2.
( وتؤخذ الشاة
) ان وجدت ( في الفلاة ) التي يخاف عليها من السباع
جوازا ، بلا خلاف ظاهر ، بل عن التذكرة عليه الاجماع .
ويشهد به جملة من النصوص
المتقدم بعضها ، المتضمنة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم
: هي لك او لاخيك او للذئب ( 1 (
وما ذكروه من انها لا تمتنع من صغير السباع ، فهي معرضة
للتلف فكانت بحكم
التالفة .
ثم انه بعد اخذها يتخير بين ان يحفظها لمالكها ودفعها
الى الحاكم - ولا ضمان
فيهما اجماعا ، لانه في الاول امين اذ الشارع رخص في
الاخذ ، وفي الثاني الحاكم ولي
الغائب ، فالدفع اليه كالدفع الى المالك . وبين ان
يتملكها بلا خلاف ، والنصوص
المتقدمة شاهدة به ، ولا يعارضها ما دل على انه يحبسها
عنده ثلاثة ايام فان جاء
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 13 من ابواب كتاب اللقطة . ( * )
] مضمونة . [
صاحبها والا تصدق بثمنها عن صاحبها ، لما سيأتي .
وهل هي ( مضمونة ) على تقدير التملك كما عن الاكثر -
مطلقا او مع ظهور
المالك - بل هو المشهور بينهم ، ام لا ؟ قولان . يشهد
للاول - مضافا الى اطلاق خبر
ابي بصير المتقدم : من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى
يأتيه طالبه ، فاذا جاء طالبه
رده اليه - صحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السلام عن رجل
اصاب شاة في
الصحراء ، هل تحل له ؟ قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وآله : هي لك او لاخيك او
للذئب ، فخذها فعرفها حيث اصبتها ، فان عرفت فردها الى
صاحبها ، وان لم تعرف
فكلها وانت ضامن لها ان جاء صاحبها يطلب ثمنها ان تردها
عليه ( 1 ) ولا ينافي ذلك
ما دل على التملك ، فان الجمع بينهما يقتضي البناء على
التملك بعوض .
وهل التملك لها قبل تعريف السنة ، ام بعده ؟ قولان :
وجه الاول : اطلاق الصحاح المتقدمة المتضمنة لجواز التملك
من دون تقييد له .
ووجه الثاني : الاصل ، وعموم الامر بالتعريف في اللقطات
، وظاهر صحيح علي
ابن جعفر المتقدم ، وصحيحه الاخر عنه عليه السلام عن
الرجل يصيب اللقطة دراهم
او ثوبا او دابة ، كيف يصنع ؟ قال عليه السلام : يعرفها
سنة ، فان لم يعرف صاحبها
جعلها في عرض ماله حتى يجئ طالبها فيعطيها اياه ، وان
مات أوصى بها ، فان اصابها
شئ فهو ضامن ( 2 ) فتأمل .
والثاني اظهر ، لان اكثر ما ذكر في وجهه وان كانت مخدوشة
- اذ الاصل لا
يرجع اليه مع الدليل . والامر بالتعريف في اللقطات انما
هو في لقطة الاموال غير
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 13 من كتاب اللقطة حديث 7 .
( 2 ) الوسائل - باب 2 من كتاب اللقطة حديث 13 . ( * )
[ . . . ]
الضوال ، بحكم الانصراف والسياق والصحيح الثاني لابن
جعفر ظاهر في عدم التملك
اصلا ، سيما وفي نسخة الوسائل " حفظها " بدل
" جعلها " - ولكن في الصحيح الاول
كفاية ، ولا يعارضه اطلاق الصحاح المتقدمة فانه يقيد به
، كيف وقد جمع في الصحيح
بين ما تضمنته تلك النصوص وبين الامر بالاكل والتملك بعد
التعريف .
ويمكن ان يستدل له بصحيح صفوان عن ابي عبد الله عليه
السلام : من وجد
ضالة فلم يعرفها ، ثم وجدت عنده فانها لربها ( 1 ) .
فلا توقف في ان التملك انما هو بعد التعريف سنة ، وفي
الصحيحين وان لم
يصرح بسنة الا انه من المعلوم ان التعريف في هذا الباب
هو التعريف سنة ، واطلاق
التعريف فيهما منزل على ما هو المعلوم ثبوته بنصوص اخر
ولو في لقطة الاموال .
واما خبر ابن ابي يعفور عنه عليه السلام : جاء رجل من
المدينة فسألني عن
رجل اصاب شاة ، فأمرته ان يحبسها عنده ثلاثة ايام ويسأل
عن صاحبها ، فان جاء
صاحبها والا باعها وتصدق بثمنها ( 2 ) فقد حمله الاصحاب
على ما اذا اخذت من
العمران او المساكن المأهولة وما هو قريب منها ، بحيث لا
يخاف عليها من السباع ،
جمعا . وفي الرياض : وظاهرهم الاطباق على العمل به حينئذ
، فبه ينجبر ضعف سنده ،
ويختص الحكم بمورده وهو الشاة ، وقد مران اطلاقه من حيث
أخذه من العمران او
الفلاة يقيد بالنصوص المتقدمة ، وليس في الخبر دلالة على
جواز الاخذ ، ففي ذلك يرجع
الى القواعد ، وهي تقتضي عدم جواز الاخذ مالم يخف التلف
او النهب كما مر .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 14 من كتاب اللقطة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 13 - من كتاب اللقطة حديث 6 . ( * )
[ . . . ]
3.
اذا وجد غير
البعير والشاة في الفلاة ، فان كان دابة فهي ملحقة بالبعير
بلا خلاف ، وخبرا السكوني ومسمع شاهدان بالالحاق . واما
البقرة والحمار ، فعن الشيخ
والحلي والمحقق وغيرهم الالحاق ، وهو الاظهر .
اما المنع لو وجدا في كلا وماء ، فلانه مقتضى القاعدة ،
اضف اليه ما في المسالك :
مشاركتهما للدابة في العدو والامتناع من صغير السباع ،
وكون المفهوم من فحوى المنع
من اخذ البعير وهو قدرته على الامتناع مما يملكه المساواة
. واما الجواز فيما لو وجدا
في غير ماء ولا كلا ، فلاطلاق قوله عليه السلام في صحيح
ابن سنان : من اصاب مالا
أو بعيرا في فلاة من الارض . . . الخ .
وان كان الحيوان الموجود ما لا يمتنع من صغير السباع -
كاطفال الابل والبقر
والخيل والحمير والدجاج والاوز . وما شاكل - فالمشهور
الحاقه بالشاة في حكمها ، وعن
التذكرة نسبته الى علمائنا ، وهو الحجة فيه ، ويؤيده ان
المستفاد من النصوص الواردة
في البعير والشاة ان المدار على الامتناع والاستغناء حتى
يأتي صاحبه وعدمه . وبما
ذكرناه يظهر حكم مالو كان من قبيل الغزلان واليحامير وما
شابههما اذا ملكت ثم
ضلت ، وانها تلحق بالبعير ، لانها تمتنع عن السباع بسرعة
العدو ، وتستغني بالرعي في
الفلاة ، فما ذكرناه في البقرة جار فيها .
ثم ان هذا كله في الضالة في الفلاة ، وهي الارض غير
المأهولة . واما لو وجدت
في العمران الذي هو المأهول ، فلا يحل اخذها ممتنعة كانت
او غير ممتنعة ، للاصل -
وهو عدم جواز وضع اليد على مال الغير بغير رضاه - وفي
العلل المذكورة في النصوص
] وينفق مع تعذر السلطان ويرجع بها ، [
اشارة اليه ، وصحيحا صفوان وعلي بن جعفر المتقدمان
المتضمنان لبيان تعريف الضالة
لا يدلان على الجواز ، لعدم كونهما في مقام البيان من
هذه الجهة وقد خرج عن ذلك
الشاة ، وقد مر الكلام فيها .
الثانية : ( و ) لو اخذ الضالة عليه ان ( ينفق ) عليها (
مع تعذر السلطان ) بل
ومع امكانه ، لانه ان لم يكن الاخذ جائزا فهو غاصب ويجب عليه
حفظها ليردها على
المالك ، والانفاق من مقدمات الحفظ ، وان كان جائزا فهي
امانة شرعية في يده ويجب
حفظ الامانة من التلف ، وان اخذها وتملكها في ما كان
جائزا فهي مملوكته وانفاق
المملوك واجب . ( و ) على التقادير لا وجه للتقييد بصورة
تعذر السلطان .
ولو انفق عليها ، فهل ( يرجع بها ) على المالك ام لا ؟
الظاهر هو الثاني في مورد
عدم جواز الاخذ ، لان الانفاق ليس بأمر المالك ولا اذنه
ولا اذن من الشارع
الاقدس ، ومجرد عود نفعه الى المالك لا يوجب ضمانه لها .
اضف اليه انه مع عدم جواز
الاخذ يكون غاصبا ، وقد صرح في صحيح ابي ولاد بان الغاصب
لا يرجع ، قال قلت
له : جعلت فداك ، فقد علفته بدراهم فلي عليه علفه ؟ قال
عليه السلام ، لا لانك
غاصب ( 1 ) .
والاول في مورد جوازه ، لمفهوم الصحيح ، فان المستفاد
منه ان غير الغاصب له
الرجوع بما انفق على الضالة ، ولقوله عليه السلام في خبر
علي بن جعفر : انما يحل
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 7 من كتاب الغصب حديث 1 . ( * )
] ولو انتفع تقاص . واذا حال الحول على الضالة ونوى الاحتفاظ
فلا ضمان ،
ولو نوى التملك [
له بيعها بما انفق عليها ، ( 1 ) وقريب منه غيره ، حيث
انه يدل على جواز البيع لاخذ ما
انفق عليها . فالمتحصل انه مع اذن الشارع في الاخذ ، او
العلم برضا المالك به ،
يرجع فيما انفق عليها ، ولا يرجع بدون ذلك .
وان كان للضالة نفع - كالظهر والركوب او اللبن - فان كان
يجوز له اخذها
جاز الانتفاع به في مقابلة الانفاق ، بلا خلاف ، ويعضده
صحيح محمد بن احمد عن
الامام الصادق عليه السلام عن اللقيطة : لاتباع ولا تشرى
، ولكن تستخدمها بما
انفقت عليها ( 2 ) .
انما الخلاف في كيفية الاحتساب ، ففي المتن ( ولو انتفع
تقاص ) ونحوه ما في
الشرايع والنافع ، بل في الجواهر : هو خيرة جميع من تأخر
عن المصنف . وعن الشيخ
في النهاية : كان ذلك بازاء ما انفق . وكل من القولين
مخالف للقاعدة :
اما الاول ، فلان المقاصة مشروطة بشروط ذكرناها في كتاب
القضاء ، ولم يعتبر
احد شيئا منها في المقام .
واما الثاني ، فلان وقوع المعاوضة بين مال المالك الغائب
وما ينفق عليه خلاف
القواعد .
ولكن الذي يسهل الخطب معلومية ان له الانتفاع ، ولا ثمرة
للنزاع في انه هل
هو بعنوان المعاوضة او المقاصة .
الثالثة : ( واذا حال الحول على الضالة ونوى الاحتفاظ
فلا ضمان ) كما مر ،
بل عرفت انه لاضمان مع نية الاحتفاظ في اثناء الحول ايضا
. ( ولو نوى التملك
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 8 .
( 2 ) الوسائل - باب 22 من كتاب اللقطة حديث 4 . ( * )
] ضمن . [
ضمن ) كما تشهد به النصوص على ما مر ، فراجع .
الموضع الثالث : في لقطة المال الصامت . وهي لغة وعرفا :
كل مال غير الحيوان
ضايع ، ولا يد لاحد عليه ، ولو كانت هي يد ملتقط سابق .
وبالقيد الاخير يخرج المال
الضايع الذي سبقت عليه يد الالتقاط ، كما انه باعتبار
الضياع يخرج غير اللقطة من
افراد المال المجهول مالكه .
وان شئت قلت : ان المجهول مالكه الذي لا يد لاحد عليه
تارة يكون ضايعا
عن مالكه مثل ما يوجد في الطريق وشبهه ، واخرى لا يكون
ضايعا منه مثل ما يؤخذ
من يد السارق والغاصب وما جعل امانة ثم فقد مالكه وما
شاكل . والاول هو اللقطة
بالمعنى الاخص ، والثاني هو مجهول المالك ، فالفرق بين
العنوانين هو اعتبار صدق
اسم الضياع ولو بشاهد الحال من المالك في اللقطة دون مجهول المالك ، بل قيل ان
الاصل عدم ترتب احكام اللقطة مع عدم تحقق اسم الضياع .
اما مجهول المالك ، فقد اشبعنا الكلام فيه في المكاسب
المحرمة ، وبينا هناك ان
الاظهر فيه تعين الصدقة ، وذكرنا عدم اعتبار اذن الحاكم
، وان مصرفها الفقراء ويجوز
اعطائها الهاشمي .
والكلام في المقام في خصوص اللقطة ، وتمام البحث فيها في
طي مسائل .
] ويكره اخذ اللقطة ، [
الاولى : ( ويكره اخذ اللقطة ) مطلقا في مورد جوازه ،
كما مر في الموضع الثاني ،
وتشهد به نصوص كثيرة :
كصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام عن اللقطة ، قال
عليه
السلام : لا ترفعها ، فان ابتليت بها فعرفها سنة ( 1 )
الحديث .
وصحيح علي ابن جعفر عن اخيه عليه السلام في حديث ، قال :
وكان علي بن
الحسين يقول لاهله : لا تمسوها ( 2 ) .
ومرسل الصدوق ، قال الصادق عليه السلام : افضل ما
يستعمله الانسان في
اللقطة ، اذا وجدها ان لا يأخذها ولا يعترض لها ، فلو ان
الناس تركوا بما يجدونه لجاء
صاحبه فأخذه ، وان كانت اللقطة دون درهم فهي لك ( 3 )
الحديث ، ونحوها غيرها .
وما في جملة من تلك النصوص من النهي عن الاخذ محمول على الكراهة ،
للاجماع على عدم الحرمة ، وفي الجواهر : بل يمكن دعوى
القطع بفساد القول بالحرمة ،
او الضرورة فضلا عن الاجماع . ولمرسل الصدوق . وصحيح
زرارة عن ابي جعفر عليه
السلام عن اللقطة ، فأرانى خاتما في يده من فضة ، قال
عليه السلام : ان هذا مما جاء
به السيل ، وانا اريد ان اتصدق به ( 4 ) . ولما في جملة
منها من القرائن ، كالتعبير بلا يصلح
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من اللقطة حديث 10 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من ابواب اللقطة حديث 12 .
( 3 ) الوسائل باب 2 من اللقطة حديث 9 .
( 4 ) الوسائل باب 7 من ابواب اللقطة حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
ولا ينبغي وغير ذلك .
وانما الخلاف وقع في جواز اخذ لقطة الحرم وعدمه ، وفي
المسالك : اختلف
الاصحاب في لقطة الحرم على اقوال منتشرة حتى من الرجل في
كتاب واحد . وعلى
هذا فلا بد من ملاحظة الادلة بلا نظر الى اقوال الفقهاء .
فقد استدل للحرمة بقوله تعالى ( او لم يروا انا جعلنا
حرما آمنا ) ( 1 ) بدعوى
ان مقتضاه ان يكون الانسان آمنا فيه على نفسه وماله ،
وهو ينافي جواز اخذه .
