حكم الشاة الملتقطة

 

2.    ( وتؤخذ الشاة ) ان وجدت ( في الفلاة ) التي يخاف عليها من السباع

جوازا ، بلا خلاف ظاهر ، بل عن التذكرة عليه الاجماع . ويشهد به جملة من النصوص

المتقدم بعضها ، المتضمنة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : هي لك او لاخيك او للذئب ( 1 (

وما ذكروه من انها لا تمتنع من صغير السباع ، فهي معرضة للتلف فكانت بحكم

التالفة .

ثم انه بعد اخذها يتخير بين ان يحفظها لمالكها ودفعها الى الحاكم - ولا ضمان

فيهما اجماعا ، لانه في الاول امين اذ الشارع رخص في الاخذ ، وفي الثاني الحاكم ولي

الغائب ، فالدفع اليه كالدفع الى المالك . وبين ان يتملكها بلا خلاف ، والنصوص

المتقدمة شاهدة به ، ولا يعارضها ما دل على انه يحبسها عنده ثلاثة ايام فان جاء

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 13 من ابواب كتاب اللقطة . ( * )

 

 

] مضمونة . [

 

صاحبها والا تصدق بثمنها عن صاحبها ، لما سيأتي .

وهل هي ( مضمونة ) على تقدير التملك كما عن الاكثر - مطلقا او مع ظهور

المالك - بل هو المشهور بينهم ، ام لا ؟ قولان . يشهد للاول - مضافا الى اطلاق خبر

ابي بصير المتقدم : من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ، فاذا جاء طالبه

رده اليه - صحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام عن رجل اصاب شاة في

الصحراء ، هل تحل له ؟ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : هي لك او لاخيك او

للذئب ، فخذها فعرفها حيث اصبتها ، فان عرفت فردها الى صاحبها ، وان لم تعرف

فكلها وانت ضامن لها ان جاء صاحبها يطلب ثمنها ان تردها عليه ( 1 ) ولا ينافي ذلك

ما دل على التملك ، فان الجمع بينهما يقتضي البناء على التملك بعوض .

وهل التملك لها قبل تعريف السنة ، ام بعده ؟ قولان :

وجه الاول : اطلاق الصحاح المتقدمة المتضمنة لجواز التملك من دون تقييد له .

ووجه الثاني : الاصل ، وعموم الامر بالتعريف في اللقطات ، وظاهر صحيح علي

ابن جعفر المتقدم ، وصحيحه الاخر عنه عليه السلام عن الرجل يصيب اللقطة دراهم

او ثوبا او دابة ، كيف يصنع ؟ قال عليه السلام : يعرفها سنة ، فان لم يعرف صاحبها

جعلها في عرض ماله حتى يجئ طالبها فيعطيها اياه ، وان مات أوصى بها ، فان اصابها

شئ فهو ضامن ( 2 ) فتأمل .

والثاني اظهر ، لان اكثر ما ذكر في وجهه وان كانت مخدوشة - اذ الاصل لا

يرجع اليه مع الدليل . والامر بالتعريف في اللقطات انما هو في لقطة الاموال غير

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 13 من كتاب اللقطة حديث 7 .

( 2 ) الوسائل - باب 2 من كتاب اللقطة حديث 13 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الضوال ، بحكم الانصراف والسياق والصحيح الثاني لابن جعفر ظاهر في عدم التملك

اصلا ، سيما وفي نسخة الوسائل " حفظها " بدل " جعلها " - ولكن في الصحيح الاول

كفاية ، ولا يعارضه اطلاق الصحاح المتقدمة فانه يقيد به ، كيف وقد جمع في الصحيح

بين ما تضمنته تلك النصوص وبين الامر بالاكل والتملك بعد التعريف .

ويمكن ان يستدل له بصحيح صفوان عن ابي عبد الله عليه السلام : من وجد

ضالة فلم يعرفها ، ثم وجدت عنده فانها لربها ( 1 ) .

فلا توقف في ان التملك انما هو بعد التعريف سنة ، وفي الصحيحين وان لم

يصرح بسنة الا انه من المعلوم ان التعريف في هذا الباب هو التعريف سنة ، واطلاق

التعريف فيهما منزل على ما هو المعلوم ثبوته بنصوص اخر ولو في لقطة الاموال .

واما خبر ابن ابي يعفور عنه عليه السلام : جاء رجل من المدينة فسألني عن

رجل اصاب شاة ، فأمرته ان يحبسها عنده ثلاثة ايام ويسأل عن صاحبها ، فان جاء

صاحبها والا باعها وتصدق بثمنها ( 2 ) فقد حمله الاصحاب على ما اذا اخذت من

العمران او المساكن المأهولة وما هو قريب منها ، بحيث لا يخاف عليها من السباع ،

جمعا . وفي الرياض : وظاهرهم الاطباق على العمل به حينئذ ، فبه ينجبر ضعف سنده ،

ويختص الحكم بمورده وهو الشاة ، وقد مران اطلاقه من حيث أخذه من العمران او

الفلاة يقيد بالنصوص المتقدمة ، وليس في الخبر دلالة على جواز الاخذ ، ففي ذلك يرجع

الى القواعد ، وهي تقتضي عدم جواز الاخذ مالم يخف التلف او النهب كما مر .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 14 من كتاب اللقطة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 13 - من كتاب اللقطة حديث 6 . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

حكم الحيوان غير البعير والشاة

 

3.    اذا وجد غير البعير والشاة في الفلاة ، فان كان دابة فهي ملحقة بالبعير

بلا خلاف ، وخبرا السكوني ومسمع شاهدان بالالحاق . واما البقرة والحمار ، فعن الشيخ

والحلي والمحقق وغيرهم الالحاق ، وهو الاظهر .

اما المنع لو وجدا في كلا وماء ، فلانه مقتضى القاعدة ، اضف اليه ما في المسالك :

مشاركتهما للدابة في العدو والامتناع من صغير السباع ، وكون المفهوم من فحوى المنع

من اخذ البعير وهو قدرته على الامتناع مما يملكه المساواة . واما الجواز فيما لو وجدا

في غير ماء ولا كلا ، فلاطلاق قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان : من اصاب مالا

أو بعيرا في فلاة من الارض . . . الخ .

وان كان الحيوان الموجود ما لا يمتنع من صغير السباع - كاطفال الابل والبقر

والخيل والحمير والدجاج والاوز . وما شاكل - فالمشهور الحاقه بالشاة في حكمها ، وعن

التذكرة نسبته الى علمائنا ، وهو الحجة فيه ، ويؤيده ان المستفاد من النصوص الواردة

في البعير والشاة ان المدار على الامتناع والاستغناء حتى يأتي صاحبه وعدمه . وبما

ذكرناه يظهر حكم مالو كان من قبيل الغزلان واليحامير وما شابههما اذا ملكت ثم

ضلت ، وانها تلحق بالبعير ، لانها تمتنع عن السباع بسرعة العدو ، وتستغني بالرعي في

الفلاة ، فما ذكرناه في البقرة جار فيها .

ثم ان هذا كله في الضالة في الفلاة ، وهي الارض غير المأهولة . واما لو وجدت

في العمران الذي هو المأهول ، فلا يحل اخذها ممتنعة كانت او غير ممتنعة ، للاصل -

وهو عدم جواز وضع اليد على مال الغير بغير رضاه - وفي العلل المذكورة في النصوص

 

 

] وينفق مع تعذر السلطان ويرجع بها ، [

 

اشارة اليه ، وصحيحا صفوان وعلي بن جعفر المتقدمان المتضمنان لبيان تعريف الضالة

لا يدلان على الجواز ، لعدم كونهما في مقام البيان من هذه الجهة وقد خرج عن ذلك

الشاة ، وقد مر الكلام فيها .

 

حكم ما ينفق على الضالة

 

الثانية : ( و ) لو اخذ الضالة عليه ان ( ينفق ) عليها ( مع تعذر السلطان ) بل

ومع امكانه ، لانه ان لم يكن الاخذ جائزا فهو غاصب ويجب عليه حفظها ليردها على

المالك ، والانفاق من مقدمات الحفظ ، وان كان جائزا فهي امانة شرعية في يده ويجب

حفظ الامانة من التلف ، وان اخذها وتملكها في ما كان جائزا فهي مملوكته وانفاق

المملوك واجب . ( و ) على التقادير لا وجه للتقييد بصورة تعذر السلطان .

ولو انفق عليها ، فهل ( يرجع بها ) على المالك ام لا ؟ الظاهر هو الثاني في مورد

عدم جواز الاخذ ، لان الانفاق ليس بأمر المالك ولا اذنه ولا اذن من الشارع

الاقدس ، ومجرد عود نفعه الى المالك لا يوجب ضمانه لها . اضف اليه انه مع عدم جواز

الاخذ يكون غاصبا ، وقد صرح في صحيح ابي ولاد بان الغاصب لا يرجع ، قال قلت

له : جعلت فداك ، فقد علفته بدراهم فلي عليه علفه ؟ قال عليه السلام ، لا لانك

غاصب ( 1 ) .

والاول في مورد جوازه ، لمفهوم الصحيح ، فان المستفاد منه ان غير الغاصب له

الرجوع بما انفق على الضالة ، ولقوله عليه السلام في خبر علي بن جعفر : انما يحل

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من كتاب الغصب حديث 1 . ( * )

 

 

] ولو انتفع تقاص . واذا حال الحول على الضالة ونوى الاحتفاظ فلا ضمان ،

ولو نوى التملك [

 

له بيعها بما انفق عليها ، ( 1 ) وقريب منه غيره ، حيث انه يدل على جواز البيع لاخذ ما

انفق عليها . فالمتحصل انه مع اذن الشارع في الاخذ ، او العلم برضا المالك به ،

يرجع فيما انفق عليها ، ولا يرجع بدون ذلك .

وان كان للضالة نفع - كالظهر والركوب او اللبن - فان كان يجوز له اخذها

جاز الانتفاع به في مقابلة الانفاق ، بلا خلاف ، ويعضده صحيح محمد بن احمد عن

الامام الصادق عليه السلام عن اللقيطة : لاتباع ولا تشرى ، ولكن تستخدمها بما

انفقت عليها ( 2 ) .

انما الخلاف في كيفية الاحتساب ، ففي المتن ( ولو انتفع تقاص ) ونحوه ما في

الشرايع والنافع ، بل في الجواهر : هو خيرة جميع من تأخر عن المصنف . وعن الشيخ

في النهاية : كان ذلك بازاء ما انفق . وكل من القولين مخالف للقاعدة :

اما الاول ، فلان المقاصة مشروطة بشروط ذكرناها في كتاب القضاء ، ولم يعتبر

احد شيئا منها في المقام .

واما الثاني ، فلان وقوع المعاوضة بين مال المالك الغائب وما ينفق عليه خلاف

القواعد .

ولكن الذي يسهل الخطب معلومية ان له الانتفاع ، ولا ثمرة للنزاع في انه هل

هو بعنوان المعاوضة او المقاصة .

الثالثة : ( واذا حال الحول على الضالة ونوى الاحتفاظ فلا ضمان ) كما مر ،

بل عرفت انه لاضمان مع نية الاحتفاظ في اثناء الحول ايضا . ( ولو نوى التملك

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 8 .

( 2 ) الوسائل - باب 22 من كتاب اللقطة حديث 4 . ( * )

 

 

] ضمن . [

 

ضمن ) كما تشهد به النصوص على ما مر ، فراجع .

 

حكم لقطة المال الصامت

 

الموضع الثالث : في لقطة المال الصامت . وهي لغة وعرفا : كل مال غير الحيوان

ضايع ، ولا يد لاحد عليه ، ولو كانت هي يد ملتقط سابق . وبالقيد الاخير يخرج المال

الضايع الذي سبقت عليه يد الالتقاط ، كما انه باعتبار الضياع يخرج غير اللقطة من

افراد المال المجهول مالكه .

وان شئت قلت : ان المجهول مالكه الذي لا يد لاحد عليه تارة يكون ضايعا

عن مالكه مثل ما يوجد في الطريق وشبهه ، واخرى لا يكون ضايعا منه مثل ما يؤخذ

من يد السارق والغاصب وما جعل امانة ثم فقد مالكه وما شاكل . والاول هو اللقطة

بالمعنى الاخص ، والثاني هو مجهول المالك ، فالفرق بين العنوانين هو اعتبار صدق

اسم الضياع ولو بشاهد الحال من المالك في اللقطة دون مجهول المالك ، بل قيل ان

الاصل عدم ترتب احكام اللقطة مع عدم تحقق اسم الضياع .

اما مجهول المالك ، فقد اشبعنا الكلام فيه في المكاسب المحرمة ، وبينا هناك ان

الاظهر فيه تعين الصدقة ، وذكرنا عدم اعتبار اذن الحاكم ، وان مصرفها الفقراء ويجوز

اعطائها الهاشمي .

والكلام في المقام في خصوص اللقطة ، وتمام البحث فيها في طي مسائل .

 

 

] ويكره اخذ اللقطة ، [

 

يكره اخذ اللقطة

 

الاولى : ( ويكره اخذ اللقطة ) مطلقا في مورد جوازه ، كما مر في الموضع الثاني ،

وتشهد به نصوص كثيرة :

كصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام عن اللقطة ، قال عليه

السلام : لا ترفعها ، فان ابتليت بها فعرفها سنة ( 1 ) الحديث .

وصحيح علي ابن جعفر عن اخيه عليه السلام في حديث ، قال : وكان علي بن

الحسين يقول لاهله : لا تمسوها ( 2 ) .

ومرسل الصدوق ، قال الصادق عليه السلام : افضل ما يستعمله الانسان في

اللقطة ، اذا وجدها ان لا يأخذها ولا يعترض لها ، فلو ان الناس تركوا بما يجدونه لجاء

صاحبه فأخذه ، وان كانت اللقطة دون درهم فهي لك ( 3 ) الحديث ، ونحوها غيرها .

وما في جملة من تلك النصوص من النهي عن الاخذ محمول على الكراهة ،

للاجماع على عدم الحرمة ، وفي الجواهر : بل يمكن دعوى القطع بفساد القول بالحرمة ،

او الضرورة فضلا عن الاجماع . ولمرسل الصدوق . وصحيح زرارة عن ابي جعفر عليه

السلام عن اللقطة ، فأرانى خاتما في يده من فضة ، قال عليه السلام : ان هذا مما جاء

به السيل ، وانا اريد ان اتصدق به ( 4 ) . ولما في جملة منها من القرائن ، كالتعبير بلا يصلح

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من اللقطة حديث 10 .

( 2 ) الوسائل باب 2 من ابواب اللقطة حديث 12 .

( 3 ) الوسائل باب 2 من اللقطة حديث 9 .

( 4 ) الوسائل باب 7 من ابواب اللقطة حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ولا ينبغي وغير ذلك .

وانما الخلاف وقع في جواز اخذ لقطة الحرم وعدمه ، وفي المسالك : اختلف

الاصحاب في لقطة الحرم على اقوال منتشرة حتى من الرجل في كتاب واحد . وعلى

هذا فلا بد من ملاحظة الادلة بلا نظر الى اقوال الفقهاء .

فقد استدل للحرمة بقوله تعالى ( او لم يروا انا جعلنا حرما آمنا ) ( 1 ) بدعوى

ان مقتضاه ان يكون الانسان آمنا فيه على نفسه وماله ، وهو ينافي جواز اخذه .

وبجملة من النصوص :

كحسن الفضيل بن يسار عن ابي عبد الله عليه السلام عن الرجل يجد اللقطة

في الحرم ، قال عليه السلام : لا يمسها ، واما انت فلا بأس لانك تعرفها ( 2 ) .

وخبره الآخر عن ابي جعفر عليه السلام عن لقطة الحرم ، فقال عليه السلام :

لا تمس ابدا حتى يجئ صاحبها فيأخذها . قلت : فان كان مالا كثيرا ؟ قال : فان لم

يأخذها الا مثلك فليعرفها ( 3 ) .

وخبر علي بن ابي حمزة عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام عن

رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه ، قال عليه السلام : بئس ما صنع ما كان ينبغي له ان

يأخذه . قلت : قد ابتلى بذلك ؟ قال : يعرفه . قلت : فانه قد عرفه يجد له باغيا ؟ فقال

عليه السلام : يرجع الى بلده فيتصدق به على اهل بيت من المسلمين ، فان جاء طالبه

فهو له ضامن ( 4 ) .

..........................................................................

( 1 ) سورة العنكبوت آية 67 .

( 2 ) الوسائل باب 28 من ابواب مقدمات الطواف حديث 5 .

( 3 ) الوسائل - باب 28 - من ابواب مقدمات الطواف من كتاب الحج حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 17 من كتاب اللقطة حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ومرسل ابراهيم بن ابي البلاد ، قال الماضي ( اي العسكري عليه السلام ) :

لقطة الحرم لا تمس بيد ولا برجل ، ولو ان الناس تركوها لجاء صاحبها واخذها ( 1 ) .

وخبر يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله عليه السلام عن اللقطة ونحن يومئذ

بمنى ، فقال عليه السلام : اما بارضنا فلا يصلح ، واما عندكم فان صاحبها الذي يجدها

يعرفها سنة في كل مجمع ثم هي كسبيل ماله ( 2 ) .

ولكن الآية الكريمة لا تدل على المنع من الاخذ ، فان المراد من كونه آمنا هو

كونه آمنا في الدنيا أو الآخرة ، وهذا لا ينافي جواز الالتقاط مع البناء على التعريف .

واما النصوص وان اتعب سيد الرياض نفسه الزكية لاثبات دلالتها على الحرمة ، بعد

ادعاء جبر ضعف السند في جملة منها بالشهرة ، الا ان الانصاف ان ملاحظة مجموعها

توجب الاطمينان بالكراهة ، فان فيها قرائن دالة على ذلك :

منها : التصريح في حسن الفضيل بعدم الباس ، معللا بانك تعرفها .

ومنها : قوله في خبره الآخر : فان لم يأخذها الا مثلك فليعرفها ، فان ذلك بعد

النهي عن المس ظاهر في جوازه لمثله ، ومن المعلوم انه لو كان حراما لساوى مع غيره .

ومنها : قوله : لا يصلح ، في خبر ابن شعيب .

ومنها : ان في جملة من النصوص الآتية المتضمنة لحكمه بعد الاخذ من دون

تعرض فيها للنهي .

ومنها : غير تلكم من القرائن الموجبة للاطمينان بعدم الحرمة . فاذا الاظهر هو

الكراهة مطلقا .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب اللقطة حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 28 من ابواب مقدمات الطواف حديث 1 . ( * )

 

 

] فان اخذها وكانت دون الدرهم ملكها ، [

 

حكم اللقطة بعد الاخذ

 

الثانية : ( فان اخذها وكانت دون الدرهم ملكها ) بغير تعريف ، بلا خلاف

اجده فيه ، كذا في الجواهر ، بل عليه الاجماع عن التذكرة وغيرها .

ويشهد به مرسل

الصدوق المتقدم : وان كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرفها ، فان وجدت في

الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا تعرفه ( 1 ) .

وخبر ابي بصير عن الامام الباقر عليه السلام : من وجد شيئا فهو له فليتمتع

حتى يأتيه طالبه ، فاذا جاء طالبه رده اليه ( 2 ) فان اطلاقه يشمل ما دون الدرهم ، ويدل

على جواز التملك بدون التعريف .

وخبر محمد بن ابي حمزة الصحيح بابن ابي عمير ، عن بعض اصحابنا ، عن

الامام الصادق عليه السلام عن اللقطة ، قال عليه السلام : تعرف سنة ، قليلا كان او

كثيرا ، قال : وما كان دون الدرهم فلا يعرف ( 3 ) .

وظهور الاولين في الملكية لا ينكر . وتمام الكلام بالبحث في جهات .

1.    هل يختص ذلك بلقطة غير الحرم ، ام يعم لقطته ؟ قولان ، بل ظاهر الشرايع

والنافع عدم الخلاف في الثاني ، بل عن الخلاف الاجماع عليه ، وهو الاظهر ، لاطلاق

النصوص المتقدمة . ولا يعارضها اطلاق ما دل على عدم تملك لقطة الحرم ، لانه بقرينة

ما فيه من التفصيل بين لقطة الحرم ولقطة غيره ، والحكم بالتصدق في الاولى وجواز

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة - حديث 9 .

( 2 ) الوسائل باب 4 - من كتاب اللقطة - حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 4 من كتاب اللقطة حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

التملك في الثانية بعد التعريف حولا ، يختص بالازيد من الدرهم . ولو سلم اطلاق تلك

النصوص ايضا ، فالنسبة بينها وبين هذه عموم من وجه ، وتقدم نصوص الباب لما

سمعته من دعوى عدم الخلاف .

2.    ظاهر المرسل وخبر ابي بصير حصول الملكية بمجرد الاخذ ، ولو لم يقصد

التملك .

وعن القواعد اعتبار نية التملك . وقواه في الجواهر ، مستدلا له بان المرسل

ضعيف السند ، والمتيقن من الاجماع حصول الملكية بعد النية . وبظهور الادلة في عدم

الفرق بين القليل والكثير الا بالتعريف ، ومن المعلوم اعتبار النية في الثاني . وباصالة

عدم الملك حتى ينويه .

ويرد الاول ما مر من اعتباره ، مضافا الى ان ضعفه لو كان منجبر بالعمل .

والثاني انه ليس في النصوص ما يتضمن عدم الفرق بين القليل والكثير الا

بذلك .

والثالث ان الاصل لا يرجع اليه مع الدليل . فالاظهر عدم اعتبارها .

3.    ظاهر المتن والارشاد والمحكي عن الشيخين والديلمي وابن حمزة انه لا

يضمن ، فلو جاء لا يغرم له قيمته مع التلف ، ولا يرد العين مع بقائها ، بل عن النهاية

والغنية التصريح بذلك ، بل في محكي المختلف انه المشهور . وعن الغنية الاجماع عليه ،

للاصل ، وظاهر قوله عليه السلام " لك " في المرسل .

وعن القواعد والايضاح والتنقيح والرياض الضمان . واستدل له في الرياض

بعدم صراحة النصوص في التملك ، بناء على عدم صراحة اللام فيه . وبان نصوصها ما

بين ضعيف السند كالمرسل ، وغير متضمن عدا نفي وجوب التعريف في هذا المقدار ،

وهو لا يستلزم التملك .

 

 

[ . . . ]

ويرده كفاية الظهور ، ولا تعتبر الصراحة في الدليل ، وانكار ظهور اللام في

الملكية مكابرة . والمرسل قد عرفت اعتباره ، مضافا الى انجبار ضعفه لو كان بالعمل .

فالحق ان يقال : ان مقتضى القاعدة عدم الضمان ، بمعنى انه مع بقاء العين

لا يجب ردها ، ومع تلفها لا يجب رد بدلها ، اذ بعد ما صارت له لا موجب للضمان . لكن

خبر ابي بصير المتقدم دال على انه مع بقاء العين اذا جاء طالبها وجب الرد ، فيلتزم به

في خصوص صورة البقاء .

وما عن الايضاح والتنقيح من ان الخبر بعد الاجماع على عدم وجوب رد العين ،

يحمل على ارادة رد القيمة ، غريب ، اذ لا اجماع على عدم وجوبه ، وعلى فرضه يطرح

الخبر ، او يحمل على الرجحان لا انه يحمل على ارادة معنى آخر .

4.    هل يختص هذا الحكم بما دون الدرهم ، ام يعم الدرهم ؟ قولان ، اقواهما

الاول ، فالدرهم كالزايد في التعريف ، لاختصاص المرسل وخبر ابن ابي حمزة بما دون

الدرهم ، بل في الخبر حكم عليه السلام أولا بوجوب التعريف في القليل والكثير ، ثم

استثنى خصوص ما دون الدرهم .

واستدل له في الرياض والجواهر بالصحيح عن الرجل يصيب درهما او ثوبا

او دابة ، قال عليه السلام : يعرفه سنة . والظاهر ان المراد به صحيح علي بن جعفر

المتقدم ( 1 ) والموجود في نسخة الوسائل الموجودة عندي " دراهم " بدل " درهما " ، وعليه

فهو لا يدل على ذلك .

قال في النافع : فيه روايتان ، وفي الرياض والجواهر عدم الوقوف عليهما .

الظاهر ان مراد المحقق من رواية الالحاق خبر ابي بصير المتقدم ، الدال على

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة - حديث 13 . ( * )

 

 

] وان كانت درهما فما زاد عرفها حولا [

 

ان اللقطة لواجدها مطلقا بدون التعريف ( 1 ) خرج عنه ما زاد عن الدرهم وبقى الباقي .

ولكن النسبة بينه وبين نصوص التعريف التباين من حيث المورد ، والاطلاق والتقييد

من حيث اعتبار التعريف ، فيقيد اطلاقه من هذه الجهة بها ، ثم يقيد اطلاق الجميع من

حيث كونها اقل من الدرهم او الازيد بما تقدم من الاخبار . فالمتحصل من النصوص

بعد ضم بعضها الى بعض إلحاق الدرهم بما زاد عليه .

 

وجوب تعريف اللقطة حولا

 

( وان كانت ) اللقطة ( درهما فما زاد عرفها حولا ) بلا خلاف ، بل عليه الاجماع

في جملة من الكلمات . ويشهد به صحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام في

حديث ، قال : واللقطة يجدها الرجل ويأخذها ؟ قال عليه السلام : يعرفها سنة ، فان جاء

لها طالب والا فهي كسبيل ماله ( 2 ) .

وخبر كثير ، سأل رجل امير المؤمنين عليه السلام عن اللقطة ، فقال عليه

السلام : يعرفها ، فان جاء صاحبها دفعها اليه والا حبسها حولا ، فان لم يجئ صاحبها

او من يطلبها تصدق بها ( 3 ) ونحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة الآتية جملة منها .

ومقتضى اطلاق جملة منها وصراحة اخرى عدم الفرق في وجوب ذلك بين لقطة

الحرم ولقطة غيره ، وايضا عدم الفرق في لقطة غير الحرم بين صورة ارادة التملك

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من اللقطة حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 2 . ( * )

 

 

] فان كانت في الحرم تصدق بها بعده ولا ضمان او استبقاها امانة ، [

 

وصورة ارادة التصدق او الحفظ كما عليه الاكثر .

وعن المبسوط اختصاص وجوب التعريف حولا بالصورة الاولى ، محتجا بان

التعريف انما وجب لتحقق شرط التملك ، فاذا لم يقصده لم يجب ويكون مالا مجهول

المالك . وفيه : انه مناف لصراحة جملة من النصوص المتضمنة للتعريف حولا ثم يتصدق

به ، فلا اشكال في وجوب التعريف حولا مطلقا .

( فان كانت في الحرم تصدق بها بعده ) اي بعد تعريف السنة ( ولا ضمان ، أو

استبقاها امانة ) في يده ، ولا يجوز له ان يتملكها ، بلا خلاف في شئ من تلكم ، الا

في عدم جواز التملك فقد جوزه الحلبي .

اما التصدق ، فتشهد به نصوص كثيرة كخبر علي بن ابي حمزة عن الامام

الكاظم عليه السلام عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه ، قال عليه السلام : بئس ما

صنع ، ما كان ينبغي له ان يأخذه . قال قلت : قد ابتلي بذلك ؟ قال عليه السلام : يعرفه .

قلت : فانه قد عرفه فلم يجد له باغيا ؟ فقال عليه السلام : يرجع الى بلده فيتصدق به

على اهل بيت من المسلمين ، فان جاء طالبه فهو له ضامن ( 1 ) .

