الربح وقاية لرأس المال

 

وكيف كان فلا خلاف ولا اشكال في ان ملكية العامل حصته بمجرد الربح انما

تكون متزلزلة ، فلو عرض بعد ذلك خسران او تلف يجبر به الى ان تستقر ملكيته ، لان

معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال في زمن ذلك العقد ، فاذا لم يفضل شئ فلا

شئ ، وهو محل وفاق كما في المسالك .

وهذا واضح بالنسبة الى الخسارة الواردة على مال المضاربة . واما بالنسبة

الى التلف ، فتفصيل القول فيه انه اما ان يكون بعد الدوران في التجارة ، او بعد

الشروع فيها ، او قبله ، ثم اما ان يكون بآفة سماوية ، او باتلاف متلف على وجه

الضمان ، وايضا قد يتلف البعض وقد يتلف جميع المال .

فان كان التلف بعد الدوران في التجارة لا باتلاف متلف ، فالظاهر جبره

 

 

[ . . . ]

بالربح ، كما هو المشهور بين الاصحاب بل لاخلاف فيه ، وعن السيد العميدي دعوى

الاجماع عليه . ويقتضيه وضع المضاربة ، فانه على ان الربح وقاية لرأس المال ،

فلا يستحق العامل ربحا الا بعد ان يبقى رأس المال بكماله لدخوله على ذلك ، من غير

فرق بين تلف البعض او الجميع .

وان كان التلف باتلاف متلف ، فقد ادعى الاجماع على الجبر ايضا . واستدل له

بان الربح وقاية لرأس المال ، فمادام المال لا يكون موجودا بكماله فلا ربح . ويمكن ان

يقال - كما قيل - : انه اذا اتلفه متلف يضمنه ويكون المال في ذمته ، فهو حينئذ بمنزلة

الموجود فلا حاجة الى جبره ، وايضا فانه نقصان لا يتعلق بتصرف العامل بتجارته ، وقال

في محكى جماع المقاصد بعد نقل ذلك : وضعفه ظاهر ، وفي الجواهر : لا ينبغي ان يصغى

اليه ، وعلى التقديرين لا كلام في انه لو فرض حصول العوض من جملة المال .

وما ذكرناه بالنسبة الى التلف بعد الدوران في التجارة يجري في التلف بعد

الشروع في التجارة وان كان التالف الجميع ، كما اذا اشترى في الذمة باذن المالك ثم

تلف المال ونقد عنه الثمن ، لان المقتضى لكون المال مال قراض هو العقد - كما نص

عليه في المسالك والجواهر تبعا لجامع المقاصد - فلا يصغى الى ما قيل من ان التلف

قبل الدوران في التجارة يخرج التالف عن كونه مال قراض ، فلا وجه لتردد المحقق ره

في الشرايع فيه ، وكذا ان كان التلف قبل الشروع في التجارة مع كون البعض تالفا .

واما ان كان التالف هو الجميع ، فالظاهر انفساخ العقد ، لعدم بقاء مال التجارة معه

حتى يجبر . نعم ، اذا اتلفه اجنبي وأدى عوضه او اتلفه العامل تكون المضاربة باقية .

هذا كله في بيان حكم حصة العامل ما لم تستقر الملكية . واما ما تستقر به

الملكية ، فلا اشكال في حصوله بعد الانضاض والفسخ والقسمة ، لانتهاء العقد بجميع

توابعه مع تراضيهما بذلك .

 

 

[ . . . ]

انما الكلام فيما لو قسم الربح مع عدم الفسخ ، او قسم الجميع كذلك او فسخ

العقد ولم يقسم ، او تحقق الفسخ والقسمة ولم يحصل الانضاض .

والتحقيق ان يقال : ان القسمة حيث تكون خارجة عن عمل المضاربة ، وتكون

كسائر ما يميز به المشتركات ، ولا يجب الانضاض ، فالظاهر استقرار الملكية بالفسخ

فقط ، وبه يخرج الربح عن كونه وقاية لرأس المال ، واولى منه ما لو انضم اليه

الانضاض او القسمة ، وبعبارة اخرى : انه بالفسخ يرتفع العقد وبه يرتفع حكم

القراض ، فلا موجب لبقائه على كونه وقاية .

واستدل لبقاء ذلك وعدم الاستقرار مع عدم القسمة بالاستصحاب . وبظاهر

قوله : على اليد ما اخذت حتى تؤدي ( 1 ) . وبصدق مال القراض ، فتشمله الادلة الدالة

على ان وضيعته من الربح . وبان تسليم رأس المال الى المالك من تتمة المضاربة ،

والا لزم عدم كون الخسران من الربح ، فيما لو نض المال اجمع في بلد عمل العامل

الذي سافر اليه وفسخ عقد المضاربة ، ثم تلف بعض المال قبل الوصول الى المالك ،

وهو مناف لظاهر الادلة .

ولكن الجميع كما ترى ، اذ الاستصحاب لا يجري بعد ارتفاع العقد الموجب ،

لتبدل عنوان المال من كونه مال قراض الى عنوان آخر ، مع انه تقديري . وعموم على

اليد لا يشمل الامانات ، ومنها المال المفروض بعد خروجه عن كونه قراضا . وصدق

مال القراض ممنوع بعد ارتفاع العقد بالفسخ . والالتزام بكون الخسران من اصل

المال لا من الربح في الفرض المذكور لا مانع منه . وعلى الجملة بعد كون الفسخ رافعا

لعقد القراض ، لا وجه لبقاء احكامها المخالفة للقواعد والادلة الاولية .

..............................................................................

( 1 ) كنز العمال ج 5 ص 257 - سنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وبما ذكرناه ظهر انه لو حصل الانضاض والقسمة ولم يحصل الفسخ ، فاللازم

اجراء احكام المضاربة من جبر الخسران بالربح وغيره من احكامها .

وعن الشهيد قده ان قسمة الربح موجبة لاستقراره ، وعدم جبره للخسارة

الحاصلة بعدها .

وعلله في الجواهر بان ذلك من المالك فسخ المضاربة فيما يخصه من رأس المال ،

لانه برضاه اخرجه عن المضاربة حتى الذي قبضه العامل ، فيستقر حينئذ ملكهما على

ما خص ذلك من الربح لانفساخ المضاربة ، انتهى .

وفيه : ان ما يأخذه العامل من الربح لا من رأس المال ، والعقد واقع على رأس

المال ، فلا حاصل لدعوى انه اخرجه المالك عن رأس المال .

ولو ظهر الربح ونض تمامه او بعض منه ، فطلب احدهما قسمته ، فان رضى

الآخر فلا مانع منها ، وان لم يرض وامتنع عنها ، فعن القواعد وجامع المقاصد لم يجبر

الآخر عليها . وعن جماعة انه لا يجبر الآخر ان كان هو المالك ، واما ان كان الممتنع

هو العامل فيجبر عليها . وظاهر المسالك والجواهر وغيرهما ان عدم جبر المالك الممتنع

عن القسمة اتفاقي .

وعللوا عدم الجبر في الموردين بلزوم الضرر ، قالوا : لو كان الممتنع هو المالك

لزم من جبره الضرر عليه ، لاحتمال الخسران بعد ذلك والحاجة الى جبره به ، وفيما كان

الممتنع هو العامل يلزم من جبره تضرره ، لانه لو حصل الخسران وجب عليه رد ما

اخذه ، ولعله لا يقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده وهو ضرر عليه .

ويرد على ما افادوه في الفرض الاول ان احتمال الضرر باحتمال الخسران غير

مطرد . ويرد على ما افاده في الفرض الثاني انه لايعد ضررا ، كما افاده صاحب

الجواهر .

 

 

]ولا خسران عليه بدون التفريط ، [

 

وقد مر في الفصل المتقدم في مبحث القسمة ما يظهر به حكم المقام ، وان ما

ذكروه من عدم جبر الممتنع كان هو المالك او العامل هو الصحيح .

الرابعة : لا خلاف ( و ) لا اشكال في ان العامل امين ، ف ( لا خسران عليه بدون

التفريط ) بترك الحفظ ، أو التعدي بان خالف ما أمره به أو نهاه عنه كما لو سافر مع

نهيه عنه او اشترى ما نهى عن شرائه ، او الخيانة بان أكل بعض مال المضاربة او

اشترى شيئا لنفسه فأدى الثمن من ذلك .

والحكمان اجماعيان ويشهد بهما - مضافا الى ذلك ، والى انهما من مقتضيات

قواعد باب الضمان - النصوص الخاصة ، كصحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه

السلام في المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح وليس عليه من الوضيعة شئ ،

الا ان يخالف امر صاحب المال ( 1 ) .

وموثق جميل عنه عليه السلام في رجل دفع الى رجل مالا يشتري به ضربا من

المتاع مضاربة ، فذهب فاشترى به غير الذي أمره به ، قال عليه السلام : هو ضامن ،

والربح بينهما على ما شرط ( 2 ) ونحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة المتقدمة جملة

منها .

 

فروع التنازع

 

الخامسة : في جملة من فروع التنازع . فقد يدعي شخص على آخر انه اعطاه

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة حديث 7 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب المضاربة حديث 9 . ( * )

 

 

] والقول قوله في عدمه ، وفي قدر رأس المال ، والتلف ، والخسران وقول

المالك في عدم الرد [

 

كذا مقدارا مضاربة وينكر الآخر ذلك ، وقد يتفقان على اعطاء مقدار من المال

مضاربة ولكن يتنازعان في مقدار رأس المال ، وقد يتفقان في ذلك ولكن العامل يدعي

التلف أو الخسران والمالك ينكره ، وقد لا يكون النزاع بينهما الا في رد رأس المال

والعامل يدعيه .

قال المصنف : ( والقول قوله في عدمه ، وفي قدر رأس المال ، والتلف ،

والخسران . وقول المالك في عدم الرد ) .

اما لو تنازعا في اصل اعطاء المال مضاربة وعدمه ، فكون القول قول منكره

واضح ، لاصالة عدمه ، وكذا لو تنازعا في مقدار رأس المال ، اذ لو كان المال موجودا

تجرى اصالة عدم اعطائه ازيد مما يقوله ، ولو كان تالفا مع ضمان العامل تجري اصالة

براءة ذمته .

ودعوى ان ذلك يتم اذا كان مصب الدعوى زيادة مال القراض ونقصانه ، واما

اذا كان مصب الدعوى العقد وادعى المالك انه وقع على العشرة مثلا والعامل ادعى

انه وقع على الخمسة فالمتجه هو التحالف ، لان العقد المتشخص بالخمسة غير

المتشخص بالعشرة ، فكل منهما مدع ومدعى عليه فيتحالفان ،

مندفعة ، بان الغرض من هذه الدعوى حيث لا يكون الااثبات

الزيادة او عدمها ، فالمالك الذي يدعي الزيادة يعد في العرف مدعيا ،

لانه لا غرض له الا اثبات كون مال القراض هو الازيد ، والعامل

منكرا لانه لا غرض له سوى نفي الزيادة . مع انه يمكن ان يقال :

ان وقوع العقد على الاقل معلوم ولو في ضمن الاكثر ، ووقوعه على الاكثر غير معلوم

والاصل عدم وقوعه عليه ، فيكون مدعيه مدعيا والعامل منكرا ، فيقدم قوله بيمينه .

 

 

] ولو اشترى العامل اباه عتق نصيبه من الربح فيه ، وسعى الاب في الباقي .

وينفق العامل من الاصل في السفر [

 

واما لو ادعى العامل التلف أو الخسران وانكره المالك ، فوجه تقديم قوله

بيمينه انه امين ، وعدم تصديقه في دعوى التلف يندرج تحت عنوان اتهام المؤتمن ، وقد

ورد انه ليس لك ان تتهم من ائتمنته ( 1 ) . ودعوى اختصاص الاتهام الممنوع بالمؤتمن

بالتأمين العقدي وهي الوديعة ، ممنوعة ، لعدم الدليل مع صدق الايتمان ، سيما بعد قوله

عليه اسلام : صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ، وصاحب العارية مؤتمن ( 2 ) .

واما لو ادعى العامل رد مال المضاربة وانكره المالك ، فالمشهور بين الاصحاب

ان القول قول المالك ، وعن الشيخ في المبسوط انه يقبل قول العامل ، وقد مر الكلام

في ذلك مفصلا في كتاب الاجارة ، ومما ذكرناه في التنازع في التلف يظهر حكم المقام .

فالاظهر ان القول قول العامل .

ثم ان في المقام فروعا اخر للتنازع ، حيث تقدم نظائرها او عينها في الاجارة

فلا نطيل الكلام بذكرها .

السادسة : ( ولو اشترى العامل اباه عتق نصيبه من الربح فيه ، وسعى الاب

في الباقي ) بلاخلاف ، ويشهد به الصحيح المتقدم .

 

نفقة العامل المسافر على رب المال

 

السابعة : ( وينفق العامل من الاصل في ) حال ( السفر ) كمال نفقته من مأكل

..............................................................................

 ( 1 ) الوسائل باب 9 من ابواب كتاب الوديعة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب العارية - حديث 6 . ( * )

 

 

] قدر كفايته [

 

ومشرب وملبس ومسكن ، ونحو تلكم مما هو داخل في النفقة ( قدر كفايته ) ، كما هو

المشهور بين الاصحاب ، وعن التذكرة نسبته الى علمائنا ، وعن الخلاف الاجماع عليه .

وفي المسألة قولان آخران وان لم يحضرني الآن القائل :

احدهما : انه لايخرج من اصل المال الا مازاد على نفقة الحضر .

الثاني : ان نفقة السفر كلها على العامل كنفقة الحضر .

والاول اظهر ، لصحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام في المضارب ما

انفق في سفره فهو من جميع المال ، واذا قدم بلده فما انفق فمن نصيبه ( 1 ) ونحوه خبر

السكوني ( 2 ) .

واستدل للثاني بالاجماع على ان نفقة الحضر على نفسه ، فما ساواه في السفر

يحتسب ايضا عليه ، والزايد على ذلك من مال القراض . وبانه انما حصل بالسفر

الزيادة لا غير ، اما غيرها فسواء كان مسافرا ام حاضرا لابد منه ، فلا يكون من مال

القراض .

واستدل للثالث بان الربح مال المالك ، والاصل ان لا يتصرف فيه الا بما دل

عليه الاذن ، ولم يدل إلا على الحصة التي عينها للعامل ، وهو لم يدخل في العمل الاعلى

هذا الوجه فلا يستحق سواه .

ولكن جميع ذلك من قبيل الاجتهاد في مقابل النص ، مع ما فيها من الاشكال ،

فالقول المشهور هو المنصور . وتمام الكلام في ضمن فروع :

1.    المراد من السفر العرفي لا الشرعي وهو ما يجب فيه القصر ، فيشمل

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 6 من ابواب كتاب المضاربة - حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 6 من ابواب كتاب المضاربة حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

السفر فرسخين او ثلاثة ، وما لو اقام في بلد عشرة ايام ، لان ما دل على تحديد السفر

الموجب للقصر ، لا يدل على ان غيره ليس من السفر حتى بالنسبة الى سائر الاحكام ،

ومقتضى اطلاق الخبرين ثبوت الحكم في كل ما يعد سفرا .

2.    الظاهر من الخبرين - سيما بضميمة مناسبة الحكم والموضوع - ان

الواجب الاقتصار من السفر على ما يحتاج اليه في التجارة ، او مما يتعلق بها ، كما لو

اقام زيادة عما يحتاج اليه فيها لخوف طريق مثلا او حبس ظالم او نحو ذلك مما يتعلق

بالتجارة ، فلو اقام للراحة او للتفرج او لتحصيل مال له او لغير مال القراض ، فانه

لا يستحق عن تلك المدة شيئا من مال القراض للنفقة ، كما صرح بذلك كله المصنف

ره . وما في المسالك من التخصيص بما يحتاج اليه في التجارة ، في غير محله .

3.    ان المراد بالنفقة ما يحتاج اليه من مأكول وملبوس ومشروب وما شاكل -

وسيجي ضابطها في كتاب النكاح في مبحث النفقات - وليس منها جوائزه وعطاياه

وضيافاته ومصانعاته ، الا اذا كانت التجارة متوقفة عليها ، ويراعى فيها كغيرها من

النفقات ما يليق بحاله . فلو اسرف حسب عليه ، ولو قتر هل يحتسب له ام لا ؟ وجهان

مبنيان على ان المأخوذ في لسان الدليل النفقة أو مقدارها ، فعلى الاول لا يحسب ، وعلى

الثاني يحسب له ، وحيث ان ظاهر الخبرين هو الاول فلا يحسب له .

4.    لو اشترط كون النفقة على العامل لا تخرج من المال قضاء للشرط ، ولو

اشترط كونها على المالك كان تأكيدا . فعلى الاول لابد من ضبطها على وجه يخرج

الشرط عن الجهالة ، ولا كذلك على الثاني ، لانها ثابتة باصل الشرع فلا يزيد

الاشتراط على الثابت بالاصل . وان شئت قلت : ان غاية ما يلزم من جهالته بطلان

الشرط وهو لا يبطل العقد ، والمفروض انه مع بطلان الشرط ايضا تكون النفقة على

المالك ، فلا مانع من الجهالة فيه .

 

 

[ . . . ]

5.    الظاهر من النص والفتوى ان النفقة من مال القراض وان لم يحصل ربح ،

انما الكلام في انه لو حصل ربح ، هل تؤخذ منه مقدمة على حق العامل ، ام تخرج من

اصل المال ؟

قال في محكي التذكرة : والقدر المأخوذ في النفقة يحسب من الربح ، وان لم يكن

هناك ربح فهو خسران لحق لمال ، ونحوه ما في المسالك . وهو الظاهر ، فان غاية ما

يدل عليه الخبر ان كون نفقة السفر من المال ، واذا انضم الى ذلك ما دل على ان حصة

العال انما هي من الربح ، وهو انما يصدق على ما يبقى بعد جبر جميع ما حدث على

المال من اول تسلمه الى انتهاء المضاربة ، كانت النتيجة هو تقديمها على حصة

العامل .

6.    استحقاق النفقة مختص بالسفر المأذون فيه ، فلو سافر الى غيره فلا نفقة ،

بل دلت النصوص على انه بضمن المال ، وتكون الخسارة الواردة عليه على المال ومنها

ما انفقه على نفسه ، لاحظ صحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام في الرجل

يعطى المال ، فيقول : له ائت ارض كذا وكذا ولا تجاوزها واشتر منها ، قال عليه السلام :

فان جاوزها وهلك المال فهو ضامن ، وان اشترى متاعا فوضع فيه فهو عليه ، وان ربح

فهو بينهما ( 1 ) ونحوه غيره .

7.    المشهور بين الاصحاب انه لايجوز للعامل ان يسافر من دون اذن المالك

الا اذا كان هناك متعارف ، وعن جامع المقاصد نسسبته الى علمائنا ، وعللوه بان فيه

تغريرا بالمال ، وهو كما ترى .

8.    لو كان لنفسه مال غير مال القراض وكان السفر لهما ، فالظاهر - كما

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب المضاربة حديث - 2 . ( * )

 

 

] ولا يطأ جارية القراض من دون اذن والاطلاق يقتضي الشراء بعين المال ، [

 

صرح به في الشرايع وغيرها - التوزيع . وهل هو على نسبة المالين او العملين ؟ وجهان ،

اجودهما الاول ، لان استحقاق النفقة في مال المضاربة منوط بالمال لا العمل ، كما في

المسالك تبعا لجامع المقاصد .

9.    لو سافر بمال المضاربة ، فاتفق عزله في السفر وانتزاع المال منه ، كانت

نفقة الرجوع عليه ، لانه انما يستحق النفقة مادام كونه مضاربا ، فبارتفاع العقد يرتفع

سبب الاستحقاق . ودعوى انه يرجع بما انفقه على المالك لقاعدة الغرور ، مندفعة بانه

لا غرور بعد دخوله على العقد الجائز الذي هو معرض ذلك .

10.         اذا مرض في السفر ، فان كان لا عمل له في المال معه تكون نفقته ايام

مرضه عليه ، وان كان لا يمنعه من العمل بالمال فهي على المالك . وهل الدواء من

النفقة ؟ وجهان ، يأتي ما هو الحق عندنا في مبحث النفقات .