وبجملة من النصوص :
كحسن الفضيل بن يسار عن ابي عبد الله عليه السلام عن
الرجل يجد اللقطة
في الحرم ، قال عليه السلام : لا يمسها ، واما انت فلا
بأس لانك تعرفها ( 2 ) .
وخبره الآخر عن ابي جعفر عليه السلام عن لقطة الحرم ،
فقال عليه السلام :
لا تمس ابدا حتى يجئ صاحبها فيأخذها . قلت : فان كان
مالا كثيرا ؟ قال : فان لم
يأخذها الا مثلك فليعرفها ( 3 ) .
وخبر علي بن ابي حمزة عن العبد الصالح موسى بن جعفر
عليهما السلام عن
رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه ، قال عليه السلام : بئس
ما صنع ما كان ينبغي له ان
يأخذه . قلت : قد ابتلى بذلك ؟ قال : يعرفه . قلت : فانه
قد عرفه يجد له باغيا ؟ فقال
عليه السلام : يرجع الى بلده فيتصدق به على اهل بيت من
المسلمين ، فان جاء طالبه
فهو له ضامن ( 4 ) .
..........................................................................
( 1 ) سورة العنكبوت آية 67 .
( 2 ) الوسائل باب 28 من ابواب مقدمات الطواف حديث 5 .
( 3 ) الوسائل - باب 28 - من ابواب مقدمات الطواف من كتاب الحج
حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 17 من كتاب اللقطة حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
ومرسل ابراهيم بن ابي البلاد ، قال الماضي ( اي العسكري
عليه السلام ) :
لقطة الحرم لا تمس بيد ولا برجل ، ولو ان الناس تركوها
لجاء صاحبها واخذها ( 1 ) .
وخبر يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله عليه السلام عن
اللقطة ونحن يومئذ
بمنى ، فقال عليه السلام : اما بارضنا فلا يصلح ، واما
عندكم فان صاحبها الذي يجدها
يعرفها سنة في كل مجمع ثم هي كسبيل ماله ( 2 ) .
ولكن الآية الكريمة لا تدل على المنع من الاخذ ، فان
المراد من كونه آمنا هو
كونه آمنا في الدنيا أو الآخرة ، وهذا لا ينافي جواز
الالتقاط مع البناء على التعريف .
واما النصوص وان اتعب سيد الرياض نفسه الزكية لاثبات
دلالتها على الحرمة ، بعد
ادعاء جبر ضعف السند في جملة منها بالشهرة ، الا ان
الانصاف ان ملاحظة مجموعها
توجب الاطمينان بالكراهة ، فان فيها قرائن دالة
على ذلك :
منها : التصريح في حسن الفضيل بعدم الباس ، معللا بانك
تعرفها .
ومنها : قوله في خبره الآخر : فان لم يأخذها الا مثلك
فليعرفها ، فان ذلك بعد
النهي عن المس ظاهر في جوازه لمثله ، ومن المعلوم انه لو
كان حراما لساوى مع غيره .
ومنها : قوله : لا يصلح ، في خبر ابن شعيب .
ومنها : ان في جملة من النصوص الآتية المتضمنة لحكمه بعد
الاخذ من دون
تعرض فيها للنهي .
ومنها : غير تلكم من القرائن الموجبة للاطمينان بعدم
الحرمة . فاذا الاظهر هو
الكراهة مطلقا .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب اللقطة حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 28 من ابواب مقدمات الطواف حديث 1 . ( * )
] فان اخذها وكانت دون الدرهم ملكها ، [
الثانية : ( فان اخذها وكانت دون الدرهم ملكها ) بغير
تعريف ، بلا خلاف
اجده فيه ، كذا في الجواهر ، بل عليه الاجماع عن التذكرة
وغيرها .
ويشهد به مرسل
الصدوق المتقدم : وان كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا
تعرفها ، فان وجدت في
الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا تعرفه ( 1 ) .
وخبر ابي بصير عن الامام الباقر عليه السلام : من وجد
شيئا فهو له فليتمتع
حتى يأتيه طالبه ، فاذا جاء طالبه رده اليه ( 2 ) فان
اطلاقه يشمل ما دون الدرهم ، ويدل
على جواز التملك بدون التعريف .
وخبر محمد بن ابي حمزة الصحيح بابن ابي عمير ، عن بعض
اصحابنا ، عن
الامام الصادق عليه السلام عن اللقطة ، قال عليه السلام
: تعرف سنة ، قليلا كان او
كثيرا ، قال : وما كان دون الدرهم فلا يعرف ( 3 ) .
وظهور الاولين في الملكية لا ينكر . وتمام الكلام بالبحث
في جهات .
1.
هل يختص ذلك
بلقطة غير الحرم ، ام يعم لقطته ؟ قولان ، بل ظاهر الشرايع
والنافع عدم الخلاف في الثاني ، بل عن الخلاف الاجماع
عليه ، وهو الاظهر ، لاطلاق
النصوص المتقدمة . ولا يعارضها اطلاق ما دل على عدم تملك
لقطة الحرم ، لانه بقرينة
ما فيه من التفصيل بين لقطة الحرم ولقطة غيره ، والحكم
بالتصدق في الاولى وجواز
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة - حديث 9 .
( 2 ) الوسائل باب 4 - من كتاب اللقطة - حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 4 من كتاب اللقطة حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
التملك في الثانية بعد التعريف حولا ، يختص بالازيد من
الدرهم . ولو سلم اطلاق تلك
النصوص ايضا ، فالنسبة بينها وبين هذه عموم من وجه ،
وتقدم نصوص الباب لما
سمعته من دعوى عدم الخلاف .
2.
ظاهر المرسل
وخبر ابي بصير حصول الملكية بمجرد الاخذ ، ولو لم يقصد
التملك .
وعن القواعد اعتبار نية التملك . وقواه في الجواهر ،
مستدلا له بان المرسل
ضعيف السند ، والمتيقن من الاجماع حصول الملكية بعد
النية . وبظهور الادلة في عدم
الفرق بين القليل والكثير الا بالتعريف ، ومن المعلوم
اعتبار النية في الثاني . وباصالة
عدم الملك حتى ينويه .
ويرد الاول ما مر من اعتباره ، مضافا الى ان ضعفه لو كان
منجبر بالعمل .
والثاني انه ليس في النصوص ما يتضمن عدم الفرق بين
القليل والكثير الا
بذلك .
والثالث ان الاصل لا يرجع اليه مع الدليل . فالاظهر عدم
اعتبارها .
3.
ظاهر المتن
والارشاد والمحكي عن الشيخين والديلمي وابن حمزة انه لا
يضمن ، فلو جاء لا يغرم له قيمته مع التلف ، ولا يرد
العين مع بقائها ، بل عن النهاية
والغنية التصريح بذلك ، بل في محكي المختلف انه المشهور
. وعن الغنية الاجماع عليه ،
للاصل ، وظاهر قوله عليه السلام " لك " في
المرسل .
وعن القواعد والايضاح والتنقيح والرياض الضمان . واستدل
له في الرياض
بعدم صراحة النصوص في التملك ، بناء على عدم صراحة اللام
فيه . وبان نصوصها ما
بين ضعيف السند كالمرسل ، وغير متضمن عدا نفي وجوب
التعريف في هذا المقدار ،
وهو لا يستلزم التملك .
[ . . . ]
ويرده كفاية الظهور ، ولا تعتبر الصراحة في الدليل ،
وانكار ظهور اللام في
الملكية مكابرة . والمرسل قد عرفت اعتباره ، مضافا الى
انجبار ضعفه لو كان بالعمل .
فالحق ان يقال : ان مقتضى القاعدة عدم الضمان ، بمعنى
انه مع بقاء العين
لا يجب ردها ، ومع تلفها لا يجب رد بدلها ، اذ بعد ما
صارت له لا موجب للضمان . لكن
خبر ابي بصير المتقدم دال على انه مع بقاء العين اذا جاء
طالبها وجب الرد ، فيلتزم به
في خصوص صورة البقاء .
وما عن الايضاح والتنقيح من ان الخبر بعد الاجماع على
عدم وجوب رد العين ،
يحمل على ارادة رد القيمة ، غريب ، اذ لا اجماع على عدم
وجوبه ، وعلى فرضه يطرح
الخبر ، او يحمل على الرجحان لا انه يحمل على ارادة معنى
آخر .
4.
هل يختص هذا
الحكم بما دون الدرهم ، ام يعم الدرهم ؟ قولان ، اقواهما
الاول ، فالدرهم كالزايد في التعريف ، لاختصاص المرسل
وخبر ابن ابي حمزة بما دون
الدرهم ، بل في الخبر حكم عليه السلام أولا بوجوب
التعريف في القليل والكثير ، ثم
استثنى خصوص ما دون الدرهم .
واستدل له في الرياض والجواهر بالصحيح عن الرجل يصيب
درهما او ثوبا
او دابة ، قال عليه السلام : يعرفه سنة . والظاهر ان
المراد به صحيح علي بن جعفر
المتقدم ( 1 ) والموجود في نسخة الوسائل الموجودة عندي
" دراهم " بدل " درهما " ، وعليه
فهو لا يدل على ذلك .
قال في النافع : فيه روايتان ، وفي الرياض والجواهر عدم
الوقوف عليهما .
الظاهر ان مراد المحقق من رواية الالحاق خبر ابي بصير
المتقدم ، الدال على
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة - حديث 13 . ( * )
] وان كانت درهما فما زاد عرفها حولا [
ان اللقطة لواجدها مطلقا بدون التعريف ( 1 ) خرج عنه ما
زاد عن الدرهم وبقى الباقي .
ولكن النسبة بينه وبين نصوص التعريف التباين من حيث
المورد ، والاطلاق والتقييد
من حيث اعتبار التعريف ، فيقيد اطلاقه من هذه الجهة بها
، ثم يقيد اطلاق الجميع من
حيث كونها اقل من الدرهم او الازيد بما تقدم من الاخبار
. فالمتحصل من النصوص
بعد ضم بعضها الى بعض إلحاق الدرهم بما زاد عليه .
( وان كانت ) اللقطة ( درهما فما زاد عرفها حولا ) بلا
خلاف ، بل عليه الاجماع
في جملة من الكلمات . ويشهد به صحيح الحلبي عن الامام
الصادق عليه السلام في
حديث ، قال : واللقطة يجدها الرجل ويأخذها ؟ قال عليه
السلام : يعرفها سنة ، فان جاء
لها طالب والا فهي كسبيل ماله ( 2 ) .
وخبر كثير ، سأل رجل امير المؤمنين عليه السلام عن
اللقطة ، فقال عليه
السلام : يعرفها ، فان جاء صاحبها دفعها اليه والا حبسها
حولا ، فان لم يجئ صاحبها
او من يطلبها تصدق بها ( 3 ) ونحوهما غيرهما من النصوص
الكثيرة الآتية جملة منها .
ومقتضى اطلاق جملة منها وصراحة اخرى عدم الفرق في وجوب
ذلك بين لقطة
الحرم ولقطة غيره ، وايضا عدم الفرق في لقطة غير الحرم
بين صورة ارادة التملك
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من اللقطة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 2 . ( * )
] فان كانت في الحرم تصدق بها بعده ولا ضمان او استبقاها
امانة ،
[
وصورة ارادة التصدق او الحفظ كما عليه الاكثر .
وعن المبسوط اختصاص وجوب التعريف حولا بالصورة الاولى ،
محتجا بان
التعريف انما وجب لتحقق شرط التملك ، فاذا لم يقصده لم
يجب ويكون مالا مجهول
المالك . وفيه : انه مناف لصراحة جملة من النصوص
المتضمنة للتعريف حولا ثم يتصدق
به ، فلا اشكال في وجوب التعريف حولا مطلقا .
( فان كانت في الحرم تصدق بها بعده ) اي بعد تعريف السنة (
ولا ضمان ، أو
استبقاها امانة ) في يده ، ولا يجوز له ان يتملكها ، بلا
خلاف في شئ من تلكم ، الا
في عدم جواز التملك فقد جوزه الحلبي .
اما التصدق ، فتشهد به نصوص كثيرة كخبر علي بن ابي حمزة
عن الامام
الكاظم عليه السلام عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه ،
قال عليه السلام : بئس ما
صنع ، ما كان ينبغي له ان يأخذه . قال قلت : قد ابتلي
بذلك ؟ قال عليه السلام : يعرفه .
قلت : فانه قد عرفه فلم يجد له باغيا ؟ فقال عليه السلام
: يرجع الى بلده فيتصدق به
على اهل بيت من المسلمين ، فان جاء طالبه فهو له ضامن (
1 ) .
وخبر اليماني عن الامام الصادق عليه السلام : اللقطة
لقطتان : لقطة الحرم
وتعرف سنة فان وجدت صاحبها والا تصدقت بها ، ولقطة غيرها
تعرفه سنة فان جاء
صاحبها والا فهي كسبيل مالك ( 2 ) ونحوهما غيرهما
وظاهرها تعين الصدقة . ولكن يمكن ان يقال : ان الامر
بالصدقة لوروده مورد
توهم الحظر بالنسبة الى حفظ المال لصاحبه الذي هو مقتضى
القاعدة ، والاصل
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب اللقطة - حديث 2 .
( 2 ) الوسائل - باب 28 - من ابواب مقدمات الطواف - حديث 4 . (
* )
[ . . . ]
لا يستفاد منه اللزوم ، فيتخير بين الصدقة واستبقائها
امانة .
واما التملك ، فقد استدل له تارة باطلاق ما دل على تملك
اللقطة بعد التعريف .
واخرى بخبر الفضيل بن غزوان ، قال : كنت عند ابي عبد
الله عليه السلام فقال له
الطيار : ان ابن حمزة وجد دينارا في الطواف قد انسحقت
كتابته ، قال عليه السلام : هو
له ( 1 ) . وثالثة بمرسل الصدوق عن الامام الصادق عليه
السلام : فان وجدت في الحرم
دينارا مطلسا ، فهو لك لا تعرفه ( 2 ) .
ولكن الاطلاق يقيد بما مر . والخبرين لم يعمل بهما احد
سوى الصدوق ، لانهما
يدلان على جواز التملك بدون التعريف ، بل في الثاني
منهما النهي عن ذلك ، فيتعين
حملهما على صورة العلم باليأس عن معرفة المالك .
واما الضمان على فرض التصدق ، فيشهد به خبر علي بن ابي
حمزة ، واطلاق ما
ورد في مطلق اللقطة ، كصحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه
السلام عن الرجل
يصيب اللقطة فيعرفها سنة ثم يتصدق بها فيأتي صاحبها ، ما
حال الذي تصدق بها
ولمن الاجر ، هل عليه ان يرد على صاحبها او قيمتها ؟ قال
عليه السلام : هو ضامن لها
والاجر له ، الا ان يرضى صاحبها فيدعها والاجر له ( 3 )
ونحوه غيره ، ولا وجه
لتخصيص هذه النصوص بلقطة الحرم . واما على فرض الاستبقاء
، فالظاهر عدمه على
المختار من عدم حرمة اخذ لقطة الحرم ، لان المال حينئذ
امانة شرعية عنده ، فلا يكون
عليه ضمان بتلفه .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب اللقطة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل - باب 2 من كتاب اللقطة حديث 9 .
( 3 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 14 . ( * )
] وان كانت في غيره فان نوى التملك جاز ويضمن ، وكذا ان تصدق
بها ولو
نوى الحفظ فلا ضمان . [
فان قيل : ان عموم على اليد قاض به .
قلنا : انه خصص باليد الامانية ، شرعية كانت ام مالكية .