وخبر اليماني عن الامام الصادق عليه السلام : اللقطة لقطتان : لقطة الحرم

وتعرف سنة فان وجدت صاحبها والا تصدقت بها ، ولقطة غيرها تعرفه سنة فان جاء

صاحبها والا فهي كسبيل مالك ( 2 ) ونحوهما غيرهما

وظاهرها تعين الصدقة . ولكن يمكن ان يقال : ان الامر بالصدقة لوروده مورد

توهم الحظر بالنسبة الى حفظ المال لصاحبه الذي هو مقتضى القاعدة ، والاصل

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب اللقطة - حديث 2 .

( 2 ) الوسائل - باب 28 - من ابواب مقدمات الطواف - حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

لا يستفاد منه اللزوم ، فيتخير بين الصدقة واستبقائها امانة .

واما التملك ، فقد استدل له تارة باطلاق ما دل على تملك اللقطة بعد التعريف .

واخرى بخبر الفضيل بن غزوان ، قال : كنت عند ابي عبد الله عليه السلام فقال له

الطيار : ان ابن حمزة وجد دينارا في الطواف قد انسحقت كتابته ، قال عليه السلام : هو

له ( 1 ) . وثالثة بمرسل الصدوق عن الامام الصادق عليه السلام : فان وجدت في الحرم

دينارا مطلسا ، فهو لك لا تعرفه ( 2 ) .

ولكن الاطلاق يقيد بما مر . والخبرين لم يعمل بهما احد سوى الصدوق ، لانهما

يدلان على جواز التملك بدون التعريف ، بل في الثاني منهما النهي عن ذلك ، فيتعين

حملهما على صورة العلم باليأس عن معرفة المالك .

واما الضمان على فرض التصدق ، فيشهد به خبر علي بن ابي حمزة ، واطلاق ما

ورد في مطلق اللقطة ، كصحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام عن الرجل

يصيب اللقطة فيعرفها سنة ثم يتصدق بها فيأتي صاحبها ، ما حال الذي تصدق بها

ولمن الاجر ، هل عليه ان يرد على صاحبها او قيمتها ؟ قال عليه السلام : هو ضامن لها

والاجر له ، الا ان يرضى صاحبها فيدعها والاجر له ( 3 ) ونحوه غيره ، ولا وجه

لتخصيص هذه النصوص بلقطة الحرم . واما على فرض الاستبقاء ، فالظاهر عدمه على

المختار من عدم حرمة اخذ لقطة الحرم ، لان المال حينئذ امانة شرعية عنده ، فلا يكون

عليه ضمان بتلفه .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب اللقطة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل - باب 2 من كتاب اللقطة حديث 9 .

( 3 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 14 . ( * )

 

 

] وان كانت في غيره فان نوى التملك جاز ويضمن ، وكذا ان تصدق بها ولو

نوى الحفظ فلا ضمان . [

 

فان قيل : ان عموم على اليد قاض به .

قلنا : انه خصص باليد الامانية ، شرعية كانت ام مالكية . نعم ، يتم الاستدلال

به له على القول بعدم جواز الاخذ ، لانه حينئذ كالغاصب .

 

حكم لقطة غير الحرم

 

( وان كانت في غيره ) اي في غير الحرم ( فان نوى التملك ) بعد التعريف ( جاز

ويضمن ، وكذا ان تصدق بها . ولو نوى الحفظ فلا ضمان ) . فها هنا فرعان :

احدهما : انه يتخير بين التملك والتصدق والحفظ .

ثانيهما : ان عليه الضمان على الاولين دون الاخير .

اما الاول فهو المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة ، بل عليه الاجماع عن

التذكرة وغيرها . واستشكل في جواز الابقاء والحفظ في الرياض ، قال : ان ظاهر

الاخبار تعين احد الاولين .

والنصوص الواردة في المقام على طوائف :

الاولى : ما يدل على الصدقة ، كصحيح علي بن جعفر المتقدم ، وخبر كثير عن

امير المؤمنين عليه السلام المتقدم : فان لم يجئ صاحبها ومن يطلبها تصدق بها ، فان

جاء صاحبها بعد ما تصدق بها ان شاء اغترمها الذي كانت عنده وكان الاجر له ،

وان كره ذلك احتسبها والاجر له ( 1 ) .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من اللقطة حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وخبر حفص بن غياث عن الامام الصادق عليه السلام في رجل أودعه رجل

من اللصوص دراهم او متاعا واللص مسلم ، هل يرد عليه ؟ فقال عليه السلام : لا يرده ،

فان أمكنه ان يرده على اصحابه فعل ، والا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها

حولا ، فان اصاب صاحبها ردها عليه والا تصدق بها ، فان جاء طالبها بعد ذلك خيره

بين الاجر والغرم ( 1 ) الحديث ، ونحوها غيرها .

الثانية : ما يدل على جواز التملك ، كخبر داود بن سرحان - الذي ليس في

سنده من يتوقف فيه سوى سهل ، والامر فيه سهل لانه يعتمد على خبره - عن الامام

الصادق عليه السلام في اللقطة : يعرفها سنة ، ثم هي كسائر ماله ( 2 ) .

وخبر حنان عنه عليه السلام عن اللقطة : تعرفها سنة ، فان وجدت صاحبها

والا فانت احق بها ، وقال : هي كسبيل مالك ، وقال : خيره اذا جاءك بعد سنة بين

اجرها وبين ان تغرمها له اذا كنت أكلتها ( 3 ) وفي نقل اخر : " فانت املك بها " بدل

" احق بها " .

وصحيح علي بن مهزيار : فالغنائم والفوائد - يرحمك الله - فهي الغنيمة يغنمها

المرء والفائدة يفيدها ، والجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر ، الى ان قال : ومثل

ما يؤخذ ولا يعرف له صاحب ( 4 ) .

وصحيح ابي بصير عن الامام الباقر عليه السلام : من وجد شيئا فهو له ،

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 18 - من كتاب اللقطة - حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 11 .

( 3 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 5 .

( 4 ) الوسائل باب 8 - من كتاب الخمس حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ( 1 ) ونحوها غيرها .

الثالثة : ما يدل على جواز الحفظ ، كصحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه

السلام عن الرجل يصيب اللقطة دراهم او ثوبا او دابة ، كيف يصنع ؟ قال : يعرفها

سنة ، فان لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتى يجئ طالبها فيعطيها اياه ،

وان مات اوصى بها فان اصابها شئ فهو ضامن ( 2 ) .

وصحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام عن اللقطة : لا ترفعها ،

فان ابتليت بها فعرفها سنة ، فان جاء طالبها والا فاجعلها في عرض مالك يجري

عليها ما يجري على مالك حتى يجئ لها طالب ، فان لم يجئ لها طالب فاوص بها في

وصيتك ( 3 ) ونحوه صحيحه الاخر عن احدهما عليهما السلام ( 4 ) بناء على ان المراد

بجعلها في عرض المال حفظها فيه من غير عزل لها عنه ، قال المحدث الكاشاني : اي

في جملته وفيما بينه من غير مبالاة بترك عزلها عنه ، انتهى .

الرابعة : ما ظاهره انها للامام عليه السلام ، كخبر داود بن ابي يزيد عن الامام

الصادق عليه السلام ، قال له رجل : اني قد اصبت مالا واني قد خفت فيه على نفسي ،

فلو اصبت صاحبه دفعته اليه وتخلصت منه ، فقال له ابو عبد الله عليه السلام : والله ، ان

لو اصبته كنت تدفعه اليه ؟ قال : اي والله . قال : فانا - والله - ماله صاحب غيري ، قال :

فاستحلفه ان يدفعه الى من يأمره ، قال : فحلف ، فقال : فاذهب فاقسمه في اخوانك ،

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 4 من كتاب اللقطة حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث - 13 .

( 3 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 10 .

( 4 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة - حديث 3 . ( * )

 

 

] ولو كانت مما لا يبقى انتفع بها بعد التقويم وضمن القيمة ، او يدفعها الى

الحاكم فلاضمان . [

 

ولك الامن مما خفت منه ، قال : فقسمته بين اخواني ( 1 ) .

والجمع بين الطوائف الثلاث الاول يقتضي البناء على التخيير بين الثلاثة -

اي التملك ، والحفظ ، والتصدق - فان نصوص التملك صريحة في الجواز وعدم لزوم

التصدق او الحفظ ، فيحمل الامر بكل منهما ، مضافا الى عدم ظهوره في نفسه في التعيين

على اراده بيان احد افراد التخيير . واما الاخيرة فالخبر ضعيف لحجال ، مع انه يحتمل

فيه وجوه :

منها : ما هو اساس الاستدلال ، وهو كونه لقطة غيره ، لكنه تكون له .

ومنها : كون ما اصابه لقطته عليه السلام ، فامر بالصدقة على الاخوان تبرعا .

ومنها : كونه لقطة من غيره ، لكنه عرف انه لا وارث له ، فيكون المال له .

ومنها غير ذلك . فلا يصح الاستدلال به للاجمال .

واما الفرع الثاني ، فيشهد لثبوت الضمان مع التملك او الصدقة النصوص

المتقدمة الواردة في كل منهما . واما ثبوته مع الحفظ ، فيدل عليه ايضا ما تقدم من نصوصه

وان كان خلاف قاعدة الامانة ، الا ان الظاهر تسالمهم على عدم الضمان معه .

 

حكم ما لو كانت اللقطة مما لا يبقى

 

الثالثة : ( ولو كانت مما لا يبقى ) كالطعام والرطب الذي يفسد والبقول

ونحوها ، ( انتفع بها بعد التقويم وضمن القيمة ، او يدفعها الى الحاكم فلا ضمان )

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 - من كتاب اللقطة حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بلا خلاف في شئ من تلكم . فهاهنا احكام :

1.     ان له الانتفاع بها بعد التقويم . ويشهد به قوي السكوني عن ابي عبد الله

عليه السلام : ان امير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ،

كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين ، فقال امير المؤمنين عليه السلام : يقوم

ما فيها ثم يؤكل ، لانه يفسد وليس له بقاء ، فان جاء طالبها غرموا له الثمن . فقيل :

يا امير المؤمنين ، لا يدري سفرة مسلم او سفرة مجوسي ؟ فقال عليه السلام : هم في سعة

حتى يعلموا ( 1 ) .

ومرسل الصدوق عنه عليه السلام : وان وجدت طعاما في مفازة فقومه على

نفسك لصاحبه ثم كله ( 2 ) .

وهل له ان يبيعها من غيره كما عن المصنف والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم ،

بل عن التذكرة الاجماع عليه ، ام لا يجوز ذلك ؟ وجهان مبنيان على ان ما هو ظاهر

الخبر الاول وصريح الثاني من انه يقوم على نفسه ، اريد به المثال والا فمن المقطوع

به عدم الفرق بين تقويمها على نفسه او على الغير ، أو له خصوصية فلا موجب لرفع

اليد عن اصالة عدم جواز بيع مال الغير . والاظهر هو الاول ، لما مر ، ولعموم التعليل ،

ويؤيده ما دل على جواز بيع الجارية لمن التقطها بما ينفق عليها . وعلى هذا فلا يحتاج

الى اذن الحاكم .

2.     ان له ان يدفعها الى الحاكم . ووجهه : ان الحاكم ولي الغيب ، من جهة ان

حفظ مال الغائب والتصرف فيه بما فيه صلاحه من وظائف حكام الجور ، وقد دل

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 23 - من كتاب اللقطة - حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 9 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الدليل ( 1 ) على ان جميع ما هو من وظائفهم ثابتة للحاكم الشرعي ، كما مر وسيأتي

مفصلا . ولا ينافيه الخبران ، لان الامر فيهما لوروده مورد توهم الحظر لا يدل على ازيد

من الجواز .

3.     انه لوقومها على نفسه ضمن قيمتها ، ويشهد به - مضافا الى عدم الخلاف

فيه - الخبران المتقدمان .

4.     انه لو دفعها الى الحاكم فلا ضمان . ووجهه : ان الدفع الى الحاكم من قبيل

الدفع الى المالك نفسه لانه وليه ، فلا وجه للضمان بعد ذلك .

وهل يجب التعريف كما صرح به المصنف ره والشهيد الثاني وهو ظاهر

الاصحاب كما في الجواهر ، ام لا يجب كما عن بعض الاجلة ؟ وجهان ، اظهرهما الاول ،

لاطلاق ادلة التعريف ، ولا ينافيه التصرف المزبور فيه قبله ، فيعرفه حينئذ نفسه دون

الثمن .

ولو افتقر ابقاء اللقطة الى علاج كالرطب المفتقر الى التجفيف ، فعن الشيخ

والمصنف ره والمحقق يرفع خبرها الى الحاكم ، يبيع بعضا وينفقه في اصلاح الباقي ، ان

رأى الحاكم الحط في بيعه اجمع جاز . وعن التحرير والتذكرة والدروس والمسالك

التخيير بين ذلك وبين فعله ، وقواه في الجواهر .

اما خبر السكوني ومرسل الصدوق المتقدمان فهما مختصان بغير المورد ، وفي

الفرض لابد من ملاحظة القواعد ، فقد يقال : ان مقتضى اصالة عدم جواز بيع مال

الغير ان لا يجوز للملتقط ، واما الحاكم فقد مر انه ولي الغائب ، ولكن يمكن ان يقال :

انه بعد الالتقاط يكون المال امانة شرعية عنده فهو مأمور بحفظه ، والفرض ان

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب صفات القاضي من كتاب القضاء . ( * )

 

 

] ويكره اخذ ما يقل قيمته ويكثر نفعه . وما يوجد في فلاة او خربة فلو اجده . [

 

الحفظ متوقف على ذلك فيجوز ، ويعضده ما دل على جواز بيع اللقيط فيما انفق

عليه ( 1 ) . فالاظهر هو التخيير .

( و ) الرابعة : المشهور بين الاصحاب انه ( يكره له اخذ ما يقل قيمته ويكثر

نفعه ) كالعصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال واشباهها ، وقد مر الكلام في ذلك

وعرفت انه يكره اخذ اللقطة مطلقا . نعم ، في هذه الاشياء لعلها آكد ، من جهة ورود

النص بالنهي عنه في بعضها ( 2 ) وان دل آخر على عدم البأس به ( 3 ) .

 

حكم ما يوجد في الخربة

 

الخامسة : ( وما يوجد في فلاة او خربة فلواجده ) بلا خلاف فيه في الجملة ،

وان اضطربت كلماتهم في بيان موضوع الحكم بنحو يكون جامعا ومانعا . والمستند

صحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام عن الدار يوجد فيها الورق ، فقال

عليه السلام : ان كانت معمورة فيها اهلها فهي لهم ، وان كانت خربة قد جلا عنها

اهلها فالذي وجد المال احق به ( 4 ) ونحوه صحيحه الاخر عن احدهما عليه السلام ( 5 ) .

وما في الخبرين من انه ان كانت الدار معمورة فما وجد لاهلها ، انما هو من

جهة قاعدة اليد ، فان اليد على الدار امارة ملكيتها وما فيها .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 2 من كتاب اللقطة حديث 8 .

( 2 ) الوسائل باب 12 من كتاب اللقطة حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 12 - من كتاب اللقطة - حديث 1 .

( 4 ) الوسائل باب 5 من كتاب اللقطة حديث 1 .

( 5 ) الوسائل باب 5 من كتاب اللقطة حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ثم ان الخبرين - مضافا الى انه ليس فيهما ما يشهد بانه لواجده ، فانهما

متضمنان ان الواجد احق به ، ويلائم ذلك مع ان له التملك بعد التعريف سنة وان له

ولاية حفظه - يعارضهما موثق محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام : قضى علي

عليه السلام في رجل وجد ورقا في خربة ان يعرفها ، فان وجد من يعرفها والاتمتع

بها ( 1 ) .

وقد جمع الاصحاب بين النصوص تارة بحمل الموثق على ما عليه اثر الاسلام ،

والصحيحين على ما لا اثر عليه . واخرى بحمل الصحيحين على ما لا مالك معروف

له ، والموثق على ماله مالك معروف . وثالثة بحمل الصحيحين على ما يوجد في تلكم

الاماكن مما هو معلوم او ظاهر في انه للاعصر السالفة ، والموثق على الموجود فيها مما

هو معلوم او ظاهر لاهل ذلك الزمان . ولكن شيئا منها ليس عرفيا .

وفي المسالك اورد على الموثق بان محمد بن قيس مشترك بين الثقة والضعيف .

وفيه : انه بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه هو الثقة .

فالحق هو الجمع بتقييد اطلاق الاولين بالموثق ، وحملهما على اراده ان المال

لواجده بعد التعريف ، كما انه قد ورد نظير ذلك في مطلق اللقطة ، لاحظ صحيح ابي

بصير المتقدم : من وجد شيئا فهو له فليتمتع به ، فكما انه يحمل على ما بعد التعريف

كذلك هذان الخبران .

فالمتحصل ، انه لا خصوصية للخربة . وعلى هذا ، فالخربة ان كانت بحيث

يدخلها احد ولو من جهة كونها في الطريق فيمر منها فحكمها حكم غيرها ، والا

فحيث لا اثر للتعريف لا محالة يكون ساقطا ، فله ان يتملك بمجرد الالتقاط او

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 5 من كتاب اللقطة حديث 5 . ( * )

 

 

] ولو كان في مملوكة عرف المالك فان عرفه فهو له ، والا فللواجد ، [

 

يتصدق به . وكذا في كل مورد سقط التعريف ، للعلم بعدم العثور على صاحب المال ،

او انه لا يتمكن صاحبه من اثبات انه له ، او لا يعرف هو ايضا من جهة عدم العلامة

لما وجد ، فانه في جميع هذه الموارد يسقط التعريف ، فيرجع الى اطلاق مثل صحيح ابي

بصير وغيره الدال على التملك او الصدقة .

( و ) مما ذكرناه ظهر انه ( لو كان ) ما وجد ( في مملوكة عرف المالك فان عرفه

فهو له ) ، لدلالة الصحيحين عليه ، مضافا الى قاعدة اليد ، وموثق اسحاق ( 1 ) ايضا

شاهد به .

وهذا لا اشكال فيه ، انما الاشكال فيما افاده بقوله ( والا فللواجد ) ، اذ لا دليل

عليه اصلا ، والتمسك بفحوى ما في الصحيح الاتي الوارد في المأخوذ من جوف الدابة

غير صحيح ، بل موثق اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم عليه السلام عن رجل نزل

في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها

حتى قدم الكوفة ، كيف يصنع ؟ قال عليه السلام : يسأل عنها اهل المنزل لعلهم

يعرفونها . قلت : فان لم يعرفوها ؟ قال : يتصدق بها ( 2 ) يدل على الصدقة به . اللهم الا ان

يقال : ان الموثق في مجهول المالك لا اللقطة .

وعليه فان صدق على المال الموجود في المملوك اللقطة بصدق الضياع عن

مالكه عليه بان كان المملوك فندقا وشبهه ، تعين ترتيب آثار اللقطة ، والا فهو مجهول

المالك ويلحقه حكمه ، وهو التصدق به بعد الفحص واليأس عن العثور على مالكه .

والمصنف ره بعد ما حكم بان ما وجد في مملوك عرف المالك ، فان عرفه فهو له

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 5 - من كتاب اللقطة - حديث 3 .

( 2 ) الوسائل - باب 9 - من كتاب اللقطة - حديث 1 . ( * )

 

 

] وكذا ما يوجد في جوف الدابة [

 

والا فللواجد ، قال : ( وكذا ما يوجد في جوف الدابة ) اي يعرفه المالك او البايع ، وان

لم يعرفه فهو للواجد . وهذا هو المعروف بين الاصحاب ، وعن التذكرة نسبته الى

علمائنا . والاصل في ذلك صحيح عبد الله بن جعفر : كتبت الى الرجل عليه السلام

أسأله عن رجل اشترى جزورا او بقرة للاضاحي ، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة

فيها دراهم او دنانير او جوهرة ، لمن يكون ذلك ؟ فوقع عليه السلام : عرفها البايع ،

فان لم يكن يعرفها فالشئ لك رزقك الله اياه ( 1 ) واطلاقه كالعبارة يقتضي عدم الفرق

بين ما عليه اثر الاسلام وغيره . فما عن المختلف والروضة وغيرهما من انه في الاول

لقطة ، غير تام .

 

من يصح التقاطه

 

السادسة : في بيان الملتقط للمال ، فالمشهور بين الاصحاب انه من له اهلية

الاكتساب ، فلو التقطه الصبي او المجنون جاز ، وعن بعضهم انه من له اهلية الحفظ ،

وفي الشرايع اعتبر فيه احد الامرين ، وعن بعض اعتبار الامرين معا .

توضيح ذلك : ان في اللقطة معنى الولاية والامانة في الابتداء بالنسبة الى

حفظها وتعريفها ، ومعنى الاكتساب في الانتهاء بالنسبة الى تملكها . وعليه فمنهم من

غلب فيها معنى الاكتساب ، فمنع من التقاط من ليس له اهلية الاكتساب وان كان

اهلا للحفظ ، وجوز التقاط من له اهلية الاكتساب ، فجوز التقاط الصبي والمجنون

والكافر والفاسق ، ولم يجوز التقاط العبد . ومنهم من عكس ، فجوز التقاط العبد ، ومنع

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 9 - من كتاب اللقطة - حديث 1 . ( * )

 

 

] ويتولى الولي التعريف لو التقط الطفل او المجنون ، [

 

من التقاط الصبي والمجنون . ومنهم من اكتفى باحد الامرين ، فجوز التقاط الصبي .

ومنهم من اعتبر الامرين ، فلم يجوز التقاط واحد منهم .

والحق ان يقال : ان اعتبار الامانة في الملتقط وكونه اهلا للايتمان لا وجه له

اصلا ، اذا ليس في النصوص ما يشهد بذلك ، وهو وان كان امينا شرعا بمعنى ان

الشارع اذن له في الاخذ والحفظ ، ولكن لا يكون ذلك مقيدا بكونه محلا للامانة .

فالتقاط الكافر الاهل للاكتساب لا اشكال فيه ، واما العبد فلا يهمنا التعرض

لحكمه ، واما الصبي فان اريد بجواز التقاطه جواز اخذه فهو من الواضحات ، ثم بعد

الاخذ صدق عنوان اللقطة على ما اخذه قهري ، فيبقى احكامها منها جواز التملك ،

مقتضى حديث رفع القلم ( 1 ) وغيره عدم جوازه مستقلا والجواز باذن الولي ، وليس في

نصوص اللقطة ما يشهد باعتبار الاستقلال في التملك ، وكذا الصدقة .

واما التعريف فله حكمان : احدهما الوجوب وهو مرفوع عن الصبي ، والاخر

شرطيته للتملك او الصدقة بعد السنة ، وهي غير متوقفة على بلوغ الملتقط .

واما الحفظ فله ايضا حكمان : الوجوب ، وصيرورة تركه موجبا للضمان . اما

الاول فهو مرفوع عن الصبي ، واما الثاني فقد مر في محله ان الضمان من الاحكام

التي لا ترتفع بحديث الرفع . وبه يظهر حال المجنون .

فالمتحصل مما ذكرناه انه لا ينبغي الاشكال في جواز التقاط الصبي والمجنون

كالتقاط غيرهما من المكلفين ، غاية الامر ( يتولى الولي ) الصدقة او التملك بعد

( التعريف اذا التقطه الطفل او المجنون ) ، او يأذن لهما في ذلك ان كانا قابلين له

بالتمييز .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 4 - من ابواب مقدمة العبادات حديث - 11 و

باب 36 من ابواب القصاص في النفس حديث 2 . ( * )

 

 

] ويكفي تعريف العبد في تملك المولى وله ان يعرف بنفسه وان يستنيب ، [

 

وهل يعتبر تولي الولي التعريف كما هو صريح المتن والشرايع والنافع وغيرها ،

ام لا ؟ الظاهر هو الثاني ، فان التعريف وان كان وجوبه مرفوعا عن الصبي ، ولكن

ليس مما يعتبر في وجوده التكليف وهو نظير الغسل الموجب لحصول الطهارة ، وكذلك

الحفظ .

( ويكفي تعريف العبد في تملك المولى ) .

 

كيفية التعريف

 

السابعة : في كيفية التعريف . لا خلاف ولا اشكال في انه يعتبر التعريف سنة

كاملة ، وقد مر ما يشهد به . واما خبر ابان : اصبت يوما ثلاثين دينارا فسألت ابا عبد الله

عليه السلام عن ذلك ، فقال : اين اصبته ؟ قال قلت له : كنت منصرفا الى منزلي

فاصبتها . فقال : صر الى المكان الذي اصبت فيه فعرفه ، فان جاء طالبه بعد ثلاثة ايام

فاعطه اياه والا تصدق به ( 1 ) فمطروح ، أو محمول على غير اللقطة ، او على حصول

اليأس بذلك ، او غير ذلك من المحامل . وقد مر انه واجب وان لم ينو التملك .

( و ) لا خلاف ايضا في ان ( له ان يعرف بنفسه وان يستنيب ) ، وفي الجواهر :

بل الاجماع بقسميه عليه . وفي المسالك : لما كان الغرض من التعريف اظهار اللقطة

واشاعة خبرها ليظهر مالكها ، لم يتعلق غرض الشارع فيه بمباشر معين ، فيجوز ان

يتولاه الملتقط ، ومن ينوب عنه من غلام وولد ، ومن يستعين به ، ومن يستأجره عليه ،

وهو موضع وفاق . فالمستند في مقابل ظهور النصوص في اعتبار المباشرة كما في سائر

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب اللقطة حديث 7 . ( * )

 

 

] ولا يشترط فيه التوالي [

 

التكاليف . الاجماع ، والسيرة ، ومناسبة الحكم الموضوع التي هي قرينة على ارادة

الاعم .

وفي المتن ( ولا يشترط فيه التوالي ) ، وقريب من هذه العبارة ما عن الشيخ

وفي الشرايع وعن غيرهم . والمراد به ان كان عدم اعتبار استيعاب الحول بالتعريف

فهو اجماعي ، ويشهد به صدق التعريف سنة بدونه .

وان كان المراد به ما صرح به جماعة منهم الشهيد الثاني من عدم اعتبار توالي

الشهور ، بان يجوز له ان يعرف شهرين ويترك شهرين ، وهكذا حتى يتم له اثنى عشر

شهرا ، وعن التذكرة تشبيهه بما لو نذر صوم سنة انه يجوز له التوالي والتفريق ، ففيه :

انه ان لم يكن اجماع يشكل ذلك ، فان المنساق من الامر بالعمل المستمر في قطعة من

الزمان اعتبار التوالي فيه .

ولابد في الضابط في تعريف السنة من الرجوع الى العرف ، كما هو الشان في

كل عنوان اخذ في الموضوع ولم يبينه الشارع . وفي المسالك : وقد اعتبر العلماء فيه ان

يقع على وجه لا ينسى ان الثاني تكرار لما مضى ، ويتحقق ذلك بالتعريف في الابتداء

في كل يوم مرة او مرتين ، ثم في كل اسبوع ، ثم في كل شهر كذلك . ونحوه عن القواعد

وغيرها .

وايضا لابد وان يقع التعريف في وقت اجتماع الناس وبروزهم كالغدوات

والعشيات وما شاكل ، وذلك مضافا الى وضوحه - حيث ان التعريف انما هو ليطلع

صاحبه ، فلا بد وان يكون ذلك بمجمع من الناس - تشهد به جملة من النصوص ، ففي

خبر ابي خديجة : فانه ينبغي ان يعرفها سنة في مجمع ( 1 ) وفي خبر سعيد بن عمرو

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 20 من كتاب اللقطة حديث 1 . ( * )

 

 

] ولا يكفى الوصف بل لابد من البينة [

 

الجعفي : اتق الله عز وجل وعرفه في المشاهد ( 1 ) ونحوهما غيرهما .

