وكيف كان فلا خلاف ولا اشكال في ان ملكية العامل حصته
بمجرد الربح انما
تكون متزلزلة ، فلو عرض بعد ذلك خسران او تلف يجبر به
الى ان تستقر ملكيته ، لان
معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال في زمن ذلك العقد ،
فاذا لم يفضل شئ فلا
شئ ، وهو محل وفاق كما في المسالك .
وهذا واضح بالنسبة الى الخسارة الواردة على مال المضاربة
. واما بالنسبة
الى التلف ، فتفصيل القول فيه انه اما ان يكون بعد
الدوران في التجارة ، او بعد
الشروع فيها ، او قبله ، ثم اما ان يكون بآفة سماوية ،
او باتلاف متلف على وجه
الضمان ، وايضا قد يتلف البعض وقد يتلف جميع المال .
فان كان التلف بعد الدوران في التجارة لا باتلاف متلف ،
فالظاهر جبره
[ . . . ]
بالربح ، كما هو المشهور بين الاصحاب بل لاخلاف فيه ،
وعن السيد العميدي دعوى
الاجماع عليه . ويقتضيه وضع المضاربة ، فانه على ان
الربح وقاية لرأس المال ،
فلا يستحق العامل ربحا الا بعد ان يبقى رأس المال بكماله
لدخوله على ذلك ، من غير
فرق بين تلف البعض او الجميع .
وان كان التلف باتلاف متلف ، فقد ادعى الاجماع على الجبر
ايضا . واستدل له
بان الربح وقاية لرأس المال ، فمادام المال لا يكون
موجودا بكماله فلا ربح . ويمكن ان
يقال - كما قيل - : انه اذا اتلفه متلف يضمنه ويكون
المال في ذمته ، فهو حينئذ بمنزلة
الموجود فلا حاجة الى جبره ، وايضا فانه نقصان لا يتعلق
بتصرف العامل بتجارته ، وقال
في محكى جماع المقاصد بعد نقل ذلك : وضعفه ظاهر ، وفي
الجواهر : لا ينبغي ان يصغى
اليه ، وعلى التقديرين لا كلام في انه لو فرض حصول العوض
من جملة المال .
وما ذكرناه بالنسبة الى التلف بعد الدوران في التجارة
يجري في التلف بعد
الشروع في التجارة وان كان التالف الجميع ، كما اذا اشترى في الذمة باذن المالك
ثم
تلف المال ونقد عنه الثمن ، لان المقتضى لكون المال مال
قراض هو العقد - كما نص
عليه في المسالك والجواهر تبعا لجامع المقاصد - فلا يصغى
الى ما قيل من ان التلف
قبل الدوران في التجارة يخرج التالف عن كونه مال قراض ،
فلا وجه لتردد المحقق ره
في الشرايع فيه ، وكذا ان كان التلف قبل الشروع في
التجارة مع كون البعض تالفا .
واما ان كان التالف هو الجميع ، فالظاهر انفساخ العقد ،
لعدم بقاء مال التجارة معه
حتى يجبر . نعم ، اذا اتلفه اجنبي وأدى عوضه او اتلفه
العامل تكون المضاربة باقية .
هذا كله في بيان حكم حصة العامل ما لم تستقر الملكية . واما
ما تستقر به
الملكية ، فلا اشكال في حصوله بعد الانضاض والفسخ
والقسمة ، لانتهاء العقد بجميع
توابعه مع تراضيهما بذلك .
[ . . . ]
انما الكلام فيما لو قسم الربح مع عدم الفسخ ، او قسم
الجميع كذلك او فسخ
العقد ولم يقسم ، او تحقق الفسخ والقسمة ولم يحصل الانضاض .
والتحقيق ان يقال : ان القسمة حيث تكون خارجة عن عمل
المضاربة ، وتكون
كسائر ما يميز به المشتركات ، ولا يجب الانضاض ، فالظاهر
استقرار الملكية بالفسخ
فقط ، وبه
يخرج الربح عن كونه وقاية لرأس المال ، واولى منه ما لو انضم اليه
الانضاض او القسمة ، وبعبارة اخرى : انه بالفسخ يرتفع
العقد وبه يرتفع حكم
القراض ، فلا موجب لبقائه على كونه وقاية .
واستدل لبقاء ذلك وعدم الاستقرار مع عدم القسمة
بالاستصحاب . وبظاهر
قوله : على اليد ما اخذت حتى تؤدي ( 1 ) . وبصدق مال
القراض ، فتشمله الادلة الدالة
على ان وضيعته من الربح . وبان تسليم رأس المال الى
المالك من تتمة المضاربة ،
والا لزم عدم كون الخسران من الربح ، فيما لو نض المال
اجمع في بلد عمل العامل
الذي سافر اليه وفسخ عقد المضاربة ، ثم تلف بعض المال قبل الوصول الى المالك ،
وهو مناف لظاهر الادلة .
ولكن الجميع كما ترى ، اذ الاستصحاب لا يجري بعد ارتفاع
العقد الموجب ،
لتبدل عنوان المال من كونه مال قراض الى عنوان آخر ، مع
انه تقديري . وعموم على
اليد لا يشمل الامانات ، ومنها المال المفروض بعد خروجه
عن كونه قراضا . وصدق
مال القراض ممنوع بعد ارتفاع العقد بالفسخ . والالتزام
بكون الخسران من اصل
المال لا من الربح في الفرض المذكور لا مانع منه . وعلى
الجملة بعد كون الفسخ رافعا
لعقد القراض ، لا وجه لبقاء احكامها المخالفة للقواعد
والادلة الاولية .
..............................................................................
( 1 ) كنز العمال ج 5 ص 257 - سنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )
[ . . . ]
وبما ذكرناه ظهر انه لو حصل الانضاض والقسمة ولم يحصل
الفسخ ، فاللازم
اجراء احكام المضاربة من جبر الخسران بالربح وغيره من
احكامها .
وعن الشهيد قده ان قسمة الربح موجبة لاستقراره ، وعدم جبره
للخسارة
الحاصلة بعدها .
وعلله في الجواهر بان ذلك من المالك فسخ المضاربة فيما
يخصه من رأس المال ،
لانه برضاه اخرجه عن المضاربة حتى الذي قبضه العامل ،
فيستقر حينئذ ملكهما على
ما خص ذلك من الربح لانفساخ المضاربة ، انتهى .
وفيه : ان ما يأخذه العامل من الربح لا من رأس المال ،
والعقد واقع على رأس
المال ، فلا حاصل لدعوى انه اخرجه المالك عن رأس المال .
ولو ظهر الربح ونض تمامه او بعض منه ، فطلب احدهما قسمته
، فان رضى
الآخر فلا مانع منها ، وان لم يرض وامتنع عنها ، فعن
القواعد وجامع المقاصد لم يجبر
الآخر عليها . وعن جماعة انه لا يجبر الآخر ان كان هو
المالك ، واما ان كان الممتنع
هو العامل فيجبر عليها . وظاهر المسالك والجواهر وغيرهما
ان عدم جبر المالك الممتنع
عن القسمة اتفاقي .
وعللوا عدم الجبر في الموردين بلزوم الضرر ،
قالوا : لو كان الممتنع هو المالك
لزم من جبره الضرر عليه ، لاحتمال الخسران بعد ذلك
والحاجة الى جبره به ، وفيما كان
الممتنع هو العامل يلزم من جبره تضرره ، لانه لو حصل
الخسران وجب عليه رد ما
اخذه ، ولعله لا يقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده وهو
ضرر عليه .
ويرد على ما افادوه في الفرض الاول ان احتمال الضرر باحتمال
الخسران غير
مطرد . ويرد على ما افاده في الفرض الثاني انه لايعد
ضررا ، كما افاده صاحب
الجواهر .
]ولا خسران عليه بدون التفريط ، [
وقد مر في الفصل المتقدم في مبحث القسمة ما يظهر به حكم
المقام ، وان ما
ذكروه من عدم جبر الممتنع كان هو المالك او العامل هو
الصحيح .
الرابعة : لا خلاف ( و ) لا اشكال في ان العامل امين ، ف
( لا خسران عليه بدون
التفريط ) بترك الحفظ ، أو التعدي بان خالف ما أمره به
أو نهاه عنه كما لو سافر مع
نهيه عنه او اشترى ما نهى عن شرائه ، او الخيانة بان أكل
بعض مال المضاربة او
اشترى شيئا لنفسه فأدى الثمن من ذلك .
والحكمان اجماعيان ويشهد بهما - مضافا الى ذلك ، والى
انهما من مقتضيات
قواعد باب الضمان - النصوص الخاصة ، كصحيح الحلبي عن
الامام الصادق عليه
السلام في المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح وليس عليه من
الوضيعة شئ ،
الا ان يخالف امر صاحب المال ( 1 ) .
وموثق جميل عنه عليه السلام في رجل دفع الى رجل مالا
يشتري به ضربا من
المتاع مضاربة ، فذهب فاشترى به غير الذي أمره به ، قال
عليه السلام : هو ضامن ،
والربح بينهما على ما شرط ( 2 ) ونحوهما غيرهما من
النصوص الكثيرة المتقدمة جملة
منها .
الخامسة : في جملة من فروع التنازع . فقد يدعي شخص على
آخر انه اعطاه
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة حديث 7 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب المضاربة حديث 9 . ( * )
] والقول قوله في عدمه ، وفي قدر رأس المال ، والتلف ،
والخسران وقول
المالك في عدم الرد [
كذا مقدارا مضاربة وينكر الآخر ذلك ، وقد يتفقان على
اعطاء مقدار من المال
مضاربة ولكن يتنازعان في مقدار رأس المال ، وقد يتفقان
في ذلك ولكن العامل يدعي
التلف أو الخسران والمالك ينكره ، وقد لا يكون النزاع
بينهما الا في رد رأس المال
والعامل يدعيه .
قال المصنف : ( والقول قوله في عدمه ، وفي قدر رأس المال
، والتلف ،
والخسران . وقول المالك في عدم الرد ) .
اما لو تنازعا في اصل اعطاء المال مضاربة وعدمه ، فكون
القول قول منكره
واضح ، لاصالة عدمه ، وكذا لو تنازعا في مقدار رأس المال
، اذ لو كان المال موجودا
تجرى اصالة عدم اعطائه ازيد مما يقوله ، ولو كان تالفا
مع ضمان العامل تجري اصالة
براءة ذمته .
ودعوى ان ذلك يتم اذا كان مصب الدعوى زيادة مال القراض
ونقصانه ، واما
اذا كان مصب الدعوى العقد وادعى المالك انه وقع على
العشرة مثلا والعامل ادعى
انه وقع على الخمسة فالمتجه هو التحالف ، لان العقد
المتشخص بالخمسة غير
المتشخص بالعشرة ، فكل منهما مدع ومدعى عليه فيتحالفان ،
مندفعة ، بان الغرض من هذه الدعوى حيث لا يكون الااثبات
الزيادة او عدمها ، فالمالك الذي يدعي الزيادة يعد في
العرف مدعيا ،
لانه لا غرض له الا اثبات كون مال القراض هو الازيد ،
والعامل
منكرا لانه لا غرض له سوى نفي الزيادة . مع انه يمكن ان
يقال :
ان وقوع العقد على الاقل معلوم ولو في ضمن الاكثر ،
ووقوعه على الاكثر غير معلوم
والاصل عدم وقوعه عليه ، فيكون مدعيه مدعيا والعامل
منكرا ، فيقدم قوله بيمينه .
] ولو اشترى العامل اباه عتق نصيبه من الربح فيه ، وسعى الاب
في الباقي .
وينفق العامل من الاصل في السفر [
واما لو ادعى العامل التلف أو الخسران وانكره المالك ،
فوجه تقديم قوله
بيمينه انه امين ، وعدم تصديقه في دعوى التلف يندرج تحت
عنوان اتهام المؤتمن ، وقد
ورد انه ليس لك ان تتهم من ائتمنته ( 1 ) . ودعوى اختصاص
الاتهام الممنوع بالمؤتمن
بالتأمين العقدي وهي الوديعة ، ممنوعة ، لعدم الدليل مع
صدق الايتمان ، سيما بعد قوله
عليه اسلام : صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ، وصاحب
العارية مؤتمن ( 2 ) .
واما لو ادعى العامل رد مال المضاربة وانكره المالك ،
فالمشهور بين الاصحاب
ان القول قول المالك ، وعن الشيخ في المبسوط انه يقبل
قول العامل ، وقد مر الكلام
في ذلك مفصلا في كتاب الاجارة ، ومما ذكرناه في التنازع
في التلف يظهر حكم المقام .
فالاظهر ان القول قول العامل .
ثم ان في المقام فروعا اخر للتنازع ، حيث تقدم نظائرها
او عينها في الاجارة
فلا نطيل الكلام بذكرها .
السادسة : ( ولو اشترى العامل اباه عتق نصيبه من الربح
فيه ، وسعى الاب
في الباقي ) بلاخلاف ، ويشهد به الصحيح المتقدم .
نفقة العامل المسافر على رب المال
السابعة : ( وينفق العامل من الاصل في ) حال ( السفر )
كمال نفقته من مأكل
..............................................................................
( 1 )
الوسائل باب 9 من ابواب كتاب الوديعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب العارية - حديث 6 . ( * )
] قدر كفايته [
ومشرب وملبس ومسكن ، ونحو تلكم مما هو داخل في النفقة (
قدر كفايته ) ، كما هو
المشهور بين الاصحاب ، وعن التذكرة نسبته الى علمائنا ،
وعن الخلاف الاجماع عليه .
وفي المسألة قولان آخران وان لم يحضرني الآن القائل :
احدهما : انه لايخرج من اصل المال الا مازاد على نفقة
الحضر .
الثاني : ان نفقة السفر كلها على العامل كنفقة الحضر .
والاول اظهر ، لصحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام في
المضارب ما
انفق في سفره فهو من جميع المال ، واذا قدم بلده فما
انفق فمن نصيبه ( 1 ) ونحوه خبر
السكوني ( 2 ) .
واستدل للثاني بالاجماع على ان نفقة الحضر على نفسه ،
فما ساواه في السفر
يحتسب ايضا عليه ، والزايد على ذلك من مال القراض .
وبانه انما حصل بالسفر
الزيادة لا غير ، اما غيرها فسواء كان مسافرا ام حاضرا
لابد منه ، فلا يكون من مال
القراض .
واستدل للثالث بان الربح مال المالك ، والاصل ان لا
يتصرف فيه الا بما دل
عليه الاذن ، ولم يدل إلا على الحصة التي عينها للعامل ،
وهو لم يدخل في العمل الاعلى
هذا الوجه فلا يستحق سواه .
ولكن جميع ذلك من قبيل الاجتهاد في مقابل النص ، مع ما
فيها من الاشكال ،
فالقول المشهور هو المنصور . وتمام الكلام في ضمن فروع :
1.
المراد من
السفر العرفي لا الشرعي وهو ما يجب فيه القصر ، فيشمل
..............................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 6 من ابواب كتاب المضاربة - حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 6 من ابواب كتاب المضاربة حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
السفر فرسخين او ثلاثة ، وما لو اقام في بلد عشرة ايام ،
لان ما دل على تحديد السفر
الموجب للقصر ، لا يدل على ان غيره ليس من السفر حتى
بالنسبة الى سائر الاحكام ،
ومقتضى اطلاق الخبرين ثبوت الحكم في كل ما يعد سفرا .
2.
الظاهر من
الخبرين - سيما بضميمة مناسبة الحكم والموضوع - ان
الواجب الاقتصار من السفر على ما يحتاج اليه في التجارة
، او مما يتعلق بها ، كما لو
اقام زيادة عما يحتاج اليه فيها لخوف طريق مثلا او حبس
ظالم او نحو ذلك مما يتعلق
بالتجارة ، فلو اقام للراحة او للتفرج او لتحصيل مال له
او لغير مال القراض ، فانه
لا يستحق عن تلك المدة شيئا من مال القراض للنفقة ، كما
صرح بذلك كله المصنف
ره . وما في المسالك من التخصيص بما يحتاج اليه في
التجارة ، في غير محله .
3.
ان المراد
بالنفقة ما يحتاج اليه من مأكول وملبوس ومشروب وما شاكل -
وسيجي ضابطها في كتاب النكاح في مبحث النفقات - وليس
منها جوائزه وعطاياه
وضيافاته ومصانعاته ، الا اذا كانت التجارة متوقفة عليها
، ويراعى فيها كغيرها من
النفقات ما يليق بحاله . فلو اسرف حسب عليه ، ولو قتر هل
يحتسب له ام لا ؟ وجهان
مبنيان على ان المأخوذ في لسان الدليل النفقة أو مقدارها
، فعلى الاول لا يحسب ، وعلى
الثاني يحسب له ، وحيث ان ظاهر الخبرين هو الاول فلا
يحسب له .
4.
لو اشترط كون
النفقة على العامل لا تخرج من المال قضاء للشرط ، ولو
اشترط كونها على المالك كان تأكيدا . فعلى الاول لابد من
ضبطها على وجه يخرج
الشرط عن الجهالة ، ولا كذلك على الثاني ، لانها ثابتة
باصل الشرع فلا يزيد
الاشتراط على الثابت بالاصل . وان شئت قلت : ان غاية ما
يلزم من جهالته بطلان
الشرط وهو لا يبطل العقد ، والمفروض انه مع بطلان الشرط
ايضا تكون النفقة على
المالك ، فلا مانع من الجهالة فيه .
[ . . . ]
5.
الظاهر من النص
والفتوى ان النفقة من مال القراض وان لم يحصل ربح ،
انما الكلام في انه لو حصل ربح ، هل تؤخذ منه مقدمة على
حق العامل ، ام تخرج من
اصل المال ؟
قال في محكي التذكرة : والقدر المأخوذ في النفقة يحسب من
الربح ، وان لم يكن
هناك ربح فهو خسران لحق لمال ، ونحوه ما في المسالك .
وهو الظاهر ، فان غاية ما
يدل عليه الخبر ان كون نفقة السفر من المال ، واذا انضم
الى ذلك ما دل على ان حصة
العال انما هي من الربح ، وهو انما يصدق على ما يبقى بعد
جبر جميع ما حدث على
المال من اول تسلمه الى انتهاء المضاربة ، كانت النتيجة
هو تقديمها على حصة
العامل .
6.
استحقاق
النفقة مختص بالسفر المأذون فيه ، فلو سافر الى غيره فلا نفقة ،
بل دلت النصوص على انه بضمن المال ، وتكون الخسارة
الواردة عليه على المال ومنها
ما انفقه على نفسه ، لاحظ صحيح الحلبي عن الامام الصادق
عليه السلام في الرجل
يعطى المال ، فيقول : له ائت ارض كذا وكذا ولا تجاوزها
واشتر منها ، قال عليه السلام :
فان جاوزها وهلك المال فهو ضامن ، وان اشترى متاعا فوضع
فيه فهو عليه ، وان ربح
فهو بينهما ( 1 ) ونحوه غيره .
7.
المشهور بين
الاصحاب انه لايجوز للعامل ان يسافر من دون اذن المالك
الا اذا كان هناك متعارف ، وعن جامع المقاصد نسسبته الى
علمائنا ، وعللوه بان فيه
تغريرا بالمال ، وهو كما ترى .
8.
لو كان لنفسه
مال غير مال القراض وكان السفر لهما ، فالظاهر - كما
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة حديث - 2 . ( * )
] ولا يطأ جارية القراض من دون اذن والاطلاق يقتضي الشراء
بعين المال ، [
صرح به في الشرايع وغيرها - التوزيع . وهل هو على نسبة
المالين او العملين ؟ وجهان ،
اجودهما الاول ، لان استحقاق النفقة في مال المضاربة
منوط بالمال لا العمل ، كما في
المسالك تبعا لجامع المقاصد .
9.
لو سافر بمال
المضاربة ، فاتفق عزله في السفر وانتزاع المال منه ، كانت
نفقة الرجوع عليه ، لانه انما يستحق النفقة مادام كونه
مضاربا ، فبارتفاع العقد يرتفع
سبب الاستحقاق . ودعوى انه يرجع بما انفقه على المالك
لقاعدة الغرور ، مندفعة بانه
لا غرور بعد دخوله على العقد الجائز الذي هو معرض ذلك .
10.