السابعة : ( ولا يطأ جارية القراض من دون اذن ) وهو واضح .

 

حكم الشراء في الذمة

 

الثامنة : قالوا : ( والاطلاق يقتضي الشراء بعين المال ) لا في الذمة .

واستدلوا له تارة بانه المفهوم او المتيقن منه ، واخرى بانه اذا اشترى بكلي في

الذمة لا يصدق على الربح انه ربح مال المضاربة ، وثالثة بان في الشراء في الذمة تغريرا

بمال المالك وجعله في معرض التلف ، ورابعة بان الشراء في الذمة قد يؤدي الى وجوب

دفع غيره ، كما اذا تلف رأس المال قبل الوفاء ولعل المالك غير راض بذلك .

وهذه كلها كما ترى .

والحق ان يقال : انه بعد ما تعارف في المعاملات الشراء بالذمة على وجه الحلول ،

 

 

] وبثمن المثل [

 

لا ينبغي الاشكال في جوازه كذلك والدفع من رأس المال . واما الشراء بها على وجه

التأجيل ، فان كان فيه الغبطة والفائدة جاز ، لان الغرض الاقصى من القرض تحصيل

الفائدة والربح ، ولذا يجب ان يكون تصرف العامل مقصورا على ما يحصل به هذه

الغاية الذاتية . نعم ، اذا لم يكن فيه الغبطة والفائدة لم يجز لما ذكرناه ويمكن ارادة

الاصحاب المنع عن هذا بالخصوص .

ثم ان الشراء في الذمة يتصور على وجوه :

1.     ان يشتري في ذمة المالك .

2.     ان يشتري في ذمة نفسه لكن بما انه عامل ، ومرجعه الى الاول ، والحكم في

الصورتين ظاهر .

3.     ان يقصد ذمة نفسه وكان قصده الشراء لنفسه ، ولم يكن من نيته الوفاء

من مال القراض ثم دفع منه ، لا اشكال في صحة الشراء ، وكون الربح لنفسه ، والاداء

من مال القراض ان كان بنية الاستقراض وكان مأذونا في ذلك فلا اشكال ايضا ، والا

فهو غاصب بالنسبة اليه .

4.     ان يقصد ذمة نفسه مع قصده دفع الثمن من مال المضاربة ، فالظاهر انه

على فرض صحة الشراء حكم هذه الصورة حكم ما قبلها ، واما الصحة فقد مر الكلام

فيها تحت عنوان عام ، - وهو ان اشترى في ذمته مع قصد الاداء من المال الحرام - في

كتاب البيع .

5.     ان يقصد الشراء في ذمته من غير التفات الى نفسه والمالك ، والظاهر - كما

افاده صاحب الجواهر ره وغيره - انه يتعلق الثمن بذمته ظاهرا وواقعا ، ويكون الربح

له كما لو نوى نفسه . فما عن الرياض من الوقوع للمالك في هذه الصورة ، ضعيف .

التاسعة : ( و ) اطلاق العقد يقتضي الشراء ( بثمن المثل ) كما هو المشهور ،

 

 

] ولو فسخ المالك المضاربة [

 

فلا يجوز له ان يبيع باقل من ثمن الثمل ، كما لايجوز له ان يشتري بازيد من ثمن المثل ،

ويظهر وجهه مما ذكرناه في السمألة السابقة . وبه يظهر ان ما افاده سيد الرياض من

جعل المدار على حصول المصلحة مع الاطلاق ، وان كان فرضها في نحو البيع بدون

ثمن المثل نادرا ، متين . وقريب منه في الحدائق .

وقيده صاحب الجواهر ره بما اذا كان متعارفا ، اما اذا كان نادرا فلا يدخل في

الاطلاق ، لانصرافه الى المتعارف . وفيه : ما ذكرناه مرارا من ان الانصراف الناشئ

عن التعارف وكثرة الوجود لا عبرة به .

 

للعامل اجرة المثل اذا فسخ المالك المضاربة

 

العاشرة : ( ولو فسخ المالك المضاربة ) . فاما ان يكون قبل الشروع في

التجارة ، او في مقدماتها ، او بعده قبل ظهور الربح ، او بعده في الاثناء ، او بعد اتمام

التجارة قبل القسمة ، او بعدها . فالكلام في فروع :

1.     ان كان الفسخ قبل الشروع في العمل وفي مقدماته ، فلا اشكال ولا كلام

في انه لا شئ له ولا عليه .

2.     ان كان ذلك من اتمام العمل وبعد القسمة ، فاذا كان حصل الربح

يقتسمانه ، والا فلا شئ للعامل ولا عليه ، حصلت خسارة او لم يحصل الربح ولا

الخسارة . فما يظهر من اطلاق بعضهم ثبوت اجرة المثل مع عدم الربح ، غير تام ، لان

وضع المضاربة على عدم استحقاق العامل لشئ سوى الربح ، فكان ذلك شرط

ضمني في عقدها ، وبه يخرج عما دل على احترام عمل المسلم ، وانه لا يذهب هدرا ان

كان عن امر .

 

 

] فللعامل اجرته الى ذلك الوقت [

 

3.     اذا كان الفسخ في الاثناء قبل حصول الربح ، ( ف ) في المتن ( للعامل

اجرته الى ذلك الوقت ) ومقتضى اطلاقه كاطلاق ما في الشرايع ثبوت اجرة المثل لما

عمل .

واستدل له بان عمله محترم صدر باذن المالك ، لا على وجه التبرع بل في مقابلة

الحصة ، وقد فاتت بفسخ المالك قبل ظهور الربح ، فيستحق اجرة المثل الى حين

الفسخ .

وفيه : ان الامر بالعمل انما هو على الحصة من الربح على تقدير وجوده ، ولو

لم يوجد فلا شئ له ، وحيث ان للمالك الفسخ متى شاء ، فكان اقدامهما على ان

لا يكون له شئ الا مع بقاء العقد وحصول الربح وبدون ذلك لا شئ له ، ومع الاقدام

على ذلك لا وجه للضمان .

4.     اذا كان الفسخ بعد حصول الربح في الاثناء أخذ العامل حصته منه وان

قل ، كان ذلك بعد الانضاض او قبله ، اتفاقا في الاول كما في المسالك ، ووجهه ظاهر

مما قدمناه .

ومما ذكرناه ظهر حكم ما لو فسخ العامل ، وانه انما يستحق من الربح حصته

ان ظهر ولا يستحق اجرة المثل في شئ من الموارد ، كما يظهر حكم ما لو حصل

الانفساخ بموت أو جنون وما شاكل .

وقد وقع الكلام في صورة الفسخ أو الانفساخ في احكام ، وهي : وجوب

الانضاض اذا كان بالمال عروض ، ووجوب الجباية عليه اذا كان به ديون على الناس ،

ووجوب الرد على المالك .

اما الاول فغاية ما قيل في وجه وجوبه على العامل اذا طلبه المالك ، ان قوله

 

 

[ . . . ]

صلى الله عليه وآله : على اليد ما اخذت حتى تؤدي ( 1 ) يدل عليه ، لانه اخذه نقدا فيجب

رده اليه كذلك ، وايضا ان التغير حدث في المال بفعله فيجب رده الى ما كان .

وفيه : اولا : ان الحديث متضمن للضمان الخارج منه المقام ، فكان الاولى

الاستدلال له بما دل على وجوب در الامانة .

وثانيا : ان مال المالك حيث كان التغير حادثا باذنه حال الفسخ هو العروض ،

وهو الذي يجب ادائه لا النقد الذي اخذه .

واما ما في المسالك - تبعا لجامع المقاصد - من الاستدلال له فيما اذا كان الفسخ

بعد ظهور الربح ، بان استحقاقه الربح وان كان ثابتا بظهوره الا ان استقراره

مشروط بالانضاض ، فيحتمل عروض ما يقتضي سقوطه ، فدفعه ما تقدم من عدم

ثوقف استقراره عليه ، وان شئت قلت : ان توقف الاستقرار على الانضاض فرع

وجوبه ، فاثبات الوجوب بالاستقرار دور واضح . فالاظهر عدم وجوب الانضاض

مطلقا ، ولا فرق في ذلك بين كون ألطالب له هو المالك او العامل .

واما الثاني : ففي المسالك : وقد اطلق المصنف وجماعة وجوب جبايته على

العامل ، لاقتضاء المضاربة رد رأس المال على صفته والديون لا تجري مجرى المال ، ولان

الدين ملك ناقص والذي اخذه كان ملكا تاما فليؤده كما اخذه ، لظاهر : على اليد ما

اخذت حتى تؤدي ، انتهى .

ولكن الحديث قد عرفت اشكاله ، والادانة حيث تكون باذن المالك توجب

عدم كون رد رأس المال على صفته واجبا ، ومع الشك تكفي اصالة البراءة عن

الوجوب . فالاظهر عدم وجوبه ايضا .

..............................................................................

( 1 ) سنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )

 

 

] الفصل السابع : في الوديعة ، وهي عقد [

 

واما الثالث ، فالكلام فيه سيأتي في الوديعة ، فان المال بعد الفسخ امانة في يد

العامل كما مر ، فيلحقه حكم الامانة ، والتمسك لوجوبه بحديث على اليد قد عرفت

ما فيه .

 

الفصل السابع : في الوديعة

 

وحقيقتها الاستنابة في الحفظ ، وهي الامانة بالمعنى الاخص . وعرفها في

التذكرة بانها عقد يفيد الاستنابة في الحفظ ، والظاهر ان مراده بالعقد اللفظ او الفعل

الذي ينشأ به ذلك . وحيث عرفت ان العقد بنفسه من مقولة المعنى ، كما عرفت ان

اسامي المعاملات كلها اسام للاعتبارات النفسانية على ما مر في كتاب البيع ، فما في

الشرايع والمتن أولى ، قال في الشرايع : العقد وهو استنابة في الحفظ ، وفي المتن :

( وهي عقد ) والامر سهل . والاصل في شرعيتها الكتاب ، والسنة ، والاجماع .

قال الله تعالى : ( ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها ) ( 1 ) .

وقال عز شانه : ( فليؤد الذي ائتمن امانته وليتق الله ربه ) ( 2 ) .

واما السنة فالاخبار بذلك بالغة حد التواتر ، لاحظ :

خبر الحسين الشباني عن الامام الصادق عليه السلام ، قال قلت له : رجل من

مواليك يستحل من مال بني امية ودمائهم ، وانه وقع لهم عنده وديعة ، فقال عليه السلام :

ادوا الامانة الى اهلها وان كانوا مجوسا ( 3 ) .

..............................................................................

( 1 ) سورة النساء آية 58 .

( 2 ) سورة البقرة آية 283 .

( 3 ) الوسائل - باب 2 من ابواب الوديعة حديث - 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وخبر محمد بن مسلم عنه عليه السلام : قال امير المؤمنين عليه السلام : ادوا

الامانات ولو إلى قاتل ولد الانبياء ( 1 ) .

وخبر عمر بن ابي حفص عنه عليه السلام : اتقوا الله ، وعليكم باداء الامانة

الى من ائتمنكم ، فلو ان قاتل علي بن ابي طالب ائتمنني على امانة لاديتها اليه ( 2 ) .

وخبر عمار بن مروان عنه عليه السلام : اعلم ان ضارب علي عليه السلام

بالسيف وقاتله ، لو ائتمنني على سيف واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه ،

لاديت اليه الامانة ( 3 ) الى غير تلكم من الاخبار الآتي طرف منها في ضمن المباحث

الاتية .

واما الاجماع فقد نقله جمع من الاساطين منهم المصنف ره ، قال في محكي

التذكرة : وقد اجمع المسلمون كافة على جوازها ، وتواترت الاخبار بذلك .

وفي الحدائق : ويؤكد ذلك دلالة العقل والنقل على قضاء حاجة المؤمن وادخال

السرور عليه مع عدم المانع ، كما لو لم يثق من نفسه بالحفظ لبعض الاسباب المتوقف

عليها ذلك ، انتهى .

وبذلك يظهر ان قبول الوديعة مستحب ، بل عن التذكرة بعد التصريح

بالاستحباب : ولو لم يكن هناك غيره ، فالاقوى انه يجب عليه القبول ، لانه من

المصالح العامة ، وبالجملة فان القبول واجب على الكفاية ، ثم استثنى ما اذا تضمن

القبول ضررا في نفسه أو ماله او على احد من اخوانه المؤمنين ، ونفى في الحدائق البأس

عما ذكره . ولكن الوجوب الكفائي يتوقف على توقف حفظ المال على الاستيداع ،

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب الوديعة حديث 6 .

( 2 ) الوسائل باب 2 من ابواب الوديعة حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 2 من ابواب الوديعة حديث 8 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ووجوب حفظ مال الغير عن التلف ، ولا دليل على الثاني ، بل طاهر ما ذكروه في

اللقطة عدم وجوب الحفظ ، والله العالم .

ثم انه لا كلام في انها من العقود لا من الايقاعات وتحتاج الى القبول ، ويشير

اليه خبر عمار المتقدم . ومما ذكرناه في البيع والاجارة وغيرهما يظهر انها كسائر العقود

تحتاج الى الانشاء ، ولا يكتفي بمجرد الاعتبار النفساني ، ولكن ما ينشأ به لا يعتبر ان

يكون لفظا ، بل يصح الانشاء بالفعل وبالقول والفعل معا ، بان يكون الايجاب

بالقول والقبول بالفعل . ولا يعتبر فيما ينشأ به العربية ، ولا الماضوية ، ولا تقدم الايجاب

على القبول ، ولا الصراحة ، ولا الحقيقة . كما انه قد ظهر مما قدمناه اعتبار كون

المتعاقدين بالغين عاقلين مختارين .

وفي المقام فرعان :

1.     قال في الشرايع : ولو طرح الوديعة عنده لم يلزم حفظها اذا لم يقبلها . وهو

ظاهر ، فانه مع عدم تحقق القبول لا تتحقق الوديعة ، فلو تركها حينئذ وذهبت لم يكن

عليه ضمان .

وفي المسالك : ولكن يأثم ان كان ذهابها بعد ما غاب المالك ، لوجوب الحفظ

من باب المعاونة على البر واعانة المحتاج ، فيكون واجبا على الكفاية .

وفيه : ان المعاونة على البر حسنة وليست بواجبة ، وكذا اعانة المحتاج ، مع ان

ذلك ليس منها .

وتفصيل القول في المقام : ان طرح الوديعة تارة يكون بعنوان الاستنابة في

الحفظ ويكون فعله ذلك مقرونا بما يوجب ظهوره في كونه فعلا ينشأ به تلك ، واخرى

لا يكون بهذا العنوان .

فعلى الاول ان قبلها من طرحت عنده قولا او فعلا تحققت الوديعة ، ويترتب

 

 

[ . . . ]

عليها احكامها من وجوب الحفظ وعدم الضمان بدون التقصير . وان لم يقبلها كان

حكمها ما تقدم .

وعلى الثاني تكون تلك حينئذ امانة مالكية . توضيح ذلك : ان الامانة مالكية

وشرعية ، والامانة المالكية على قسمين : الامانة الحاصلة بالتأمين العقدي كالوديعة ،

والامانة الحاصلة بالتأمين بالتسليط على ماله برضاه وهي الامانة بالمعنى الاعم ، وبهذا

المعنى اطلقت الامانة على العين المستأجرة والمرهونة والمضارب بها وما شاكل . والامانة

الشرعية فيما كان التسليط على المال بحكم الشارع ، كما في تسليط الولي على مال

القاصر ، وكالتسليط على مجهول المالك وما شاكل .

وليعلم ان الامانة المالكية بالمعنى الاعم انما تتحقق بالتسليط على المال عن

الرضا من دون توقف على شئ آخر ، كما يستفاد مما ورد في الابواب المتفرقة من

العارية والمضاربة والوديعة ونحوها ، لاحظ صحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه

السلام : صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ، وقال : ليس على مستعير عارية ضمان ،

وصاحب العارية والوديعة مؤتمن ( 1 ) ونحوه غيره من النصوص الكثيرة .

فانه ليس في شئ من هذه الموارد سوى التسليط على المال عن الرضا ،

فيستكشف من ذلك ان كل تسليط عن الرضا ايتمان ، ويترتب عليه عدم الضمان

وغيره مما يكون مترتبا على المؤتمن . وعلى هذا ففي المقام لو طرح المال عنده فان لم

يضع يده عليه فلا شئ عليه ، وان اثبت يده عليه فلا ضمان عليه لو تلف عن غير

تقصير .

وهل يجب عليه حفظه حينئذ كما في المسالك ، قال : واليد توجب الحفظ الى ان

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب العارية حديث 6 .

 

 

[ . . . ]

ترده على مالكه ، لعموم على اليد ما اخذت حتى تؤدي ( 1 ) ام لا يجب عليه الحفظ ؟

وجهان ، اظهرهما الثاني ، فان الدليل انما دل على وجوب الحفظ في الامانة بالمعنى

الاخص ، واما في الامانة بالمعنى الاعم الحاصلة من التسليط عن رضاه التي ليس

مقتضاها الا كون استيلائه عن رضا المالك ، فلادليل على وجوب الحفظ . واما الحفظ

من حيث انه ما محترم فلا يجب اصلا ، ولذا لا يجب التقاطه بل يكره . والتمسك

بحديث على اليد غريب ، فان الحديث في الضمان ولا يدل على وجوب الرد تكليفا ، مع

ان يد الامين خارجة عن تحت الحديث . فالاظهر عدم وجوب الحفظ عليه .

ويترتب على ذلك انه لو ترك الحفظ وتلف لا يكون ضامنا ، اذ لو لم يكن الحفظ

واجبا لم يكن تركه تفريطا ، والى ما ذكرناه يشير خبر اسحاق عن جعفر عن ابيه

عليهما السلام : ان عليا عليه السلام كان يقول : لاضمان على صاحب الحمام فيما ذهب

من الثياب ، لانه انما اخذ الجعل على الحمام ولم يأخذ على الثياب ( 2 ) فانه مع استيلاء

الحمامي على الثياب يدل على انه لو كان أخذ الجعل على الثوب كان مكلفا بحفظه ،

فترك التحفظ عليه تفريط فيكون ضامنا وحاله حينئذ حال الوديعة بخلاف ما اذا

لم يكن حفظ الثوب بعهدته ، فانه لا يجب عليه الحفظ ، فتركه التحفظ ليس تفريطا

فلا يكون ضامنا .

2.     لو اكره على قبضها لم تصر وديعة ، لعموم حديث رفع ما استكرهوا عليه ( 3 )

فلا يجب عليه حفظها . وفي المسالك : لكن يجب تقييده بما اذا لم يضع يده عليها بعد

..............................................................................

( 1 ) سنن البيهقي ج 6 ص 90 .

( 2 ) الوسائل - باب 28 - من ابواب الاجارة حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 56 من ابواب جهاد النفس . ( * )

 

 

] جائز من الطرفين [

 

زوال الاكراه مختارا ، فانه حينئذ يجب عليه الحفظ باليد الجديدة ، وان لم يجب بالاكراه ،

وفيه : ان وضع يده عليها بعد زوال الاكراه ان كان بعنوان قبول الوديعة ، او

كان حين ما اكره قبل الوديعة وكان ذلك منه رضا به ، وكان المالك انشأ الوديعة قولا

او فعلا ، وجب عليه الحفظ والا فلا ، وان كان المال عنده امانة مالكية كما مر .

 

الوديعة عقد جائز

 

وكيف كان ، فلا خلاف بينهم في ان الوديعة عقد ( جائز من الطرفين ) . وفي

الجواهر : بل الاجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة في تخصيص الآية ( 1 ) وغيرها من ادلة

اللزوم . ويترتب عليه بطلانه بموت كل منهما او بجنونه واغمائه ، ونحو ذلك مما يخرج

به ماله عن ملكه او ولايته عليه ، كما هو الشأن في العقود الجائزة مطلقا على ما مر في

باب المضاربة ، وقد عرفت هناك انه لايمكن اثبات ذلك بالدليل ، ولكن لتسالم

الاصحاب يبنى عليه ، فراجع ما ذكرناه .