 

لا تدفع اللقطة بدون البينة

 

الثامنة : المشهور انه لا تدفع اللقطة الى مدعيها الا بما يثبت دعواه ، ( ولا

يكفي الوصف ) اجماعا اذا لم يورث ظنا ( بل لابد من البينة ) على القول بعدم حجية

خبر الواحد العادل في الموضوعات ، لان الملتقط مكلف بايصاله الى مالكه ، ولا يثبت

ذلك بدعواه المالكية .

وحق القول في المقام : انه تارة نقول بان الاصل سماع دعوى كل مدع لا

معارض له ، كما يشهد به حديث الكيس ( 2 ) وخبر الطير ( 3 ) وغيرهما ما سيأتي في كتاب

القضاء ، من غير فرق بين كون المال تحت يد من هو مأمور بايصاله الى مالكه وغيره ،

فلابد في المقام من البناء على الرد على مدعيها ، وان لم يأت بالبينة ولم يكن له شاهد ،

بل بمجرد عدم كونه متهما يرد اليه .

فان قيل : ان الاصحاب مجمعون على انها لا تدفع اليه بمجرد دعواه .

قلنا : كلا ، فان الاكثر صرحوا بان التوصيف المفيد للظن ، سيما في الاموال

الباطنة كالذهب والفضة ، يكون كافيا .

واخرى لا نقول بذلك ، فان كان المدعي الواصف له ثقة تدفع اليه ، لحجية

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 - من كتاب اللقطة حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 16 من ابواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 15 من كتاب اللقطة حديث 1 . ( * )

 

 

] والملتقط امين . [

 

خبر الواحد الثقة في الموضوعات ، وانما لا يكون حجة في خصوص باب الخصومات

والقضاوة .

وان لم يكن ثقة ، فان أوجب توصيفه العلم او الاطمينان تدفع اليه . وخبر سعيد

ابن عمر والجعفي ( 1 ) الطويل المتضمن لتقرير مولانا الصادق عليه السلام ملتقط

الدنانير الدافع لها الى من وصفها من دون بينة على ذلك ، والنبوي الذي امر فيه

بحفظ عفاصها ووكاها وعددها ( 2 ) شاهد ان به .

وان لم يوجب الاطمينان ، فلا تدفع اليه وان اوجب التوصيف الظن ، لانه لا

يغني من الحق شيئا . ودعوى ان مناط اغلب الشرعيات الظن فيلحق المقام به إلحاقا

له بالاعم الاغلب ، وايضا انه يتعذر اقامة البينة في الاغلب فلولاه لزم عدم وصولها

الى مالكها كما في الرياض ، مندفعة بان مناط اكثر الشرعيات الظنون الخاصة لا مطلق

الظن ، ومجرد تعذر اقامة البينة لا يكفي في الحكم بحجية الظن الحاصل من التوصيف ،

مالاتتم مقدمات الانسداد التي منها العلم بان الشارع الاقدس لا يرضى بعدم وصولها

الى مالكها حتى في حال عدم العلم بكونه مالكا ، وهو كما ترى .

وبما ذكرناه يظهر ما في كلمات القوم في المقام .

التاسعة ( والملتقط امين ) لا يضمن في الحول وبعده لقطة ولا لقيطا ولاضالة ما

لم يفرط او يتعدى ، بلا خلاف في شئ من تلكم ، وقد تقدم مدرك ذلك كله في المباحث

المتقدمة .

العاشرة : ما وجده في داره او في صندوقه ، فان كان يشاركه في التصرف فيهما

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من كتاب اللقطة حديث 1 .

( 2 ) التذكرة ج 2 ص 624 . ( * )

 

 

] الفصل العاشر : في الغصب ، وهو حرام عقلا ويتحقق بالاستيلاء

على مال الغير ظلما وان كان عقارا [

 

غيره فهو لقطة ، والا فهو له بلا خلاف .

ويشهد لهما صحيح جميل بن صالح ، قلت لابي عبد الله عليه السلام : رجل وجد

في منزله دينارا ؟ قال عليه السلام : يدخل منزله غيره ؟ قلت : نعم كثير . قال عليه

السلام : هذه لقطة . قلت : فرجل وجد في صندوقه دينارا ؟ قال عليه السلام : يدخل احد

يده في صندوقه او يضع فيه شيئا ؟ قلت : لا : قال عليه السلام : فهو له ( 1 ) . وهذا الخبر

يدل على ما اخترناه من ان يد الانسان نفسه امارة على الملكية ، فانه مع مشاركة غيره

لا يكون تحت يده مستقلا ، ومع الانحصار يكون تحت يده كما هو واضح .

 

الفصل العاشر : في الغصب

 

( وهو حرام عقلا ) وشرعا ، لان غصب مال الغير ظلم وقبح الظلم عقلي ،

وبالملازمة بين الحكم العقلي - بمعنى درك القبح - والحكم الشرعي يستفاد حرمته

شرعا ، وهذا هو مراده من الحرمة العقلية ، والا فمن الواضح ان العقل ليس مشرعا

كي يحكم بالحرمة ، فان شأن القوة العاقلة الدرك لا التشريع .

وللآيات الكريمة والنصوص المتواترة الدالة على حرمة الظلم ، والنصوص

الكثيرة الدالة على حرمة الغصب خاصة وسيأتي طرف منها . وعلى الجملة ، فحرمة

الغصب من الضروريات لا تحتاج الى اقامة الدليل عليها .

( ويتحقق بالاستيلاء على مال الغير ظلما وان كان عقارا ) كما عن الاكثر ،

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب اللقطة حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ويوافق ذلك ما صرح به اهل اللغة من ان الغصب اخذ الشئ ظلما ، فان المراد

بالاخذ ليس هو القبض بالجارحة بل المراد به الاستيلاء على الشئ . وحيث ان اكثر

احكام هذا الفصل غير معلقة على عنوان الغصب ، فلا يهم اطالة البحث في ذلك ،

والاولى صرف عنان الكلام الى تلكم الاحكام ، وتنقيح القول فيها في طي مسائل .

 

حرمة التصرف في مال الغير بلا رضا صاحبه

 

الاولى : لا اشكال في انه يحرم التصرف في مال الغير من دون رضاه ، ويشهد

به قوله عجل الله فرجه في خبر الاحتجاج : لا يحل لاحد ان يتصرف في مال غيره

بغير اذنه ( 1 ) .

وقول الامام الصادق عليه السلام في موثق سماعة : فانه لا يحل دم امرئ

مسلم ، ولا ماله ، الا بطيبة نفسه ( 2 )

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في خبر تحف العقول : ولا يحل لمؤمن مال اخيه

الا عن طيب نفس منه ( 3 ) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في خبر غوالي اللئالي : المسلم اخو المسلم ، لا

يحل ماله الا عن طيب نفس منه ( 4 ) .

وقول الامام الرضا عليه السلام في خبر محمد بن زيد الطبري ، في جواب

..........................................................................

( 1 ) الاحتجاج ص 267 عن الاسدي العمري عنه عليه السلام والوسائل باب 3 من الانفال حديث 6 .

( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي حديث 1 . كتاب الصلاة .

( 3 ) الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي حديث 3 .

( 4 ) المستدرك ج 1 - ص 212 . ( * )

 

 

] ويضمن بالاستقلال [

 

السؤال عن الاذن في الخمس كتبه اليه : لا يحل مال الا من وجه احله الله تعالى ( 1 ) .

فان الحل هو الاطلاق والارسال ، واذا اسند ذلك الى الاعيان الخارجية - كما

في الروايات - يراد به الترخيص في الفعل ، وحيث لا معنى لحلية تلكم الا باعتبار ما

يناسبها وفي المقام المناسب هو التصرف كما صرح به في التوقيع الشريف ، فالمراد من

الروايات ان الشارع الاقدس لم يرخص في التصرف في مال امرئ الا بطيب نفسه ،

فلا اشكال في حرمة التصرف فيه من دون رضا صاحبه .

نعم ، لا دليل على حرمة الانتفاع ما لم يعد تصرفا ، بل الظاهر جوازه كما في

الاستضاءة بنور الغير ، والمتبع في صدق التصرف هو العرف .

 

الضمان واسبابه .

 

الثانية : ( ويضمن ب ) مجرد ( الاستقلال ) بالعقار باثبات اليد عليها

والاستيلاء عليها وتسليم مفاتيحها ، من دون ان يزعج المالك ويخرجه منها ، وذلك

لحديث : على اليد ما اخذت حتى تؤدي ( 2 ) وهو وان كان ضعيف السند ، الا انه لاعتماد

الاصحاب عليه واستدلالهم به لامحال للمناقشة في سنده .

وانما المهم دفع ما اورد على الاستدلال به ، وهو ان كلمة " على " ظاهرة في الحكم

التكليفي من جهة ان ظاهرها الاستعلاء ، والاستعلاء المعقول الحاصل في التكليف

اقرب الى المعنى الحقيقي مما يتصور بالنسبة الى الوضع . ويمكن الجواب عنه بوجوه :

..........................................................................

( 1 ) فروع الكافي ج 1 - ص 426 - الوسائل باب 4 من الانفال حديث 2 .

( 2 ) سنن البيهقي ج 6 ص 9 كنز العمال ج 5 ص 257 - الرقم 5197 . ( * )

 

 

[ . . . ]

منها : ان حمله على ارادة التكليف منه ، مستلزم لجعل الظرف لغوا ويقدر يجب

ونحوه ، بخلاف ما لو حمل الحديث على الوضع كما لا يخفى ، وهو خلاف الظاهر .

ومنها : انه يستدعي تقدير فعل من الافعال من قبيل رده او حفظه ، وهذا

التقدير ايضا خلاف الظاهر .

ومنها : ان تقدير الرد ليدل الحديث على وجوب رد المال الى صاحبه لا يناسب

الغاية ، اذ يكون مفاده حينئذ انه يجب الرد الى ان يتحقق الرد ، فتكون الغاية تحديدا

للموضوع وهو بعيد في الغاية . ولا يناسب ايضا ارادة دفع البدل ، اذ مع امكان الغاية

لا يجب دفع البدل ، ومع عدم امكانها لا غاية كي يفي بها . فالمتعين حمل الحديث على

الوضع .

وهل المراد منه في الحديث هو الضمان بالقوة وهو كون دركه عليه مع تلفه كما

هو المنسوب الى المشهور ، ام هو بمعنى دخول المأخوذ في العهدة ، وللعهدة آثار تكليفية

ووضعية من حفظه وادائه مع التمكن واداء بدله لو تلف مما اختاره بعض مشايخنا

العظام ؟ وجهان .

اقواهما الثاني ، لان ما قبل الغاية من جهة كونه مغيا بالاداء ، لا بد

وان يكون امرا ثابتا فعليا مستمرا الى ان يتحقق الاداء ، وهذا ينطبق على الوجه

الثاني ، واما على الاول فلا امر مستمر الى حال الاداء ما لم يتلف .

وقد يقال : ان الحديث مختص بالاستيلاء على الاعيان ، ولا يشمل الاستيلاء

على المنافع والاعمال ، وحيث انه يترتب على ذلك آثار مهمة في المسائل الآتية ، فلابد

من تنقيحه . وقيل في وجه الاختصاص امران :

احدهما : ما افاده الشيخ الاعظم ره ، وهو عدم صدق الاخذ بالاضافة الى

المنافع .

 

 

[ . . . ]

وفيه : انه ليس المراد بالاخذ الاخذ بالجارحة الخاصة ، بل الاخذ كناية عن

الاستيلاء على الشئ ، والتعبير عنه بالاخذ باليد من جهة كونه لازما غالبيا له ،

والاخذ بهذا المعنى يصدق بالاضافة الى المنافع ، اذ الاستيلاء على المنفعة انما يتحقق

بالاستيلاء على العين ، وان لم يستوف المنفعة ولم تكن العين مضمونة ، فان المنفعة عبارة

عن الحيثية القائمة بالعين الموجودة بوجودها على نحو وجود المقبول بوجود القابل ،

فمنفعة الدابة قابيلتها للركوب ، ومنفعة الدار قابليتها لان يسكن فيها ، وهذه القابلية

من مراتب وجود العين ، والاستيلاء على العين استيلاء عليها بجميع شؤونها ومراتب

وجودها ، ومنها القابلية للانتفاع .

ثانيهما : ما افاده المحقق الاصفهاني ره ، وهو عدم صدق التأدية في المنافع ، فان

ظاهر قوله : حتى تؤدي ، كون عهدة المأخوذ مغياة باداء نفس المأخوذ ، والمنافع

لتدرجها في الوجود لا اداء لها بعد أخذها في حد ذاتها .

وفيه : ان الغاية في الخبر ليس اداء شخص ما اخذ ، والا بقى الضمان في صورة

التلف واداء العوض لعدم تحقق اداء الشخص ، بل المراد منها اعم من اداء الشخص

واداء العوض غاية الامر بنحو الطولية ، فاذا كانت العين موجودة لا يرتفع الضمان

الا باداء شخصها ، وفي صورة التلف يرتفع باداء عوضها ، والمنافع وان لم يمكن ردها

الا انه يمكن رد عوضها . هذا كله مضافا الى انه يمكن ان يقال : انه وان سلم

اختصاص النبوي بالاعيان وعدم شموله للمنافع ، الا ان الاستيلاء على العين

واخذها له احكام منها ضمان منافعها .

فالمتحصل ان الحديث يدل على ثبوت الضمان بمجرد الاستيلاء على مال الغير

عينا ومنفعة .

 

 

] ولو سكن الدار قهرا مع المالك ضمن النصف [

 

حكم ما لو سكن الدار مع المالك

 

( ولو سكن الدار قهرا مع المالك ضمن النصف ) كما عن الشيخ وجماعة ،

ونسبه في المسالك الى الاكثر . وذهب المحقق في الشرايع الى عدم ضمان الاصل ، وان

قال - بعد نقل فتوى الشيخ - : وفيه تردد . وفي النافع : ففي الضمان قولان ، قال في

الرياض : مبنيان على الاختلاف في تعريف الغصب ، بان المعتبر فيه الاستقلال فلا

يضمن ، او الاستيلاء فيضمن .

والتحقيق ان يقال : ان في المقام مسألتين :

احداهما : ضمان الاصل .

الثانية : ضمان المنفعة المستوفاة .

اما الاولى ، فقد عرفت ان عمدة وجه الضمان في موارد الغصب انما هو النبوي :

على اليد ما اخذت ، وعرفت ان اليد كناية عن الاستيلاء ، وهو كما يكون بالاستيلاء

على تمام الدار مستقلا كذلك يكون بالاستيلاء على النصف ، ولذلك لا شبهة في ان يد

الشخص على نصف الدار امارة للملكية اي ملكية النصف ، كما ان اليد على التمام

امارة ملكية الجميع ، وبالجملة صدق اليد على النصف كصدقها على الجميع لا ينكر ،

فهو يدل على الضمان صدق عنوان الغصب ام لم يصدق . مع انه قد عرفت ان حقيقة

الغصب ايضا هي الاستيلاء بلا اعتبار الاستقلال فيه ، فعلى ذلك لا يبقى شك في

ضمان الاصل .

وعلى تقدير الضمان انما يضمن بمقدار ما تكون الدر تحت يده ، فلو كانت يده

على النصف ضمن النصف ، ولو كانت على الثلث - كما لو كان المالك اثنين ساكنين في

الدار وسكن الغاصب معهما قهرا - ضمن الثلث ، وكذا لو كان على الربع - كما لو

 

 

[ . . . ]

كان المالك ثلاثا - ضمن الربع ، وهكذا . فاطلاق المتن وعبائر الجماعة بانه يضمن

النصف ، منزل على ما هو المفروض في كلماتهم من كون المالك واحدا .

 

ضمان المنفعة المستوفاة

 

واما المسألة الثانية فالكلام فيها في موردين :

الاول : في الدليل على الضمان .

الثاني : فيما استدل به على عدم الضمان .

اما الاول ، فيمكن ان يستدل له بوجوه :

1.     عموم على اليد ، بناء على ما تقدم من ان اليد على المنافع انما تكون بتبع

اليد على الاعيان ، وان الحديث يدل على الضمان .

2.     الرواية الشريفة الواردة في الامة المبتاعة اذا وجدت مسروقة بعد ان

اولدها المشتري ، الدالة على انه يأخذ الرجل ولده بالقيمة ويأخذ الجارية صاحبها ( 1 )

بتقريب انها تدل على ضمان المنفعة التي لم يستوفها المشتري ، فتدل بالاولوية على

ضمان المستوفاة .

3.     صحيح ابي ولاد الآتي الدال على ضمان منفعة المغصوب المستوفاة ، قال

عليه السلام : أرى له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة الى النيل ، ومثل كراء

البغل من النيل الى بغداد ، ومثل كراء البغل من بغداد الى الكوفة ، وتوفيه اياه ( 2 ) .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 88 - من ابواب نكاح العبيد والاماء حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 7 من كتاب الغصب حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

4.     قاعدة من اتلف المستفادة من النصوص الواردة في موارد خاصة ، جملة منها

واردة في موارد العقود الاستيمانية كالوكالة والمضاربة والرهن وغيرها فانه حكم فيها

بالضمان مع التعدي والتفريط ، وجملة منها في غيرها ، مثل ما ورد في القصار يخرق

الثوب الدال على انه ضامن بما جنت به يده ( 1 ) وغيره .

ودعوى عدم صدق المال على المنفعة ، مندفعة بما مر من ان المالية لا تكون من

المقولات الخارجية ، بل هي متقومة برغبة الناس في الشئ رغبة عقلائية ، ولذا يكون

الكلي في الذمة مالا ، وعمل العبد مالا ، وكذا عمل الحر بعد وقوع الماوضة عليه .

واما قاعده احترام مال المسلم ، ونفي الضرر ، فسيمر عليك في بعض المباحث

الآتية انه لا يصح الاستدلال بهما على الضمان .

واما الثاني ، فقد استدل لعدم الضمان بوجوه :

1.     النبوي المرسل : الخراج بالضمان ( 2 ) بتقريب انه يدل على ان من ضمن

شيئا وتقبله لنفسه ، فخراجه - اي منافعه - له مجانا .

وتنقيح القول في النبوي على فرض تسليم قوة سنده لعمل قدماء اصحابنا

به مع انه محل نظر ، فانه وان استدل به شيخ الطائفة في جملة من الموارد في محكي

مبسوطه ، والمصنف ره في باب الغصب من التذكرة ، الا ان هذا المقدار لا يكفي في جبر

ضعف السند . وبعد تسليم ان ما ذكره المصنف من اختصاص النبوي بالبيع ، انما هو

اجتهاد منه في تطبيقه على البيع - انه فيه احتمالات :

احدها : ان المراد بالضمان المعنى الاسم المصدري ، وكونه بمعنى التعهد المالي ،

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 29 من الاجارة .

( 2 ) راجع صحيح الترمذي ج 5 ص 285 - وسنن ابي داود

 ج 2 - ص 255 - وغيرهما من كتب العامة . ( * )

 

[ . . . ]

فيكون مفاد الخبر ان المنافع لمن هو ضامن للعين وان كان ضمانه قهرا عليه ، كما فهمه

ابو حنيفة .

ثانيهما : ان المراد بالضمان هو المعنى المصدري ، اي احداث الضمان امضاه

الشارع ام لا فيكون مفاده ان المنافع لمن اقدم على الضمان ، فيشمل العقود المعاوضية

صحيحة كانت ام فاسدة ، ولا يشمل موارد عدم اقدام الشخص على الضمان كما في

الغصب ، وهو الذي فهمه ابو حمزة وجعله مدركا لعدم ضمان المنافع في المقبوض بالعقد

الفاسد .

ثالثها : ان المراد بالضمان المعنى المصدري مع امضاء الشارع له ، فيختص

الخبر بالعقود المعاوضية الصحيحة ، والظاهر انه الذي فهمه المشهور منه .

رابعها : ان المراد به كون تلف العين مملوكة للشخص ، يعني ان المنافع تكون

لمن كانت العين ملكه بحيث لو تلفت تلفت من ملكه ، وهو الذي فهمه شيخ الطائفة

من الخبر ، فيكون مفاده تبعية ملكية المنافع لملكية العين ، فيكون اجنبيا عن المقام .

خامسها : ان المراد بالضمان احد المعان الثلاثة الاول ، ولكن مع كون المراد به

ضمان المنفعة لا العين ، فيكون مفاده ان المنافع تملك بلا ملك للعين ، فيدل على صحة

الاجارة .

سادسها : ان المراد به ضمان الارض ، والمراد بالخراج الضريبة المعينة للاراضي

الخراجية ، فيكون مفاده ان الخراج يثبت في عهدة ضامن الارض ومتقبلها .

سابعها : ان المراد به ضمان التكفل ، فيكون مفاد الخبر ان فائدة العين انما

تكن بازاء دخول العين في كفالة مالكها ، بحيث لو كان حيوانا لكان عليه نفقته

وحفظه واصلاحه .

اما الاحتمال الاخير فيدفعه ان ملكية المنفعة انما تكون تابعة لملك العين لا

 

 

] ولو غصب حاملا ضمن الحمل . [

 

لكونها في كفالته ، مع انه يختص الخبر حينئذ بالحيوان ولا يشمل غيره .

واما الاحتمال السادس فهو خلاف اطلاقه ، فان حذف المتعلق يفيد العموم .

واما الاحتمال الاول فيدفعه صحيح ابي ولاد ، الدال على ضمان المنافع زيادة

على ضمان العين .

واما الثاني فيدفعه انه مع عدم امضاء الشارع لا تحقق حقيقة لاحداث

الضمان ، مع انه يلزم منه حينئذ ضمان المالك للمنافع بعد العقد الفاسد قبل التسليم ،

اضف اليه ان لازمه انه لو ضمن بشئ في ضمن عقد صحيح كونه مالكا لمنافعه .

واما الرابع فيدفعه ان المراد بالضمان هو ما يراد به في سائر موارد استعمالاته ،

بل سائر موارد استعمال مشتقاته وهو التعهد المالي ، ففي العقود الصحيحة يكون هذا

المعنى ، اي تعهد كل منهما مال صاحبه بتسبيب من المتعاقدين مع امضاء الشارع ، وفي

العقود الفاسدة يكون ذلك بجعل من الشارع . وتمام الكلام في محله .

فيدور الامر بين الثالث والخامس ، والاظهر هو الاول منهما ، فان ظاهر القضية

ان المنفعة انما تترتب على الضمان ترتب العلة الغائية لشئ عليه التي هي الداعية

اليه ، ومعلوم ان الداعي للاقدام على الضمان في العقود المعاوضية هي المنافع .

فالمتحصل انه لا يدل على عدم الضمان في ما هو محل البحث ، ومع الاغماض

عما ذكرناه لاجمال الخبر لا يستند اليه في الحكم بعدم الضمان ، فالمنفعة المستوفاة

مضمونة .

( و ) بما ذكرناه ظهر انه ( لو غصب حاملا ضمن الحمل ) ، لليد عليه بتبع اليد

على الحامل ، وللخبر المتقدم .

 

 

] ولو منع المالك من امساك الدابة المرسلة ، او من القعود على بساطه ،

لم يضمن [

 

منع المالك من اخذ ماله

 

الثالثة : ( ولو منع المالك من امساك الدابة المرسلة ، او من القعود على

بساطه ، لم يضمن ) كما صرح به جماعة . وتنقيح القول في المقام يقتضي بيان امور :

منها : ان عمل الحر مال ، اذ المالية من الامور لاعتبارية ، وتعتبر للشئ من

جهة كونه مما يرغب ويميل اليه النوع ، أو ان نظام الاجتماع يتوقف عليه ، ومن المعلوم

ان عمل الحر مال بهذا المعنى ، غاية الامر لا يكون ملكا للعامل ولا لغيره الا بوقوع

المعاوضة عليه ، فحينئذ يصير ملكا لمن جعل له .

ومنها : ان الضمان لابد وان يكون لليد ، او الاتلاف ، او الاستيفاء ، ومع عدم

هذه الاسباب لا ضمان .

واما قاعدة لا ضرر التي يستدل بها في هذه المقامات كثيرا للضمان ، فهي لا

تصلح لاثباته ، فان غاية ما يمكن ان يقال في تقريب الاستدلال بها : ان حكم الشارع

بعدم الضمان ضرري على المالك او على من منع من العمل ، فينتفي بحديث نفي

الضرر ( 1 ) فيحكم بالضمان .

وفيه انه - بعد تسليم مبنيين اللذين عليهما بنى الشيخ الاعظم في محله ، وهما

اساس الاستدلال في المقام : احدهما ان المنفي بحديث لا ضرر ليس خصوص

الاحكام الوجودية المجعولة ، بل كل ما هو من الاسلام وجوديا كان او عدميا . ثانيهما :

ان مدلول الحديث نفي الحكم الناشئ من قبله الضرر ، كان الضرر ناشئا من متعلقه

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 12 من كتاب احياء الموات حديث 2 - وباب 17 من ابواب الخيار . ( * )

 

 

[ . . . ]

ام كان ناشئا من نفسه ، كلزوم البيع الغبني - : انه لا يصح الاستدلال بالقاعدة في

المقام ، من جهة ان حديث لا ضرر انما يدل على نفي الحكم الناشئ من قبله الضرر ،

وان الضرر يكون منفيا في عالم التشريع ، ولا يدل على تدارك الضرر المتحقق من غير

جهة الحكم الشرعي ، فلو تضرر احد في تجارته مثلا لا يجب على المسلمين تدارك

ضرره ، وهذا من الوضوح بمكان .

وفي المقام اذا حكم الشارع بالضمان ، فانما يكون من جهة لزوم تدارك الضرر

المفروض وجوده بالتلف لا من جهة نفي الضرر ، فالحديث لا يثبت ذلك . مع ان

الحديث لو كان مثبتا للزوم التدارك ، لما كان وجه للزوم التدارك على شخص خاص

لو لم ينتفع به ولا اتلفه ، فليكن سد ضرره من بيت المال . فالانصاف ان قاعدة نفي

الضرر لا تفي باثبات المطلب .

 

قاعدة الاحترام

 

ومنها : انه قد يستدل على الضمان في هذا الباب بقاعدة احترام مال المسلم

الثابتة ، بما دل على انه لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه ( 1 ) وقوله صلى الله

عليه وآله : حرمة ماله كحرمة دمه ( 2 ) وقوله عليه السلام : لا يصلح ذهاب حق احد ( 3 ) .

نقريب دلالة الاول على الضمان ان الحلال هو مالا تبعة له ، فاذا نسب الى

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي حديث 1 - و 3 - المستدرك

ج 1 - ص 212 والوسائل باب1 من ابواب القصاص في النفس حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 3 - من ابواب القصاص في النفس حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 40 من ابواب الشهادات حديث 1 و 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الفعل كان معناه انه لا يعاقب عليه فيستفاد منه الحلية التكليفية ، واذا نسب الى المال

كما في المقام كان معناه ما لا خسارة من قبله ، فمعنى لا يحل في المقام انه مع عدم

رضا المالك يكون المال مما له تبعة وخسارة وعوض .

وفيه اولا : ان ظاهر هذا التركيب في نفسه ارادة الحكم التكيفي ويقدر

التصرف ، كما مر في المسألة الاولى .