نعم ، يتم الاستدلال
به له على القول بعدم جواز الاخذ ، لانه حينئذ كالغاصب .
( وان كانت في غيره ) اي في غير الحرم ( فان نوى التملك )
بعد التعريف ( جاز
ويضمن ، وكذا ان تصدق بها . ولو نوى الحفظ فلا ضمان ) .
فها هنا فرعان :
احدهما : انه يتخير بين التملك والتصدق والحفظ .
ثانيهما : ان عليه الضمان على الاولين دون الاخير .
اما الاول فهو المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة ، بل عليه
الاجماع عن
التذكرة وغيرها . واستشكل في جواز الابقاء والحفظ في الرياض
، قال : ان ظاهر
الاخبار تعين احد الاولين .
والنصوص الواردة في المقام على طوائف :
الاولى : ما يدل على الصدقة ، كصحيح علي بن جعفر المتقدم
، وخبر كثير عن
امير المؤمنين عليه السلام المتقدم : فان لم يجئ صاحبها
ومن يطلبها تصدق بها ، فان
جاء صاحبها بعد ما تصدق بها ان شاء اغترمها الذي كانت
عنده وكان الاجر له ،
وان كره ذلك احتسبها والاجر له ( 1 ) .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من اللقطة حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
وخبر حفص بن غياث عن الامام الصادق عليه السلام في رجل
أودعه رجل
من اللصوص دراهم او متاعا واللص مسلم ، هل يرد عليه ؟
فقال عليه السلام : لا يرده ،
فان أمكنه ان يرده على اصحابه فعل ، والا كان في يده
بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها
حولا ، فان اصاب صاحبها ردها عليه والا تصدق بها ، فان
جاء طالبها بعد ذلك خيره
بين الاجر والغرم ( 1 ) الحديث ، ونحوها غيرها .
الثانية : ما يدل على جواز التملك ، كخبر داود بن سرحان
- الذي ليس في
سنده من يتوقف فيه سوى سهل ، والامر فيه سهل لانه يعتمد
على خبره - عن الامام
الصادق عليه السلام في اللقطة : يعرفها سنة ، ثم هي كسائر
ماله ( 2 ) .
وخبر حنان عنه عليه السلام عن اللقطة : تعرفها سنة ، فان وجدت صاحبها
والا فانت احق بها ، وقال : هي كسبيل مالك ، وقال : خيره
اذا جاءك بعد سنة بين
اجرها وبين ان تغرمها له اذا كنت أكلتها ( 3 ) وفي نقل
اخر : " فانت املك بها " بدل
" احق بها " .
وصحيح علي بن مهزيار : فالغنائم والفوائد - يرحمك الله -
فهي الغنيمة يغنمها
المرء والفائدة يفيدها ، والجائزة من الانسان للانسان
التي لها خطر ، الى ان قال : ومثل
ما يؤخذ ولا يعرف له صاحب ( 4 ) .
وصحيح ابي بصير عن الامام الباقر عليه السلام : من وجد
شيئا فهو له ،
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 18 - من كتاب اللقطة - حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 11 .
( 3 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 5 .
( 4 ) الوسائل باب 8 - من كتاب الخمس حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ( 1 ) ونحوها غيرها .
الثالثة : ما يدل على جواز الحفظ ، كصحيح علي بن جعفر عن
اخيه عليه
السلام عن الرجل يصيب اللقطة دراهم او ثوبا او دابة ،
كيف يصنع ؟ قال : يعرفها
سنة ، فان لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتى يجئ
طالبها فيعطيها اياه ،
وان مات اوصى بها فان اصابها شئ فهو ضامن ( 2 ) .
وصحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام عن
اللقطة : لا ترفعها ،
فان ابتليت بها فعرفها سنة ، فان جاء طالبها والا
فاجعلها في عرض مالك يجري
عليها ما يجري على مالك حتى يجئ لها طالب ، فان لم يجئ
لها طالب فاوص بها في
وصيتك ( 3 ) ونحوه صحيحه الاخر عن احدهما عليهما السلام
( 4 ) بناء على ان المراد
بجعلها في عرض المال حفظها فيه من غير عزل لها عنه ، قال
المحدث الكاشاني : اي
في جملته وفيما بينه من غير مبالاة بترك عزلها عنه ،
انتهى .
الرابعة : ما ظاهره انها للامام عليه السلام ، كخبر داود
بن ابي يزيد عن الامام
الصادق عليه السلام ، قال له رجل : اني قد اصبت مالا
واني قد خفت فيه على نفسي ،
فلو اصبت صاحبه دفعته اليه وتخلصت منه ، فقال له ابو عبد
الله عليه السلام : والله ، ان
لو اصبته كنت تدفعه اليه ؟ قال : اي والله . قال : فانا
- والله - ماله صاحب غيري ، قال :
فاستحلفه ان يدفعه الى من يأمره ، قال : فحلف ، فقال :
فاذهب فاقسمه في اخوانك ،
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 4 من كتاب اللقطة حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث - 13 .
( 3 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 10 .
( 4 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة - حديث 3 . ( * )
] ولو كانت مما لا يبقى انتفع بها بعد التقويم وضمن القيمة ،
او يدفعها الى
الحاكم فلاضمان . [
ولك الامن مما خفت منه ، قال : فقسمته بين اخواني ( 1 ) .
والجمع بين الطوائف الثلاث الاول يقتضي البناء على
التخيير بين الثلاثة -
اي التملك ، والحفظ ، والتصدق - فان نصوص التملك صريحة
في الجواز وعدم لزوم
التصدق او الحفظ ، فيحمل الامر بكل منهما ، مضافا الى
عدم ظهوره في نفسه في التعيين
على اراده بيان احد افراد التخيير . واما الاخيرة فالخبر
ضعيف لحجال ، مع انه يحتمل
فيه وجوه :
منها : ما هو اساس الاستدلال ، وهو كونه لقطة غيره ،
لكنه تكون له .
ومنها : كون ما اصابه لقطته عليه السلام ، فامر بالصدقة
على الاخوان تبرعا .
ومنها : كونه لقطة من غيره ، لكنه عرف انه لا وارث له ،
فيكون المال له .
ومنها غير ذلك . فلا يصح الاستدلال به للاجمال .
واما الفرع الثاني ، فيشهد لثبوت الضمان مع التملك او
الصدقة النصوص
المتقدمة الواردة في كل منهما . واما ثبوته مع الحفظ ،
فيدل عليه ايضا ما تقدم من نصوصه
وان كان خلاف قاعدة الامانة ، الا ان الظاهر تسالمهم على
عدم الضمان معه .
حكم ما لو كانت اللقطة مما لا يبقى
الثالثة : ( ولو كانت مما لا يبقى ) كالطعام والرطب الذي
يفسد والبقول
ونحوها ، ( انتفع بها بعد التقويم وضمن القيمة ، او يدفعها
الى الحاكم فلا ضمان )
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 7 - من كتاب اللقطة حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
بلا خلاف في شئ من تلكم . فهاهنا احكام :
1.
ان له
الانتفاع بها بعد التقويم . ويشهد به قوي السكوني عن ابي عبد الله
عليه السلام : ان امير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة
وجدت في الطريق مطروحة ،
كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين ، فقال امير
المؤمنين عليه السلام : يقوم
ما فيها ثم يؤكل ، لانه يفسد وليس له بقاء ، فان جاء
طالبها غرموا له الثمن . فقيل :
يا امير المؤمنين ، لا يدري سفرة مسلم او سفرة مجوسي ؟
فقال عليه السلام : هم في سعة
حتى يعلموا ( 1 ) .
ومرسل الصدوق عنه عليه السلام : وان وجدت طعاما في مفازة
فقومه على
نفسك لصاحبه ثم كله ( 2 ) .
وهل له ان يبيعها من غيره كما عن المصنف والكركي وثاني
الشهيدين وغيرهم ،
بل عن التذكرة الاجماع عليه ، ام لا يجوز ذلك ؟ وجهان
مبنيان على ان ما هو ظاهر
الخبر الاول وصريح الثاني من انه يقوم على نفسه ، اريد
به المثال والا فمن المقطوع
به عدم الفرق بين تقويمها على نفسه او على الغير ، أو له
خصوصية فلا موجب لرفع
اليد عن اصالة عدم جواز بيع مال الغير . والاظهر هو
الاول ، لما مر ، ولعموم التعليل ،
ويؤيده ما دل على جواز بيع الجارية لمن التقطها بما ينفق
عليها . وعلى هذا فلا يحتاج
الى اذن الحاكم .
2.
ان له ان
يدفعها الى الحاكم . ووجهه : ان الحاكم ولي الغيب ، من جهة ان
حفظ مال الغائب والتصرف فيه بما فيه صلاحه من وظائف حكام
الجور ، وقد دل
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 23 - من كتاب اللقطة - حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللقطة حديث 9 . ( * )
[ . . . ]
الدليل ( 1 ) على ان جميع ما هو من وظائفهم ثابتة للحاكم
الشرعي ، كما مر وسيأتي
مفصلا . ولا ينافيه الخبران ، لان الامر فيهما لوروده
مورد توهم الحظر لا يدل على ازيد
من الجواز .
3.
انه لوقومها
على نفسه ضمن قيمتها ، ويشهد به - مضافا الى عدم الخلاف
فيه - الخبران المتقدمان .
4.
انه لو دفعها
الى الحاكم فلا ضمان . ووجهه : ان الدفع الى الحاكم من قبيل
الدفع الى المالك نفسه لانه وليه ، فلا وجه للضمان بعد
ذلك .
وهل يجب التعريف كما صرح به المصنف ره والشهيد الثاني
وهو ظاهر
الاصحاب كما في الجواهر ، ام لا يجب كما عن بعض الاجلة ؟
وجهان ، اظهرهما الاول ،
لاطلاق ادلة التعريف ، ولا ينافيه التصرف المزبور فيه
قبله ، فيعرفه حينئذ نفسه دون
الثمن .
ولو افتقر ابقاء اللقطة الى علاج كالرطب المفتقر الى
التجفيف ، فعن الشيخ
والمصنف ره والمحقق يرفع خبرها الى الحاكم ، يبيع بعضا
وينفقه في اصلاح الباقي ، ان
رأى الحاكم الحط في بيعه اجمع جاز . وعن التحرير
والتذكرة والدروس والمسالك
التخيير بين ذلك وبين فعله ، وقواه في الجواهر .
اما خبر السكوني ومرسل الصدوق المتقدمان فهما مختصان
بغير المورد ، وفي
الفرض لابد من ملاحظة القواعد ، فقد يقال : ان مقتضى
اصالة عدم جواز بيع مال
الغير ان لا يجوز للملتقط ، واما الحاكم فقد مر انه ولي
الغائب ، ولكن يمكن ان يقال :
انه بعد الالتقاط يكون المال امانة شرعية عنده فهو مأمور
بحفظه ، والفرض ان
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب صفات القاضي من كتاب
القضاء . ( * )
] ويكره اخذ ما يقل قيمته ويكثر نفعه . وما يوجد في فلاة او
خربة فلو اجده . [
الحفظ متوقف على ذلك فيجوز ، ويعضده ما دل على جواز بيع
اللقيط فيما انفق
عليه ( 1 ) . فالاظهر هو التخيير .
( و ) الرابعة : المشهور بين الاصحاب انه ( يكره له اخذ ما
يقل قيمته ويكثر
نفعه ) كالعصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال واشباهها ،
وقد مر الكلام في ذلك
وعرفت انه يكره اخذ اللقطة مطلقا . نعم ، في هذه الاشياء
لعلها آكد ، من جهة ورود
النص بالنهي عنه في بعضها ( 2 ) وان دل آخر على عدم
البأس به ( 3 ) .
الخامسة : ( وما يوجد في فلاة او خربة فلواجده ) بلا
خلاف فيه في الجملة ،
وان اضطربت كلماتهم في بيان موضوع الحكم بنحو يكون جامعا
ومانعا . والمستند
صحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام عن الدار يوجد فيها الورق ، فقال
عليه السلام : ان كانت معمورة فيها اهلها فهي لهم ، وان
كانت خربة قد جلا عنها
اهلها فالذي وجد المال احق به ( 4 ) ونحوه صحيحه الاخر
عن احدهما عليه السلام ( 5 ) .
وما في الخبرين من انه ان كانت الدار معمورة فما وجد
لاهلها ، انما هو من
جهة قاعدة اليد ، فان اليد على الدار امارة ملكيتها وما
فيها .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 2 من كتاب اللقطة حديث 8 .
( 2 ) الوسائل باب 12 من كتاب اللقطة حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 12 - من كتاب اللقطة - حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 5 من كتاب اللقطة حديث 1 .
( 5 ) الوسائل باب 5 من كتاب اللقطة حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
ثم ان الخبرين - مضافا الى انه ليس فيهما ما يشهد بانه
لواجده ، فانهما
متضمنان ان الواجد احق به ، ويلائم ذلك مع ان له التملك
بعد التعريف سنة وان له
ولاية حفظه - يعارضهما موثق محمد بن قيس عن ابي جعفر
عليه السلام : قضى علي
عليه السلام في رجل وجد ورقا في خربة ان يعرفها ، فان
وجد من يعرفها والاتمتع
بها ( 1 ) .
وقد جمع الاصحاب بين النصوص تارة بحمل الموثق على ما
عليه اثر الاسلام ،
والصحيحين على ما لا اثر عليه . واخرى بحمل الصحيحين على
ما لا مالك معروف
له ، والموثق على ماله مالك معروف . وثالثة بحمل
الصحيحين على ما يوجد في تلكم
الاماكن مما هو معلوم او ظاهر في انه للاعصر السالفة ،
والموثق على الموجود فيها مما
هو معلوم او ظاهر لاهل ذلك الزمان . ولكن شيئا منها ليس
عرفيا .
وفي المسالك اورد على الموثق بان محمد بن قيس مشترك بين
الثقة والضعيف .
وفيه : انه بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه هو الثقة .
فالحق هو الجمع بتقييد اطلاق الاولين بالموثق ، وحملهما
على اراده ان المال
لواجده بعد التعريف ، كما انه قد ورد نظير ذلك في مطلق
اللقطة ، لاحظ صحيح ابي
بصير المتقدم : من وجد شيئا فهو له فليتمتع به ، فكما
انه يحمل على ما بعد التعريف
كذلك هذان الخبران .
فالمتحصل ، انه لا خصوصية للخربة . وعلى هذا ، فالخربة
ان كانت بحيث
يدخلها احد ولو من جهة كونها في الطريق فيمر منها فحكمها
حكم غيرها ، والا
فحيث لا اثر للتعريف لا محالة يكون ساقطا ، فله ان يتملك
بمجرد الالتقاط او
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 5 من كتاب اللقطة حديث 5 . ( * )
] ولو كان في مملوكة عرف المالك فان عرفه فهو له ، والا
فللواجد ،
[
يتصدق به . وكذا في كل مورد سقط التعريف ، للعلم بعدم
العثور على صاحب المال ،
او انه لا يتمكن صاحبه من اثبات انه له ، او لا يعرف هو
ايضا من جهة عدم العلامة
لما وجد ، فانه في جميع هذه الموارد يسقط التعريف ،
فيرجع الى اطلاق مثل صحيح ابي
بصير وغيره الدال على التملك او الصدقة .
( و ) مما ذكرناه ظهر انه ( لو كان ) ما وجد ( في مملوكة
عرف المالك فان عرفه
فهو له ) ، لدلالة الصحيحين عليه ، مضافا الى قاعدة اليد
، وموثق اسحاق ( 1 ) ايضا
شاهد به .