اذا مرض في
السفر ، فان كان لا عمل له في المال معه تكون نفقته ايام
مرضه عليه ، وان كان لا يمنعه من العمل بالمال فهي على
المالك . وهل الدواء من
النفقة ؟ وجهان ، يأتي ما هو الحق عندنا في مبحث النفقات .
السابعة : ( ولا يطأ جارية القراض من دون اذن ) وهو واضح .
الثامنة : قالوا : ( والاطلاق يقتضي الشراء بعين المال )
لا في الذمة .
واستدلوا له تارة بانه المفهوم او المتيقن منه ، واخرى بانه
اذا اشترى بكلي في
الذمة لا يصدق على الربح انه ربح مال المضاربة ، وثالثة
بان في الشراء في الذمة تغريرا
بمال المالك وجعله في معرض التلف ، ورابعة بان الشراء في
الذمة قد يؤدي الى وجوب
دفع غيره ، كما اذا تلف رأس المال قبل الوفاء ولعل
المالك غير راض بذلك .
وهذه كلها كما ترى .
والحق ان يقال : انه بعد ما تعارف في المعاملات الشراء
بالذمة على وجه الحلول ،
] وبثمن المثل [
لا ينبغي الاشكال في جوازه كذلك والدفع من رأس المال .
واما الشراء بها على وجه
التأجيل ، فان كان فيه الغبطة والفائدة جاز ، لان الغرض
الاقصى من القرض تحصيل
الفائدة والربح ، ولذا يجب ان يكون تصرف العامل مقصورا
على ما يحصل به هذه
الغاية الذاتية . نعم ، اذا لم يكن فيه الغبطة والفائدة
لم يجز لما ذكرناه ويمكن ارادة
الاصحاب المنع عن هذا بالخصوص .
ثم ان الشراء في الذمة يتصور على وجوه :
1.
ان يشتري في
ذمة المالك .
2.
ان يشتري في
ذمة نفسه لكن بما انه عامل ، ومرجعه الى الاول ، والحكم في
الصورتين ظاهر .
3.
ان يقصد ذمة
نفسه وكان قصده الشراء لنفسه ، ولم
يكن من نيته الوفاء
من مال القراض ثم دفع منه ، لا اشكال في صحة الشراء ،
وكون الربح لنفسه ، والاداء
من مال القراض ان كان بنية الاستقراض وكان مأذونا في ذلك
فلا اشكال ايضا ، والا
فهو غاصب بالنسبة اليه .
4.
ان يقصد ذمة
نفسه مع قصده دفع الثمن من مال المضاربة ، فالظاهر انه
على فرض صحة الشراء حكم هذه الصورة حكم ما قبلها ، واما
الصحة فقد مر الكلام
فيها تحت عنوان عام ، - وهو ان اشترى في ذمته مع قصد
الاداء من المال الحرام - في
كتاب البيع .
5.
ان يقصد
الشراء في ذمته من غير التفات الى نفسه والمالك ، والظاهر - كما
افاده صاحب الجواهر ره وغيره - انه يتعلق الثمن بذمته
ظاهرا وواقعا ، ويكون الربح
له كما لو نوى نفسه . فما عن الرياض من الوقوع للمالك في
هذه الصورة ، ضعيف .
التاسعة : ( و ) اطلاق العقد يقتضي الشراء ( بثمن المثل
) كما هو المشهور ،
] ولو فسخ المالك المضاربة [
فلا يجوز له ان يبيع باقل من ثمن الثمل ، كما لايجوز له
ان يشتري بازيد من ثمن المثل ،
ويظهر وجهه مما ذكرناه في السمألة السابقة . وبه يظهر ان
ما افاده سيد الرياض من
جعل المدار على حصول المصلحة مع الاطلاق ، وان كان فرضها
في نحو البيع بدون
ثمن المثل نادرا ، متين . وقريب منه في الحدائق .
وقيده صاحب الجواهر ره بما اذا كان متعارفا ، اما اذا
كان نادرا فلا يدخل في
الاطلاق ، لانصرافه الى المتعارف . وفيه : ما ذكرناه
مرارا من ان الانصراف الناشئ
عن التعارف وكثرة الوجود لا عبرة به .
للعامل اجرة المثل اذا فسخ المالك المضاربة
العاشرة : ( ولو فسخ المالك المضاربة ) . فاما ان يكون
قبل الشروع في
التجارة ، او في مقدماتها ، او بعده قبل ظهور الربح ، او
بعده في الاثناء ، او بعد اتمام
التجارة قبل القسمة ، او بعدها . فالكلام في فروع :
1.
ان كان الفسخ
قبل الشروع في العمل وفي مقدماته ، فلا اشكال ولا كلام
في انه لا شئ له ولا عليه .
2.
ان كان ذلك من
اتمام العمل وبعد القسمة ، فاذا كان حصل الربح
يقتسمانه ، والا فلا شئ للعامل ولا عليه ، حصلت خسارة او
لم يحصل الربح ولا
الخسارة . فما يظهر من اطلاق بعضهم ثبوت اجرة المثل مع
عدم الربح ، غير تام ، لان
وضع المضاربة على عدم استحقاق العامل لشئ سوى الربح ،
فكان ذلك شرط
ضمني في عقدها ، وبه يخرج عما دل على احترام عمل المسلم
، وانه لا يذهب هدرا ان
كان عن امر .
] فللعامل اجرته الى ذلك الوقت [
3.
اذا كان
الفسخ في الاثناء قبل حصول الربح ، ( ف ) في المتن ( للعامل
اجرته الى ذلك الوقت ) ومقتضى اطلاقه كاطلاق ما في
الشرايع ثبوت اجرة المثل لما
عمل .
واستدل له بان عمله محترم صدر باذن المالك ، لا على وجه
التبرع بل في مقابلة
الحصة ، وقد فاتت بفسخ المالك قبل ظهور الربح ، فيستحق
اجرة المثل الى حين
الفسخ .
وفيه : ان الامر بالعمل انما هو على الحصة من الربح على
تقدير وجوده ، ولو
لم يوجد فلا شئ له ، وحيث ان للمالك الفسخ متى شاء ،
فكان اقدامهما على ان
لا يكون له شئ الا مع بقاء العقد وحصول الربح وبدون ذلك
لا شئ له ، ومع الاقدام
على ذلك لا وجه للضمان .
4.
اذا كان
الفسخ بعد حصول الربح في الاثناء أخذ العامل حصته منه وان
قل ، كان ذلك بعد الانضاض او قبله ، اتفاقا في الاول كما
في المسالك ، ووجهه ظاهر
مما قدمناه .
ومما ذكرناه ظهر حكم ما لو فسخ العامل ، وانه انما يستحق
من الربح حصته
ان ظهر ولا يستحق اجرة المثل في شئ من الموارد ، كما
يظهر حكم ما لو حصل
الانفساخ بموت أو جنون وما شاكل .
وقد وقع الكلام في صورة الفسخ أو الانفساخ في احكام ،
وهي : وجوب
الانضاض اذا كان بالمال عروض ، ووجوب الجباية عليه اذا
كان به ديون على الناس ،
ووجوب الرد على المالك .
اما الاول فغاية ما قيل في وجه وجوبه على العامل اذا
طلبه المالك ، ان قوله
[ . . . ]
صلى الله عليه وآله : على اليد ما اخذت حتى تؤدي ( 1 )
يدل عليه ، لانه اخذه نقدا فيجب
رده اليه كذلك ، وايضا ان التغير حدث في المال بفعله
فيجب رده الى ما كان .
وفيه : اولا : ان الحديث متضمن للضمان الخارج منه المقام
، فكان الاولى
الاستدلال له بما دل على وجوب در الامانة .
وثانيا : ان مال المالك حيث كان التغير حادثا باذنه حال
الفسخ هو العروض ،
وهو الذي يجب ادائه لا النقد الذي اخذه .
واما ما في المسالك - تبعا لجامع المقاصد - من الاستدلال
له فيما اذا كان الفسخ
بعد ظهور الربح ، بان استحقاقه الربح وان كان ثابتا
بظهوره الا ان استقراره
مشروط بالانضاض ، فيحتمل عروض ما يقتضي سقوطه ، فدفعه ما
تقدم من عدم
ثوقف استقراره عليه ، وان شئت قلت : ان توقف الاستقرار
على الانضاض فرع
وجوبه ، فاثبات الوجوب بالاستقرار دور واضح . فالاظهر
عدم وجوب الانضاض
مطلقا ، ولا فرق في ذلك بين كون ألطالب له هو المالك او
العامل .
واما الثاني : ففي المسالك : وقد اطلق المصنف وجماعة
وجوب جبايته على
العامل ، لاقتضاء المضاربة رد رأس المال على صفته
والديون لا تجري مجرى المال ، ولان
الدين ملك ناقص والذي اخذه كان ملكا تاما فليؤده كما
اخذه ، لظاهر : على اليد ما
اخذت حتى تؤدي ، انتهى .
ولكن الحديث قد عرفت اشكاله ، والادانة حيث تكون باذن
المالك توجب
عدم كون رد رأس المال على صفته واجبا ، ومع الشك تكفي
اصالة البراءة عن
الوجوب . فالاظهر عدم وجوبه ايضا .
..............................................................................
( 1 ) سنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )
] الفصل السابع : في الوديعة ، وهي عقد [
واما الثالث ، فالكلام فيه سيأتي في الوديعة ، فان المال
بعد الفسخ امانة في يد
العامل كما مر ، فيلحقه حكم الامانة ، والتمسك لوجوبه
بحديث على اليد قد عرفت
ما فيه .
وحقيقتها الاستنابة في الحفظ ، وهي الامانة بالمعنى
الاخص . وعرفها في
التذكرة بانها عقد يفيد الاستنابة في الحفظ ، والظاهر ان
مراده بالعقد اللفظ او الفعل
الذي ينشأ به ذلك . وحيث عرفت ان العقد بنفسه من مقولة
المعنى ، كما عرفت ان
اسامي المعاملات كلها اسام للاعتبارات النفسانية على ما
مر في كتاب البيع ، فما في
الشرايع والمتن أولى ، قال في الشرايع : العقد وهو
استنابة في الحفظ ، وفي المتن :
( وهي عقد ) والامر سهل . والاصل في شرعيتها الكتاب ،
والسنة ، والاجماع .
قال الله تعالى : ( ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات
الى اهلها ) ( 1 ) .
وقال عز شانه : ( فليؤد الذي ائتمن امانته وليتق الله
ربه ) ( 2 ) .
واما السنة فالاخبار بذلك بالغة حد التواتر ، لاحظ :
خبر الحسين الشباني عن الامام الصادق عليه السلام ، قال
قلت له : رجل من
مواليك يستحل من مال بني امية ودمائهم ، وانه وقع لهم
عنده وديعة ، فقال عليه السلام :
ادوا الامانة الى اهلها وان كانوا مجوسا ( 3 ) .
..............................................................................
( 1 ) سورة النساء آية 58 .
( 2 ) سورة البقرة آية 283 .
( 3 ) الوسائل - باب 2 من ابواب الوديعة حديث - 5 . ( * )
[ . . . ]
وخبر محمد بن مسلم عنه عليه السلام : قال امير المؤمنين
عليه السلام : ادوا
الامانات ولو إلى قاتل ولد الانبياء ( 1 ) .
وخبر عمر بن ابي حفص عنه عليه السلام : اتقوا الله ،
وعليكم باداء الامانة
الى من ائتمنكم ، فلو ان قاتل علي بن ابي طالب ائتمنني
على امانة لاديتها اليه ( 2 ) .
وخبر عمار بن مروان عنه عليه السلام : اعلم ان ضارب علي
عليه السلام
بالسيف وقاتله ، لو ائتمنني على سيف واستنصحني واستشارني
ثم قبلت ذلك منه ،
لاديت اليه الامانة ( 3 ) الى غير تلكم من الاخبار الآتي
طرف منها في ضمن المباحث
الاتية .
واما الاجماع فقد نقله جمع من الاساطين منهم المصنف ره ،
قال في محكي
التذكرة : وقد اجمع المسلمون كافة على جوازها ، وتواترت
الاخبار بذلك .
وفي الحدائق : ويؤكد ذلك دلالة العقل والنقل على قضاء
حاجة المؤمن وادخال
السرور عليه مع عدم المانع ، كما لو لم يثق من نفسه
بالحفظ لبعض الاسباب المتوقف
عليها ذلك ، انتهى .
وبذلك يظهر ان قبول الوديعة مستحب ، بل عن التذكرة بعد
التصريح
بالاستحباب : ولو لم يكن هناك غيره ، فالاقوى انه يجب عليه القبول ، لانه من
المصالح العامة ، وبالجملة فان القبول واجب على الكفاية
، ثم استثنى ما اذا تضمن
القبول ضررا في نفسه أو ماله او على احد من اخوانه
المؤمنين ، ونفى في الحدائق البأس
عما ذكره . ولكن الوجوب الكفائي يتوقف على توقف حفظ
المال على الاستيداع ،
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب الوديعة حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من ابواب الوديعة حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 2 من ابواب الوديعة حديث 8 . ( * )
[ . . . ]
ووجوب حفظ مال الغير عن التلف ، ولا دليل على الثاني ،
بل طاهر ما ذكروه في
اللقطة عدم وجوب الحفظ ، والله العالم .
ثم انه لا كلام في انها من العقود لا من الايقاعات
وتحتاج الى القبول ، ويشير
اليه خبر عمار المتقدم . ومما ذكرناه في البيع والاجارة
وغيرهما يظهر انها كسائر العقود
تحتاج الى الانشاء ، ولا يكتفي بمجرد الاعتبار النفساني
، ولكن ما ينشأ به لا يعتبر ان
يكون لفظا ، بل يصح الانشاء بالفعل وبالقول والفعل معا ،
بان يكون الايجاب
بالقول والقبول بالفعل . ولا يعتبر فيما ينشأ به العربية
، ولا الماضوية ، ولا تقدم الايجاب
على القبول ، ولا الصراحة ، ولا الحقيقة . كما انه قد
ظهر مما قدمناه اعتبار كون
المتعاقدين بالغين عاقلين مختارين .
وفي المقام فرعان :
1.
قال في
الشرايع : ولو طرح الوديعة عنده لم يلزم حفظها اذا لم يقبلها . وهو
ظاهر ، فانه مع عدم تحقق القبول لا تتحقق الوديعة ، فلو
تركها حينئذ وذهبت لم يكن
عليه ضمان .
وفي المسالك : ولكن يأثم ان كان ذهابها بعد ما غاب
المالك ، لوجوب الحفظ
من باب المعاونة على البر واعانة المحتاج ، فيكون واجبا
على الكفاية .
وفيه : ان المعاونة على البر حسنة وليست بواجبة ، وكذا
اعانة المحتاج ، مع ان
ذلك ليس منها .
وتفصيل القول في المقام : ان طرح الوديعة تارة يكون
بعنوان الاستنابة في
الحفظ ويكون فعله ذلك مقرونا بما يوجب ظهوره في كونه
فعلا ينشأ به تلك ، واخرى
لا يكون بهذا العنوان .
فعلى الاول ان قبلها من طرحت عنده قولا او فعلا تحققت
الوديعة ، ويترتب
[ . . . ]
عليها احكامها من وجوب الحفظ وعدم الضمان بدون التقصير .
وان لم يقبلها كان
حكمها ما تقدم .
وعلى الثاني تكون تلك حينئذ امانة مالكية . توضيح ذلك :
ان الامانة مالكية
وشرعية ، والامانة المالكية على قسمين : الامانة الحاصلة
بالتأمين العقدي كالوديعة ،
والامانة الحاصلة بالتأمين بالتسليط على ماله برضاه وهي
الامانة بالمعنى الاعم ، وبهذا
المعنى اطلقت الامانة على العين المستأجرة والمرهونة
والمضارب بها وما شاكل . والامانة
الشرعية فيما كان التسليط على المال بحكم الشارع ، كما
في تسليط الولي على مال
القاصر ، وكالتسليط على مجهول المالك وما شاكل .
وليعلم ان الامانة المالكية بالمعنى الاعم انما تتحقق
بالتسليط على المال عن
الرضا من دون توقف على شئ آخر ، كما يستفاد مما ورد في
الابواب المتفرقة من
العارية والمضاربة والوديعة ونحوها ، لاحظ صحيح الحلبي
عن الامام الصادق عليه
السلام : صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ، وقال : ليس
على مستعير عارية ضمان ،
وصاحب العارية والوديعة مؤتمن ( 1 ) ونحوه غيره من
النصوص الكثيرة .
فانه ليس في شئ من هذه الموارد سوى التسليط على المال عن
الرضا ،
فيستكشف من ذلك ان كل تسليط عن الرضا ايتمان ، ويترتب
عليه عدم الضمان
وغيره مما يكون مترتبا على المؤتمن . وعلى هذا ففي
المقام لو طرح المال عنده فان لم
يضع يده عليه فلا شئ عليه ، وان اثبت يده عليه فلا ضمان
عليه لو تلف عن غير
تقصير .
وهل يجب عليه حفظه حينئذ كما في المسالك ، قال : واليد
توجب الحفظ الى ان
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب العارية حديث 6 .
[ . . . ]
ترده على مالكه ، لعموم على اليد ما اخذت حتى تؤدي ( 1 )
ام لا يجب عليه الحفظ ؟
وجهان ، اظهرهما الثاني ، فان الدليل انما دل على وجوب
الحفظ في الامانة بالمعنى
الاخص ، واما في الامانة بالمعنى الاعم الحاصلة من
التسليط عن رضاه التي ليس
مقتضاها الا كون استيلائه عن رضا المالك ، فلادليل على
وجوب الحفظ . واما الحفظ
من حيث انه ما محترم فلا يجب اصلا ، ولذا لا يجب التقاطه
بل يكره . والتمسك
بحديث على اليد غريب ، فان الحديث في الضمان ولا يدل على
وجوب الرد تكليفا ، مع
ان يد الامين خارجة عن تحت الحديث . فالاظهر عدم وجوب
الحفظ عليه .
ويترتب على ذلك انه لو ترك الحفظ وتلف لا يكون ضامنا ،
اذ لو لم يكن الحفظ
واجبا لم يكن تركه تفريطا ، والى ما ذكرناه يشير خبر
اسحاق عن جعفر عن ابيه
عليهما السلام : ان عليا عليه السلام كان يقول : لاضمان
على صاحب الحمام فيما ذهب
من الثياب ، لانه انما اخذ الجعل على الحمام ولم يأخذ
على الثياب ( 2 ) فانه مع استيلاء
الحمامي على الثياب يدل على انه لو كان أخذ الجعل على
الثوب كان مكلفا بحفظه ،
فترك التحفظ عليه تفريط فيكون ضامنا وحاله حينئذ حال الوديعة بخلاف
ما اذا
لم يكن حفظ الثوب بعهدته ، فانه لا يجب عليه الحفظ ،
فتركه التحفظ ليس تفريطا
فلا يكون ضامنا .
2.
لو اكره على
قبضها لم تصر وديعة ، لعموم حديث رفع ما استكرهوا عليه ( 3 )
فلا يجب عليه حفظها . وفي المسالك : لكن يجب تقييده بما
اذا لم يضع يده عليها بعد
..............................................................................
( 1 ) سنن البيهقي ج 6 ص 90 .
( 2 ) الوسائل - باب 28 - من ابواب الاجارة حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 56 من ابواب جهاد النفس . ( * )
] جائز من الطرفين [
زوال الاكراه مختارا ، فانه
حينئذ يجب عليه الحفظ باليد الجديدة ، وان لم يجب بالاكراه ،
وفيه : ان وضع يده عليها بعد زوال الاكراه ان كان بعنوان
قبول الوديعة ، او
كان حين ما اكره قبل الوديعة وكان ذلك منه رضا به ، وكان
المالك انشأ الوديعة قولا
او فعلا ، وجب عليه الحفظ والا فلا ، وان كان المال عنده
امانة مالكية كما مر .
وكيف كان ، فلا خلاف بينهم في ان الوديعة عقد ( جائز من
الطرفين ) . وفي
الجواهر : بل الاجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة في تخصيص
الآية ( 1 ) وغيرها من ادلة
اللزوم . ويترتب عليه بطلانه بموت كل منهما او بجنونه
واغمائه ، ونحو ذلك مما يخرج
به ماله عن ملكه او ولايته عليه ، كما هو الشأن في
العقود الجائزة مطلقا على ما مر في
باب المضاربة ، وقد عرفت هناك انه لايمكن اثبات ذلك
بالدليل ، ولكن لتسالم
الاصحاب يبنى عليه ، فراجع ما ذكرناه .
