقيل : ان يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ، ليكون العمل من الوجيه

والمال من الخامل ، ويكون المال في يده ولا يسلمه الى الوجيه والربح بينهما .

وقيل : ان يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ، ليكون بعض الربح له .

وفي المسالك : والكل باطل عندنا خلافا لابن الجنيد ، فانه جوزها بالمعنى

الاول .

لا اشكال في بطلان العقد المزبور ، للاجماع ، ولما مر من فقد شرط الامتزاج

انما الكلام في انه هل يمكن القول بالشركة من جهة اخرى ام لا ؟ الظاهر

هو ذلك في غير التفسير الثاني ، اما في التفسير الاول فلان كلا منهما يشتري متاعا

على ان يدخل نصفه في ملكه ونصفه في ملك صاحبه بثمن في ذمة نفسه ، وهذا البيع

صحيح على المختار من عدم اعتبار دخول المعوض في كيس من خرج العوض عن

كيسه ، ويتبعه ان الربح بينهما . واما التفسير الثاني فلا يحضرني الآن ما يمكن

تصحيحه به .

واما موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام عن الرجل يشتري

 

 

] والمفاوضة . ويتحقق باستحقاق الشخصين فما زاد عينا واحدة ، او بمزج

المتساويين بحيث يرتفع الامتياز بينهما . [

 

الدابة وليس عنده نقدها ، فأتى رجل من اصحابه فقال : يا فلان انقد عني ثمن هذه

الدابة والربح بيني وبينك ، فنقد عنه فنفقت الدابة ، قال عليه السلام : ثمنها عليهما ،

لانه لو كان ربحا فيها لكان بينهما ( 1 ) ونحوه غيره ، فلا يدل على صحة ذلك ، بل الظاهر

من مفاد هذه النصوص تحقق الشركة في مال اشترى بثمن معين ، مثلا بقول : شركتك

فيه ، على معنى ارادة نقل نصفه مثلا اليه بنصف الثمن ، او بقول : الربح بيني وبينك

فيه ، ونحو ذلك ، كما نبه عليه في الجواهر .

واما التفسيران الاخيران فيمكن ان يقال فيهما بتوكيل الخامل الوجيه في البيع

والشراء بماله لهما ، ولا محذور فيه كما مر .

( و ) مما ذكرناه ظهر بطلان شركة ( المفاوضة ، و ) هي ان يشترك اثنان او ازيد

على ان يكون كل ما يحصل لاحدهما - من ربح تجارة او زراعة او كسب اخر ، أو ارث

او وصية ، او نحو تلكم - مشتركا بينهما ، وكذا كل غرامة ترد على احدهما تكون عليهما .

وفي الجواهر : بل الاجماع بقسميه على فسادها . وظاهر المسالك وجود المخالف ، قال :

وهي باطلة الا عند أبي حنيفة ومن شذ . وعن المحقق الاردبيلي - بعد ما نقل عن

المصنف ره ان شركة المفاوضة عندنا باطلة - قال : وليس لها اصل ؟

وأيضا ظهر ان الشركة ( تتحقق باستحقاق الشخصين فما زاد عينا واحدة )

بارث وما شاكل ، ( وبمزج المتساويين بحيث يرتفع الامتياز بينهما ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب الشركة حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

شرائط الشركة العقدية

 

الثالث : في شرائط الشركة العقدية . يشترط فيها امور :

1.     الايجاب والقبول ، والكلام فيهما وفيما يعتبر فيهما هو الكلام في العقد في

سائر الابواب - كالبيع والاجارة وما شاكل - فيعتبر ان يكونا مبرزين للشركة المنشأة ،

ولا تعتبر العربية ولا الماضوية بل لا يعتبر اللفظ ، وتتحقق بالفعل ايضا وبالمركب من

القول والفعل .

2.     البلوغ .

3.     العقل .

ويشهد لاعتبارهما ما دل على رفع القلم عنهما ( 1 ) وغيره مما دل على اعتبارهما

في البايع والمشتري والمؤجر والمستأجر .

4.     الاختيار ، لا تصح الشركة مع اكراه احدهما أو هما معا ، لحديث رفع ما

استكره عليه ( 2 ) .

5.     عدم الحجر ، لادلته ( 3 ) .

6.     امتزاج المالين سابقا على العقد أو لاحقا ، بحيث لا يتميز احدهما من

الآخر - من النقود كانا او من العروض - ولا دليل له سوى الاجماع والمتيقن منه

ذلك . واما اعتبار الاتحاد في الجنس والوصف فلا دليل عليه ، لعدم الاجماع عليه ، بل

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث 11 - وباب 36 من القصاص في النفس .

( 2 ) الوسائل باب 56 - من ابواب جهاد النفس .

( 3 ) الوسائل باب 6 من ابواب الحجر . ( * )

 

 

] ولكل منهما في الربح والخسران بقدر ماله ولو اشترطا التساوي مع اختلاف

المالين ، او بالعكس ، جاز [

 

قد يقال بكفاية امتزاج الحنطة بالشعير ، لان المتيقن من الاجماع غير هذه الصورة ،

فتكون داخلة تحت عمومات ادلة الامضاء ، وهو متين .

بقى في المقام فرعان :

احدهما : انه لاخلاف ولا اشكال في انه يتساوى الشريكان في الربح

والخسران ، ( و ) ان ( لكل منهما في الربح والخسران بقدر ماله ) . فلو تساويا في المال

المشترك تساويا في الربح والخسران ، ولو كان لاحدهما زيادة كان له من الربح بقدر

رأس ماله ، وكذا عليه من الخسارة ، بلا خلاف في شئ من ذلك ، مع اتفاقهما في العمل

او اختلافهما فيه ، بل الاجماع بقسميه عليه ، والسنة مستفيضة او متواترة فيه ، مضافا

الى اقتضاء اصول المذهب وقواعده في المشاع ذلك ، بل هو مقتضى الاصول العقلية

ايضا ، كذا في الجواهر .

( و ) انما الخلاف فيما لو اشترطا في العقد غير ذلك . وملخص القول فيه : انه

تارة يشترطان التساوي مع اختلاف المالين ، واخرى يشترطان الاختلاف مع تساوي

المالين ، وثالثة يشترطان كون تمام الربح لاحدهما ، ورابعة يشترطان كون تمام الخسران

عليه ، وخامسة يشترطان كون تمام الربح لاحدهما والخسران على الآخر ، او تمام الربح

له والخسران عليه . ثم انه في جميع الصور تارة يكون الشرط للعامل منهما ، واخرى

يكون لغيره .

اما ( لو اشترطا التساوي مع اختلاف المالين أو بالعكس ) اي اشترطا

الاختلاف مع تساويهما ، وكان شرط الزيادة للعامل منهما او لمن عمله ازيد ، فلا خلاف

ولا اشكال على الظاهر عندهم في انه ( جاز ) كما اعترف به غير واحد ، قال في محكي

التذكرة : لو اختص احدهما بمزيد عمل وشرط مزيد ربح له صح عندنا ، والى ذلك

 

 

[ . . . ]

يشير استدلالهم لعدم الصحة في الفرض الآتي بان الفرض انها ليست في مقابلة عمل ،

وعلى الجملة فالظاهر انه لاخلاف في ذلك بل ولا اشكال كما ستعرف .

اما لو اشترطا لغير العامل منهما ، او لغير من عمله ازيد ، ففي صحة الشرط

والعقد ، وبطلانهما ، وصحة العقد وبطلان الشرط فيكون كصورة الاطلاق ، اقوال :

اولها : للمرتضى والمصنف ووالده وولده ، بل عن المرتضى الاجماع عليه .

ثانيها : للشيخ والحلي والمحقق الثاني وجماعة .

ثالثها : لابي الصلاح .

واستدل للاول بالادلة العامة الدالة على امضاء العقود والشروط .

وللثاني بان شرط الزيادة مخالف لمقتضى العقد ، فيبطل ويبطل العقد ، اذ لم يقع

التراضي بالشركة والاذن في التصرف الا على ذلك التقدير . وبان جعل الزيادة

لاحدهما من غير ان يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة عن تراض ، بل هو

اكل بالباطل .

ولكن يرد على الاول ان الشرط ليس مخالفا لمقتضى العقد ، فان مقتضى العقد

اي ما ينشأ به هو التشريك في المال ، وهذا يلائم مع كون الربح لاحدهما ازيد من ما

للآخر ، مع انه لو تم لما كان هناك فرق بين مقابلة الزيادة بالعمل وعدمها . اضف الى

ذلك انه لو تم هذا الوجه لزم بطلان الشرط خاصة دون العقد ، فان الشرط لا يوجب

تقييد التراضي بالشركة ، بعد كونه التزاما في ضمن التزام لاجزء من الالتزام العقدي .

ويرد على الثاني - مضافا الى ما مر من كون الشرط خارجا عن التجارة

والتزاما في ضمنها - منع عدم كونه معه من التجارة عن تراض . فالاظهر هو الاول .

فان قيل : ان العمل بالشرط غير لازم ، لانه في عقد جائز .

قلنا : اولا : انه مشترك الورود ، ولا فرق فيه بين ما لو كانت الزيادة بازاء عمل

 

 

] ولا يصح تصرف احدهما بدون اذن الاخر ، ويقتصر على المأذون . [

 

وبين ما لو لم تكن بازائه .

وثانيا : ان الشرط في ضمن العقد الجائز لازم الوفاء ، كما مر الكلام فيه في محله .

وثالثا : ما افاده صاحب الجواهر ره بان عقد الشركة لازم لاجائز ، وبطلانه

بالقسمة لايقتضي جوازه كبطلان العقود اللازمة بالفسخ .

اما لو اشترط كون تمام الربح لاحدهما ، ففي العروة بطل العقد ، لانه خلاف

مقتضاه .