ولو بطل العقد ، فالمال يكون في يده الودعي امانة شرعية ، كما في الشرايع

والمسالك والجواهر وغيرها . واستدل له بعدم اذن المالك الصوري ، وحصول الاذن من

المالك الحقيقي في الاستيلاء عليه للرد حسبة ، وحينئذ يلحقه حكم غيره من الامانات

الشرعية .

ولكن يمكن ان يقال : ان الامانة الشرعية ملاكها الترخيص في اثبات اليد

على مال الغير لحفظه أو لايصال المال الى مالكه ، كما استفيد من ادلة اللقطة ومجهول

..............................................................................

( 1 ) سورة المائدة آية 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المالك وما شالك ، وليس مجرد الترخيص الشرعي تأمينا شرعيا ، كما لو اباح الشارع

وضع اليد على العين المستأجرة لاباحة المالك اياه ، فانه من باب اباحة ما اباحه المالك

لا تأمين من الشارع بل الترخيص الابتدائي منه ، كما في اللقطة تأمين من الشارع .

وعليه ففي المقام غاية ما يثبت بالدليل وجوب رد المال الى صاحبه ، وهو وجوب

عرضي يتبع حرمة امساكه ، فلا ترخيص ابتداء من الشارع في وضع اليد عليه ، ولا

ايجاب للايصال ابتداء حتى يكون حاله كحال الترخيص الابتدائي ، وعليه فليس هو

امانة شرعية ، بل يجب الرد من باب حرمة امساك مال الغير .

وعلى هذا ، فهل يكون ضامنا له لو تلف ام لا ؟ يشهد للضمان عموم قاعدة

على اليد ( 1 ) فان الخارج عنها يد الامين ، وهو ليس أمينا على الفرض .

واستدل لعدم الضمان تارة بعدم شمول القاعدة للمقام ، نظرا الى ما عن

المحقق النائيني ره ، قال : ان الاخذ هو الاستعلاء على الشئ بالقهر والغلبة ، كما تشهد

به موارد استعماله ، لاحظ قوله تعالى ( وكذلك اخذ ربك اذا اخذ القرى ) ( 2 ) وقوله

سبحانه ( ولاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) ( 3 ) وقوله تعالى ( فاخذناهم

اخذ عزيز مقتدر ) ( 4 ) وغير تلكم من موارد استعماله ، وعليه فيختص الحديث بصورة

الغصب ولا يشمل امثال المقام .

واخرى بان قاعدة الاحسان تمنع عن الضمان ، بدعوى ان وضع يده على المال

..............................................................................

( 1 ) سنن البيهقي ج 6 - ص 90 .

( 2 ) سورة هود آية 102 .

( 3 ) سورة الحاقة آية 46 .

( 4 ) سورة القمر آية 43 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بداعي الايصال الى مالكه احسان اليه ( وما على المحسنين من سبيل ) ( 1 ) الشامل

لكل سبيل دنيوي او اخروي .

ولكن يرد على الاول ان الاخذ بحسب اللغة معناه تناول الشئ ، كان عن

قهر وغلبة ام لم يكن ، واستعماله في غير موارد الاخذ بالغلبة والقهر كثير ، لاحظ قوله

تعالى ( خذ العفو ) ( 1 ) وقوله عز اسمه ( خذ من اموالهم صدقة ) ( 3 ) وقوله عليه

السلام : خذها فاني اليك معتذر ، وغير تلكم من الموارد ، فالحديث يدل على الضمان في

كل مورد كان مال الغير تحت اليد ، ومن تلك الموارد المقام .

ويرد على الثاني ان قاعدة اليد تخصص بقاعدة الاحسان كتخصيصها بقاعدة

الايتمان الا انها في موارد التمحض في الاحسان ، كما لو علم من حال المالك رضاه

بوضع اليد على ماله لايصاله اليه ، فانه ليس هناك تسليط ليكون امانة مالكية ، لكنه

يجوز وضع اليد عليه ، فوضع اليد للايصال احسان محض منه ، ومع تلفه قبل وصوله

لاضمان ، واما في المقام فايصال المال الى صاحبه واجب من حيث حرمة امساكه ، فهو

حينئذ ترك الاساءة لا من باب انه احسان محض .

فتحصل مما ذكرناه انه يكون ضامنا لو تلف قبل الايصال ، الا ان يثبت

الاجماع على عدم الضمان .

..............................................................................

( 1 ) التوبة آية 92 .

( 2 ) سورة الاعراف آية 200 .

( 3 ) سورة التوبة آية 103 . ( * )

 

 

] ويجب حفظها بمجرى العادة ولو عين المالك حرزا تعين ، فلو خالف ضمن [

 

وجوب الحفظ على المستودع

 

وتمام الكلام في هذا الفصل في طي مسائل :

الاولى : ( ويجب حفظها ) اي الوديعة ( بمجرى العادة ) ، كالثوب في الصندوق ،

والشاة في المراح ، والدابة في الاصطبل ، او ما يجري مجرى تلكم في الحرز لمثلها في

العادة ، كما هو الشأن في كل ما لا حد له شرعا فانه يرجع فيه الى العرف والعادة . ومنه

المقام فان الوديعة كما مر استنابة في الحفظ ، وليس لها في الشرع حد فيتعين الرجوع

فيها الى العادة . وعلى ذلك فلايهمنا النزاع في المصاديق ، مثل انه هل يجب ان يكون

الصندوق محرزا ام يكفي مطلقة ، فان الضابط ما ذكرناه ، والميزان هو حفظها بما يحفظ

به امواله . ولا فرق في ذلك بين علم المودع بان المستودع ليس له ما يحفظ فيه الوديعة ،

أو عدم علمه بذلك .

والدليل على وجوب الحفظ - مضافا الى الاجماع المحقق ، وكون ذلك من

مقتضيات عقد الوديعة فانها كما مر استنابة في الحفظ - الآيات والنصوص المتقدمة

الدالة على وجوب رد الامانة ، فانه لولا وجوب حفظها لم يجب ادائها ، ولو كان يجوز

له اهمالها وعدم حفظها كيف يترتب عليها وجوب الاداء . والاخبار الآتية الدالة على

الضمان مع ترك الحفظ ، اذ لو لم يكن الحفظ واجبا لم يكن وجه للضمان بتركه .

( ولو عين المالك حرزا تعين ) ، لاصالة حرمة التصرف في مال الغير بغير اذنه ،

( فلو خالف ضمن ) لانه عاد ، وقد استثنوا من ذلك موردين :

الاول : ما اذا كان النقل الى الاحرز ، فقد ادعى الاجماع على انها في هذا

المورد لو تلفت لا تضمن ، واضاف جمع منهم اليه النقل الى مثله .

 

 

] الا مع الخوف . ويجب على الودعي علف الدابة وسقيها ، ويرجع به على

المالك . [

 

والتحقيق ان يقال : انه ان فهم من التعيين ان الغرض المعاملي له الاحتفاظ

وانما عين المحل الخاص من باب المثال ، فمع النقل الى الاحرز او المساوي لاضمان ،

والا فالمتجه هو الضمان .

الثاني : ما ذكره المصنف ره بقوله ( الا مع الخوف ) لجواز النقل حينئذ حسبة ،

بل قالوا انه لو قال المودع : لاتنقلها عن هذا المكان وان تلفت فيه ، لعدم ثبوت هذه

السلطنة له من السلطان الحقيقي ، بل حرم عليه اضاعة المال واتلافه في غير وجهه ،

ومن ذلك النهي عن التبذير ، وعن تمكين السفهاء من الاموال التي جعلها لنا قواما .

فهل يجب النقل حينئذ كما في المسالك ، لان الحفظ واجب عليه ولا يتم الا

بالنقل وللنهي عن اضاعة المال ، ام لا ؟ الظاهر هو الثاني ، فان وجوب الحفظ ان كان

بمناط وجوب حفظ المال المحترم ، فقد مر انه لا وجه لوجوبه ، ولذا لا يجب التقاطه بل

يكره . وان كان بمناط وجوب حفظ الوديعة ، فالمفروض انه بالنقل يخرج عن الوديعة ،

فانه قيد فيها عدم النقل . واما النهي عن اضاعة المال ، فهو بالنسبة الى المالك ، ولا

دليل على حرمتها على غير المالك حتى بترك الحفظ اياه عن التلف ، بل لايحرم ذلك

قطعا . فالاظهر عدم وجوبه ، وعليه فحيث يجوز شرعا النقل حسبة ، فلا ضمان عليه

لو نقلها وتلفت ، لقاعدة الاحسان بالتقريب المتقدم .

 

وجوب سقي الدابة وعلفها على الودعي

 

الثانية : ( ويجب على الودعي علف الدابة وسقيها ويرجع به على المالك ) على

المشهور بين الاصحاب ، بل بلا خلاف في ذلك في الجملة .

 

 

[ . . . ]

وتفصيل القول في المقام ان هاهنا صورا :

الاولى : ان يأمره المالك بذلك ، لا اشكال في انه يجب عليه كما صرحوا به ، لانه

من مقدمات الحفظ المأمور به ، ويرجع به على المالك ، وذلك لان حقيقة الوديعة هي

الاستنابة في الحفظ ، فهي وان كانت بطبعها آبية عن التعويض - والا لكانت اجارة

على العمل لا وديعة - موجبة لتنزيل الودعي منزلة المالك في حفظها الذي لا عوض

لمالكها . ولكن ذلك بالنسبة الى الحفظ نفسه ، واما ما يتوقف عليه الحفظ من مال او

عمل فالوديعة بنفسها لا اقتضاء بالنسبة اليه من حيث التعويض ، وعلى فاذا كان

المالك مستوفيا له بالامر به كان ذلك موجبا للضمان ، فيرجع الودعي اليه . واما قاعدة

احترام المال التي استدل بها بعضهم في المقام للضمان ، فقد مر انها بنفسها ليست من

موجبات الضمان ، ولا توجب الرجوع الى من وصل نفعه اليه .

الثانية : ان ينهاه عن ذلك ، ففي الشرايع وغيرها لم يجز القبول ، بل يجب سقيها

وعلفها .

واستدل له في المسالك وغيرها بانه حق الله تعالى كما انه حق المالك ، فلا يسقط

حق الله تعالى باسقاط المالك حقه . وبان اتلاف المال منهي عنه .

ولكن قد مر ان حفظ الحيوان من التلف لا يكون واجبا على غير المالك ، ولذا

لا يجب التقاط الحيوان اذا خاف عليه التلف ، والحفظ بعد الالتقاط من جهة كونه

امانة شرعية يجب حفظها من التلف ، كما ان وجوب الحفظ على مالكه انما هو من جهة

وجوب نفقة المملوك على مالكه لا من حيث حفظ النفس المحترمة ، والمفروض انه

لا يجب الحفظ من جهة الوديعة لنهي المالك عنه . واما حرمة اتلاف المال فقد عرفت

انه مختص بالمالك ، فحرمة الاتلاف غير المستلزم للتصرف في ملك الغير غير ثابتة

والاصل عدمها .

 

 

[ . . . ]

فعلى هذا لا يجب عليه سقي الدابة في هذه الصورة ولا علفها ، بل لا يجوز من

غير مراجعة الحاكم ، فانه تصرف في مال الغير بلا رضاه . ولو سقاها واعلفها والحال

هذه ، ليس له الرجوع بقيمتهما على المالك ، كما ظهر مما ذكرناه في الصورة الاولى .

الصورة الثالثة : ان يطلق المالك المودع لا يأمره ولا ينهاه ، والظاهر في هذه

الصورة وجوب السقي والعلف ، لانهما من مقدمات الحفظ المأمور به ، بل قد يقال -

كما عن التذكرة وغيرها - : ان مقتضى الشرط الضمني هو ذلك .

وهل يرجع بما بذله في مقام حفظه الى المالك ام لا ؟ الظاهر ذلك ، لا لمجرد

وجوب الحفظ فانه لا اقتضاء من حيث المجانية وعدمها ، ولا لحرمة المال المبذول فانها

لا توجب الضمان ما لم يكن المالك مستوفيا له بالمباشرة او بوكيله او بأمر أحدهما أو

بأمر الحاكم ، بل لمفهوم قوله عليه السلام في صحيح ابي ولاد في جواب قول السائل :

جعلت فداك فقد علفته بدراهم فلي عليه علفه : لا ، لانك غاصب ( 1 ) فانه يستفاد منه

ان غير الغاصب له الرجوع بما انفق على الدابة .

فالمتحصل مما ذكرناه انه مع الاطلاق او الامر بهما يجب السقي والعلف ، ويرجع

بما بذله على المالك .

بقي الكلام في الضمان مع الاهمال في حفظ الدابة بترك السقي والعلف ،

فالظاهر هو ذلك ، لا لوجوب الحفظ فانه لا يوجب تركه إلا الاثم ، ولا من جهة تخلف

الشرط الضمني او الصريح فان ترك الوفاء بالشرط ليس من موجبات الضمان ، بل

لان ترك الحفط داخل في التعدي او التفريط ، وسيجئ ان اليد معه مضمنة ،

والنصوص الخاصة دالة عليه ايضا .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من كتاب الغصب . ( * )

 

 

] ويضمن المستودع مع التفريط لا بدونه ، ]

 

ثم انه لا يهمنا البحث في جواز اخراج الدابة من المنزل وعدمه ، لما مر - ومما

ذكرناه يظهر حكم ما لو كانت الوديعة غير الحيوان - كشجر وبناء ونحوهما - وانه

مع الاطلاق ، او الامر بانقاق ما يتوقف عليه حفظها ، يجب ويرجع بما بذله على المالك .

 

ضمان المستودع مع التعدي او التفريط

 

الثالثة : ( ويضمن المستودع مع التفريط ) بترك التحفظ ، أو التعدي بالمخالفة

في كيفية الحفظ ، أو الخيانة بالتصرف في المال . والضابط هو التقصير ، وان حصره

بعضهم في ستة : الانتفاع بها ، والايداع ، والتقصير في دفع المهلكات ، والمخالفة في كيفية

الحفظ ، والتضييع بان يلقيها في مضيعة ، والجحود . و ( لا ) يضمن ( بدونه ) ، بلا خلاف

فيهما بل عليهما الاجماع بقسميه في الجواهر .

ويشهد بهما - مضافا الى قواعد باب الضمان كما مر في الاجارة والمضاربة

وغيرهما - النصوص الخاصة المعلقة جملة منها لعدم الضمان على الايتمان ، اما بجعله

سببا ، او عنوانا لعدم الضمان ، لا حظ :

ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح والحسن عن ابي عبد الله عليه السلام :

صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ( 1 ) .

وصحيح زرارة - او حسنه - عنه عليه السلام عن وديعة الذهب والفضة ، فقال

عليه السلام : كل ما كان وديعة ولم تكن مضمونة لا تلزم ( 2 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب العارية حديث 6 وباب 4 من ابواب الوديعة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب الوديعة - حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وموثق اسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه السلام عن رجل استودع رجلا

الف درهم فضاعت ، فقال : الرجل كانت عندي وديعة ، وقال الآخر : انما كانت لي

عليك قرضا ، فقال عليه السلام : المال لازم له ، الا ان يقيم البينة انها كانت وديعة ( 1 ) .

وصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام عن الرجل يستبضع المال

فيهلك او يسرق ، أعلى صاحبه ضمان ؟ فقال عليه السلام : ليس عليه غرم بعد ان

يكون الرجل امينا ( 2 ) ونحوها غيرها .

اضف الى ذلك النصوص الدالة على الضمان بالتعدي والاستهلاك في باب

المضاربة والرهن ، بعد معلومية اشتراك الجميع في الحكم المزبور باعتبار كونها امانة .

مع انه يدل على الضمان بالتعدي مكاتبة محمد بن الحسن الى ابي محمد عليه السلام :

رجل دفع الى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت ، هل يجب عليه اذا خالف

امره واخرجها عن ملكه ؟ فوقع عليه السلام : هو ضامن له ان شاء الله ( 3 ) .

وعلى الجملة ، فان المستفاد من مجموع الادلة بعد ضم بعضها الى بعض ، ان

تلف المال عند الودعي لا يوجب الضمان الا مع التقصير في الحفظ ، الموجب لخروج

اليد عن كونها يدا امانية ومأذونة وصيرورتها خيانة .

وقد وقع الخلاف والكلام في جملة من الموارد ، كترك ما يحفظ به الوديعة مثل

نشر الثوب وطيه وتعريضه للهواء ، والمسافرة بها ، واخراج الوديعة من الحرز لينتفع

بها ، والجحود ، وما شاكل . وحيث انه لا نص في شئ من الموارد يعتمد عليه ، فلا بد في

كل مورد من عرضه على الميزان المتقدم ثم الحكم بالضمان وعدمه ، فلايهمنا البحث في

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 7 من ابواب الوديعة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب المضاربة حديث 8 .

( 3 ) الوسائل باب 5 من ابواب الوديعة حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

كل مورد بالخصوص .

نعم ، لا بأس ببيان حكم ما لو ضيع بالنسيان ، فالمحكى عن جماعة - منهم

المصنف ره في التحرير وولده والمحقق الثاني - الضمان ،

واستدل له بان الدليل دل على ان الامين يضمن مع التعدي أو التفريط ،

وحديث رفع النسيان ( 1 ) لا يصلح رافعا للضمان ، لكونه في مقام الامتنان ولا امتنان على

الامة في رفعه ، ولذا في سائر موارد الضمان لا يرتفع الضمان مع تحقق السبب نسيانا .

واورد عليه بان مقتضى اطلاق ما دل على عدم ضمان الامين العموم ، وغاية ما

خرج منه العامد الاثم دون غيره ، فاطلاق ذلك يقتضي عدم الضمان ، وبه يرفع اليد

عن قاعدة على اليد ( 2 ) .

وفيه : انه وان لم يكن دليل لفظي يدل على انه في هذا الباب يكون المتعدي او

المفرط ضامنا ، ولكن لا ريب في استفادة ذلك من مجموع ما تقدم ، بل يمكن ان يقال

انه يستفاد ذلك من نفس ما دل على انه لاضمان على الامين ، فان اخذ الامانة عنوانا

للموضوع مشعر بذلك ، والمضيع وان كان عن نسيان ليسه يده امانية . فالاظهر هو

الضمان .

 

اعادة الوديعة بعد التفريط

 

المعروف بين الاصحاب انه اذا اعاد الوديعة بعد التعدي او التفريط الى

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 56 من ابواب جهاد النفس .

( 2 ) سنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )

 

 

] ولا يزول الا بالرد الى المالك او الابراء [

 

الحرز ، لم يبرأ ( ولا يزول ) الضمان .

قال في محكى التذكرة : اذا صارت الوديعة مضمونة على المستودع ، اما بنقل

الوديعة واخراجها من الحرز ، او استعمالها كركوب الدابة ولبس الثوب او بغيرها من

اسباب الضمان ، ثم انه ترك الخيانة ورد الوديعة الى مكانها وخلع الثوب ، لم يبرأ بذلك

عند علمائنا اجمع ، ولم يزل عنه الضمان ولم تعد امانة ، انتهى .

والتحقيق يقتضي ان يقال : ان الدليل دل على عدم ضمان الودعي ، خرج عن

ذلك ما لو كان متعديا او مفرطا . وعليه فاذا فرط او تعدى ثم عاد ، يدخل المقام تحت

كبرى كلية مذكورة في الاصول ، وهي انه اذا فرض خروج بعض الافراد في بعض

الازمنة عن العموم ، فهل فيما بعد ذلك الزمان المخرج بالنسبة الى ذلك الفرد يجري

استصحاب حكم الخاص أو يتمسك بالعموم ؟ وحيث ان المختار عندنا هو التمسك

بالعموم مطلقا ، وان لم يكن لدليل ذلك العموم عموم ازماني ، ولا يصح الرجوع الى

الاستصحاب ، فالمتعين في المقام البناء على ارتفاع الضمان وعدم بقائه ، لفرض ان

الوديعة لا تنفسخ بالخيانة ، بل تلك الوديعة في حال الخيانة خارجة عن تحت عموم ما

دل على عدم الضمان ، فاذا اعادها الودعي فقد دخلت تحت العموم ، ولا مجال لاجراء

استصحاب بقاء الضمان . وأولى بذلك ما لو جدد المالك له الاستيمان ، بان فسخ العقد

السابق ثم اودعه جديدا .