ولو بطل العقد ، فالمال يكون في يده الودعي امانة شرعية
، كما في الشرايع
والمسالك والجواهر وغيرها . واستدل له بعدم اذن المالك
الصوري ، وحصول الاذن من
المالك الحقيقي في الاستيلاء عليه للرد حسبة ، وحينئذ
يلحقه حكم غيره من الامانات
الشرعية .
ولكن يمكن ان يقال : ان الامانة الشرعية ملاكها الترخيص
في اثبات اليد
على مال الغير لحفظه أو لايصال المال الى مالكه ، كما
استفيد من ادلة اللقطة ومجهول
..............................................................................
( 1 ) سورة المائدة آية 2 . ( * )
[ . . . ]
المالك وما شالك ، وليس مجرد الترخيص الشرعي تأمينا
شرعيا ، كما لو اباح الشارع
وضع اليد على العين المستأجرة لاباحة المالك اياه ، فانه
من باب اباحة ما اباحه المالك
لا تأمين من الشارع بل الترخيص الابتدائي منه ، كما في
اللقطة تأمين من الشارع .
وعليه ففي المقام غاية ما يثبت بالدليل وجوب رد المال
الى صاحبه ، وهو وجوب
عرضي يتبع حرمة امساكه ، فلا ترخيص ابتداء من الشارع في
وضع اليد عليه ، ولا
ايجاب للايصال ابتداء حتى يكون حاله كحال الترخيص
الابتدائي ، وعليه فليس هو
امانة شرعية ، بل يجب الرد من باب حرمة امساك مال الغير .
وعلى هذا ، فهل يكون ضامنا له لو تلف ام لا ؟ يشهد
للضمان عموم قاعدة
على اليد ( 1 ) فان الخارج عنها يد الامين ، وهو ليس
أمينا على الفرض .
واستدل لعدم الضمان تارة بعدم شمول القاعدة للمقام ،
نظرا الى ما عن
المحقق النائيني ره ، قال : ان الاخذ هو الاستعلاء على
الشئ بالقهر والغلبة ، كما تشهد
به موارد استعماله ، لاحظ قوله تعالى ( وكذلك اخذ ربك
اذا اخذ القرى ) ( 2 ) وقوله
سبحانه ( ولاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) (
3 ) وقوله تعالى ( فاخذناهم
اخذ عزيز مقتدر ) ( 4 ) وغير تلكم من موارد استعماله ،
وعليه فيختص الحديث بصورة
الغصب ولا يشمل امثال المقام .
واخرى بان قاعدة الاحسان تمنع عن الضمان ، بدعوى ان وضع
يده على المال
..............................................................................
( 1 ) سنن البيهقي ج 6 - ص 90 .
( 2 ) سورة هود آية 102 .
( 3 ) سورة الحاقة آية 46 .
( 4 ) سورة القمر آية 43 . ( * )
[ . . . ]
بداعي الايصال الى مالكه احسان اليه ( وما على المحسنين من سبيل ) ( 1 ) الشامل
لكل سبيل دنيوي او اخروي .
ولكن يرد على الاول ان الاخذ بحسب اللغة معناه تناول
الشئ ، كان عن
قهر وغلبة ام لم يكن ، واستعماله في غير موارد الاخذ
بالغلبة والقهر كثير ، لاحظ قوله
تعالى ( خذ العفو ) ( 1 ) وقوله عز اسمه ( خذ من اموالهم
صدقة ) ( 3 ) وقوله عليه
السلام : خذها فاني اليك معتذر ، وغير تلكم من الموارد ،
فالحديث يدل على الضمان في
كل مورد كان مال الغير تحت اليد ، ومن تلك الموارد
المقام .
ويرد على الثاني ان قاعدة اليد تخصص بقاعدة الاحسان
كتخصيصها بقاعدة
الايتمان الا انها في موارد التمحض في الاحسان ، كما لو
علم من حال المالك رضاه
بوضع اليد على ماله لايصاله اليه ، فانه ليس هناك تسليط
ليكون امانة مالكية ، لكنه
يجوز وضع اليد عليه ، فوضع اليد للايصال احسان محض منه ،
ومع تلفه قبل وصوله
لاضمان ، واما في المقام فايصال المال الى صاحبه واجب من
حيث حرمة امساكه ، فهو
حينئذ ترك الاساءة لا من باب انه احسان محض .
فتحصل مما ذكرناه انه يكون ضامنا لو تلف قبل الايصال ،
الا ان يثبت
الاجماع على عدم الضمان .
..............................................................................
( 1 ) التوبة آية 92 .
( 2 ) سورة الاعراف آية 200 .
( 3 ) سورة التوبة آية 103 . ( * )
] ويجب حفظها بمجرى العادة ولو عين المالك حرزا تعين ، فلو
خالف ضمن [
وتمام الكلام في هذا الفصل في طي مسائل :
الاولى : ( ويجب حفظها ) اي الوديعة ( بمجرى العادة ) ،
كالثوب في الصندوق ،
والشاة في المراح ، والدابة في الاصطبل ، او ما يجري
مجرى تلكم في الحرز لمثلها في
العادة ، كما هو الشأن في كل ما لا حد له شرعا فانه يرجع
فيه الى العرف والعادة . ومنه
المقام فان الوديعة كما مر استنابة في الحفظ ، وليس لها في
الشرع حد فيتعين الرجوع
فيها الى العادة . وعلى ذلك فلايهمنا النزاع في المصاديق ، مثل
انه هل يجب ان يكون
الصندوق محرزا ام يكفي مطلقة ، فان الضابط ما ذكرناه ،
والميزان هو حفظها بما يحفظ
به امواله . ولا فرق في ذلك بين علم المودع بان المستودع
ليس له ما يحفظ فيه الوديعة ،
أو عدم علمه بذلك .
والدليل على وجوب الحفظ - مضافا الى الاجماع المحقق ،
وكون ذلك من
مقتضيات عقد الوديعة فانها كما مر استنابة في الحفظ -
الآيات والنصوص المتقدمة
الدالة على وجوب رد الامانة ، فانه لولا وجوب حفظها لم
يجب ادائها ، ولو كان يجوز
له اهمالها وعدم حفظها كيف يترتب عليها وجوب الاداء . والاخبار الآتية الدالة على
الضمان مع ترك الحفظ ، اذ لو لم يكن الحفظ واجبا لم يكن
وجه للضمان بتركه .
( ولو عين المالك حرزا تعين ) ، لاصالة حرمة التصرف في مال
الغير بغير اذنه ،
( فلو خالف ضمن ) لانه عاد ، وقد استثنوا من ذلك موردين :
الاول : ما اذا كان النقل الى الاحرز ، فقد ادعى الاجماع
على انها في هذا
المورد لو تلفت لا تضمن ، واضاف جمع منهم اليه النقل الى
مثله .
] الا مع الخوف . ويجب على الودعي علف الدابة وسقيها ، ويرجع
به على
المالك . [
والتحقيق ان يقال : انه ان فهم من التعيين ان الغرض
المعاملي له الاحتفاظ
وانما عين المحل الخاص من باب المثال ، فمع النقل الى
الاحرز او المساوي لاضمان ،
والا فالمتجه هو الضمان .
الثاني : ما ذكره المصنف ره بقوله ( الا مع الخوف )
لجواز النقل حينئذ حسبة ،
بل قالوا انه لو قال المودع : لاتنقلها عن هذا المكان
وان تلفت فيه ، لعدم ثبوت هذه
السلطنة له من السلطان الحقيقي ، بل حرم عليه اضاعة
المال واتلافه في غير وجهه ،
ومن ذلك النهي عن التبذير ، وعن تمكين السفهاء من
الاموال التي جعلها لنا قواما .
فهل يجب النقل حينئذ كما في المسالك ، لان الحفظ واجب
عليه ولا يتم الا
بالنقل وللنهي عن اضاعة المال ، ام لا ؟ الظاهر هو
الثاني ، فان وجوب الحفظ ان كان
بمناط وجوب حفظ المال المحترم ، فقد مر انه لا وجه
لوجوبه ، ولذا لا يجب التقاطه بل
يكره . وان كان بمناط وجوب حفظ الوديعة ، فالمفروض انه
بالنقل يخرج عن الوديعة ،
فانه قيد فيها عدم النقل . واما النهي عن اضاعة المال ،
فهو بالنسبة الى المالك ، ولا
دليل على حرمتها على غير المالك حتى بترك الحفظ اياه عن
التلف ، بل لايحرم ذلك
قطعا . فالاظهر عدم وجوبه ، وعليه فحيث يجوز شرعا النقل
حسبة ، فلا ضمان عليه
لو نقلها وتلفت ، لقاعدة الاحسان بالتقريب المتقدم .
وجوب سقي الدابة وعلفها على الودعي
الثانية : ( ويجب على الودعي علف الدابة وسقيها ويرجع به
على المالك ) على
المشهور بين الاصحاب ، بل بلا خلاف في ذلك في الجملة .
[ . . . ]
وتفصيل القول في المقام ان هاهنا صورا :
الاولى : ان يأمره المالك بذلك ، لا اشكال في انه يجب
عليه كما صرحوا به ، لانه
من مقدمات الحفظ المأمور به ، ويرجع به على المالك ،
وذلك لان حقيقة الوديعة هي
الاستنابة في الحفظ ، فهي وان كانت بطبعها آبية عن
التعويض - والا لكانت اجارة
على العمل لا وديعة - موجبة لتنزيل الودعي منزلة المالك
في حفظها الذي لا عوض
لمالكها . ولكن ذلك بالنسبة الى الحفظ نفسه ، واما ما
يتوقف عليه الحفظ من مال او
عمل فالوديعة بنفسها لا اقتضاء بالنسبة اليه من حيث
التعويض ، وعلى فاذا كان
المالك مستوفيا له بالامر به كان ذلك موجبا للضمان ، فيرجع
الودعي اليه . واما قاعدة
احترام المال التي استدل بها بعضهم في المقام للضمان ،
فقد مر انها بنفسها ليست من
موجبات الضمان ، ولا توجب الرجوع الى من وصل نفعه اليه .
الثانية : ان ينهاه عن ذلك ، ففي الشرايع وغيرها لم يجز
القبول ، بل يجب سقيها
وعلفها .
واستدل له في المسالك وغيرها بانه حق الله تعالى كما انه
حق المالك ، فلا يسقط
حق الله تعالى باسقاط المالك حقه . وبان اتلاف المال
منهي عنه .
ولكن قد مر ان حفظ الحيوان من التلف لا يكون واجبا على
غير المالك ، ولذا
لا يجب التقاط الحيوان اذا خاف عليه التلف ، والحفظ بعد
الالتقاط من جهة كونه
امانة شرعية يجب حفظها من التلف ، كما ان وجوب الحفظ على
مالكه انما هو من جهة
وجوب نفقة المملوك على مالكه لا من حيث حفظ النفس
المحترمة ، والمفروض انه
لا يجب الحفظ من جهة الوديعة لنهي المالك عنه . واما
حرمة اتلاف المال فقد عرفت
انه مختص بالمالك ، فحرمة الاتلاف غير المستلزم للتصرف
في ملك الغير غير ثابتة
والاصل عدمها .
[ . . . ]
فعلى هذا لا يجب عليه سقي الدابة في هذه الصورة ولا
علفها ، بل لا يجوز من
غير مراجعة الحاكم ، فانه تصرف في مال الغير بلا رضاه .
ولو سقاها واعلفها والحال
هذه ، ليس له الرجوع بقيمتهما على المالك ، كما ظهر مما
ذكرناه في الصورة الاولى .
الصورة الثالثة : ان يطلق المالك المودع لا يأمره ولا
ينهاه ، والظاهر في هذه
الصورة وجوب السقي والعلف ، لانهما من مقدمات الحفظ
المأمور به ، بل
قد يقال -
كما عن التذكرة وغيرها - : ان مقتضى الشرط الضمني هو ذلك .
وهل يرجع بما بذله في مقام حفظه الى المالك ام لا ؟
الظاهر ذلك ، لا لمجرد
وجوب الحفظ فانه لا اقتضاء من حيث المجانية وعدمها ، ولا
لحرمة المال المبذول فانها
لا توجب الضمان ما لم يكن المالك مستوفيا له بالمباشرة
او بوكيله او بأمر أحدهما أو
بأمر الحاكم ، بل لمفهوم قوله عليه السلام في صحيح ابي
ولاد في جواب قول السائل :
جعلت فداك فقد علفته بدراهم فلي عليه علفه : لا ، لانك
غاصب ( 1 ) فانه يستفاد منه
ان غير الغاصب له الرجوع بما انفق على الدابة .
فالمتحصل مما ذكرناه انه مع الاطلاق او الامر بهما يجب
السقي والعلف ، ويرجع
بما بذله على المالك .
بقي الكلام في الضمان مع الاهمال في حفظ الدابة بترك
السقي والعلف ،
فالظاهر هو ذلك ، لا لوجوب الحفظ فانه لا يوجب تركه إلا
الاثم ، ولا من جهة تخلف
الشرط الضمني او الصريح فان ترك الوفاء بالشرط ليس من
موجبات الضمان ، بل
لان ترك الحفط داخل في التعدي او التفريط ، وسيجئ ان
اليد معه مضمنة ،
والنصوص الخاصة دالة عليه ايضا .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 7 من كتاب الغصب . ( * )
] ويضمن المستودع مع التفريط لا بدونه ، ]
ثم انه لا يهمنا البحث في جواز اخراج الدابة من المنزل
وعدمه ، لما مر - ومما
ذكرناه يظهر حكم ما لو كانت الوديعة غير الحيوان - كشجر
وبناء ونحوهما - وانه
مع الاطلاق ، او الامر بانقاق ما يتوقف عليه حفظها ، يجب
ويرجع بما بذله على المالك .
ضمان المستودع مع التعدي او التفريط
الثالثة : ( ويضمن المستودع مع التفريط ) بترك التحفظ ،
أو التعدي بالمخالفة
في كيفية الحفظ ، أو الخيانة بالتصرف في المال . والضابط
هو التقصير ، وان حصره
بعضهم في ستة : الانتفاع بها ، والايداع ، والتقصير في دفع
المهلكات ، والمخالفة في كيفية
الحفظ ، والتضييع بان يلقيها في مضيعة ، والجحود . و (
لا ) يضمن ( بدونه ) ، بلا خلاف
فيهما بل عليهما الاجماع بقسميه في الجواهر .
ويشهد بهما - مضافا الى قواعد باب الضمان كما مر في
الاجارة والمضاربة
وغيرهما - النصوص الخاصة المعلقة جملة منها لعدم الضمان
على الايتمان ، اما بجعله
سببا ، او عنوانا لعدم الضمان ، لا حظ :
ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح والحسن عن ابي عبد
الله عليه السلام :
صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ( 1 ) .
وصحيح زرارة - او حسنه - عنه عليه السلام عن وديعة الذهب
والفضة ، فقال
عليه السلام : كل ما كان وديعة ولم تكن مضمونة لا تلزم (
2 ) .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب العارية حديث 6 وباب 4 من
ابواب الوديعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب الوديعة - حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
وموثق اسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه السلام عن رجل
استودع رجلا
الف درهم فضاعت ، فقال : الرجل كانت عندي وديعة ، وقال
الآخر : انما كانت لي
عليك قرضا ، فقال عليه السلام : المال لازم له ، الا ان
يقيم البينة انها كانت وديعة ( 1 ) .
وصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام عن
الرجل يستبضع المال
فيهلك او يسرق ، أعلى صاحبه ضمان ؟ فقال عليه السلام :
ليس عليه غرم بعد ان
يكون الرجل امينا ( 2 ) ونحوها غيرها .
اضف الى ذلك النصوص الدالة على الضمان بالتعدي
والاستهلاك في باب
المضاربة والرهن ، بعد معلومية اشتراك الجميع في الحكم
المزبور باعتبار كونها امانة .
مع انه يدل على الضمان بالتعدي مكاتبة محمد بن الحسن الى
ابي محمد عليه السلام :
رجل دفع الى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت ، هل
يجب عليه اذا خالف
امره واخرجها عن ملكه ؟ فوقع عليه السلام : هو ضامن له
ان شاء الله ( 3 ) .
وعلى الجملة ، فان المستفاد من مجموع الادلة بعد ضم
بعضها الى بعض ، ان
تلف المال عند الودعي لا يوجب الضمان الا مع التقصير في
الحفظ ، الموجب لخروج
اليد عن كونها يدا امانية ومأذونة وصيرورتها خيانة .
وقد وقع الخلاف والكلام في جملة من الموارد ، كترك ما
يحفظ به الوديعة مثل
نشر الثوب وطيه وتعريضه للهواء ، والمسافرة بها ، واخراج
الوديعة من الحرز لينتفع
بها ، والجحود ، وما شاكل . وحيث انه لا نص في شئ من
الموارد يعتمد عليه ، فلا بد في
كل مورد من عرضه على الميزان المتقدم ثم الحكم بالضمان
وعدمه ، فلايهمنا البحث في
..............................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 7 من ابواب الوديعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب المضاربة حديث 8 .
( 3 ) الوسائل باب 5 من ابواب الوديعة حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
كل مورد بالخصوص .
نعم ، لا بأس ببيان حكم ما لو ضيع بالنسيان ، فالمحكى عن
جماعة - منهم
المصنف ره في التحرير وولده والمحقق الثاني - الضمان ،
واستدل له بان الدليل دل على ان الامين يضمن مع التعدي
أو التفريط ،
وحديث رفع النسيان ( 1 ) لا يصلح رافعا للضمان ، لكونه
في مقام الامتنان ولا امتنان على
الامة في رفعه ، ولذا في سائر موارد الضمان لا يرتفع
الضمان مع تحقق السبب نسيانا .
واورد عليه بان مقتضى اطلاق ما دل على عدم ضمان الامين
العموم ، وغاية ما
خرج منه العامد الاثم دون غيره ، فاطلاق ذلك يقتضي عدم
الضمان ، وبه يرفع اليد
عن قاعدة على اليد ( 2 ) .
وفيه : انه وان لم يكن دليل لفظي يدل على انه في هذا
الباب يكون المتعدي او
المفرط ضامنا ، ولكن لا ريب في استفادة ذلك من مجموع ما
تقدم ، بل يمكن ان يقال
انه يستفاد ذلك من نفس ما دل على انه لاضمان على الامين
، فان اخذ الامانة عنوانا
للموضوع مشعر بذلك ، والمضيع وان كان عن نسيان ليسه يده
امانية . فالاظهر هو
الضمان .
المعروف بين الاصحاب انه اذا اعاد الوديعة بعد التعدي او
التفريط الى
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 56 من ابواب جهاد النفس .
( 2 ) سنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )
] ولا يزول الا بالرد الى المالك او الابراء [
الحرز ، لم يبرأ ( ولا يزول ) الضمان .
قال في محكى التذكرة : اذا صارت الوديعة مضمونة على
المستودع ، اما بنقل
الوديعة واخراجها من الحرز ، او استعمالها كركوب الدابة
ولبس الثوب او بغيرها من
اسباب الضمان ، ثم انه ترك الخيانة ورد الوديعة الى
مكانها وخلع الثوب ، لم يبرأ بذلك
عند علمائنا اجمع ، ولم يزل عنه الضمان ولم تعد امانة ،
انتهى .
والتحقيق يقتضي ان يقال : ان الدليل دل على عدم ضمان
الودعي ، خرج عن
ذلك ما لو كان متعديا او مفرطا . وعليه فاذا فرط او تعدى
ثم عاد ، يدخل المقام تحت
كبرى كلية مذكورة في الاصول ، وهي انه اذا فرض خروج بعض
الافراد في بعض
الازمنة عن العموم ، فهل فيما بعد ذلك الزمان المخرج
بالنسبة الى ذلك الفرد يجري
استصحاب حكم الخاص أو يتمسك بالعموم ؟ وحيث ان المختار
عندنا هو التمسك
بالعموم مطلقا ، وان لم يكن لدليل ذلك العموم عموم
ازماني ، ولا يصح الرجوع الى
الاستصحاب ، فالمتعين في المقام البناء على ارتفاع
الضمان وعدم بقائه ، لفرض ان
الوديعة لا تنفسخ بالخيانة ، بل تلك الوديعة في حال
الخيانة خارجة عن تحت عموم ما
دل على عدم الضمان ، فاذا اعادها الودعي فقد دخلت تحت
العموم ، ولا مجال لاجراء
استصحاب بقاء الضمان . وأولى بذلك ما لو جدد المالك له
الاستيمان ، بان فسخ العقد
السابق ثم اودعه جديدا .