وهذا لا اشكال فيه ، انما الاشكال فيما افاده بقوله (
والا فللواجد ) ، اذ لا دليل
عليه اصلا ، والتمسك بفحوى ما في الصحيح الاتي الوارد في
المأخوذ من جوف الدابة
غير صحيح ، بل موثق اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم عليه
السلام عن رجل نزل
في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة ،
فلم تزل معه ولم يذكرها
حتى قدم الكوفة ، كيف يصنع ؟ قال عليه السلام : يسأل
عنها اهل المنزل لعلهم
يعرفونها . قلت : فان لم يعرفوها ؟ قال : يتصدق بها ( 2
) يدل على الصدقة به . اللهم الا ان
يقال : ان الموثق في مجهول المالك لا اللقطة .
وعليه فان صدق على المال الموجود في المملوك اللقطة بصدق
الضياع عن
مالكه عليه بان كان المملوك فندقا وشبهه ، تعين ترتيب
آثار اللقطة ، والا فهو مجهول
المالك ويلحقه حكمه ، وهو التصدق به بعد الفحص واليأس عن
العثور على مالكه .
والمصنف ره بعد ما حكم بان ما وجد في مملوك عرف المالك ،
فان عرفه فهو له
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 5 - من كتاب اللقطة - حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 9 - من كتاب اللقطة - حديث 1 . ( * )
] وكذا ما يوجد في جوف الدابة [
والا فللواجد ، قال : ( وكذا ما يوجد في جوف الدابة ) اي
يعرفه المالك او البايع ، وان
لم يعرفه فهو للواجد . وهذا هو المعروف بين الاصحاب ،
وعن التذكرة نسبته الى
علمائنا . والاصل في ذلك صحيح عبد الله بن جعفر : كتبت
الى الرجل عليه السلام
أسأله عن رجل اشترى جزورا او بقرة للاضاحي ، فلما ذبحها
وجد في جوفها صرة
فيها دراهم او دنانير او جوهرة ، لمن يكون ذلك ؟ فوقع
عليه السلام : عرفها البايع ،
فان لم يكن يعرفها فالشئ لك رزقك الله اياه ( 1 )
واطلاقه كالعبارة يقتضي عدم الفرق
بين ما عليه اثر الاسلام وغيره . فما عن المختلف والروضة
وغيرهما من انه في الاول
لقطة ، غير تام .
السادسة : في بيان الملتقط للمال ، فالمشهور بين الاصحاب
انه من له اهلية
الاكتساب ، فلو التقطه الصبي او المجنون جاز ، وعن بعضهم
انه من له اهلية الحفظ ،
وفي الشرايع اعتبر فيه احد الامرين ، وعن بعض اعتبار
الامرين معا .
توضيح ذلك : ان في اللقطة معنى الولاية والامانة في
الابتداء بالنسبة الى
حفظها وتعريفها ، ومعنى الاكتساب في الانتهاء بالنسبة
الى تملكها . وعليه فمنهم من
غلب فيها معنى الاكتساب ، فمنع من التقاط من ليس له
اهلية الاكتساب وان كان
اهلا للحفظ ، وجوز التقاط من له اهلية الاكتساب ، فجوز
التقاط الصبي والمجنون
والكافر والفاسق ، ولم يجوز التقاط العبد . ومنهم من عكس
، فجوز التقاط العبد ، ومنع
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 9 - من كتاب اللقطة - حديث 1 . ( * )
] ويتولى الولي التعريف لو التقط الطفل او المجنون
، [
من التقاط الصبي والمجنون . ومنهم من اكتفى باحد الامرين
، فجوز التقاط الصبي .
ومنهم من اعتبر الامرين ، فلم يجوز التقاط واحد منهم .
والحق ان يقال : ان اعتبار الامانة في الملتقط وكونه
اهلا للايتمان لا وجه له
اصلا ، اذا ليس في النصوص ما يشهد بذلك ، وهو وان كان
امينا شرعا بمعنى ان
الشارع اذن له في الاخذ والحفظ ، ولكن لا يكون ذلك مقيدا
بكونه محلا للامانة .
فالتقاط الكافر الاهل للاكتساب لا اشكال فيه ، واما
العبد فلا يهمنا التعرض
لحكمه ، واما الصبي فان اريد بجواز التقاطه جواز اخذه
فهو من الواضحات ، ثم بعد
الاخذ صدق عنوان اللقطة على ما اخذه قهري ، فيبقى
احكامها منها جواز التملك ،
مقتضى حديث رفع القلم ( 1 ) وغيره عدم جوازه مستقلا
والجواز باذن الولي ، وليس في
نصوص اللقطة ما يشهد باعتبار الاستقلال في التملك ، وكذا
الصدقة .
واما التعريف فله حكمان : احدهما الوجوب وهو مرفوع عن
الصبي ، والاخر
شرطيته للتملك او الصدقة بعد السنة ، وهي غير متوقفة على
بلوغ الملتقط .
واما الحفظ فله ايضا حكمان : الوجوب ، وصيرورة تركه
موجبا للضمان . اما
الاول فهو مرفوع عن الصبي ، واما الثاني فقد مر في محله
ان الضمان من الاحكام
التي لا ترتفع بحديث الرفع . وبه يظهر حال المجنون .
فالمتحصل مما ذكرناه انه لا ينبغي الاشكال في جواز
التقاط الصبي والمجنون
كالتقاط غيرهما من المكلفين ، غاية الامر ( يتولى الولي
) الصدقة او التملك بعد
( التعريف اذا التقطه الطفل او المجنون ) ، او يأذن لهما
في ذلك ان كانا قابلين له
بالتمييز .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 4 - من ابواب مقدمة العبادات حديث -
11 و
باب 36 من ابواب القصاص في النفس حديث 2 . ( * )
] ويكفي تعريف العبد في تملك المولى وله ان يعرف بنفسه وان
يستنيب ،
[
وهل يعتبر تولي الولي التعريف كما هو صريح المتن
والشرايع والنافع وغيرها ،
ام لا ؟ الظاهر هو الثاني ، فان التعريف وان كان وجوبه
مرفوعا عن الصبي ، ولكن
ليس مما يعتبر في وجوده التكليف وهو نظير الغسل الموجب
لحصول الطهارة ، وكذلك
الحفظ .
( ويكفي تعريف العبد في تملك المولى ) .
السابعة : في كيفية التعريف . لا خلاف ولا اشكال في انه يعتبر
التعريف سنة
كاملة ، وقد مر ما يشهد به . واما خبر ابان : اصبت يوما
ثلاثين دينارا فسألت ابا عبد الله
عليه السلام عن ذلك ، فقال : اين اصبته ؟ قال قلت له :
كنت منصرفا الى منزلي
فاصبتها . فقال : صر الى المكان الذي اصبت فيه فعرفه ،
فان جاء طالبه بعد ثلاثة ايام
فاعطه اياه والا تصدق به ( 1 ) فمطروح ، أو محمول على
غير اللقطة ، او على حصول
اليأس بذلك ، او غير ذلك من المحامل . وقد مر انه واجب
وان لم ينو التملك .
( و ) لا خلاف ايضا في ان ( له ان يعرف بنفسه وان يستنيب )
، وفي الجواهر :
بل الاجماع بقسميه عليه . وفي المسالك : لما كان الغرض من التعريف اظهار اللقطة
واشاعة خبرها ليظهر مالكها ، لم يتعلق غرض الشارع فيه
بمباشر معين ، فيجوز ان
يتولاه الملتقط ، ومن ينوب عنه من غلام وولد ، ومن
يستعين به ، ومن يستأجره عليه ،
وهو موضع وفاق . فالمستند في مقابل ظهور النصوص في اعتبار
المباشرة كما في سائر
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب اللقطة حديث 7 . ( * )
] ولا يشترط فيه التوالي [
التكاليف . الاجماع ، والسيرة ، ومناسبة الحكم الموضوع
التي هي قرينة على ارادة
الاعم .
وفي المتن ( ولا يشترط فيه التوالي ) ، وقريب من هذه
العبارة ما عن الشيخ
وفي الشرايع وعن غيرهم . والمراد به ان كان عدم اعتبار
استيعاب الحول بالتعريف
فهو اجماعي ، ويشهد به صدق التعريف سنة بدونه .
وان كان المراد به ما صرح به جماعة منهم الشهيد الثاني
من عدم اعتبار توالي
الشهور ، بان يجوز له ان يعرف شهرين ويترك شهرين ، وهكذا
حتى يتم له اثنى عشر
شهرا ، وعن التذكرة تشبيهه بما لو نذر صوم سنة انه يجوز
له التوالي والتفريق ، ففيه :
انه ان لم يكن اجماع يشكل ذلك ، فان المنساق من الامر
بالعمل المستمر في قطعة من
الزمان اعتبار التوالي فيه .
ولابد في الضابط في تعريف السنة من الرجوع الى العرف ،
كما هو الشان في
كل عنوان اخذ في الموضوع ولم يبينه الشارع . وفي المسالك
: وقد اعتبر العلماء فيه ان
يقع على وجه لا ينسى ان الثاني تكرار لما مضى ، ويتحقق
ذلك بالتعريف في الابتداء
في كل يوم مرة او مرتين ، ثم في كل اسبوع ، ثم في كل شهر
كذلك . ونحوه عن القواعد
وغيرها .
وايضا لابد وان يقع التعريف في وقت اجتماع الناس وبروزهم
كالغدوات
والعشيات وما شاكل ، وذلك مضافا الى وضوحه - حيث ان
التعريف انما هو ليطلع
صاحبه ، فلا بد وان يكون ذلك بمجمع من الناس - تشهد به
جملة من النصوص ، ففي
خبر ابي خديجة : فانه ينبغي ان يعرفها سنة في مجمع ( 1 )
وفي خبر سعيد بن عمرو
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 20 من كتاب اللقطة حديث 1 . ( * )
] ولا يكفى الوصف بل لابد من البينة [
الجعفي : اتق الله عز وجل وعرفه في المشاهد ( 1 )
ونحوهما غيرهما .
الثامنة : المشهور انه لا تدفع اللقطة الى مدعيها الا
بما يثبت دعواه ، ( ولا
يكفي الوصف ) اجماعا اذا لم يورث ظنا ( بل لابد من البينة
) على القول بعدم حجية
خبر الواحد العادل في الموضوعات ، لان الملتقط مكلف
بايصاله الى مالكه ، ولا يثبت
ذلك بدعواه المالكية .
وحق القول في المقام : انه تارة نقول بان الاصل سماع
دعوى كل مدع لا
معارض له ، كما يشهد به حديث الكيس ( 2 ) وخبر الطير ( 3
) وغيرهما ما سيأتي في كتاب
القضاء ، من غير فرق بين كون المال تحت يد من هو مأمور
بايصاله الى مالكه وغيره ،
فلابد في المقام من البناء على الرد على مدعيها ، وان لم
يأت بالبينة ولم يكن له شاهد ،
بل بمجرد عدم كونه متهما يرد اليه .
فان قيل : ان الاصحاب مجمعون على انها لا تدفع اليه
بمجرد دعواه .
قلنا : كلا ، فان الاكثر صرحوا بان التوصيف المفيد للظن
، سيما في الاموال
الباطنة كالذهب والفضة ، يكون كافيا .
واخرى لا نقول بذلك ، فان كان المدعي الواصف له ثقة تدفع
اليه ، لحجية
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 - من كتاب اللقطة حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 16 من ابواب كيفية الحكم من كتاب القضاء
حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 15 من كتاب اللقطة حديث 1 . ( * )
] والملتقط امين . [
خبر الواحد الثقة في الموضوعات ، وانما لا يكون حجة في
خصوص باب الخصومات
والقضاوة .
وان لم يكن ثقة ، فان أوجب توصيفه العلم او الاطمينان
تدفع اليه . وخبر سعيد
ابن عمر والجعفي ( 1 ) الطويل المتضمن لتقرير مولانا
الصادق عليه السلام ملتقط
الدنانير الدافع لها الى من وصفها من دون بينة على ذلك ،
والنبوي الذي امر فيه
بحفظ عفاصها ووكاها وعددها ( 2 ) شاهد ان به .
وان لم يوجب الاطمينان ، فلا تدفع اليه وان اوجب التوصيف
الظن ، لانه لا
يغني من الحق شيئا . ودعوى ان مناط اغلب الشرعيات الظن
فيلحق المقام به إلحاقا
له بالاعم الاغلب ، وايضا انه يتعذر اقامة البينة في
الاغلب فلولاه لزم عدم وصولها
الى مالكها كما في الرياض ، مندفعة بان مناط اكثر
الشرعيات الظنون الخاصة لا مطلق
الظن ، ومجرد تعذر اقامة البينة لا يكفي في الحكم بحجية
الظن الحاصل من التوصيف ،
مالاتتم مقدمات الانسداد التي منها العلم بان الشارع
الاقدس لا يرضى بعدم وصولها
الى مالكها حتى في حال عدم العلم بكونه مالكا ، وهو كما
ترى .
وبما ذكرناه يظهر ما في كلمات القوم في المقام .
التاسعة ( والملتقط امين ) لا يضمن في الحول وبعده لقطة
ولا لقيطا ولاضالة ما
لم يفرط او يتعدى ، بلا خلاف في شئ من تلكم ، وقد تقدم
مدرك ذلك كله في المباحث
المتقدمة .
العاشرة : ما وجده في داره او في صندوقه ، فان كان
يشاركه في التصرف فيهما
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 6 من كتاب اللقطة حديث 1 .
( 2 ) التذكرة ج 2 ص 624 . ( * )
] الفصل العاشر : في الغصب ، وهو حرام عقلا ويتحقق
بالاستيلاء
على مال الغير ظلما وان كان عقارا [
غيره فهو لقطة ، والا فهو له بلا خلاف .
ويشهد لهما صحيح جميل بن صالح ، قلت لابي عبد الله عليه
السلام : رجل وجد
في منزله دينارا ؟ قال عليه السلام : يدخل منزله غيره ؟
قلت : نعم كثير . قال عليه
السلام : هذه لقطة . قلت : فرجل وجد في صندوقه دينارا ؟
قال عليه السلام : يدخل احد
يده في صندوقه او يضع فيه شيئا ؟ قلت : لا : قال عليه السلام : فهو له ( 1 ) . وهذا الخبر
يدل على ما اخترناه من ان يد الانسان نفسه امارة على
الملكية ، فانه مع مشاركة غيره
لا يكون تحت يده مستقلا ، ومع الانحصار يكون تحت يده كما
هو واضح .
( وهو حرام عقلا ) وشرعا ، لان غصب مال الغير ظلم وقبح
الظلم عقلي ،
وبالملازمة بين الحكم العقلي - بمعنى درك القبح - والحكم
الشرعي يستفاد حرمته
شرعا ، وهذا هو مراده من الحرمة العقلية ، والا فمن
الواضح ان العقل ليس مشرعا
كي يحكم بالحرمة ، فان شأن القوة العاقلة الدرك لا
التشريع .
وللآيات الكريمة والنصوص المتواترة الدالة على حرمة
الظلم ، والنصوص
الكثيرة الدالة على حرمة الغصب خاصة وسيأتي طرف منها .
وعلى الجملة ، فحرمة
الغصب من الضروريات لا تحتاج الى اقامة الدليل عليها .