فان قيل : ان المصنف ره ادعى الاجماع على الضمان ، فهو المقيد للاطلاق .

قلنا : انه ليس اجماعا تعبديا ، لاستدلالهم له بالاستصحاب .

وعلى تقدير ما بنى عليه القوم من الضمان والخروج عن كونه وديعة ، فالظاهر

انه لا يزول الضمان ( الا بالرد الى المالك ) ، وعود الحكم الاول انما هو بتجديد المالك

له الوديعة ( او الابراء ) ، بان يبرأه المالك من الضمان .

 

 

[ . . . ]

والاول مورد الوفاق . انما الخلاف بينهم في انه لو لم يردها ولكن جدد له المالك

الايداع ، فظاهر الاكثر انه كالاول ، وعللوه بان الضمان انما كان بحق المالك ، وقد

رضي بسقوطه باحداثه ما يقتضي الامانة .

وقيل : لا يزول الضمان ، وهو ظاهر المتن ، واستدل له بظاهر قوله عليه السلام

على اليد ما اخذت ( 1 ) .

وقال في المسالك : ويمكن بناء ذلك على ان الغاصب اذا استودع هل يزول

الضمان عنه ام لا ؟ فان المستودع هنا قد صار بتعديه بمنزلته . والمسألة موضع اشكال ،

اذ لا منافاة بين الوديعة والضمان كما في المفروض المذكور ، فلا يزول السابق بتجدد

ما لا ينافيه ، مع عموم قوله عليه السلام على اليد ما اخذت حتى تؤدي ، ومن انه قد

اقام يده مقام يده وجعله وكيلا في حفظها ، وذلك يقتضي رفع الضمان ، الى ان قال :

والاقوى هنا زوال الضمان ، لان المستودع نائب عن المالك في الحفظ فكانت يده كيده ،

وقبضه لمصلحته ، فكان المال في يده بمنزلة ما كان في يد المالك ، بخلاف لرهن ، انتهى .

وفيه : انه اذا فسخ المالك الوديعة الاولى ، وجدد العقد ولم يرجع المال الى يده ،

وقلنا بصحة الثاني ، فلا اشكال في ارتفاع الضمان ، ولا مورد للتمسك بعموم على اليد ،

لان يده بمقتضى الوديعة الثانية يد امانية . اللهم الا ان يقال مبتنيا على الكبرى

المتقدمة : ان يده هذه كانت يد ضمان ، فبعد ارتفاع العدوان والخيانة يشك في بقاء

الضمان ودخولها تحت ما دل على عدم الضمان على الامين ، فيستصحب الضمان ، ولكن

قد اشرنا الى بطلانها .

وان لم يفسخ المالك الوديعة الاولى ، وقال : اذنت لك في حفظها أو اودعتكها او

..............................................................................

( 1 ) سنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )

 

 

[ . . . ]

نحو ذلك ، فلا كلام في عدم انفساخ الاولى وعدم حدوث عقد جديد ، فحينئذ ان اراد

بذلك البراءة ، من الضمان فسيأتي حكمه .

والا فقد استدل في المسالك لعدم الضمان تارة بانه لحق المالك وقد رضى

بسقوطه باحداثه ما يقتضي الامانة واخرى بان المستودع نائب عن المالك فكان يده

كيده .

وفيه : انه لم يحدث ما يقتضي الامانة ، ومجرد رضا المالك بسقوطه لا يكفي في

السقوط ، وكون يد المستودع كيد المالك اول الكلام . وما افاده من ابتناء ذلك على

مسألة ان الغاصب اذا استودع هل يزول الضمان عنه ام لا ، غير تام ، فان المفروض

في المقام عدم فسخ العقد الاول ، ومعه لا يؤثر الثاني شيئا قطعا .

واما الثاني - وهو الابراء - فقد جزم المصنف ره والمحقق في الشرايع بحصول

البراءة من الضمان به ، ووجهه ان الضمان كان لحقه فيسقط باسقاطه .

واورد عليه صاحب الجواهر وقبله غيره بعدم دليل صالح لقطع اصالة الضمان ،

ضرورة عدم ثبوت مال في الذمة يكون موردا للابراء ، فان المراد من الضمان اشتغال

ذمته لو تلفت بالمثل او القيمة ، فهو كما لو قال للغاصب : ابرأتك من ضمان المال

المغصوب في يدك ، ونحوه مما هو ابراء عما لم يجب بعد . وتأهل الذمة للاشتغال على

تقدير التلف لم يثبت قابليته للسقوط ، بل مقتضى الاصل واطلاق ما دل على سببية

الضمان الشامل لصورة الاسقاط عدم سقوطه بالاسقاط .

وفيه : اولا : ان الابراء ان كان ابراء على تقدير الثبوت لا تنجيزيا ، لا يكون من

قبيل ابراء ما لم يجب .

وثانيا : ان الضمان المسبب عن التعدي او التفريط كالضمان في سائر الموارد

غير العقود الصحيحة ، عبارة عن كون العين في العهدة ، واثر ذلك لزوم دفع العين

 

 

] ويحلف للظالم ويوري ، [

 

مادام بقائها ، والبدل على تقدير التلف ، ففي جميع الموارد تكون العين في العهدة حتى

بعد التلف . وعلى ذلك فالابراء عنه لا اشكال فيه اصلا ، بعد معلومية كون الضمان من

الحقوق القابلة للاسقاط لا من قبيل الحكم .

 

حكم ما اذا اتلف الاجنبي الوديعة

 

ثم انه بعد ما عرفت من وجوب الحفظ ، فاعلم انه اذا اراد ثالث أخذ المال

الذي جعل وديعة عنده قهرا او اراد اتلافه ، فان تمكن من الدفع من دون ان يترتب

عليه ضرر أو مشقة وجب ، لانه مقدمة للحفظ المأمور به على جهة الاطلاق .

ولو توقف ذلك على بذل مال فهل يجب ام لا ؟ وعلى تقدير البذل هل يرجع

بما بذله على المالك ؟ خلاف في الجهتين ، وقد تقدم ما عندنا عند بيان حكم علف

الدابة وسقيها ، وما ذكرناه في تلك المسألة جار هنا .

ولو توقف الدفع على الكذب جاز ، بل وجب بل ( و ) عليه ان ( يحلف للظالم )

لو طولب باليمين - على ما سيأتي الكلام في ذلك مفصلا في كتاب الايمان - والنصوص

الخاصة شاهدة بذلك .

( و ) هل يجب ان ( يوري ) مع التمكن من التورية ؟ الظاهر ذلك كما سيأتي في

ذلك الكتاب .

ولو ادى وظيفته ومع ذلك اخذ منه قهرا او اتلف فلا ضمان عليه ، بلا خلاف

اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه ، كذا في الجواهر ، لقاعدة الايتمان .

ودعوى اختصاصها بالتلف ، وفي المقام اما اتلاف او اخذ ، وعلى التقديرين لا

تلف ، مندفعة :

 

 

[ . . . ]

اولا : بصدق التلف عليهما بكل من اتلاف الثالث واخذه ، كما يشهد به خبر

عقبة بن خالد الوارد في تلف المبيع قبل قبضه من اطلاق التلف على سرقة المتاع ( 1 ) .

وثانيا : انه لم يؤخذ في ادلة عدم الضمان على الامين خصوص التلف ، بل صرح

في بعضها بالسرقة ، كصحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام عن الرجل

يستبضع المال فيهلك او يسرق ، أعلى صاحبه الضمان ؟ فقال عليه السلام : ليس عليه

غرم بعد ان يكون الرجل امينا ( 2 ) .

ثم الظاهر انه لا اشكال فيه ، سواء كان قد تولى الظالم اخذها من يده ، أو من

مكانها الذي كانت فيه ، او قهره على الاتيان بها فدفعها اليه ، لصدق عدم التفريط

فيهما ، ولا ضمان عليه فيهما ، وانما الضمان على الظالم كما هو المشهور بين الاصحاب .

وعن ابي الصلاح وابي المكارم والمصنف ره في التذكرة والتحرير انه يجوز

رجوع المالك عليه مع مباشرته الدفع بنفسه الى من أمره الظالم ، لانه باشره تسليم

مال الغير بيده ، فيشمله عموم على اليد ، وان كان قرار الضمان عليه . وقواه في الجواهر ،

بتقريب ان التسليم الى الظالم من اقسام الاتلاف ، والمخصص بقاعدة الايتمان قاعدة

على اليد دون قاعدة الاتلاف .

ولكن يرد على الوجه الاول : ان التسليم الى الظالم ان كان جائزا له ، فلا يكون

به مفرطا ولا متعديا ، ومعه يدخل في قاعدة الايتمان ، وهي تخصص قاعدة على اليد .

واما ما افاده في الجواهر ، ففيه : ان التسليم الى الظالم لا يعد اتلافا للمال ، بل لو كان

ذلك اتلافا يكون فاعله الظالم الاخذ ، فهو المتلف بأخذه لا الودعي المسلم اليه ، وانما

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 20 من ابواب الخيار - من كتاب التجارة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب المضاربة حديث 3 . ( * )

 

 

] ولو اقر له لم يضمن [

 

فعله مقدمة للاتلاف لا انه اتلاف ، فتدبر . فالاظهر عدم الضمان عليه .

( ولو اقر له يضمن ) عند الماتن .

وفي المسالك - في شرح قول المحقق : ولا يلزم دركها - : هذا اذا لم يكن سببا في

الاخذ القهري كما لو كان هو الساعي بها الي الظالم ، ولم يقدر بعد ذلك على دفعه ،

فانه يضمن لانه فرط في الحفظ ، بخلاف ما لو كانت السعاية من غيره ، او علم الظالم

بها من غير سعاية ، ومثله ما لو اخبر اللص بها فسرقها ، انتهى . وتبع في ذلك المصنف

ره في التذكرة والمحقق الثاني .

وهو متين ، فان اخبار الظالم بها نظير جعلها في غير حرز ، ينافي الحفظ المأمور

به فيكون متعديا ، فلا يرد عليه ما في الجواهر من الشك في تحقق الضمان ، ولو للشك

في الاندراج تحت ما جعلوه عنوانا له من التعدي والتفريط والتضييع ونحوها ، لان

عموم على اليد ونحوه مخصوص بقاعدة الايتمان ، اذ لا شك في عدم صدق الحفظ ،

ومعه يصدق التعدي او التفريط لتركه ما وجب عليه ، وقاعدة الايتمان مختصة بغير

المفرط والمتعدي والمضيع .

نعم ، لو تم ما ذكره من الشك في صدق العنوان الخارج تم ما افاده ، من جهة

ان التمسك بعموم على اليد حينئذ من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو

لا يجوز ، فيتعين الرجوع الى اصالة البراءة عن الضمان .

فالمتحصل مما ذكرناه ان الاظهر فيما لو اقر له من غير ان يكون الاقرار لدفع

الضرر او الحرج او ما شاكل من موانع التكليف يكون ضامنا ، وان كان قرار الضمان

على الظالم .

 

 

] ويجب ردها عقلا على المودع ، أو الى ورثته بعد موته [

 

يجب رد الوديعة على المودع

 

الرابعة : ( ويجب ردها ) اي الوديعة ( عقلا على المودع ، او الى ورثته بعد

موته ) مع المطالبة في اول اوقات الامكان ، بلا خلاف في الوجوب ، وفي الجواهر : بل

الاجماع بقسميه عليه ، وقد تقدم ما عن التذكرة من اجماع المسلمين كافة عليه . ويشهد

به ما دل من الكتاب والسنة على الامر باداء الامانة الى اهلها ( 1 ) المتقدم في اول هذا

الفصل ، وما دل على عدم جواز وضع اليد على مال الغير بغير الذنه ( 2 ) والفرض عدمه

هنا لانقطاع الاذن بالمطالبة . واما كون الوجوب بحكم العقل ايضا ، فتقريبه ما مر في

اول هذا الفصل .

ولا يخفى انه لا ريب في تقيد هذا الحكم كسائر الاحكام الشرعية بالامكان

العقلي . وهل يعتبر الامكان الشرعي كما صرح به في المسالك وغيرها ، لان المانع

الشرعي كالمانع العقلي ؟ الظاهر ذلك ، الا ان كون حكم شرعي آخر مانعا عن ذلك

يتوقف على وجود احد المرجحات لباب التزاحم ، وبعبارة اخرى بعد رعاية قواعد

ذلك الباب وتقديم ما يزاحم ذلك لا ريب في سقوطه . وفي المسالك : والمراد بالامكان

ما يعم الشرعي والعقلي والعادي ، والظاهر ان مراده بالامكان العادي ما لو لم يكن في

الرد مشقة ، وعليه فدليل اعتباره ما دل على رفع العسر والحرج .

ومنه يظهر الحكم في جملة من الفروع المذكورة في المقام ، مثل ما لو كان في

الحمام فطلب المالك منه الرد ، ولا يتمكن منه الا بخروجه من الحمام ، وانه يجوز له اكمال

..............................................................................

( 1 ) النساء آية 58 والوسائل باب 2 من الوديعة .

( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي - والمستدرك ج 1 ص 212 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الحمام اذا كان في عدمه المشقة ، ونحو ذلك غيره من الفروع ، فان الضابط الكلي هو

اللزوم ان لم يكن فيه حرج ومشقة ، والا فيجوز التأخير .

وهل التأخير ليشهد عليه عذر ام لا ، ام يفصل بين ما اذا كان لصاحب المال

بينة على كون ماله عنده فله ذلك ، وبين غيره فلا ؟ اقوال ، خيرها اوسطها ، بعد فرض

ان قوله في الرد مقبول فلا حاجة الى البينة .

وهل يجب الرد حتى لو كان المالك ممن يجوز تملك ماله ، كما لو كان للودعي

عنده مال هو غاصب له واراد المقاصة من الوديعة ، او كان ماله فيئا للمسلمين ، او

كالاموال المباحة كما اذا كان المودع كافرا حربيا ؟ وجهان ، صرح جمع من الاصحاب

بالاول . وفي الجواهر ره : ان لم يكن اجماع على وجوب الرد حتى على الحربي ، وحتى

على من عليه حق المقاصة وغيرهم ، امكن المناقشة فيه ، انتهى .

اما المقاصة من الوديعة ففيها روايتان :

احداهما : دالة على الجواز ، وهي صحيحة ابي العباس البقباق ، ان شهابا ما راه

في رجل ذهب له بالف درهم واستودعه بعد ذلك الف درهم ، قال ابو العباس فقلت له :

خذها مكان الالف التي اخذ منك فأبى شهاب ، قال : فدخل شهاب على ابي عبد الله

عليه السلام فذكر ذلك ، له فقال عليه السلام : اما انا فاحب ان تأخذ وتحلف ( 1 ) .

وخبر علي بن سليمان قال : كتبت اليه رجل غصب مالا او جارية ثم وقع عنده

مال بسبب وديعة او قرض مثل ما خانه أو غصبه ، ايحل له حبسه عليه ام لا ؟ فكتب

عليه السلام : نعم ، يحل له ذلك ان كان بقدر حقه ، وان كان أكثر فيأخذ منه ما كان

عليه ويسلم الباقي اليه ان شاء الله ( 2 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 83 من ابواب ما يكتسب به حديث 2 كتاب التجارة .

( 2 ) الوسائل باب 83 من ابواب ما يكتسب به حديث 9 . ( * )

 

 

] الا ان يكون [

 

الثانية : ما يدل على المنع ، كصحيح معاوية بن عمار عن الامام الصادق عليه

السلام ، قلت له : الرجل يكون لي عليه حق فيجحد منه ثم يستودعني مالا ألي ان

آخذ مالي عنده ، قال : لا ، هذه الخيانة ( 1 ) .

وخبر ابن اخي الفضيل بن يسار ، كنت عند ابي عبد الله عليه السلام ودخلت

امرأة وكنت اقرب القوم اليها ، فقالت لي : اسأله ، فقلت : عن ماذا ؟ فقالت : ان ابني مات

وترك مالا كان في يد اخي فاتلفه ، ثم افاد مالا فاودعنيه ، فلي ان آخذ منه بقدر ما اتلفه

من شئ ، فقال عليه السلام : لا ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : اد الامانة الى من

ائتمنك ، ولا تخن من خانك ( 2 ) .

والجمع بين الطائفتين يقتضي البناء على الكراهة ، والمسالة محررة مستوفاة في

أواخر كتاب القضاء فراجع ، ونسب القول بالجواز هناك الى اكثر المتأخرين ، وفي

ملحقات العروة : الظاهر انه المشهور .

واما وجوب الرد على الحربي ، فهو الظاهر من النصوص المتقدمة المتضمنة للرد

وان كان المودع مجوسيا ، او كان قاتل ولد الانبياء ، او انه لو أئتمني قاتل علي عليه

السلام على السيف لاديت اليه الامانة . ولا منافاة بينها وبين ما دل على حلية امواله ،

كي يقال ان النسبة عموم من وجه ، فانه يمكن ان يكون الرد واجبا من جهة كونه

ردا للامانة ، وان كان المال مع قطع النظر عن هذا العنوان كان يحل اخذه ، هذا على

تقدير عدم القول بان ماله فئ للمسلمين ، والا فالوديعة باطلة كما لا يخفى .

وكيف كان ، فلا اشكال في وجوب الرد على من لم يكن كذلك ( الا ان يكون )

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 83 من ابواب ما يكتسب به حديث 11 .

( 2 ) الوسائل باب 83 من ابواب ما يكتسب به حديث 3 . ( * )

 

 

] غاصبا فيردها على مالكها ومع الجهل لقطة يتصدق بها ان شاء ، الا ان

يمتزج بمال الظالم فيردها عليه . [

 

المودع ( غاصبا ) لها ، فانه لا يجوز الرد اليه لعدم الوديعة شرعا بل يمنع عنها ، ( فيردها

على مالكها ) ان عرف ، ( ومع الجهل ) به تكون هي ( لقطة ) ، لخبر حفص بن

غياث - المنجبر ضعفه بعمل الاكثر - عن مولانا الصادق عليه السلام عن رجل من

المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا واللص مسلم ، هل يرد عليه ؟ فقال :

عليه السلام : لا يرده ، فان امكنه ان يرده على اصحابه فعل ، والا كان في يده بمنزلة

اللقطة يصيبها فيعرفها حولا ، فان اصاب صاحبها ردها عليه والا تصدق بها فان جاء

طالبها بعد ذلك خيره بين الاجر والغرم ، فان اختار الاجر فله الاجر ، وان اختار الغرم

غرم له وكان الاجر له ( 1 ) .

والامر بالتصدق بها وان كان في نفسه ظاهرا في الوجوب ، الا انه حيث رتب

ذلك على جعله بمنزلة اللقطة ، فعلى القول في اللقطة بجواز التملك يحمل الامر فيه

على ارادة بيان احد الافراد او على الترخيص ، ولذلك قال المصنف ره : ( يتصدق بها

ان شاء ) . وعليه فما عن الارشاد وتبعه الشهيد الثاني من التخيير بين الصدقة بها مع

الضمان وابقائها امانة ، لا ينافي ذلك . وكيف كان ، فلا يصغى الى ما عن الحلبي والحلي

من وجوب الرد الى امام المسلمين ، ومع التعذر تبقى امانة ، ثم يوصى بها الى عدل الى

حين التمكن من المستحق .

وبالجملة فبعد ما عرفت من انجبار ضعف الخبر بالعمل ، لا ينبغي الترديد في

ان له ان يتصدق بها ( الا ان تمتزج بمال الظالم فيردها عليه ) ان لم يمكن للمستودع

تمييز المالين ولو بالقسمة ، عند الاصحاب على ما نسب اليهم ، وعن الغنية والسرائر

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 18 من ابواب كتاب اللقطة - حديث 1 . ( * )

 

 

] والقول قول الودعي في التلف ، وعدم التفريط ، والرد ، والقيمة ، مع يمينه .