فان قيل : ان المصنف ره ادعى الاجماع على الضمان ، فهو
المقيد للاطلاق .
قلنا : انه ليس اجماعا تعبديا ، لاستدلالهم له
بالاستصحاب .
وعلى تقدير ما بنى عليه القوم من الضمان والخروج عن كونه
وديعة ، فالظاهر
انه لا يزول الضمان ( الا بالرد الى المالك ) ، وعود
الحكم الاول انما هو بتجديد المالك
له الوديعة ( او الابراء ) ، بان يبرأه المالك من الضمان .
[ . . . ]
والاول مورد الوفاق . انما الخلاف بينهم في انه لو لم
يردها ولكن جدد له المالك
الايداع ، فظاهر الاكثر انه كالاول ، وعللوه بان الضمان
انما كان بحق المالك ، وقد
رضي بسقوطه باحداثه ما يقتضي الامانة .
وقيل : لا يزول الضمان ، وهو ظاهر المتن ، واستدل له
بظاهر قوله عليه السلام
على اليد ما اخذت ( 1 ) .
وقال في المسالك : ويمكن بناء ذلك على ان الغاصب اذا
استودع هل يزول
الضمان عنه ام لا ؟ فان المستودع هنا قد صار بتعديه
بمنزلته . والمسألة موضع اشكال ،
اذ لا منافاة بين الوديعة والضمان كما في المفروض
المذكور ، فلا يزول السابق بتجدد
ما لا ينافيه ، مع عموم قوله عليه السلام على اليد ما
اخذت حتى تؤدي ، ومن انه قد
اقام يده مقام يده وجعله وكيلا في حفظها ، وذلك يقتضي
رفع الضمان ، الى ان قال :
والاقوى هنا زوال الضمان ، لان المستودع نائب عن المالك
في الحفظ فكانت يده كيده ،
وقبضه لمصلحته ، فكان المال في يده بمنزلة ما كان في يد
المالك ، بخلاف لرهن ، انتهى .
وفيه : انه اذا فسخ المالك الوديعة الاولى ، وجدد العقد
ولم يرجع المال الى يده ،
وقلنا بصحة الثاني ، فلا اشكال في ارتفاع الضمان ، ولا
مورد للتمسك بعموم على اليد ،
لان يده بمقتضى الوديعة الثانية يد امانية . اللهم الا
ان يقال مبتنيا على الكبرى
المتقدمة : ان يده هذه كانت يد ضمان ، فبعد ارتفاع
العدوان والخيانة يشك في بقاء
الضمان ودخولها تحت ما دل على عدم الضمان على الامين ،
فيستصحب الضمان ، ولكن
قد اشرنا الى بطلانها .
وان لم يفسخ المالك الوديعة الاولى ، وقال : اذنت لك في
حفظها أو اودعتكها او
..............................................................................
( 1 ) سنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )
[ . . . ]
نحو ذلك ، فلا كلام في عدم انفساخ الاولى وعدم حدوث عقد
جديد ، فحينئذ ان اراد
بذلك البراءة ، من الضمان فسيأتي حكمه .
والا فقد استدل في المسالك لعدم الضمان تارة بانه لحق
المالك وقد رضى
بسقوطه باحداثه ما يقتضي الامانة واخرى بان المستودع
نائب عن المالك فكان يده
كيده .
وفيه : انه لم يحدث ما يقتضي الامانة ، ومجرد رضا المالك
بسقوطه لا يكفي في
السقوط ، وكون يد المستودع كيد المالك اول الكلام . وما
افاده من ابتناء ذلك على
مسألة ان الغاصب اذا استودع هل يزول الضمان عنه ام لا ،
غير تام ، فان المفروض
في المقام عدم فسخ العقد الاول ، ومعه لا يؤثر الثاني
شيئا قطعا .
واما الثاني - وهو الابراء - فقد جزم المصنف ره والمحقق
في الشرايع بحصول
البراءة من الضمان به ، ووجهه ان الضمان كان لحقه فيسقط
باسقاطه .
واورد عليه صاحب الجواهر وقبله غيره بعدم دليل صالح لقطع
اصالة الضمان ،
ضرورة عدم ثبوت مال في الذمة يكون موردا للابراء ، فان
المراد من الضمان اشتغال
ذمته لو تلفت بالمثل او القيمة ، فهو كما لو قال للغاصب
: ابرأتك من ضمان المال
المغصوب في يدك ، ونحوه مما هو ابراء عما لم يجب بعد .
وتأهل الذمة للاشتغال على
تقدير التلف لم يثبت قابليته للسقوط ، بل مقتضى الاصل
واطلاق ما دل على سببية
الضمان الشامل لصورة الاسقاط عدم سقوطه بالاسقاط .
وفيه : اولا : ان الابراء ان كان ابراء على تقدير الثبوت
لا تنجيزيا ، لا يكون من
قبيل ابراء ما لم يجب .
وثانيا : ان الضمان المسبب عن التعدي او التفريط كالضمان
في سائر الموارد
غير العقود الصحيحة ، عبارة عن كون العين في العهدة ،
واثر ذلك لزوم دفع العين
] ويحلف للظالم ويوري ، [
مادام بقائها ، والبدل على تقدير التلف ، ففي جميع
الموارد تكون العين في العهدة حتى
بعد التلف . وعلى ذلك فالابراء عنه لا اشكال فيه اصلا ،
بعد معلومية كون الضمان من
الحقوق القابلة للاسقاط لا من قبيل الحكم .
حكم ما اذا اتلف الاجنبي الوديعة
ثم انه بعد ما عرفت من وجوب الحفظ ، فاعلم انه اذا اراد
ثالث أخذ المال
الذي جعل وديعة عنده قهرا او اراد اتلافه ، فان تمكن من
الدفع من دون ان يترتب
عليه ضرر أو مشقة وجب ، لانه مقدمة للحفظ المأمور به على
جهة الاطلاق .
ولو توقف ذلك على بذل مال فهل يجب ام لا ؟ وعلى تقدير
البذل هل يرجع
بما بذله على المالك ؟ خلاف في الجهتين ، وقد تقدم ما
عندنا عند بيان حكم علف
الدابة وسقيها ، وما ذكرناه في تلك المسألة جار هنا .
ولو توقف الدفع على الكذب جاز ، بل وجب بل ( و ) عليه ان
( يحلف للظالم )
لو طولب باليمين - على ما سيأتي الكلام في ذلك مفصلا في
كتاب الايمان - والنصوص
الخاصة شاهدة بذلك .
( و ) هل يجب ان ( يوري ) مع التمكن من التورية ؟ الظاهر
ذلك كما سيأتي في
ذلك الكتاب .
ولو ادى وظيفته ومع ذلك اخذ منه قهرا او اتلف فلا ضمان
عليه ، بلا خلاف
اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه ، كذا في الجواهر ،
لقاعدة الايتمان .
ودعوى اختصاصها بالتلف ، وفي المقام اما اتلاف او اخذ ،
وعلى التقديرين لا
تلف ، مندفعة :
[ . . . ]
اولا : بصدق التلف عليهما بكل من اتلاف الثالث واخذه ،
كما يشهد به خبر
عقبة بن خالد الوارد في تلف المبيع قبل قبضه من اطلاق
التلف على سرقة المتاع ( 1 ) .
وثانيا : انه لم يؤخذ في ادلة عدم الضمان على الامين
خصوص التلف ، بل صرح
في بعضها بالسرقة ، كصحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر
عليه السلام عن الرجل
يستبضع المال فيهلك او يسرق ، أعلى صاحبه الضمان ؟ فقال
عليه السلام : ليس عليه
غرم بعد ان يكون الرجل امينا ( 2 ) .
ثم الظاهر انه لا اشكال فيه ، سواء كان قد تولى الظالم
اخذها من يده ، أو من
مكانها الذي كانت فيه ، او قهره على الاتيان بها فدفعها
اليه ، لصدق عدم التفريط
فيهما ، ولا ضمان عليه فيهما ، وانما الضمان على الظالم
كما هو المشهور بين الاصحاب .
وعن ابي الصلاح وابي المكارم والمصنف ره في التذكرة
والتحرير انه يجوز
رجوع المالك عليه مع مباشرته الدفع بنفسه الى من أمره
الظالم ، لانه باشره تسليم
مال الغير بيده ، فيشمله عموم على اليد ، وان كان قرار الضمان عليه
. وقواه في الجواهر ،
بتقريب ان التسليم الى الظالم من اقسام الاتلاف ،
والمخصص بقاعدة الايتمان قاعدة
على اليد دون قاعدة الاتلاف .
ولكن يرد على الوجه الاول : ان التسليم الى الظالم ان
كان جائزا له ، فلا يكون
به مفرطا ولا متعديا ، ومعه يدخل في قاعدة الايتمان ،
وهي تخصص قاعدة على اليد .
واما ما افاده في الجواهر ، ففيه : ان التسليم الى
الظالم لا يعد اتلافا للمال ، بل لو كان
ذلك اتلافا يكون فاعله الظالم الاخذ ، فهو المتلف بأخذه
لا الودعي المسلم اليه ، وانما
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 20 من ابواب الخيار - من كتاب التجارة
حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب المضاربة حديث 3 . ( * )
] ولو اقر له لم يضمن [
فعله مقدمة للاتلاف لا انه اتلاف ، فتدبر . فالاظهر عدم
الضمان عليه .
( ولو اقر له يضمن ) عند الماتن .
وفي المسالك - في شرح قول المحقق : ولا يلزم دركها - :
هذا اذا لم يكن سببا في
الاخذ القهري كما لو كان هو الساعي بها الي الظالم ، ولم
يقدر بعد ذلك على دفعه ،
فانه يضمن لانه فرط في الحفظ ، بخلاف ما لو كانت السعاية
من غيره ، او علم الظالم
بها من غير سعاية ، ومثله ما لو اخبر اللص بها
فسرقها ، انتهى . وتبع في ذلك المصنف
ره في التذكرة والمحقق الثاني .
وهو متين ، فان اخبار الظالم بها نظير جعلها في غير حرز
، ينافي الحفظ المأمور
به فيكون متعديا ، فلا يرد عليه ما في الجواهر من الشك
في تحقق الضمان ، ولو للشك
في الاندراج تحت ما جعلوه عنوانا له من التعدي والتفريط
والتضييع ونحوها ، لان
عموم على اليد ونحوه مخصوص بقاعدة الايتمان ، اذ لا شك
في عدم صدق الحفظ ،
ومعه يصدق التعدي او التفريط لتركه ما وجب عليه ، وقاعدة
الايتمان مختصة بغير
المفرط والمتعدي والمضيع .
نعم ، لو تم ما ذكره من الشك في صدق العنوان الخارج تم
ما افاده ، من جهة
ان التمسك بعموم على اليد حينئذ من قبيل التمسك بالعام
في الشبهة المصداقية وهو
لا يجوز ، فيتعين الرجوع الى اصالة البراءة عن الضمان .
فالمتحصل مما ذكرناه ان الاظهر فيما لو اقر له من غير ان
يكون الاقرار لدفع
الضرر او الحرج او ما شاكل من موانع التكليف يكون ضامنا
، وان كان قرار الضمان
على الظالم .
] ويجب ردها عقلا على المودع ، أو الى ورثته بعد موته [
الرابعة : ( ويجب ردها ) اي الوديعة ( عقلا على المودع ،
او الى ورثته بعد
موته ) مع المطالبة في اول اوقات الامكان ، بلا خلاف في
الوجوب ، وفي الجواهر : بل
الاجماع بقسميه عليه ، وقد تقدم ما عن التذكرة من اجماع
المسلمين كافة عليه . ويشهد
به ما دل من الكتاب والسنة على الامر باداء الامانة الى
اهلها ( 1 ) المتقدم في اول هذا
الفصل ، وما دل على عدم جواز وضع اليد على مال الغير
بغير الذنه ( 2 ) والفرض عدمه
هنا لانقطاع الاذن بالمطالبة . واما كون الوجوب بحكم
العقل ايضا ، فتقريبه ما مر في
اول هذا الفصل .
ولا يخفى انه لا ريب في تقيد هذا الحكم كسائر الاحكام
الشرعية بالامكان
العقلي . وهل يعتبر الامكان الشرعي كما صرح به في
المسالك وغيرها ، لان المانع
الشرعي كالمانع العقلي ؟ الظاهر ذلك ، الا ان كون حكم
شرعي آخر مانعا عن ذلك
يتوقف على وجود احد المرجحات لباب التزاحم ، وبعبارة
اخرى بعد رعاية قواعد
ذلك الباب وتقديم ما يزاحم ذلك لا ريب في سقوطه . وفي المسالك
: والمراد بالامكان
ما يعم الشرعي والعقلي والعادي ، والظاهر ان مراده
بالامكان العادي ما لو لم يكن في
الرد مشقة ، وعليه فدليل اعتباره ما دل على رفع العسر
والحرج .
ومنه يظهر الحكم في جملة من الفروع المذكورة في المقام ،
مثل ما لو كان في
الحمام فطلب المالك منه الرد ، ولا يتمكن منه الا بخروجه
من الحمام ، وانه يجوز له اكمال
..............................................................................
( 1 ) النساء آية 58 والوسائل باب 2 من الوديعة .
( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي - والمستدرك ج 1 ص
212 . ( * )
[ . . . ]
الحمام اذا كان في عدمه المشقة ، ونحو ذلك غيره من
الفروع ، فان الضابط الكلي هو
اللزوم ان لم يكن فيه حرج ومشقة ، والا فيجوز التأخير .
وهل التأخير ليشهد عليه عذر ام لا ، ام يفصل بين ما اذا
كان لصاحب المال
بينة على كون ماله عنده فله ذلك ، وبين غيره فلا ؟ اقوال
، خيرها اوسطها ، بعد فرض
ان قوله في الرد مقبول فلا حاجة الى البينة .
وهل يجب الرد حتى لو كان المالك ممن يجوز تملك ماله ،
كما لو كان للودعي
عنده مال هو غاصب له واراد المقاصة من الوديعة ، او كان
ماله فيئا للمسلمين ، او
كالاموال المباحة كما اذا كان المودع كافرا حربيا ؟
وجهان ، صرح جمع من الاصحاب
بالاول . وفي الجواهر ره : ان لم يكن اجماع على وجوب
الرد حتى على الحربي ، وحتى
على من عليه حق المقاصة وغيرهم ، امكن المناقشة فيه ،
انتهى .
اما المقاصة من الوديعة ففيها روايتان :
احداهما : دالة على الجواز ، وهي صحيحة ابي العباس
البقباق ، ان شهابا ما راه
في رجل ذهب له بالف درهم واستودعه بعد ذلك الف درهم ،
قال ابو العباس فقلت له :
خذها مكان الالف التي اخذ منك فأبى شهاب ، قال : فدخل
شهاب على ابي عبد الله
عليه السلام فذكر ذلك ، له فقال عليه السلام : اما انا
فاحب ان تأخذ وتحلف ( 1 ) .
وخبر علي بن سليمان قال : كتبت اليه رجل غصب مالا او
جارية ثم وقع عنده
مال بسبب وديعة او قرض مثل ما خانه أو غصبه ، ايحل له
حبسه عليه ام لا ؟ فكتب
عليه السلام : نعم ، يحل له ذلك ان كان بقدر حقه ، وان كان
أكثر فيأخذ منه ما كان
عليه ويسلم الباقي اليه ان شاء الله ( 2 ) .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 83 من ابواب ما يكتسب به حديث 2 كتاب
التجارة .
( 2 ) الوسائل باب 83 من ابواب ما يكتسب به حديث 9 . ( * )
] الا ان يكون [
الثانية : ما يدل على المنع ، كصحيح معاوية بن عمار عن
الامام الصادق عليه
السلام ، قلت له : الرجل يكون لي عليه حق فيجحد منه ثم
يستودعني مالا ألي ان
آخذ مالي عنده ، قال : لا ، هذه الخيانة ( 1 ) .
وخبر ابن اخي الفضيل بن يسار ، كنت عند ابي عبد الله
عليه السلام ودخلت
امرأة وكنت اقرب القوم اليها ، فقالت لي : اسأله ، فقلت
: عن ماذا ؟ فقالت : ان ابني مات
وترك مالا كان في يد اخي فاتلفه ، ثم افاد مالا فاودعنيه
، فلي ان آخذ منه بقدر ما اتلفه
من شئ ، فقال عليه السلام : لا ، قال رسول الله صلى الله
عليه وآله : اد الامانة الى من
ائتمنك ، ولا تخن من خانك ( 2 ) .
والجمع بين الطائفتين يقتضي البناء على الكراهة ،
والمسالة محررة مستوفاة في
أواخر كتاب القضاء فراجع ، ونسب القول بالجواز هناك الى
اكثر المتأخرين ، وفي
ملحقات العروة : الظاهر انه المشهور .
واما وجوب الرد على الحربي ، فهو الظاهر من النصوص
المتقدمة المتضمنة للرد
وان كان المودع مجوسيا ، او كان قاتل ولد الانبياء ، او
انه لو أئتمني قاتل علي عليه
السلام على السيف لاديت اليه الامانة . ولا منافاة بينها
وبين ما دل على حلية امواله ،
كي يقال ان النسبة عموم من وجه ، فانه يمكن ان يكون الرد
واجبا من جهة كونه
ردا للامانة ، وان كان المال مع قطع النظر عن هذا
العنوان كان يحل اخذه ، هذا على
تقدير عدم القول بان ماله فئ للمسلمين ، والا فالوديعة
باطلة كما لا يخفى .
وكيف كان ، فلا اشكال في وجوب الرد على من لم يكن كذلك (
الا ان يكون )
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 83 من ابواب ما يكتسب به حديث 11 .
( 2 ) الوسائل باب 83 من ابواب ما يكتسب به حديث 3 . ( * )
] غاصبا فيردها على مالكها ومع الجهل لقطة يتصدق بها ان شاء
، الا ان
يمتزج بمال الظالم فيردها عليه . [
المودع ( غاصبا ) لها ، فانه لا يجوز الرد اليه لعدم
الوديعة شرعا بل يمنع عنها ، ( فيردها
على مالكها ) ان عرف ، ( ومع الجهل ) به تكون هي ( لقطة
) ، لخبر حفص بن
غياث - المنجبر ضعفه بعمل الاكثر - عن مولانا الصادق
عليه السلام عن رجل من
المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا واللص مسلم
، هل يرد عليه ؟ فقال :
عليه السلام : لا يرده ، فان امكنه ان يرده على اصحابه
فعل ، والا كان في يده بمنزلة
اللقطة يصيبها فيعرفها حولا ، فان اصاب صاحبها ردها عليه
والا تصدق بها فان جاء
طالبها بعد ذلك خيره بين الاجر والغرم ، فان اختار الاجر
فله الاجر ، وان اختار الغرم
غرم له وكان الاجر له ( 1 ) .
والامر بالتصدق بها وان كان في نفسه ظاهرا في الوجوب ،
الا انه حيث رتب
ذلك على جعله بمنزلة اللقطة ، فعلى القول في اللقطة
بجواز التملك يحمل الامر فيه
على ارادة بيان احد الافراد او على الترخيص ، ولذلك قال
المصنف ره : ( يتصدق بها
ان شاء ) . وعليه فما عن الارشاد وتبعه الشهيد الثاني من
التخيير بين الصدقة بها مع
الضمان وابقائها امانة ، لا ينافي ذلك . وكيف كان ، فلا
يصغى الى ما عن الحلبي والحلي
من وجوب الرد الى امام المسلمين ، ومع التعذر تبقى امانة
، ثم يوصى بها الى عدل الى
حين التمكن من المستحق .
وبالجملة فبعد ما عرفت من انجبار ضعف الخبر بالعمل ، لا
ينبغي الترديد في
ان له ان يتصدق بها ( الا ان تمتزج بمال الظالم فيردها
عليه ) ان لم يمكن للمستودع
تمييز المالين ولو بالقسمة ، عند الاصحاب على ما نسب
اليهم ، وعن الغنية والسرائر
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 18 من ابواب كتاب اللقطة - حديث 1 . (
* )
] والقول قول الودعي في التلف ، وعدم التفريط ، والرد ،
والقيمة ، مع يمينه .