( ويتحقق بالاستيلاء على مال الغير ظلما وان كان عقارا )
كما عن الاكثر ،
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب اللقطة حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
ويوافق ذلك ما صرح به اهل اللغة من ان الغصب اخذ الشئ
ظلما ، فان المراد
بالاخذ ليس هو القبض بالجارحة بل المراد به الاستيلاء
على الشئ . وحيث ان اكثر
احكام هذا الفصل غير معلقة على عنوان الغصب ، فلا يهم
اطالة البحث في ذلك ،
والاولى صرف عنان الكلام الى تلكم الاحكام ، وتنقيح
القول فيها في طي مسائل .
حرمة التصرف في مال الغير بلا رضا صاحبه
الاولى : لا اشكال في انه يحرم التصرف في مال الغير من
دون رضاه ، ويشهد
به قوله عجل الله فرجه في خبر الاحتجاج : لا يحل لاحد ان
يتصرف في مال غيره
بغير اذنه ( 1 ) .
وقول الامام الصادق عليه السلام في موثق سماعة : فانه لا
يحل دم امرئ
مسلم ، ولا ماله ، الا بطيبة نفسه ( 2 )
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في خبر تحف العقول : ولا
يحل لمؤمن مال اخيه
الا عن طيب نفس منه ( 3 ) .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في خبر غوالي اللئالي :
المسلم اخو المسلم ، لا
يحل ماله الا عن طيب نفس منه ( 4 ) .
وقول الامام الرضا عليه السلام في خبر محمد بن زيد
الطبري ، في جواب
..........................................................................
( 1 ) الاحتجاج ص 267 عن الاسدي العمري عنه عليه السلام
والوسائل باب 3 من الانفال حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي حديث 1 . كتاب
الصلاة .
( 3 ) الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي حديث 3 .
( 4 ) المستدرك ج 1 - ص 212 . ( * )
] ويضمن بالاستقلال [
السؤال عن الاذن في الخمس كتبه اليه : لا يحل مال الا من وجه احله
الله تعالى ( 1 ) .
فان الحل هو الاطلاق والارسال ، واذا اسند ذلك الى
الاعيان الخارجية - كما
في الروايات - يراد به الترخيص في الفعل ، وحيث لا معنى
لحلية تلكم الا باعتبار ما
يناسبها وفي المقام المناسب هو التصرف كما صرح به في
التوقيع الشريف ، فالمراد من
الروايات ان الشارع الاقدس لم يرخص في التصرف في مال
امرئ الا بطيب نفسه ،
فلا اشكال في حرمة التصرف فيه من دون رضا صاحبه .
نعم ، لا دليل على حرمة الانتفاع ما لم يعد تصرفا ، بل
الظاهر جوازه كما في
الاستضاءة بنور الغير ، والمتبع في صدق التصرف هو العرف
.
الثانية : ( ويضمن ب ) مجرد ( الاستقلال ) بالعقار
باثبات اليد عليها
والاستيلاء عليها وتسليم مفاتيحها ، من دون ان يزعج
المالك ويخرجه منها ، وذلك
لحديث : على اليد ما اخذت حتى تؤدي ( 2 ) وهو وان كان
ضعيف السند ، الا انه لاعتماد
الاصحاب عليه واستدلالهم به لامحال للمناقشة في سنده .
وانما المهم دفع ما اورد على الاستدلال به ، وهو ان كلمة
" على " ظاهرة في الحكم
التكليفي من جهة ان ظاهرها الاستعلاء ، والاستعلاء
المعقول الحاصل في التكليف
اقرب الى المعنى الحقيقي مما يتصور بالنسبة الى الوضع . ويمكن
الجواب عنه بوجوه :
..........................................................................
( 1 ) فروع الكافي ج 1 - ص 426 - الوسائل باب 4 من
الانفال حديث 2 .
( 2 ) سنن البيهقي ج 6 ص 9 كنز العمال ج 5 ص 257 - الرقم 5197 . ( * )
[ . . . ]
منها : ان حمله على ارادة التكليف منه ، مستلزم لجعل
الظرف لغوا ويقدر يجب
ونحوه ، بخلاف ما لو حمل الحديث على الوضع كما لا يخفى ،
وهو خلاف الظاهر .
ومنها : انه يستدعي تقدير فعل من الافعال من قبيل رده او
حفظه ، وهذا
التقدير ايضا خلاف الظاهر .
ومنها : ان تقدير الرد ليدل الحديث على وجوب رد المال
الى صاحبه لا يناسب
الغاية ، اذ يكون مفاده حينئذ انه يجب الرد الى ان يتحقق
الرد ، فتكون الغاية تحديدا
للموضوع وهو بعيد في الغاية . ولا يناسب ايضا ارادة دفع
البدل ، اذ مع امكان الغاية
لا يجب دفع البدل ، ومع عدم امكانها لا غاية كي يفي بها
. فالمتعين حمل الحديث على
الوضع .
وهل المراد منه في الحديث هو الضمان بالقوة وهو كون دركه
عليه مع تلفه كما
هو المنسوب الى المشهور ، ام هو بمعنى دخول المأخوذ في
العهدة ، وللعهدة آثار تكليفية
ووضعية من حفظه وادائه مع التمكن واداء بدله لو تلف مما
اختاره بعض مشايخنا
العظام ؟ وجهان .
اقواهما الثاني ، لان ما قبل الغاية من جهة كونه مغيا
بالاداء ، لا بد
وان يكون امرا ثابتا فعليا مستمرا الى ان يتحقق الاداء ،
وهذا ينطبق على الوجه
الثاني ، واما على الاول فلا امر مستمر الى حال الاداء
ما لم يتلف .
وقد يقال : ان الحديث مختص بالاستيلاء على الاعيان ، ولا
يشمل الاستيلاء
على المنافع والاعمال ، وحيث انه يترتب على ذلك آثار
مهمة في المسائل الآتية ، فلابد
من تنقيحه . وقيل في وجه الاختصاص امران :
احدهما : ما افاده الشيخ الاعظم ره ، وهو عدم صدق الاخذ
بالاضافة الى
المنافع .
[ . . . ]
وفيه : انه ليس المراد بالاخذ الاخذ بالجارحة الخاصة ،
بل الاخذ كناية عن
الاستيلاء على الشئ ، والتعبير عنه بالاخذ باليد من جهة
كونه لازما غالبيا له ،
والاخذ بهذا المعنى يصدق بالاضافة الى المنافع ، اذ
الاستيلاء على المنفعة انما يتحقق
بالاستيلاء على العين ، وان لم يستوف المنفعة ولم تكن
العين مضمونة ، فان المنفعة عبارة
عن الحيثية القائمة بالعين الموجودة بوجودها على نحو
وجود المقبول بوجود القابل ،
فمنفعة الدابة قابيلتها للركوب ، ومنفعة الدار قابليتها
لان يسكن فيها ، وهذه القابلية
من مراتب وجود العين ، والاستيلاء على العين استيلاء عليها
بجميع شؤونها ومراتب
وجودها ، ومنها القابلية للانتفاع .
ثانيهما : ما افاده المحقق الاصفهاني ره ، وهو عدم صدق
التأدية في المنافع ، فان
ظاهر قوله : حتى تؤدي ، كون عهدة المأخوذ مغياة باداء
نفس المأخوذ ، والمنافع
لتدرجها في الوجود لا اداء لها بعد أخذها في حد ذاتها .
وفيه : ان الغاية في الخبر ليس اداء شخص ما اخذ ، والا
بقى الضمان في صورة
التلف واداء العوض لعدم تحقق اداء الشخص ، بل المراد
منها اعم من اداء الشخص
واداء العوض غاية الامر بنحو الطولية ، فاذا كانت العين
موجودة لا يرتفع الضمان
الا باداء شخصها ، وفي صورة التلف يرتفع باداء عوضها ،
والمنافع وان لم يمكن ردها
الا انه يمكن رد عوضها . هذا كله مضافا الى انه يمكن ان
يقال : انه وان سلم
اختصاص النبوي بالاعيان وعدم شموله للمنافع ، الا ان
الاستيلاء على العين
واخذها له احكام منها ضمان منافعها .
فالمتحصل ان الحديث يدل على ثبوت الضمان بمجرد الاستيلاء
على مال الغير
عينا ومنفعة .
] ولو سكن الدار قهرا مع المالك ضمن النصف [
( ولو سكن الدار قهرا مع المالك ضمن النصف ) كما عن الشيخ
وجماعة ،
ونسبه في المسالك الى الاكثر . وذهب المحقق في الشرايع
الى عدم ضمان الاصل ، وان
قال - بعد نقل فتوى الشيخ - : وفيه تردد . وفي النافع :
ففي الضمان قولان ، قال في
الرياض : مبنيان على الاختلاف في تعريف الغصب ، بان
المعتبر فيه الاستقلال فلا
يضمن ، او الاستيلاء فيضمن .
والتحقيق ان يقال : ان في المقام مسألتين :
احداهما : ضمان الاصل .
الثانية : ضمان المنفعة المستوفاة .
اما الاولى ، فقد عرفت ان عمدة وجه الضمان في موارد
الغصب انما هو النبوي :
على اليد ما اخذت ، وعرفت ان اليد كناية عن الاستيلاء ،
وهو كما يكون بالاستيلاء
على تمام الدار مستقلا كذلك يكون بالاستيلاء على النصف ،
ولذلك لا شبهة في ان يد
الشخص على نصف الدار امارة للملكية اي ملكية النصف ، كما
ان اليد على التمام
امارة ملكية الجميع ، وبالجملة صدق اليد على النصف
كصدقها على الجميع لا ينكر ،
فهو يدل على الضمان صدق عنوان الغصب ام لم يصدق . مع انه
قد عرفت ان حقيقة
الغصب ايضا هي الاستيلاء بلا اعتبار الاستقلال فيه ،
فعلى ذلك لا يبقى شك في
ضمان الاصل .
وعلى تقدير الضمان انما يضمن بمقدار ما تكون الدر تحت
يده ، فلو كانت يده
على النصف ضمن النصف ، ولو كانت على الثلث - كما لو كان
المالك اثنين ساكنين في
الدار وسكن الغاصب معهما قهرا - ضمن الثلث ، وكذا لو كان
على الربع - كما لو
[ . . . ]
كان المالك ثلاثا - ضمن الربع ، وهكذا . فاطلاق المتن
وعبائر الجماعة بانه يضمن
النصف ، منزل على ما هو المفروض في كلماتهم من كون
المالك واحدا .
واما المسألة الثانية فالكلام فيها في موردين :
الاول : في الدليل على الضمان .
الثاني : فيما استدل به على عدم الضمان .
اما الاول ، فيمكن ان يستدل له بوجوه :
1.
عموم على
اليد ، بناء على ما تقدم من ان اليد على المنافع انما تكون بتبع
اليد على الاعيان ، وان الحديث يدل على الضمان .
2.
الرواية
الشريفة الواردة في الامة المبتاعة اذا وجدت مسروقة بعد ان
اولدها المشتري ، الدالة على انه يأخذ الرجل ولده
بالقيمة ويأخذ الجارية صاحبها ( 1 )
بتقريب انها تدل على ضمان المنفعة التي لم يستوفها
المشتري ، فتدل بالاولوية على
ضمان المستوفاة .
3.
صحيح ابي
ولاد الآتي الدال على ضمان منفعة المغصوب المستوفاة ، قال
عليه السلام : أرى له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من
الكوفة الى النيل ، ومثل
كراء
البغل من النيل الى بغداد ، ومثل كراء البغل من بغداد
الى الكوفة ، وتوفيه اياه ( 2 ) .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 88 - من ابواب نكاح العبيد والاماء
حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 7 من كتاب الغصب حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
4.
قاعدة من اتلف
المستفادة من النصوص الواردة في موارد خاصة ، جملة منها
واردة في موارد العقود الاستيمانية كالوكالة والمضاربة
والرهن وغيرها فانه حكم فيها
بالضمان مع التعدي والتفريط ، وجملة منها في غيرها ، مثل
ما ورد في القصار يخرق
الثوب الدال على انه ضامن بما جنت به يده ( 1 ) وغيره .
ودعوى عدم صدق المال على المنفعة ، مندفعة بما مر من ان
المالية لا تكون من
المقولات الخارجية ، بل هي متقومة برغبة الناس في الشئ
رغبة عقلائية ، ولذا يكون
الكلي في الذمة مالا ، وعمل العبد مالا ، وكذا عمل الحر
بعد وقوع الماوضة عليه .
واما قاعده احترام مال المسلم ، ونفي الضرر ، فسيمر عليك
في بعض المباحث
الآتية انه لا يصح الاستدلال بهما على الضمان .
واما الثاني ، فقد استدل لعدم الضمان بوجوه :
1.
النبوي
المرسل : الخراج بالضمان ( 2 ) بتقريب انه يدل على ان من ضمن
شيئا وتقبله لنفسه ، فخراجه
- اي منافعه - له مجانا .
وتنقيح القول في النبوي على فرض تسليم قوة سنده لعمل
قدماء اصحابنا
به مع انه محل نظر ، فانه وان استدل به شيخ الطائفة في
جملة من الموارد في محكي
مبسوطه ، والمصنف ره في باب الغصب من التذكرة ، الا ان
هذا المقدار لا يكفي في جبر
ضعف السند . وبعد تسليم ان ما ذكره المصنف من اختصاص
النبوي بالبيع ، انما هو
اجتهاد منه في تطبيقه على البيع - انه فيه احتمالات :
احدها : ان المراد بالضمان المعنى الاسم المصدري ، وكونه
بمعنى التعهد المالي ،
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 29 من الاجارة .
( 2 ) راجع صحيح الترمذي ج 5 ص 285 - وسنن ابي داود
ج 2 - ص
255 - وغيرهما من كتب العامة . ( * )
[ . . . ]
فيكون مفاد الخبر ان المنافع لمن هو ضامن للعين وان كان
ضمانه قهرا عليه ، كما فهمه
ابو حنيفة .
ثانيهما : ان المراد بالضمان هو المعنى المصدري ، اي
احداث الضمان امضاه
الشارع ام لا فيكون مفاده ان المنافع لمن اقدم على
الضمان ، فيشمل العقود المعاوضية
صحيحة كانت ام فاسدة ، ولا يشمل موارد عدم اقدام الشخص
على الضمان كما في
الغصب ، وهو الذي فهمه ابو حمزة وجعله مدركا لعدم ضمان
المنافع في المقبوض بالعقد
الفاسد .
ثالثها : ان المراد بالضمان المعنى المصدري مع امضاء
الشارع له ، فيختص
الخبر بالعقود المعاوضية الصحيحة ، والظاهر انه الذي
فهمه المشهور منه .
رابعها : ان المراد به كون تلف العين مملوكة للشخص ،
يعني ان المنافع تكون
لمن كانت العين ملكه بحيث لو تلفت تلفت من ملكه ، وهو
الذي فهمه شيخ الطائفة
من الخبر ، فيكون مفاده تبعية ملكية المنافع لملكية
العين ، فيكون اجنبيا عن المقام .
خامسها : ان المراد بالضمان احد المعان الثلاثة الاول ،
ولكن مع كون المراد به
ضمان المنفعة لا العين ، فيكون مفاده ان المنافع تملك
بلا ملك للعين ، فيدل على صحة
الاجارة .
سادسها : ان المراد به ضمان الارض ، والمراد بالخراج
الضريبة المعينة للاراضي
الخراجية ، فيكون مفاده ان الخراج يثبت في عهدة ضامن
الارض ومتقبلها .
سابعها : ان المراد به ضمان التكفل ، فيكون مفاد الخبر
ان فائدة العين انما
تكن بازاء دخول العين في كفالة مالكها ، بحيث لو كان
حيوانا لكان عليه نفقته
وحفظه واصلاحه .