وفيه : اولا : ان مقتضى العقد كما مر هو الاشتراك في المال ، واما كون الربح

بينهما فهو من جهة القواعد الاولية في المشاع وتبعية الربح لملك الاصل ، فلا محذور

في اشتراط كونه لاحدهما .

وثانيا : ان لازم ذلك بطلان الشرط دون العقد .

فان قيل : ان اشتراط كون الربح لاحدهما مخالف للشرع ، فان الملكية تحتاج

الى سبب ولا تثبت بالشرط .

قلنا : ان الظاهر كما بيناه في محله من هذا الشرح كون الملكية من الغايات

التي يجوز اشتراطها ، اذ لا يعتبر في تحققها سبب خاص ، فدليل وجوب الوفاء بالشرط

يصلح دليلا على كون الشرط من اسبابها .

وبما ذكرناه يظهر صحة اشتراط كون تمام الخسران على احدهما ، او كون تمام

الخسران على احدهما وتمام الربح للآخر ، او كون تمام الربح لاحدهما والخسران عليه

ايضا .

( و ) الثاني : انه اذا اشترك المال باحد اسبابه السابقة ( لا يصح تصرف احدهما

بدون اذن الآخر ) ، لعدم جواز التصرف في مال الغير بغير اذنه ، فان حصل الاذن

لاحدهما تصرف هو دون الاخر ، ( و ) لكن ( يقتصر ) من التصرف ( على المأذون ) . ولو

 

 

[ . . . ]

اذن كل واحد من الشريكين لصاحبه جاز لهما التصرف ، ولكل من الشركاء الرجوع

من الاذن الذي هو كالتوكيل لعدم الملزم للاذن ، وليس هو من قبيل الاباحة بالعوض .

 

القسمة

 

الرابع : في القسمة ، وهي تعيين الحق لكل شريك ، والظاهر كونها معاملة مستقلة

ليست بيعا ولا صلحا ولا غيرهما ، سواء كان فيها ردا ولم يكن ، بلا خلاف اجده فيه ولا

اشكال ، فلا يترتب عليها آثار البيع من الشفعة وخيار المجلس واعتبار القبض في

النقدين ، بل هي ليست من قبيل المعاوضات فلا يلحقها الربا وان تحقق فيها

التعاوض .

والاصل في شرعيتها - مضافا الى انها معاملة عقلائية لم يردع الشارع الاقدس

عنها واجماع الامة عليها - : من الكتاب قوله تعالى ( واذا حضر القسمة اولوا

القربى ) . . . الخ ( 1 ) . وقوله سبحانه ( ونبئهم ان الماء قسمة بينهم كل شرب

محتضر ) ( 2 ) .

ومن السنة نصوص مستفيضة ستمر عليك جملة منها في طى المسائل الآتية .

وقد فعلها النبي صلى الله عليه وآله ، فانه روى مجمع بن حارثة انه صلى الله عليه وآله

قسم خيبر على ثمانية عشر سهما ( 3 ) وروي انه قسمها على ستة وثلثين سهما ( 4 ) وللجمع

بين هذين الخبرين محل آخر . وروي انه كان لامير المؤمنين عليه السلام قاسم يقال

..............................................................................

( 1 ) النساء آية 9 .

( 2 ) سورة القمر آية 28 .

( 3 - 4 ) المبسوط - كتاب القضاء - فصل ذكر القاسم . ( * )

 

 

] ومع انتفاء الضرر بالقسمة يجبر الممتنع عنها مع المطالبة [

 

له عبد الله بن يحيى ، وكان يرزقه من بيت المال ( 1 ) .

وتمام الكلام في المقام بالبحث في مسائل :

الاولى : اذا طلب احد الشريكين القسمة وجب على الاخر اجابته مع عدم

الضرر ، ( ومع ) امتناعه و ( انتفاء الضرر بالقسمة يجبر الممتنع عنها مع المطالبة ) بلا

خلاف .

واستدل له في الرياض بان للانسان ولاية الانتفاع بماله ، والانفراد اكمل نفعا .

وفي الحدائق بانه يجب ايصال المال الى صاحبه ، وهو هنا بالقسمة .

ولكن ثبوت الولاية على الانتفاع بالمال لا يقتضي الولاية على تبديل ماله ومال

شريكه ، فان الملكية المشاعة غير الملكية المفروزة ، وتبديل الاولى بالثانية - الذي يعبر

عنه بالقسمة وعرفت انها معاملة مستقلة - انما يكون بتبديل مال نفسه ومال شريكه ،

ودليل السلطنة لا يثبت الولاية على التصرف الموجب للتصرف في مال الغير ايضا . واما

وجوب ايصال المال الى صاحبه فهو ايضا لا يقتضي وجوب الاجابة ، لان الايصال

الواجب انما هو عدم الممانعة من تصرف المالك في ماله ، وهذا غير وجوب تبديله الى

مال آخر .

واستدل المحقق القمي ره في جامع الشتات له بحديث لا ضرر ولا ضرار ( 2 ) ،

قال : وهو المدرك في هذه المسألة في اغلب المواضع .

وفيه : انه بعد تحق الشركة وصيرورة الموجود ملكا مشاعا لشريكين ، لا يترتب

ضرر على عدم القسمة بل غايته فوت النفع ، مع ان حديث لا ضرر لا يصلح لاثبات

..............................................................................

( 1 ) المبسوط - كتاب القضاء - فصل ذكر القاسم

( 2 ) الوسائل باب 17 من ابواب الخيار كتاب التجارة . ( * )

 

 

[ . . . ]

الوجوب ، لانه ناف للحكم لا مثبت . فاذا لا دليل على وجوب الاجابة .

ثم على تقدير الوجوب ، لو امتنع الشريك عنه ، وقلنا بجواز اجباره لانه ممتنع ،

تحقق القسمة بدون رضاه يحتاج الى دليل مفقود . ولكن الظاهر تسالم الاصحاب على

الحكمين ، وتكرر في كلماتهم دعوى الاجماع عليهما ، وهو المستند فيهما .

ثم انه اذا كانت القسمة موجبة للضرر ، فتارة يتضرر الشريك بها ولا يتضرر

الطالب بتركها ، واخرى يتضرران بها معا ، وثالثة يتضرر الشريك بها والطالب بتركها ،

ورابعة يتضرر الطالب بها خاصة .

اما في الصورة الاولى والثانية فلا خلاف بينهم في عدم وجوب الاجابة ، ووجهه

قاعدة لاضرر مضافا الى الاصل كما مر .

واما في الصورة الثالثة ، ففي الحدائق : فيتعارض الضرران ، فينبغي ان يرجح

الاقل ضررا ، ومع التساوي يشكل الامر ، فيحتمل الرجوع الى القرعة . وفيه : انه

لا وجه لترجيح الاقل ضررا ، لانه لا يجب على الانسان تحمل الضرر ليدفع الضرر

عن غيره ، فوجوب الاجابة اذا كان ضرريا يرتفع بالحديث ، وان كان في ترك القسمة

ضرر اعظم منه على الطالب .

واما في الصورة الرابعة ، فقد استدلوا لعدم وجوب الاجابة بان ارتكاب ذلك

سفه وتضييع لماله . وفيه : أنه اذا كان ذلك بنحو يجوز لمالكه ذلك كما لو كان التضرر

بنقص القيمة ، فلا وجه لعدم وجوب الاجابة ، لعدم المانع عنه .

ثم انه حيث عرفت ان منشأ عدم وجوب الاجابة في موارده هو حديث

لا ضرر ( 1 ) فاعلم ان المناط في الضرر نقص القيمة او غيره مما يوجب صدق كون

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 - من ابواب الخيار كتاب التجارة . ( * )

 

 

] ويكفي القرعة في تحقق [

 

القسمة ضررية ، ولا يعتبر الخروج عن الانتفاع بالمرة ولا خصوص نقصان الانتفاع .

نعم ، لو لم يكن في القسمة بما هي قسمة ضرر ، وكان الضرر خارجيا متوجها

بسبب القسمة - كما اذا كان شريكه من لا يقدر احد عليه ، واذا استقل هو بحصة

يتمكن الغاصب من غصب ما له مثلا - قد يقال بعدم كفايته في رفع وجوب الاجابة ،

ولعل وجهه ان حديث لاضرر انما يرفع حكم الموضوع الضرري ويكون من قبيل

نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، والموضوع في المقام ليس ضرريا ، ولكن بما ان

المختار عندنا تبعا للشيخ الاعظم ره انه ينفي كل حكم نشأ منه الضرر ، فالظاهر

كفاية الضرر الخارجي ايضا في رفع الوجوب .

ولا فرق فيما ذكرناه بين كون القسمة بنحو الافراز كما في المثليات من الحبوب

والادهان من نوع واحد ، او بالتعديل كما في القيميات من نوع واحد او انواع كالدور

والدكاكين وما شاكل ، او تكون بنحو الرد بضم شئ الى احد الطرفين من الخارج .

فما افادوه من انه يجبر عليها في الاوليين ان لم يكن ضرر ، ولا يجبر عليها في الثالثة

معللا بانها متضمنة للمعاوضة المحتاجة الى التراضي لا يتم ، فان القسمة في الموارد

الثلاثة متضمنة للتعاوض ، ولا تكون متضمنة للمعاوضة في شئ من الموارد ، وفي

التعاوض الذي هو من المعاملات وان كان يعتبر التراضي الا ان المفروض في المقام

سقوط اعتبار ذلك . اللهم الا ان يقال : ان عمدة مدرك وجوب الاجابة هو الاجماع

والمتيقن من معقده القسمان الاولان ، فلا تجب في الثالث للاصل .