وقول المالك انه دين لا وديعة مع التلف [
الاجماع عليه ، تقديما لاحترام المال المعلوم مالكه على
غيره الذي لا يمكن معرفته ليرد
على صاحبه . ولكن يشكل ذلك ، فان المال المفروض مركب من
ما يجب رده الى صاحبه
وما يتعين التصدق به عن مالكه ، فتقديم احدهما يحتاج الى
دليل . فما افاده في المسالك
- وتبعه عليه غيره - من ان الاوفق بالقواعد رده على الحاكم
مع امكانه ليقسمه ويرد
على الغاصب ماله ، هو المتجه ، ومع عدم امكانه يقوم عدول
المؤمنين مقامه كما في كل
حسبة .
الخامسة : في فروع التنازع .
وملخص القول فيها : انه تارة يدعى الودعي تلف المال ،
والمودع ينكره .
واخرى يتوافقان على التلف ، ولكن المودع يدعي التفريط
والودعي ينكره . وثالثة
يدعى المستودع رد المال ، والمودع ينكر ذلك . ورابعة
يتوافقان على الوديعة وعدم الرد
والتلف مع التفريط ، ويختلفان في القيمة . وخامسة
يتنازعان في ان المال التالف هل هو
كان وديعة فلا ضمان ، ام كان قرضا فعليه عوضه .
قال المصنف ره : ( والقول قول الودعي في التلف وعدم
التفريط والرد
والقيمة مع يمينه ، وقول المالك انه دين لا وديعة مع
التلف ) فهاهنا فروع خمسة :
1.
اذا اعترفا
بالوديعة ، وادعى الودعي التلف وانكره المودع ، فالقول قول
الودعي على المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة ، سواء اسنده
الى سبب أولا ،
وسواء كان ظاهرا كالغرق والحرق او خفيا كالسرقة ونحوها ،
بل عن التذكرة نسبته
[ . . . ]
الى علمائنا اجمع .
والوجه في ذلك انه امين ، وعدم تصديقه في دعوى التلف
يندرج تحت عنوان
اتهام المؤتمن ، وقد ورد انه ليس لك ان تتهم من ائتمنته
( 1 ) اضف اليه مرسل المقنع عن
مولانا الصادق عليه السلام عن المودع اذا كان غير ثقة ،
هل يقبل قوله ؟ قال عليه
السلام : نعم ، ولا يمين عليه ( 2 ) . فما عن الشيخ في
المبسوط من انه لا يقبل قوله الا
بالبينة في التلف بامر ظاهر لعموم البينة ، مردود
بالشذوذ ، والعموم المزبور يجب
تخصيصه بما مر كما افاده بعضهم .
وهل يقبل قوله بلا يمين كما عن الصدوق والشيخ في .
النهاية وابن حمزة ، بل
عن الفقيه : قضى مشايخنا رضى الله عنهم على ان قول
المودع مقبول فانه مؤتمن ولا
يمين عليه ، ام يعتبر اليمين لقاعدة انحصار ثبوت الدعوى
بالبينة واليمين كما في
الجواهر ؟ وجهان ، الظاهر انه لا حاجة الى اليمين الا
عند التنازع عند الحاكم ، ولعل
القائلين بعد الحاجة اليه نظرهم الى غير باب الخصومة عند
الحاكم ، كما ان نظر
صاحب الجواهر ره الى صورة النزاع عنده .
2.
اذا ادعى
الودعي الرد وانكره المالك ، فالمشهور انه يقبل قوله ، وعن
جماعة الاجماع عليه بل ارسلوه في غير المقام ارسال
المسلمات ، ووجهه ظاهر مما قدمناه .
3.
لو اتفقا على
التلف ، ولكن المالك ادعى التفريط وانكره الودعي ، فلا
اشكال في تقدم قول الودعي ، لما مر ، ولان ما دل على
الضمان بالتعدي والتفريط
يخصص ما دل على عدم ضمان الامين ، وبعد الجمع بينهما
يكون الخارج عن تحت ما
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 9 من ابواب كتاب الوديعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 4 من ابواب كتاب الوديعة حديث 7 . ( * )
[ . . . ]
دل على الضمان مطلقا الامين غير المفرط وغير المتعدي ،
فاصالة عدم التفريط
والتعدي تثبت عنوان الخاص ، فيثبت حكمه وهو عدم الضمان .
4.
لو اختلفا في
القيمة ، فعن الشيخ ره ان القول قول المالك ، محتجا بانه
بالتفريط خرج عن الامانة ، فلا يكون قوله مسموعا ، وقيل
ان به رواية . وفي المتن
والشرايع والمسالك والجواهر ان القول قول الغارم مع
يمينه ، ونسبه في المسالك الى
الاكثر . وهو الاظهر ، لاصالة البراءة عن الزايد ،
وخروجه عن الامانة لا يخرجه عن
حكم المنكر ، والخبر لم يصل الينا .
5.
لو قال
المالك : اقرضتك العين ، وقال القابض : او دعتنيها ، والعين تالفة ،
فالظاهر كما افاده المصنف ره وغيره ان القول قول المالك
، لموثق اسحاق بن عمار عن
ابي الحسن عليه السلام عن رجل استودع برجلا الف درهم
فضاعت ، فقال الرجل :
كانت عندي وديعة ، وقال الآخر : انما كانت لي عليك قرضا
، فقال عليه السلام : المال
لازم له ، الا ان يقيم البينة انها كانت وديعة ( 1 ) .
وموثقه الآخر عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل قال
لرجل : لي عليك الف
درهم ، فقال الرجل : لا ولكنها وديعة ، فقال ابو عبد
الله عليه السلام : القول قول
صاحب المال مع يمينه ( 2 ) .
ودلالتهما واضحة فيخرج عن القاعدة بهما .
والكلام في تطبيق ذلك على القاعدة تقدم في كتاب الاجارة
، وعرفت ان
مقتضى القاعدة عدم الضمان ، للشك فيه والاصل عدمه ،
والتمسك بقاعدة على اليد
..............................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 7 - من ابواب كتاب الوديعة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 18 من ابواب كتاب الرهن حديث 1 . ( * )
] الفصل الثامن : في العارية [
لاثباته فيه محذوران :
1.
توافقهما على
عدم الضمان الثابت بها ، فان المالك يدعي ضمان القرض ،
والقابض ينكر الضمان رأسا .
2.
مع الاغماض عن
ذلك ، وتسليم كون ضمان القرض بعينه ضمان المثل او
القيمة ، يكون التمسك بالقاعدة تمسكا بالعام في الشبهة
المصداقية ، فرض خروج
الوديعة عنها والشك في كونه وديعة او قرضا ، فالمتعين هو
الرجوع الى اصالة البراءة ،
فالقاعدة تقتضي تقديم قول القابض ، ولكن يتعين تقييدها
بالخبرين المتقدمين ،
فالاظهر تقديم قول المالك .
قال المصنف ره في التذكرة : العارية - بتشديد الياء -
عقد شرع لاباحة
الانتفاع بعين من الاعيان على وجه التبرع ، وشددت الياء
كانها منسوبة الى العار ،
لان طلبها عار ، قاله صاحب الصحاح . وقال غيره : منسوبة
الى العارة وهي مصدر ، الى
ان قال : وقيل انها مأخوذة من عار يعير اذا جاء وذهب ،
انتهى .
لا خلاف ولا ريب في ان العارية مشروعة . ويشهد بها -
مضافا الى ذلك ، والى
ان عليها بناء العقلاء والشارع الاقدس لم ينه عنها ،
والى قاعدة السلطنة ( 1 ) وادلة
الهبة ( 2 ) الشاملة لهبة المنافع - :
..............................................................................
( 1 ) البحار ج 1 - ص 154 الطبع القديم ج 2 ص 272 الطبع
الحديث .
( 2 ) الوسائل - باب 2 من ابواب الهبات . ( * )
[ . . . ]
من الكتاب قوله تعالى ( ويمنعون الماعون ) ( 1 ) . فعن
مجمع البحرين :
الماعون اسم جامع لمنافع البيت ، كالقدر والدلو والملح
والماء والسراج والخمرة ، ونحو
ذلك مما جرت العادة بعاريته . وفي حديث المناهي : نهى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ان يمنع احد الماعون جاره ، وقال : من منع الماعون جاره
منعه الله خيره يوم القيمة
ووكله الى نفسه ومن وكله الى نفسه فما اسوأ حاله (
2 ) . وروى ابو بصير عن ابي عبد الله
عليه السلام في الآية الشريفة : هو القرض يقرضه ،
والمعروف يصنعه ، ومتاع البيت
يعيره ( 3 ) ونحوه خبر سماعة ( 4 ) .
ومن السنة نصوص مستفيضة منها ما تقدم ، ومنها النصوص
المتضمنة لاستعارة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من صفوان بن امية سبعين
درعا حطمية ، فقال :
اغصب ام عارية ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : بل عارية
مؤداة ( 5 ) ومنها غير تلكم
من الاخبار ، وسيأتي طرف منها .
ثم الظاهر كما صرح به غير واحد انها من العقود ، وتفتقر
الى الايجاب
والقبول ، والكلام فيما يعتبر في عقدها وما لا يعتبر هو
الكلام في عقد الوديعة ، فراجع
ما ذكرناه فيه .
وتمام الكلام في هذا الفصل بالبحث في مقامات .
..............................................................................
( 1 ) سورة الماعون آية 8 .
( 2 ) الوسائل - باب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة حديث 13 .
( 3 ) الوسائل باب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة حديث 3 .
( 4 ) الوسائل باب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة حديث 2 .
( 5 ) الوسائل باب 1 و 2 من ابواب العارية . ( * )
] كل عين مملوكة يصح الانتفاع بها مع بقائها صح اعارتها [
الاول : في العين المستعارة : وقالوا في ضابطها : ان
المستفاد من الفتاوى ومعقد
الاجماع ونفي الخلاف والاقتصار على المتيقن من اطلاق
النص عدا ماخرج مما يأتي ،
انها ( كل عين مملوكة يصح الانتفاع بها مع بقائها )
منفعة معتدا بها عند العقلاء ،
كالثوب والدراهم والدار والدابة وما شاكل ، فان اجتمعت
الشرائط ( صح اعارتها ) .
فما لا يصح الانتفاع به شرعا - كاواني الذهب والفضة
للاكل والشرب ، والجواري
للاستمتاع - لا يجوز اعارته ، وهو واضح . كما ان ما يتلف
بالانتفاع به كالاطعمة
والاشربة ونحوها ، لا يصح اعارته للانتفاع بها بالاكل
والشرب ، بلا خلاف ولا اشكال
في ذلك .
وقد يقال : انه لا ثمرة في النزاع في ذلك ، اذ يحل
الانتفاع بالاعيان المشار اليها
بما يوجب اتلافها ، مع احراز رضا المعير باتلاف العين
بقوله اعرتكه مع القرينة ، فان
المعيار في جوازه هو رضاه به وقد حصل في محل الفرض ، وان
هو الا كالهبة وان عبر
عنها بلفظ العارية .
واجاب عنه سيد الرياض بانه حيث لا يعلم الرضا بالاتلاف
الا به اتجه ما
ذكروه ، لاشتراط استفادته منه بدلالته عليه ولو
بالالتزام ، ودلالة لفظ العارية بمجرده
على الاتلاف فاسدة ، لعدم استنادها الى عرف او لغة .
واجاب عن الايراد في الجواهر بترتب الضمان على الاتلاف
المزبور وان كان
بالاذن الا انها بعنوان العارية ، زعما منه عموم موضوعها
او تشريعا ، ودعوى كونه
حينئذ هبة او اباحة وان كان الدفع بهذا العنوان واضحة
البطلان ، الا ان ينصب قرينة
على ارادتهما من اللفظ المزبور ، ثم قال : نعم قد يتوقف
في ضمانه من غير تعد ولا تفريط
[ . . . ]
من قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، ومن خروجه عن
اصل موضوع
العارية حتى الفاسدة ، ولعله الاقوى في النظر .
والتحقيق ان يقال : انه لا اشكال في اعتبار كون العين
تبقى مع الانتفاع بها
في العارية على ما يشهد به العرف واللغة في هذه اللفظة .
وايضا لا اشكال في انه يجوز
اتلاف الاعيان التي تتلف بالانتفاع بها مع احراز رضا
اربابها من اي طريق احرز
ذلك ، وان لم يكن المبرز كاشفا نوعيا عنه ، اذ ليست
الاباحة من قبيل العقود
والايقاعات المعتبر فيها كون مبرزاتها كواشف عنها بحسب
المتفاهم العرفي ، بل
المعيار في هذا المقام احراز الرضا النفساني ولو لم يكن
له كاشف ، ولا ضمان ان احرز
رضاه بالاتلاف مجانا . وايضا لاضمان مع التلف في موارد
الامانة المالكية بالمعنى الاعم ،
وهي التسليط عن الرضا ، كما مر في الوديعة .
فعلى هذا ، فيرد على سيد الرياض ره : انه وان لم يكن لفظ
العارية دالا على
الرضا بالاتلاف الا انه لا تعتبر دلالته ، لان المعيار
كشف الرضا ، ولو بسبب ما لا
يكون دالا عليه عرفا ولا لغة .
ويرد على ما افاده صاحب الجواهر ره اولا : ان عدم الضمان
مع الاتلاف الذي
احرز رضا صاحب المال باتلافه مجانا ، لا يكون كعناوين
العقود متوقفا على كون
اللفظ المبرز كاشفا ، مع انه ان استشكل في اللفظ المزبور
لامجال للاشكال في دفع
العين بعده ، فانه بقصد الاباحة على الفرض ، ويكفي ذلك
في عدم الضمان كما هو
الشأن في جميع الاباحات لا بعوض .
ويرد على ما افاده ثانيا : انه لوتلفت العين لا وجه
للضمان بعد كونها امانة
مالكية بالمعنى الاعم .
والصحيح في الجواب عن الايراد ان يقال : انه تظهر الثمرة
فيما لو اعاره عينا
[ . . . ]
لها منفعة لا يستلزم استيفائها تلف العين ، ومنفعة
تستلزم ذلك ، فانه على الضابط
المذكور لا يجوز ان يستوفي المنفعة المستلزمة للتلف ان
لم يحرز رضاه بذلك .
ثم ان تمام الكلام في هذا المقام بالبحث في فروع .
1.
لا خلاف
ظاهرا في انه يجوز استعارة الشاة للحلب - وهي المسماة بالمنحة
بالكسر واصلها العطية - وعن بعض متأخري المتأخرين
الاجماع عليه .
واستدل له في التذكرة باقتضاء الحكمة اباحته ، لان
الحاجة تدعو الى ذلك ،
والضرورة تبيح مثل هذه الاعيان كما في استئجار الظئر .
وقد روى العامة عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : المنحة مردودة ( 1 )
والمنحة هي الشاة . ومن طرق
الخاصة ما رواه الحلبي - في الحسن - عن مولانا الصادق
عليه السلام في الرجل يكون
له الغنم يعطيها بضريبة سنة شيئا معلوما او دراهم معلومة
من كل شاة كذا وكذا في
كل شهر ، قال عليه السلام : لا بأس بالدراهم ، ولست احب
ان يكون بالسمن ( 2 ) ثم
ذكر صحيح عبد الله بن سنان ( 3 ) وهو نحو حسن الحلبي ،
وقال : واذا جاز ذلك مع
العوض فبدونه اولى .
وفي المسالك : وجواز اعارة ذلك ثابت بالنص على خلاف
الاصل ، والظاهر ان
..............................................................................
( 1 ) التذكرة ج 1 ص 410 .
( 2 ) الوسائل باب 9 من ابواب عقد البيع وشروطه - حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 9 من ابواب عقد البيع حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
نظره - كما يظهر من ذيل كلامه - الى النبوي المتقدم .
واضاف بعض متأخري
المتأخرين الى الوجوه المشار اليها قاعدة السلطنة ،
وكونها كالوكالة في الانتفاع .
ولكن الحاجة لا تصلح لاثبات مشروعية هذه العارية
المخالفة للضابط المتقدم ،
مع ارتفاع الحاجة بايقاع معاملة اخرى او اباحة بلاعوض .
واما استيجار الظئر فقد
مر الكلام فيه في كتاب الاجارة . واما النبوي فغير حجة .
واما الخبران فقد افاد
المصنف نفسه في كتاب البيع انهما متضمنان لبيان مشروعية
معاملة خاصة ليست ببيع
ولا اجارة ، وقد تقدم منا ان تلك من قبيل الاباحة بالعوض
، وهي معاملة مستقلة
مشروعة ، فان استفيد منهما شئ فهو جواز الاباحة لا
بالعوض بل مجانا وهو مما لا
كلام فيه ، لكنها ليست عارية . واما قاعدة السلطنة فهي
لا تقتضي مشروعية ما لا
يكون مشروعا ، بل تدل ان للمالك الاباحة مجانا ،
ولذا قيل ان الانصاف ان المنحة ليست من العارية في شئ بل
انما هي من
قبيل الاباحة . وفتوى الاصحاب ليست الا جوازها ، ولا
تصريح في كلمات اكثرهم
بكونها عارية ، فلا مورد للتمسك بالاجماع لمشروعية
العارية في هذا المورد .
ولكن مع ذلك كله يمكن توجيه الاستعارة في هذا المورد
وجعله من قبيل
العارية بوجهين :
احدهما : ان المنفعة امر عرفي ، وربما يعد عرفا بعض
الاعيان منفعة لعين
اخرى كاللبن للشاة ، وعليه فيجوز استعارة الشاة للبنها
وما شاكل ،
فان العين
المستعارة هي الشاة وهي لا تتلف ، وما يتلف انما هو من قبيل
المنفعة وليست هي متعلقة
للعارية .
ثانيهما : ان العين المستعارة للانتفاع بها هي الشاة ،
والاستيفاء يستتبع تلف
العين وهي اللبن ، ولا محذور في ذلك ، فانه في اغلب
موارد العارية يكون الاستيفاء
[ . . . ]
مسلتزما لتلف مقدار من العين . وعلى الجملة ان الممنوع
استعارة اللبن ، واما استعارة
الشاة للانتفاع بلبنها فلا محذور فيها ، ولا تكون منافية
لما قدمناه من الضابط .
فالانصاف انه لامحذور في الالتزام بكون تلك من قبيل
العارية ، نعم يمكن تصحيحها
بالاباحة ايضا .
وبما ذكرناه يظهر حكم استعارة كل حيوان له منفعة كالفحل المضراب ،
المستلزم استيفائها اتلاف عين اخرى . ويتجه التعدي الى
غير الشاة كما هو المتعارف
في هذا الزمان في البقر ، والى غير اللبن كالصوف والشعر
والوبر ، والله العالم .
2.
لا كلام في جواز
استعارة الارض للزرع ولدفن الميت ، انما الكلام في
موردين :
الاول : في انه في اعارة الارض للزرع هل يجوز للمعير
الرجوع قبل اداركه
ام لا ؟ وعلى الاول هل له ان يجبر المستعير بقلع الزرع
ام ليست له ذلك ؟ وعلى
الاجبار هل عليه الارش ام لا ؟ فيه اقوال ، وقد مر تنقيح
القول في ذلك في باب
المزارعة .
الثاني : في اعارة الارض لدفن الميت ، هل للمعير اجباره
على قلع الميت ونبش
القبر واخراجه ، ام ليس له ذلك ؟ المشهور بين الاصحاب هو
الثاني ، بل في الجواهر :
بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه ، وعلى ذلك
حمل كلام من ادعى الاجماع
على لزوم هذه العارية لا ان المراد عدم جواز فسخها ، قال
فيها : وتظهر الثمرة فيما لو
اتفق نبشه من نابش ، فان اعارته حينئذ تحتاج الى اذن
جديد ، او بالاجرة ، بناء على
[ . . . ]
استحقاقها في مثله وفي غير ذلك ، انتهى .
وكيف كان ، فلا وجه لللزوم لولا الاجماع ، لان العارية
جائزة ، وعروض اللزوم
يتوقف على دليل او انطباق عنوان آخر عليها ، كاشتراط عدم
فسخها في ضمن عقد
لازم وما شاكل ، ولا شئ منهما في المقام .