اما الاحتمال الاخير فيدفعه ان ملكية المنفعة انما تكون
تابعة لملك العين لا
] ولو غصب حاملا ضمن الحمل . [
لكونها في كفالته ، مع انه يختص الخبر حينئذ بالحيوان
ولا يشمل غيره .
واما الاحتمال السادس فهو خلاف اطلاقه ، فان حذف المتعلق
يفيد العموم .
واما الاحتمال الاول فيدفعه صحيح ابي ولاد ، الدال على
ضمان المنافع زيادة
على ضمان العين .
واما الثاني فيدفعه انه مع عدم امضاء الشارع لا تحقق
حقيقة لاحداث
الضمان ، مع انه يلزم منه حينئذ ضمان المالك للمنافع بعد
العقد الفاسد قبل التسليم ،
اضف اليه ان لازمه انه لو ضمن بشئ في ضمن عقد صحيح كونه
مالكا لمنافعه .
واما الرابع فيدفعه ان المراد بالضمان هو ما يراد به في
سائر موارد استعمالاته ،
بل سائر موارد استعمال مشتقاته وهو التعهد المالي ، ففي
العقود الصحيحة يكون هذا
المعنى ، اي تعهد كل منهما مال صاحبه بتسبيب من
المتعاقدين مع امضاء الشارع ، وفي
العقود الفاسدة يكون ذلك بجعل من الشارع . وتمام الكلام
في محله .
فيدور الامر بين الثالث والخامس ، والاظهر هو الاول
منهما ، فان ظاهر القضية
ان المنفعة انما تترتب على الضمان ترتب العلة الغائية
لشئ عليه التي هي الداعية
اليه ، ومعلوم ان الداعي للاقدام على الضمان في العقود
المعاوضية هي المنافع .
فالمتحصل انه لا يدل على عدم الضمان في ما هو محل البحث
، ومع الاغماض
عما ذكرناه لاجمال الخبر لا يستند اليه في الحكم بعدم
الضمان ، فالمنفعة المستوفاة
مضمونة .
( و ) بما ذكرناه ظهر انه ( لو غصب حاملا ضمن الحمل ) ،
لليد عليه بتبع اليد
على الحامل ، وللخبر المتقدم .
] ولو منع المالك من امساك الدابة المرسلة ، او من القعود
على بساطه ،
لم يضمن [
الثالثة : ( ولو منع المالك من امساك الدابة المرسلة ،
او من القعود على
بساطه ، لم يضمن ) كما صرح به جماعة . وتنقيح القول في
المقام يقتضي بيان امور :
منها : ان عمل الحر مال ، اذ المالية من الامور
لاعتبارية ، وتعتبر للشئ من
جهة كونه مما يرغب ويميل اليه النوع ، أو ان نظام
الاجتماع يتوقف عليه ، ومن المعلوم
ان عمل الحر مال بهذا المعنى ، غاية الامر لا يكون ملكا
للعامل ولا لغيره الا بوقوع
المعاوضة عليه ، فحينئذ يصير ملكا لمن جعل له .
ومنها : ان الضمان لابد وان يكون لليد ، او الاتلاف ، او
الاستيفاء ، ومع عدم
هذه الاسباب لا ضمان .
واما قاعدة لا ضرر التي يستدل بها في هذه المقامات كثيرا
للضمان ، فهي لا
تصلح لاثباته ، فان غاية ما يمكن ان يقال في تقريب
الاستدلال بها : ان حكم الشارع
بعدم الضمان ضرري على المالك او على من منع من العمل ،
فينتفي بحديث نفي
الضرر ( 1 ) فيحكم بالضمان .
وفيه انه - بعد تسليم مبنيين اللذين عليهما بنى الشيخ
الاعظم في محله ، وهما
اساس الاستدلال في المقام : احدهما ان المنفي بحديث لا
ضرر ليس خصوص
الاحكام الوجودية المجعولة ، بل كل ما هو من الاسلام
وجوديا كان او عدميا . ثانيهما :
ان مدلول الحديث نفي الحكم الناشئ من قبله الضرر ، كان
الضرر ناشئا من متعلقه
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 12 من كتاب احياء الموات حديث 2 -
وباب 17 من ابواب الخيار . ( * )
[ . . . ]
ام كان ناشئا من نفسه ، كلزوم البيع الغبني - : انه لا
يصح الاستدلال بالقاعدة في
المقام ، من جهة ان حديث لا ضرر انما يدل على نفي الحكم
الناشئ من قبله الضرر ،
وان الضرر يكون منفيا في عالم التشريع ، ولا يدل على
تدارك الضرر المتحقق من غير
جهة الحكم الشرعي ، فلو تضرر احد في تجارته مثلا لا يجب
على المسلمين تدارك
ضرره ، وهذا من الوضوح بمكان .
وفي المقام اذا حكم الشارع بالضمان ، فانما يكون من جهة
لزوم تدارك الضرر
المفروض وجوده بالتلف لا من جهة نفي الضرر ، فالحديث لا
يثبت ذلك . مع ان
الحديث لو كان مثبتا للزوم التدارك ، لما كان وجه للزوم
التدارك على شخص خاص
لو لم ينتفع به ولا اتلفه ، فليكن سد ضرره من بيت المال
. فالانصاف ان قاعدة نفي
الضرر لا تفي باثبات المطلب .
ومنها : انه قد يستدل على الضمان في هذا الباب بقاعدة
احترام مال المسلم
الثابتة ، بما دل على انه لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب
نفسه ( 1 ) وقوله صلى الله
عليه وآله : حرمة ماله كحرمة دمه ( 2 ) وقوله عليه
السلام : لا يصلح ذهاب حق احد ( 3 ) .
نقريب دلالة الاول على الضمان ان الحلال هو مالا تبعة له
، فاذا نسب الى
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي حديث 1 - و 3
- المستدرك
ج 1 - ص 212 والوسائل باب1 من ابواب القصاص في النفس حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 3 - من ابواب القصاص في النفس حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 40 من ابواب الشهادات حديث 1 و 4 . ( * )
[ . . . ]
الفعل كان معناه انه لا يعاقب عليه فيستفاد منه الحلية
التكليفية ، واذا نسب الى المال
كما في المقام كان معناه ما لا خسارة من قبله ، فمعنى لا
يحل في المقام انه مع عدم
رضا المالك يكون المال مما له تبعة وخسارة وعوض .
وفيه اولا : ان ظاهر هذا التركيب في نفسه ارادة الحكم
التكيفي ويقدر
التصرف ، كما مر في المسألة الاولى .
وثانيا : ان حمل الحلية على الوضعية لا يلائم مع حرف
المجاوزة في قوله : الا
عن طيب نفسه ، فان ظاهره صدور شئ عن الطيب ، فيكون ظاهره
حلية التصرف
عن الرضا . مع انه لو تم دلالته على الضمان ، يكون مختصا
بالمنافع المستوفاة ، ولا يدل
على الضمان في المنافع غير المستوفاة والعمل .
واما حديث : حرمة ماله كحرمة دمه ، فتقريب الاستدلال به
ان الحرمة انما
نسبت الى المال ، وظاهر ذلك ارادة احترام المال من حيث
انه مال ، واحترامه كذلك
انما يكون بالمعاملة معه معاملة ماله مالية يتداركها ،
فعدم تدارك ماليته معناه معاملة
الهدر معه ، فرعاية ماليته رده او رد عوضه لو تلف .
وفيه اولا : ان ظاهره ولو بقرينة السياق ارادة الحرمة
التكليفية منه ، فان قبله
هكذا : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر ، واكل لحمه معصية
. فيكون المراد من حرمة
ماله بواسطة تنظيره بحرمة دمه ، شدة العقوبة المعبر عنها
بالكفر .
وثانيا : انه لا يشمل المنافع غير المستوفاة والعمل غير
العائد نفعه اليه .
وثالثا : ان الظاهر منه من جهة اضافة المال الى المؤمن
ارادة رعاية مالكيته ،
وهي لا تقتضي ازيد من عدم التصرف فيه بلا رضاه ، لا
تدراكه لو تلف .
واما حديث : لا يصلح ذهاب حق احد ، فلا يدل على الضمان ،
لان الكلام انما
هو في ثبوت الحق في المقام ، والحكم لا يصلح لاثبات
موضوعه .
] ولو غصب من الغاصب تخير المالك في الاستيفاء ممن شاء [
فالمتحصل ان قاعدة الاحترام ايضا لا تثبت الضمان .
ومنها : ان الاتلاف المضمن اعم من اعدام الموجود والمنع
من الوجود .
اذا عرفت هذه الامور ، فاعلم انه في الفرع الاول يمكن
القول بالضمان ، اي
ضمان الاصل لو تلفت الدابة ، وضمان منفعتها الفائتة .
اما الاول فلانه يصدق انه بمنع المالك من امساك الدابة
اتلفها عليه ، فمقتضى
قاعدة الاتلاف هو الضمان ، وبه يظهر وجه ضمان منفعتها ،
فان منع المالك من امساك
الدابة كحبس العين ومنع مالكها عن الانتفاع بها اتلاف
لمنافعها عرفا . وما قيل في
وجه عدم ضمان المنفعة غير المستوفاة سيظهر في بعض
المباحث الآتية عدم تماميته ،
وان الحق ضمانها .
واما في الفرع الثاني فكما افاده الاظهر عدم الضمان ،
لان عمل الحر ليس ملكا
له كي تشمله قاعدة من اتلف مال الغير ، والفرض انه ليس
تحت اليد ولا استوفاه .
وقاعدتا لا ضرر والاحترام لا تدلان على الضمان ، فلا
موجب للضمان والاصل عدمه ،
وسيأتي تمام الكلام فيه .
الرابعة : ( ولو غصب ) غاصب ( من الغاصب تخير المالك في
الاستيفاء ممن
شاء ) ، لان المال وقع تحت يد كل منهما ، فموجب الضمان
بالنسبة الى كل منهما متحقق ،
فيكون المال في عهدة كل منهما ، لا بمعنى انه لو تلف ثبت
الضمان على كل منهما
مستقلا .
توضيح ذلك : انه قد عرفت ان معنى الضمان هو التعهد
المالي ، وان المال في
] ولا يضمن الحر [
غير العقود الصحيحة من موارد الضمان يكون في عهدة من وضع
يده عليه ، فاذا فرض
تعدد الايدي تكون العين الواحدة في عهدة كل من اصحابها ،
ولكن حيث ان معنى
كون شئ واحد في عهدات متعددة خروج كل منهم عن عهدته ،
ومن المعلوم ان
الشئ الواحد ليس له الا تدارك واحد ، كان لازم ذلك تسلط
المالك على مطالبة كل
منهم الخروج عن عهدته ، ومع التلف يستحق على واحد منهم
البدل على البدل ، فاذا
استوفى العين او عوضها من احدهم سقط عهدة الباقين .
ثم ان قرار الضمان انما يكون على من تلف المال في يده .
واجمال وجهه : ان
الغاصب الاول وضع يده على مال الغير فنفس العين تثبت في
عهدته ، والغاصب الثاني
وضع يده على ما ثبت في عهدة الغير ، فهو يضمن المال
المتصف بهذا الوصف وتثبت
العين بهذه الخصوصية في ذمته . فاذا تلف المال وأدى
الغاصب الاول عوضه فله ان
يرجع الى الغاصب الثاني ، فان ذلك لازم ضمانه للمال الذي
له بدل ، الذي مرجعه الى
ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل ، فعليه ان
يدفع الى الاول ، ويكون ما
يدفعه اليه تداركا لما استقر تداركه في ذمة الاول . وبه
يظهر وجه عدم رجوع الثاني
الى الاول لو أدى العوض إلى المالك . وقد مر تفصيل القول
فيه وفي الاشكالات الواردة
ونقدها والفروع المتفرعة في كتاب البيع في الجزء السادس
عشر من هذا الشرح ، وانما
الغرض في المقام الاشارة الى ما هو الوجه في ذلك .
عدم ثبوت الغصب فيما ليس بمال كالحر
الخامسة : ( و ) لا يثبت الغصب في ما ليس بمال كالحر ، ف
( لا يضمن الحر )
بالاستيلاء عليه عينا أو منفعة ، لعدم صدق الغصب ، ولا
ينطبق عليه شئ من قواعد
] الا ان يكون صغيرا والا اجرة الصانع لو منعه عنها
، [
باب الضمان ، من اليد والاتلاف والاستيفاء كما مر . نعم
، لو اصابه تلف من قبل
الغاصب من نحو الجناية على نفسه او طرفه ضمنه اجماعا ،
كما يأتي في كتاب الديات .
وفي غير هذه الصورة عدم الضمان اجماعي في الكبير مطلقا ،
والصغير اذا كان تلفه
بالموت الطبيعي ، ولو كان التلف لا بسبب الغاصب ولا من
قبل الله تعالى - كالموت بلذع
الحية او افتراس السبع ونحو ذلك - ففيه قولان ، احدهما
الضمان ، واليه اشار المصنف
ره بقوله ( الا ان يكون صغيرا ) . وعن الشيخ في المبسوط
والمصنف في المختلف
والشهيد في الدروس وغيرهم في غيرها اختياره .
واستدل له بانه سبب التلف ، وان الصغير لا يستطيع دفع
المهلكات عن
نفسه وعروضها ، وبخبر وهب عن جعفر عن ابيه عليهما السلام
: ان عليا عليه السلام :
كان يقول : من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو ضامن ،
ومن استعار حرا صغيرا
فعيب ضمن ( 1 ) بناء على ان الاستعارة اهون من الغصب .
واورد على الاول في محكي التذكرة بقوله : ان تعليلهم
المشار اليه غير صالح
للحجية وتخصيص اصالة البراءة القطعية . على الثاني :
وبانه ضعيف السند غير معمول
به على اطلاقه ، ولذا ذهب جماعة الى عدم الضمان .
والحق : ان هذه المسألة لابد وان تعنون في كتاب الديات
في مباحث الجنايات ،
وغير مربوطة بمسائل الغصب ، لان الحر لا يتعلق به الغصب
، والحق فيها انه بين اخذ
الغاصب للحر كبيرا كان او صغيرا ان لم يكن فعل فاعل
مختار فاصلة ضمن والا فلا ،
وتمام الكلام موكول الى محله .
( و ) كذا لا يضمن ( اجرة الصانع لو منعه عنها ) ان لم يكن
اجيرا والا
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب العارية حديث 11 . ( * )
] ولو استعمله فعليه اجرة عمله ، ولو ازال القيد عن العبد
المجنون او الفرس
ضمن ، ولو فتح بابا فسرق غيره المتاع ضمن السارق . [
فيضمن ، ( و ) كذا يضمن ( لو استعمله فعليه اجرة عمله )
كما مر الكلام في جميع تلكم
مفصلا في كتاب الاجارة .
( و ) مما ذكرناه في المسائل المتقدمة ظهر انه ( لو ازال
القيد عن العبد المجنون
او الفرس ) ونحوه فشرد ( ضمن ) . واما ( لو فتح بابا
فسرق غيره المتاع ) فلا اشكال
في انه ي ( ضمن السارق ) ، انما الكلام في ضمان من فتح
الباب وعدمه ، فالمشهور بين
الاصحاب هو الثاني ، وعن جماعة ضمانه .