 

اعتبار القرعة

 

الثانية : ( و ) قد صرح غير واحد من الاصحاب بانه ( تكفي القرعة في تحقق

 

 

] القسمة مع تعديل السهام ، [

 

القسمة مع تعديل السهام ) بالاجزاء ان كانت في متساويها كيلا أو وزنا ، او عدا بعدد

الانصباء ، أو بالقيمة ان اختلفت كالارض والحيوان ، ولا حاجة الى شئ آخر من رضا

بعدها وغيره في قسمة الاجبار وغيرها ، من غير فرق بين كونها ردية او غيرها ، ولا بين

كون القاسم منصوبا من الامام عليه السلام أو الحاكم أو غيره ككونه منهما او من

وكيلهما ، لان القسمة اذا وقعت صحيحة فهي كساير المعاملات لا يعتبر فيها الرضا

بعد تمامية المعاملة .

وعن المشهور - على ما قيل - الاحتياج الى إلرضا بعد القرعة ، خصوصا في

قسمة الرد ، لاشتمالها على المعاوضة المتوقفة على ما يدل على الرضا بذلك . فان كان

نظرهم الى ان القسمة من المعاملات فلا تتحقق بدون الرضا ، فيرد عليهم ان المفروض

وجود الرضا المقارن ، او عدم اعتباره كما في قسمة الاجبار . وان كان الى ان القرعة

وحدها ليست مميزة للحق ومشخصة له وملزمة به ، فيرده نصوص القرعة ( 1 ) وكون

القرعة عند العرف مما ينشأ به القسمة فتشملها ادلة القسمة .

وهل تعتبر القرعة في القسمة ، ام لا ؟ قولان ، فظاهر جماعة بل قيل انه ظاهر

الجميع اعتبارها . وعن المحقق الاردبيلي والمحدث البحراني وغيرهما ممن تأخر عنهما

عدم اعتبارها ، والاكتفاء بالرضا من كل من الشركاء بأخذ سهم .

والثاني اظهر ، لا طلاق ما دل على القسمة من الادلة المتقدمة ، ولو شك في

اعتبارها يرتفع الشك باطلاقها والاصل ، كسائر ما يشك في اعتباره في المعاملة .

وللنصوص الواردة في قسمة الدين ، كخبر غياث عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم

السلام في رجلين بينها مال ، منه بأيديهما ومنه غائب عنهما ، فاقتسما الذي بأيديهما واحال

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 13 من ابواب كيفية الحكم واحكام الدعوى كتاب القضاء . ( * )

 

 

[ . . . ]

كل واحد منهما من نصيبه الغائب ، فاقتضى احدهما ولم يقتض الاخر ، قال عليه

السلام : ما اقتضى احدهما فهو بينهما ، وما يذهب بينهما ( 1 ) ومثله خبر الثمالي عن ابي

جعفر عليه السلام ( 2 ) وخبر محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام ( 3 ) وصحيح

عبد الله بن سنان ( 4 ) وخبر سليمان بن خالد ( 5 ) . فان ظاهرها صحة قسمة ما بايديهما مع

عدم القرعة ، فتأمل لورود النصوص سؤالا وجوابا في مقام بيان حكم آخر ، فلا وجه

للتمسك بها ، فالعمدة هو الاطلاق والاصل .

واستدل للاول في الجواهر تارة بان القرعة داخلة في حقيقة القسمة بحيث

لاتصدق بدونها .

واخرى بان القرعة شرعت للتعيين ، كما شرع قبض المستحق من المستحق

عليه في الدين .

وثالثة بان مقتضى تعريف القسمة بانها تمييز الحقوق كون حصة الشريك كليا

دائرا بين مصاديق متعددة ، فتكون محلا للقرعة ، اذ هي حينئذ لاخراج المشتبه ، وتعيين

ما لكل منهما من المصداق واقعا ، فنكشف حينئذ عن كون حقه في الواقع ذلك .

ورابعة باتفاق الاصحاب على اعتبارها في القسمة شرعا مؤيدا بتعارف ذلك

بين عوام المتشرعة فضلا عن خواصهم .

وفي الجميع نظر . اما الاول فلان القسمة كما مر معاملة خاصة تنشأ بالقول او

الفعل ، ولا دخل للقرعة فيها . نعم ، هي احد الافعال المنشأ بها القسمة .

..............................................................................

( 1 - 2 - 3 ) الوسائل - باب 6 من ابواب كتاب الشركة حديث 1 .

( 4 ) الوسائل باب 6 من ابواب كتاب الشركة حديث 2 .

( 5 ) الوسائل باب 29 من ابواب الدين والقرض حديث 1 . ( * )

 

 

] والاحوط حضور قاسم وليس شرطا والشريك امين ، [

 

واما الثاني فلانه لاكلام في ان القرعة تصلح للتعيين وانها شرعت له ، ولكن

لا يلازم ذلك عدم معين غيرها .

واما الثالث فلانه في موارد الشركة انما يكون المال بينهما بنحو الاشاعة لا

الكلي في المعين ، مع انه لو كان من قبيل الكلي في المعين كان مقتضى اطلاق ادلة

القسمة تعين حق كل منهما بما ينشأ به القسمة .

واما الرابع فلعدم ثبوت كون الاجماع تعبديا ، مع انه قده صرح بانه قد يقال

ان مراد الاصحاب اعتبار القرعة حال عدم التراضي لانها العدل بينهما .

فتحصل مما ذكرناه انه مع التراضي لاحاجة الى القرعة .

الثالثة : ( والاحوط حضور قاسم ) من قبل الحاكم ، او من قبلهما ، لانه ابعد الى

التنازع خصوصا اذا كان هو الحاكم المنصوب من قبل الامام عليه السلام ، فانه يقطع

النزاع بين المتخاصمين . ( وليس شرطا ) في صحة القسمة ولزومها بلاخلاف ، لعدم

الدليل عليه ، بل مقتضى اطلاق الادلة عدم شرطيته .

 

لا تصح الشركة المؤجلة

 

الخامس : في جملة من احكام الشركة والقسمة ، وهي تذكر في طي فروع :

1.     لا خلاف ( و ) لا اشكال في انه لا يضمن ( الشريك ) ما تلف من مال الشركة

الذي في يده باذن الشريك ، من غير تعد ولا تفريط ، لانه ( امين ) ، وقد اتفقت

النصوص ( 1 ) والفتاوى على انه لا يضمن الا مع التعدي او التفريط .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب الوديعة وباب 1 من العارية وباب 28 و 29 و 30 من الاجارة . ( * )

 

 

] ولا تصح مؤجلة وتبطل الشركة بالموت والجنون ، [

 

2.     ( ولا تصح ) الشركة ( مؤجلة ) .

قال في المسالك : المراد بصحة التأجيل المنفية ترتب اثرها بحيث لا تكون لازمة

الى الاجل ، وانها لم تصح لانها عقد جائز ، فلا يؤثر شرط التأجيل فيها ، بل لكل منهما

فسخها قبل الاجل . نعم ، يترتب على الشرط عدم جواز تصرفهما بعده الا باذن

مستأنف ، لعدم تناول الاذن له ، فلشرط الاجل اثر في الجملة ، انتهى . ونحوه ما قاله

في الحدائق .

ونقل في محكى المختلف عن الشيخين انهما قالا : الشركة بالتأجيل باطلة ، قال :

وظاهر ان مرادهما ليس البطلان من رأس بل عدم اللزوم ، ولذا قال المفيد عقيب ذلك :

ولكل واحد من الشريكين فراق صاحبه اي وقت شاء . ثم نقل عن ابي الصلاح انه

قال : ولا اثر للتأجيل في عقد الشركة ، ولكل شريك مفارقة شريكه اي وقت شاء وان

كانت مؤجلة . ثم قال : والعبارتان رديتان ، والتحقيق ان للتأجيل اثرا ، وهو منع كل منهما

من التصرف بعده الا باذن مستأنف ، وان لم يكن له مدخل في الامتناع من الشركة ،

اذ لكل منهما الفسخ قبل الاجل ، انتهى .

ولو اشترط عدم الرجوع قبل الاجل ، فهل يجوز له الرجوع ام لا ؟ الظاهر

انه ليس له ذلك تكليفا ، لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشرط ( 1 ) ولكن له الرجوع

وضعا كما لا يخفى .

3.     ( وتبطل الشركة بالموت والجنون ) والحجر ، بمعنى انه لا يجوز للآخر

التصرف ، واما الشركة فهي باقية ، فالاولى في التعبير ما في الشرايع ، قال : ويبطل

الاذن بالجنون والموت .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الخيار كتاب التجارة . ( * )

 

 

] ويكره مشاركة الكفار ، وليس لاحد الشريكين المطالبة باقامة رأس المال ،

وانما تصح القسمة بالتراضي ولا يصح قسمة الوقف ، ويجوز قسمته مع

الطلق [

 

4.     ( ويكره مشاركة الكفار ) عند علمائنا كما عن التذكرة ، ويشهد به خبر

السكوني ( 1 ) وصحيح ابن رئاب ( 2 ) وهما وان اختصا بالذمي الا انه يثبت الحكم في غيره

بالاولوية .

5.     ( وليس لاحد الشريكين المطالبة باقامة رأس المال ) ، بل يقتسمان العين

الموجودة ما لم يتفقا على البيع كما هو واضح .

6.     ( وانما تصح القسمة ) في غير القسمة الاجبارية ( بالتراضي ) ، ووجهه

ظاهرمما قدمناه .

 

قسمة الوقف

 

7.     ( و ) قد صرح الاصحاب بانه ( لا تصح قسمة الوقف ، ويجوز قسمته مع

الطلق ) . ولكن في محكي التحرير : ولو قيل بقسمة الوقف بعضه من بعضه مطلقا

امكن ، اذ القسمة ليست بيعا ، والاقرب عدم جوازها ، اذ البطن الثاني يأخذ الوقف

عن الواقف ولا يلزمه ما فعل البطن الاول ، ولو تعدد الواقف والموقوف عليه فالاقرب

جواز القسمة ، انتهى .