وثانيا : ان حمل الحلية على الوضعية لا يلائم مع حرف المجاوزة في قوله : الا

عن طيب نفسه ، فان ظاهره صدور شئ عن الطيب ، فيكون ظاهره حلية التصرف

عن الرضا . مع انه لو تم دلالته على الضمان ، يكون مختصا بالمنافع المستوفاة ، ولا يدل

على الضمان في المنافع غير المستوفاة والعمل .

واما حديث : حرمة ماله كحرمة دمه ، فتقريب الاستدلال به ان الحرمة انما

نسبت الى المال ، وظاهر ذلك ارادة احترام المال من حيث انه مال ، واحترامه كذلك

انما يكون بالمعاملة معه معاملة ماله مالية يتداركها ، فعدم تدارك ماليته معناه معاملة

الهدر معه ، فرعاية ماليته رده او رد عوضه لو تلف .

وفيه اولا : ان ظاهره ولو بقرينة السياق ارادة الحرمة التكليفية منه ، فان قبله

هكذا : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر ، واكل لحمه معصية . فيكون المراد من حرمة

ماله بواسطة تنظيره بحرمة دمه ، شدة العقوبة المعبر عنها بالكفر .

وثانيا : انه لا يشمل المنافع غير المستوفاة والعمل غير العائد نفعه اليه .

وثالثا : ان الظاهر منه من جهة اضافة المال الى المؤمن ارادة رعاية مالكيته ،

وهي لا تقتضي ازيد من عدم التصرف فيه بلا رضاه ، لا تدراكه لو تلف .

واما حديث : لا يصلح ذهاب حق احد ، فلا يدل على الضمان ، لان الكلام انما

هو في ثبوت الحق في المقام ، والحكم لا يصلح لاثبات موضوعه .

 

 

] ولو غصب من الغاصب تخير المالك في الاستيفاء ممن شاء [

 

فالمتحصل ان قاعدة الاحترام ايضا لا تثبت الضمان .

ومنها : ان الاتلاف المضمن اعم من اعدام الموجود والمنع من الوجود .

اذا عرفت هذه الامور ، فاعلم انه في الفرع الاول يمكن القول بالضمان ، اي

ضمان الاصل لو تلفت الدابة ، وضمان منفعتها الفائتة .

اما الاول فلانه يصدق انه بمنع المالك من امساك الدابة اتلفها عليه ، فمقتضى

قاعدة الاتلاف هو الضمان ، وبه يظهر وجه ضمان منفعتها ، فان منع المالك من امساك

الدابة كحبس العين ومنع مالكها عن الانتفاع بها اتلاف لمنافعها عرفا . وما قيل في

وجه عدم ضمان المنفعة غير المستوفاة سيظهر في بعض المباحث الآتية عدم تماميته ،

وان الحق ضمانها .

واما في الفرع الثاني فكما افاده الاظهر عدم الضمان ، لان عمل الحر ليس ملكا

له كي تشمله قاعدة من اتلف مال الغير ، والفرض انه ليس تحت اليد ولا استوفاه .

وقاعدتا لا ضرر والاحترام لا تدلان على الضمان ، فلا موجب للضمان والاصل عدمه ،

وسيأتي تمام الكلام فيه .

 

تعاقب الايدي

 

الرابعة : ( ولو غصب ) غاصب ( من الغاصب تخير المالك في الاستيفاء ممن

شاء ) ، لان المال وقع تحت يد كل منهما ، فموجب الضمان بالنسبة الى كل منهما متحقق ،

فيكون المال في عهدة كل منهما ، لا بمعنى انه لو تلف ثبت الضمان على كل منهما

مستقلا .

توضيح ذلك : انه قد عرفت ان معنى الضمان هو التعهد المالي ، وان المال في

 

 

] ولا يضمن الحر [

 

غير العقود الصحيحة من موارد الضمان يكون في عهدة من وضع يده عليه ، فاذا فرض

تعدد الايدي تكون العين الواحدة في عهدة كل من اصحابها ، ولكن حيث ان معنى

كون شئ واحد في عهدات متعددة خروج كل منهم عن عهدته ، ومن المعلوم ان

الشئ الواحد ليس له الا تدارك واحد ، كان لازم ذلك تسلط المالك على مطالبة كل

منهم الخروج عن عهدته ، ومع التلف يستحق على واحد منهم البدل على البدل ، فاذا

استوفى العين او عوضها من احدهم سقط عهدة الباقين .

ثم ان قرار الضمان انما يكون على من تلف المال في يده . واجمال وجهه : ان

الغاصب الاول وضع يده على مال الغير فنفس العين تثبت في عهدته ، والغاصب الثاني

وضع يده على ما ثبت في عهدة الغير ، فهو يضمن المال المتصف بهذا الوصف وتثبت

العين بهذه الخصوصية في ذمته . فاذا تلف المال وأدى الغاصب الاول عوضه فله ان

يرجع الى الغاصب الثاني ، فان ذلك لازم ضمانه للمال الذي له بدل ، الذي مرجعه الى

ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل ، فعليه ان يدفع الى الاول ، ويكون ما

يدفعه اليه تداركا لما استقر تداركه في ذمة الاول . وبه يظهر وجه عدم رجوع الثاني

الى الاول لو أدى العوض إلى المالك . وقد مر تفصيل القول فيه وفي الاشكالات الواردة

ونقدها والفروع المتفرعة في كتاب البيع في الجزء السادس عشر من هذا الشرح ، وانما

الغرض في المقام الاشارة الى ما هو الوجه في ذلك .

 

عدم ثبوت الغصب فيما ليس بمال كالحر

 

الخامسة : ( و ) لا يثبت الغصب في ما ليس بمال كالحر ، ف ( لا يضمن الحر )

بالاستيلاء عليه عينا أو منفعة ، لعدم صدق الغصب ، ولا ينطبق عليه شئ من قواعد

 

 

] الا ان يكون صغيرا والا اجرة الصانع لو منعه عنها ، [

 

باب الضمان ، من اليد والاتلاف والاستيفاء كما مر . نعم ، لو اصابه تلف من قبل

الغاصب من نحو الجناية على نفسه او طرفه ضمنه اجماعا ، كما يأتي في كتاب الديات .

وفي غير هذه الصورة عدم الضمان اجماعي في الكبير مطلقا ، والصغير اذا كان تلفه

بالموت الطبيعي ، ولو كان التلف لا بسبب الغاصب ولا من قبل الله تعالى - كالموت بلذع

الحية او افتراس السبع ونحو ذلك - ففيه قولان ، احدهما الضمان ، واليه اشار المصنف

ره بقوله ( الا ان يكون صغيرا ) . وعن الشيخ في المبسوط والمصنف في المختلف

والشهيد في الدروس وغيرهم في غيرها اختياره .

واستدل له بانه سبب التلف ، وان الصغير لا يستطيع دفع المهلكات عن

نفسه وعروضها ، وبخبر وهب عن جعفر عن ابيه عليهما السلام : ان عليا عليه السلام :

كان يقول : من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو ضامن ، ومن استعار حرا صغيرا

فعيب ضمن ( 1 ) بناء على ان الاستعارة اهون من الغصب .

واورد على الاول في محكي التذكرة بقوله : ان تعليلهم المشار اليه غير صالح

للحجية وتخصيص اصالة البراءة القطعية . على الثاني : وبانه ضعيف السند غير معمول

به على اطلاقه ، ولذا ذهب جماعة الى عدم الضمان .

والحق : ان هذه المسألة لابد وان تعنون في كتاب الديات في مباحث الجنايات ،

وغير مربوطة بمسائل الغصب ، لان الحر لا يتعلق به الغصب ، والحق فيها انه بين اخذ

الغاصب للحر كبيرا كان او صغيرا ان لم يكن فعل فاعل مختار فاصلة ضمن والا فلا ،

وتمام الكلام موكول الى محله .

( و ) كذا لا يضمن ( اجرة الصانع لو منعه عنها ) ان لم يكن اجيرا والا

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب العارية حديث 11 . ( * )

 

 

] ولو استعمله فعليه اجرة عمله ، ولو ازال القيد عن العبد المجنون او الفرس

ضمن ، ولو فتح بابا فسرق غيره المتاع ضمن السارق . [

 

فيضمن ، ( و ) كذا يضمن ( لو استعمله فعليه اجرة عمله ) كما مر الكلام في جميع تلكم

مفصلا في كتاب الاجارة .

( و ) مما ذكرناه في المسائل المتقدمة ظهر انه ( لو ازال القيد عن العبد المجنون

او الفرس ) ونحوه فشرد ( ضمن ) . واما ( لو فتح بابا فسرق غيره المتاع ) فلا اشكال

في انه ي ( ضمن السارق ) ، انما الكلام في ضمان من فتح الباب وعدمه ، فالمشهور بين

الاصحاب هو الثاني ، وعن جماعة ضمانه .

واستدل للاول باقوائية المباشر من السبب ، وللثاني في الرياض بحديث نفي

الضرر ( 1 ) . ولكن القوة لا تدفع الضمان عن ذي السبب ان وجد ما يقتضي ضمانه ،

وحديث نفي الضرر قد مر عدم دلالته على الضمان .

والحق ان يقال : انه حيث لا يدهنا للسبب على المال ولا استيفاء ، فلو كان

هناك ضمان فانما هو من جهة قاعدة الاتلاف ، ولا اشكال في صدق التلف على

السرقة ، كما يشهد به خبر عقبة بن خالد في تلف المبيع قبل قبضه حيث جعل فيه

سرقة المتاع من التلف ( 2 ) ، وعليه فحيث ان الموجب للسرقة والجزء الاخير لها هو فتح

الباب ، اذ لو لم يفتح لما تمكن من السرقة ، فيصدق على فتح الباب انه اتلاف للمال ،

فيشمله قاعدة من اتلف . وبالجملة فتح الباب يعد عرفا اتلافا للمال ان تعقبه سرقة

المتاع فيوجب الضمان ، هذا غاية ما يمكن ان يقال في وجه الضمان ، ومع ذلك في النفس

منه شئ ، سيما وقد ادعى الاجماع على عدم الضمان في المقام في كثير من الكلمات .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب الخيار كتاب التجارة .

( 2 ) الوسائل - باب 10 - من ابواب الخيار . ( * )

 

 

] ويضمن الخمر والخنزير للذمي و بقيمتهما عندهم مع الاستتار لا للمسلم [

 

ضمان الخمر والخنزير

 

السادسة : قالوا ( ويضمن الخمر والخنزير للذمي وبقيمتهما عندهم مع

الاستتار لا للمسلم ) ، وتنقيح القول في المقام بالبحث في موردين :

الاول : في الخمر .

الثاني : في الخنزير .

اما الاول ، فتارة نقول ان الخمر مال وتملك كما هو الحق ، لان لها منفعة محللة

وهي جعلها خلا والانتفاع بها . ولان جواز شرب الذمي اياها منفعة محللة توجب

صيرورتها مالا . ولموثق ابن ابي عمير عن جميل ، قال قلت لابي عبد الله عليه السلام :

يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا ، فقال عليه السلام : خذها ثم

افسدها ( 2 ) . ولا ينافيه ما دل من النصوص على عدم جواز بيعها ، فانه يكون الاعطاء

في الخبر بعنوان اداء الدين لا بعنوان البيع ، فلا وجه لما في مكاسب الشيخ الاعظم

من ان المراد بالخبر : اما اخذ الخمر مجانا ثم تخليلها ، أو اخدها وتخليلها لصاحبها ثم

اخذ الخل وفاءا للدين ، بعد كون كل منهما خلاف الظاهر . وعليه فلا اشكال في انه

لو اتلفها متلف أو تلف تحت يده العادية يكون ضامنا ، لعموم على اليد ، وقاعدة من

اتلف ، بعد عدم ورود مخصص عليهما بالنسبة اليها .

واخرى نقول بانها لا تملك ، وان غاية ما يدل عليه الوجهان الاولان كونها مالا

لا ملكا ، والخبر محمول على ما افاده الشيخ قده او غيره .

فان بنينا على انها مال كما هو الصحيح ، فحيث ان الاظهر ثبوت حق

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 31 - من ابواب الاشربة المحرمة حديث 6 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الاختصاص بالنسبة اليها لمن هي تحت يده من جهة الحيازة او كون اصلها له ، لان

عليه بناء العرف والعقلاء ، ولم يرد من الشارع الاقدس نهي عن ذلك ، بل لا يبعد

دعوى سيرة المتشرعة عليه سيرة مستمرة الى زمان المعصوم عليه السلام ، فثبوت

الضمان لا كلام فيه ، لعموم على اليد ، وقاعدة الاتلاف ، والاجماع . ولعله الى ذلك نظر

الاسكافي حيث قال : انه يحكم له بقيمتها خلا ، لان له حق اليد فكان عليه الضمان .

وعلى التقديرين لا فرق بين كونها للمسلم او للذمي .

وثالثة نقول انها ليست بما من جهة انه لا يجوز شرب الذمي اياها ، بل غاية

ما ثبت بالدليل انه لو استتر بالشرب لا يحد ، او انه لا يكفي في انتزاع المالية ذلك

ولا القابلية لان تصير خلا ، فالظاهر حينئذ عدم الضمان فانه بلحاظ المالية ، من غير

فرق على هذا ايضا بين كونها للذمي او المسلم .

واما الثاني ، فقد مر في الجزء الرابع عشر من هذا الشرح ان مقتضى الجمع بين

النصوص ( 1 ) المختلفة الواردة في الخنزير ، هو جواز بيعه للذمي ، وعدم جواز البيع من المسلم ،

وذلك - بضميمة ما مر من جواز اكل الذمي لحمه ، وان له غير الاكل منافع محللة اخر ،

هي الانتفاع بجلده وشعره ، بل بلحمه في غير الاكل - كاف في البناء على انه مال

وملك ، سيما وقد دل الدليل ( 2 ) على جواز بيع شعره مطلقا . وعليه فلو اتلفه متلف ، او

تلف تحت يده العادية ، يكون ضامنا .

فالمتحصل مما ذكرناه ان الاظهر هو الضمان ، ولو كان الخمر والخنزير للمسلم .

نعم ، لابد من تقويمهما على الغاء جهة اكل المسلم وشربه اياهما ، او الغاء الجهتين

مطلقا ، وبهذا الاعتبار ينقص قيمتها . هذا ما تقتضيه القواعد ، فان ثبت اجماع على

..........................................................................

( 1 - 2 ) الوسائل باب 57 و 58 و 60 و 61 من ابواب ما يكتسب به . ( * )

 

 

] ويجب رد المغصوب ، [

 

خلافه فهو المتبع .

 

وجوب رد المغصوب الى مالكه

 

السابعة : لا خلاف ( و ) لا اشكال في انه ( يجب رد المغصوب ) على مالكه ما

دامت العين باقية .

ويشهد به - مضافا الى ما دل على وجوب رد المال الى صاحبه مطلقا ، كموثق

سماعة عن الامام عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من كانت

عنده امانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها ، فانه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله الا

بطيب نفسه منه ( 1 ) فان اطلاق التعليل سيما وهو مذكور لوجوب رد الامانة يشمل

الامساك على مال الغير ، والنصوص المتقدمة الدالة على عدم جواز التصرف في مال

الغير ومنه الامساك ، والنصوص المتفرقة الواردة في الابواب المتفرقة في موارد الامانات

المالكية والشرعية وغيرها - جملة من النصوص الخاصة :

كخبر حماد بن عيسى ، عن بعض اصحابنا ، عن العبد الصالح عليه السلام ،

وذكر ما يختص بالامام الى ان قال : وله صوا في الملوك ما كان في ايديهم على غير وجه

الغصب ، لان الغصب كله مردود ( 2 ) .

وما في نهج البلاغة ، قال امير المؤمنين عليه السلام : الحجر الغصب في الدار رهن

على خرابها ، قال الرضي : ويروى هذا الكلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ( 3 ) .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 3 - من ابواب مكان المصلي حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 1 - من كتاب الغصب - حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 1 من كتاب الغصب حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وخبر عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ابي عبد الله عليه السلام عمن أخذ

ارضا بغير حقها وبنى فيها ، قال عليه السلام : يرفع بنائه ويسلم التربة الى صاحبها

ليس لعرق ظالم حق ( 1 ) ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله من اخذا رضا بغير

حق كلف ان يحمل ترابها الى المحشر ( 2 ) ونحوها غيرها .

لا خلاف في ان المراد بالرد في هذا الباب هو الاقباض والتسليم الى مالكه ،

ولا يكفي التخلية بين المال وصاحبه كما في باب الوديعة ، اذ كما ان كون المال تحت

سلطنة الغاصب واستيلائه في غير محله فلابد من ايصاله الى محله ، كذلك كونه عنده

خارجا يكون في غير محله فلابد من ايصاله اليه بالاقباض ، وخبر عبد العزيز ايضا

يشهد به ، بل لعل الظاهر من الرد والمفهوم عرفا منه ذلك .

كما لا خلاف في انه يجب الرد وان تعسر واستلزم ذهاب مال الغاصب -

كالخشبة المستدخلة في البناء واللوح والسفينة والخيط في الثوب وما شاكل - بلا خلاف

فيه ، لاطلاق بعض ما مر وصراحة آخر . نعم ، في خصوص ما لو كان المغصوب بحيث

لو اريد رده لزم منه عدم بقاء القيمة والمالية له - كالصبغ اذا صبغ ثوب به ، والجص

في البناء ، والخيط اذا خيط به الثوب ، وما شاكل - اشكال واختلاف بين الاصحاب ،

وفيه اقوال :

1.     وجوب الرد مع رد تمام القيمة ، اختاره في المسالك وغيرها .

2.     عدم وجوبه بل يجب رد القيمة خاصة ، اختاره المصنف ره ، ولعله المشهور .

3.     صيرورة ذلك الشئ مشتركا بين الغاصب والمغصوب منه .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب الغصب حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 3 من كتاب الغصب حديث 2 . ( * )

 

 

] فان تعيب ضمن الارش ، [

 

والاظهر عدم وجوب الرد ، والاكتفاء برد بدله ، ولا يستحق المالك ذلك الشئ ،

وذلك اذ الصبغ أو الخيط أو الجص يعد في هذه الموارد تالفا ، فيكون الغاصب ضامنا

للمثل أو القيمة ، ويصير ذلك ملكا للمغصوب منه بدلا عن ماله .

واما المبدل منه فهو يخرج عن ملكه لوجوه :

1.     ان الملكية من الاعتباريات ، والاعتبار انما يكون بلحاظ الاثر وبدونه لغو ،

فلا يكون هناك اعتبار الملكية .

2.     ان اهل العرف يفهمون من الامر بدفع البدل حصول المعاوضة والمبادلة

بين العينين ، وصيرورة كل منهما ملكا للآخر وبدلا منه .

3.     ان مقتضى عنوان التدارك والغرامة ذلك ، اذ مع حكم الشارع بتدارك

ماليته بتمامها ، بعنوان تدارك ما في العهدة ، وبعنوان انه اداء للمتعذر ، لا مناص عن

الالتزام بخروجه عن ملكه ، وحيث ان كون المتعذر من المباحات الاصلية لم يقل به

احد ، فلابد من البناء على صيرورته ملكا للضامن .

ومحصل الكلام : ان المال المغصوب تارة لا يرد اليه نقص برده الى مالكه ،

واخرى يلزم منه تلف مقدار من اوصافه موجب لنقص في ماليته ، وثالثة يوجب تلف

العين عرفا بمعنى انه لا يبقى له مالية اذا اريد رده .

اما القسم الاول فيجب رده وان تضرر الغاصب به .

واما في الثاني فيجب الرد مع ضمان النقص الحاصل ، واليه اشار المصنف ره

بقوله ( فان تعيب ضمن الارش ) ، اما وجوب رد العين فلما مر ، واما وجوب الارش

فلحديث على اليد وقاعدة الاتلاف .

واما في القسم الثالث ، فان كان المال المغصوب بحيث لايعد تالفا كما لو

امتزجه بمساويه ، فسيأتي حكمه عند تعرض المصنف ره له . وان كان يعد تالفا كما في

 

 

[ . . . ]

الامثلة المتقدمة ، فيجب رد القيمة دون العين ، بل هي تصير برد البدل ملكا للغاصب .

واما ما اشتهر من ان الغاصب يؤخذ باشق الاحوال ، فلم اظفر بما يكون مأخذا

صحيحا له ، كي يقال انه يقتضي وجوب رد العين مع رد القيمة .

 

بدل الحيلولة

 

بقى في المقام فرعان :

احدهما : ما اذا تعذر ايصال المال الى صاحبه ، ولم يكن بحيث يصدق عليه

التالف ، فهل يلزم على الغاصب دفع البدل وهو المسمى عندهم ببدل الحيلولة ، ام لا

يجب ذلك ؟ وتنقيح القول فيه في جهات .

الاولى : في الدليل على الضمان ، بمعنى لزوم دفع البدل ، وقد استدل له بوجوه .

1.     قاعدة نفي الضرر ( 1 ) بدعوى ان صبر المالك الى حين الوصول اليه ضرر

عليه ، فجاز له الزام الغاصب بالبدل .

وفيه : ان قاعدة نفي الضرر قد مر انها لا تصلح لاثبات الضمان .

2.     قاعدة على اليد ( 2 ) بدعوى ان اداء العين كما يكون باداء بدلها عند تلفها ،

يكون باداء بدل الحيلولة .

وفيه : ان مفاد حديث على اليد ان كان هو اشتغال الذمة بالقيمة عند التلف ،

فعدم دلالته على الضمان ببدل الحيلولة واضح . وان كان مفاده بقاء العين في العهدة الى

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 12 من احياء الموات وباب 17 من ابواب الخيار .

( 2 ) كنز العمال ج 5 ص 257 وسنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )

 

 

[ . . . ]

حين الخروج عنها ، فهو انما يدل على لزوم اداء العين مادامت موجودة ، وتدارك ماليتها

باداء حصة مماثلة لها بعد التلف . وبعبارة اخرى : ما دامت موجودة لا يكون اداء بدل

الحيلولة اداء لها ، ولذا لا تخرج عن ملك مالكها ، ولو كان ذلك اداء لها كان اللازم

خروجها عن ملكه ،

3.     ان في ادائه جمعا بين الحقين ، بعد فرض رجوع البدل الى الضامن لو ارتفع

التعذر .

وفيه : ان الحق الثابت للمالك انما هو بالاضافة الى العين نفسها لابد لها مع

بقائها ، مع انه على فرض التنزل يمكن الجمع بين الحقين بوجه آخر ، وهو الزام

الغاصب بالشراء ، بل هذا الجمع اولى كما لا يخفى .

4.     قاعدة السلطنة ( 1 ) . اما بدعوى السلطنة على مطالبة العين للتوسل بها الى

مطالبة البدل واخذه ، أو بدعوى ان من شؤون السلطنة على العين السلطنة على

ماليتها - وبعبارة اخرى ، للعين شؤون ثلاثة : من جهة الشخصية ، ومن حيث الطبيعية

النوعية ، ومن حيث المالية ، وتعذر مطالبة الاولى لا يمنع عن مطالبة غيرها - او

بدعوى السلطنة على مطالبة السلطنة على الانتفاعات بماله .

وفي الجميع نظر . اما الاولى فلان السلطنة على مطالبة العين مع امكان ردها

ثابتة ، ولازمها السعي في ذلك بالسعي في مقدماته لارد البدل . ومع عدم امكانه لا تكون

ثابتة ، لعدم القدرة ، والامتناع بالاختيار وان كان لا ينافي الاختيار الا انه عقابا لا

خطابا .

واما الثانية فلان مالية العين القائمة بها - اي تلك الحصة الخاصة من المالية -

..........................................................................

( 1 ) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم ج 2 ص 272 الطبع الحديث . ( * )

 

 

[ . . . ]

يتعذر مطالبتها بتعذر مطالبة العين ، والمالية القائمة ببدلها حصة اخرى من المالية ، ولم

يثبت السلطنة على مطالبتها .

واما الثالثة فلان السلطنة على الانتفاعات بماله ساقطة ، للتعذر .

5.     انه فوت سلطنة المالك واتلفها ، فيجب عليه تدارك ذلك . وفيه : انما للمالك

هو الملك لا السلطنة ، بل هي من الاحكام المترتبة عليه ، فلا يتعلق بها الضمان .

6.     اطلاق النصوص المتقدمة . وفيه : انها ظاهرة او منصرفة الى صورة صدق

التلف عرفا .

7.     الاجماع ، وهو كما ترى .

فالمتحصل انه لا دليل على بدل الحيلولة كما اعترف به جمع من المحققين . نعم ،

بما ان الغاصب فوت منافع العين على المالك ، يكون ضامنا للمنافع ، وقد مر ان المنافع

غير المستوفاة ايضا مضمونة ، لحديث على اليد ، وقاعدة الاتلاف .

 

مورد بدل الحيلولة

 

الجهة الثانية : في بيان مورد بدل الحيلولة : فاعلم انه اذا تمكن الغاصب من رد

العين ، ولكنه لم يردها بل حال بين المال ومالكه ، ليس هناك بدل الحيلولة بل يكون

الغاصب مكلفا برد العين ، كما انه اذا تلفت العين او تلف جميع الانتفاعات في جميع

الازمنة خرجت بذلك عن الملكية كما لو انكسرت المرآت . وليس مورد بدل الحيلولة

كما انه ليس مورده ما لو تلف بعض الانتفاعات في جميع الازمنة كما لو صار الحيوان

الذي يطلب ظهره موطوئا ، فانه لم يتلف منه الا الانتفاع به دائما في بلد الوطء لا في

ساير البلاد ، بل مورده ما اذا تلف جميع الانتفاعات في بعض الازمنة ، لعدم تمكن

 

 

[ . . . ]

الضامن من الرد .

ثم ان مورده ما اذا كان التعذر لعارض خارجي ، واما اذا كان ذلك من جهة

ان رد العين مستلزم لخروجها عن المالية ، كالخيط المغصوب الذي خيط به الثوب ، اذ

قد يكون اخراجه من الثوب موجبا لتلفه ، فلا يكون موردا له ، وبذلك ظهر ما في

استدلال صاحب الجواهر ، لوجوب البدل في المثال بالحيلولة .

ولا يعتبر فيه سوى ما ذكر ، وعليه فصوره اربع - سوى الصورة الملحق فيها

المال بالتلف - : اذ ربما يرجى فيها التمكن من العين قريبا ، وربما يرجى بعد مضي

مدة طويلة . وعلى التقديرين ، اما ان يتعذر على الغاصب اعادة العين وانما يرجى ان

تعود بنفسها كطائر اعتاد العود ، واما ان لا يتعذر . وعلى القول بثبوت بدل الحيلولة

يثبت في جميع هذه الصور ، ولا وجه لتخصيصه بما اذا كان يرجى التمكن بعد مدة طويلة .

نعم ، اذا كان زمان التعذر يسيرا جدا لا يكون مشمولا ، لما تقدم من الادلة .

الجهة الثالثة : في بيان ان التعذر الموضوع لهذا الحكم ، هل هو التعذر المسقط

للتكليف برد العين او الاعم منه ومن التعذر العرفي فيه ؟ وجهان .

قد استدل للاول باصالة عدم تسلط المالك على ازيد من الزامه برد العين

الذي كان قبل التعذر ، خرج عن ذلك ما اذا تعذر بالتعذر المسقط للتكليف . وبانه مع

عدم التعذر المسقط يكون مكلفا برد العين ، ولا يجتمع التكليف برد العين والبدل .