واما عدم جواز النبش ، فقد استدل له بانه مقتضى حرمة
النبش المعلوم عدم
صلاحية قاعدة السلطنة لمعارضتها ، ولكن لولا الاجماع
امكن ان يقال ان مدرك
حرمة النبش مطلقا هو الاجماع ، والمتيقن منه في ما لم
يوجب النبش هتك حرمة الميت
غير المقام ، كيف وقد جاز النبش لجملة من الامور التي
يكون الجواز في المقام اولى
من الجواز فيها ، والذي يسهل الخطب تسالم الاصحاب على
عدم جوازه في خصوص
المقام .
3.
لا يجوز
اجارة العين المستعارة ، لان منافعها ليست مملوكة للمستعير وانما
له استيفائها ، وقد مر ان حقيقة الاجارة تمليك المنفعة
او العمل . وهل يجوز للمستعير
اعارتها ؟ الظاهر ذلك مع اطلاق الاذن ، اذ لم يدل دليل
على اعتبار مملوكية العين في
صحة العارية . وعليه فكون العارية الثانية من المستعير
او من المعير ، تابع لكيفية
الاذن وكيفية الاعارة .
4.
اذا استعار
ارضا للغرس أو الزرع او البناء ، فهل للمستعير ان يستظل
بشجرها في نوم او يقظة ، ام لا يجوز كما عن الشيخ في
المبسوط ، ووافقه في الجملة في
التذكرة والقواعد وجامع المقاصد والمسالك والروضة على
المحكى ؟ وجهان .
وجه الاول : ان هذه الانتفاعات من توابع مثل هذه العارية
عرفا . ووجه
الثاني : ان الاستعارة وقعت لمنفعة معينة فلا يتعداها .
ولقد اطال البحث في ذلك في
المسالك مع عدم الاحتياج اليه ، فان جواز ذلك وعدمه
تابعان لكيفية العارية ، ومقدار
] بشرط كون المعير جائز التصرف [
الاذن المستفاد منها ، وعليه فلا يمكن جعل ضابط كلي لذلك
، والله العالم .
المقام الثاني : في المعير والمستعير .
اما الاول ، فلا خلاف في انه انما تصح العارية ( بشرط
كون المعير جائز
التصرف ) اي بالغا عاقلا غير محجور عليه ، لرفع القلم عن
الصبي والمجنون ( 1 ) وعدم
جواز امرهما ( 2 ) . نعم ، يجوز للصبي ان يعير باذن
الولي لما مر في كتاب البيع من عدم
الدليل على سلب عبارته ، وغاية ما يستفاد من الادلة عدم
جواز استقلاله في التصرف
المعاملي ، واما مع اذن الولي فتصح معاملاته ، وكذلك
العارية . فما عن الارشاد والتحرير
واللمعة وغيرها من انه لو اذن الولي للطفل صح ان يعير مع
المصلحة ، متين .
وعن السرائر تقييده بالمميز ، اذ الاذن لا يجعل المسلوب
غير المسلوب ، وهو
حسن ان لم تقم السيرة على عدم اعتبار التمييز في خصوص
المقام ولكنها غير قائمة ،
وانما يتصرف فيما اتاه الصبي غير المميز من جهة انهم
يرونه آلة ، ومنه يستكشف رضا
الولي بالتصرف الكافي في جوازه .
واما اعتبار عدم كونه محجورا عليه فظاهر . ويعتبر ايضا
الاختيار ، لرفع ما
استكره عليه ( 3 ) .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات وباب 36 من
ابواب القصاص في النفس .
( 2 ) الوسائل باب 14 من ابواب عقد البيع وشروطه .
( 3 ) الوسائل باب 56 من ابواب جهاد النفس . ( * )
] وينتفع المستعير على العادة ولا يضمن مع التلف بدون
التضمين ، أو
التعدي ، او كون العين اثمانا . [
واما المستعير ، فبالنسبة الى تحقق العارية يعتبر كونه
مكلفا ، لعين ما مر . واما
في الاباحة فلا يعتبر ، فان غير المكلف غير ممنوع عن
التصرف . واما بالنسبة الى
الضمان فالظاهر عدمه ، فان العارية وان لم تتحقق ، الا
ان التسليط المجاني عن الرضا
المحقق للامانة المالكية بالمعنى الاعم كاف في خروج يده
عن اليد الضمانية . وهل
يعتبر فيه التعيين ؟ الظاهر ذلك في التعيين المقابل
للابهام ، لان المبهم المردد لا حقيقة
له ولا تحقق . وعدمه في التعيين المقابل للعلم لعدم
المورد ، للغرر في المقام .
( و ) كيف كان ، ف ( ينتفع المستعير على العادة ) في
الانتفاع بالعين
المستعارة ، فان كان لها منفعة خاصة انتفع بها ، وان
تعددت المنفعة فان عينها او كان
هناك انصراف تعين ، والا بان عمم جاز الانتفاع بجميع
الوجوه .
المقام الثالث : في الاحكام ، وفيه مسائل .
الاولى : لا خلاف ( و ) لا اشكال في ان المستعير ( لا
يضمن مع التلف بدون
التضمين ) الا بالتفريط ( او التعدي ) او باشتراط الضمان
( او كون العين ) المستعارة
( اثمانا ) .
اما المستثنى منه فيشهد به - مضافا الى الاجماع المحكى ،
والى ان العين امانة
مالكية بالمعنى الاعم على ما مر - جملة من النصوص الخاصة
، لا حظ صحيح الحلبي
- او حسنه - عن الامام الصادق عليه السلام : اذا هلكت
العارية عند المستعير لم
[ . . . ]
يضمنها ، الا ان يكون قد اشترط عليه ( 1 ) .
وصحيحه الاخر عنه عليه السلام : صاحب الوديعة والبضاعة
مؤتمنان ، وليس
على المستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن
( 2 ) الى غير ذلك من
النصوص الكثيرة الآتية جملة منها في المباحث اللاحقة .
وقد استثنوا من ذلك موارد :
1.
التعدي او
التفريط لا اشكال في الضمان معه ، فان عدم الضمان علق في
النصوص على الايتمان ، اما بجعله مسببا أو عنوانا لعدم
الضمان . وبعبارة اخرى
التعدي أو التفريط يوجب خروج اليد كونها يدا امانية
ومأذونة وصيرورتها
خيانية ، وقد علق في جملة من النصوص الضمان على كونه
أمينا او مأمونا . اضف اليه
النصوص الدالة على الضمان بالتعدي والاستهلاك في باب
المضاربة والرهن ، بعد
معلومية اشتراك الجميع في الحكم المزبور باعتبار كونها امانة . وهل
يضمن بتركه
التحفظ الموجب للتلف ؟ فيه وجهان تقدما في كتاب المضاربة
مفصلا .
2.
اشتراط
الضمان ، وهو متفق عليه نصا وفتوى ، لاحظ صحيح الحلبي
المتقدم ، وصحيح عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه
السلام : لا تضمن العارية الا
ان يكون قد اشترط فيها ضمانا ، الا الدنانير فانها
مضمونة وان لم يشترط فيها ضمانا ( 3 )
ونحوهما غيرهما .
ومعها لا يصغى الى ما قيل من منافاة هذا الشرط لمقتضى
العقد ، لان بنائه
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب العارية حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب العارية حديث 6 .
( 3 ) الوسائل - باب 3 - من ابواب كتاب العارية حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
على التبرع ، او انه شرط في عقد جائز فلا يكون نافذا ،
او ان الضمان من الامور
المتوقفة على اسبابها وليس الشرط منها .
اذ الجميع مردودة بانها اجتهادات في مقابل النصوص ، مع
ان بناء العارية على
التبرع في الانتفاع بالعين لا في صورة التلف ، والشرط في
ضمن العقد الجائز نافذ كما
مر ، وعرفت في كتاب الاجارة ان الضمان من الغايات التي
تقبل الاشتراط .
3.
العارية من
غير المالك ، ويشهد به موثق اسحاق بن عمار عن الامام
الصادق عليه السلام والامام الكاظم عليه السلام : اذا
استعيرت عارية بغير اذن
صاحبها فهلكت ، فالمستعير ضامن ( 1 ) .
4.
عارية الذهب
والفضة اذا لم يشترط عدم الضمان ، وسيأتي الكلام فيه .
5.
عارية الصيد للمحرم
، وقد مر الكلام فيه .
6.
عارية
الحيوان ، فان ابن الجنيد حكم بكونه مضمونا ، لخبر وهب عن جعفر
عن ابيه : ان عليا عليه السلام كان يقول : من استعار
عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو
ضامن ( 2 ) . ولكن الخبر ضعيف السند لراويه ، ومعرض عنه
عند الاصحاب ، واخص
من المدعى ، ومعارض مع صحيح محمد بن قيس ( 3 ) فلا وجه
لاستثنائه .
حكم عارية الذهب والفضة من حيث الضمان
لا خلاف ولا اشكال في استثناء عارية الذهب والفضة في
الجملة ، وانه يضمن
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب العارية حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب العارية حديث 11 .
( 3 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب العارية حديث 9 . ( * )
[ . . . ]
اذا كانت العين المستعارة ذهبا او فضة وان لم يشترط
الضمان ، والنصوص الكثيرة
المتقدم بعضها والآتي بعضها الاخر شاهدة به .
انما الكلام في اختصاص ذلك بالدرهم والدينار كما هو صريح
الفخر والقطيفي
والكفاية والرياض وظاهر المتن والوسيلة المعبر فيهما
بالثمن ، ام يعم غيرهما من
المصوغ وغيره كما هو صريح اللمعة والمهذب وجامع المقاصد
والمسالك والروضة ومجمع
البرهان على ما حكي عن بعضها ، وظاهر المقنع والنهاية
والمبسوط والتحرير والقواعد
والمختلف وغيرها مما عبر فيه بالذهب والفضة ؟
ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص ، فانه في جملة منها
استثنى الدرهم
والدينار ، كصحيح عبد الله بن سنان المتقدم ، وخبر عبد الملك
بن عمرو عن ابي عبد الله
عليه السلام : ليس على صاحب العارية ضمان الا ان يشترط
صاحبها ، الا الدراهم
فانها مضمونة اشترط صاحبها او لم يشترط ( 1 ) .
وفي طائفة اخرى منها استثني مطلق الذهب والفضة ، كموثق
اسحاق بن عمار
عنه عليه السلام وعن ابي ابراهيم عليه السلام ، قالا :
العارية ليس على مستعيرها
ضمان الا ما كان من ذهب او فضة ، فانهما مضمونان اشترطا
او لم يشترطا ( 2 ) .
وصحيح زرارة عن الامام الصادق عليه السلام ، قال قلت له
: العارية مضمونة ؟
قال فقال عليه السلام : جميع ما استعرت فتوى ( اي هلك )
فلا يلزمك تواه الا الذهب
والفضة ، فانهما يلزمان الا ان تشترط عليه انه متى توى
لم يلزمك تواه ، وكذلك جميع
ما استعرت فاشترط عليك لزمك ، والذهب والفضة لازم لك وان
لم يشترط عليك ( 3 )
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب العارية - حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب العارية حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب العارية حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
ونحوهما غيرهما .
ولذلك توقف فيه جماعة ، منهم المصنف في محكى التذكرة .
والتحقيق يقتضي ان يقال : ان النصوص الواردة في الباب
المتعارضة ثلاث
طوائف :
الاولى : ما دل على عدم الضمان مطلقا ، كصحيحي الحلبي
المتقدمين في اول
المسألة .
الثانية : ما يدل على الضمان في الدرهم والدينار ، وعدم
الضمان في غيرهما ،
كصحيح ابن سنان وحسن عبد الملك المتقدمين .
الثالثة : ما يدل على الضمان في الذهب والفضة ، وعدم
الضمان في غيرهما .
والنسبة بين الاولى وكل من الاخيرتين عموم مطلق ، وبين
المستثنى منه من
الثانية والمستثنى من الثالثة عموم من وجه . وعلى القول
بانقلاب النسبة ، لو قيد
اطلاق الاولى اولا بالطائفة الثانية ، انقلبت بين الاولى
والثالثة الى العموم من وجه .
وقد يقال : ان نصوص الدرهم والدينار ايضا متعارضة ، لان
في بعضها تخصيص
الضمان بالدرهم وفي آخر بالدينار . ولكنه يندفع بان
المستثنى منه فيهما لا تعارض بينهما ،
لانهما مثبتان وكذلك المستثنى ، وانما التعارض بين
المستثنى منه من كل منهما مع
المستثنى من الاخر ، والنسبة عموم مطلق فيقيد اطلاق كل
منهما بالاخر ، فتكون
النتيجة هو استثناء الدرهم والدينار معا .
وقد يقال في الجمع بين الطوائف الثلاث - كما عن الفخر -
: بان الثانية اخص
مطلق من الثالثة ، لاختصاصها بالدرهم والدينار وعموم
الثالثة لغيرهما ، فيقيد اطلاق
الثالثة بها ، ثم يقيد به اطلاق الاولى ، فتكون النتيجة
هي استثناء خصوص الدرهم
والدينار .
[ . . . ]
وفيه : ان المستثنى منه من الطائفتين لا تعارض بينهما
لكونهما مثبتين ، بل
التعارض بين المستثنى منه من الثالثة والمستثنى من
الثانية ، والنسبة عموم من وجه كما
مر . وحيث انا لا نقول بانقلاب النسبة ، فيقيد اطلاق
الاولى بكل من الاخيرتين ، واما
هما فبالنسبة الى الضمان في الدرهم والدينار ، وعدمه في
غير الذهب والفضة
متوافقتان ، والتعارض انما هو في غير الدرهم والدينار من
الذهب والفضة ، وحيث ان
المختار عندنا في تعارض العامين من وجه هو الرجوع الى
اخبار الترجيح ، والترجيح
للثالثة الدالة على الضمان ، لما عن المختلف من نسبته
الى الشهرة بين الاصحاب .
فالمتحصل من النصوص ، بعد ضم بعضها الى بعض ، ورد بعضها
على بعض ، هو ثبوت
الضمان في مطلق الذهب والفضة .
وسيد الرياض وصاحب الكفاية حيث يكون مبناهما في تعارض
العامين من
وجه هو التساقط ، فقد حكما به في المقام والرجوع الى
دليل آخر ، وهو ما دل على عدم
الضمان في مطلق العارية ، وبنيا على اختصاص الضمان
بالدرهم والدينار ، وهذا على
مبناهما حسن ، ولكن المبنى فاسد .
فلا يتوجه عليهما ما في الجواهر بما حاصله : ان المستثنى
منه في نصوص الدرهم
والدينار ليس غير الدرهم والدينار ، والا لما صح
الاستثناء بل مطلق العارية ، فالنسبة
بينه وبين نصوص الذهب والفضة عموم مطلق . قال : وان اراد
بالمستثنى منه الحاصل
من الجملة ، فليس هو ضمان الدرهم والدينار دون غيرهما ،
وليس بين مجموع ذلك وبين
الذهب والفضة تعارض العموم من وجه ، اذ لا اختصاص في
خبري الذهب والفضة
بالدلالة على عدم ضمانها ، حتى يكون ذلك وجه افتراق لهما
عن نصوص الدرهم
والدينار .
فانه يرد عليه اولا : انه لو تم ينقل الكلام الى مفهوم
الاستثناء لنصوص
] ولو نقصت بالاستعمال المأذون فيه لم يضمن
، [
الدرهم والدينار ، فان النسبة بينه وبين منطوق اخبار
الذهب والفضة عموم من وجه .
وثانيا : انه لا يتم ، فان المستثنى منه قبل ورود القيد
غير مقيد واقبل لان يرد
عليه ، وبعد التقييد يكون المتحصل من المستثنى منه خاصة
عدم الضمان في غير
الدرهم والدينار ، ومن الواضح معارضة ذلك مع ما دل على
الضمان في الذهب والفضة
وان لم يكونا من الدرهم والدينار .
ثم ان ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضة انما هو اذا لم
يشترط عدمه ، والا
فلا ضمان بلا خلاف ، لصحيح زرارة المتقدم .
الثانية : ( ولو نقصت ) العين المستعارة ( بالاستعمال
المأذون فيه لم يضمن ) ،
وكذا لو تلفت ، بلا اشكال ، لانه من لوازم الانتفاع
بالعين الذي اباحه المالك مجانا ،
فهو مأذون فيه بعين الاذن في الانتفاع والا لم تكن
العارية مشروعة ، ولا يعقل ضمان
ما اذن المالك في اتلافه مجانا وبلا عوض ، لا سقاط
المالك احترام ماله ، وجعل مثل
ذلك من مقتضيات عقد العارية لا مانع منه ، وفي صحيح ابن
سنان عن الامام الصادق
عليه السلام عن العارية ، فقال عليه السلام : لا غرم على
مستعير عارية اذا هلكت اذا كان
مأمونا ( 1 ) اشارة اليه .
وفي المسالك - بعد نقل عدم الضمان والاستدلال له - قال : وفيه وجه آخر ، وهو
ضمان المتعلق في آخر حالات التقديم ، لان الظاهر عدم
تناول الاذن للاستعمال المتلف ،
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 - من ابواب كتاب العارية حديث 3 . ( * )
] ولو استعار من الغاصب ضمن [
وان كان داخلا في الاطلاق ، انتهى .
وفيه : ان محل الكلام الاستعمال المأذون فيه ، وما افاده
تشكيك في الصغرى ،
حيث انه استشكل في شمول الاذن للاستعمال المتلف .
ولذلك عنون المصنف ره في محكى القواعد مسألتين :
الاولى : ما لو اذن في التصرف واطلق ، فاشكل في عدم
الضمان بالاستعمال
المتلف ، نظرا الى امكان انصراف الاذن بحسب الغالب الى الاستعمال غير
المتلف .
الثانية : ما لو تلفت العين او نقصت بالاستعمال المأذون
فيه ، فحكم جزما بعدم
الضمان .
وبذلك يظهر اندفاع ايراد المحقق الثاني عليه ، بان ما
ذكره ثانيا ينافي اول
كلامه . مع انه في المسألة الاولى لم يدع الانصراف جزما
، كي يورد عليه بان لازمه
الحكم بالضمان جزما لا الاشكال فيه ، بل ادعى انه يمكن
ان يقال به كما يمكن
دعوى الاطلاق .
الثالثة : ( ولو استعار من الغاصب ضمن ) بلا اشكال ،
لانه وضع يده على مال
الغير بغير رضاه ، فيشمله حديث على اليد ( 1 ) وغيره من
ادلة الضمان . اضف اليها موثق
اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله وابي ابراهيم عليهم
السلام : اذا استعيرت عارية بغير
اذن صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن ( 2 ) .
وحينئذ ( ف ) تارة يكون المستعير عالما بالغصب ، واخرى
يكون جاهلا به .
ومقتضى اطلاق الادلة المشار اليها هو ضمان المستعير في
الصورتين ، غاية الامر ( ان
..............................................................................
( 1 ) سنن البيهقي ج 6 - ص 90 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب العارية حديث 1 . ( * )
] فان كان جاهلا رجع على المعير بما يؤخذ منه . [
كان جاهلا رجع على المعير بما يؤخذ منه ) لقاعدة الغرور ، كما هو المشهور بين
الاصحاب .
وفي الشرايع وعن المصنف في غير المتن وبعض آخر انه ليس
للمالك ان يرجع
على المستعير في صورة جعله .
واستدل له بان الرجوع عليه ظلم محض لفرض كونه جاهلا ،
وبقاعدة ما لا
يضمن بصحيحة لا يضمن بفاسده .
ولكن يرد على الاول : انه لو كان ظلم فانما هو في الحكم
بعدم رجوعه الى الغار ،
والا فأصل الضمان الذي تقتضيه قاعدة على اليد والموثق
وغيرهما لا ظلم فيه ، بل هو
مقتضى العدل ، لانه تلف مال الغير تحت يده . واما الثاني
فيرده : ان تلك القاعدة
مختصة بموارد تسليط المالك نفسه على ماله كما في البيع
الفاسد والاجارة الفاسدة ، ولا
تشمل تسليط الغير كما لو وهب الغاصب مال المالك على ما
حقق في كتاب البيع .