وتبعه في الحدائق ، قال : واما لو تعدد الواقف والموقوف عليه ، بان كانت الدار

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الشركة - حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الشركة حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

مشتركة بين زيد وعمرو نصفين مثلا ، فوقف زيد نصفه على ذريته وعمر ونصفه على

ذريته ، فانه يجوز للموقوف عليهم من الطرفين قسمة هذا الوقف ، انتهى .

وكذا المحقق القمي ره ، بل يظهر منه جوازها مع تعدد الوقف والموقوف عليه ،

كما اذا كان نصف مشاع من ملك وقفا على مسجد والنصف الآخر على مشهد .

والتحقيق يقتضي ان يقال : انه ان لم تكن القسمة منافية لمقتضى الوقف بسبب

اختلاف البطون قلة وكثرة - كما لو كان نصف مشاع وقفا على مسجد والنصف الآخر

على مشهد ، او كان نصفه وقفا على قبيلة والنصف الآخر وقفا على قبيلة اخرى -

فالاظهر هو الجواز مطلقا . ودعوى عدم انحصار الحق في الموجودين فيما اذا كان

الوقف على القبيلة ، مندفعة بانه يمكن ان يتصدى المتولي او الحاكم الشرعي ويتولاه

عن البطون اللاحقة .

فان قيل : انه اذا كان الوقف على نحو وقف المشاع ، فالقسمة الموجبة للافراز

والتعيين خلاف وضع الوقف ، وقد دلت النصوص على ان الوقوف على ما وقفت .

قلنا : ان القسمة موجبة عند العرف للتمييز لا لتغيير وضع الوقف ، وعلى فرض

تسليم كونه كذلك فلا اشكال في اغتفار مثل ذلك ، ( و ) لذا اتفقوا على انه ( يجوز

قسمته مع الطلق ) .

واما ان كانت منافية لمقتضى الوقف بسبب اختلاف البطون قلة وكثرة ، فان

اقتسم اهل كل طبقة بالنسبة الى انفسهم فقط صحت القسمة لعدم المانع عنها ، والا

فلا تصح ، لان الحق يتغير بزيادة البطون ونقصانها ، فربما استحق بعض بطون

المتقاسمين اكثر مما ظهر بالقسمة لمورثهم وبالعكس .

ثم ان قسمة الوقف عن الطلق اذا اشتملت على الرد من جانب الوقف ، فلا

مانع منها ومقابل الرد وقف ان كان من الوقف ، وان كان من مال الموقوف عليهم فهو

 

 

] الفصل السادس : في المضاربة ، وهي ان يدفع الانسان مالا الى غيره

ليعمل فيه بحصة من ربحه [

 

لهم ، وان كان الرد من جانب الطلق فلا تجوز ، لاستلزام القسمة ملكية بعض الوقف .

 

الفصل السادس : في المضاربة

 

وتسمى قراضا عند اهل الحجاز ، ( وهي ) عبارة عن ( ان يدفع الانسان مالا

الى غيره ليعمل فيه بحصة من ربحه ) .

وتوضيح ذلك ما في المسالك تبعا للتذكرة ، قال : اعلم ان من دفع الى غيره

مالا ليتجربه ، فلا يخلو اما ان يشترطا كون الربح بينهما ، او لاحدهما ، اولا يشترطا

شيئا . فان شرطاه بينهما فهو قراض ، وان شرطاه للعامل فهو قرض ، وان شرطاه

للمالك فهو بضاعة ، وان لم يشترطا شيئا فكذلك الا ان للعامل اجرة المثل .

واورد على ما افاداه تارة بان مجرد شرط كون الربح للعامل لا يوجب تحقق

القرض الذي هو انشاء تمليك المال بعوض في الذمة ، واخرى بان ظاهر ما ذكراه انه

مع اشتراطهما كون تمام الربح للمالك لا يكون للعامل اجرة المثل ، وعن الرياض

نسبته الى ظاهر الاصحاب ، وهو مناف لقاعدة احترام عمل المسلم المقتضية للضمان .

اقول : اما الايراد الاول فيمكن دفعه بان مرادهما بيان حال كل من القراض

والقرض والبضاعة في حد ذاته ، لا ان المراد تحققه على الوجه المزبور . مع انه اذا كان

كون الربح للعامل من اللوازم الشرعية لملك المال ، فمجرد قصد كون الربح له كاف

في تحقق القرض ، بناء على عدم اعتبار الصراحة في انشاء العقود ، وصحة انشائها

بالكنايات وشبهها ، كما حققناه في كتاب البيع . ويؤيد ما ذكرناه الصحيح عن ابي

جعفر عليه السلام عن امير المؤمنين عليه السلام : من ضمن تاجرا فليس له الا رأس

 

 

[ . . . ]

ماله ، وليس له من الربح شئ ( 1 ) والموثق عنه عليه السلام : من ضمن مضاربة فليس

له الا رأس المال ، وليس له من الربح شئ ( 2 ) اذ كما ان التضمين من لوازم القرض

كذلك الاختصاص بالربح ، فكما ان الاول يكفي في تحقق القرض فكذلك الثاني .

واما الايراد الثاني فهو وارد ، ان لم يكن لاشتراط كون تمام الربح للمالك بدون

ذكر اجرة للعامل ظهور عرفي في ارادة المجانية وليس بكل البعيد . وجه الورود ليس

ما افاده صاحب الجواهر من اقتضاء قاعدة احترام عمل المسلم ذلك - لما مر في كتاب

الاجارة من عدم اقتضائها الضمان - بل هو ان الامر بالعمل ، او الاذن في العمل ، او

دفع السلعة الى الغير للعمل واشباهها ، كأكل مال الغير بالضمان والاباحة بالعوض ،

من الاسباب المعاملية للضمان التي قامت السيرة عليها وبناء العقلاء ولم يردع الشارع

عنها ، بل هذه كلها من العقود ، فتشملها ادلة امضاء المعاملات ولزومها ، كما تقدم

الكلام في ذلك في كتاب الاجارة . فالاظهر هو ثبوت اجرة المثل في الموردين .

قال في المسالك : ان عقد القراض مركب من عقود كثيرة ، لان العامل مع

صحة العقد وعدم ظهور ربح ودعي امين ، ومع ظهوره شريك ، ومع التعدي غاصب ،

وفي تصرفه وكيل ، ومع فساد العقد اجير ، انتهى . وبديهي ان ليس مراده انشاء هذه

العقود بانشاء عقد المضاربة ، بل المراد انه يتبعها احكام هذه العقود ، وفي عده الغصب

واجرة المثل والشركة في الربح من العقود مسامحة واضحة ، فالاولى ما افاده غيره من

ان عقد المضاربة يتبعها احكام عقود كالوكالة والوديعة والشركة ، وغيرها كالغصب

واجرة المثل ونحوها .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب المضاربة - حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب المضاربة حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

عقد المضاربة

 

وتمام الكلام في هذا الفصل يستدعى بيان امور :

الاول : العقد ، وقد جعله المصنف في التذكرة والقواعد على ما حكى من اركان

هذه المعاملة ، بل صرح في التذكرة بانه لابد فيه من لفظ يدل على الرضا ، وصريح

ذلك عدم جريان ما يشبه المعاطاة من الانشاء الفعلي فيه .

والحق ان يقال : انه لا اشكال في لزوم العقد واعتباره بمعنى الانشاء الملائم مع

كونه ايقاعا ، لان المضاربة وان كانت من مقولة المعنى ، ولكن قد عرفت غير مرة ان

بناء العقلاء والشارع الاقدس على عدم العبرة بالاعتبارات النفسانية غير المبرزة ،

وانه يعتبر الابراز في جميع العقود والايقاعات .

والظاهر كونها من العقود فتفتقر الى ايجاب وقبول ، فانها عقد تعاوضي قائم

بطرفين ، فلا يكفي الانشاء من جانب واحد ، ولا يشبه الوكالة التي هي اذن ، وحيث

عرفت في كتاب البيع ان مقتضى القاعدة الاولية عدم اعتبار اللفظ في الانشاء ايجابا

وقبولا ، فيكفي انشاء هذه المعاملة بالفعل ، بل يكفي ان يكون ايجابها بالقول والقبول

بالفعل .

وهل يعتبر التواصل بين الايجاب والقبول كما صرح به المصنف ره ام لا ؟

وجهان مبنيان على اعتبار التوالي بينهما في العقود مطلقا وعدمه ، فعلى الاول يعتبر دون

الثاني ، وقد مر الكلام في المبنى مستوفى .

قال في محكي التذكرة : يجب التنجيز في العقد ، فلا يجوز تعليقه على شرط او

صفة ، مثل اذا دخلت الدار واذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك ، وكذا لا يجوز تعليق

البيع ونحوه ، لان الاصل عصمة مال الغير ، انتهى .

 

 

[ . . . ]

ويرد عليه انه لابد من الخروج عن الاصل بعمومات ادلة

امضاء المعاملات ، وخصوص ما ورد في المضاربة بعد ان ليس فيها ما

يشير الى اعتبار التنجيز . واما الوجوه التي استدلوا بها لمبطلية التعليق

في مطلق العقود فقد ذكرناها في كتاب البيع ، وبينا عدم تمامية شئ منها سوى الاجماع

في بعض العقود وليس منه المضاربة ، كيف وقد افتى المحدث البحراني صريحا بعدم

اعتبار التنجيز ! فالاظهر عدم اعتباره .

ويشترط في المتعاقدين البلوغ والعقل والاختيار ، وفي المالك عدم الحجر

لفلس ، بلا خلاف في شئ من تلكم ، وقد مر الكلام في الجميع في كتاب الاجارة

والمزارعة ، وما ذكرناه في ذينك البابين يجري في المقام فلا وجه للاعادة .

 

اشتراط عدم الفسخ

 

وستعرف ان عقد المضاربة جائز من الطرفين ، يجوز لكل منهما فسخه .