وقول المالك انه دين لا وديعة مع التلف [

 

الاجماع عليه ، تقديما لاحترام المال المعلوم مالكه على غيره الذي لا يمكن معرفته ليرد

على صاحبه . ولكن يشكل ذلك ، فان المال المفروض مركب من ما يجب رده الى صاحبه

وما يتعين التصدق به عن مالكه ، فتقديم احدهما يحتاج الى دليل . فما افاده في المسالك

- وتبعه عليه غيره - من ان الاوفق بالقواعد رده على الحاكم مع امكانه ليقسمه ويرد

على الغاصب ماله ، هو المتجه ، ومع عدم امكانه يقوم عدول المؤمنين مقامه كما في كل

حسبة .

 

فروع التنازع

 

الخامسة : في فروع التنازع .

وملخص القول فيها : انه تارة يدعى الودعي تلف المال ، والمودع ينكره .

واخرى يتوافقان على التلف ، ولكن المودع يدعي التفريط والودعي ينكره . وثالثة

يدعى المستودع رد المال ، والمودع ينكر ذلك . ورابعة يتوافقان على الوديعة وعدم الرد

والتلف مع التفريط ، ويختلفان في القيمة . وخامسة يتنازعان في ان المال التالف هل هو

كان وديعة فلا ضمان ، ام كان قرضا فعليه عوضه .

قال المصنف ره : ( والقول قول الودعي في التلف وعدم التفريط والرد

والقيمة مع يمينه ، وقول المالك انه دين لا وديعة مع التلف ) فهاهنا فروع خمسة :

1.     اذا اعترفا بالوديعة ، وادعى الودعي التلف وانكره المودع ، فالقول قول

الودعي على المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة ، سواء اسنده الى سبب أولا ،

وسواء كان ظاهرا كالغرق والحرق او خفيا كالسرقة ونحوها ، بل عن التذكرة نسبته

 

 

[ . . . ]

الى علمائنا اجمع .

والوجه في ذلك انه امين ، وعدم تصديقه في دعوى التلف يندرج تحت عنوان

اتهام المؤتمن ، وقد ورد انه ليس لك ان تتهم من ائتمنته ( 1 ) اضف اليه مرسل المقنع عن

مولانا الصادق عليه السلام عن المودع اذا كان غير ثقة ، هل يقبل قوله ؟ قال عليه

السلام : نعم ، ولا يمين عليه ( 2 ) . فما عن الشيخ في المبسوط من انه لا يقبل قوله الا

بالبينة في التلف بامر ظاهر لعموم البينة ، مردود بالشذوذ ، والعموم المزبور يجب

تخصيصه بما مر كما افاده بعضهم .

وهل يقبل قوله بلا يمين كما عن الصدوق والشيخ في . النهاية وابن حمزة ، بل

عن الفقيه : قضى مشايخنا رضى الله عنهم على ان قول المودع مقبول فانه مؤتمن ولا

يمين عليه ، ام يعتبر اليمين لقاعدة انحصار ثبوت الدعوى بالبينة واليمين كما في

الجواهر ؟ وجهان ، الظاهر انه لا حاجة الى اليمين الا عند التنازع عند الحاكم ، ولعل

القائلين بعد الحاجة اليه نظرهم الى غير باب الخصومة عند الحاكم ، كما ان نظر

صاحب الجواهر ره الى صورة النزاع عنده .

2.     اذا ادعى الودعي الرد وانكره المالك ، فالمشهور انه يقبل قوله ، وعن

جماعة الاجماع عليه بل ارسلوه في غير المقام ارسال المسلمات ، ووجهه ظاهر مما قدمناه .

3.     لو اتفقا على التلف ، ولكن المالك ادعى التفريط وانكره الودعي ، فلا

اشكال في تقدم قول الودعي ، لما مر ، ولان ما دل على الضمان بالتعدي والتفريط

يخصص ما دل على عدم ضمان الامين ، وبعد الجمع بينهما يكون الخارج عن تحت ما

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 9 من ابواب كتاب الوديعة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل - باب 4 من ابواب كتاب الوديعة حديث 7 . ( * )

 

 

[ . . . ]

دل على الضمان مطلقا الامين غير المفرط وغير المتعدي ، فاصالة عدم التفريط

والتعدي تثبت عنوان الخاص ، فيثبت حكمه وهو عدم الضمان .

4.     لو اختلفا في القيمة ، فعن الشيخ ره ان القول قول المالك ، محتجا بانه

بالتفريط خرج عن الامانة ، فلا يكون قوله مسموعا ، وقيل ان به رواية . وفي المتن

والشرايع والمسالك والجواهر ان القول قول الغارم مع يمينه ، ونسبه في المسالك الى

الاكثر . وهو الاظهر ، لاصالة البراءة عن الزايد ، وخروجه عن الامانة لا يخرجه عن

حكم المنكر ، والخبر لم يصل الينا .

5.     لو قال المالك : اقرضتك العين ، وقال القابض : او دعتنيها ، والعين تالفة ،

فالظاهر كما افاده المصنف ره وغيره ان القول قول المالك ، لموثق اسحاق بن عمار عن

ابي الحسن عليه السلام عن رجل استودع برجلا الف درهم فضاعت ، فقال الرجل :

كانت عندي وديعة ، وقال الآخر : انما كانت لي عليك قرضا ، فقال عليه السلام : المال

لازم له ، الا ان يقيم البينة انها كانت وديعة ( 1 ) .

وموثقه الآخر عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل قال لرجل : لي عليك الف

درهم ، فقال الرجل : لا ولكنها وديعة ، فقال ابو عبد الله عليه السلام : القول قول

صاحب المال مع يمينه ( 2 ) .

ودلالتهما واضحة فيخرج عن القاعدة بهما .

والكلام في تطبيق ذلك على القاعدة تقدم في كتاب الاجارة ، وعرفت ان

مقتضى القاعدة عدم الضمان ، للشك فيه والاصل عدمه ، والتمسك بقاعدة على اليد

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 7 - من ابواب كتاب الوديعة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 18 من ابواب كتاب الرهن حديث 1 . ( * )

 

 

] الفصل الثامن : في العارية [

 

لاثباته فيه محذوران :

1.     توافقهما على عدم الضمان الثابت بها ، فان المالك يدعي ضمان القرض ،

والقابض ينكر الضمان رأسا .

2.     مع الاغماض عن ذلك ، وتسليم كون ضمان القرض بعينه ضمان المثل او

القيمة ، يكون التمسك بالقاعدة تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية ، فرض خروج

الوديعة عنها والشك في كونه وديعة او قرضا ، فالمتعين هو الرجوع الى اصالة البراءة ،

فالقاعدة تقتضي تقديم قول القابض ، ولكن يتعين تقييدها بالخبرين المتقدمين ،

فالاظهر تقديم قول المالك .

 

الفصل الثامن : في العارية

 

قال المصنف ره في التذكرة : العارية - بتشديد الياء - عقد شرع لاباحة

الانتفاع بعين من الاعيان على وجه التبرع ، وشددت الياء كانها منسوبة الى العار ،

لان طلبها عار ، قاله صاحب الصحاح . وقال غيره : منسوبة الى العارة وهي مصدر ، الى

ان قال : وقيل انها مأخوذة من عار يعير اذا جاء وذهب ، انتهى .

لا خلاف ولا ريب في ان العارية مشروعة . ويشهد بها - مضافا الى ذلك ، والى

ان عليها بناء العقلاء والشارع الاقدس لم ينه عنها ، والى قاعدة السلطنة ( 1 ) وادلة

الهبة ( 2 ) الشاملة لهبة المنافع - :

..............................................................................

( 1 ) البحار ج 1 - ص 154 الطبع القديم ج 2 ص 272 الطبع الحديث .

( 2 ) الوسائل - باب 2 من ابواب الهبات . ( * )

 

 

[ . . . ]

من الكتاب قوله تعالى ( ويمنعون الماعون ) ( 1 ) . فعن مجمع البحرين :

الماعون اسم جامع لمنافع البيت ، كالقدر والدلو والملح والماء والسراج والخمرة ، ونحو

ذلك مما جرت العادة بعاريته . وفي حديث المناهي : نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ان يمنع احد الماعون جاره ، وقال : من منع الماعون جاره منعه الله خيره يوم القيمة

ووكله الى نفسه ومن وكله الى نفسه فما اسوأ حاله ( 2 ) . وروى ابو بصير عن ابي عبد الله

عليه السلام في الآية الشريفة : هو القرض يقرضه ، والمعروف يصنعه ، ومتاع البيت

يعيره ( 3 ) ونحوه خبر سماعة ( 4 ) .

ومن السنة نصوص مستفيضة منها ما تقدم ، ومنها النصوص المتضمنة لاستعارة

النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من صفوان بن امية سبعين درعا حطمية ، فقال :

اغصب ام عارية ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : بل عارية مؤداة ( 5 ) ومنها غير تلكم

من الاخبار ، وسيأتي طرف منها .

ثم الظاهر كما صرح به غير واحد انها من العقود ، وتفتقر الى الايجاب

والقبول ، والكلام فيما يعتبر في عقدها وما لا يعتبر هو الكلام في عقد الوديعة ، فراجع

ما ذكرناه فيه .

وتمام الكلام في هذا الفصل بالبحث في مقامات .

..............................................................................

( 1 ) سورة الماعون آية 8 .

( 2 ) الوسائل - باب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة حديث 13 .

( 3 ) الوسائل باب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة حديث 3 .

( 4 ) الوسائل باب 7 من ابواب ما تجب فيه الزكاة حديث 2 .

( 5 ) الوسائل باب 1 و 2 من ابواب العارية . ( * )

 

 

] كل عين مملوكة يصح الانتفاع بها مع بقائها صح اعارتها [

 

ضابط العين المستعارة

 

الاول : في العين المستعارة : وقالوا في ضابطها : ان المستفاد من الفتاوى ومعقد

الاجماع ونفي الخلاف والاقتصار على المتيقن من اطلاق النص عدا ماخرج مما يأتي ،

انها ( كل عين مملوكة يصح الانتفاع بها مع بقائها ) منفعة معتدا بها عند العقلاء ،

كالثوب والدراهم والدار والدابة وما شاكل ، فان اجتمعت الشرائط ( صح اعارتها ) .

فما لا يصح الانتفاع به شرعا - كاواني الذهب والفضة للاكل والشرب ، والجواري

للاستمتاع - لا يجوز اعارته ، وهو واضح . كما ان ما يتلف بالانتفاع به كالاطعمة

والاشربة ونحوها ، لا يصح اعارته للانتفاع بها بالاكل والشرب ، بلا خلاف ولا اشكال

في ذلك .

وقد يقال : انه لا ثمرة في النزاع في ذلك ، اذ يحل الانتفاع بالاعيان المشار اليها

بما يوجب اتلافها ، مع احراز رضا المعير باتلاف العين بقوله اعرتكه مع القرينة ، فان

المعيار في جوازه هو رضاه به وقد حصل في محل الفرض ، وان هو الا كالهبة وان عبر

عنها بلفظ العارية .

واجاب عنه سيد الرياض بانه حيث لا يعلم الرضا بالاتلاف الا به اتجه ما

ذكروه ، لاشتراط استفادته منه بدلالته عليه ولو بالالتزام ، ودلالة لفظ العارية بمجرده

على الاتلاف فاسدة ، لعدم استنادها الى عرف او لغة .

واجاب عن الايراد في الجواهر بترتب الضمان على الاتلاف المزبور وان كان

بالاذن الا انها بعنوان العارية ، زعما منه عموم موضوعها او تشريعا ، ودعوى كونه

حينئذ هبة او اباحة وان كان الدفع بهذا العنوان واضحة البطلان ، الا ان ينصب قرينة

على ارادتهما من اللفظ المزبور ، ثم قال : نعم قد يتوقف في ضمانه من غير تعد ولا تفريط

 

 

[ . . . ]

من قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، ومن خروجه عن اصل موضوع

العارية حتى الفاسدة ، ولعله الاقوى في النظر .

والتحقيق ان يقال : انه لا اشكال في اعتبار كون العين تبقى مع الانتفاع بها

في العارية على ما يشهد به العرف واللغة في هذه اللفظة . وايضا لا اشكال في انه يجوز

اتلاف الاعيان التي تتلف بالانتفاع بها مع احراز رضا اربابها من اي طريق احرز

ذلك ، وان لم يكن المبرز كاشفا نوعيا عنه ، اذ ليست الاباحة من قبيل العقود

والايقاعات المعتبر فيها كون مبرزاتها كواشف عنها بحسب المتفاهم العرفي ، بل

المعيار في هذا المقام احراز الرضا النفساني ولو لم يكن له كاشف ، ولا ضمان ان احرز

رضاه بالاتلاف مجانا . وايضا لاضمان مع التلف في موارد الامانة المالكية بالمعنى الاعم ،

وهي التسليط عن الرضا ، كما مر في الوديعة .

فعلى هذا ، فيرد على سيد الرياض ره : انه وان لم يكن لفظ العارية دالا على

الرضا بالاتلاف الا انه لا تعتبر دلالته ، لان المعيار كشف الرضا ، ولو بسبب ما لا

يكون دالا عليه عرفا ولا لغة .

ويرد على ما افاده صاحب الجواهر ره اولا : ان عدم الضمان مع الاتلاف الذي

احرز رضا صاحب المال باتلافه مجانا ، لا يكون كعناوين العقود متوقفا على كون

اللفظ المبرز كاشفا ، مع انه ان استشكل في اللفظ المزبور لامجال للاشكال في دفع

العين بعده ، فانه بقصد الاباحة على الفرض ، ويكفي ذلك في عدم الضمان كما هو

الشأن في جميع الاباحات لا بعوض .

ويرد على ما افاده ثانيا : انه لوتلفت العين لا وجه للضمان بعد كونها امانة

مالكية بالمعنى الاعم .

والصحيح في الجواب عن الايراد ان يقال : انه تظهر الثمرة فيما لو اعاره عينا

 

 

[ . . . ]

لها منفعة لا يستلزم استيفائها تلف العين ، ومنفعة تستلزم ذلك ، فانه على الضابط

المذكور لا يجوز ان يستوفي المنفعة المستلزمة للتلف ان لم يحرز رضاه بذلك .

ثم ان تمام الكلام في هذا المقام بالبحث في فروع .

 

اعارة الغنم للانتفاع بلبنها

 

1.     لا خلاف ظاهرا في انه يجوز استعارة الشاة للحلب - وهي المسماة بالمنحة

بالكسر واصلها العطية - وعن بعض متأخري المتأخرين الاجماع عليه .

واستدل له في التذكرة باقتضاء الحكمة اباحته ، لان الحاجة تدعو الى ذلك ،

والضرورة تبيح مثل هذه الاعيان كما في استئجار الظئر . وقد روى العامة عن النبي

صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : المنحة مردودة ( 1 ) والمنحة هي الشاة . ومن طرق

الخاصة ما رواه الحلبي - في الحسن - عن مولانا الصادق عليه السلام في الرجل يكون

له الغنم يعطيها بضريبة سنة شيئا معلوما او دراهم معلومة من كل شاة كذا وكذا في

كل شهر ، قال عليه السلام : لا بأس بالدراهم ، ولست احب ان يكون بالسمن ( 2 ) ثم

ذكر صحيح عبد الله بن سنان ( 3 ) وهو نحو حسن الحلبي ، وقال : واذا جاز ذلك مع

العوض فبدونه اولى .

وفي المسالك : وجواز اعارة ذلك ثابت بالنص على خلاف الاصل ، والظاهر ان

..............................................................................

( 1 ) التذكرة ج 1 ص 410 .

( 2 ) الوسائل باب 9 من ابواب عقد البيع وشروطه - حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 9 من ابواب عقد البيع حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

نظره - كما يظهر من ذيل كلامه - الى النبوي المتقدم . واضاف بعض متأخري

المتأخرين الى الوجوه المشار اليها قاعدة السلطنة ، وكونها كالوكالة في الانتفاع .

ولكن الحاجة لا تصلح لاثبات مشروعية هذه العارية المخالفة للضابط المتقدم ،

مع ارتفاع الحاجة بايقاع معاملة اخرى او اباحة بلاعوض . واما استيجار الظئر فقد

مر الكلام فيه في كتاب الاجارة . واما النبوي فغير حجة . واما الخبران فقد افاد

المصنف نفسه في كتاب البيع انهما متضمنان لبيان مشروعية معاملة خاصة ليست ببيع

ولا اجارة ، وقد تقدم منا ان تلك من قبيل الاباحة بالعوض ، وهي معاملة مستقلة

مشروعة ، فان استفيد منهما شئ فهو جواز الاباحة لا بالعوض بل مجانا وهو مما لا

كلام فيه ، لكنها ليست عارية . واما قاعدة السلطنة فهي لا تقتضي مشروعية ما لا

يكون مشروعا ، بل تدل ان للمالك الاباحة مجانا ،

ولذا قيل ان الانصاف ان المنحة ليست من العارية في شئ بل انما هي من

قبيل الاباحة . وفتوى الاصحاب ليست الا جوازها ، ولا تصريح في كلمات اكثرهم

بكونها عارية ، فلا مورد للتمسك بالاجماع لمشروعية العارية في هذا المورد .

ولكن مع ذلك كله يمكن توجيه الاستعارة في هذا المورد وجعله من قبيل

العارية بوجهين :

احدهما : ان المنفعة امر عرفي ، وربما يعد عرفا بعض الاعيان منفعة لعين

اخرى كاللبن للشاة ، وعليه فيجوز استعارة الشاة للبنها وما شاكل ، فان العين

المستعارة هي الشاة وهي لا تتلف ، وما يتلف انما هو من قبيل المنفعة وليست هي متعلقة

للعارية .

ثانيهما : ان العين المستعارة للانتفاع بها هي الشاة ، والاستيفاء يستتبع تلف

العين وهي اللبن ، ولا محذور في ذلك ، فانه في اغلب موارد العارية يكون الاستيفاء

 

 

[ . . . ]

مسلتزما لتلف مقدار من العين . وعلى الجملة ان الممنوع استعارة اللبن ، واما استعارة

الشاة للانتفاع بلبنها فلا محذور فيها ، ولا تكون منافية لما قدمناه من الضابط .

فالانصاف انه لامحذور في الالتزام بكون تلك من قبيل العارية ، نعم يمكن تصحيحها

بالاباحة ايضا .

وبما ذكرناه يظهر حكم استعارة كل حيوان له منفعة كالفحل المضراب ،

المستلزم استيفائها اتلاف عين اخرى . ويتجه التعدي الى غير الشاة كما هو المتعارف

في هذا الزمان في البقر ، والى غير اللبن كالصوف والشعر والوبر ، والله العالم .

 

جواز استعارة الارض للزرع

 

2.     لا كلام في جواز استعارة الارض للزرع ولدفن الميت ، انما الكلام في

موردين :

الاول : في انه في اعارة الارض للزرع هل يجوز للمعير الرجوع قبل اداركه

ام لا ؟ وعلى الاول هل له ان يجبر المستعير بقلع الزرع ام ليست له ذلك ؟ وعلى

الاجبار هل عليه الارش ام لا ؟ فيه اقوال ، وقد مر تنقيح القول في ذلك في باب

المزارعة .

الثاني : في اعارة الارض لدفن الميت ، هل للمعير اجباره على قلع الميت ونبش

القبر واخراجه ، ام ليس له ذلك ؟ المشهور بين الاصحاب هو الثاني ، بل في الجواهر :

بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه ، وعلى ذلك حمل كلام من ادعى الاجماع

على لزوم هذه العارية لا ان المراد عدم جواز فسخها ، قال فيها : وتظهر الثمرة فيما لو

اتفق نبشه من نابش ، فان اعارته حينئذ تحتاج الى اذن جديد ، او بالاجرة ، بناء على

 

 

[ . . . ]

استحقاقها في مثله وفي غير ذلك ، انتهى .

وكيف كان ، فلا وجه لللزوم لولا الاجماع ، لان العارية جائزة ، وعروض اللزوم

يتوقف على دليل او انطباق عنوان آخر عليها ، كاشتراط عدم فسخها في ضمن عقد

لازم وما شاكل ، ولا شئ منهما في المقام .