فالاظهر ما هو المشهور بين الاصحاب من ضمانه ، غاية
الامر يكون قرار الضمان على
الغاصب ، لقاعدة الغرور .
ولو كانت العارية مضمونة ، كما اذا كانت ذهبا او فضة ،
او اشترط فيها الضمان ،
فهل يرجع المستعير الجاهل على المعير في ما يبذله بازاء
العين من جهة الغرور ، ام
لا يرجع اليه لانه اقدم المستعير على العارية مضمونة فلا
غرور حينئذ ؟ وجهان ،
اظهرهما الثاني . نعم ، يرجع هو على المعير فيما يبذله بعوض
المنافع التي استوفاها
المستعير بعنوان العارية ، لقاعدة الغرور .
وان كان عالما بالغصب ، فقرار الضمان عليه ، لانه غاصب
تلفت العين تحت
يده ، بل لو رجع المالك على المعير يرجع هو على المستعير
، لما مر في تعاقب الايادي
من ان الضمان يستقر على من تلف المال تحت يده .
] ويقتصر المستعير على المأذون [
الرابعة : ( ويقتصر المستعير على المأذون ) كما هو صريح
المتن والشرايع
والمسالك والروضة وغيرها وظاهر القواعد واللمعة . وعن
الشيخ في المبسوط وابن زهرة
في الغنية والحلي في السرائر وغيرهم انه يجوز ان يستبيح
ما دونه في الضرر لا ما فوقه ،
كان يستعير ارضا للغرس فيزرع ، بل عن الاول نفي الخلاف
فيه . وعن التذكرة
والتحرير جواز المساوي ايضا . وعن جامع المقاصد : ظاهر
كلامهم ان الحكم بذلك
اجماعي .
والاول اظهر ، لان الاصل عدم جواز التصرف في مال الغير
الا باذنه ،
المفروض اختصاصه بنوع خاص من التصرف ، فالنوع الآخر
الباقي تحت الاصل
المزبور لا يجوز . ودعوى ان الادنى أولى بالاذن ، ممنوعة
، فان الاذن ليس من قبيل
الحكم الشرعي الصادر عن مصلحة المكلف كي تتم فيه دعوى
الاولوية ، فلعله له
غرض خاص في التصرف المخصوص ، او انه قيد اذنه بلا غرض .
نعم ، لاننكر جواز
ما دون او المساوي بل الاضر ، لو احرز رضاه بالتصرف فيه
مجانا ، لكنه خارج عن
محل الفرض .
وعليه فلو أثم وفعل الاقل ضررا ، هل عليه الاجرة ام لا ؟
وجهان ، من انه
تصرف في ملك الغير بغير اذنه واستوفى منفعته فعليه
الاجرة ، ومن انه قد اباح له
المنفعة الخاصة التي عوضها اما ازيد من عوض ما استوفاه
او مساو معه ، اظهرهما
الاول ، فأنه لم يبرأ ذمته من العوض بالمقدار الخاص ، بل
اذن في استيفاء منفعة خاصة
بلا عوض ، والفرض انه لم يستوفها وانما استوفى منفعة
اخرى لها مالية ، ولم يأذن فيها
مالكها ولم يسقط احترامها ، فلابد من ان يغترم عوضها .
] والقول قول المستعير مع يمينه في عدم التفريط أو القيمة
معه ، وقول
المالك في الرد ويصح الاعارة للرهن وله المطالبة بالافتكاك
بعد المدة .
الفصل التاسع : في اللقطة ، [
وبذلك يظهر انه لو عدل الى الاضر مع النهي او الاطلاق ،
يلزمه اجرة
المجموع لاخصوص ما يزيد عن مقدار المأذون فيه . وما عن
المصنف من الفرق بين
صورة النهي والاطلاق ، واختيار وجوب الاجرة كملا مع
النهي ، وسقوط التفاوت مع
الاطلاق ، غير ظاهر الوجه ، لان التخطي في الصورتين لا
يجوز ، والنص على المنع في
احداهما دون الاخرى لا يصلح فارقا في الضمان .
الخامسة : ( و ) لو تنازعا في التفريط ، أو القيمة ، أو
الرد ، كان ( القول قول
المستعير مع يمينه في عدم التفريط والقيمة معه ، وقول
المالك في الرد ) كما يظهر
مما اسلفناه في الوديعة ، فلا حاجة الى الاعادة .
السادسة : ( ويصح الاعارة للرهن ) لما سيأتي في كتاب
الرهن من جواز رهن
مال الغير باذنه ، ( وله المطالبة بالافتكاك بعد المدة )
كما سيأتي .
وهي - بضم اللام وفتح القاف وسكونها - اسم للمال الملقوط على ما صرح به
جمع من اهل اللغة ، كالاصمعي وابن الاعرابي والفراء وابي
عبيدة . وعن الخليل ، هي
بالتسكين لاغير ، واما بفتح القاف فهي اسم للملتقط ، لان
ما جاء على فعلة فهو اسم
للفاعل كهمزة ولمزة . ولا اصطلاح جديد لها في الشرع ، بل
هي فيه مستعملة في معناها
اللغوي ، نعم وقع الخلاف بين الفقهاء من جهة ان جمعا
منهم اطلقوها على ما يشمل
الآدمي الحر ، وخصها جماعة آخرون بغيره وافردو الللقيط
كتابا آخر .
وكيف كان فالكلام في هذا الفصل في مواضع .
[ . . . ]
الاول : في اللقيط . ويقال له : الملقوط والمنبوذ ايضا ،
وانما يقال له اللقيط
والملقوط اللذان هما بمعنى واحد ، لان فعيل كجريح بمعنى
مفعول باعتبار الالتقاط ،
ويقال له المنبوذ باعتبار انه ينبذ اولا . والكلام فيه
في موارد :
احدهما : اللقيط كما في التذكرة والقواعد والتحرير : كل صبي
ضايع لا كافل
له حال الالتقاط ، وفي الجواهر : بل لا اجد خلافا في غير
المميز منه بل الاجماع
بقسميه عليه .
قال في المسالك : احترز بالصبي عن البالغ ، فانه مستغن
عن الحضانة والتعهد
فلا معنى لالتقاطه ، نعم لو وقع في معرض هلاك وجب تخلصه
كفاية . وبالضايع عن
غيره المنبوذ وان لم يكن له كافل ، فانه لا يصدق عليه
اسم اللقيط ، وان كانت كفالته
واجبة كفاية كالضايع الا انه لا يسمى لقيطا . وبقوله لا
كافل له عن الضايع المعروف
النسب ، فان اباه وجده ومن يجب عليه حزانته مختصون بحكمه
، ولا يلحقه حكم
الالتقاط وان كان ضايعا ، انتهى .
وكيف كان ، فلا اشكال في مشروعية الالتقاط ، بل عن
التذكرة المفروغية عن
وجوبه كفاية ، وسيمر عليك ما هو الحق عند تعرض المصنف ره
له .
انما الكلام في المقام في مشروعيته ، ويشهد بها جملة من
النصوص ، كخبر زرارة
عن ابي عبد الله عليه السلام : اللقيط لا يشترى ولا يباع
( 1 ) .
وخبر اسماعيل المدائني عنه عليه السلام : المنبوذ حر ،
فان احب ان يوالي غير
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 22 من كتاب اللقطة - حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
لذي رباه والاه ، فان طلب منه الذي رباه النفقة وكان
موسرا رد عليه ، وان كان معسرا
كان ما انفق عليه صدقة ( 1 ) .
وخبر عبد الرحمان العزرمي عنه عليه السلام عن ابيه عليه
السلام : المنبوذ حر ،
فاذا كبر فان شاء توالى الى الذي التقطه ، والا فليرد
عليه النفقة ، وليذهب فليوال من
شاء ( 2 ) .
وحيح محمد بن احمد عنه عليه السلام عن اللقيطة ، فقال
عليه السلام :
لاتباع ولا تشترى ، ولكن تستخدمها بما انفقت عليها ( 3 ) .
وصحيح محمد بن مسلم - او حسنه - عن ابي جعفر عليه السلام
عن اللقيط ،
فقال عليه السلام : حر لا يباع ولا يوهب ( 4 ) الى غير تلكم
من النصوص .
ودلالة هذه النصوص على جواز الالتقاط ، والتصرف في الضبط
وحفظه ، ونحو
تلكم مما هو مخالف للاصل ظاهرة والمأخوذ في النصوص
موضوعا لهذا الحكم اللقيط ،
واللقيطة ، والمنبوذ ، وفي بعضها التقييد بعدم الكبر ،
فانه ظاهر في بقائه على حكم
الالتقاط حتى يكبر فيوالي من شاء . واختصاصها بمن لا
كافل له ، باعتبار ما فيها
من حكم الانفاق عليه ، والاستخدام وانه لا يباع ولا يوهب
، ظاهر .
واما اعتبار كونه ضايعا فلا تشمل النصوص غير المنبوذ ،
فيدفعه المتفاهم
العرفي ضرورة صدق الموضوع عندهم على الضايع من اهله وان
لم ينبذوه .
واما الصبي غير المميز ، فهو المتيقن من النصوص . وان
كان مميزا ، فعن المحقق
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 22 من كتاب اللقطة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 22 من كتاب اللقطة حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 22 من كتاب اللقطة حديث 4 .
( 4 ) الوسائل باب 22 من كتاب اللقطة حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
والمصنف ره والشهيدين والكركي وغيرهم جواز التقاطه ،
لصدق كونه لقيطا ، وعجزه
عن دفع ضرورته .
وفي الرياض - بعد الاعتراف بان ذلك هو المشهور بين
اصحابنا - : ولا ريب
فيه مع عدم بلوغ التمييز حدا يحفظ نفسه عن الهلاك ،
ويشكل مع بلوغه ذلك الحد
وان احتاج الى بعض الضروريات ، وبعدم الجواز فيه صرح بعض
الاصحاب ، قال :
فيكون امره الى الحاكم كالبالغ ، من باب الولاية العامة
كحفظ المجانين ، الى ان قال :
وهو حسن ، واستدل له بعدم صدق اللقيط عليه ولا اقل من
الشك ، فيرجع بالنسبة
اليه الى اصالة عدم الجواز .
وفيه : ما عرفت من صدق اللقيط على المميز ، ويشهد به
اطلاق الالتقاط على
يوسف عليه السلام في الكتاب العزيز ( 1 ) ضرورة انه كان
مميزا ، كما تشهد به رؤياه التي
قصها على ابيه قبل ان يرمى في البئر ، ويؤيده ما في
النصوص المتقدمة من بقاء حكم
الالتقاط ما لم يكبر ، المعلوم ارادة البلوغ من الكبر
ولو بقرينة المطالبة بالنفقة .
فالاظهر شموله للمميز .
ثم انه ان لم يكن للصبي من هو كافل له شرعا ، ولكن كان
له العم او الخال
او الخالة ونحوهم ، فهل يجرى عليه حكم اللقيط على ما هو
الظاهر من كلمات الفقهاء
على ما فيها من الاختلاف ، ام لا فان ذلك في العرف لا
يسمى لقيطا ؟ ولعل الثاني
اظهر ، بل لو كان هناك متبرع بالكفالة والحضانة لا يسمى
لقيطا في العرف .
..............................................................................
( 1 ) سورة يوسف آية 10 . ( * )
] يشترط في ملتقط الصبي التكليف والاسلام [
الثاني : في ما ( يشترط في ملتقط الصبي ) . لا خلاف
ظاهرا في اشتراط
( التكليف ) بالبلوغ والعقل ، فلا يصح التقاط الصبي
والمجنون ، لقصورهما عن
الولاية والحضانة والانفاق وعدم اهليتهما لشئ من تلكم ،
وهي من لوازم صحة
الالتقاط . وحنيئذ فيجوز الالتقاط من يدهما لمن له اهلية
وله ولاية لحفظه ، لان
التقاطهما كالعدم كما استوجهه الشهيد الثاني . فما عن
التذكرة من انه يخرج بذلك
عن حكم اللقيط ، وتكون الولاية للحاكم ، في غير محله .
وظاهر الاطلاق الماتن وكثير اشتراط التكليف خاصة ، وعدم
اعتبار الرشد .
واستدل له بان السفيه محجور عن التصرف في ماله وليست
حضانته مالا ، ومجرد كونه
مولى عليه لا يمنع عن ولايته .
وعن الدروس اشتراط الرشد ، محتجا بان الشارع لم يأتمنه
على ماله فعلى
الطفل وماله اولى بالمنع ، وبان الالتقاط ايتمان شرعي
والشرع لم يأتمنه . وهو حسن ،
سيما وان التقاطه يستلزم وجوب انفاقه وهو لا يجوز من
السفيه ، لانه تصرف مالي ،
اضف اليه عدم وجود اطلاق دال على جواز التقاط كل احد ،
فالاظهر اعتبار الرشد .
( و ) مما قالوا باشتراطه ( الاسلام ) اذا كان اللقيط
محكوما بالاسلام ، بل
الطاهر عدم الخلاف فيه الا ما في النافع من التردد فيه ،
وهو الظاهر من الشرايع . وهو
الاظهر ، فانه نوع سبيل ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين
سبيلا ) ( 1 ) وايضا
انه لا يؤمن مخادعته عن الدين ، وقد ورد في النصوص تعليل
المنع عن تزويج العارفة
..............................................................................
( 1 ) سورة النساء آية 141 . ( * )
[ . . . ]
من المخالف بان المرأة تأخذ من ادب زوجها ( 1 ) .
وبما ذكرناه يظهر اختصاص ذلك بما اذا كان اللقيط محكوما
بالاسلام ، وان
كان محكوما بالكفر فلا دليل على اعتبار الاسلام في
ملتقطه ، وهو المشهور بين
الاصحاب ، وربما يستدل له - مضافا الى اختصاص وجوه المنع
بغير الفرض - بقوله
تعالى ( والذين كفروا بعضهم اولياء بعض ) ( 2 ) .
وفي اعتبار العدالة في الملتقط قولان ، فعن الشيخ في احد
قوليه والمصنف ره في
التحرير والارشاد والقواعد الاعتبار ، وعن الاكثر عدمه ،
وعن المحقق الثاني التفصيل
بين ما اذا كان له مال فالاول ، وما اذا لم يكن فالثاني
.
وجه الاول : ان الالتقاط يفتقر الى الحضانة ، وهي
استيمان لا يليق بالفاسق ،
وايضا انه لا يؤمن ان يسترقه ويأخذ ماله .
وجه الثاني : الاصل ، وان المسلم محل الامانة مع انه ليس
استيمانا حقيقيا ،
وفحوى جواز التقاط الكافر مثله .
ووجه الثالث : ان الخيانة في المال امر راجح الوقوع .
والاول اقوى ، للسيرة ، واطلاق الادلة ، والاصل في
المسلم الائتمان وعدم فعل
المحرم ، ولذا ائتمنه الشارع في كثير من الامور كالطهارة
والتذكية وغيرهما . ولو كان
له مال يخاف عليه يمكن الجمع بانتزاع الحاكم له منه .
هذا كله بلحاظ كونه فاسقا ، ولو كان هناك جهة اخرى في
الملتقط ، وعلم او
ظن من القرائن استعماله في الامور التي يخشى منها التلف
، او كان يخشى على عرضه
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب ما يحرم بالكفر ونحوه -
من كتاب النكاح .
( 2 ) سورة الانفال آية 73 . ( * )
] واذن المولى في المملوك . [
او على دينه ، فلا ينبغي التوقف في عدم جواز التقاطه ،
ووجوب انتزاع الحاكم من يده
ودفعه الى من يؤمن منه من جميع ذلك .
( و ) يعتبر ايضا ( اذن المولى في المملوك ) .
الثالث : في الاحكام ، وفيه مسائل .
الاولى : اللقيط تارة يلتقط في دار الاسلام ، واخرى
يلتقط في دار الكفر . وقد
اطنب الاصحاب في تقسير دار الاسلام ودار الكفر ، وتقسيم
كل واحد الى اقسام ،
وكلماتهم مع ما بينها من الاختلاف لا يثبت بها شئ بعد
عدم تعليق الحكم على دار
الاسلام ودار الكفر ، فان الحكم الذي يراد اثباته اما
الحكم باسلامه او كفره ، او
بحريته أو رقيته .
اما الاول فقد مر في كتاب الطهارة والجهاد ان الصبي
المميز اسلامه او كفره
باعتقاده ويكون مستقلا في ذلك ، واما غير المميز فان كان
احد ابويه مسلما فهو تابع
له ، والا فان كان السابي له مسلما يكون تابعا للسابي ،
وبدون ذلك لا يحكم باسلامه
ولا بكفره . وبينا في ذينك البابين ان حديث الفطرة ( 1 )
والحديث : الاسلام يعلو ولا يعلى
عليه ( 2 ) لا يدلان على الحكم بالاسلام بمجرد احتمال
الاسلام ، وطريقية دار الاسلام
له ودار الكفر له مما لم يدل عليه دليل .
..............................................................................
( 1 ) اصول الكافي ج 2 ص 13 من طبعة طهران .
( 2 ) الوسائل - باب 1 من ابواب موانع الارث حديث 11 . ( * )
] فان كان في دار الاسلام فهو حر ، والا فرق ووارث الاول الامام
مع عدم
الوارث وهو عاقلته . ولو بلغ رشيدا فاقر بالرقية قبل ]
واما الثاني فمقتضى اطلاق الاخبار المتقدمة عدم الحكم
بالرقية مطلقا .
فما في المتن ( فان كان في دار الاسلام فهو حر والا فرق
) غير ظاهر الوجه .
ودعوى ان الاخبار خطابات للمسلمين وفي بلادهم كما في
الرياض ، من الغرائب ،
فان كان هناك اجماع يقيد به اطلاق النصوص ، والا فالمتجه
هو الحكم بالحرية مطلقا .
الثانية : ( ووارث الاول ) اي الحر ( الامام مع عدم
الوارث ) ، لان الامام
وارث من لا وارث له كما سيأتي ( وهو عاقلته ) عندنا كما
في المسالك ، اذا لم يكن له
نسب ولم يكبر فيتوالى احدا على وجه يكون ضامنا لجريرته ،
لان ميراثه له .
الثالثة : ( ولو بلغ رشيدا افاقر بالرقية قبل ) لعموم
قاعدة الاقرار .
الرابعة : في نفقته . فالمعروف بين الاصحاب ان الواجب
على الملتقط حضانته
بالمعروف ، وهو تعهده والقيام بضرورة تربيته بنفسه او
بغيره . ولا يجب عليه الانفاق
من ماله ابتداء ، للاصل ، ولما دل من النصوص ( 1 ) على
حصر من يجب انفاقه في اصناف
ليس اللقيط منهم ، وللاجماع الذي ادعاه المصنف ره في
محكي التذكرة .
فحينئذ ان كان للصبي مال ينفق عليه منه باذن الحاكم الشرعي
، لاصالة عدم
جواز التصرف في ماله بغير اذنه او اذن وليه ، ولان ذلك
من وظائف حكم الجور ، وقد
دلت النصوص ( 2 ) على ان ما هو من وظائفهم ثابتة لحكام
الشرع .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب النفقات كتاب النكاح .
( 2 ) الوسائل باب 11 من ابواب صفات القاضي من كتاب القضاء . ( * )
] وينفق عليه السلطان ، فان تعذر فبعض المؤمنين ، فان تعذر
انفق الملتقط
ويرجع عليه مع نيته لا بدونها [
( و ) ان لم يكن له مال ، فان وجد سلطان يستعان به على نفقته
من بيت المال
أو الزكاة ( ينفق عليه السلطان ) وجوبا مع عدم متبرع بلا
خلاف ، وما عن المقنعة
والنهاية من التعبير بلفظ ينبغي يراد منه الوجوب ، لان
بيت المال معد المصالح
المسلمين .
فان تعذر السلطان ، ولم يوجد من ينفق عليه من الزكاة ،
او ما اعد لمثله ، او ما
كان يصح صرفه فيه ، ( ف ) المعروف بينهم انه ( ان تعذر )
ينفق عليه ( بعض المؤمنين )
الذين منهم الملتقط ، وفي الجواهر : بلا خلاف اجده فيه ،
واستدل له بان بذل النفقة
لمثله واجب على الكفاية ، لانه دفع ضرورة مع التمكن .
قالوا : ( فان تعذر انفق الملتقط ويرجع عليه مع نيته لا
بدونها ) .