انما الكلام في انه لو اشترط فيه عدم الفسخ الى زمان ، فعن المشهور بطلان

الشرط المذكور بل العقد ايضا ، لانه مناف لمقتضى العقد .

ونخبة القول في المقام : انه تارة يشترط عدم الفسخ في ضمن عقد المضاربة ،

واخرى يشترطه في ضمن عقد جائز او لازم آخر .

اما في المورد الاول ، فان كان الشرط لزوم العقد وعدم انفساخه بالفسخ ، صح

ما ذكره المشهور من كونه منافيا لمقتضى العقد ، ويكون مخالفا للمشروع ، والظاهر ان

 

 

[ . . . ]

نظرهم في المقام الى ذلك .

قال في الشرايع - بعد ذكر ان عقد المضاربة جائز من الطرفين - : فلو اشترط

فيه الاجل لم يلزم ، لكن لو قال : ان مرت بك سنة مثلا فلا تشتر بعدها وبع صح ، لان

ذلك من مقتضى العقد ، وليس كذلك لو قال : علي ان لا املك فيها منعك ، لان ذلك

مناف لمقتضى العقد . ومثله عبارة القواعد ، الا انه لم يتعرض لتعليل عدم الصحة ،

وعلله في محكي جامع المقاصد بذلك اعتمادا منه على ما ذكره من القواعد قبل ذلك .

وبالجملة المتتبع في كلمات الفقهاء يجد ان الشرط المنافي لمقتضى العقد عندهم هو شرط

لزوم عقد المضاربة لا شرط عدم الفسخ .

وكيف كان ، فالشرط باطل لكنه لا يبطل العقد ، لما مر في محله من ان الشرط

الفاسد لا يفسد ، وان كان الشرط عدم الفسخ بطل الشرط ، لا لما نسب الى المشهور

بل لان حقيقة الشرط حيث تكون تعليق الالتزام بالعقد والوفاء به عليه ، فلا يصح

شرط عدم الفسخ .

واما في المورد الثاني ، فان كان الشرط لزوم العقد بطل لما مر ، وان كانت عدم

الفسخ فان كان العقد جائزا بطل ايضا لما مر ، وان كان لازما صح ووجب الوفاء به ،

ولكن لو فسخه ينفسخ وان عصى ، وعلى جميع التقادير لا يبطل العقد .

ولو اشترط احدهما على الاخر في ضمن عقد المضاربة مالا او عملا ، فالظاهر

صحته ولزوم الوفاء به ، لعموم دليل وجوب الوفاء بالشرط . وما اشتهر من ان الشروط

في ضمن العقود الجائزة غير لازمة الوفاء ، يكون المراد به انه للمشروط عليه ان يفسخ

العقد ومعه لا يجب الوفاء به ، لا انه لا يجب الوفاء به مع بقاء العقد وعدم فسخه .

واما ما افاده صاحب الجواهر ره من انه لا يجب الوفاء بها مع بقائها ، بدعوى

انها تابعة للعقد لزوما وجوازا ، بل مع جوازه هي اولى بالجواز وانها معه شبه الوعد ،

 

 

[ . . . ]

والمراد من قوله عليه السلام : المسلمون عند شروطهم ( 1 ) بيان صحة اصل الشرط لا

اللزوم والجواز .

فيرد عليه : ان الشرط هو الالتزام في ضمن التزام ، ومع تحقق ذلك مقتضى ظهور

المسلمون عند شروطهم - الذي مضمونه عدم انفكاك المسلم عن شرطه - وجوب

الوفاء به مادام بقاء الموضوع . فحينئذ ان كان ذلك في ضمن عقد لازم فلا اشكال ،

وان كان في ضمن عقد جائز ، فان ارتفع العقد بفسخ فقد انتفى الشرط فينتفي

الوجوب بتبعه ، والا فالموضوع باق ولا يعقل تخلف حكمه عنه . وما افاده من تبعيته

للعقد لزوما وجوازا ، لا دليل عليه اصلا ، بل اطلاق دليل وجوب الوفاء به يشهد

بخلافه ، واغرب من ذلك دعواه عدم دلالة المسلمون عند شروطهم على لزوم الوفاء

به .

وكذا يصح الشرط ويجب الوفاء به لو اشترط المالك على العامل ، او العكس ،

بيعا او قرضا او قراضا او بضاعة او نحو ذلك .

ودعوى ان القدر المتيقن من ادلة امضاء المضاربة ومشروعيتها ما اذا كان من

المالك رأس المال خاصة ومن العامل التجارة ، فمع اضافة آخر لا يعلم المشروعية

والاصل عدمها ، مندفعة :

اولا : بان الشرط كما مر مرارا لايكون داخلا في العقد ، بل هو التزام مستقل

غير مرتبط بالالتزام العقدي ، وانما يكون الالتزام بالعقد والوفاء به معلقا عليه ، فهذا

العقد الذي اشترط في ضمنه لا يكون فيه من المالك الا رأس المال ، ومن العامل

التجارة .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الخيار . ( * )

 

 

[ . . . ]

وثانيا : انه مع اطلاق ادلة الامضاء العامة ، بل وبناء العقلاء ، بل اطلاق ما دل

من الاخبار على امضاء المضاربة الشاملة للمضاربة مع الشرط ايضا ، يمنع عن

الرجوع الى الاخذ بالمتيقن ، والرجوع في غيره الى الاصل .

وثالثا : ان ما ذكر لو تم لكان من حيث متعلق العقد ، ويكفي في صحة الشرط

عموم ادلة الشروط .

وعن الشيخ فيما اذا اشترط المالك على العامل بضاعة بطلان الشرط دون

العقد في احد قوليه ، وبطلانهما في قوله الآخر . وقد ذكر في وجه بطلانهما ان الشرط

المزبور مناف لمقتضى العقد فيكون باطلا ، وحيث انه يلزم من بطلانه جهالة حصة

العامل لان للشرط قسطا من الربح ، وببطلان الشرط يسقط ذلك القسط وهو

مجهول ، فيبطل العقد لذلك .

وفيه : اولا : ان الشرط ليس منافيا لمقتضى العقد ، لان مقتضاه كون عمله في

مال القراض بجزء من الربح ، والعمل الخارجي ليس عملا في مال القراض .

وثانيا : ان الشرط ليس مقابلا في شئ من الموارد بالعوض ، فلا ينقص ببطلانه

شئ من الحصة ، فلا تصير مجهولة .

وذكر في وجه بطلان الشرط خاصة - مضافا الى ما مر - بان هذا الشرط لا

اثر له ، لعدم وجوب الوفاء به لكونه في العقد الجائز ، ولا يلزم من تخلفه التسلط على

الفسخ ، لجواز فسخه ولو مع عدم التخلف .

وفيه : اولا : ما تقدم من ان الشروط في ضمن العقود الجائزة لازمة الوفاء .

وثانيا : ان الفسخ الثابت بتخلف الشرط غير الفسخ المتحقق مع عدم

التخلف ، فان الاول حل العقد من الاول ، والثاني حله من الاثناء ، والثمرة ظاهرة .

فالاظهر صحة الشرط والعقد معا .

 

 

] وانما تصح بالاثمان الموجودة ، [

 

مال القراض وشرائطه

 

الامر الثاني : في مال القراض ، قالوا : ( وانما تصح بالاثمان الموجودة ) ، وينحل

ذلك الى انه يعتبر فيه امور :

1.     ان يكون رأس المال عينا فلا تصح بالدين ، فلو كان له على العامل دين

لا يصح جعله قراضا ، وكذا لو كان له دين على احد لم يجز ان يجعله مضاربة ، بلاخلاف

في ذلك . ويشهد به خبر السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام ، قال امير المؤمنين عليه

السلام في رجل له على رجل مال فتقاضاه ولا يكون عنده ، فيقول : هو عندك مضاربة ،

قال عليه السلام : لا يصلح حتى يقبضه منه ( 1 ) .

ولا تصح بالمنفعة ايضا ، اجماعا محققا ومحكيا مستفيضا ، وهو العمدة فيه كما

صرح به في المسالك ، وبه يخرج عن عمومات الصحة .

2.     ان يكون من الاثمان اي الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة بان

يكون درهما او دينارا ، فلا تصح بالفلوس والاسكناس وما شاكل ولا بالعروض . وقد

اعترف جملة من الاصحاب بانهم لم يقفوا على دليل على اعتبار ذلك غير الاجماع

الدعى في المقام ، وكفى به حجة في مثل هذا الحكم المخالف للقواعد والاصول ، فان

مثل هذا الاجماع لامحالة يكون تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام ، فلا وجه

لتأمل بعض متأخري المتأخرين فيه لشمول العمومات ، فانها تخصص بالاجماع . نعم ،

لا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به ، ولو كان خالصا ولم يكن بسكة المعاملة

فلا تصح المضاربة به ، لعدم كونه من الدرهم والدينار .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب المضاربة - حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

3.     ان يكون معلوما قدرا ووصفا ، ولا تكفي المشاهدة ، للنهي عن الغرر ( 1 ) .

وعن الشيخ والمختلف انه يصح مع الجهالة ، وتجوز المضاربة بالجزاف من غير

تقييد بالمشاهدة . واحتج له في محكي المختلف بالاصل ، وقوله عليه السلام : المؤمنون

عند شروطهم ( 2 ) ولا اثر لاقتضاء هذه الجهالة التنازع ، بعد ان كان القول قول العامل

شرعا في قدر الواصل ، لان الاصل عدم وصول الزايد اليه .

وفي الجواهر : والتحقيق ان لم يكن ثم اجماع عدم قدح الجهالة التي تؤول الى

العلم ، نحو ان يقع العقد على ما في الكيس مثلا ثم يعد انه بعد ذلك ، لاطلاق الادلة

او عمومها . نعم ، بناء على عدم عموم او اطلاق مستند اليه في مثل ذلك ، فلا ريب في

ان الاصل الفساد . اما الجهالة التي لا تؤول الى العلم ، فالظاهر عدم جوازها ، لعدم

امكان تحقق الربح معها ، وهو روح هذه المعاملة ، انتهى .