وفيهما نظر . اما الاول فلان الادلة التي اقاموها على ثبوت بدل الحيلولة

مقتضى اطلاقها ثبوته في مورد التعذر العرفي ايضا ، ومعه لا مورد للرجوع الى الاصل .

واما الثاني فلان مورد التكليف بالبدل زمان الاشتغال بالمقدمات ، ومورد

التكليف برد العين هو زمان ما بعد المقدمات .

ولكن الحق في المقام هو التفصيل بين كون زمان الاشتغال بالمقدمات قصيرا

 

 

[ . . . ]

جدا فلا يكون ثابتا ، وبين غيره فيثبت ، ولا يخفى وجهه .

ثم إنه في المقام جهات اخر من البحث ، مثل انه هل يلزم المالك على اخذ

البدل ، وانه هل يصير البدل ملكا له ام هو مباح له التصرف فيه ، وان العين هل تنتقل

الى الغاصب ام لا ؟ قد استوفينا البحث فيها في كتاب البيع ، ولا يهمنا البحث فيها

بعد عدم ثبوت الاصل .

 

حق الاولوية

 

الثاني : ما لو خرجت العين عن الملكية - كما لو صار الخل المغصوب خمرا -

فقد استشكل المصنف ره في محكي القواعد في وجوب ردها مع القيمة . وعن الشهيدين

والمحقق الثاني ره وجوب الرد . والكلام فيه ايضا في جهات .

الاولى : في بقاء حق الاولوية بعد زوال الملكية ، والظاهر ذلك ،

لا لما افاده المحقق النائيني ره من ان الحق ليس امرا مغايرا للملك ، بل هو من

شؤونه ومراتبه الضعيفة المندكة تحت القوي ، لانه عبارة عن اضافة خاصة بين

المستحق والمستحق عليه ، وهي حاصلة للمالك ومحفوظة في جميع الحالات الواردة على

الملك . فانه يرد عليه : ان الملكية والحقية من الاعتبارات الشرعية والعرفية لا من

المقولات ، والاعتبار لا اشتداد فيه ولا حركة ، وكل من الملك والحق اعتباري غير

الآخر .

ولا لما قيل من ان حق الاولوية من آثار الملك ، فمع زواله غاية الامر يشك في

ارتفاعه فيستصحب . اذ يرد عليه : ان ما هو اثر الملك انما هو الحكم التكليفي من

قبيل جواز التصرف فيه ونحوه ، وهو غير حق الاولوية ، مع ان لازم كونه اثرا له

 

 

] فان تعذر ضمن مثله ، فان تعذر فقيمته يوم المطالبة ولو لم يكن [

 

ارتفاعه بارتفاعه ، وعلى الجملة حق الاولوية الذي هو اعتبار خاص ليس من اثار

الملك .

ولا لما قيل من ان الدليل دل على ان المالك احق بماله ، فيستفاد من ذلك كون

حق الاولوية من مقارنات الملك ، ولو شك في زواله بارتفاع الملك يستصحب ذلك . اذ

يرد عليه : ان ما دل عليه الدليل أولوية المالك بالتصرف في ماله عن غيره ، وهذا غير

ثبوت حق الاولوية .

بل لما مر من السيرة العقلائية وبناء العقلاء على ذلك ، وحيث انه لم يردع

الشارع الاقدس عنه فيستكشف امضائه لذلك ، ويؤيده الاجماع عليه .

الجهة الثانية : في وجوب رده على القول بثبوته ، وعدم انتقاله الى الغاصب ،

الظاهر ذلك ، اذ كما يجب رد المملوك الى مالكه كذلك يجب رد ما هو متعلق الحق الى

ذي الحق . ولو شك في وجوب رد متعلق الحق ، فهل يجري استصحاب وجوبه نظرا الى

كون الملكية من الجهات التعليلية لوجوب الرد لا التقييدية ، فالموضوع عند العرف

يكون باقيا ، ام لا يجري لكونه من الجهات التقييدية ؟ وجهان ، اظهرهما الاول .

الجهة الثالثة : في انه مع فرض ثبوت هذا الحق ، هل يكون ذلك للمالك او

الغصب ؟ والاظهر هو الثاني ، لاقتضاء الغرامة ذلك ، ولبناء العقلاء عليه ، فالغاصب

احق به من غيره .

 

المثلي والقيمي

 

الثامنة : ( فان تعذر ) رد المغصوب او تلف ( ضمن ) الغاصب ( مثله ) ان كان

المغصوب مثليا بلا خلاف ، ( فان تعذر ) رد المثل ( فقيمة يوم المطالبة ، ولو لم يكن

 

 

] مثليا ضمنه باعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف على اشكال [

 

مثليا ضمنه بأعلى القيم من حيث الغصب الى حين التلف على اشكال ) . وتنقيح

القول في المقام بالبحث في مواضع :

الاول : في تعريف المثلي والقيمي ، وان لم يقعا في شئ من الروايات ، ولا في

معقد اجماع ، بحيث يكون من قبيل الاجماع على القاعدة . فالمشهور في تفسير المثلي

انه ما يتساوى اجزائه من حيث القيمة ، والمراد بالاجزاء الجزئيات والافراد ، والمراد

بالتساوي التساوي من غير جهة الكم . فمحصل المراد ان المثلي ما له مماثل في الصورة

والصفات التي تختلف بها الرغبات وتتفاوت به القيم .

واظن ان ما عن التحرير من تفسيره بما تماثلت اجزائه وتقاربت صفاته ، وما

عن الدروس والروضة من انه المتساوي الاجزاء والمنفعة المتقارب الصفات ، وما عن

بعضهم من انه من يجوز بيعه سلما ، وما عن آخر من انه ما يجوز بيع بعضه ، ببعض ،

ترجع الى هذا المعنى ولا اختلاف بينهم بحسب المراد .

واورد على ذلك بايرادات ذكرناها مع اجوبتها في كتاب البيع ، كما انه قد ذكرنا

في ذلك الكتاب ما هو مقتضى الاصل عند الشك في المثلية والقيمية ، وما تقتضيه الادلة

الاجتهادية عند الشك فيهما ، وهي مسائل مهمة وفيها تحقيقات نافعة ، راجعها .

الثاني : لا خلاف بين الاصحاب في ان ضمان المثلي انما هو بالمثل ، والقيمي

بالقيمة ، واستفادة ذلك من الادلة انما هي من وجوه :

1.     ان مقتضى اطلاقات ادلة الضمان الواردة في المغصوبات والامانات المفرط

فيها وغير تلكم المقامية ، ايكال ما يجب رده الى ما هو المتعارف عند الناس ، ومن

المعلوم ان المتعارف عندهم رد العين مع بقائها ، ورد ما هو الاقرب اليها بعد عدم امكان

ردها ، والاقرب هو المثل ، لكونه تداركا للمالية والخصوصيات الفائتة التي تختلف بها

الرغبات . وفي صورة عدم امكان رده ايضا لعدم المماثل ، يراعى ما هو الاقرب الى

 

 

[ . . . ]

التالف بعد المثل ، هو القيمة من الاثمان ، لان غيرها مشتمل على خصوصيات غير

متمولة مغايرة لخصوصيات التالف ، ومعلوم ان غير المشتمل على الخصوصيات المغايرة

اقرب من المشتمل عليها .

وفي المقام وجوه اخر ذكرناها في كتاب البيع فراجع ، كما انه ذكرنا هناك جملة

من الفروع من قبيل انه اذا لم يوجد المثل الا باكثر من ثمن المثل ، وما لو سقط المثل

عن المالية او نقصت قيمتها ، ونحوهما .

 

حكم ما لو تعذر المثل في المثلي

 

الثالث : لو تعذر المثل في المثلي ، لا خلاف في وجوب رد قيمته ، لما بيناه من ان

الشئ اذا لم يكن مثله كثيرا مبذولا فهو قيمي ، من غير فرق بين التعذر في جميع

الاعصار او في عصر واحد ومن باب الاتفاق ، فالمثلي المتعذر مثله قيمي ، فللمالك

مطالبة القيمة لانه حقه . ولان للعين جهات ثلاثا - الخصوصية الشخصية ، والخصوصية

النوعية ، والحيثية المالية - فمقتضى الادلة وجوب رد جميعها على الاخذ ، فكما انه اذا

امتنع رد الخصوصية الشخصية لم يسقط وجوب رد الجهتين الاخيرتين ، كذلك اذا امتنع

رد الخصوصية النوعية لم يكن وجه لسقوط الجهة الثالثة ، فيجب رد القيمة من هذه

الجهة .

ويعضدهما ان منع المالك ظلم ، والزام الضامن بالمثل منفي بالتعذر ، فتجب

القيمة جمعا بين الحقين ، والآية الكريمة ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل

ما اعتدى عليكم ) ( 1 ) .

..........................................................................

( 1 ) سورة البقرة : آية 195 . ( * )

 

 

[ . . . ]

اذ الضامن اذا الزم بالقيمة مع تعذر المثل ، لم يعتد عليه ازيد مما اعتدى .

وتفصيل الكلام في ذلك كله موكول الى محله .

وعرفت مما ذكرناه انه وقع الخلاف بينهم في ان العبرة في قيمة المثل المتعذر

بقيمة اي يوم ، والوجوه المحتملة التي بعضها اقوال خمسة عشر ، الا ان ما امكننا ذكر

الوجه له عشرة . ومنشأ الخلاف الاختلاف في امرين :

احدهما : ان المدار في القيمي على قيمة يوم الغصب ، او قيمة يوم التلف ، او

أعلى القيم من يوم الاخذ الى يوم الدفع ، او الاعلى من يوم الاخذ الى يوم التلف ؟

ثانيها : انه بناء على الانتقال الى القيمة ، هل العين تصير قيمية ، او القدر

المشترك بينهما يكون قيميا ؟ وحيث ان المختار عندنا في القيميات ان العبرة انما هي

بقيمة يوم الدفع ، وعرفت آنفا ان العين المتعذر مثلها تصير قيمية ، وعرفت سابقا انه

في موارد الضمان مطلقا تكون العين في العهدة الى زمان الاداء ، فلا محالة يكون المدار

في المثل المتعذر مثله على قيمة يوم الدفع . واما سائر الاقوال ومداركها فمذكورة في

كتاب البيع مفصلا ، وذكرنا هناك انه لا فرق بين التعذر البدوي والطارئ كما بينا

الميزان في معرفة قيمة المثل ، والمراد من الاعواز والتعذر .

واذا كانت قيمة المثل في بلد المطالبة مخالفة لقيمته في بلد التلف ، فهل الاعتبار

ببلد المطالبة كما في المتن ، او ببلد التلف ، او يتخير المالك في التعيين ، او يتخير الضامن

فيه ؟ وجوه .

الظاهر أن المسألة تابعة لمسألة مطالبة المثل مع عدم تعذره ، وقد بينا في محله

ان الاظهر جواز المطالبة في كل مكان شاء المالك ، وعليه فالعبرة في المقام ببلد المطالبة .

ثم انه بعد ما عرفت من ان التالف اذا تعذر مثله يصير قيميا ، يظهر انه لو

دفع القيمة في المثل المتعذر مثله ثم تمكن من المثل لايعود المثل الى ذمته .

 

 

[ . . . ]

 

ضمان القيمي بالقيمة

 

الرابع : اتفقت كلماتهم على ان القيمي يضمن بالقيمة ، وقد بينا سابقا ان

الظاهر من حديث على اليد بقاء العين في العهدة ولو بعد التلف ، ويكون دفع المثل

او القيمة مسقطالها - كما اختاره جمع من المحققين - لكونه من مراتب رد العين . ولا

ينافيه النصوص الخاصة الواردة في رد القيمة ، فانها طائفتان :

منها : ما يدل على ان لواجد المال الولاية على ان يبيعه عن صاحبه من نفسه ،

ويبقى الثمن في الذمة ، مثل ما ورد ( 1 ) في الحيوان الملتقط ، ولقطة الطعام ، وما شاكل .

ومنها : ما ( 2 ) لا يستفاد منها ازيد من وجوب دفع القيمة حين الاداء ، وهذا يلائم

مع كون العين في العهدة ، والمدرك لمسقطية رد القيمة هو الاطلاق المقامي والاجماع ،

كما مر في المثلي .

واذا وجد المثل في القيمي ، فالمعروف بينهم كفاية رد القيمة . وعن الاسكافي

والمحقق وجوب رد المثل ، وظني انهما غير مخالفين للمشهور ، فان مورد كلامهما القرض ،

ولا يبعد فيه دعوى ان المتعارف الشرط الضمني برد المثل ولو في بعض الصفات ،

ويؤيد ما ذكرناه تصريح المحقق في الباب : وفي المقبوض بالعقد الفاسد بضمان القيمة .

فمدعى عدم الخلاف في كفاية رد القيمة مع تعسر المثل غير مجازف ، والاطلاق المقامي

بالتقريب المتقدم شاهد به .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 و 13 و 23 من ابواب اللقطة .

( 2 ) الوسائل باب 7 من ابواب الغصب . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

تعيين القيمة

 

وقد اختلفوا في ان المدار في القيمة ، على قيمة يوم القبض كما عن الاكثر ، ام

يوم التلف كما عن الشيخين واتباعهما بل عن الدروس نسبته الى الاكثر ، ام يوم الدفع

كما عن جمع من المحققين ، أو أعلى القيم من يوم الغصب الى يوم التلف كما في المتن ،

أو أعلى القيم من يوم القبض الى يوم الدفع ؟ ونخبة القول بالبحث في موردين :

الاول : فيما تقتضيه القاعدة .

الثاني : في مقتضى النصوص الخاصة .

اما الاول فمقتضى القاعدة هو الثالث ، فان معنى الضمان كما مر كون المال

في عهدته الى حين الاداء ، ومعنى ذلك وجوب تداركه ببدله عند الاداء ، حتى يكون

عند الاداء اداء وتداركا له .

ودعوى ان الغاصب وضع يده على ماله مع قطع النظر عن الخصوصية

الشخصية والصفات النوعية ، مالية خاصة متقدرة بقدر مخصوص ، فوجب عليه رده

بماله من الحيثيات اذا امكن الرد ، وان لم يمكن رد الخصوصية والصفات النوعية للتالف

وجب رد تلك المالية المخصوصة الواقعة تحت اليد ، ولا وجه لوجوب رد المراتب الاخر

من الماليات ، فانها ماليات واردة على ما هو تحت العهدة لا ان العهدة واردة عليها ،

وقد استدل بها للقول الاول .

مندفعة بان المالية المنتزعة من رغبة الناس وميلهم لا

تقع تحت اليد ولا تكون مضمونة كما مر ، مع انه لو تم هذا الوجه لاقتضى كون المدار

على اعلى القيم من يوم الغصب الى يوم التلف ، لان على اليد لا يختص بحدوث اليد

بل يشمل بقائها ، فكل زمان من ازمنة كون العين تحت اليد قد ازيلت فيه يد المالك ،

 

 

[ . . . ]

فوجب ان يغرم اكثرها .

واما الثاني ، فقد يقال ان النصوص الخاصة تدل على خلاف ذلك ، منها : صحيح

ابي ولاد ، قال : اكتريت بغلا الى قصر ابن هبيرة ذاهيا وجائيا بكذا وكذا وخرجت في

طلب غريم ، فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت ان صاحبي توجه الى النيل

فتوجهت نحو النيل ، فلما اتيت النيل خبرت انه توجه الى بغداد فاتبعته فظفرت به

ورجعت الى الكوفة ، الى ان قال : فاخبرت ابا عبد الله عليه السلام فقال : أرى له

عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة الى النيل ، ومثل كراء البغل من النيل الى

بغداد ، ومثل كراء البغل من بغداد الى الكوفة وتوفيه اياه . قال قلت : قد علفته بدراهم ،

فلي عليه علفه ؟ قال : عليه السلام لا لانك غاصب . فقلت : ارأيت لو عطب البغل او

نفق أليس كان يلزمني ؟ قال عليه السلام : نعم ، قيمة بغل يوم خالفته . قلت : فان اصاب

البغل كسر أو دبر أو عقر ؟ فقال عليه السلام : عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم

ترده عليه . قلت : فمن يعرف ذلك ؟ قال : انت وهو ، اما ان يحلف هو على القيمة

فيلزمك ، فان رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك ، أو يأتي صاحب البغل

بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك ( 1 ) الحديث ، ومحل

الاستشهاد فيه جملات ثلاث :

الاولى : قوله عليه السلام : نعم ، قيمة بغل يوم خالفته ، وقد استدل بها على ان

المدار على قيمة يوم الغصب بان اليوم قيد للقيمة ، لاضافة القيمة المضافة الى البغل

اليه ثانيا ، فيكون المعنى قيمة يوم المخالفة للبغل ، او لجعل اليوم قيدا للاختصاص

الحاصل من اضافة القيمة الى البغل .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من كتاب الغصب - حديث 1 - وباب 17 - من ابواب كتاب الاجارة حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ولكن : يرد على الوجه الاول انه ان اريد بذلك اضافة المضاف نفسه اليه ثانيا ،

ففيه انه لا يصح اضافة الشئ الواحد الى شيئين مرتين ، وبعبارة اخرى المضاف الى

شئ لا يضاف ثانيا . وان اريد به اضافة المجموع من المضاف والمضاف اليه ، ففيه ان

المجموع لتضمنه النسبة الاضافية التي هي من الحروف لا يضاف ، اذ المعنى الحر في

لا يقع ظرفا ، وبعبارة اخرى الاضافة من خواص الاسم والحرف لا يضاف .

واما الوجه الثاني ، فبعد تصحيحه بارادة قيدية اليوم للقيمة المضافة الى البغل ،

التى هي مضافا الى كونها معنى حدثيا في نفسها فانها ما يقوم بالشئ من المالية ، انه

لو سلم كونها معنى جداما بسبب الاضافة تتضمن معنى اشتقاقيا ، والا فالاختصاص

الحاصل من الاضافة معنى حرفي ، والعامل لابد وان يكون فعلا او شبه فعل .

يرده : ان لا معين لكون اليوم قيدا للقيمة ، ومن الممكن كون اليوم قيدا لنعم

الذي هو في قوة قوله يلزمك ، او يكون لفظ يلزمك مقدرا بعده فيكون اليوم حينئذ

وعاء توجه التكليف ، فيوم القيمة على هذا مسكوت عنه في الصحيح . او يكون قيدا

للبغل باضافة البغل اليه ، فيكون المقام من قبيل تتابع الاضافات ، فيكون المراد انه

حيث يكون للبغل بحسب الصفات والخصوصيات المتفاوتة بحسب الايام قيم مختلفة ،

ولا كلام في ان هذا الاختلاف مضمون في باب الضمان ، اذ الخلاف انما هو في القيمة

السوقية ، فيكون يوم المخالفة في الخبر اشارة الى قيمة يوم البغل حال كونه قويا -

فان التعب والهزال عرضه بعد الحركة العنيفة - لا لخصوصية في ذلك اليوم ، وهذا يجتمع

مع كون المدار على قيمة يوم التلف او يوم الدفع ، بان يلاحظ البغل على ما هو عليه

يوم المخالفة في وقت التلف او يوم الدفع ، فيقوم ذلك البغل في يوم الاداء او وقت

التلف ، فيكون الصحيح اجنبيا عن المقام . ومع تعدد الاحتمال وحصول الاجمال لا يتم

الاستدلال .

 

 

[ . . . ]

الجملة الثانية : قوله عليه السلام : أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان

قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا . وتقريب الاستدلال بها على ان الميزان قيمة يوم

المخالفة ما في مكاسب الشيخ الاعظم ره ، وهو ان اثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث

هو يوم الاكتراء لا جدوى فيه ، لعدم الاعتبار به ، فلا محالة يكون الغرض منه اثبات

قيمة يوم المخالفة بناء على انه يوم المخالفة ، لان الظاهر من الخبر مخالفته للمالك

بمجرد الخروج من الكوفة ، ومن المعلوم ان اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة انما

يكون يوم الخروج ، ومعلوم ايضا عدم اختلاف القيمة في هذه المدة القليلة .

وفيه : ان نكتة التعبير بيوم الاكتراء بعد فرض عدم كونه من حيث هو ميزانا

في هذا الباب انما هو وجود المكارين حينه دون سائر الاوقات ، وهذا كما يلائم مع كون

العبرة بقيمة يوم المخالفة يلائم مع كون الميزان قيمة يوم التلف أو يوم الاداء ، من جهة

عدم الاختلاف في مدة خمسة عشر يوما ايضا كما صرح هو قده به ، ويؤكد ذلك ان

الظاهر من الجملة الواردة لبيان معرفة تفاوت قيمة الصحيح والمعيب ، ان المقصود

تعيين اصل قيمة البغل من جهة الجهل بها ، بحيث لو علم قيمته في يوم ارتفع الاشتباه .

مع انه لو سلم الاختلاف ، بما ان هذه الجملة غير واردة لبيان حكم شرعي بل في مقام

بيان موضوع عرفي - كما يشهد له قول السائل : من يعرف ذلك ، الكاشف عن علم

السائل بما هو وظيفته الشرعية - فيمكن ان يقال : انه لو كان الميزان قيمة يوم الاداء

اذا عينت قيمة البغل في يوم المخالفة معرفة قيمته في يوم الاداء سهلة كما لا يخفى .

فهذه الجملة ايضا لا تدل على خلاف ما تقتضيه القاعدة .

الثالثة : قول عليه السلام في جواب السائل عن اصابة العيب : عليك قيمة ما

بين الصحة والعيب يوم ترده . وملخص القول فيها ان كلمة " يوم " ، اما ترجع الى

العيب ، فيكون مفادها ضمان العيب الفعلي ، فلا عبرة بحدوث العيب مع زواله عند

 

 

[ . . . ]

رده ، فالخبر اجنبي عن المقام . او ترجع الى قوله " عليك " فلا تعرض فيها ليوم هذه

القيمة . او ترجع الى القيمة ، ويراد رد الارش من قوله " يوم ترده " فتدل على ان العبرة

بقيمة يوم الرد . او ترجع اليها ، ويراد رد البغل ، فهي تدل على ان الميزان قيمة يوم

الاداء . فهذه الجملة ، اما تدل على مقتضى القواعد ، او لا تنافيه .

فالمتحصل انه لا يستفاد من الصحيح ما يخالف القاعدة الاولية .

ومنها : ما ورد ( 1 ) في باب الرهن الدال على انه اذا تلف الرهن بتفريط المرتهن

سقط من دينه بحساب ذلك .

قيل : فلولا ضمان التالف بالقيمة يوم التلف ، لم يكن وجه لسقوط الدين بمجرد

ضمان التالف ، ذكره الشيخ الاعظم ره .

وفيه مضافا الى انه ليس في نصوص الرهن عنوان السقوط بل فيها انهما

يترادان الفضل ، اذا كان لاحد الامرين من الرهن والدين عند تلفه فضل ، وانه اذا

كان يساوي ما رهنه فليس عليه شئ ، مع انه ايضا لا ينافي القاعدة بعد فرض ان

ادائها بعد التلف انما يكون بدفع القيمة بدلا او وفاء ، وان ذلك انما يكون باستيلاء

المالك على ذلك المقدار من المال للضامن ، فيوم الاداء في ذلك يوم التلف .

ومنها : ما ورد في عبد اعتق بعضه ، ففي خبر عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن

ابي عبد الله عليه السلام عن القوم ورثوا عبدا جميعا فاعتق بعضهم نصيبه منه ، هل

يؤخذ بما بقى ؟ فقال عليه السلام : نعم ، يؤخذ بما بقى منه بقيمة يوم اعتق ( 2 ) ونحوه

غيره .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الرهن .

( 2 ) الوسائل باب 18 - من كتاب العتق حديث 5 . ( * )

 

 

] ولو زاد للسوق لم يضمنها مع الرد ، ولو زاد للصفة ضمنها ، [

 

وفيه : انه من المحتمل كون قوله " يوم اعتق " قيدا ليؤخذ لا للقيمة ، وعليه فيدل

على ان زمان توجه التكليف انما هو من حين اعتق ، وساكت عن انه ما به الضمان هل

هو قيمة يوم التلف او يو الاداء .

فالمتحصل مما ذكرناه ان الاظهر بحسب الادلة ان الميزان قيمة يوم الاداء

والدفع مطلقا .

 

حكم ارتفاع القيمة السوقية والزيادة العينية

 

بقى في المقام فروع :

احدها : المعروف بين الاصحاب ان زيادة القيمة السوقية ليست مضمونة ،

بخلاف الزيادة العينية ، ( و ) عليه ف ( لو زاد للسوق لم يضمنها مع الرد ، ولو زاد

للصفة ضمنها ) . والوجه في ذلك : ان الصفة اذا زيدت تكون تابعة للمال ، وحيث انها

تحت يد الغاصب فمقتضى ادلة الضمان ضمانها ايضا . واما القيمة السوقية فاصلها

وترقيها ناشئان من كثرة الراغب وقلة الوجود ، كما ان عدمها وتنزلها ينشئان من كثرة

الوجود وقلة الطالب ، وهذا ليس شيئا يضمن ، لعدم كونه وصفا في العين كي يدخل

تحت اليد .

وقد استدل لضمانه تارة بحديث لا ضرر ( 1 ) واخرى بان دليل الضمان انما يدل

على التضمين والتغريم ، فلابد من رعاية الحيثية المالية .

ولكن يرد الاول ما مر من انه لا يدل على الضمان . والثاني انه لا يستفاد من

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 12 من احياء الموات . ( * )

 

 

] ولو تجددت صفة لا قيمة لها لم يضمنها ، ولو زادت القيمة لنقص بعضه

كالحب فعليه الارش . ولو زادت العين باثرها [

 

ادلة الضمان سوى رد العين بمالها من الخصوصيات مع امكانه ، وفي الفرض حيث ان

التالف رغبات الناس لا شئ من العين ، فالعين ترد بمالها من الخصوصيات .

ثانيها : ( ولو تجددت صفة لا قيمة لها لم يضمنها ) بلا خلاف ، اذ لا معنى

للضمان مع عدم القيمة لها وعدم كونها مثلية ، والفرض ان عينها لايمكن ردها .

ثالثها : ( ولو زادت القيمة لنقص بعضه كالجب فعليه الارش ) ، لعموم ما

دل على ثبوت الارش بالجناية .

 

زيادة العين بفعل الغاصب

 

التاسعة : ( ولو زادت ) قيمة ( العين باثرها ) ، فتارة يكون ذلك اثرا محضا لا عينا ،

كتعليم الصنعة ، وخياطة الثوب بخيوط المالك ، ونسج الغزل ، وطحن الطعام ، وما

شاكل . واخرى يكون عينا ، كما لو خاط ثوبه بخيوطه ، او صبغه بصبغه ، او زرع في

ارضه ، وهكذا .

اما في الصورة الاولى ، فلا اشكال في ان المالك يأخذ ماله ، ومع التلف مثل

التالف او قيمته مع ذاك الاثر ، فان الاثر اوجب زيادة قيمة العين وهي تابعة للعين ،

ولا شئ للغاصب على المالك ، فان مجرد عود نفع العمل الى المالك لا يكون موجبا

للضمان ، بل الضمان اما ان يكون لليد ، أو يكون للاتلاف ، أو من جهة الامر بالعمل ،

او من ناحية الاستيفاء بالاذن ، وشئ من تلكم لا يكون في المقام .

واما في الصورة الثانية ، فان لم يمكن اخذ الزيادة ، وكانت لا تعد عند العرف

شيئا في مقابل المغصوب منه ، فهي تالفة عرفا ، فالحكم فيها ما تقدم من غير فرق بين

 

 

[ . . . ]

ان يكون عين ما زيد من الغاصب نفسه ام لم يكن .