وما افادوه من هذا الترتيب ينافيه نصوص الباب ، لاحظ
قوله عليه السلام في
خبر المدائني المتقدم : فان طلب منه الذي رباه النفقة
وكان موسرا رد عليه ، وان كان
معسرا كان ما انفق عليه صدقة ( 1 ) وقوله عليه السلام في
صحيح محمد بن احمد : ولكن
تستخدمها بما انفقت عليها ( 2 ) ونحوهما غيرهما .
فان المستفاد منها جواز ان ينفق عليه الملتقط بنية
الرجوع عليه بعد البلوغ
واليسار ، أولان يستخدمه ، ومقتضى اطلاقها جواز ذلك حتى
مع وجود السلطان
المنفق ، وهذا مما تقتضيه القاعدة ، اذ الوجوب على
المسلمين من باب رفع حاجة
المحتاج لا يوجب التبرع .
وان شئت قلت : ان وجوب الانفاق على المسلمين تبرعا ، حكم شرعي موقوف
..............................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 22 من ابواب اللقطة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 22 من ابواب اللقطة حديث 4 . ( * )
] ولو كان له اب او جد او ملتقط قبله اجبر على اخذه [
على الدليل ولا دليل عليه ، واصل البراءة يقتضي عدمه .
بل يمكن ان يقال : انه
لايجب على السطان الانفاق عليه تبرعا بمقتضى القاعدة
ايضا ، لان كون بيت المال
معدا لصالح المسلمين لا يقتضي الانفاق تبرعا ، بل له ان
ينفق عليه قرضا ، ويرجع
عليه بعد بلوغه ويساره .
فالمتحصل مما ذكرناه ان الواجب هو الانفاق عليه ولو
بعنوان القرض ، فان
وجد سلطان فهو احق بذلك لان بيت المال معد لذلك وامثاله
، والا فالملتقط وغيره
عل حد سواء . نعم ، ان وجد من ينفق عليه من الوجوه
المنطبقة عليه او تبرعا ، ليس
للملتقط الانفاق عليه بقصد الرجوع عليه ، لان ذلك وان
كان منافيا للاطلاق في بادي
النظر ، لكنه بعد ملاحظة فتوى الاصحاب والمنساق الى
الذهن من النصوص . يظهر
عدم المنافاة .
ولم يخالف في جواز الرجوع عليه بعد البلوغ سوى الحلي ،
محتجا له بالاصل ،
وقاعدة لا ضرر ولا ضرار ( 1 ) . ولكن الاصل يخرج عنه
بالنصوص المتقدمة ، ومعها لا
وجه للرجوع الى قاعدة لا ضرر ، اضف اليه انه لا ضرر في
أخذ عوض ما انفقه عليه .
ثم ان ظاهر خبر المدائني كون النفقة صدقة مع الاعسار ،
ولم يجد صاحب
الجواهر ره عاملا به ، ولذلك حمله بعضهم على ارادة جواز
احتسابه زكاة من سهم
الفقراء او الغارمين .
( ولو كان له ) اي لللقيط ( اب اوجد او ملتقط قبله ) لا
يكون محكوما بحكم
اللقيط و ( اجبر على اخذه ) كما مر .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب الخيار . ( * )
] واخذ اللقيط واجب على الكفاية ، وهو مالك لما يده عليه . [
( و ) الخامسة : قال الشيخ والمصنف ره وتبعهما غيرهما : (
اخذ اللقيط واجب على
الكفاية ) ، وفي المسالك نسبته الى اكثر الاصحاب تارة ،
والى معظمهم اخرى . وفي
الشرايع والنافع والجواهر البناء على الاستحباب . وعن
اللمعة والدروس التفصيل
بالوجوب مع الخوف عليه ، ولاستحباب مع عدمه ، واستوجهه
في المسالك ، والظاهر
انه يرجع الى القول الثاني ، لان الكلام في الالتقاط من
حيث هو لا فيما اذا توقف
عليه حفظ النفس ، والا فلا يظن باحد ان يشك في الوجوب
حينئذ ، ولا يختص ذلك
بالالتقاط بل الحكم ذلك حتى في الكبر .
وعلى هذا ، ففي المسألة قولان : الوجوب ، والاستحباب .
والاظهر هو الثاني ،
لعدم الدليل على الوجوب ، والاصل يقتضي عدمه .
والاستدلال للوجوب بانه تعاون
على البر ، وبانه دفع لضرورة المضطر ، غير تام ، اذ
التعاون على البر لا يكون واجبا
باطلاقه قطعا ، واخراج الموارد الثابت فيها عدم الوجوب
عن تحت الدليل مستلزم
لاخراج الاكثر المستهجن ، فالمتعين حمل دليله على
الاستحباب ، وكونه دفع ضرورة
المضطر قد عرفت عدم ربطه بما هو محل البحث .
السادسة : ( وهو ) اي اللقيط بعد الحكم بحريته ( مالك
لما يده عليه ) كما في
الكبير ، ويده كيد البالغ امارة الملكية ، لان له اهلية
الملك والتملك ، كما صرح به الشيخ
والمحقق والمصنف والشهيدان وغيرهم ، وفي الجواهر : بل لا
اجد فيه خلافا بين من
تعرض له ، بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه .
] ويكره اخذ الضوال [
الموضع الثاني : في الضوال - جمع ضالة - وهي كل حيوان
مملوك ضايع اخذ ولا
يد محترمة عليه . لا اشكال ( و ) لا خلاف في انه ( يكره
اخذ الضوال ) في صورة الجواز ،
وفي المسالك : واخذه حيث يجوز مكروه كراهة شديدة .
واستدل لها في المسالك
والرياض بالنبوي : لا يؤوي الضالة الا الضال ( 1 )
وبالخبرين : لا يأكل من الضالة الا
الضالون ( 2 ) .
وحيث ان الاول ضعيف السند عند سيد الرياض ، والخبرين لا
يدلان على
حكم الاخذ بل هما متضمنان لحكم الاكل ، فلذا استشكل في
الزياض اولا في الحكم ،
ثم قال : وفي الفتاوى والخبر الاول كفاية لجواز التسامح
في امثال المقام .
ويرده اولا : ما تقدم منا مرارا من ان التسامح انما هو
في ادلة السنن
والمستحبات لا في المكروهات .
وثانيا : ان النبوي لاضعف في سنده ، فانه رواه الصدوق ره
، قال : ومن الفاظ
رسول الله صلى الله عليه وآله لا يؤوي الخ . وقد اشرنا
مكررا الى ان المرسل اذا كان
ثقة ، ونسب الخبر الى المعصوم جزما لا بنحو روي وشبهه ،
يكون ذلك الخبر حجة ، لان
نسبته جزما اليه كاشفة عن ثبوت صدوره عنه عنده ، فهو في
حكم توثيق الواسطة او
الوسائط ، وعلى هذا فهو قوي السند وظاهر الدلالة .
ويشهد بها - مضافا الى ذلك - النصوص الناهية عن اخذ
اللقطة ، كصحيح
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللقطة حديث 10 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللقطة حديث 5 - 7 . ( * )
] الا مع التلف ، [
الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام في حديث في اللقطة
، قال : وكان علي بن
الحسين عليه السلام يقول لاهله : لا تمسوها ( 1 ) ونحوه
غيره ، فانها وان كانت في اللقطة
- وهي المال غير الحيوان كما يأتي - الا انها بالفحوى تدل
على المقام .
وصحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام عن رسول الله صلى
الله عليه وآله
في الشاة الضالة : وما احب ان امسها ( 2 ) ومثله صحيح
هشام ( 3 ) .
وعلى هذا فلا اشكال في الكراهة ( الا مع التلف ) اذا لم
يلتقطه ، فان يجوز
الاخذ بلا كراهة ، كما صرح به المصنف وغيره .
واستدل له بان نصوص الكراهة منصرفة عن هذه الصورة ،
وبالاخبار المتضمنة لقوله عليه السلام : هي لك او لاخيك او
للذئب ( 4 )
بدعوى انه يرغب في اخذ الضالة التي هي في معرض التلف ،
على معنى
انك ان اخدتها ولم تعرف مالكها بعد التعريف تكون لك ،
وان عرفته فقد حفظت مال
اخيك المؤمن ، وان لم تأخذها اكلها الذئب أو اخذها غير
الامين الذي هو بمنزلة
الذئب ، ولعله لذا حكي عن المبسوط استحباب اخذها اذا كان
امينا في مفازة او في
خراب او في عمران .
ولكن الانصراف ممنوع ، وقوله عليه السلام متصلا بالقول
المتقدم في الاخبار :
وما احب ان امسها ، يدفع التقريب المذكور لدلالة الاخبار
عليه ، ووجوب حفظ المال
عن التلف قد مر ما فيه . فاذا مقتضى اطلاق النصوص الكراهة حتى مع خوف
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللقطة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 13 من كتاب اللقطة حديث 6
( 3 ) الوسائل باب 13 من اللقطة حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 13 من اللقطة . ( * )
] فلا يؤخذ البعير في كلا وماء [
التلف .
اللهم الا ان يقال : ان حفظ مال الغير وان لم يكن واجبا
لكن لا ريب في
حسنه ، لانه احسان اليه ، كيف وقد دلت الاخبار ( 1 ) على
جواز الحلف كاذبا لحفظ مال
الغير ، فانها وان كانت فيما لو كان مال الغير تحت اليد
، الا انه لاشبهة في استفادة
مطلوبية حفظ مال الغير مطلقا منها ، وهذا ان لم يوجب
الاستحباب ولكن لا ريب في
كونه موجبا لرفع الكراهة ، فلا شبهة في عدم الكراهة في
هذه الصورة .
لا يؤخذ البعير اذا وجد في كلا وماء
وتمام الكلام في هذا الموضع بالبحث في مسائل :
الاولى : ان الحيوان الذي يوجد لا يخلو من كونه بعيرا ،
او شاة ، او غيرهما ،
( ف ) الكلام في فروع :
1.
( لا يؤخذ
البعير ) اذا وجد ( في كلا وماء ) يتمكن من التناول منهما ، بلا
خلاف ، وعن صريح غاية المراد وظاهر الكفاية الاجماع عليه
. والنصوص شاهدة به ،
لاحظ صحيح هشام بن سالم - او حسنه - عن الصادق عليه السلام : رجاء رجل الى
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله اني
وجدت شاة ؟
فقال رسول الله : هي لك أو لاخيك أو للذئب . فقال : يا
رسول الله
اني وجدت بعيرا ؟ فقال : معه حذائه وسقائه ، حذائه خفه ،
وسقائه كرشه ، فلا تهجه ( 2 ) .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 12 من كتاب الايمان .
( 2 ) الوسائل - باب 13 من كتاب اللقطة حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
وصحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام : ان رسول الله
صلى الله عليه وآله
وسلم سئل عن البعير الضال ، فقال صلى الله عليه وآله :
مالك وله ، خفه حذائه ، وكرشه
سقائه ، خل عنه ( 1 ) ونحوهما غيرهما .
ومع ذلك فهو مقتضى القاعدة ايضا ، لعدم جواز اثبات اليد
على مال الغير
بغير رضاه ، او السبب المرخص فيه ، المفقودين في المقام
، لان مالكه غير معلوم ، والبعير
مصون عن السباع بامتناعه مستغن بالرعي ، فلو اخذه والحال
هذه ضمنه بلا خلاف
ولا اشكال ، لعموم على اليد .
قال الشهيد الثاني ره في محكي الروضة : لا يجوز اخذه
حينئذ بنية التملك
مطلقا ، وفي جوازه بنية الحفظ لمالكه قولان ، من اطلاق
الاخبار بالنهي والاحسان ،
وعلى التقديرين يضمن بالاخذ . وظاهره الضمان حتى على
القول بان أخذه احسان
وتجويزه ، ووجهه في الجواهر بالعموم المزبور الذي لا
تنافيه قاعدة الاحسان ، المراد
منها ما حصل فيه الاحسان لا ماقصد ولم يحصل .
وتنقيح القول أن جواز اخذ ما يحرم التقاطه بعنوان الحفظ
، قد اختاره في
محكى التذكرة ، ولا وجه له بعد اطلاق النصوص المتقدمة .
ولا مورد لقاعدة الاحسان ،
فانها في موارد جواز وضع اليد حتى يتمحض في الاحسان ،
كما لو علم من حال صاحبه
الرضا بوضع اليد على ماله لا يصاله ، لا في مثل الفرض
الذي يحرم ذلك كما هو مقتضى
القاعدة واطلاق الاخبار ، بل مقتضى الاحسان ترك التعرض له حتى يجده ، فان
الغالب ان من اضل شيئا يطلبه حيث يضعه ، فاذا اخذه غيره
ضاع عنه ، فلا توقف
في عدم الجواز . واما الضمان مع القول بجوازه ، فتنافيه
قاعدة الاحسان المخصصة
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 13 من اللقطة حديث 5 . ( * )
] ويؤخذ في غيره اذا ترك من جهد ويملكه الاخد . [
لقاعدة على اليد .
ويرد ما افاده صاحب الجواهر ره : ان الفعل اذا صدر بقصد
عنوان حسن
يتصف بالحسن ، وان لم يتحقق مبدأ ذلك العنوان في الخارج
، مثلا ضرب اليتيم بقصد
التأديب حسن وان لم يتأدب ، والكذب بقصد انجاء المؤمن
حسن وان لم يترتب عليه
نجاته ، بل تمام المناط لاتصاف الفعل بالحسن هو ذلك لا
الوجود الواقعي ، فضرب
اليتيم لا بداعي التأديب قبيح وان تأدب . وعليه ففي
المقام على فرض تسليم شمول
قاعدة الاحسان ، لابد من البناء على عدم الضمان اذا اخذه
بقصد الحفظ لمالكه
وايصاله اليه وان تلف قبل الوصول اليه .
هذا كله فيما اذا وجد في كلا وماء ، ( و ) الا فيجوز ان
( يؤخذ في غيره اذا ترك
من جهد ) وعطب ، لمرض او كسر او غيرهما ، ( ويملكه الاخذ
) حينئذ على الاظهر
الاشهر بل عليه عامة من تأخر ، كذا في الرياض . ولكن
صاحب الجواهر ينكر صحة
نسبة ذلك الى الاصحاب ، قال : لا اظن بارادة الاصحاب ذلك
حتى يكون جابرا ، لان
تعبير المعظم : لو تركه من جهد ونحوه ، مما هو ظاهر في
غير اللقطة .
وملخص الكلام : ان البعير المزبور ربما يعرض صاحبه عنه
ويتركه ، وربما
يضيع منه ، ومحل الكلام هو الثاني . وحيث ان في المقام
نصوصا يمكن استفادة الحكم
منها فلابد من ملاحظتها ، لا حظ صحيح عبد الله بن سنان
عن الامام الصادق عليه
السلام : من اصاب مالا او بعيرا في فلاة من الارض ، قد
كلت وقامت وسيبها صاحبها
مما لم يتبعه ، فأخذها غيره فاقام عليها وانفق نفقتة حتى
احياها من الكلال ومن الموت ،
فهي له ولا سبيل له عليها ، وانما هو مثل الشئ المباح (
1 ) .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 13 - من كتاب اللقطة - حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
وقد يقال انه مختص بالصورة الاولى ولا يشمل ما نحن فيه ،
لقوله : وسيبها ،
ولجعله كالمباح . ولكن الموجود في بعض النسخ "
نسيها " بدل " سيبها " وهو انسب بما
فيه من الظهور ، في ان احياء الحيوان الذي هو في غير ماء
ولا كلاء وقد اصابه الجهد
والكلال سبب لتملك الحيوان المزبور ، سواء كان اعرض عنه
ام لا ، مع ان الحمل على
صورة الاعراض حمل على الفرد النادر جدا ، فان البعير
الذي يوجد ولا يعرف صاحبه
كيف يمكن احراز الاعراض عنه ، فالمتعين البناء على
العموم . واما جعله كالمباح ، فلو
لم يدل على الاختصاص بمحل الكلام نظرا الى جعله كالمباح
لا مباحا ، والمعروف
صيرورته مباحا بالاعراض ، لما دل على الاختصاص بصورة
الاعراض ، فالانصاف
شمول الصحيح لما هو محل الكلام .
وخبر مسمع عن مولانا الصادق عليه السلام : ان امير
المؤمنين عليه السلام كان
يقول في الدابة اذا سرحها اهلها او عجزوا عن علفها او
نفقتها فهي للذي احياها ،
قال : وقضى امير المؤمنين عليه السلام في رجل ترك دابة
بمضيعة ، فقال عليه السلام :
ان كان تركها في كلا او ماء وامن فهي له يأخذها متى شاء
، وان كان تركها في غير
كلا ولا ماء فهي لمن احياها ( 1 ) . واعميته من الاعراض
واضحة ، وبضميمة ان احراز
انه هل تركها اوضاع عنها غير ممكن غالبا ، وقوله بمضيعة
وعدم القول بالفصل بين
صورة احراز الترك واحتمال الضياع ، يثبت الحكم في مورد
الضياع ايضا .
وخبر السكوني عنه عليه السلام : ان أمير المؤمنين عليه
السلام قضى في رجل
ترك دابته من جهد ، فقال عليه السلام : ان كان تركها في
كلا وماء وامن فهي له
يأخذها حيث اصابها ، وان تركها في خوف وعلى غير ماء ولا
كلا فهي لمن اصابها ( 2 )
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 13 من اللقطة حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 13 من كتاب اللقطة حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
وتقريب الاستدلال به كسابقه . فالحكم خال عن الاشكال .
ولا يخفى ان الظاهر من النصوص - كما افاده سيد الرياض -
اعتبار الامرين
من الترك من جهد وفي غير ماء ولا كلا معا . فلو انتفى
احدهما بان ترك من جهد في
كلا وماء ، او من غير جهد في غيرهما ، او انتفى كل منهما
، لم يجز الاخذ ، وعليه الاجماع
في بعض الكتب . فما عن بعض من كفاية احدهما ، ضعيف .
ثم لو كانت الفلاة مشتملة على احد الامرين من الماء
والكلا ، فهل هي بحكم
عادمتهما ، ام بحكم مشتملتهما ؟ وجهان ، مقتضى مفهوم صدر
الخبرين الاول ، ومقتضى
مفهوم ذيلهما الثاني ، ويؤيد الاول عدم قوام الحيوان
بدونهما . فما افاده الشهيد الثاني
من اختيار الاول اظهر .
والنسبة بين هذه النصوص وبين النصوص المانعة عن الاخذ
عموم مطلق ،
فيقيد اطلاقها بها . فما عن ابن حمزة من عدم جواز الاخذ
في هذه الصورة ، التفاتا منه
الى المنع عنه في النصوص المتقدمة ، ضعيف .
ثم اذا اخذها وتملكها ، فلا اشكال في عدم الضمان ولا
خلاف ، لظاهر النصوص
المتقدمة . نعم ، عن القواعد في رد العين مع طلب المالك
اشكال ، بل عن الايضاح انه
الاقوى ، ولعل وجهه اطلاق قول ابي جعفر عليه السلام في
خبر ابي بصير : من وجد
شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ، فاذا جاء
طالبه رده اليه ( 1 ) بناء على شموله
لمثل المقام .
واجاب عنه في الجواهر بان اقصاه كون التعارض بينهما من
وجه ، ولا ريب في
ان الترجيح للاول من وجوه .
..............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب اللقطة حديث 2 . ( * )
] وتؤخذ الشاة في الفلاة ]
واورد عليه بانه لا تعارض بينهما ، فان خبر ابي بصير
ايضا متضمن لكونه له ،
وليس مفاد النصوص المتقدمة غير ذلك ، فلا معارض للخبر
بالنسبة الى وجوب الرد .
ولكن يمكن دفع ذلك بان التفصيل في خبري السكوني ومسمع
بين تركها في
كلا وماء فله اخذها ، وبين تركها في غير ذلك فهي لمن
اصابها ، ظاهر في ارادة الملكية اللازمة ،
وإلا فله
أخذها في المورد الثاني ايضا ، ولغى التفصيل من هذه الجهة ، بل قوله
عليه السلام في الصحيح : فهي له ولا سبيل له عليها ،
ظاهر في انه ليس له الفسخ
والرد . فما افاده في الجواهر تام ، وتقدم نصوص الباب للشهرة التي هي اول
المرحجات .