ولكن : يرد على ما افاده المصنف ره - بعد تصحيحه بارادة العمومات

والاطلاقات من الاصل ، والاغماض عن التمسك بدليل الشرط - انه لابد من تقييد

الاطلاق ، وتخصيص العام بما دل على النهي عن الغرر ، المنجبر ضعفه بالعمل

والاستناد في كثير من الابواب كالاجارة وغيرها . ودعوى ان النسبة بينه وبين ادلة

المقام عموم من وجه فلا وجه لتقديمه ، مندفعة بانه من قبيل الحاكم على الاطلاقات

لامعارض ، مع انه لو سلم التعارض فالترجيح للنص بفتوى المشهور التي هي اول

المرجحات . وليس مدرك اعتبار العلم اداء الجهالة الى التنازع ، حتى يقال لا اثر

لاقتضاء هذه الجهالة التنازع ، بل هو لزوم الغرر مع الجهالة .

..............................................................................

( 1 ) التذكرة ج 1 ص 466 .

( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب المهور كتاب النكاح حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ويرد على صاحب الجواهر انه ان صح التمسك بدليل النهي عن الغرر ، كان

مقتضاه البطلان وان آلت الى العلم ، لان الغرر أوجب البطلان ، والعلم المتأخر

لا يوجب انقلاب العقد الباطل صحيحا ، والا صح العقد حتى مع الجهالة التي لا تؤول

الى العلم ، لامكان تحقق الربح بان يتجر كل مرة ببعض المال المعين حين التجارة او

بجميعه ، بعد رفع الجهالة بالنسبة الى العامل خاصة .

4.     ان يكون معينا ، فلو احضر مالين وقال : قارضتك بأحدهما أو بايهما شئت ،

لم ينعقد بذلك قراض ، بلا خلاف بل عليه الاجماع في بعض الكلمات .

والحق ان يقال : ان العقد ان وقع على المردد ولو في الواقع لم يصح ، لان المردد

من حيث هو مردد لا حقيقة له ولا تحقق في الخارج .

وان وقع على المعين الواقعي المردد عندهما ، فان كان مع الاختلاف في الصفات

بطل للغرر ، وان كان مع التساوي فيها فلا وجه للبطلان الا الاجماع ان ثبت .

وان وقع على احد امور بنحو الكلي في المعين صح مع التساوي في الصفات

لولا الاجماع ، لا طلاق الادلة وعدم المانع ، وكذا ان وقع على احد امور بنحو التخيير .

وان وقع العقد على ما يختاره العامل مع التساوي في الصفات ، فقد استدل في

الجواهر لبطلانه بلزوم موقوفية العقد مع التخيير الى حال وقوعه ، وليس في الادلة حتى

الاطلاقات ما يدل على مشروعية ذلك ، بل لعل الادلة قاضية بخلافه ضرورة ظهورها

في سببية العقد وعدم تأخر آثارها عنها ، وجعل الخيار كاشفا عن مورد العقد من أول

الامر لا دليل عليه ، لكونه مخالفا للاصل ، انتهى .

وفيه : ان المضاربة المنشأة ان كانت بنحو يكون المنشأ من حين العقد ، فهو

الدليل على كون الخيار كاشفا عن مورد العقد من اول الامر ، وان كانت بنحو يكون

المنشأ بعد الخيار ، فالموقوفية المشار اليها لا تنافي سببية العقد بل هي لازمها . فالعمدة

 

 

[ . . . ]

في هذا الشرط ايضا هو الاجماع ان كان .

 

عدم اعتبار كون رأس المال بيد العامل

 

وقد ذكروا اعتبار امرين آخرين في مال القراض :

احدهما : ما قاله المصنف ره في القواعد : الرابع - ان يكون مسلما في يد العامل ،

فلو شرط المالك ان تكون يده عليه لم يصح ، اما لو شرط ان يكون مشاركا في اليد

او يراجعه في التصرف او يراجع مشرفه فالاقرب الجواز ، انتهى . وحاصله اعتبار كون

رأس المال بيد العامل ، واستدل له بان عدمه خلاف وضع المضاربة .

ويرده ما افاده المحقق الثاني ره ، قال : ان اريد انه خلاف مقتضى وضع

المضاربة شرعا فهو ممنوع ، وان اريد عادة فهو لايقدح .

ولذا قال في العروة - تبعا للتذكره - : لكن لا دليل عليه ، فلا مانع ان يتصدى

العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك .

الثاني : ان لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به مع اشتراط

المباشرة ، او كان عاجزا حتى مع الاستعانة بالغير ، والا فلا يصح ، لان المضاربة متقومة

بالمال والعمل .

وقد يقال : ان كان المال كثيرا لا يقدر على التجارة بجميعه ، ويتمكن من

التجارة ببعضه ، تصح المضاربة بالنسبة الى المقدور ، ويستحق العامل حصته من الربح

كما في الاجارة .

وفيه : انه اذا لم يصح العقد بالنسبة الى المجموع لم يصح في البعض ، لان نسبة

العقد الى كل جزء من المجموع كنسبته الى الاجزاء الاخر ، وحيث لا ترجيح لبعضها

 

 

] والشركة في الربع ، [

 

على بعض فلا بد من البناء على البطلان في الجميع .

ويترتب عليه ان تمام الربح للمالك ، وللعامل اجرة عمله علم بالبطلان ام لا ،

لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، ولما مر من ان من اسباب الضمان الامر

بالعمل لامجانا .

وهل يكون العامل ضامنا للمال اذا تلف مطلقا ، ام لا يكون ضامنا كذلك ، ام

يفصل بين ما لو أخذ الجميع دفعة فالاول ، وبين ما اذا أخذ اولا بقدر مقدوره ثم أخذ

الزايد ولم يمزجه بما أخذه أولا فيضمن خصوص المقدار الزايد ؟ وجوه واقوال ، اظهرها

الثاني ، لقاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، وقد مر نظير المسألة في كتاب

الاجارة ، فراجع ما ذكرناه فيه .

 

اعتبار الشركة في الربح

 

الامر الثالث : في الربح ، ( و ) المعروف بينهم انه يعتبر في صحة المضاربة

( الشركة في الربح ) ، فلو شرط احدهما شيئا معينا والباقي بينهما فسد .

واستدل له في الشرايع بعدم الوثوق بحصول الزيادة ، فلا تتحقق الشركة .

وفي الحدائق بانه مقتضى المضاربة كما تنادي به الاخبار الحاكمة بان الربح

بينهما ، وما لم يكن مشتركا فانه خارج عن مقتضاها ، فهذا الشرط داخل في مفهوم

المضاربة .

وفي الجواهر بالشك في شمول الاطلاقات له ، ولو لظهورها في اعتبار الشركة

الاشاعية في جميع الربح .

اما ما افاده المحقق ره ، فيرده اولا : انه يتصور صورة يوثق فيها بالزيادة .

 

 

[ . . . ]

وثانيا : ان عدم الوثوق بالزيادة كعدم الوثوق باصل الربح لا يمنع عن

الصحة .

واما ما افاده العلمان ، فان كان نظرهما الى الاستدلال بالنصوص الخاصة

كمصحح اسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه السلام عن مال المضاربة ، قال عليه

السلام : الربح بينهما والوضيعة على المال ( 1 ) ونحوه غيره ، الدالة على انه في المضاربة

الاشتراك في جميع الربح ، تم الاستدلال . لكن التعبير في كلام الاول بان هذا الشرط

داخل في مفهوم المضاربة ، وفي كلام الثاني بالشك في شمول الاطلاقات له ، غير جيد ،

والا فالاشكال عليهما ظاهر .

ويتفرع على ذلك البطلان في صور :

منها : ان يجعل لاحدهما شيئا معينا ، فانه باطل اتفاقا .

ومنها : ان يقول : خذها قراضا والربح لي ، ووجه الفساد في هذه الصورة ظاهر

مما قدمناه . وهل يكون في هذه الصورة بضاعة ، بمعنى ان العامل لا يستحق على عمله

اجرة كما هو المقرر في البضاعة ، ام يكون قراضا باطلا ؟ والمشهور بينهم هو الثاني ،

للتصريح به ، ولان البضاعة توكيل في التجارة تبرعا وهذا ليس ظاهرا فيه ، فانه ظاهر

في كون الربح للمالك لا ان عمله المحترم المستوفى بالامر به هدر ومجاني . وعليه

فيستحق اجرة المثل لعمله ، لعدم ظهور الكلام في المجانية ، بل قد مر ان الامر بالعمل

لامجانا بنفسه موجب للضمان . فما عن المصنف ره في المختلف : والوجه عندي انه لا

اجرة للعامل ، لانه دخل على ذلك فكان متبرعا بالعمل ، غيره وجيه .

ومنها : ما لو قال : خذها قراضا والربح كله لك ، وقد ظهر من ما ذكرناه بطلانه

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب المضاربة - حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

مضاربة . وهل يصح قرضا ؟ فيه كلام قد مر في اول هذا الفصل .

والاصحاب ذكروا شرطين آخرين في الربح :

احدهما : تعيين حصة كل منهما من نصف او ثلث او نحو ذلك ، ان لم يكن هناك

متعارف ينصرف اليه الاطلاق ، والظاهر عدم الخلاف في اعتباره . ووجهه على تقدير

الابهام ظاهر ، فان المبهم لاتحقق له في الخارج . واما على تقدير التعيين ولو بعدا ، بنحو

لا يعلمه العامل حين العقد أو ولا المالك ، فلا وجه له سوى الاجماع والتسالم ، ولا

سبيل الى التمسك بما دل على النهي عن الغرر ( 1 ) فان اصل الربح في المقام غير معلوم

الحصول وكذا قدره ، فالجهل بحصة منه لايضر .