واما عدم جواز النبش ، فقد استدل له بانه مقتضى حرمة النبش المعلوم عدم

صلاحية قاعدة السلطنة لمعارضتها ، ولكن لولا الاجماع امكن ان يقال ان مدرك

حرمة النبش مطلقا هو الاجماع ، والمتيقن منه في ما لم يوجب النبش هتك حرمة الميت

غير المقام ، كيف وقد جاز النبش لجملة من الامور التي يكون الجواز في المقام اولى

من الجواز فيها ، والذي يسهل الخطب تسالم الاصحاب على عدم جوازه في خصوص

المقام .

3.     لا يجوز اجارة العين المستعارة ، لان منافعها ليست مملوكة للمستعير وانما

له استيفائها ، وقد مر ان حقيقة الاجارة تمليك المنفعة او العمل . وهل يجوز للمستعير

اعارتها ؟ الظاهر ذلك مع اطلاق الاذن ، اذ لم يدل دليل على اعتبار مملوكية العين في

صحة العارية . وعليه فكون العارية الثانية من المستعير او من المعير ، تابع لكيفية

الاذن وكيفية الاعارة .

4.     اذا استعار ارضا للغرس أو الزرع او البناء ، فهل للمستعير ان يستظل

بشجرها في نوم او يقظة ، ام لا يجوز كما عن الشيخ في المبسوط ، ووافقه في الجملة في

التذكرة والقواعد وجامع المقاصد والمسالك والروضة على المحكى ؟ وجهان .

وجه الاول : ان هذه الانتفاعات من توابع مثل هذه العارية عرفا . ووجه

الثاني : ان الاستعارة وقعت لمنفعة معينة فلا يتعداها . ولقد اطال البحث في ذلك في

المسالك مع عدم الاحتياج اليه ، فان جواز ذلك وعدمه تابعان لكيفية العارية ، ومقدار

 

 

] بشرط كون المعير جائز التصرف [

 

الاذن المستفاد منها ، وعليه فلا يمكن جعل ضابط كلي لذلك ، والله العالم .

 

المعير والمستعير

 

المقام الثاني : في المعير والمستعير .

اما الاول ، فلا خلاف في انه انما تصح العارية ( بشرط كون المعير جائز

التصرف ) اي بالغا عاقلا غير محجور عليه ، لرفع القلم عن الصبي والمجنون ( 1 ) وعدم

جواز امرهما ( 2 ) . نعم ، يجوز للصبي ان يعير باذن الولي لما مر في كتاب البيع من عدم

الدليل على سلب عبارته ، وغاية ما يستفاد من الادلة عدم جواز استقلاله في التصرف

المعاملي ، واما مع اذن الولي فتصح معاملاته ، وكذلك العارية . فما عن الارشاد والتحرير

واللمعة وغيرها من انه لو اذن الولي للطفل صح ان يعير مع المصلحة ، متين .

وعن السرائر تقييده بالمميز ، اذ الاذن لا يجعل المسلوب غير المسلوب ، وهو

حسن ان لم تقم السيرة على عدم اعتبار التمييز في خصوص المقام ولكنها غير قائمة ،

وانما يتصرف فيما اتاه الصبي غير المميز من جهة انهم يرونه آلة ، ومنه يستكشف رضا

الولي بالتصرف الكافي في جوازه .

واما اعتبار عدم كونه محجورا عليه فظاهر . ويعتبر ايضا الاختيار ، لرفع ما

استكره عليه ( 3 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات وباب 36 من ابواب القصاص في النفس .

( 2 ) الوسائل باب 14 من ابواب عقد البيع وشروطه .

( 3 ) الوسائل باب 56 من ابواب جهاد النفس . ( * )

 

 

] وينتفع المستعير على العادة ولا يضمن مع التلف بدون التضمين ، أو

التعدي ، او كون العين اثمانا . [

 

واما المستعير ، فبالنسبة الى تحقق العارية يعتبر كونه مكلفا ، لعين ما مر . واما

في الاباحة فلا يعتبر ، فان غير المكلف غير ممنوع عن التصرف . واما بالنسبة الى

الضمان فالظاهر عدمه ، فان العارية وان لم تتحقق ، الا ان التسليط المجاني عن الرضا

المحقق للامانة المالكية بالمعنى الاعم كاف في خروج يده عن اليد الضمانية . وهل

يعتبر فيه التعيين ؟ الظاهر ذلك في التعيين المقابل للابهام ، لان المبهم المردد لا حقيقة

له ولا تحقق . وعدمه في التعيين المقابل للعلم لعدم المورد ، للغرر في المقام .

( و ) كيف كان ، ف ( ينتفع المستعير على العادة ) في الانتفاع بالعين

المستعارة ، فان كان لها منفعة خاصة انتفع بها ، وان تعددت المنفعة فان عينها او كان

هناك انصراف تعين ، والا بان عمم جاز الانتفاع بجميع الوجوه .

 

لا يضمن المستعير مع التلف

 

المقام الثالث : في الاحكام ، وفيه مسائل .

الاولى : لا خلاف ( و ) لا اشكال في ان المستعير ( لا يضمن مع التلف بدون

التضمين ) الا بالتفريط ( او التعدي ) او باشتراط الضمان ( او كون العين ) المستعارة

( اثمانا ) .

اما المستثنى منه فيشهد به - مضافا الى الاجماع المحكى ، والى ان العين امانة

مالكية بالمعنى الاعم على ما مر - جملة من النصوص الخاصة ، لا حظ صحيح الحلبي

- او حسنه - عن الامام الصادق عليه السلام : اذا هلكت العارية عند المستعير لم

 

 

[ . . . ]

يضمنها ، الا ان يكون قد اشترط عليه ( 1 ) .

وصحيحه الاخر عنه عليه السلام : صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ، وليس

على المستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن ( 2 ) الى غير ذلك من

النصوص الكثيرة الآتية جملة منها في المباحث اللاحقة .

وقد استثنوا من ذلك موارد :

1.     التعدي او التفريط لا اشكال في الضمان معه ، فان عدم الضمان علق في

النصوص على الايتمان ، اما بجعله مسببا أو عنوانا لعدم الضمان . وبعبارة اخرى

التعدي أو التفريط يوجب خروج اليد كونها يدا امانية ومأذونة وصيرورتها

خيانية ، وقد علق في جملة من النصوص الضمان على كونه أمينا او مأمونا . اضف اليه

النصوص الدالة على الضمان بالتعدي والاستهلاك في باب المضاربة والرهن ، بعد

معلومية اشتراك الجميع في الحكم المزبور باعتبار كونها امانة . وهل يضمن بتركه

التحفظ الموجب للتلف ؟ فيه وجهان تقدما في كتاب المضاربة مفصلا .

2.     اشتراط الضمان ، وهو متفق عليه نصا وفتوى ، لاحظ صحيح الحلبي

المتقدم ، وصحيح عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه السلام : لا تضمن العارية الا

ان يكون قد اشترط فيها ضمانا ، الا الدنانير فانها مضمونة وان لم يشترط فيها ضمانا ( 3 )

ونحوهما غيرهما .

ومعها لا يصغى الى ما قيل من منافاة هذا الشرط لمقتضى العقد ، لان بنائه

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب العارية حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب العارية حديث 6 .

( 3 ) الوسائل - باب 3 - من ابواب كتاب العارية حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

على التبرع ، او انه شرط في عقد جائز فلا يكون نافذا ، او ان الضمان من الامور

المتوقفة على اسبابها وليس الشرط منها .

اذ الجميع مردودة بانها اجتهادات في مقابل النصوص ، مع ان بناء العارية على

التبرع في الانتفاع بالعين لا في صورة التلف ، والشرط في ضمن العقد الجائز نافذ كما

مر ، وعرفت في كتاب الاجارة ان الضمان من الغايات التي تقبل الاشتراط .

3.     العارية من غير المالك ، ويشهد به موثق اسحاق بن عمار عن الامام

الصادق عليه السلام والامام الكاظم عليه السلام : اذا استعيرت عارية بغير اذن

صاحبها فهلكت ، فالمستعير ضامن ( 1 ) .

4.     عارية الذهب والفضة اذا لم يشترط عدم الضمان ، وسيأتي الكلام فيه .

5.     عارية الصيد للمحرم ، وقد مر الكلام فيه .

6.     عارية الحيوان ، فان ابن الجنيد حكم بكونه مضمونا ، لخبر وهب عن جعفر

عن ابيه : ان عليا عليه السلام كان يقول : من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو

ضامن ( 2 ) . ولكن الخبر ضعيف السند لراويه ، ومعرض عنه عند الاصحاب ، واخص

من المدعى ، ومعارض مع صحيح محمد بن قيس ( 3 ) فلا وجه لاستثنائه .

 

حكم عارية الذهب والفضة من حيث الضمان

 

لا خلاف ولا اشكال في استثناء عارية الذهب والفضة في الجملة ، وانه يضمن

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب العارية حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب العارية حديث 11 .

( 3 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب العارية حديث 9 . ( * )

 

 

[ . . . ]

اذا كانت العين المستعارة ذهبا او فضة وان لم يشترط الضمان ، والنصوص الكثيرة

المتقدم بعضها والآتي بعضها الاخر شاهدة به .

انما الكلام في اختصاص ذلك بالدرهم والدينار كما هو صريح الفخر والقطيفي

والكفاية والرياض وظاهر المتن والوسيلة المعبر فيهما بالثمن ، ام يعم غيرهما من

المصوغ وغيره كما هو صريح اللمعة والمهذب وجامع المقاصد والمسالك والروضة ومجمع

البرهان على ما حكي عن بعضها ، وظاهر المقنع والنهاية والمبسوط والتحرير والقواعد

والمختلف وغيرها مما عبر فيه بالذهب والفضة ؟

ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص ، فانه في جملة منها استثنى الدرهم

والدينار ، كصحيح عبد الله بن سنان المتقدم ، وخبر عبد الملك بن عمرو عن ابي عبد الله

عليه السلام : ليس على صاحب العارية ضمان الا ان يشترط صاحبها ، الا الدراهم

فانها مضمونة اشترط صاحبها او لم يشترط ( 1 ) .

وفي طائفة اخرى منها استثني مطلق الذهب والفضة ، كموثق اسحاق بن عمار

عنه عليه السلام وعن ابي ابراهيم عليه السلام ، قالا : العارية ليس على مستعيرها

ضمان الا ما كان من ذهب او فضة ، فانهما مضمونان اشترطا او لم يشترطا ( 2 ) .

وصحيح زرارة عن الامام الصادق عليه السلام ، قال قلت له : العارية مضمونة ؟

قال فقال عليه السلام : جميع ما استعرت فتوى ( اي هلك ) فلا يلزمك تواه الا الذهب

والفضة ، فانهما يلزمان الا ان تشترط عليه انه متى توى لم يلزمك تواه ، وكذلك جميع

ما استعرت فاشترط عليك لزمك ، والذهب والفضة لازم لك وان لم يشترط عليك ( 3 )

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب العارية - حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب العارية حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب العارية حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ونحوهما غيرهما .

ولذلك توقف فيه جماعة ، منهم المصنف في محكى التذكرة .

والتحقيق يقتضي ان يقال : ان النصوص الواردة في الباب المتعارضة ثلاث

طوائف :

الاولى : ما دل على عدم الضمان مطلقا ، كصحيحي الحلبي المتقدمين في اول

المسألة .

الثانية : ما يدل على الضمان في الدرهم والدينار ، وعدم الضمان في غيرهما ،

كصحيح ابن سنان وحسن عبد الملك المتقدمين .

الثالثة : ما يدل على الضمان في الذهب والفضة ، وعدم الضمان في غيرهما .

والنسبة بين الاولى وكل من الاخيرتين عموم مطلق ، وبين المستثنى منه من

الثانية والمستثنى من الثالثة عموم من وجه . وعلى القول بانقلاب النسبة ، لو قيد

اطلاق الاولى اولا بالطائفة الثانية ، انقلبت بين الاولى والثالثة الى العموم من وجه .

وقد يقال : ان نصوص الدرهم والدينار ايضا متعارضة ، لان في بعضها تخصيص

الضمان بالدرهم وفي آخر بالدينار . ولكنه يندفع بان المستثنى منه فيهما لا تعارض بينهما ،

لانهما مثبتان وكذلك المستثنى ، وانما التعارض بين المستثنى منه من كل منهما مع

المستثنى من الاخر ، والنسبة عموم مطلق فيقيد اطلاق كل منهما بالاخر ، فتكون

النتيجة هو استثناء الدرهم والدينار معا .

وقد يقال في الجمع بين الطوائف الثلاث - كما عن الفخر - : بان الثانية اخص

مطلق من الثالثة ، لاختصاصها بالدرهم والدينار وعموم الثالثة لغيرهما ، فيقيد اطلاق

الثالثة بها ، ثم يقيد به اطلاق الاولى ، فتكون النتيجة هي استثناء خصوص الدرهم

والدينار .

 

 

[ . . . ]

وفيه : ان المستثنى منه من الطائفتين لا تعارض بينهما لكونهما مثبتين ، بل

التعارض بين المستثنى منه من الثالثة والمستثنى من الثانية ، والنسبة عموم من وجه كما

مر . وحيث انا لا نقول بانقلاب النسبة ، فيقيد اطلاق الاولى بكل من الاخيرتين ، واما

هما فبالنسبة الى الضمان في الدرهم والدينار ، وعدمه في غير الذهب والفضة

متوافقتان ، والتعارض انما هو في غير الدرهم والدينار من الذهب والفضة ، وحيث ان

المختار عندنا في تعارض العامين من وجه هو الرجوع الى اخبار الترجيح ، والترجيح

للثالثة الدالة على الضمان ، لما عن المختلف من نسبته الى الشهرة بين الاصحاب .

فالمتحصل من النصوص ، بعد ضم بعضها الى بعض ، ورد بعضها على بعض ، هو ثبوت

الضمان في مطلق الذهب والفضة .

وسيد الرياض وصاحب الكفاية حيث يكون مبناهما في تعارض العامين من

وجه هو التساقط ، فقد حكما به في المقام والرجوع الى دليل آخر ، وهو ما دل على عدم

الضمان في مطلق العارية ، وبنيا على اختصاص الضمان بالدرهم والدينار ، وهذا على

مبناهما حسن ، ولكن المبنى فاسد .

فلا يتوجه عليهما ما في الجواهر بما حاصله : ان المستثنى منه في نصوص الدرهم

والدينار ليس غير الدرهم والدينار ، والا لما صح الاستثناء بل مطلق العارية ، فالنسبة

بينه وبين نصوص الذهب والفضة عموم مطلق . قال : وان اراد بالمستثنى منه الحاصل

من الجملة ، فليس هو ضمان الدرهم والدينار دون غيرهما ، وليس بين مجموع ذلك وبين

الذهب والفضة تعارض العموم من وجه ، اذ لا اختصاص في خبري الذهب والفضة

بالدلالة على عدم ضمانها ، حتى يكون ذلك وجه افتراق لهما عن نصوص الدرهم

والدينار .

فانه يرد عليه اولا : انه لو تم ينقل الكلام الى مفهوم الاستثناء لنصوص

 

 

] ولو نقصت بالاستعمال المأذون فيه لم يضمن ، [

 

الدرهم والدينار ، فان النسبة بينه وبين منطوق اخبار الذهب والفضة عموم من وجه .

وثانيا : انه لا يتم ، فان المستثنى منه قبل ورود القيد غير مقيد واقبل لان يرد

عليه ، وبعد التقييد يكون المتحصل من المستثنى منه خاصة عدم الضمان في غير

الدرهم والدينار ، ومن الواضح معارضة ذلك مع ما دل على الضمان في الذهب والفضة

وان لم يكونا من الدرهم والدينار .

ثم ان ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضة انما هو اذا لم يشترط عدمه ، والا

فلا ضمان بلا خلاف ، لصحيح زرارة المتقدم .

 

حكم النقصان الحاصل بالاستعمال

 

الثانية : ( ولو نقصت ) العين المستعارة ( بالاستعمال المأذون فيه لم يضمن ) ،

وكذا لو تلفت ، بلا اشكال ، لانه من لوازم الانتفاع بالعين الذي اباحه المالك مجانا ،

فهو مأذون فيه بعين الاذن في الانتفاع والا لم تكن العارية مشروعة ، ولا يعقل ضمان

ما اذن المالك في اتلافه مجانا وبلا عوض ، لا سقاط المالك احترام ماله ، وجعل مثل

ذلك من مقتضيات عقد العارية لا مانع منه ، وفي صحيح ابن سنان عن الامام الصادق

عليه السلام عن العارية ، فقال عليه السلام : لا غرم على مستعير عارية اذا هلكت اذا كان

مأمونا ( 1 ) اشارة اليه .

وفي المسالك - بعد نقل عدم الضمان والاستدلال له - قال : وفيه وجه آخر ، وهو

ضمان المتعلق في آخر حالات التقديم ، لان الظاهر عدم تناول الاذن للاستعمال المتلف ،

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 - من ابواب كتاب العارية حديث 3 . ( * )

 

 

] ولو استعار من الغاصب ضمن [

 

وان كان داخلا في الاطلاق ، انتهى .

وفيه : ان محل الكلام الاستعمال المأذون فيه ، وما افاده تشكيك في الصغرى ،

حيث انه استشكل في شمول الاذن للاستعمال المتلف .

ولذلك عنون المصنف ره في محكى القواعد مسألتين :

الاولى : ما لو اذن في التصرف واطلق ، فاشكل في عدم الضمان بالاستعمال

المتلف ، نظرا الى امكان انصراف الاذن بحسب الغالب الى الاستعمال غير المتلف .

الثانية : ما لو تلفت العين او نقصت بالاستعمال المأذون فيه ، فحكم جزما بعدم

الضمان .

وبذلك يظهر اندفاع ايراد المحقق الثاني عليه ، بان ما ذكره ثانيا ينافي اول

كلامه . مع انه في المسألة الاولى لم يدع الانصراف جزما ، كي يورد عليه بان لازمه

الحكم بالضمان جزما لا الاشكال فيه ، بل ادعى انه يمكن ان يقال به كما يمكن

دعوى الاطلاق .

الثالثة : ( ولو استعار من الغاصب ضمن ) بلا اشكال ، لانه وضع يده على مال

الغير بغير رضاه ، فيشمله حديث على اليد ( 1 ) وغيره من ادلة الضمان . اضف اليها موثق

اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله وابي ابراهيم عليهم السلام : اذا استعيرت عارية بغير

اذن صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن ( 2 ) .

وحينئذ ( ف ) تارة يكون المستعير عالما بالغصب ، واخرى يكون جاهلا به .

ومقتضى اطلاق الادلة المشار اليها هو ضمان المستعير في الصورتين ، غاية الامر ( ان

..............................................................................

( 1 ) سنن البيهقي ج 6 - ص 90 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب العارية حديث 1 . ( * )

 

 

] فان كان جاهلا رجع على المعير بما يؤخذ منه . [

 

كان جاهلا رجع على المعير بما يؤخذ منه ) لقاعدة الغرور ، كما هو المشهور بين

الاصحاب .

وفي الشرايع وعن المصنف في غير المتن وبعض آخر انه ليس للمالك ان يرجع

على المستعير في صورة جعله .

واستدل له بان الرجوع عليه ظلم محض لفرض كونه جاهلا ، وبقاعدة ما لا

يضمن بصحيحة لا يضمن بفاسده .

ولكن يرد على الاول : انه لو كان ظلم فانما هو في الحكم بعدم رجوعه الى الغار ،

والا فأصل الضمان الذي تقتضيه قاعدة على اليد والموثق وغيرهما لا ظلم فيه ، بل هو

مقتضى العدل ، لانه تلف مال الغير تحت يده . واما الثاني فيرده : ان تلك القاعدة

مختصة بموارد تسليط المالك نفسه على ماله كما في البيع الفاسد والاجارة الفاسدة ، ولا

تشمل تسليط الغير كما لو وهب الغاصب مال المالك على ما حقق في كتاب البيع .

فالاظهر ما هو المشهور بين الاصحاب من ضمانه ، غاية الامر يكون قرار الضمان على

الغاصب ، لقاعدة الغرور .