وفي المسالك في ما اذا كان العين للغاصب وحصلت في المغصوب منه ولم تنعدم

بحيث لا يكون هناك سوى الاثر ولم يمكن فصله ، قال الشهيد : يصير شريكا

للمغصوب منه ، لانه عين مال انضم الى ملك ، ثم ينظر ان كان قيمته مغصوبا مثل

قيمته وقيمة الصبغ كما اذا كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة وهو يساوي

بعد الصبغ عشرين ، ولم تتغير قيمتهما فهو بينهما بالسوية ، الى ان قال : وفي الاول وهو

ما اذا امكن فصله عن الثوب فللغاصب ازالته مطلقا مع ضمان الارش ان نقص .

وقيل : ان ادى فصله الى استهلاكه لم يجب الغاصب اليه ، لاستلزامه التصرف في مال

الغير بغير فائدة ، مع كونه متعديا في اصل الفعل . والاشهر اجابته ، لانه لولاه لزم منه

عدوان آخر وهو التصرف في مال الغير بغير حق ، اذ لا سبيل الى تملكه بعوض ولا

بغيره قهرا ، وبقاء الثوب في يد المالك ممنوعا من التصرف فيه لاجل الصبغ ضرر اخر ،

فكانت اجابته للغاصب اصلح ، وفيهما جمع بين الحقين ، فعلى هذا يجاب اليه ، انتهى .

ويرد عليه اولا : النقض بما اذا كان فعله موجبا لثبوت اثر محض ، فان لازم ما

افاده هو الشركة فيه ايضا ، فان تلك الهيئة الحاصلة في العين المغصوبة لها مالية ،

فالثوب قيمته مخيطا ازيد من قيمته غير مخيط والهيئة موجودة ، فلابد من البناء على

الشركة .

وثانيا : ان العين التي زيدت في المغصوب ان لم يمكن فصلها ، او امكن مع

استلزام الفصل خروجه عن المالية ، تكون ساقطة عن المالية ، وانما هي موجبة لازدياد

قيمة المغصوب ، لا ان المال المبذول يبذل مقدار منه بازاء المغصوب ومقدار زايد بازاء

ما زيد ، ومع سقوطها عن المالية لا يعتبرها العقلاء ملكا ومالا له ، فتخرج بذلك عن

ملكه فلا وجه للشركة . نعم ، فيما اذا لم يلزم من فصلها انتفاء قيمتها كلام سيأتي ان

 

 

] رجع الغاصب بها وعليه ارش النقصان ، [

 

شاء الله تعالى .

وبما ذكرناه يظهر انه لو كان الصبغ مغصوبا من غير مالك الثوب ، لا يصير

الثوب المصبوغ مشتركا بين المغصوب منهما ، بل الصبغ يعد تالفا عرفا ، فيكون

الغاصب ضامنا له لمالكه ، والثوب المصبوغ تمامه لمالك الثوب . فما في المسالك ايضا من

حصول الشركة بينهما ، ضعيف .

واما ان كانت الزيادة يمكن اخذها ولها مالية ، فالمشهور بين الاصحاب انه ي

( رجع الغاصب بها ) ولو نقصت قيمة العين ورد الاصل ، جمعا بين الحقين ( وعليه ارش

النقصان ) ان نقص المغصوب بأخذ الزيادة منه . وعن الاسكافي والمختلف والتنقيح

والمجلسي انه ليس للغاصب اخذ ما زاده بغير اذن المالك ، فان لم يرض ودفع قيمته

وجب على الغاصب قبوله .

ولكن لا اشكال في بقاء الزيادة على ملك الغاصب ، لان عدوانه لا يقتضي

اسقاط ماليتها ولا الملكية ، ولا اشكال ايضا في انه لا يوجب العدوان سلب سلطنة

المالك . فما عن المشهور من ان له اخذ الزيادة ورد الاصل ، وظاهره ذلك مع عدم رضا

المالك ، غير تام .

نعم ، للمالك المغصوب منه ذلك ، لخبر عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ابي

عبد الله عليه السلام عمن أخذ أرضا بغير حقها وبنى فيها ، قال عليه السلام : يرفع

بناؤه وتسلم التربة الى صاحبها ، ليس لعرق ظالم حق ( 1 ) .

واما ما افاده جمع من الاصحاب من انه ان لم يرض المالك ودفع قيمته وجب

على الغاصب قبوله ، فمضافا الى انه لا وجه له ، والاصل عدم وجوب القبول عليه ،

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 - من كتاب الغصب - حديث 1 . ( * )

 

 

] وليس له الرجوع بارش نقصان عينه ، ولو غصب عبد او جنى عليه بكمال

قيمته رده - الارش على قول ، بمساويه او باجود رده ، [

 

يشهد لعدم وجوب القبول خبر عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه السلام عن رجل

أتى ارض رجل فزرعها بغير اذنه ، حتى اذا بلغ الزرع جاء صاحب الارض فقال :

زرعت بغير اذني فزرعك لي وعلي ما انفقت ، له ذلك ام لا ؟ فقال عليه السلام : للزارع

زرعه ، ولصاحب الارض كراء ارضه ( 1 ) .

ولو اخذ الغاصب عين ماله باذن المالك ولزم منه نقصانه ( ليس له الرجوع

بارش نقصان عينه ) لانه جاء من قبله . ( و ) مما مر ظهر انه ( لو غصب عبدا وجنى

عليه بكمال قيمته رده مع الارش على قول ) .

 

حكم مزج المغصوب بغيره

 

( ولو امتزج المغصوب ) بغيره ، فتارة يكون بجنسه ، واخرى بغير جنسه . وعلى

الاول اما ان يكون ( بمساويه ) في الجودة والرداءة ، ( او باجود ) منه ، او بادنى .

فان خلطه بمساويه ، فان امكن التمييز كلف به و ( رده ) اي رد مال المغصوب

منه اليه وان شق - كما لو خلط الحنطة بالشعير ، او الحمراء منها بالصفراء - بلا خلاف ،

لوجوب رد العين حيث يمكن .

ولو لم يمكن التمييز ، فقد جزم الاكثر على ما في المسالك بانه يكون الغاصب

شريكا بنسبة المخلوط . واستدلوا له بان عين مال المالك موجودة في الجملة ، وغايته

انها ممتزجة بغيرها ، وذلك لا يخرجها عن ملكه . وبانه في ذلك ايصال المالك الى بعض

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 2 من كتاب الغصب حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

حقه بعينه والى بدل بعضه من غير زيادة فوت على الغاصب ، فكان اولى من ايصاله

الى بدل الجميع

ويمكن ان يقال تأييدا لما افادوه : ان الخلط ربما يكون بحيث يعد المالان بعد

المزج شيئا واحدا ، فيلزم منه الشركة القهرية بينهما ، ولا وجه لصيرورة الجميع ملكا

للمالك ، ولا للانتقال الى المثل أو القيمة ، فان ذلك فرع التلف غير المتحقق .

فما عن الحلي من انه ينتقل الى المثل ، لاستهلاك العين اذ لا يقدر على ردها لو

طلبه ، غريب ، فان الاستهلاك غير تعذر الرد ، مع انه لو تم دعوى الاستهلاك لا ريب

في ان الموجود اقرب الى التالف من المثل ، وقد عرفت انه متعين في باب الضمان .

واما ما في الرياض من ان لزوم القبول على المالك مشكل ، حيث يتعذر لعدم

قبوله بعذر موجه ، ككون ماله حلالا ومال الغاصب الممزوج به مشبوها او نحوه ، فان

ايجاب القبول حينئذ ضرر اي ضرر ، ونقله عن التنقيح ايضا .

فيرد عليه : ان مال الغاصب الممزوج به على الفرض ، محكوم شرعا بانه ماله

كسائر ما يوخذ من ايدي المكلفين ، مع ان لا ضرر لا يصلح لاثبات الخيار للمالك كما

مر . فالحق ترتب احكام المشترك على الموجود المتقدمة في كتاب الشركة .

وربما يكون بحيث لايعد المالان شيئا واحدا عرفا ، فالمال الموجود مختلط ،

والحكم فيه هو الصلح القهرى او القرعة على ما مر في محله .

وان خلطه باجود منه ، فمع عدم حصول الشركة فالحكم ما مر ، واما مع حصولها

بان عد المجموع شيئا واحدا ففيه قولان :

احدهما : ما هو المشهور ، وهو حصول الشركة بينهما ، وترتب احكامها المشار

اليها في الصورة السابقة .

ثانيهما : ما عن الشيخ في المبسوط والحلي ، وهو انه يتخير الغاصب في دفع القدر

 

 

] ولو كان بأدون ضمن المثل . [

 

من العين او غيرها .

وجه الاول : وجود عين مالك المالك المقتضي لتسلطه على الموجود وعدم

الانتقال الى المثل او القيمة ، والزيادة لا تقدح لانها زيادة صفة حاصلة بفعل الغاصب .

ووجه الثاني : استهلاك عين مال المالك اذ لا يقدر على الرد لو طلبه ، والتخيير

في الحقيقة راجع الى ضمان المثل ، لانه حينئذ لا ينحصر في العين وهي اجود مما يلزمه ،

فاذا بذلها وجب قبولها بطريق اولى ، ولان بعضها عين حقه وبعضها خير منه .

ولكن : يرد على الثاني اولا : ما تقدم من منع الاستهلاك .

وثانيا : ان الموجود لو كان بعضه عين حقه وبعضه خيرا منه ، فمضافا الى انه

ينافي ما ذكراه أولا من الاستهلاك ، حيث انه اقرب الى مال المالك هو المتعين دفعه .

وثالثا : انه لو سلم ان الموجود غير مال المالك ولا مثله ، فلا وجه لالزامه بقبوله ،

لان له ان لا يقبل الا ما هو حقه لا ما يكون اجود منه . فما افاده المشهور هو المنصور ،

الا ان لازم الشركة استحقاق الغاصب بمقدار اجودية ماله من مال المالك لا ازيد

منه ، فليست الزيادة حينئذ عائدة الى المالك حتى يعلل بما ذكر .

( ولو كان ) الخلط ( بادون ) ، ففيه اقوال :

1.     انه ي ( ضمن المثل ) وهو مشهور بينهم ، وعن التنقيح نفي الخلاف فيه .

2.     ما عن الروضة وفي المسالك ، وهو انه مخير بين ان يأخذ حقه من العين مع

الارش وبين أخذ المثل .

3.     التخيير بين أخذ حقه من العين بدون الارش واخذ المثل ، وهو ظاهر ما

نقله في الشرايع .

وجه الاول : استهلاك مال المالك ، وقد مر ما فيه .

وجه الثاني : ان حقه في العين لم يسقط لبقائها كما لو مزجها بالاجود ، والنقص

 

 

] وفوائد المغصوب للمالك . [

 

بالخلط يمكن جبره بالارش .

وفيه : ان لازم الوجه المزبور حصول الشركة لا الانتقال الى المثل ، مع انه لا

وجه للجبر بالارش ، بل يجبر النقص بالزيادة من نفس العين على ما هو مقتضى

الشركة ، وبذلك يظهر مدرك القول الثالث . فالمتجه حينئذ هو الوجه الرابع ، وهو

حصول الشركة .

وان كان الخلط بغير جنسه - كما اذا اختلط الزيت بالشيرج - فقيل : ان

المغصوب هالك ، لبطلان فائدته وخاصيته وباختلاط غير الجنس به ، فيضمن بالمثل .

وفيه : انه لو كان في الفرض شئ فهو الاستحالة دون الاستهلاك . فالاظهر فيه

الشركة ، كما قواه في محكي التذكرة ، لان مال المالك موجود فلا ينتقل الى المثل أو

القيمة .

 

فوائد المغصوب للمالك

 

العاشرة : ( وفوائد المغصوب للمالك ) له ، بلا خلاف ، لانها نماء ملكه ، فتكون

مضمونة عند الغاصب كالاصل ، سواء تجددت عنده ام لا ، اعيانا منفصلة كانت

كالولد ، او متصلة كالصوف والسمن ، او منفعة كاجرة سكنى الدار وركوب الدابة .

والاصل في ذلك كله حديث : على اليد ما اخذت حتى تودي ( 1 ) فان اليد كما

تكون على العين كذلك تكون على الفوائد حتى المنفعة ، ولا يختص الحديث بحدوث

اليد بل يشمل بقائها ، فكل زمان من ازمنة كون العين تحت اليد قد ازيلت فيه يد

..........................................................................

( 1 ) كنز العمال ج 5 ص 257 وسنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المالك ، فيجب ان يغرم العين وما يتبعها . والايراد على ضمان المنفعة بان الحديث مختص

بالاعيان ولا يشمل المنافع ، قدمر عند تقريب دلالة الحديث على الضمان ما ذكر في

وجه ذلك واندفاعه ، وعرفت ان الاظهر شموله للمنافع .

وان النماء ان بقي الى زمان رد العين ، يجب دفعه والا فقيمته ، وهو واضح .

واما المنفعة ، فان استوفاها الغاصب فيجب رد عوضها لما مر من ضمان المنفعة

المستوفاة ، وان لم يستوفها فيمكن ان يستدل لضمانها بوجهين :

احدهما : حديث على اليد بالتقريب المتقدم .

ثانيهما : قاعدة الاتلاف ، فان حبس العين ومنع مالكها عن الانتفاع بها اتلاف

لمنافعها عرفا .

واماما عن المحقق الخراساني ره من الاستدلال له بان من آثار ضمان العين

ضمان منافعها ، فالدليل على ضمان العين دليل لضمان المنافع : فان اريد به ما ذكرناه

من صدق الاستيلاء واليد على المنافع بالاستيلاء واليد على العين ، فهو يرجع الى

التمسك بحديث على اليد . وان اريد به ما افاده المحقق الايرواني ره من ان اداء العين

المجعول غاية للضمان لا يكون الا بادائها بمنافعها وفروعها ، فيرد عليه انه ان لم

يصدق اليد على المنافع باليد على العين ، لما كان يجدي شمول الحديث للعين في ضمانها ،

البيان .

فان قيل : ان صحيح ابي ولاد المتقدم الدال على ضمان منفعة البغل المستوفاة

دون غيرها ، دال على عدم ضمان المنفعة غير المستوفاة .

قلنا : انه لا يتصور منفعة للبغل تجتمع مع المنفعة المستوفاة ، فانه وان كان

يتصور له منفعة اخرى الا انها تضاد مع ما استوفاه . وبعبارة اخرى : كان للبغل منافع

 

 

[ . . . ]

مختلفة على سبيل البدل وحيث انه استوفى واحدة منها ولم يكن هناك فائدة اخرى

يمكن استيفائها فائتة ، كان عليه ضمان تلك المنفعة خاصة ، مع انه عليه السلام في

الصحيح في مقام الرد على ابي حنيفة وبيان ان عليه كرى البغل ، وليس في مقام بيان

احكام اخر .

وربما يستدل لعدم ضمانها بقوله عليه السلام : في الامة المبتاعة اذا وجدت

مسروقة بعد ان اولدها المشتري : يأخذ الجارية صاحبها ، ويأخذ الرجل ولده

بالقيمة ( 1 ) بتقريب انه يدل على ضمان المنفعة المستوفاة ، وساكت عن ضمان غيرها في

مقام البيان .

وفيه : ان الخبر وارد في مقام بيان منفعة واحدة ، وانه يكون الولد حر او عليه

قيمته ، ولذا لم يتعرض لبيان المنافع المستوفاة الاخر من الطبخ والتنظيف وغيرهما ، بل

ولا لاشتغال ذمة المشتري بالوطء مع انه منفعة استوفاها . اضف الى ذلك ان تلك

المنفعة التي حكم بضمانها منفعة لم يستوفها المشتري بل اتلفها ، كما لا يخفى .

ومما ذكرناه ظهر الجواب عن الاستدلال لعدم الضمان بصحيح محمد بن قيس

الوراد فيمن باع وليدة ابيه بغير اذنه ، قال عليه السلام : الحكم ان يأخذ وليدته وابنها ( 2 )

بتقريب انه ساكت عن المنافع الفائتة . فالحق هو ضمان المنفعة ولو لم يستوفها .

ومما ذكرناه ظهر انه لو كانت للعين منافع مختلفة ، انما يضمن الغاصب اكثرها

قيمة دون الجميع ، فتقوم اجارة تلك العين بجميع منافعها فيضمنها الغاصب ، كما هو

واضح .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 88 من ابواب نكاح العبيد والاماء حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 88 من ابواب نكاح العبيد والاماء حديث 1 . ( * )

 

 

] ولو اشتراه جاهلا بالغصب رجع بالثمن على الغاصب وبما غرم عوض عما

لا نفع في مقابلته او كان على اشكال ، ولو كان عالما فلا رجوع بشئ . ولو

زرع في المغصوب كان الزرع له وعليه الاجرة . [

 

وقد مر مفصلا في كتاب البيع ( و ) في بعض المسائل المتقدمة في هذا الكتاب

انه ( لو اشتراه ) اي المغصوب ( جاهلا بالغصب رجع بالثمن على الغاصب و ) كذا

( بما غرم عوضا عما لا نفع في مقابلته او كان على اشكال . ولو كان عالما فلا رجوع

بشئ ) .

 

الزرع لمالك البذر

 

( و ) ايضا قد ظهر مما قدمناه انه ( لو زرع الغاصب كان الزرع له وعليه

الاجرة ) . ويشهد به - مضافا الى ما مر ، والى انه نماء ملك الزارع وهو البذر فيتبعه في

الملك ، وان الارض كالماء والهواء والشمس من المعدات لصيرورة البذر زرعا ثم حبا

بالتدريج - خبر عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه السلام عن رجل أتى ارض رجل

فزرعها بغير اذنه ، حتى اذا بلغ الزرع جاء صاحب الارض فقال : زرعت بغير اذني

فزرعك لي وعلي ما انفقت ، أله ذلك ام لا ؟ فقال عليه السلام : للزارع زرعه ، ولصاحب

الارض كراء ارضه ( 1 ) ونحوه غيره .

وعن ابن الجنيد ان لصاحب الارض ان يرد ما خسره الزارع ، لقوله عليه

السلام : من زرع في ارض قوم بغير اذنهم ، ليس له من الزرع شئ وعليه نفقته ( 2 ) .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الغصب حديث 1 .

( 2 ) التذكرة ج 2 ص 392 . ( * )

 

 

] والقول قول الغاصب في القيمة مع اليمين وتعذر البينة [

 

وفيه : ان الخبر لم تثبت صحته كما ذكره الاصحاب ، ولم يعمل به احد غيره ،

وهو مع ذلك معارض بما تقدم ، وبموثق محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام في

رجل اكترى دارا وفيها بستان ، فزرع في البستان وغرس نخلا واشجارا وفواكه وغير

ذلك ، ولم يستأمر صاحب الدار في ذلك ، قال عليه السلام : على الكراء ، ويقوم صاحب

الدار الزرع والغرس قيمة عدل ويعطيها الغارس ان كان استأمره في ذلك ، وان لم

يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء وله الزرع والغرس ويقلعه ويذهب به حيث شاء ( 1 )

والترجيح للخبرين .

وايضا قدمر ان لصاحب الارض ازالة الزرع والحرث ولو قبل اوان بلوغهما

ويشهد به ما مر ، وخبر عبد العزيز بن محمد الدراوردي - المتلقى بالقبول - عن ابي

عبد الله عليه السلام عمن أخذ ارضا بغير حقها وبنى فيها ، قال عليه السلام : يرفع

بنائه وتسلم التربة الي صاحبها ليس لعرق ظالم حق ( 2 ) الحديث .

وله ان يلزمه بالازالة ، وطم الحفر ، والارش ان نقصت بالقطع او الزرع ، لانه

نقص اورده الغاصب ومنفعة اتلفها . وهل له الارش لو تصدى بنفسه بالازالة ام لا ؟

الظاهر ذلك اذا كان النقص حاصلا بالزرع كما هو ظاهر ، واما ان كان حاصلا بالقلع

ففيه وجهان ، من كونه الموجد للنقص ، ومن ان سببه الزرع ، والله العالم .

الحادي عشرة : ( ولو تلف المغصوب واختلفا في القيمة ، فعن المبسوط والخلاف

والحلي والمحقق والمصنف ره والشهيدين وكثير من المتأخرين بل عامتهم ، ان ( القول

قول الغاصب في القيمة مع اليمين وتعذر البينة ) . وعن النهاية والمقنعة بل قيل عن

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب كتاب الغصب حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب الغصب حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الاكثر ان القول قول المغصوب منه .

واستدل للاول بان الغاصب منكر للزيادة ، وللمالك يدعيها ، والاصل عدمها .

وفيه : ان ذلك وان تم بحسب موازى باب القضاء ، الا ان صحيح ابي ولاد

المتقدم - قلت : فمن يعرف ذلك ؟ قال عليه السلام : انت وهو اما ان يحلف هو على

القيمة فيلزمك ، فان رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك ، او يأتي صاحب

البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك ، الحديث ( 1 ) -

يدل على تقديم قول المالك مع الحلف ، وتخصص القاعدة العامة به ، وهذا التخصيص

موافق للاعتبار اذ من شوون اخذ الغاصب باشق الاحوال عدم قبول قوله ما لم يرد

الحلف عليه ، وان لا يطالب منه شئ من موازين القضاء بل يوجه الخطاب الى المالك ،

ويكون الحلف وظيفته وكذا رد اليمين اللذان هما وظيفة المنكر في غير باب الغصب ،

والبينة ايضا وظيفته كما هي وظيفة المدعي في كل باب ، فيكون مع تعذر البينة قوله

مقدما مع الحلف ، بل الصحيح يدل على تقديم قوله مع اليمين وان امكنه اقامة البينة .

فان قيل : ان الصحيح في مقام بيان طريق معرفة القيمة من دون فرض

مخاصمة ، وقضية البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه انما هي في المخاصمات ،

وذلك من جهة ظهور السؤال والجواب في ذلك ، حيث ان السؤال انما يكون عن

العارف واجاب عليه السلام بانه : اما ان يحلف المالك لمعرفته بقيمة بغله ، أو ان تحلف

انت من جهة كونه عندك في مدة ، او يقيم المالك البينة لو لم تعرف انت ولم يعرف هو .

فالصحيح غير مربوط بباب النزاع والخصومة ، كما عن جمع من المحققين كاليزدي

والاصفهاني والايرواني .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الغصب حديث 1 . ( * )

 

 

] الفصل الحادي عشر : في احياء الموات . لا يجوز التصرف في ملك الغير

بغير اذنه ولو فيما فيه صلاحه كالطريق والنهر والمراح [

 

قلنا : انه يوهن ذلك قوله " فيلزمك " وقوله " لزمه " اذ الملزم انما هو حلف من

وظيفته بحسب الجعل الالهي ذلك لا حلف كل احد وان توافق الطرفان عليه .

فالاظهر ان القول قول المالك مع يمينه ، ومع ذلك او اقام البينة تسمع منه .

 

الفصل الحادي عشر : في احياء الموات

 

والمراد بالموات الاراضي غير المنتفع بها ، لعطلتها باستيجامها ، او عدم الماء

عنها ، او استيلاء الماء عليها بحيث تعد مواتا عرفا . وقد استوفينا البحث في أقسام

الاراضي وما يملك منها بالاحياء وما لا يملك ، وحكم الموت العارض بعد كونها عامرة ،

وغير ذلك مما يرجع الى الاراضي في كتاب البيع والمكاسب المحرمة وكتاب الخمس .

ومما ذكرناه هناك يظهر ان الاحياء لا يختص بالبناء بل قد يكون به ، وقد يكون

بالزراعة والغرس ، وقد يكون باحداث الطريق والنهر والمراح وما شاكل ، وفي جميع

هذه الموارد تصير الارض ملكا للمحيي مع الشرائط المذكورة في تلك الكتب .

وانما الكلام في المقام في مسائل :

الاولى : ( لا يجوز التصرف في ملك الغير بغير اذنه ) كما مر في كتاب

الغصب ، ( ولا فيما فيه صلاحه ) اي صلاح المملوك ، ويحتاج اليه من مرافقه وحريمه

( كالطريق ) المسلوك اليه ( والنهر ، والمراح ) اي مأوى الابل والغنم ، لاتحاد الدليل .

 

 

] وحد الطريق المبتكر في المباحة مع المشاحة سبع اذرع [

 

بيان حد الطريق

 

( و ) في ( حد الطريق المبتكر ) والمراد به الملك المحدث ( في المباحة مع المشاحة )

خلاف ، فعن النهاية والحلي والمصنف هنا وفي المختلف والتحرير وفخر الاسلام

والشهيدين وغيرهم ، وفي الرياض : بل لعله المشهور بين الطائفة ، ان حده ( سبع

اذرع ) . وفي الشرايع والنافع وعن القواعد وعن ولد الماتن انه نقله عن كثير من

الاصحاب ، انه خمس اذرع . ومنشأ الاختلاف اختلاف الاخبار :

فان منها ما يدل على الاول ، كقوي السكوني عن ابي عبد الله عن رسول الله

صلى الله عليه وآله في حديث : والطريق يتشاح اليه اهله فحده سبع اذرع ( 1 ) ومثله

خبر مسمع اخي عبد الملك عنه عليه السلام ( 2 ) .

ومنها ما يدل على الثاني ، كموثق ابي العباس البقباق عن ابي عبد الله عليه

السلام : بل خمس اذرع ( 3 ) .

وهما متعارضان ، والترجيح للطائفة الاولى للشهرة التي هي اول المرجحات .

والظاهر من النصوص عدم اختصاص هذا التحديد بالمبتكر ، بل هو حد

للطريق مطلقا ، كما عن جماعة من المحققين من المتأخرين منهم المحقق القمي ره .

وحق القول في المقام : ان الطريق قد يكون ملكا لشخص كما لو احدثه في

ارض موات ، وهو على قسمين : اذ قد يشتري من شخص داره أو بستانه او ما شاكل

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 11 من كتاب احياء الموات حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 11 - من كتاب احياء الموات حديث 6 .

( 3 ) الوسائل باب 15 من ابواب كتاب الصلح حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ويجعله طريقا الى املاكه ، لا اشكال في ان الحد المذكور غير مربوط به ، بل انما

التحديد لغيره . وقد يحدثه في ارض موات فحده ما ذكر ، وان كان فيه خلاف آخر ، وهو

انه هل يصير الطريق ملكا له بتبع ملك ما جعل طريقا اليه ام لا ؟ وقد مر الكلام فيه .

وهذا الحكم الذي ذكرناه فيما اذا كان الطريق ملكا لشخص ، يجري فيما لو يكن ملكا

له ولكن كان ذلك حريما لملكه .

وقد لا يكون ملكا لشخص خاص ولا حريما لملكه ، بل كان شارعا عاما معدا

لمصالح القاطنين ، وهو ايضا على قسمين : اذ تارة يختص بطائفة خاصة ، والظاهر ان

حده ما مر . وقد يكون غير مختص بشخص ولا طائفة - كالشوارع العامة في البلدان

- فحده حينئذ ما يحتاجون اليه ، فقد يكون في هذه الازمنة يحتاجون الى شارع يبلغ

مائة ذراع ، وعلى الجملة الميزان في ذلك رعاية مصلحة الاجتماع ، وما يتوقف عليه حفظ

النظام . والظاهر ان الحد المذكور غير مربوط به ، كما يشهد به موثق البقباق عن الامام

الصادق عليه السلام ، قال قلت له : الطريق الواسع هل يؤخذ منه شئ اذا لم يضر

بالطريق ؟ قال عليه السلام : لا ( 1 ) .