وقد وقع الخلاف بينهم في موارد :

منها : ما لو قال : خذه على النصف ، فحكم جمع بصحته ، وتنظر فيه في المسالك ،

ولعل الاول اظهر ، لظهور العبارة المذكورة في كون الربح بينهما نصفين ، ومثله ما لو

قال : خذه على ان الربح بيننا .

ومنها : ما لو قال : خذه على ان لك النصف ، والظاهر هو الصحة فيه ايضا ، اذ

المالك لا يفتقر الى تعيين حصته للتبعية ، وانما يفتقر اليه العامل وقد ذكر له النصف .

ومنها : ما لو قال : خذه على ان لي النصف ، فالظاهر هو البطلان ، لانه لم يعين

للعامل حصة ، والفرق بينه وبين المورد السابق ظاهر ، فانه في المورد السابق عين حصة

العامل والباقي لامحالة يكون للمالك للتبعية ، واما في هذا المورد فقد عين حصة المالك

ولم يعين حصة العامل مع انها تفتقر الى التعيين . ويمكن ان يقال في الموردين : بان ظاهر

هذه العبارة - اي تعيين حصة لاحدهما - كون الباقي للآخر ، وعليه فيصح في

..............................................................................

( 1 ) التذكرة ج 1 ص 466 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الموردين .

ثانيهما : كون الربح بين المالك والعامل . فلو شرطا جزءا منه لاجنبي ، فان كان

الاجنبي عن المعاملة - بمعنى من لم يفوض اليه امر التجارة - عاملا صح الشرط ،

لانه حينئذ يكون بمنزلة العامل المتعدد ، وان لم يصدق عليه العامل بحسب

الاصطلاح ، وهو من فوض اليه امر التجارة .

وان لم يكن عاملا فسد بلاخلاف ، ولم يستبعد في العروة القول بالصحة لعموم

الادلة ، وذكره وجها آخر في الشرايع بعد حكمه بالفساد ، وفي المسالك : قيل انه اذا

شرط للاجنبي يصح الشرط وان لم يعمل ، لعموم : المؤمنون عند شروطهم ( 1 ) و ( اوفوا

بالعقود ) ( 2 ) . وقيل ان المشروط يكون للمالك حيث لم يعمل رجوعا الى اصله ، لئلا

يخالف مقتضى العقد ، انتهى .

ولكن مقتضى النصوص الخاصة المتقدم بعضها ان من احكام المضاربة كون

الربح بينهما ، وعليه فشرط كون بعضه لغيرهما شرط مخالف للمشروع فيفسد . وحينئذ

فلا يبعد القول بصحة المضاربة وكون المشروط للمالك وعدم بطلان العقد ، اذ لاشئ

يتوهم كونه مدركا للبطلان سوى انه مع بطلان الشرط يكون حصة كل منهما غير

معلومة ، ودلالة النصوص الخاصة عليه . وهما غير تامين ، اما الاول فلان حصة العامل

معلومة ، وما شرط للاجنبي لفساد الشرط يرجع الى اصله ، فيكون للمالك فلاجهل بها .

واما الثاني فلانها لاتدل على انه يعتبر في المضاربة جعل الربح لهما ، بل تدل على ان

من آثار المضاربة كون الربح بينهما ، وفي المقام بعد بطلان الشرط يكون الربح بينهما .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 20 من ابواب المهور كتاب النكاح حديث 4 .

( 2 ) المائدة آية 2 . ( * )

 

 

] وللعامل ما شرطه له ، [

 

فالاظهر بطلان الشرط وصحة المضاربة .

قال في التذكرة - على ما حكى - : انه يعتبر ان يكون الاسترباح بالتجارة ،

واما اذا كان بغيرها كان يدفع اليه ليصرفه في الزراعة ويكون الربح بينهما لم يصح .

وعلله بان هذه الاعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها ، فاستغنى عن القراض فيها ،

وانما يسوغ القراض فيما لايجوز الاستئجار عليه ، وهو التجارة التي لا يمكن ضبطها

ولا معرفة قدر العمل فيها .

ولكنه لا يصلح للمنع لو كان لدليل المضاربة اطلاق شامل للفرض ، فالعمدة

في اعتبار ذلك انه لا اطلاق لادلة المضاربة شامل للدفع لغير التجارة . ودعوى ان

عمومات امضاء العقود كافية في الحكم بالصحة ، مندفعة بانها مخصصة بما دل على النهي

عن الغرر اللازم في الفرض ، للجهل بحصول الزرع ومقداره كما لا يخفى . فالظاهر

اعتبار ذلك .

 

الربح بين المالك والعامل

 

الامر الرابع : في الاحكام ، وفيه مسائل .

الاولى : ( وللعامل ما شرط له ) في هذه المعاملة ، ان نصفا فنصف وان ثلثا

فثلث ، كما هو المشهور بين الاصحاب . وعن المفيد والشيخ في النهاية وسلار وابن

البراج ان له اجرة المثل والربح بتمامه للمالك .

ومرجع هذا الخلاف الى ان عقد المضاربة هل يكون مشروعا ام لا ؟ والقول

المشهور مبنى على الاول ، والثاني على الثاني .

والاول اظهر ، للنصوص الخاصة الدالة على ذلك ، لاحظ صحيح

 

 

] ولو وقعت فاسدة فله اجرة المثل والربح لصاحب المال ، وليست لازمة . [

 

محمد بن قيس عن مولانا الباقر عليه السلام عن امير المؤمنين

عليه السلام : من اتجر مالا واشترط نصف الربح فليس عليه ضمان ، وقال :

من ضمن تاجرا فليس له الا رأس ماله ، وليس له من الربح شئ ( 1 ) ومثله موثقه ( 2 ) .

وموثق اسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه السلام عن مال المضاربة ، قال عليه

السلام : الربح بينهما والوضيعة على المال ( 3 ) ونحوه غيره من النصوص الكثيرة .

واستدل للثاني بان النماء تابع للاصل بالاصالة ، فيكون الربح للمالك . وبان

هذه المعاملة معاملة فاسدة لجهالة العوض ، فتبطل فيكون الربح لصاحب المال ، وعليه

اجرة المثل للعامل .

وفيه : ان جميع ما ذكر وان كانت موافقة للقواعد ، ولكنها مندفعة بالنصوص

الخاصة المعتبرة المعمول بها بين الاصحاب ، فلا اشكال في الحكم اصلا .

هذا على تقدير صحة المعاملة ، ( و ) اما ( لو وقعت فاسدة ، فله اجرة المثل

والربح لصاحب المال ) ، اما كون الربح لصاحب المال فلتبعية النماء للاصل ، واما

كون اجرة المثل للعامل فلقاعدة ما يضمن ، ولما مر من ان الامر بالعمل لامجانا

موجب للضمان .

الثانية : المضاربة جائزة من الطرفين ( وليست لازمة ) اجماعا ، وبه يخرج عن

اصالة اللزوم . وفي الحدائق : ويؤيده انه وكالة في الابتداء ، ثم قد يصير شركة بعد

العمل ، وكل من الوكالة والشركة من العقود الجائزة . وكيف كان ، فيجوز لكل منهما

فسخها ، سواء كان قبل الشروع في العمل او بعده ، قبل حصول الربح او بعده ، نض

..............................................................................

( 1 ) اورد صدره في الوسائل باب 3 من ابواب كتاب المضاربة - حديث 2 وذيله في باب 4 منها .

( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب المضاربة حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 3 من ابواب المضاربة حديث 5 . ( * )

 

 

] ويقتصر على المأذون ، [

 

المال او كان به عروض .

لكن ذكر واحد انه ان كان الفاسخ هو العامل ولم يظهر ربح فلا شئ له ،

وان كان هو المالك ضمن للعامل اجرة المثل الى ذلك الوقت .

وقيل : انه لا شئ له وان فسخ المالك ، لاقدامه عليه مع معرفته جواز العقد

وامكان فسخه قبل ظهور الربح بل وبعده ، مع تحقق الوضيعة المستغرقة له لكونه

وقاية لرأس المال .

وعن التذكرة انه يستحق اجرة المثل وان فسخ العامل . وهذا هو الاظهر ، لما

مر من ان العمل لا مجانا محترم لا يذهب هدرا اذا كان بامر المالك ، والاقدام مع العلم

بجواز العقد غير الاقدام على التبرع ، والنافي للضمان هو الثاني دون الاول .

وقد تقدم الكلام في اشتراط الاجل وعدم الفسخ مفصلا في الامر الاول فلا

نعيد .

 

شرط المالك على العامل لازم

 

بقى في المقام فروع :

1.     اذا اشترط المالك على العامل شراء الجنس الخاص ، او الشراء من

شخص معين ، او ان لا يسافر وما شاكل ، يجب عليه العمل بالشرط ( ويقتصر على

المأذون ) ، لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشرط ( 1 ) ولتقييد الاذن في التصرف في

ماله ، فمقتضى قاعدة السلطنة عدم التصرف غير المأذون .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب الخيار كتاب التجارة . ( * )

 

 

[ . . . ]

ولكن لو خالف وربح يكون الربح بينهما ، وذلك لجملة من النصوص الخاصة ،

لاحظ صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام عن الرجل يعطى المال

مضاربة ، وينهى ان يخرج به فخرج ، قال عليه السلام : يضمن المال ، والربح بينهما ( 1 ) .

وصحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام ، انه قال في الرجل يعطي

الرجل المال فيقول له : ائت ارض كذا وكذا ولا تجاوزها واشتر منها ، قال عليه السلام :

فان جاوزها وهلك المال فهو ضامن ، وان اشترى متاعا فوضع فيه فهو عليه ، وان ربح

فهو بينهما ( 2 ) .