ولو كانت العارية مضمونة ، كما اذا كانت ذهبا او فضة ، او اشترط فيها الضمان ،

فهل يرجع المستعير الجاهل على المعير في ما يبذله بازاء العين من جهة الغرور ، ام

لا يرجع اليه لانه اقدم المستعير على العارية مضمونة فلا غرور حينئذ ؟ وجهان ،

اظهرهما الثاني . نعم ، يرجع هو على المعير فيما يبذله بعوض المنافع التي استوفاها

المستعير بعنوان العارية ، لقاعدة الغرور .

وان كان عالما بالغصب ، فقرار الضمان عليه ، لانه غاصب تلفت العين تحت

يده ، بل لو رجع المالك على المعير يرجع هو على المستعير ، لما مر في تعاقب الايادي

من ان الضمان يستقر على من تلف المال تحت يده .

 

 

] ويقتصر المستعير على المأذون [

 

يقتصر المستعير على المأذون

 

الرابعة : ( ويقتصر المستعير على المأذون ) كما هو صريح المتن والشرايع

والمسالك والروضة وغيرها وظاهر القواعد واللمعة . وعن الشيخ في المبسوط وابن زهرة

في الغنية والحلي في السرائر وغيرهم انه يجوز ان يستبيح ما دونه في الضرر لا ما فوقه ،

كان يستعير ارضا للغرس فيزرع ، بل عن الاول نفي الخلاف فيه . وعن التذكرة

والتحرير جواز المساوي ايضا . وعن جامع المقاصد : ظاهر كلامهم ان الحكم بذلك

اجماعي .

والاول اظهر ، لان الاصل عدم جواز التصرف في مال الغير الا باذنه ،

المفروض اختصاصه بنوع خاص من التصرف ، فالنوع الآخر الباقي تحت الاصل

المزبور لا يجوز . ودعوى ان الادنى أولى بالاذن ، ممنوعة ، فان الاذن ليس من قبيل

الحكم الشرعي الصادر عن مصلحة المكلف كي تتم فيه دعوى الاولوية ، فلعله له

غرض خاص في التصرف المخصوص ، او انه قيد اذنه بلا غرض . نعم ، لاننكر جواز

ما دون او المساوي بل الاضر ، لو احرز رضاه بالتصرف فيه مجانا ، لكنه خارج عن

محل الفرض .

وعليه فلو أثم وفعل الاقل ضررا ، هل عليه الاجرة ام لا ؟ وجهان ، من انه

تصرف في ملك الغير بغير اذنه واستوفى منفعته فعليه الاجرة ، ومن انه قد اباح له

المنفعة الخاصة التي عوضها اما ازيد من عوض ما استوفاه او مساو معه ، اظهرهما

الاول ، فأنه لم يبرأ ذمته من العوض بالمقدار الخاص ، بل اذن في استيفاء منفعة خاصة

بلا عوض ، والفرض انه لم يستوفها وانما استوفى منفعة اخرى لها مالية ، ولم يأذن فيها

مالكها ولم يسقط احترامها ، فلابد من ان يغترم عوضها .

 

 

] والقول قول المستعير مع يمينه في عدم التفريط أو القيمة معه ، وقول

المالك في الرد ويصح الاعارة للرهن وله المطالبة بالافتكاك بعد المدة .

الفصل التاسع : في اللقطة ، [

 

وبذلك يظهر انه لو عدل الى الاضر مع النهي او الاطلاق ، يلزمه اجرة

المجموع لاخصوص ما يزيد عن مقدار المأذون فيه . وما عن المصنف من الفرق بين

صورة النهي والاطلاق ، واختيار وجوب الاجرة كملا مع النهي ، وسقوط التفاوت مع

الاطلاق ، غير ظاهر الوجه ، لان التخطي في الصورتين لا يجوز ، والنص على المنع في

احداهما دون الاخرى لا يصلح فارقا في الضمان .

الخامسة : ( و ) لو تنازعا في التفريط ، أو القيمة ، أو الرد ، كان ( القول قول

المستعير مع يمينه في عدم التفريط والقيمة معه ، وقول المالك في الرد ) كما يظهر

مما اسلفناه في الوديعة ، فلا حاجة الى الاعادة .

السادسة : ( ويصح الاعارة للرهن ) لما سيأتي في كتاب الرهن من جواز رهن

مال الغير باذنه ، ( وله المطالبة بالافتكاك بعد المدة ) كما سيأتي .

 

الفصل التاسع : في اللقطة

 

وهي - بضم اللام وفتح القاف وسكونها - اسم للمال الملقوط على ما صرح به

جمع من اهل اللغة ، كالاصمعي وابن الاعرابي والفراء وابي عبيدة . وعن الخليل ، هي

بالتسكين لاغير ، واما بفتح القاف فهي اسم للملتقط ، لان ما جاء على فعلة فهو اسم

للفاعل كهمزة ولمزة . ولا اصطلاح جديد لها في الشرع ، بل هي فيه مستعملة في معناها

اللغوي ، نعم وقع الخلاف بين الفقهاء من جهة ان جمعا منهم اطلقوها على ما يشمل

الآدمي الحر ، وخصها جماعة آخرون بغيره وافردو الللقيط كتابا آخر .

وكيف كان فالكلام في هذا الفصل في مواضع .

 

 

[ . . . ]

 

اللقيط

 

الاول : في اللقيط . ويقال له : الملقوط والمنبوذ ايضا ، وانما يقال له اللقيط

والملقوط اللذان هما بمعنى واحد ، لان فعيل كجريح بمعنى مفعول باعتبار الالتقاط ،

ويقال له المنبوذ باعتبار انه ينبذ اولا . والكلام فيه في موارد :

احدهما : اللقيط كما في التذكرة والقواعد والتحرير : كل صبي ضايع لا كافل

له حال الالتقاط ، وفي الجواهر : بل لا اجد خلافا في غير المميز منه بل الاجماع

بقسميه عليه .

قال في المسالك : احترز بالصبي عن البالغ ، فانه مستغن عن الحضانة والتعهد

فلا معنى لالتقاطه ، نعم لو وقع في معرض هلاك وجب تخلصه كفاية . وبالضايع عن

غيره المنبوذ وان لم يكن له كافل ، فانه لا يصدق عليه اسم اللقيط ، وان كانت كفالته

واجبة كفاية كالضايع الا انه لا يسمى لقيطا . وبقوله لا كافل له عن الضايع المعروف

النسب ، فان اباه وجده ومن يجب عليه حزانته مختصون بحكمه ، ولا يلحقه حكم

الالتقاط وان كان ضايعا ، انتهى .

وكيف كان ، فلا اشكال في مشروعية الالتقاط ، بل عن التذكرة المفروغية عن

وجوبه كفاية ، وسيمر عليك ما هو الحق عند تعرض المصنف ره له .

انما الكلام في المقام في مشروعيته ، ويشهد بها جملة من النصوص ، كخبر زرارة

عن ابي عبد الله عليه السلام : اللقيط لا يشترى ولا يباع ( 1 ) .

وخبر اسماعيل المدائني عنه عليه السلام : المنبوذ حر ، فان احب ان يوالي غير

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 22 من كتاب اللقطة - حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

لذي رباه والاه ، فان طلب منه الذي رباه النفقة وكان موسرا رد عليه ، وان كان معسرا

كان ما انفق عليه صدقة ( 1 ) .

وخبر عبد الرحمان العزرمي عنه عليه السلام عن ابيه عليه السلام : المنبوذ حر ،

فاذا كبر فان شاء توالى الى الذي التقطه ، والا فليرد عليه النفقة ، وليذهب فليوال من

شاء ( 2 ) .

وحيح محمد بن احمد عنه عليه السلام عن اللقيطة ، فقال عليه السلام :

لاتباع ولا تشترى ، ولكن تستخدمها بما انفقت عليها ( 3 ) .

وصحيح محمد بن مسلم - او حسنه - عن ابي جعفر عليه السلام عن اللقيط ،

فقال عليه السلام : حر لا يباع ولا يوهب ( 4 ) الى غير تلكم من النصوص .

ودلالة هذه النصوص على جواز الالتقاط ، والتصرف في الضبط وحفظه ، ونحو

تلكم مما هو مخالف للاصل ظاهرة والمأخوذ في النصوص موضوعا لهذا الحكم اللقيط ،

واللقيطة ، والمنبوذ ، وفي بعضها التقييد بعدم الكبر ، فانه ظاهر في بقائه على حكم

الالتقاط حتى يكبر فيوالي من شاء . واختصاصها بمن لا كافل له ، باعتبار ما فيها

من حكم الانفاق عليه ، والاستخدام وانه لا يباع ولا يوهب ، ظاهر .

واما اعتبار كونه ضايعا فلا تشمل النصوص غير المنبوذ ، فيدفعه المتفاهم

العرفي ضرورة صدق الموضوع عندهم على الضايع من اهله وان لم ينبذوه .

واما الصبي غير المميز ، فهو المتيقن من النصوص . وان كان مميزا ، فعن المحقق

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 22 من كتاب اللقطة حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 22 من كتاب اللقطة حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 22 من كتاب اللقطة حديث 4 .

( 4 ) الوسائل باب 22 من كتاب اللقطة حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

والمصنف ره والشهيدين والكركي وغيرهم جواز التقاطه ، لصدق كونه لقيطا ، وعجزه

عن دفع ضرورته .

وفي الرياض - بعد الاعتراف بان ذلك هو المشهور بين اصحابنا - : ولا ريب

فيه مع عدم بلوغ التمييز حدا يحفظ نفسه عن الهلاك ، ويشكل مع بلوغه ذلك الحد

وان احتاج الى بعض الضروريات ، وبعدم الجواز فيه صرح بعض الاصحاب ، قال :

فيكون امره الى الحاكم كالبالغ ، من باب الولاية العامة كحفظ المجانين ، الى ان قال :

وهو حسن ، واستدل له بعدم صدق اللقيط عليه ولا اقل من الشك ، فيرجع بالنسبة

اليه الى اصالة عدم الجواز .

وفيه : ما عرفت من صدق اللقيط على المميز ، ويشهد به اطلاق الالتقاط على

يوسف عليه السلام في الكتاب العزيز ( 1 ) ضرورة انه كان مميزا ، كما تشهد به رؤياه التي

قصها على ابيه قبل ان يرمى في البئر ، ويؤيده ما في النصوص المتقدمة من بقاء حكم

الالتقاط ما لم يكبر ، المعلوم ارادة البلوغ من الكبر ولو بقرينة المطالبة بالنفقة .

فالاظهر شموله للمميز .

ثم انه ان لم يكن للصبي من هو كافل له شرعا ، ولكن كان له العم او الخال

او الخالة ونحوهم ، فهل يجرى عليه حكم اللقيط على ما هو الظاهر من كلمات الفقهاء

على ما فيها من الاختلاف ، ام لا فان ذلك في العرف لا يسمى لقيطا ؟ ولعل الثاني

اظهر ، بل لو كان هناك متبرع بالكفالة والحضانة لا يسمى لقيطا في العرف .

..............................................................................

( 1 ) سورة يوسف آية 10 . ( * )

 

 

] يشترط في ملتقط الصبي التكليف والاسلام [

 

شرائط ملتقط اللقيط

 

الثاني : في ما ( يشترط في ملتقط الصبي ) . لا خلاف ظاهرا في اشتراط

( التكليف ) بالبلوغ والعقل ، فلا يصح التقاط الصبي والمجنون ، لقصورهما عن

الولاية والحضانة والانفاق وعدم اهليتهما لشئ من تلكم ، وهي من لوازم صحة

الالتقاط . وحنيئذ فيجوز الالتقاط من يدهما لمن له اهلية وله ولاية لحفظه ، لان

التقاطهما كالعدم كما استوجهه الشهيد الثاني . فما عن التذكرة من انه يخرج بذلك

عن حكم اللقيط ، وتكون الولاية للحاكم ، في غير محله .

وظاهر الاطلاق الماتن وكثير اشتراط التكليف خاصة ، وعدم اعتبار الرشد .

واستدل له بان السفيه محجور عن التصرف في ماله وليست حضانته مالا ، ومجرد كونه

مولى عليه لا يمنع عن ولايته .

وعن الدروس اشتراط الرشد ، محتجا بان الشارع لم يأتمنه على ماله فعلى

الطفل وماله اولى بالمنع ، وبان الالتقاط ايتمان شرعي والشرع لم يأتمنه . وهو حسن ،

سيما وان التقاطه يستلزم وجوب انفاقه وهو لا يجوز من السفيه ، لانه تصرف مالي ،

اضف اليه عدم وجود اطلاق دال على جواز التقاط كل احد ، فالاظهر اعتبار الرشد .

( و ) مما قالوا باشتراطه ( الاسلام ) اذا كان اللقيط محكوما بالاسلام ، بل

الطاهر عدم الخلاف فيه الا ما في النافع من التردد فيه ، وهو الظاهر من الشرايع . وهو

الاظهر ، فانه نوع سبيل ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) ( 1 ) وايضا

انه لا يؤمن مخادعته عن الدين ، وقد ورد في النصوص تعليل المنع عن تزويج العارفة

..............................................................................

( 1 ) سورة النساء آية 141 . ( * )

 

 

[ . . . ]

من المخالف بان المرأة تأخذ من ادب زوجها ( 1 ) .

وبما ذكرناه يظهر اختصاص ذلك بما اذا كان اللقيط محكوما بالاسلام ، وان

كان محكوما بالكفر فلا دليل على اعتبار الاسلام في ملتقطه ، وهو المشهور بين

الاصحاب ، وربما يستدل له - مضافا الى اختصاص وجوه المنع بغير الفرض - بقوله

تعالى ( والذين كفروا بعضهم اولياء بعض ) ( 2 ) .

وفي اعتبار العدالة في الملتقط قولان ، فعن الشيخ في احد قوليه والمصنف ره في

التحرير والارشاد والقواعد الاعتبار ، وعن الاكثر عدمه ، وعن المحقق الثاني التفصيل

بين ما اذا كان له مال فالاول ، وما اذا لم يكن فالثاني .

وجه الاول : ان الالتقاط يفتقر الى الحضانة ، وهي استيمان لا يليق بالفاسق ،

وايضا انه لا يؤمن ان يسترقه ويأخذ ماله .

وجه الثاني : الاصل ، وان المسلم محل الامانة مع انه ليس استيمانا حقيقيا ،

وفحوى جواز التقاط الكافر مثله .

ووجه الثالث : ان الخيانة في المال امر راجح الوقوع .

والاول اقوى ، للسيرة ، واطلاق الادلة ، والاصل في المسلم الائتمان وعدم فعل

المحرم ، ولذا ائتمنه الشارع في كثير من الامور كالطهارة والتذكية وغيرهما . ولو كان

له مال يخاف عليه يمكن الجمع بانتزاع الحاكم له منه .

هذا كله بلحاظ كونه فاسقا ، ولو كان هناك جهة اخرى في الملتقط ، وعلم او

ظن من القرائن استعماله في الامور التي يخشى منها التلف ، او كان يخشى على عرضه

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب ما يحرم بالكفر ونحوه - من كتاب النكاح .

( 2 ) سورة الانفال آية 73 . ( * )

 

 

] واذن المولى في المملوك . [

 

او على دينه ، فلا ينبغي التوقف في عدم جواز التقاطه ، ووجوب انتزاع الحاكم من يده

ودفعه الى من يؤمن منه من جميع ذلك .

( و ) يعتبر ايضا ( اذن المولى في المملوك ) .

 

الاحكام

 

الثالث : في الاحكام ، وفيه مسائل .

الاولى : اللقيط تارة يلتقط في دار الاسلام ، واخرى يلتقط في دار الكفر . وقد

اطنب الاصحاب في تقسير دار الاسلام ودار الكفر ، وتقسيم كل واحد الى اقسام ،

وكلماتهم مع ما بينها من الاختلاف لا يثبت بها شئ بعد عدم تعليق الحكم على دار

الاسلام ودار الكفر ، فان الحكم الذي يراد اثباته اما الحكم باسلامه او كفره ، او

بحريته أو رقيته .

اما الاول فقد مر في كتاب الطهارة والجهاد ان الصبي المميز اسلامه او كفره

باعتقاده ويكون مستقلا في ذلك ، واما غير المميز فان كان احد ابويه مسلما فهو تابع

له ، والا فان كان السابي له مسلما يكون تابعا للسابي ، وبدون ذلك لا يحكم باسلامه

ولا بكفره . وبينا في ذينك البابين ان حديث الفطرة ( 1 ) والحديث : الاسلام يعلو ولا يعلى

عليه ( 2 ) لا يدلان على الحكم بالاسلام بمجرد احتمال الاسلام ، وطريقية دار الاسلام

له ودار الكفر له مما لم يدل عليه دليل .

..............................................................................

( 1 ) اصول الكافي ج 2 ص 13 من طبعة طهران .

( 2 ) الوسائل - باب 1 من ابواب موانع الارث حديث 11 . ( * )

 

 

] فان كان في دار الاسلام فهو حر ، والا فرق ووارث الاول الامام مع عدم

الوارث وهو عاقلته . ولو بلغ رشيدا فاقر بالرقية قبل ]

 

واما الثاني فمقتضى اطلاق الاخبار المتقدمة عدم الحكم بالرقية مطلقا .

فما في المتن ( فان كان في دار الاسلام فهو حر والا فرق ) غير ظاهر الوجه .

ودعوى ان الاخبار خطابات للمسلمين وفي بلادهم كما في الرياض ، من الغرائب ،

فان كان هناك اجماع يقيد به اطلاق النصوص ، والا فالمتجه هو الحكم بالحرية مطلقا .

الثانية : ( ووارث الاول ) اي الحر ( الامام مع عدم الوارث ) ، لان الامام

وارث من لا وارث له كما سيأتي ( وهو عاقلته ) عندنا كما في المسالك ، اذا لم يكن له

نسب ولم يكبر فيتوالى احدا على وجه يكون ضامنا لجريرته ، لان ميراثه له .

الثالثة : ( ولو بلغ رشيدا افاقر بالرقية قبل ) لعموم قاعدة الاقرار .

 

حكم نفقة اللقيط

 

الرابعة : في نفقته . فالمعروف بين الاصحاب ان الواجب على الملتقط حضانته

بالمعروف ، وهو تعهده والقيام بضرورة تربيته بنفسه او بغيره . ولا يجب عليه الانفاق

من ماله ابتداء ، للاصل ، ولما دل من النصوص ( 1 ) على حصر من يجب انفاقه في اصناف

ليس اللقيط منهم ، وللاجماع الذي ادعاه المصنف ره في محكي التذكرة .

فحينئذ ان كان للصبي مال ينفق عليه منه باذن الحاكم الشرعي ، لاصالة عدم

جواز التصرف في ماله بغير اذنه او اذن وليه ، ولان ذلك من وظائف حكم الجور ، وقد

دلت النصوص ( 2 ) على ان ما هو من وظائفهم ثابتة لحكام الشرع .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب النفقات كتاب النكاح .

( 2 ) الوسائل باب 11 من ابواب صفات القاضي من كتاب القضاء . ( * )

 

 

] وينفق عليه السلطان ، فان تعذر فبعض المؤمنين ، فان تعذر انفق الملتقط

ويرجع عليه مع نيته لا بدونها [

 

( و ) ان لم يكن له مال ، فان وجد سلطان يستعان به على نفقته من بيت المال

أو الزكاة ( ينفق عليه السلطان ) وجوبا مع عدم متبرع بلا خلاف ، وما عن المقنعة

والنهاية من التعبير بلفظ ينبغي يراد منه الوجوب ، لان بيت المال معد المصالح

المسلمين .

فان تعذر السلطان ، ولم يوجد من ينفق عليه من الزكاة ، او ما اعد لمثله ، او ما

كان يصح صرفه فيه ، ( ف ) المعروف بينهم انه ( ان تعذر ) ينفق عليه ( بعض المؤمنين )

الذين منهم الملتقط ، وفي الجواهر : بلا خلاف اجده فيه ، واستدل له بان بذل النفقة

لمثله واجب على الكفاية ، لانه دفع ضرورة مع التمكن .

قالوا : ( فان تعذر انفق الملتقط ويرجع عليه مع نيته لا بدونها ) .