وفي هذه الطرق التصرف المنافي للتطرق لا يجوز . واما غير المنافي له ، كالوقوف

في الطريق والجلوس ، بل المعاملة والتظليل على موضع الوقوف ، بل بناء الدكة بحيث

لاتضر المارة ، واخراج الجناح والروشن وما شاكل ، فلا محذور فيه ، لعدم كونها ملكا

لشخص او اشخاص كي لا يجوز مطلق التصرف فيها ، والله العالم .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 27 من ابواب عقد البيع وشروطه حديث - 1 . ( * )

 

 

] وحريم بئر المعطن اربعون ذراعا ، والناضح ستون ذراعا [

 

بيان حريم البئر

 

( وحريم بئر المعطن ) وهو والعطن واحد الاعطان والمعاطن ، وهي مبارك الابل

عند الماء لتشرب ( ربعون ذراعا ) من الجوانب الاربعة ( و ) حريم بئر ( الناضح

ستون ذراعا ) كذلك على المشهور بين الاصحاب .

وقيل : ان الحريم في البئر مطلقا ما يحتاج اليه في السقي ، ومنها وقوف الناضح

والدولاب ، وتردد البهايم ، ومصب الماء ، والموضع الذي يجتمع فيه لسقي الماشية والزرع

من حوض وغيره ، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه بحسب العادة .

واما النصوص فهي مختلفة :

منها : ما يدل على القول الاول ، كخبر عبد الله بن معقل ان النبي صلى الله

عليه وآله وسلم قال : من احتفر بئرا فله اربعون ذراعا حولها لمعطن ماشيته ( 1 ) .

وخبر مسمع بن عبد الملك عن الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى

الله عليه وآله : ما بين بئر المعطن الى بئر المعطن اربعون ذراعا ، ومابين بئر الناضح

الى بئر الناضح ستون ذراعا ، وما بين بئر العين الى بئر العين خمسمائة ذراع ( 2 ) الحديث ،

ونحوه قوي السكوني الا انه اضاف اليه بعد قوله العين : يعني القناة ( 3 ) .

ومنها : ما يدل على ان حريم البئر اربعون ذراعا مطلقا ، كصحيح حماد بن

عثمان عن ابي عبد الله عليه السلام : حريم البئر العادية اربعون ذراعا حولها ( 4 ) .

..........................................................................

( 1 ) التذكرة ج 2 ص 413 .

( 2 ) الوسائل باب 11 من كتاب احياء الموات حديث 6 .

( 3 ) الوسائل باب 11 من كتاب احياء الموات حديث 5 .

( 4 ) الوسائل باب 11 من كتاب احياء الموات حديث 1 .

 

 

[ . . . ]

وما رواه الصدوق ، قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان البئر

حريمها اربعون ذراعا ، لا يحفرالى جانبها بئر اخرى لعطن او غنم ( 1 ) .

ومنها : ما يدل على انه خمسون ذراعا ، كخبر وهب عن جعفر بن محمد عن ابيه :

ان علي بن ابي طالب عليه السلام كان يقول : حريم البئر العادية خمسون ذراعا ، الا

ان يكون الى عطن او الى طريق فيكون اقل من ذلك الى خمسة وعشرين ذراعا ( 2 ) .

ومنها : ما يدل على ان الحد في الارض الصلبة خمسمائة ذراع ، وفي الرخوة الف

ذراع ، كخبر عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه السلام : يكون بين البئرين اذا كانت

ارضا صلبة خمسمائة مائة ذراع ، وان كانت ارضا رخوة فالف ذراع ( 3 ) .

والحق في الجمع ان يقال : اما الاخير فهو يختص ببئر العين اي القناة ، واما ما

قبله فضعيف السند ، واما صحيح حماد ومرسل الصدوق فمطلقان يقيد اطلاقهما

بالنصوص المفصلة . وعليه فما افاده المشهور اظهر .

ثم ان ذلك يختص بالبئر في الارض المات ، واما في المملوكة فلا حد لها ، لورود

النصوص في ذلك المورد . قال في المسالك : ونسبة البئر الى العادية اشارة الى احداث

الموات ، لان ما كان في زمن عاد وما شابهه فهو موات غالبا ، وخص عادا بالذكر لانها

في الزمان الاول كان لها آبار في الارض فنسب اليها كل قيدم ، انتهى .

ثم ان بعض النصوص والفتاوى وان اختص بحفر بئر اخرى ، الا ان الظاهر

انه لايجوز لاحد احياء المقدار المزبور بغير حفر البئر ايضا - كزرع أو شجر او

نحوهما - لا طلاق بقية النصوص .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب احياء الموات حديث 7 .

( 2 )الوسائل باب 11 من أبواب احياء الموات حديث 8 .

( 3 )الوسائل ج 17 باب 11 من إحياء الموات ، حديث 3 . ( * )

 

 

] والعين في الرخوة الف ، وفي الصلبة خمسمائة . [

 

بيان حريم العين

 

( و ) حريم ( العين ) والقناة ( في ) الارض ( الرخوة الف ) ذراع ، ( وفي ) الارض

( الصلبة خمسمائة ) على المشهور بين الاصحاب . وعن الاسكافي ان حد ذلك ان لا

يضر الثاني بالاول ، ونفي عنه البأس في محكي المختلف ، وجعله في المسالك اظهر ،

واختاره صاحب الكفاية ، وقواه المحقق القمي ره .

يشهد للاول خبر عقبة بن خالد - المنجبر بما عرفت وبرواية المشايخ الثلاثة

- عن ابي عبد الله عليه السلام : يكون بين البئرين اذا كانت ارضا صلبة خمسمائة ذراع ،

وان كانت ارضا رخوة فألف ذراع ( 1 ) . وبه يقيد اطلاق خبري مسمع والسكوني

المتقدمين الدالين على ان حده خمسمائة ذراع ، كما انه يقيد اطلاق مرسل محمد بن

حفص عن رجل عن الامام الصادق عليه السلام : يكون بين العينين الف ذراع ( 2 ) .

وللثاني صحيح محمد بن الحسين : كتب الى ابي محمد عليه السلام رجل كانت

له قناة في قرية ، فاراد رجل ان يحفر قناة اخرى الى قرية له ، كم يكون بينهما في البعد

حتى لا تضر احداهما بالاخرى في الارض اذا كانت صلبة او رخوة ؟ فوقع عليه

السلام : على حسب ان لا تضر احداهما بالاخرى ان شاء الله تعالى ( 3 ) ونحوه خبر

محمد بن علي بن محبوب ، قال : كتب رجل الى الفقيه ، وذكر الحديث ( 4 ) .

وخبر عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل اتى جبلا فشق فيه

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 11 - من كتاب احياء الموات حديث 3 .

( 2 ) الوسائل - باب 13 من كتاب احياء الموات حديث 1 .

( 3 - 4 ) الوسائل باب 14 من كتاب احياء الموات حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

قناة ، فذهبت قناة الاخرى بماء قناة الاولى ، فقال عليه السلام : يتقايسان بحقايب

البئر ليلة ليلة ، فينظر ايتها اضرت بصاحبتها ، فان رأيت الاخيرة اضرت بالاولى

فلتعور ( 1 ) ورواه في الوسائل عن الصدوق ، قال : وزاد : وقضى رسول الله بذك ، وقال :

ان كانت الاولى اخذت ماء الاخيرة لم يكن لصاحب الاخيرة على الاول سبيل ( 2 ) .

وخبره الآخر عنه عليه لسلام في رجل احتفر قناه وأتى لذلك سنة ، ثم ان رجلا

احتفر الى جانبها قناة ، فقضى ان يقاس الماء بحقايب البئر ، ليلة هذه وليلة هذه ، فان

كانت الاخيرة اخذت ماء الاولى عورت الاخيرة ، وان كانت الاولى اخذت ماء

الاخيرة لم يكن لصاحب الاخيرة على الاولى شئ ( 3 ) .

ومورد هذه الاخبار الثلاثة الاخيرة وان كان في القريتين ، الا انها تدل على ان

الميزان هو الضرر ، وانه لا عبرة بالقدر المعين . واما خبر عقبة الذي هو مدرك القول

الاول فهو في البئر وهو غير محل النزاع ، وحمله على العين وان كان ممكنا الا انه يحتاج

الى دليل ، وفهم المشهور لا يصلح قرينة عليه ، وعليه فالقول الثاني اظهر . ولو سلم

شموله لما هو محل النزاع ، وكذا النصوص المطلقة ، فيمكن الجمع بين الطائفتين بحمل

النصوص الاول على صورة عدم معرفة الضرر ، وان ما فيها مجعول طريقا للضرر

وعدمه ، ويؤيده مناسبة الحكم والموضوع .

ثم ان النصوص سيما ما اعتمدنا عليه في الحكم مختصة بالقناة في الارض

الموات ، واما القناة في المعمورة فالظاهر انه لا خلاف في ان لصاحب الارض المعمورة

المملوكة ان يحفر قناة في ملكه وان تضرر صاحب القناة الاخرى ، وانه لاحدلها ، ولا

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 16 من كتاب احياء الموات حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 16 من ابواب كتاب احياء الموات حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 16 - من ابواب كتاب احياء الموات حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

يعتبر الفصل بينهما بمقدار لا يضر الثانية بالاولى ولا بالازرع . وعلى الجملة المعروف

بينهم ان التحريم مختص بالاراضي المباحة ، واما في الاملاك المتجاورة فلا حريم ،

لقاعدة السلطنة ( 1 ) .

والتحقيق يقتضي ان يقال : انه تارة نقول بان من حفر قناة كما يملك الارض

يملك ما فيها من المياه ، اما لان من ملك ارضا ملك قرارها الى تخوم الارض وفراغها

الى عنان السماء ، لو لان الاحتفار حيازة لما فيها من المياه . فيحنئذ يتعين البناء على

عدم جواز حفر قناة اخرى في ملك الحافر ان اضرت بالاولى ، ولا تصلح قاعدة

السلطنة لاثبات الجواز ، فانها لا تدل على جواز التصرف في ملك الغير ، وهل التمسك

بها في المقام الا كالتمسك بها لاثبات جواز ان يذبح بمديته غنم الغير ، بدعوى انه

مسلط على مديته يتصرف فيها ما شاء .

واما لو انكرنا ذلك ، وقلنا بان من ملك ارضا وان كان يملك مقدارا من الفراغ

الذي يتوقف عليه تصرفاته في ارضه ، ولمقدار آخر منه بتبعية الارض بمنزلة الحريم لها ،

ومقدارا من قرارها كذلك ، ولا يملك ما تجاوز عن ذينك الحدين كما هو الاظهر ، وبنينا

على ان الحيازة المملكة لا تصدق على حفر القناة بالاضافة الى المياه الموجودة في

عروق الارض ، وان ادعاه المحقق القمي ره كما هو الصحيح ، فالظاهر تمامية

الاستدلال بقاعدة السلطنة على المال والنفس والعمل لجوازه .

ويبقى الكلام حينئذ في حديث لا ضرر ( 2 ) الحاكم على قاعدة السلطنة ،

كحكومته على جميع الادلة الاولية . ونخبة القول فيه : انه تارة يتضرر المالك من عدم

..........................................................................

( 1 ) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم 2 ص 272 الطبع الحديث .

( 2 ) الوسائل - باب 12 من احياء الموات وباب 17 من ابواب الخيار . ( * )

 

 

] ويحبس النهر [

 

حفر القناة ، واخرى لا يتضرر ولكن تفوت منه المنفعة ، وثالثة لا يتضرر بترك الحفر

ولا تفوت منه المنفعة به .

اما في الصورة الاولى فلا توقف في جواز الحفر ، لان الزامه بتحمل الضرر

وحبسه عن ملكه لئلا يتضرر الغير حكم ضرري منفي ، ولا مورد حينئذ لملاحظة اقل

الضررين .

واما في الصورة الثالثة فلا كلام في عدم جواز الحفر ، لان تجويز ذلك حكم

ضرري ، ولا ضرر في منع المالك عن هذا التصرف ، ولا تصلح قاعدة السلطنة لمعارضة

حديث لاضرر ، لمحكوميتها بالنسبة اليه .

وما في الصورة الثانية فالمشهور الجواز ، ويشهد به ان حبس المالك عن

الانتفاع بملكه وجعل الجواز تابعا لتضرر الجار حرج عظيم ، ولا يعارضه تضرر الجار ،

لعدم وجوب تحمل الحرج والضرر لدفع الضرر عن الغير ، كما يدل عليه تجويز

الاضرار مع الاكراه .

وفائدة هذا الحريم منع الغير من احداث عين اخرى ، بخلاف حريم البئر

المتقدم ، فان فائدته كما مر منع الغير من احياء ذلك المقدار مطلقا حتى بالزرع

والشجر ، والفرق ان الحريم هناك للانتفاع بالبئر فيما اعد له وما يحتاج اليه عادة كما

مر ، وفي المقام عدم انتقال ماء العين الاولى الى الثانية ،

 

لو لم يف النهر المباح المجتمع عليه املاك

 

الثانية : اذا تشاح وتنازع اهل الوادي في مائه ، فان كان الماء ملكا لهم فيقسم

الماء على قدر انصبائهم فيه ، ( و ) ان لم يكن ملكا لهم بل كان بماحا ( يحبس النهر

 

 

] للاعلى الى الكعب في النخل وللزرع الى الشراك ، ثم كذلك لمن هو دونه . [

 

للاعلى ) الذي يلي فوهة الارض - بضم الفاء - وهو اصله ( الى الكعب في النخل ،

وللزرع الى الشراك ) وهو اسفل منه بقليل ( ثم كذلك لمن هو دونه ) وهكذا ، بلا

خلاف في اصل الحكم مطلقا ، استضر الثاني بحبس الاول ام لا ، كما في الرياض ، وفي

المسالك الاجماع عليه .

والمستند جملة من النصوص ، لاحظ خبر غياث بن ابراهيم عن الصادق عليه

السلام : قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في سيل وادي مهزور للزرع الى الشراك ،

وللنخل الى الكعب ، ثم يرسل الماء الى اسفل من ذلك . قال ابن ابي عمير : ومهزور

موضع واد ( 1 ) .

وخبره الآخر عنه عليه السلام : قضى رسول الله في سيل وادي مهزور ان يحبس

الاعلى على الاسفل ، للنخل الى الكعبين ، وللزرع الى الشراكين ( 2 ) .

وخبر عقبة بن خالد عنه عليه السلام : قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في

شرب النخل بالسيل ان الاعلى يشرب قبل الاسفل ، يترك من الماء الى الكعبين ثم

يسرح الماء الى الاسفل الذي يليه وكذلك حتى ينقضى الحوائط ويفنى الماء ( 3 ) ونحوها

غيرها .

واما ما عن المبسوط والسرائر : روى اصحابنا ان الاعلى يحبس الى الساق

للنخل وللشجر الى القدم وللزرع الى الشراك ، وعليه اكثر الاصحاب ، فلا ينافي ما مر

فان الكعب هو المفصل بين القدم وعظم الساق ، فيكون قوله الى القدم كناية عن

..........................................................................

 ( 1 ) الوسائل باب 8 من ابواب احياء الموات حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب احياء الموات حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 8 من ابواب احياء الموات حديث 5 . ( * )

 

 

] وللمالك ان يحمي المرعى في [

 

منتهى الكعب ، فموافق الطائفتان والقولان . نعم ، في القول الثاني والاخبار الثانية

اضيف الشجر ولم يذكر في الاولى ، ولا تنافي بينهما من هذه الجهة ايضا ، فلا خلاف بين

الاصحاب ولا بين الروايات .

ومقتضى اطلاق النصوص عدم الفرق بين سبق الاعلى في احياء الارض التي

يراد سقيها وبين لحوقه . وعن الشهيدين وجماعة اختصاص الحكم بما لو كان الاعلى

سابقا في احياء الارض ، او كان السابق مجهولا ، واما اذا كان المتأخر سابقا في الاحياء

فهو يقدم ، لتقدم حقه في الماء بالاحياء . واستوجهه الفاضل الخراساني ره قائلا : ان

الروايات الدالة على تقديم الذي يلي فوهة النهر لا عموم لها بحيث يشمل

هذا القسم . ولكن ثبوت حقه في الماء المباح الجاري من الاعلى باحياء الارض يحتاج

الى دليل ، وعدم العموم لا يضر بعد وجود الاطلاق . فالاظهر عدم الاختصاص .

قال في المسالك : ان اطلاق النص والفتوى لسقي الزرع والشجر بذلك

المقدار محمول على الغالب في ارض الحجاز من استوائها وامكان سقي جميعها كذلك .

فلو كانت مختلفة في الارتفاع والانخفاض ، بحيث لو سقيت اجمع كذلك زاد الماء في

المنخفضة عن الحد المشروع ، افرد كل واحد بالسقي بما هو طريقه ، توصلا الى متابعة

النص بحسب الامكان ، ولو كانت كلها منحدرة لم يقف الماء فيها كذلك سقيت بما

تقتضيه العادة ، وسقط اعتبار التقدير الشرعي لتعذره ، انتهى .

 

جواز حماية المرعى للمالك

 

الثالثة : لا خلاف ( و ) لا اشكال في انه يجوز ( للمالك ان يحمي المرعى في

 

 

] ملكه . وللامام ( عليه السلام ) مطلقا . [

 

ملكه ) خاصة ، ولا يجوز ان يحمي بقعة من الموات لمواش بعينها ويمنع سائر الناس

من الرعي فيها ، وانما كان ذلك جائزا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة لانه

أولى بالمؤمنين من انفسهم ولكنه لم يفعل ، ( و ) كذا يجوز عندنا الحمى ( للامام عليه

السلام مطلقا ) لانه بمنزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والموات له عليه السلام

كما مر .

قالوا : والاصل في هذا الحكم ان الغريب من العرب كان اذا انتجع بلدا مخصبا ،

وافى بكلب على جبل ان كان به او على نشر ان لم يكن به ثم استعوى الكلب ووقف

له من كل ناحية يسمع صوته بالعوى ، فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ،

ويرعى مع العامة فيما سواه ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك وقال : لا

حمى الا لله ولرسوله ، وزاد في آخر : ولائمة المسلمين .

وعلى هذا فلو بادر احد الى الحمى واحياه لم يملكه ، لتعلق حق المسلمين به ،

وللنبوي ( 1 ) وما دل على شركة المسلمين في الماء والكلا والنار ( 2 ) ومفهوم نصوص كخبر

محمد بن عبد الله - الذي هو قريب من الصحيح بالبزنطي - عن الامام الرضا عليه

السلام عن الرجل تكون له الضيعة ، وتكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلا او

اقل او اكثر ، يأتيه الرجل فيقول : اعطني من مراعي ضيعتك واعطيك كذا وكذا درهما ،

فقال عليه السلام : اذا كانت الضيعة له فلا بأس ( 3 ) .

وحسن ادريس بن زيد عن ابي الحسن عليه السلام ، قال قلت : جعلت فداك ،

..........................................................................

( 1 ) التذكرة ج 2 ص 411 .

( 2 ) الوسائل باب 5 - من كتاب احياء الموات حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 9 من كتاب احياء الموات حديث 1 . ( * )

 

 

] وليس لصاحب النهر تحويله الا باذن صاحب الرحى المنصوبة عليه [

 

ان لنا ضياعا ولها حدود ولنا الدواب فيها مراعي ، وللرجل منا غنم وابل ويحتاج الى

تلك المراعي لابله وغنمه ، ايحل له ان يحمي المراعي لحاجته اليها ؟ فقال عليه السلام :

اذا كان الارض ارضه فله ان يحمي ويصير ذلك الى ما يحتاج اليه ، قال وقلت له :

الرجل يبيع المراعي ؟ فقال عليه السلام : اذا كانت الارض ارضه فلا بأس ( 1 ) .

وعليهما يحمل اطلاق خبر موسى بن ابراهيم عن ابي الحسن عليه السلام عن

بيع الكلأ والمرعى ، فقال عليه السلام : لا بأس به ، وقد حمى رسول الله صلى الله عليه

وآله وسلم النقيع لخيل المسلمين ( 2 ) .

الرابعة : ( وليس لصاحب النهر تحويله الا باذن صاحب الرحى المنصوبة

عليه باذنه ) ، لصحيح محمد بن الحسن ، كتبت الى ابي محمد عليه السلام : رجل كانت

له رحى على نهر قرية والقرية لرجل ، فاراد صاحب القرية ان يسوق الى قريته الماء

وفي غير هذا النهر ويبطل هذه الرحى ، أله ذلك ام لا ؟ فوقع عليه السلام : يتقي الله

ويعمل في ذلك بالمعروف لا يضر اخاه المؤمن ( 3 ) .

ومقتضى اطلاق النص شمول الحكم لما اذا كان نصب الرحى عليه بسبب

لازم من صلح او غيره ، ام كان بسبب جائز كالاذن ، وبه افتى المحقق القمي ره في

جامع الشتات . ولكن قيده الحلي في محكى السرائر بما اذا كان نصب الرحى على النهر

بامر حق واجب على صاحبه ، وفي الرياض : وهذا هو الاقوى ، بناء على القول الآخر

الذي ذهب اليه اصحابنا من ترجيح ادلة السلطنة على ادلة نفي الضرر . وفيه : انه

تقييد للاطلاق بلا مقيد .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 22 من ابواب عقد البيع وشروطه حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 9 من ابواب احياء الموات حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 15 من ابواب احياء الموات حديث 1 . ( * )

 

 

] ويكره بيع الماء في القنوات والانهار . [

 

حكم بيع الماء

 

الخامسة : قال قده ( ويكره بيع الماء في القنوات والانهار ) .

الكلام في هذه المسألة يقع في جهات .

الاولى : في ان الماء هل يملك ام لا ؟ الظاهر هو ذلك كا هو المعروف بين

الاصحاب ، وفي الجواهر : بل الاجماع بقسميه عليه ، بل لعله ضروري . والشاهد به ما

دل على تملك المباحات بالحيازة ، فان الماء من جملة المشتركات بالاصالة ، للاصل ،

والاجماع بقسميه ، والنبوي : الناس شركاء في ثلاث : الماء ، والكلا والنار ( 1 ) والكاظمي :

ان المسلمين شركاء في الماء والنار والكلا ( 2 ) فيملكه من حازه .

فان قيل : انه بالحيازة تملك المباحات لا المشتركات ، والخبران يدلان على

اشتراك الناس او المسلمين في الماء ، فلا يملك بالحيازة .

قلنا : انه بعدما ليس المراد بالشركة هو كونه ملكا للجميع ، والا لزم عدم جواز

التصرف الا باذن الجميع وهو بديهي البطلان ، فالمراد هو الشركة في الانتفاع به ، فهو

من المباحات والناس فيه شرع سواء ، فيشمله ما دل على ان من سبق الى ما لم يسبق

اليه احد فهو له ( 3 ) مضافا الى تسالم الاصحاب عليه بنحو لا يبقى مجال للتشكيك .

الثانية : انه لا اشكال على ما تقدم في ملكية الماء بالشراء او الحيازة ، كما لو

احرز من المباح في آنية او غيرها بقصد التملك ، فهل يملك الماء بحفر البئر وبلوغ

الماء ام لا ؟

..........................................................................

( 1 ) المستدرك باب 4 من ابواب احياء الموات حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 5 من كتاب احياء الموات حديث 1 .

( 3 ) المستدرك باب 1 من احياء الموات حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

اما بعد اخراجه من الارض من من بئر وعين بنية التملك ، فملكيته مذهب

الاصحاب - كما في المسالك - كسائر المباحات التي يملكها السابق ، وما عن الشيخ

من وجوب بذل الفاضل عن حاجته سيأتي الكلام فيه . واما قبل الاخراج فملكيته

منسوبة في غير واحد من الكلمات الى الاصحاب مشعرا بالاجماع عليها ، وفي الجواهر :

بل لعله كذلك نظرا الى السيرة المستمرة ، ويمكن توجيهها بان الماء نماء ملكه كلبن

الدابة ، بل الظاهر انه حيازة للماء نفس وسبق اليه ما لم يسبق اليه مسلم فهو له ، وربما

يقال : ان ملك الارض يقتضي ملك الماء الكامن فيها وان لم يكن من اجزائها ، وايضا

يشهد به فحوى ما سيجئ من الاخبار المتضمنة لبيع الشرب .

الثالثة : ما يقبضه النهر المملوك من الماء المباح ، قال الشيخ : لا يملكه الحافر

كما اذا جرى السيل الى ارض مملوكة ، لانه مباح دخل في ملكه فيبقى على اصل

الاباحة ، وانما يكون الحافر اولى به لان يده عليه . والمشهور بين الاصحاب ، بل لم

ينقل الخلاف عن غير مبسوط الشيخ ، انه يملك الماء كما يملك الماء الخارج بحفر

البئر والعين ، وهو الاظهر ، لان ذلك انما يكون من قبيل شبكة مثلا لصيد في انه يعد

حيازة وسبقا الى ما لم يسبق اليه غيره .

وخبر اسماعيل بن الفضل يشهد به ، قال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن

بيع الكلأ اذا كان سيحا فيعمد الرجل الى مائه فيسوقه الى الارض فيسقيه الحشيش ،

وهو الذي حفر النهر وله الماء يزرع به ما شاء ؟ فقال عليه السلام : اذا كان الماء له

فليزرع به ما شاء وليبعه بما احب ( 1 ) .

الرابعة : في بيع الماء ، لا خلاف ولا اشكال في جواز بيع الماء المملوك المخرج ،

..........................................................................

( 1 ) الوسائل - باب 9 من كتاب احياء الموات حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

المعلوم كيله او وزنه او بالمشاهدة الرافعة للغرر . واما الماء المخرج من الارض من بئر

وعين بنية التملك ، فالمعروف من مذهب الاصحاب انه يجوز جميع التصرفات فيه ونقله

الى الغير بعوض ، لكن عن الشيخ في المبسوط انه اوجب على مالكه بذل الفاضل عن

حاجته لشربه وشرب ماشيته وزرعه الى غيره بغير عوض ، اذا احتاج اليه لشربه

وشرب ماشيته من السايلة وغيرهم لا لسقي الزرع والشجر . ومنشأ الاختلاف

اختلاف النصوص :

اذ منها ما تضمن النهي عن بيعه ، كموثق ابي بصير عن ابي عبد الله عليه

السلام : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن النطاف والاربعاء ، قال : والاربعاء

ان يسنى مسناة فيحمل الماء فيسقي به الارض ثم يستغنى عنه ، فقال عليه السلام :

فلا تبعه ولكن اعره جارك . والنطاف ان يكون له الشرب فيستغني عنه فيقول : لا

تبعه اعره اخاك او جارك ( 1 ) .

وموثق البصري عنه عليه السلام : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

عن المحاقلة ، الى ان قال : والنطاف شرب الماء ليس لك اذا استقيت عنه ان تبيعه

جارك تدعه له ، والاربعاء المسناة تكون بين القوم فيستغني عنها صاحبها ، قال عليه

السلام : يدعها لجاره ولا يبيعها اياه ( 2 ) .

والخبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه نهى عن بيع فضل الماء ( 3 ) .

والنبوي : من منع فضل الماء ليمنع به الكلا منعه الله فضل رحمته يوم القيامة ( 4 )

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من كتاب احياء الموات حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 24 - من ابواب عقد البيع وشروطه حديث 4 .

( 3 ) التذكرة ج 2 ص 410 .