وخبر ابي بصير عنه عليه السلام في الرجل يعطي الرجل المال مضاربة وينهاه

ان يخرج الى ارض اخرى فعصاه ، فقال : هو له ضامن ، والربح بينهما اذا خالف شرطه

وعصاه ( 3 ) .

وموثق جميل عنه عليه السلام في رجل دفع الى رجل مالا يشتري به ضربا

من المتاع مضاربة ، فذهب فاشترى به غير الذي امره به ، قال عليه السلام : هو

ضامن ، والربح بينهما على ما شرط ( 4 ) وقال المحقق الاردبيلي ره : ان هذه الرواية أصح

الروايات التي في هذا الباب ، مع ان في سندها معاوية بن حكيم ، فيستكشف من ذلك

ان نظره موافق مع ما قاله النجاشي من انه ثقة جليل ، الى غير تلكم من النصوص

الكثيرة .

ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين اخذ الشرط قيدا ، وبين كونه من قبيل

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة - حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة حديث 10 .

( 4 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة حديث 9 . ( * )

 

 

] ولو اطلق تصرف كيف شاء مع اعتبار المصلحة ، ويضمن لو خالف . وتبطل

بالموت . [

 

الالتزام في الالتزام ، وعدم انطباقها حينئذ على القواعد ، فانها في صورة القيدية تقتضي

كون تمام الربح للمالك ، وكذا في صورة الالتزام في الالتزام ، لو فسخ المالك العقد وليس

عليه اجرة المثل للعامل حينئذ ، لعدم كون العمل بامره ، بل المفروض كونه مع نهيه

لا يضر بعد كون الروايات معتبرة والاصحاب عملوا بها ، وكم من قاعدة يقيد اطلاقها

بالنص الخاص . ولا يصغى الى ما ارتكبه المحقق الاردبيلي ره من الاحتمالات البعيدة

والتمحلات غير السديدة ، ولا الى ما ذكره بعض محشي العروة من امكان تطبيقها

على القواعد .

2.     ( ولو اطلق ) المالك ولم يشترط شيئا ( تصرف ) العامل ( كيف شاء مع

اعتبار المصلحة ) ، اما تصرفه كيف شاء فهو للاذن المطلق في عقد المضاربة ، واما

اعتبار المصلحة فلكونه من قبيل الشرط الضمني .

3.     ( و ) لو اشترط عليه ( يضمن لو خالف ) بلا خلاف ، للنصوص المتقدمة .

4.     لا خلاف ( و ) لا كلام في انه ( يبطل ) عقد المضاربة ( بالموت ) من غير فرق

بين موت المالك او العامل .

اما الاول فقد استدل لبطلان العقد بموته بانتقال المال بموته الى وارثه ، فابقائه

يحتاج الى عقد جديد بشرائطه .

وفيه : انه ان اريد بذلك انه ليس للمالك في حال حياته التصرف في ماله بعد

موته ، فيرد عليه اولا : انه يختص بما زاد على الثلث .

وثانيا : ان الحق ان له ان يتصرف في ماله بعد موته بازيد من الثلث ايضا بمثل

البيع بثمن المثل .

وان اريد به ان مناط جواز تصرف العامل هو الاذن وينقطع بالموت ، ففيه : ان

 

 

[ . . . ]

حدوث الاذن سيما العقدي منه كاف فيه ، ولذا لو وكله ثم سهى عن توكيله بالمرة

بحيث لم يبق في خزانة نفسه نفذ تصرفه عليه ، مع ان له ان يقول : انت مأذون في

التصرف في مالي في حياتي وبعد مماتي ، غاية الامران يدخل في عنوان الوصية بالنسبة

الى ما بعد الموت . فالعمدة في الحكم بالبطلان الاجماع ان تم ، وما قيل من انصراف

العقد الى حال حياته في الغالب .

واما الثاني فقد استدل لبطلانه بموته باختصاص الاذن به . ويمكن ان يقال :

ان عقد المضاربة اذا اوجب حقا للعامل في التصرف في المال ، فما دل على ان ما تركه

الميت فلوارثه ( 1 ) يدل على انتقال هذا الحق كحق الشفعة وغيره الى الوارث ، اللهم الا

ان يقال : ان ذلك متوقف على ؟ ؟ وت كونه من قبيل الحق القابل للانتقال ولم يثبت ،

والذي يسهل الخطب ان المسألة اجماعية ، كما ان ظاهر الاصحاب التسالم على بطلان

العقود الجائزة مطلقا بالموت او الجنون او الاغماء ، أو نحو ذلك مما يوجب بطلان الاذن

من المالك .

وهل يجوز لوارث المالك اجازة العقد بعد موته ام لا ؟ ربما يقال بالثاني ، نظرا

الى ان المال حال العقد غير مربوط بالوارث ، فالعقد غير واقع على ماله حتى يأذن

فيه ويجيزه .

واورد عليه بانه يكفي في صحة الاجازة كون المال في معرض الانتقال اليه ،

وان لم يكن له علقة به حال العقد ، ومرجع اجازته حينئذ الى ابقاء ما فعله المورث ،

وهذا بظاهره بين الضعف .

ويمكن ان يقال : ان المقام من قبيل اجازة البيع الواقع من غير المالك ثم ملك

..............................................................................

( 1 ) النساء آية 11 و 12 اصول الكافي ج 1 ص 406 . ( * )

 

 

] ويشترط العلم بمقدار المال . ويملك العامل حصته من النماء بالظهور ، [

 

حال الاجازة ، فكما ان هناك يقال ان للعقد بقاء والمالك باجازته اياه ينسبه الى نفسه ،

كذلك يقال في المقام ان للعقد بقاءا مادام بقاء المال فيجيز الوارث المالك ذلك العقد ،

ومجرد انه في هذه المسألة يكون العقد صحيحا حدوثا بخلافه في تلك المسألة ، لا يصلح

فارقا بعد عدم كون المجاز هو حدوث العقد بل بقائه .

فان قيل : لو تم ذلك لزم التقييد بما اذا كان المال نقدا ، فانه بالاجازة يتحقق

فرد آخر من المضاربة ، فيعتبر فيه ذلك .

قلنا : ان مدرك اعتبار كون مال القراض نقدا هو الاجماع ، والمتيقن منه غير

الفرض .

5.     ( و ) قد مر انه ( يشترط العلم بمقدار المال ) .

 

يملك العامل حصته من النماء بالظهور

 

الثالثة : ( و ) المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة انه ( يملك العامل حصة

من النماء بالظهور ) ملكا متزلزلا ، ولا يتوقف ذلك على وجوده ناضا .

وعن الفخر عن والده ره ان في المسألة اقوالا اربعة ، ولكنه لم يذكر القائل

واحتمل ان يكون من العامة :

1.     ما هو المشهور .

2.     انه يملك بالانضاض .

3.     انه يملك بالقسمة .

4.     ان القسمة كاشفة عن الملك سابقا .

والاول اظهر ، لانه جعل الربح لهما ، فالربح من اول تحققه يكون مشتركا

 

 

[ . . . ]

بينهما . ولانه مملوك وليس للمالك ، فيكون للعامل . ولا طلاق النصوص بان العامل يملك

ما شرط من الربح ، وهو متحقق قبل الانضاض وقبل القسمة . ولصحيح محمد بن

قيس عن الامام الصادق عليه السلام عن رجل دفع الى رجل ألف درهم مضاربة

فاشترى اباه وهو لا يعلم ، قال عليه السلام : يقوم ، فان زاد درهما واحدا اعتق

واستسعى في مال الرجل ( 1 ) اذ لو لم يكن مالكا لحصة من الربح بمجرد ظهوره لم

ينعتق عليه ابوه في الصورة المفروضة في الخبر .

واستدل للثاني بانه قبل الانضاض غير موجود خارجي بل مقدر موهوم ،

والمملوك لابد وان يكون محقق الوجود .

واورد عليه تارة بما عن جامع المقاصد والمسالك وغيرهما بالنقض بملك الدين

مع انه معدوم ، واخرى بمنع كونه امرا وهميا كما في العروة .

ولكن الصحيح ان يقال : ان الربح لا يراد به المالية المحضة التي هي امر

انتزاعي ناش من الرغبة في العين ، والا لم يتم شئ من الايرادين ، بل المراد به مقدار

من العين الموجودة على حسب الحصة من المالية ، وبه يندفع الاشكال رأسا ، وكون

المراد من الربح ذلك هو المرتكز في اذهان اهل العرف كما يظهر لمن راجع ، ويشهد به

ان له مطالبة القسمة .

واستدل للثالث بانه لو ملك قبل القسمة لاختص بربحه ، وبانه يلزم ان يكون

النقصان الحادث بعد ذلك شايعا في المال كسائر الاموال المشتركة ، والتالي باطل

لانحصاره في الربح .

ولكن يرد على الوجه الثاني انه لا ملازمة بين الملك وضمان الحادث

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 8 - من ابواب المضاربة . ( * )

 

 

[ . . . ]

على الشياع ، ويجوز ان يكون مالكا بالملك المتزلزل ويكون استقراره مشروطا

بالسلامة ، فلا منافاة بين الملك وكون ما يملك وقاية لرأس المال . ويرد ما قبله انه

لامنافاة بين ملك الحصة وعدم ملك ربحها بسبب تزلزل الملك ، وايضا لو اختص بربح

نصيبه لزم استحقاقه من الربح اكثر مما شرط له ، فكان هذا مشروط في ضمن العقد .

واستدل للرابع بان القسمة ليست من الاسباب المملكة ، والمقتضى للملك انما

هو العمل ، وهي دالة على تمام العمل الموجب للملك . ومما قدمناه ظهر ضعف ذلك .

وفالاظهر ما عليه المشهور ، ويترتب عليه جميع آثار الملكية من جواز المطالبة

بالقسمة ، وصحة تصرفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ، وتعلق الخمس والزكاة ،

وحصول الاستطاعة للحج ، وتعلق حق الغرماء به ، وغير تلكم من الآثار .