وما افادوه من هذا الترتيب ينافيه نصوص الباب ، لاحظ قوله عليه السلام في

خبر المدائني المتقدم : فان طلب منه الذي رباه النفقة وكان موسرا رد عليه ، وان كان

معسرا كان ما انفق عليه صدقة ( 1 ) وقوله عليه السلام في صحيح محمد بن احمد : ولكن

تستخدمها بما انفقت عليها ( 2 ) ونحوهما غيرهما .

فان المستفاد منها جواز ان ينفق عليه الملتقط بنية الرجوع عليه بعد البلوغ

واليسار ، أولان يستخدمه ، ومقتضى اطلاقها جواز ذلك حتى مع وجود السلطان

المنفق ، وهذا مما تقتضيه القاعدة ، اذ الوجوب على المسلمين من باب رفع حاجة

المحتاج لا يوجب التبرع .

وان شئت قلت : ان وجوب الانفاق على المسلمين تبرعا ، حكم شرعي موقوف

..............................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 22 من ابواب اللقطة حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 22 من ابواب اللقطة حديث 4 . ( * )

 

 

] ولو كان له اب او جد او ملتقط قبله اجبر على اخذه [

 

على الدليل ولا دليل عليه ، واصل البراءة يقتضي عدمه . بل يمكن ان يقال : انه

لايجب على السطان الانفاق عليه تبرعا بمقتضى القاعدة ايضا ، لان كون بيت المال

معدا لصالح المسلمين لا يقتضي الانفاق تبرعا ، بل له ان ينفق عليه قرضا ، ويرجع

عليه بعد بلوغه ويساره .

فالمتحصل مما ذكرناه ان الواجب هو الانفاق عليه ولو بعنوان القرض ، فان

وجد سلطان فهو احق بذلك لان بيت المال معد لذلك وامثاله ، والا فالملتقط وغيره

عل حد سواء . نعم ، ان وجد من ينفق عليه من الوجوه المنطبقة عليه او تبرعا ، ليس

للملتقط الانفاق عليه بقصد الرجوع عليه ، لان ذلك وان كان منافيا للاطلاق في بادي

النظر ، لكنه بعد ملاحظة فتوى الاصحاب والمنساق الى الذهن من النصوص . يظهر

عدم المنافاة .

ولم يخالف في جواز الرجوع عليه بعد البلوغ سوى الحلي ، محتجا له بالاصل ،

وقاعدة لا ضرر ولا ضرار ( 1 ) . ولكن الاصل يخرج عنه بالنصوص المتقدمة ، ومعها لا

وجه للرجوع الى قاعدة لا ضرر ، اضف اليه انه لا ضرر في أخذ عوض ما انفقه عليه .

ثم ان ظاهر خبر المدائني كون النفقة صدقة مع الاعسار ، ولم يجد صاحب

الجواهر ره عاملا به ، ولذلك حمله بعضهم على ارادة جواز احتسابه زكاة من سهم

الفقراء او الغارمين .

( ولو كان له ) اي لللقيط ( اب اوجد او ملتقط قبله ) لا يكون محكوما بحكم

اللقيط و ( اجبر على اخذه ) كما مر .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب الخيار . ( * )

 

 

] واخذ اللقيط واجب على الكفاية ، وهو مالك لما يده عليه . [

 

عدم وجوب اخذ اللقيط

 

( و ) الخامسة : قال الشيخ والمصنف ره وتبعهما غيرهما : ( اخذ اللقيط واجب على

الكفاية ) ، وفي المسالك نسبته الى اكثر الاصحاب تارة ، والى معظمهم اخرى . وفي

الشرايع والنافع والجواهر البناء على الاستحباب . وعن اللمعة والدروس التفصيل

بالوجوب مع الخوف عليه ، ولاستحباب مع عدمه ، واستوجهه في المسالك ، والظاهر

انه يرجع الى القول الثاني ، لان الكلام في الالتقاط من حيث هو لا فيما اذا توقف

عليه حفظ النفس ، والا فلا يظن باحد ان يشك في الوجوب حينئذ ، ولا يختص ذلك

بالالتقاط بل الحكم ذلك حتى في الكبر .

وعلى هذا ، ففي المسألة قولان : الوجوب ، والاستحباب . والاظهر هو الثاني ،

لعدم الدليل على الوجوب ، والاصل يقتضي عدمه . والاستدلال للوجوب بانه تعاون

على البر ، وبانه دفع لضرورة المضطر ، غير تام ، اذ التعاون على البر لا يكون واجبا

باطلاقه قطعا ، واخراج الموارد الثابت فيها عدم الوجوب عن تحت الدليل مستلزم

لاخراج الاكثر المستهجن ، فالمتعين حمل دليله على الاستحباب ، وكونه دفع ضرورة

المضطر قد عرفت عدم ربطه بما هو محل البحث .

السادسة : ( وهو ) اي اللقيط بعد الحكم بحريته ( مالك لما يده عليه ) كما في

الكبير ، ويده كيد البالغ امارة الملكية ، لان له اهلية الملك والتملك ، كما صرح به الشيخ

والمحقق والمصنف والشهيدان وغيرهم ، وفي الجواهر : بل لا اجد فيه خلافا بين من

تعرض له ، بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه .

 

 

] ويكره اخذ الضوال [

 

احكام الضوال

 

الموضع الثاني : في الضوال - جمع ضالة - وهي كل حيوان مملوك ضايع اخذ ولا

يد محترمة عليه . لا اشكال ( و ) لا خلاف في انه ( يكره اخذ الضوال ) في صورة الجواز ،

وفي المسالك : واخذه حيث يجوز مكروه كراهة شديدة . واستدل لها في المسالك

والرياض بالنبوي : لا يؤوي الضالة الا الضال ( 1 ) وبالخبرين : لا يأكل من الضالة الا

الضالون ( 2 ) .

وحيث ان الاول ضعيف السند عند سيد الرياض ، والخبرين لا يدلان على

حكم الاخذ بل هما متضمنان لحكم الاكل ، فلذا استشكل في الزياض اولا في الحكم ،

ثم قال : وفي الفتاوى والخبر الاول كفاية لجواز التسامح في امثال المقام .

ويرده اولا : ما تقدم منا مرارا من ان التسامح انما هو في ادلة السنن

والمستحبات لا في المكروهات .

وثانيا : ان النبوي لاضعف في سنده ، فانه رواه الصدوق ره ، قال : ومن الفاظ

رسول الله صلى الله عليه وآله لا يؤوي الخ . وقد اشرنا مكررا الى ان المرسل اذا كان

ثقة ، ونسب الخبر الى المعصوم جزما لا بنحو روي وشبهه ، يكون ذلك الخبر حجة ، لان

نسبته جزما اليه كاشفة عن ثبوت صدوره عنه عنده ، فهو في حكم توثيق الواسطة او

الوسائط ، وعلى هذا فهو قوي السند وظاهر الدلالة .

ويشهد بها - مضافا الى ذلك - النصوص الناهية عن اخذ اللقطة ، كصحيح

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللقطة حديث 10 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللقطة حديث 5 - 7 . ( * )

 

 

] الا مع التلف ، [

 

الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام في حديث في اللقطة ، قال : وكان علي بن

الحسين عليه السلام يقول لاهله : لا تمسوها ( 1 ) ونحوه غيره ، فانها وان كانت في اللقطة

- وهي المال غير الحيوان كما يأتي - الا انها بالفحوى تدل على المقام .

وصحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله

في الشاة الضالة : وما احب ان امسها ( 2 ) ومثله صحيح هشام ( 3 ) .

وعلى هذا فلا اشكال في الكراهة ( الا مع التلف ) اذا لم يلتقطه ، فان يجوز

الاخذ بلا كراهة ، كما صرح به المصنف وغيره .

واستدل له بان نصوص الكراهة منصرفة عن هذه الصورة ،

وبالاخبار المتضمنة لقوله عليه السلام : هي لك او لاخيك او للذئب ( 4 )

بدعوى انه يرغب في اخذ الضالة التي هي في معرض التلف ، على معنى

انك ان اخدتها ولم تعرف مالكها بعد التعريف تكون لك ، وان عرفته فقد حفظت مال

اخيك المؤمن ، وان لم تأخذها اكلها الذئب أو اخذها غير الامين الذي هو بمنزلة

الذئب ، ولعله لذا حكي عن المبسوط استحباب اخذها اذا كان امينا في مفازة او في

خراب او في عمران .

ولكن الانصراف ممنوع ، وقوله عليه السلام متصلا بالقول المتقدم في الاخبار :

وما احب ان امسها ، يدفع التقريب المذكور لدلالة الاخبار عليه ، ووجوب حفظ المال

عن التلف قد مر ما فيه . فاذا مقتضى اطلاق النصوص الكراهة حتى مع خوف

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللقطة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل - باب 13 من كتاب اللقطة حديث 6

( 3 ) الوسائل باب 13 من اللقطة حديث 1 .

( 4 ) الوسائل باب 13 من اللقطة . ( * )

 

 

] فلا يؤخذ البعير في كلا وماء [

 

التلف .

اللهم الا ان يقال : ان حفظ مال الغير وان لم يكن واجبا لكن لا ريب في

حسنه ، لانه احسان اليه ، كيف وقد دلت الاخبار ( 1 ) على جواز الحلف كاذبا لحفظ مال

الغير ، فانها وان كانت فيما لو كان مال الغير تحت اليد ، الا انه لاشبهة في استفادة

مطلوبية حفظ مال الغير مطلقا منها ، وهذا ان لم يوجب الاستحباب ولكن لا ريب في

كونه موجبا لرفع الكراهة ، فلا شبهة في عدم الكراهة في هذه الصورة .

 

لا يؤخذ البعير اذا وجد في كلا وماء

 

وتمام الكلام في هذا الموضع بالبحث في مسائل :

الاولى : ان الحيوان الذي يوجد لا يخلو من كونه بعيرا ، او شاة ، او غيرهما ،

( ف ) الكلام في فروع :

1.    ( لا يؤخذ البعير ) اذا وجد ( في كلا وماء ) يتمكن من التناول منهما ، بلا

خلاف ، وعن صريح غاية المراد وظاهر الكفاية الاجماع عليه . والنصوص شاهدة به ،

لاحظ صحيح هشام بن سالم - او حسنه - عن الصادق عليه السلام : رجاء رجل الى

رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله اني وجدت شاة ؟

فقال رسول الله : هي لك أو لاخيك أو للذئب . فقال : يا رسول الله

اني وجدت بعيرا ؟ فقال : معه حذائه وسقائه ، حذائه خفه ، وسقائه كرشه ، فلا تهجه ( 2 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 12 من كتاب الايمان .

( 2 ) الوسائل - باب 13 من كتاب اللقطة حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وصحيح معاوية بن عمار عنه عليه السلام : ان رسول الله صلى الله عليه وآله

وسلم سئل عن البعير الضال ، فقال صلى الله عليه وآله : مالك وله ، خفه حذائه ، وكرشه

سقائه ، خل عنه ( 1 ) ونحوهما غيرهما .

ومع ذلك فهو مقتضى القاعدة ايضا ، لعدم جواز اثبات اليد على مال الغير

بغير رضاه ، او السبب المرخص فيه ، المفقودين في المقام ، لان مالكه غير معلوم ، والبعير

مصون عن السباع بامتناعه مستغن بالرعي ، فلو اخذه والحال هذه ضمنه بلا خلاف

ولا اشكال ، لعموم على اليد .

قال الشهيد الثاني ره في محكي الروضة : لا يجوز اخذه حينئذ بنية التملك

مطلقا ، وفي جوازه بنية الحفظ لمالكه قولان ، من اطلاق الاخبار بالنهي والاحسان ،

وعلى التقديرين يضمن بالاخذ . وظاهره الضمان حتى على القول بان أخذه احسان

وتجويزه ، ووجهه في الجواهر بالعموم المزبور الذي لا تنافيه قاعدة الاحسان ، المراد

منها ما حصل فيه الاحسان لا ماقصد ولم يحصل .

وتنقيح القول أن جواز اخذ ما يحرم التقاطه بعنوان الحفظ ، قد اختاره في

محكى التذكرة ، ولا وجه له بعد اطلاق النصوص المتقدمة . ولا مورد لقاعدة الاحسان ،

فانها في موارد جواز وضع اليد حتى يتمحض في الاحسان ، كما لو علم من حال صاحبه

الرضا بوضع اليد على ماله لا يصاله ، لا في مثل الفرض الذي يحرم ذلك كما هو مقتضى

القاعدة واطلاق الاخبار ، بل مقتضى الاحسان ترك التعرض له حتى يجده ، فان

الغالب ان من اضل شيئا يطلبه حيث يضعه ، فاذا اخذه غيره ضاع عنه ، فلا توقف

في عدم الجواز . واما الضمان مع القول بجوازه ، فتنافيه قاعدة الاحسان المخصصة

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 13 من اللقطة حديث 5 . ( * )

 

 

] ويؤخذ في غيره اذا ترك من جهد ويملكه الاخد . [

 

لقاعدة على اليد .

ويرد ما افاده صاحب الجواهر ره : ان الفعل اذا صدر بقصد عنوان حسن

يتصف بالحسن ، وان لم يتحقق مبدأ ذلك العنوان في الخارج ، مثلا ضرب اليتيم بقصد

التأديب حسن وان لم يتأدب ، والكذب بقصد انجاء المؤمن حسن وان لم يترتب عليه

نجاته ، بل تمام المناط لاتصاف الفعل بالحسن هو ذلك لا الوجود الواقعي ، فضرب

اليتيم لا بداعي التأديب قبيح وان تأدب . وعليه ففي المقام على فرض تسليم شمول

قاعدة الاحسان ، لابد من البناء على عدم الضمان اذا اخذه بقصد الحفظ لمالكه

وايصاله اليه وان تلف قبل الوصول اليه .

هذا كله فيما اذا وجد في كلا وماء ، ( و ) الا فيجوز ان ( يؤخذ في غيره اذا ترك

من جهد ) وعطب ، لمرض او كسر او غيرهما ، ( ويملكه الاخذ ) حينئذ على الاظهر

الاشهر بل عليه عامة من تأخر ، كذا في الرياض . ولكن صاحب الجواهر ينكر صحة

نسبة ذلك الى الاصحاب ، قال : لا اظن بارادة الاصحاب ذلك حتى يكون جابرا ، لان

تعبير المعظم : لو تركه من جهد ونحوه ، مما هو ظاهر في غير اللقطة .

وملخص الكلام : ان البعير المزبور ربما يعرض صاحبه عنه ويتركه ، وربما

يضيع منه ، ومحل الكلام هو الثاني . وحيث ان في المقام نصوصا يمكن استفادة الحكم

منها فلابد من ملاحظتها ، لا حظ صحيح عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه

السلام : من اصاب مالا او بعيرا في فلاة من الارض ، قد كلت وقامت وسيبها صاحبها

مما لم يتبعه ، فأخذها غيره فاقام عليها وانفق نفقتة حتى احياها من الكلال ومن الموت ،

فهي له ولا سبيل له عليها ، وانما هو مثل الشئ المباح ( 1 ) .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 13 - من كتاب اللقطة - حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقد يقال انه مختص بالصورة الاولى ولا يشمل ما نحن فيه ، لقوله : وسيبها ،

ولجعله كالمباح . ولكن الموجود في بعض النسخ " نسيها " بدل " سيبها " وهو انسب بما

فيه من الظهور ، في ان احياء الحيوان الذي هو في غير ماء ولا كلاء وقد اصابه الجهد

والكلال سبب لتملك الحيوان المزبور ، سواء كان اعرض عنه ام لا ، مع ان الحمل على

صورة الاعراض حمل على الفرد النادر جدا ، فان البعير الذي يوجد ولا يعرف صاحبه

كيف يمكن احراز الاعراض عنه ، فالمتعين البناء على العموم . واما جعله كالمباح ، فلو

لم يدل على الاختصاص بمحل الكلام نظرا الى جعله كالمباح لا مباحا ، والمعروف

صيرورته مباحا بالاعراض ، لما دل على الاختصاص بصورة الاعراض ، فالانصاف

شمول الصحيح لما هو محل الكلام .

وخبر مسمع عن مولانا الصادق عليه السلام : ان امير المؤمنين عليه السلام كان

يقول في الدابة اذا سرحها اهلها او عجزوا عن علفها او نفقتها فهي للذي احياها ،

قال : وقضى امير المؤمنين عليه السلام في رجل ترك دابة بمضيعة ، فقال عليه السلام :

ان كان تركها في كلا او ماء وامن فهي له يأخذها متى شاء ، وان كان تركها في غير

كلا ولا ماء فهي لمن احياها ( 1 ) . واعميته من الاعراض واضحة ، وبضميمة ان احراز

انه هل تركها اوضاع عنها غير ممكن غالبا ، وقوله بمضيعة وعدم القول بالفصل بين

صورة احراز الترك واحتمال الضياع ، يثبت الحكم في مورد الضياع ايضا .

وخبر السكوني عنه عليه السلام : ان أمير المؤمنين عليه السلام قضى في رجل

ترك دابته من جهد ، فقال عليه السلام : ان كان تركها في كلا وماء وامن فهي له

يأخذها حيث اصابها ، وان تركها في خوف وعلى غير ماء ولا كلا فهي لمن اصابها ( 2 )

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 13 من اللقطة حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 13 من كتاب اللقطة حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وتقريب الاستدلال به كسابقه . فالحكم خال عن الاشكال .

ولا يخفى ان الظاهر من النصوص - كما افاده سيد الرياض - اعتبار الامرين

من الترك من جهد وفي غير ماء ولا كلا معا . فلو انتفى احدهما بان ترك من جهد في

كلا وماء ، او من غير جهد في غيرهما ، او انتفى كل منهما ، لم يجز الاخذ ، وعليه الاجماع

في بعض الكتب . فما عن بعض من كفاية احدهما ، ضعيف .

ثم لو كانت الفلاة مشتملة على احد الامرين من الماء والكلا ، فهل هي بحكم

عادمتهما ، ام بحكم مشتملتهما ؟ وجهان ، مقتضى مفهوم صدر الخبرين الاول ، ومقتضى

مفهوم ذيلهما الثاني ، ويؤيد الاول عدم قوام الحيوان بدونهما . فما افاده الشهيد الثاني

من اختيار الاول اظهر .

والنسبة بين هذه النصوص وبين النصوص المانعة عن الاخذ عموم مطلق ،

فيقيد اطلاقها بها . فما عن ابن حمزة من عدم جواز الاخذ في هذه الصورة ، التفاتا منه

الى المنع عنه في النصوص المتقدمة ، ضعيف .

ثم اذا اخذها وتملكها ، فلا اشكال في عدم الضمان ولا خلاف ، لظاهر النصوص

المتقدمة . نعم ، عن القواعد في رد العين مع طلب المالك اشكال ، بل عن الايضاح انه

الاقوى ، ولعل وجهه اطلاق قول ابي جعفر عليه السلام في خبر ابي بصير : من وجد

شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ، فاذا جاء طالبه رده اليه ( 1 ) بناء على شموله

لمثل المقام .

واجاب عنه في الجواهر بان اقصاه كون التعارض بينهما من وجه ، ولا ريب في

ان الترجيح للاول من وجوه .

..............................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب اللقطة حديث 2 . ( * )

 

 

] وتؤخذ الشاة في الفلاة ]

 

واورد عليه بانه لا تعارض بينهما ، فان خبر ابي بصير ايضا متضمن لكونه له ،

وليس مفاد النصوص المتقدمة غير ذلك ، فلا معارض للخبر بالنسبة الى وجوب الرد .

ولكن يمكن دفع ذلك بان التفصيل في خبري السكوني ومسمع بين تركها في

كلا وماء فله اخذها ، وبين تركها في غير ذلك فهي لمن اصابها ، ظاهر في ارادة الملكية اللازمة ،

 وإلا فله أخذها في المورد الثاني ايضا ، ولغى التفصيل من هذه الجهة ، بل قوله

عليه السلام في الصحيح : فهي له ولا سبيل له عليها ، ظاهر في انه ليس له الفسخ

والرد . فما افاده في الجواهر تام ، وتقدم نصوص الباب للشهرة التي هي اول المرحجات .