( 4 ) المستدرك باب 6 من احياء الموات حديث 5 . ( * )

 

 

[ . . . ]

والمراد ان الماشية انما ترعى بقرب الماء ، فاذا امتنع من الماء فقد امتنع من الكلأ وحازه

لنفسه ونحوه خبر عقبة ( 1 ) .

ومنها : ما يدل على جواز البيع ، كخبر اسماعيل بن الفضل المتقدم ، وصحيح

سعيد الاعرج عن ابي عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في

قناة فيها شركاء فيستغني بعضهم عن شربه ، يبيع شربه ؟ قال عليه السلام : نعم ، ان

شاء باعه بورق ، وان شاء بكيل حنطة ( 2 ) .

وحسن الكاهلي عنه عليه السلام عن قناة بين قوم لكل رجل منهم شرب معلوم

فاستغنى رجل منهم عن شربه ، ايبيعه بحنطة او شعير ؟ قال عليه السلام : يبيعه بما

شاء ، هذا مما ليس فيه شئ ( 3 ) ونحوه خبر علي بن جعفر ( 4 ) .

والجمع بين الطائفتين يقتضي البناء على كراهة البيع ، أو افضلية عدم اخذ

العوض .

ثم انه وقع الخلاف بين المجوزين في اخذ العوض ، في انه هل يصح بيعه ، أم

يتعين في نقله بعوض من ايقاع معاملة اخرى عليه من صلح وشبهه ، نسب المحقق

القمي ره الى المشهور عدم جواز البيع . وعن الشهيده قده جواز بيعه دائما ، وعدم جوازه

بدون ذلك .

والاظهر هو الجواز مع المعلومية بمقدار يرتفع به الغرر . ولا يضر الجهل بالكيل

أو الوزن ، لعدم كون الماء من المكيل والموزون ، والنصوص المتقدمة شاهدة به . وحمل

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب احياء الموات حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 6 من كتاب احياء الموات حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 6 من كتاب احياء الموات حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 6 من ابواب احياء الموات حديث 3 . ( * )

 

 

] ويجوز اخراج الرواشن والاجنحة في الطرق النافذة ما لم تضر بالمارة ومع

الاذن في المرفوعة وكذا فتح الابواب [

 

ما فيها من البيع على ارادة النقل بعوض بغير البيع المصطلح - كما افاده المحقق

القمي ره - خلاف الظاهر ، لا يصار اليه الا مع القرينة ، وكون بيعه غرريا لا يصلح

قرينة عليه ، لمنعه أولا ، واخصية النصوص عن دليله لو سلم كونه غرريا دائما ثانيا .

فلا اشكال في جواز بيعه .

 

حكم اخراج الرواشن في الطرق

 

السادسة : ( و ) المعروف بين الاصحاب انه ( يجوز اخراج الرواشن والاجنحة

في الطرق النافذة ما لم يضر بالمارة ومع الاذن في المرفوعة وكذا فتح الابواب ) .

وتمام الكلام ببيان امور .

1.     قالوا : الجناح والروشن يشتركان في اخراج خشب من الحائط الى

الطريق ، بحيث لا يصل الى الجدار المقابل ويبني عليه ، ولو وصل فهو الساباط . وفي

المسالك : وربما فرق بينهما بان الاجنحة ينضم اليها مع ما ذكران يوضع لها اعمدة من

الطريق .

2.     المدار في الضرر بالمارة هو العرف ، ويعتبر في المارة بما يليق بتلك الطرق

عادة ، فان كانت مما يمر فيه الابل اعتبر فيه مروره محملا ومركوبا وعلى ظهره محملا ،

وان كانت مما يمر عليه الفرسان اعتبر ارتفاع ذلك بقدر لا يصدم الرمح على وضعه

مما لا عادة .

3.     مدرك الجواز في الطرق النافذة - وهي الطرق التي تنتهي الى طريق او

مكان مباح يجوز استطراقه - انها ليست ملكا لاربابها ، وانما هي من قبيل الحريم ،

 

 

[ . . . ]

والمتيقن منه ان لهم ولغيرهم الاستطراق فيها ولا يجوز مزاحمتهم في ذلك ، واما ساير

التصرفات فلا وجه للمنع عنها ، فيجوز اخراج الرواشن والاجنحة وفتح الباب وما

شاكل وان تضرر الجار بالاشراف عليه . نعم ، اذا تضرر الجار بذلك ، ولم يكن في منعه

من الاخراج والفتح ضرر عليه ولا فوات نفع ، يجبر لقاعدة لا ضرر كما مر .

واما الطرق المرفوعة - وهي التي لا تنتهي الى طريق او مكان مباح يجوز

استطراقه ، بل اما ان يكون رأسها مسدودا بجدار ونحوه ، او تكون منتهية الى سد -

فقالوا انه لا يجوز اخراج الرواشن والاجنحة وفتح الباب فيها الا باذن اربابها ،

والمراد باربابها كل من له اليها باب يخرج منه اليها على وجه شرعي .

واستدلوا لذلك بان المرفوع ملك لاربابه كسائر املاكهم ، فيكون كالمال

المشترك لا يصح لاحد من اربابه التصرف فيه الا باذن الباقين ، سواء كان التصرف

باحداث الباب او الساباط او الروشن ام غيرها ، وسواء اضربهم ام لم يضر .

واستشكل فيه المحقق الاردبيلي ومنع ذلك الا ان يثبت الملكية بوجه شرعي

ولو بادعائهم الملكية مع عدم العلم بفساد الدعوى ، فان الذي علم من التصرف

بالاستطراق استحقاقهم ذلك ، وحيث ان اكثر الطرق والاستطراق يحصل في غير

الملك فلا امارة للملكية التي هي خلاف الاصل ، اذ لا فرق بين المسلوك والمرفوع في

الحصول الا ان المترددين في الاول اكثر . ثم ايد ذلك بعمل الناس من دخولهم في هذه

السكك ووقوفهم وجلوسهم بدون اذن اربابها من دون نكير ، قال : وهو دليل عدم

الملكية ، بل لو كان ملكا لم يجز لسائر الشركاء الدخول بدون اذن الباقين .

وفيه انه : يمكن توجيه ما افاده المشهور بان الطريق المرفوع تحت يد اربابه

واليد امارة الملكية ، ومع الاغماض عنه انه حريم املاكهم والمشهور بينهم ملكية الحريم

وان كنا اشكلنا فيه ومع التنزل ، فلا اقل من انهم احق به من غيرهم وكونه متعلقا

 

 

] ويشترك المتقدم والمتأخر في المرفوعة [

 

لحقهم . فعلى ذلك لا يجوز لاحدهم التصرفات مطلقا الا مع اذن الباقين ، الا خصوص

الاستطراق ، اما لان ذلك شرط ضمني عند جعله طريقا بينهم ، او لان بعض

التصرفات يجوز في الاملاك للسيرة او غيرها - كالصلاة في الاراضي المتسعة ، والوضوء

من الانهار الكبار - فليكن المقام من هذا القبيل ، وبه يظهر وجه جواز التصرفات

المشار اليها لغير اربابه . فما افاده المشهور اظهر .

هذا كله في التصرف في الطريق . اما تصرف كل منهم في ملكه بفتح الروازن

والشبابيك فلا اشكال في جوازه ، لتسلط الانسان على التصرف في ملكه بما شاء وان

استلزم الاشراف على الجار ، لان المحرم هو التطلع لا التصرف في الملك ، فيستفيد

بذلك الاستضاءة في بيته وليس للجار سد ذلك ، وان كان له وضع شئ في ملكه يمنع

الاشراف . نعم ، استثنوا من ذلك فتح باب فيه ، كما لو كان له دار حائطها الى الطريق

المرفوع فاراد ان يفتح بابا اليه في ملكه ، قالوا : لا يجوز ذلك ، دفعا لشبهة استحقاقه

المرور منه بعد تطاول الزمان ، فانه اذا اشتبه حاله يشعر باستحقاق المرور لانه وضع

له .

وقد اشكل الشيخ ره في مصالحة احد ارباب الطريق الباقين على احداث

روشن فيه ، وعلله بانه لا يجوز افراد الهواء بالبيع ، والصلح متفرع عليه في ذلك . وفي

الشرايع : وفيه تردد . ولكن لو سلم الاشكال في البيع ، لا مجال للاشكال في الصلح بعد

اطلاق ادلته .

 

الطرق المرفوعة مشتركة بين اربابها

 

السابعة : ( و ) المشهور بين الاصحاب انه ( يشترك المتقدم والمتأخر في المرفوعة

 

 

] الى الباب الاول وصدر الدرب ، ويختص المتأخر بما بين البابين ، ولكل منهما

تقديم بابه لا تأخيرها [

 

الى الباب الاول وصدر الدرب ، ويختص المتأخر بما بين البابين ، ولكل منهما تقديم

بابه لا تأخيرها ) . وعن الشهيد في الدروس تقوية اشتراك الجميع في الجميع ، واختاره

المحقق الاردبيلي ره .

واستدل للاول بانه في المرفوعة الى الباب الاول وصدرها هم متساوون في

الارتفاق بها ولا أولوية لواحد على غيره ، بخلاف ما بين البابين ، لان ادخلية الباب

تقتضي الاستطراق وهو مختص بالمستطرق ، فيتحقق الترجيح .

واورد عليهم المحقق الاردبيلي قائلا : ان دليل المشهور مدخول ، والاصل دليل

قوي ، وليس هنا ما يدل على اختصاص احد الاستطراق وعدم مرور الغير اليه وهو

ليس بدليل لما مر . ولانه لو كان ذلك دليل الملك لكان الفاضل في آخر المرفوعة ملكا

للاخير . ولانه قد يكون المرفوعة واسعة ولا يمر الادخل الا في بعضها . ولانه قد يكون

في مقابله ايضا باب فيشكل الاختصاص .

ثم انه ره اخذ عليهم التناقض بين كلامهم هذا وبين ما ذكروه من ان المرفوعة

لكل من فيها ارضها وهوائها ، لا يجوز لاحد منهم اخراج الرواشن والاجنحة

والساباط والميزاب حتى فتح الباب الجديد لغير الاستطراق بدون اذن الجميع ، ويجوز

مع اذنهم ، فان هذه الاحكام تدل على عدم الاختصاص لاحد . وايضا حكمهم بجواز

اخراج الاقدم ببابه في المشترك يقتضي جواز ادخال الادخل ببابه في الفاضل ، لانه

ايضا مشترك ، وهم منعوا عنه .

ويرد على ما مر منه ما تقدم منا .

ويرد على الوجه الثاني ما افاده الشهيد الثاني ره : بان ثبوت ملك شئ لا

يتوقف على مسلك له ، ومع ذلك فيمكن دخول الخارج الى الفضلة بشاهد الحال ،

 

 

] ولو اخرج الرواشن في النافذة فليس لمقابله منعه وان استوعب عرض

الدرب ولو سقط فبادر مقابله لم يكن للاول منعه [

 

كسلوك غيره ممن لاحق له في تلك الطرق ، فاذا انضم الى ذلك اشتراكهم جميعا في

التصرف في الفضلة حكم باشتراكها بينهم .

وعلى الثالث : ان امارة الملكية ليست هي المرور ، بل كون الشئ تحت

استيلائه ، والطريق الواسع كذلك وان كان في المرور يمر على بعضه .

وعلى الرابع : انه لو كان في مقابله ايضا باب كانا مشتركين فيه .

واما التناقض الاول الذي ذكره فيمكن دفعه بان مراد الاصحاب من كون

المرفوعة ملكا لاربابها ، ليس كونها ملكا لجميع الارباب بنحو الاشاعة في الجميع ، بل

مرادهم انها ليست مثل النافذة التي ليست ملكا لاحد ، ومرادهم باربابها جنس الجميع

لا العموم الافرادي ، فلا ينافي مع كون بعضها ملكا لبعضهم خاصة .

واما قوله ره : وايضا حكمهم بجواز اخراج الاقدم . . . الخ ، فيرده منع الملازمة ،

ومنع كون العلة في الاول هو مجرد الاشتراك حتى يتم في الفرع ، بل لانه اسقاط لحقه

السابق الثابت من دون تصرف جديد في مال الشريك فهو تصرف بعض في حقه

المشترك ، بخلاف ادخال الباب في الفاضل ، فان الاستحقاق فيه ليس من جهة العبور

بل من جهة كونه من المرافق المحتاج اليها احيانا لحط الاثقال ونحوه ، والتصرف على

نهج يوجب استحقاق العبور فيه من دون الشركاء تصرف في المشترك بدون الاذن

واسقاط لبعض حق الشركاء . نبه على ذلك المحقق القمي ره .

( و ) مما ذكرناه في المسألة المتقدمة يظهر انه ( لو اخرج الرواشن في النافذة

فليس لمقابله منعه وان استوعب عرض الدرب ، و ) انه ( لو سقط فبادر مقابله لم

يكن للاول منعه ) لان الاول لم يملك الموضع بوضع الروشن فيه وانما اكتسب

اولوية ، فاذا زال زالت . اللهم الا ان يقال : ان الهواء يملك مستقلا ، فباخراج الروشن

 

 

] ويستحب للجار وضع خشب جاره على حائطه مع الحاجة ، ولو اذن جاز

الرجوع قبل الوضع ، اما بعده فبالارش . [

 

حازه المخرج وملكه ولا مزيل له ، والمسألة محتاجة الى التأمل .

 

وضع الجذوع على حائط الجار

 

الثامنة : اذا التمس وضع جذوعه على حائط جاره لم يجب على الجار اجابته ،

بلا خلاف ، وفي المسالك : هذا عندنا موضع وفاق ، لما دل على انه لا يحل مال امرئ

مسلم الا بطيب نفسه ( 1 ) .

( و لكن ( يستحب للجار وضع خشب جاره على حائطه مع الحاجة ) لما روي

عنه صلى الله عليه وآله وسلم : لا يمنعن احدكم جاره ان يغرز خشبه في حائطه ( 2 ) وفي

خبر اخر : ان الجار يضع جذوعه في حائط جاره شاء ام أبى ( 3 ) المحمولين على

الاستحباب ، سيما مع عدم ثبوت صحتهما .

( و ) انما الكلام فيما ذكره جماعة من انه ( لو اذن جاز الرجوع قبل الوضع ،

اما بعده فبالارش ) . ومورد الكلام امور :

الاول : بعد ما لا كلام في انه يجوز الرجوع قبل الوضع ، اختلفوا في الرجوع

بعد الوضع ، وقد منع عنه الشيخ والاتباع ، واستدلوا له بان الاذن في مثل ذلك يقتضي

الدوام كالاذن في دفن الميت في الارض ، بلزوم الضرر بالنقض حيث يفضي الى

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 - من ابواب مكان المصلي - وباب 1 –

 من ابواب القصاص في النفس والمستدرك ج 1 ص 212 .

( 2 ) اخرجه البخاري ج 3 ص 164 كتاب المظالم والغصب ورواه مسلم ج 5 ص 57 .

( 3 ) رواه الخرائطي من مكارم الاخلاق من حديث ابي هريرة كما عن المغني . ( * )

 

 

[ . . . ]

خراب ملك المأذون .

ولكن يرد على الاول : ان كون الاذن مقتضيا للدوام ، لا يستلزم عدم جواز

الرجوع بعد كونه من قبيل العارية التي هي غير لازمة ، والقياس بالاذن في دفن الميت

مع الفارق ان قلنا بحرمة النبش في هذا المورد ، والا فيجوز الرجوع في المقيس عليه

ايضا .

وعلى الثاني : ان الضرر لا يصلح للزوم الاذن سيما بعد كونه مقدما عليه ، فانه

مع العلم بالجواز اقدم عليه . فالاظهر هو جواز الرجوع .

الثاني : انه على تقدير الجواز ، هل ينقض مجانا او مع الارش ؟ قولان .

اختار المصنف ره هنا والمحقق في الشرايع والشهيد الثاني في المسالك وغيرهم

في غيرها الثاني . واستدل له بانه بناء محترم صدر بالاذن فلا يجوز قلعه الا بعد ضمان

نقضه ، وبان فيه جمعا بين الحقين ، وبانه سبب الاتلاف لاذنه والمباشر ضعيف .

ولكن كون البناء محترما صادرا بالاذن الجائز ليس من موجبات الضمان ، لما مر

من انه مجرد كونه محترما ما لم ينطبق عليه احد العناوين المضمنة من اليد والاتلاف

والاستيفاء ليس من موجبات الضمان . وكونه جمعا بين الحقين فرع ثبوت حق له في

الابقاء والكلام الان فيه . وكونه سبب الاتلاف بعد كون اذنه مما يجوز الرجوع فيه ،

ووساطة اختيار الفاعل المختار ممنوع . فالاظهر عدم الضمان .

الثالث : انه على تقدير ثبوت الارش ، فهل هو عوض ما نقصت آلات الواضع

بالهدم ، او تفاوت ما بين العامر والخراب ؟ وجهان مبنيان على ان مدرك ثبوت الضمان

هو الوجه الاول والثاني ، او الثالث . فعلى الاولين الاول ، وعلى الثالث الثاني كما لا

يخفى .

 

 

] ولو تداعيا جدارا مطلقا فهو للحالف مع نكول الاخر ، ولو حلفا أو نكلا

فلهما . ولو اتصل ببناء احدهما او كان له عليه طرح فهو له مع اليمين ، [

 

فروع التنازع

 

التاسعة : في جملة من فروع التنازع .

منها : ( ولو تداعيا جدارا ) بين ملكيهما ( مطلقا ) والمراد بالاطلاق هنا ان لا

يكون مقيدا بوجه يوجب كونه لاحدهما شرعا ، كاتصاله باحدهما اتصال ترصيف

بتداخل الاحجار ، أو كون اس الجدار له ، أو كونه مبنيا على جذع داخل في بنائه ، او

كون وجه الجدار اليه بزيادات فيه من طرفه ، وما شاكل .

فان كان الجدار في يديهما ، او لم يكن لاحدهما يد عليه ، ( فهو للحالف مع

نكول الاخر ) . فانه اذا كان في يديهما مقتضى اليد هو الشركة . فعلى كل منهما الحلف

على ما يدعيه الآخر من كون مجموع الجدار له ، فان حلف احدهما دون الآخر ثبت

ما يدعيه . وان لم يكن في يديهما ، فيحتمل الشركة من غير الحلف ، ويحتمل كونه من

باب التداعي ، وعلى التقديرين حيث انه من المعلوم عدم خروجه عنهما ، بل هو امالهما

أو لاحدهما ، فلو حلف احدهما مع نكول الاخر ثبت به حقه .

( ولو حلفا او نكلا فلهما ) ، لليد ، او العلم بعدم خروجه عنهما ، ولا ترجيح

لاحدهما على الآخر ، فيحكم بالتنصيف . هذا كله مع عدم البينة لاحدهما ، والا فيحكم

بانه له للبينة .

( ولو اتصل ببناء احدهما ) اتصال ترصيف ( او كان له عليه طرح ) من قبة او

غرفة او نحو تلك مما يكون لاحدهما اختصاص به ( فهو له مع اليمين ) ان لم يكن

للآخر بينة ، لصدق كون اليد له بذلك .

ويمكن ان يستدل له بصحيح منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه السلام

 

 

] ولا يتصرف الشريك في الحائط والدولاب والبئر والنهر بغير اذن شريكه ،

ولا يجبر الشريك على العمارة [

 

عن خص بين دارين : فزعم ان عليا عليه السلام قضى به لصاحب الدار الذي من

قبله القماط ( 1 ) المعتضد بخبر عمرو بن شمر عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام

عن ابيه عن جده عن علي عليه السلام انه قضي في رجلين اختصما اليه في خص ،

فقال عليه السلام : ان الخص للذي اليه القماط ( 2 ) وقد عمل معظم الاصحاب بهما .

ودعوى انهما قضية في واقعة - كما عن النافع - بعد كون الامام عليه السلام ينقلها في

مقام بيان الحكم ، كما ترى .

لا اشكال ( و ) لا خلاف في انه لا يجوز ان ( يتصرف الشريك في الحائط ) كما

لا يجوز له التصرف في سائر الاموال المشتركة من الدار ( والدولاب والبئر والنهر ) وما

شاكل ( بغير اذن شريكه ) لعدم جواز التصرف في مال الغير بغير اذنه . نعم ، قد مر

انه لا دليل على حرمة الانتفاع بمال الغير ان لم يعد تصرفا ، كالاستضاءة ، بنور الغير .

وربما يشتبه الامر في انه من التصرف ام لا كاسناد المتاع الى الحائط مع انتفاء الضرر ،

ومقتضى اصالة البراءة هو الجواز في الموارد المشكوك فيها .

( و ) لو انهدم الجدار ( لايجبر الشريك على العمارة ) اذ لا يجب على الانسان

عمارة جداره المختص فضلا عن المشترك . وهذا لا كلام فيه ، انما الكلام في انه هل

تتوقف العمارة على اذن الشريك كما لعله المشهور ، ام يجوز له البناء وان نهاه كما عن

الشيخ ، ام يفصل بين اعادته بالآلة المشتركة فالثاني ، وبين اعادته بآلة من عنده

فالاول .

..........................................................................

( 1 ) الوسائل باب 14 من كتاب الصلح حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 14 من كتاب الصلح حديث 2 . ( * )

 

 

] والقول قول صاحب السفل في جدران البيت ، وقول صاحب العلو في

السقف وجدران الغرفة والدرجة ، [

 

والاظهر هو الاول ، لعدم جواز التصرف في ملك الغير بغير اذنه .

واستدل للثاني بانه نفع واحسان في حق الشريك فلا يشترط رضاه ، حيث انه

يعمر حائطه ولا يغرمه في نفقته ولا ضرر فيه عليه . وفيه : ان ايصال النفع الى الغير

والاحسان اليه بغير التصرف في ماله حسن ومطلوب ، ومع التصرف في ماله حيث

ينطبق عليه عنوان قبيح فلا يكون حسنا .

واستدل للثالث بانه على الاول يبقى شريكا كالاول ، بخلافه على الثاني . وقد

ظهر مما مر ما فيه .

( و ) منها : انه لو تنازع صاحب العلو والسفل في جدارهما ، ف ( القول قول

صاحب السفل في جدران البيت ، وقول صاحب العلو في السقف وجدران الغرفة

والدرجة ) كما هو المشهور بين الاصحاب ، وقيل باشتراكهما في جدار السفل

واختصاص صاحب العلو بجداره . عن الشيخ ره والشهيد اشتراكهما في السقف .

فهاهنا احكام .

1.     لو تنازعا في جدران البيت ، فالظاهر تقديم قول صاحب السفل ، لان

جدران البيت جزئه فيحكم بها لصاحبه .

2.     لو تنازعا في السقف - والمراد به الحامل للغرفة المتوسط بينها وبين البيت

- فقد استدل لتقديم قول صاحب العلو بان الغرفة انما تتحقق بالسقف الحامل لانه

ارضها ، والبيت قد يكون بغير سقف ، وهما متصادقان على ان هنا غرفة فلابد من

تحققها . وبان تصرفه فيه اغلب من تصرف صاحب السفل .

وبه يظهر اندفاع ما استدل به لما ذهب اليه الشيخ والشهيد من اشتراكهما

فيه ، بانه سقف لصاحب البيت وارض لصاحب الغرفة ، فكان كالجزء من كل منهما .

 

 

] واما الخزانة تحتها فلهما ، وطريق العلو في الصحن بينهما والباقي للاسفل

وللجار عطف اغصان الشجرة ، فان تعذر قطعها عن ملكه . [

 

واضعف من ذلك ما في الشرايع من الرجوع الى القرعة لانها لكل امر مشتبه ، اذ يرد

عليه - مضافا الى ما مر - ان غاية ما هناك كونه تحت يديهما فهما شريكان فيه .

3.     لو تنازعا في جدران الغرفة ، لا اشكال في تقديم قول صاحب العلو ، لانها

جزء من الغرفة فيحكم بها لصاحبها .

4.     لو تنازعا في الدرجة ، فالظاهر تقديم قول صاحب العلو ، لاختصاصه

بالتصرف فيها بالسلوك وان كانت موضوعة في الارض التي هي لصاحب السفل ، لان

مجرد ذلك لا يوجب صدق اليد .

( فاما الخزانة تحتها فلهما ) لان لكل منهما شاهدا بملكها ، اذ الظاهر كما مر

ان الدرجة لصاحب العلو فيكون قرارها كالهواء له ، وحيث انها متصلة بما يملكه

الاسفل بل هي من جملة البيوتات السفلى فظاهره كونه لصاحب السفل ، فيحكم بها

لهما بعد التحالف .

( و ) منها : ما لو تداعيا في الصحن ، قالوا : ( طريق العلو في الصحن بينهما

والباقي للاسفل ) . وعللوه بان صاحب العلو لما افتقر سلوكه اليه في التصرف من

الصحن في قدر الممر كان له يد عليه دون باقي الصحن ، وصاحب السفل يشاركه في

التصرف في ذلك وينفرد بالباقي ، فيكون قدر المسلك بينهما لصدق كون يديهما عليه ،

بخلاف الباقي فان يد الاسفل عليه خاصة .

( و ) منها : انه اذا خرج اغصان شجرة الى ملك الجار ، فعلى مالكها عطفها او

قطعها تحرزا من اشغال ملك الغير بملكه . ( و ) ان لم يفعل ف ( للجار عطف اغصان

الشجرة ، فان تعذر قطعها عن ملكه ) لان بقائه عدوان ، وقاعدة حرمة التصرف في

مال الغير لا تأتي في دفع الظلم والضرر عنه ، ولذا لم يشك احد في انه اذا دخل بهيمة

 

 

] وراكب الدابة اولى من قابض لجامها وصاحب الاسفل اولى بالغرفة المفتوح

بابها الى غيره مع التنازع واليمين وعددم البينة . [

 

الغير داره له ان يخرجها منها .

نعم ، يجب عليه اولا مراجعة المالك ثم عطف الاغصان ان امكان والا يقطعها ،

بل قد يظهر من التحرير ان للمالك الازالة من دون استيذان من مالك الشجرة ، بل

صرح به المحقق الثاني ره ، لان ازالة العدوان امر ثابت له وتوقفها على اذن الغير

ضرر عليه ، ولا يخلو عن وجه وان كان الاول احوط ، واحوط منه الاستيذان من

الحاكم فرارا عن التصرف في ملك الغير بغير اذنه او اذن من يقوم مقامه مع التمكن ،

والله العالم .

( و ) منها : ان ( راكب الدابة أولى من قابض لجامها ) كما عن الشيخ وغيره ،

لظهور يد الاختصاص له . ولكن الظاهر انهما سواء ، كما عن الخلاف والسرائر

والمحقق الثاني والشهيد الثاني في المسالك وغيرهم ، لثبوت يد كل منهما عليها ، ولا

ترجيح لقوة تصرف الراكب وشدته بالنسبة الى القابض ولا لزيادته ، ولذلك ذهبوا الى

اشتراك الثوب بين شخصين لكل منهما يد عليه وان كان تصرف احدهما ازبد .

( و ) منها : انه لو تداعيا غرفة على بيت احدهما وبابها الى غرفة الاخر كان

الرجحان لدعوى صاحب البيت ، لكونها في ملكه الذي هو هواء بيته التابع لقراره ،

ومجرد فتح الباب الى الغير لا يفيد يدا عرفا ، وهذا هو مراد المصنف ره حيث قال :

( وصاحب الاسفل اولى بالغرفة المفتوح بابها الى غيره مع التنازع واليمين وعدم

البينة ) والله العالم .

قد تم الجزء التاسع عشر من كتابنا فقه الصادق ويتلوه الجزء العشرون من

اول كتاب الديون ، والحمد لله اولا وآخرا .