واستدل للاول باقوائية المباشر من السبب ، وللثاني في
الرياض بحديث نفي
الضرر ( 1 ) . ولكن القوة لا تدفع الضمان عن ذي السبب ان
وجد ما يقتضي ضمانه ،
وحديث نفي الضرر قد مر عدم دلالته على الضمان .
والحق ان يقال : انه حيث لا يدهنا للسبب على المال ولا
استيفاء ، فلو كان
هناك ضمان فانما هو من جهة قاعدة الاتلاف ، ولا اشكال في
صدق التلف على
السرقة ، كما يشهد به خبر عقبة بن خالد في تلف المبيع
قبل قبضه حيث جعل فيه
سرقة المتاع من التلف ( 2 ) ، وعليه فحيث ان الموجب
للسرقة والجزء الاخير لها هو فتح
الباب ، اذ لو لم يفتح لما تمكن من السرقة ، فيصدق على
فتح الباب انه اتلاف للمال ،
فيشمله قاعدة من اتلف . وبالجملة فتح الباب يعد عرفا
اتلافا للمال ان تعقبه سرقة
المتاع فيوجب الضمان ، هذا غاية ما يمكن ان يقال في وجه
الضمان ، ومع ذلك في النفس
منه شئ ، سيما وقد ادعى الاجماع على عدم الضمان في
المقام في كثير من الكلمات .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب الخيار كتاب التجارة .
( 2 ) الوسائل - باب 10 - من ابواب الخيار . ( * )
] ويضمن الخمر والخنزير للذمي و بقيمتهما عندهم مع الاستتار
لا للمسلم [
السادسة : قالوا ( ويضمن الخمر والخنزير للذمي وبقيمتهما
عندهم مع
الاستتار لا للمسلم ) ، وتنقيح القول في المقام بالبحث
في موردين :
الاول : في الخمر .
الثاني : في الخنزير .
اما الاول ، فتارة نقول ان الخمر مال وتملك كما هو الحق
، لان لها منفعة محللة
وهي جعلها خلا والانتفاع بها . ولان جواز شرب الذمي
اياها منفعة محللة توجب
صيرورتها مالا . ولموثق ابن ابي عمير عن جميل ، قال قلت
لابي عبد الله عليه السلام :
يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا ، فقال عليه
السلام : خذها ثم
افسدها ( 2 ) . ولا ينافيه ما دل من النصوص على عدم جواز
بيعها ، فانه يكون الاعطاء
في الخبر بعنوان اداء الدين لا بعنوان البيع ، فلا وجه
لما في مكاسب الشيخ الاعظم
من ان المراد بالخبر : اما اخذ الخمر مجانا ثم تخليلها ،
أو اخدها وتخليلها لصاحبها ثم
اخذ الخل وفاءا للدين ، بعد كون كل منهما خلاف الظاهر .
وعليه فلا اشكال في انه
لو اتلفها متلف أو تلف تحت يده العادية يكون ضامنا ، لعموم على اليد ، وقاعدة من
اتلف ، بعد عدم ورود مخصص عليهما بالنسبة اليها .
واخرى نقول بانها لا تملك ، وان غاية ما يدل عليه
الوجهان الاولان كونها مالا
لا ملكا ، والخبر محمول على ما افاده الشيخ قده او غيره .
فان بنينا على انها مال كما هو الصحيح ، فحيث ان الاظهر
ثبوت حق
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 31 - من ابواب الاشربة المحرمة حديث
6 . ( * )
[ . . . ]
الاختصاص بالنسبة اليها لمن هي تحت يده من جهة الحيازة
او كون اصلها له ، لان
عليه بناء العرف والعقلاء ، ولم يرد من الشارع الاقدس
نهي عن ذلك ، بل لا يبعد
دعوى سيرة المتشرعة عليه سيرة مستمرة الى زمان المعصوم
عليه السلام ، فثبوت
الضمان لا كلام فيه ، لعموم على اليد ، وقاعدة الاتلاف ،
والاجماع . ولعله الى ذلك نظر
الاسكافي حيث قال : انه يحكم له بقيمتها خلا ، لان له حق
اليد فكان عليه الضمان .
وعلى التقديرين لا فرق بين كونها للمسلم او للذمي .
وثالثة نقول انها ليست بما من جهة انه لا يجوز شرب الذمي
اياها ، بل غاية
ما ثبت بالدليل انه لو استتر بالشرب لا يحد ، او انه لا
يكفي في انتزاع المالية ذلك
ولا القابلية لان تصير خلا ، فالظاهر حينئذ عدم الضمان
فانه بلحاظ المالية ، من غير
فرق على هذا ايضا بين كونها للذمي او المسلم .
واما الثاني ، فقد مر في الجزء الرابع عشر من هذا الشرح
ان مقتضى الجمع بين
النصوص ( 1 ) المختلفة الواردة في الخنزير ، هو جواز
بيعه للذمي ، وعدم جواز البيع من المسلم ،
وذلك - بضميمة ما مر من جواز اكل الذمي لحمه ، وان له
غير الاكل منافع محللة اخر ،
هي الانتفاع بجلده وشعره ، بل بلحمه في غير الاكل - كاف
في البناء على انه مال
وملك ، سيما وقد دل الدليل ( 2 ) على جواز بيع شعره
مطلقا . وعليه فلو اتلفه متلف ، او
تلف تحت يده العادية ، يكون ضامنا .
فالمتحصل مما ذكرناه ان الاظهر هو الضمان ، ولو كان
الخمر والخنزير للمسلم .
نعم ، لابد من تقويمهما على الغاء جهة اكل المسلم وشربه
اياهما ، او الغاء الجهتين
مطلقا ، وبهذا الاعتبار ينقص قيمتها . هذا ما تقتضيه
القواعد ، فان ثبت اجماع على
..........................................................................
( 1 - 2 ) الوسائل باب 57 و 58 و 60 و 61 من ابواب ما
يكتسب به . ( * )
] ويجب رد المغصوب ، [
خلافه فهو المتبع .
السابعة : لا خلاف ( و ) لا اشكال في انه ( يجب رد
المغصوب ) على مالكه ما
دامت العين باقية .
ويشهد به - مضافا الى ما دل على وجوب رد المال الى صاحبه
مطلقا ، كموثق
سماعة عن الامام عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : من كانت
عنده امانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها ، فانه لا يحل
دم امرئ مسلم ولا ماله الا
بطيب نفسه منه ( 1 ) فان اطلاق التعليل سيما وهو مذكور
لوجوب رد الامانة يشمل
الامساك على مال الغير ، والنصوص المتقدمة الدالة على
عدم جواز التصرف في مال
الغير ومنه الامساك ، والنصوص المتفرقة الواردة في
الابواب المتفرقة في موارد الامانات
المالكية والشرعية وغيرها - جملة من النصوص الخاصة :
كخبر حماد بن عيسى ، عن بعض اصحابنا ، عن العبد الصالح
عليه السلام ،
وذكر ما يختص بالامام الى ان قال : وله صوا في الملوك ما
كان في ايديهم على غير وجه
الغصب ، لان الغصب كله مردود ( 2 ) .
وما في نهج البلاغة ، قال امير المؤمنين عليه السلام :
الحجر الغصب في الدار رهن
على خرابها ، قال الرضي : ويروى هذا الكلام للنبي صلى
الله عليه وآله وسلم ( 3 ) .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 3 - من ابواب مكان المصلي حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 1 - من كتاب الغصب - حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 1 من كتاب الغصب حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
وخبر عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ابي عبد الله عليه
السلام عمن أخذ
ارضا بغير حقها وبنى فيها ، قال عليه السلام : يرفع
بنائه ويسلم التربة الى صاحبها
ليس لعرق ظالم حق ( 1 ) ثم قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وآله من اخذا رضا بغير
حق كلف ان يحمل ترابها الى المحشر ( 2 ) ونحوها غيرها .
لا خلاف في ان المراد بالرد في هذا الباب هو الاقباض
والتسليم الى مالكه ،
ولا يكفي التخلية بين المال وصاحبه كما في باب الوديعة ،
اذ كما ان كون المال تحت
سلطنة الغاصب واستيلائه في غير محله فلابد من ايصاله الى
محله ، كذلك كونه عنده
خارجا يكون في غير محله فلابد من ايصاله اليه بالاقباض ،
وخبر عبد العزيز ايضا
يشهد به ، بل لعل الظاهر من الرد والمفهوم عرفا منه ذلك .
كما لا خلاف في انه يجب الرد وان تعسر واستلزم ذهاب مال
الغاصب -
كالخشبة المستدخلة في البناء واللوح والسفينة والخيط في
الثوب وما شاكل - بلا خلاف
فيه ، لاطلاق بعض ما مر وصراحة آخر . نعم ، في خصوص ما
لو كان المغصوب بحيث
لو اريد رده لزم منه عدم بقاء القيمة والمالية له -
كالصبغ اذا صبغ ثوب به ، والجص
في البناء ، والخيط اذا خيط به الثوب ، وما شاكل - اشكال
واختلاف بين الاصحاب ،
وفيه اقوال :
1.
وجوب الرد مع
رد تمام القيمة ، اختاره في المسالك وغيرها .
2.
عدم وجوبه بل
يجب رد القيمة خاصة ، اختاره المصنف ره ، ولعله المشهور .
3.
صيرورة ذلك
الشئ مشتركا بين الغاصب والمغصوب منه .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب الغصب حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 3 من كتاب الغصب حديث 2 . ( * )
] فان تعيب ضمن الارش ، [
والاظهر عدم وجوب الرد ، والاكتفاء برد بدله ، ولا يستحق
المالك ذلك الشئ ،
وذلك اذ الصبغ أو الخيط أو الجص يعد في هذه الموارد
تالفا ، فيكون الغاصب ضامنا
للمثل أو القيمة ، ويصير ذلك ملكا للمغصوب منه بدلا عن
ماله .
واما المبدل منه فهو يخرج عن ملكه لوجوه :
1.
ان الملكية
من الاعتباريات ، والاعتبار انما يكون بلحاظ الاثر وبدونه لغو ،
فلا يكون هناك اعتبار الملكية .
2.
ان اهل العرف
يفهمون من الامر بدفع البدل حصول المعاوضة والمبادلة
بين العينين ، وصيرورة كل منهما ملكا للآخر وبدلا منه .
3.
ان مقتضى عنوان
التدارك والغرامة ذلك ، اذ مع حكم الشارع بتدارك
ماليته بتمامها ، بعنوان تدارك ما في العهدة ، وبعنوان
انه اداء للمتعذر ، لا مناص عن
الالتزام بخروجه عن ملكه ، وحيث ان كون المتعذر من
المباحات الاصلية لم يقل به
احد ، فلابد من البناء على صيرورته ملكا للضامن .
ومحصل الكلام : ان المال المغصوب تارة لا يرد اليه نقص
برده الى مالكه ،
واخرى يلزم منه تلف مقدار من اوصافه موجب لنقص في ماليته
، وثالثة يوجب تلف
العين عرفا بمعنى انه لا يبقى له مالية اذا اريد رده .
اما القسم الاول فيجب رده وان تضرر الغاصب به .
واما في الثاني فيجب الرد مع ضمان النقص الحاصل ، واليه
اشار المصنف ره
بقوله ( فان تعيب ضمن الارش ) ، اما وجوب رد العين فلما
مر ، واما وجوب الارش
فلحديث على اليد وقاعدة الاتلاف .
واما في القسم الثالث ، فان كان المال المغصوب بحيث
لايعد تالفا كما لو
امتزجه بمساويه ، فسيأتي حكمه عند تعرض المصنف ره له .
وان كان يعد تالفا كما في
[ . . . ]
الامثلة المتقدمة ، فيجب رد القيمة دون العين ، بل هي
تصير برد البدل ملكا للغاصب .
واما ما اشتهر من ان الغاصب يؤخذ باشق الاحوال ، فلم
اظفر بما يكون مأخذا
صحيحا له ، كي يقال انه يقتضي وجوب رد العين مع رد
القيمة .
بقى في المقام فرعان :
احدهما : ما اذا تعذر ايصال المال الى صاحبه ، ولم يكن
بحيث يصدق عليه
التالف ، فهل يلزم على الغاصب دفع البدل وهو المسمى
عندهم ببدل الحيلولة ، ام لا
يجب ذلك ؟ وتنقيح القول فيه في جهات .
الاولى : في الدليل على الضمان ، بمعنى لزوم دفع البدل ،
وقد استدل له بوجوه .
1.
قاعدة نفي
الضرر ( 1 ) بدعوى ان صبر المالك الى حين الوصول اليه ضرر
عليه ، فجاز له الزام الغاصب بالبدل .
وفيه : ان قاعدة نفي الضرر قد مر انها لا تصلح لاثبات
الضمان .
2.
قاعدة على
اليد ( 2 ) بدعوى ان اداء العين كما يكون باداء بدلها عند تلفها ،
يكون باداء بدل الحيلولة .
وفيه : ان مفاد حديث على اليد ان كان هو اشتغال الذمة
بالقيمة عند التلف ،
فعدم دلالته على الضمان ببدل الحيلولة واضح . وان كان
مفاده بقاء العين في العهدة الى
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 12 من احياء الموات وباب 17 من
ابواب الخيار .
( 2 ) كنز العمال ج 5 ص 257 وسنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )
[ . . . ]
حين الخروج عنها ، فهو انما يدل على لزوم اداء العين مادامت
موجودة ، وتدارك ماليتها
باداء حصة مماثلة لها بعد التلف . وبعبارة اخرى : ما
دامت موجودة لا يكون اداء بدل
الحيلولة اداء لها ، ولذا لا تخرج عن ملك مالكها ، ولو كان ذلك اداء لها كان اللازم
خروجها عن ملكه ،
3.
ان في ادائه
جمعا بين الحقين ، بعد فرض رجوع البدل الى الضامن لو ارتفع
التعذر .
وفيه : ان الحق الثابت للمالك انما هو بالاضافة الى
العين نفسها لابد لها مع
بقائها ، مع انه على فرض التنزل يمكن الجمع بين الحقين
بوجه آخر ، وهو الزام
الغاصب بالشراء ، بل هذا الجمع اولى كما لا يخفى .
4.
قاعدة
السلطنة ( 1 ) . اما بدعوى السلطنة على مطالبة العين للتوسل بها الى
مطالبة البدل واخذه ، أو بدعوى ان من شؤون السلطنة على
العين السلطنة على
ماليتها - وبعبارة اخرى ، للعين شؤون ثلاثة : من جهة
الشخصية ، ومن حيث الطبيعية
النوعية ، ومن حيث المالية ، وتعذر مطالبة الاولى لا يمنع
عن مطالبة غيرها - او
بدعوى السلطنة على مطالبة السلطنة على الانتفاعات بماله .
وفي الجميع نظر . اما الاولى فلان السلطنة على مطالبة
العين مع امكان ردها
ثابتة ، ولازمها السعي في ذلك بالسعي في مقدماته لارد
البدل . ومع عدم امكانه لا تكون
ثابتة ، لعدم القدرة ، والامتناع بالاختيار وان كان لا
ينافي الاختيار الا انه عقابا لا
خطابا .
واما الثانية فلان مالية العين القائمة بها - اي تلك
الحصة الخاصة من المالية -
..........................................................................
( 1 ) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم ج 2 ص 272 الطبع
الحديث . ( * )
[ . . . ]
يتعذر مطالبتها بتعذر مطالبة العين ، والمالية القائمة
ببدلها حصة اخرى من المالية ، ولم
يثبت السلطنة على مطالبتها .
واما الثالثة فلان السلطنة على الانتفاعات بماله ساقطة ،
للتعذر .
5.
انه فوت
سلطنة المالك واتلفها ، فيجب عليه تدارك ذلك . وفيه : انما للمالك
هو الملك لا السلطنة ، بل هي من الاحكام المترتبة عليه ،
فلا يتعلق بها الضمان .
6.
اطلاق النصوص
المتقدمة . وفيه : انها ظاهرة او منصرفة الى صورة صدق
التلف عرفا .
7.
الاجماع ،
وهو كما ترى .
فالمتحصل انه لا دليل على بدل الحيلولة كما اعترف به جمع
من المحققين . نعم ،
بما ان الغاصب فوت منافع العين على المالك ، يكون ضامنا
للمنافع ، وقد مر ان المنافع
غير المستوفاة ايضا مضمونة ، لحديث على اليد ، وقاعدة
الاتلاف .
الجهة الثانية : في بيان مورد بدل الحيلولة : فاعلم انه
اذا تمكن الغاصب من رد
العين ، ولكنه لم يردها بل حال بين المال ومالكه ، ليس
هناك بدل الحيلولة بل يكون
الغاصب مكلفا برد العين ، كما انه اذا تلفت العين او تلف
جميع الانتفاعات في جميع
الازمنة خرجت بذلك عن الملكية كما لو انكسرت المرآت .
وليس مورد بدل الحيلولة
كما انه ليس مورده ما لو تلف بعض الانتفاعات في جميع
الازمنة كما لو صار الحيوان
الذي يطلب ظهره موطوئا ، فانه لم يتلف منه الا الانتفاع
به دائما في بلد الوطء لا في
ساير البلاد ، بل مورده ما اذا تلف جميع الانتفاعات في
بعض الازمنة ، لعدم تمكن
[ . . . ]
الضامن من الرد .
ثم ان مورده ما اذا كان التعذر لعارض خارجي ، واما اذا
كان ذلك من جهة
ان رد العين مستلزم لخروجها عن المالية ، كالخيط المغصوب
الذي خيط به الثوب ، اذ
قد يكون اخراجه من الثوب موجبا لتلفه ، فلا يكون موردا
له ، وبذلك ظهر ما في
استدلال صاحب الجواهر ، لوجوب البدل في المثال بالحيلولة .
ولا يعتبر فيه سوى ما ذكر ، وعليه فصوره اربع - سوى
الصورة الملحق فيها
المال بالتلف - : اذ ربما يرجى فيها التمكن من العين
قريبا ، وربما يرجى بعد مضي
مدة طويلة . وعلى التقديرين ، اما ان يتعذر على الغاصب
اعادة العين وانما يرجى ان
تعود بنفسها كطائر اعتاد العود ، واما ان لا يتعذر .
وعلى القول بثبوت بدل الحيلولة
يثبت في جميع هذه الصور ، ولا وجه لتخصيصه بما اذا كان
يرجى التمكن بعد
مدة طويلة .
نعم ، اذا كان زمان التعذر يسيرا جدا لا يكون مشمولا ،
لما تقدم من الادلة .
الجهة الثالثة : في بيان ان التعذر الموضوع لهذا الحكم ،
هل هو التعذر المسقط
للتكليف برد العين او الاعم منه ومن التعذر العرفي فيه ؟
وجهان .
قد استدل للاول باصالة عدم تسلط المالك على ازيد من
الزامه برد العين
الذي كان قبل التعذر ، خرج عن ذلك ما اذا تعذر بالتعذر
المسقط للتكليف . وبانه مع
عدم التعذر المسقط يكون مكلفا برد العين ، ولا يجتمع
التكليف برد العين والبدل .
وفيهما نظر . اما الاول فلان الادلة التي اقاموها على
ثبوت بدل الحيلولة
مقتضى اطلاقها ثبوته في مورد التعذر العرفي ايضا ، ومعه
لا مورد للرجوع الى الاصل .
واما الثاني فلان مورد التكليف بالبدل زمان الاشتغال
بالمقدمات ، ومورد
التكليف برد العين هو زمان ما بعد المقدمات .
ولكن الحق في المقام هو التفصيل بين كون زمان الاشتغال
بالمقدمات قصيرا
[ . . . ]
جدا فلا يكون ثابتا ، وبين غيره فيثبت ، ولا يخفى وجهه .
ثم إنه في المقام جهات اخر من البحث ، مثل انه هل يلزم
المالك على اخذ
البدل ، وانه هل يصير البدل ملكا له ام هو مباح له
التصرف فيه ، وان العين هل تنتقل
الى الغاصب ام لا ؟ قد استوفينا البحث فيها في كتاب
البيع ، ولا يهمنا البحث فيها
بعد عدم ثبوت الاصل .
الثاني : ما لو خرجت العين عن الملكية - كما لو صار الخل
المغصوب خمرا -
فقد استشكل المصنف ره في محكي القواعد في وجوب ردها مع
القيمة . وعن الشهيدين
والمحقق الثاني ره وجوب الرد . والكلام فيه ايضا في جهات .
الاولى : في بقاء حق الاولوية بعد زوال الملكية ،
والظاهر ذلك ،
لا لما افاده المحقق النائيني ره من ان الحق ليس امرا
مغايرا للملك ، بل هو من
شؤونه ومراتبه الضعيفة المندكة تحت القوي ، لانه عبارة عن اضافة خاصة بين
المستحق والمستحق عليه ، وهي حاصلة للمالك ومحفوظة في
جميع الحالات الواردة على
الملك . فانه يرد عليه : ان الملكية والحقية من
الاعتبارات الشرعية والعرفية لا من
المقولات ، والاعتبار لا اشتداد فيه ولا حركة ، وكل من
الملك والحق اعتباري غير
الآخر .
ولا لما قيل من ان حق الاولوية من آثار الملك ، فمع
زواله غاية الامر يشك في
ارتفاعه فيستصحب . اذ يرد عليه : ان ما هو اثر الملك
انما هو الحكم التكليفي من
قبيل جواز التصرف فيه ونحوه ، وهو غير حق الاولوية ، مع
ان لازم كونه اثرا له
] فان تعذر ضمن مثله ، فان تعذر فقيمته يوم المطالبة ولو لم
يكن [
ارتفاعه بارتفاعه ، وعلى الجملة حق الاولوية الذي هو اعتبار
خاص ليس من اثار
الملك .
ولا لما قيل من ان الدليل دل على ان المالك احق بماله ،
فيستفاد من ذلك كون
حق الاولوية من مقارنات الملك ، ولو شك في زواله بارتفاع
الملك يستصحب ذلك . اذ
يرد عليه : ان ما دل عليه الدليل أولوية المالك بالتصرف
في ماله عن غيره ، وهذا غير
ثبوت حق الاولوية .
بل لما مر من السيرة العقلائية وبناء العقلاء على ذلك ،
وحيث انه لم يردع
الشارع الاقدس عنه فيستكشف امضائه لذلك ، ويؤيده الاجماع
عليه .
الجهة الثانية : في وجوب رده على القول بثبوته ، وعدم
انتقاله الى الغاصب ،
الظاهر ذلك ، اذ كما يجب رد المملوك الى مالكه كذلك يجب
رد ما هو متعلق الحق الى
ذي الحق . ولو شك في وجوب رد متعلق الحق ، فهل يجري
استصحاب وجوبه نظرا الى
كون الملكية من الجهات التعليلية لوجوب الرد لا
التقييدية ، فالموضوع عند العرف
يكون باقيا ، ام لا يجري لكونه من الجهات التقييدية ؟ وجهان
، اظهرهما الاول .
الجهة الثالثة : في انه مع فرض ثبوت هذا الحق ، هل يكون
ذلك للمالك او
الغصب ؟ والاظهر هو الثاني ، لاقتضاء
الغرامة ذلك ، ولبناء العقلاء عليه ، فالغاصب
احق به من غيره .
الثامنة : ( فان تعذر ) رد المغصوب او تلف ( ضمن ) الغاصب
( مثله ) ان كان
المغصوب مثليا بلا خلاف ، ( فان تعذر ) رد المثل ( فقيمة
يوم المطالبة ، ولو لم يكن
] مثليا ضمنه باعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف على
اشكال [
مثليا ضمنه بأعلى القيم من حيث الغصب الى حين التلف على
اشكال ) . وتنقيح
القول في المقام بالبحث في مواضع :
الاول : في تعريف المثلي والقيمي ، وان لم يقعا في شئ من
الروايات ، ولا في
معقد اجماع ، بحيث يكون من قبيل الاجماع على القاعدة .
فالمشهور في تفسير المثلي
انه ما يتساوى اجزائه من حيث القيمة ، والمراد بالاجزاء
الجزئيات والافراد ، والمراد
بالتساوي التساوي من غير جهة الكم . فمحصل المراد ان
المثلي ما له مماثل في الصورة
والصفات التي تختلف بها الرغبات وتتفاوت به القيم .
واظن ان ما عن التحرير من تفسيره بما تماثلت اجزائه
وتقاربت صفاته ، وما
عن الدروس والروضة من انه المتساوي الاجزاء والمنفعة
المتقارب الصفات ، وما عن
بعضهم من انه من يجوز بيعه سلما ، وما عن آخر من انه ما
يجوز بيع بعضه ، ببعض ،
ترجع الى هذا المعنى ولا اختلاف بينهم بحسب المراد .
واورد على ذلك بايرادات ذكرناها مع اجوبتها في كتاب
البيع ، كما انه قد ذكرنا
في ذلك الكتاب ما هو مقتضى الاصل عند الشك في المثلية
والقيمية ، وما تقتضيه الادلة
الاجتهادية عند الشك فيهما ، وهي مسائل مهمة وفيها
تحقيقات نافعة ، راجعها .
الثاني : لا خلاف بين الاصحاب في ان ضمان المثلي انما هو
بالمثل ، والقيمي
بالقيمة ، واستفادة ذلك من الادلة انما هي من وجوه :
1.
ان مقتضى
اطلاقات ادلة الضمان الواردة في المغصوبات والامانات المفرط
فيها وغير تلكم المقامية ، ايكال ما يجب رده الى ما هو
المتعارف عند الناس ، ومن
المعلوم ان المتعارف عندهم رد العين مع بقائها ، ورد ما
هو الاقرب اليها بعد عدم امكان
ردها ، والاقرب هو المثل ، لكونه تداركا للمالية
والخصوصيات الفائتة التي تختلف بها
الرغبات . وفي صورة عدم امكان رده ايضا لعدم المماثل ،
يراعى ما هو الاقرب الى
[ . . . ]
التالف بعد المثل ، هو القيمة من الاثمان ، لان غيرها
مشتمل على خصوصيات غير
متمولة مغايرة لخصوصيات التالف ، ومعلوم ان غير المشتمل
على الخصوصيات المغايرة
اقرب من المشتمل عليها .
وفي المقام وجوه اخر ذكرناها في كتاب البيع فراجع ، كما انه ذكرنا هناك
جملة
من الفروع من قبيل انه اذا لم يوجد المثل الا باكثر من
ثمن المثل ، وما لو سقط المثل
عن المالية او نقصت قيمتها ، ونحوهما .
حكم ما لو تعذر المثل في المثلي
الثالث : لو تعذر المثل في المثلي ، لا خلاف في وجوب رد
قيمته ، لما بيناه من ان
الشئ اذا لم يكن مثله كثيرا مبذولا فهو قيمي ، من غير
فرق بين التعذر في جميع
الاعصار او في عصر واحد ومن باب الاتفاق ، فالمثلي
المتعذر مثله قيمي ، فللمالك
مطالبة القيمة لانه حقه . ولان للعين جهات ثلاثا -
الخصوصية الشخصية ، والخصوصية
النوعية ، والحيثية المالية - فمقتضى الادلة وجوب رد
جميعها على الاخذ ، فكما انه اذا
امتنع رد الخصوصية الشخصية لم يسقط وجوب رد الجهتين
الاخيرتين ، كذلك اذا امتنع
رد الخصوصية النوعية لم يكن وجه لسقوط الجهة الثالثة ،
فيجب رد القيمة من هذه
الجهة .
ويعضدهما ان منع المالك ظلم ، والزام الضامن بالمثل منفي
بالتعذر ، فتجب
القيمة جمعا بين الحقين ، والآية الكريمة ( فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل
ما اعتدى عليكم ) ( 1 ) .
..........................................................................
( 1 ) سورة البقرة : آية 195 . ( * )
[ . . . ]
اذ الضامن اذا الزم بالقيمة مع تعذر المثل ، لم يعتد عليه
ازيد مما اعتدى .
وتفصيل الكلام في ذلك كله موكول الى محله .
وعرفت مما ذكرناه انه وقع الخلاف بينهم في ان العبرة في
قيمة المثل المتعذر
بقيمة اي يوم ، والوجوه المحتملة التي بعضها اقوال خمسة
عشر ، الا ان ما امكننا ذكر
الوجه له عشرة . ومنشأ الخلاف الاختلاف في امرين :
احدهما : ان المدار في القيمي على قيمة يوم الغصب ، او
قيمة يوم التلف ، او
أعلى القيم من يوم الاخذ الى يوم الدفع ، او الاعلى من
يوم الاخذ الى يوم التلف ؟
ثانيها : انه بناء على الانتقال الى القيمة ، هل العين
تصير قيمية ، او القدر
المشترك بينهما يكون قيميا ؟ وحيث ان المختار عندنا في
القيميات ان العبرة انما هي
بقيمة يوم الدفع ، وعرفت آنفا ان العين المتعذر مثلها
تصير قيمية ، وعرفت سابقا انه
في موارد الضمان مطلقا تكون العين في العهدة الى زمان
الاداء ، فلا محالة يكون المدار
في المثل المتعذر مثله على قيمة يوم الدفع . واما سائر
الاقوال ومداركها فمذكورة في
كتاب البيع مفصلا ، وذكرنا هناك انه لا فرق بين التعذر
البدوي والطارئ كما بينا
الميزان في معرفة قيمة المثل ، والمراد من الاعواز
والتعذر .
واذا كانت قيمة المثل في بلد المطالبة مخالفة لقيمته في
بلد التلف ، فهل الاعتبار
ببلد المطالبة كما في المتن ، او ببلد التلف ، او يتخير
المالك في التعيين ، او يتخير الضامن
فيه ؟ وجوه .
الظاهر أن المسألة تابعة لمسألة مطالبة المثل مع عدم
تعذره ، وقد بينا في محله
ان الاظهر جواز المطالبة في كل مكان شاء المالك ، وعليه
فالعبرة في المقام ببلد المطالبة .
ثم انه بعد ما عرفت من ان التالف اذا تعذر مثله يصير
قيميا ، يظهر انه لو
دفع القيمة في المثل المتعذر مثله ثم تمكن من المثل
لايعود المثل الى ذمته .
[ . . . ]
الرابع : اتفقت كلماتهم على ان القيمي يضمن بالقيمة ،
وقد بينا سابقا ان
الظاهر من حديث على اليد بقاء العين في العهدة ولو بعد
التلف ، ويكون دفع المثل
او القيمة مسقطالها - كما اختاره جمع من المحققين -
لكونه من مراتب رد العين . ولا
ينافيه النصوص الخاصة الواردة في رد القيمة ، فانها
طائفتان :
منها : ما يدل على ان لواجد المال الولاية على ان يبيعه
عن صاحبه من نفسه ،
ويبقى الثمن في الذمة ، مثل ما ورد ( 1 ) في الحيوان
الملتقط ، ولقطة الطعام ، وما شاكل .
ومنها : ما ( 2 ) لا يستفاد منها ازيد من وجوب دفع
القيمة حين الاداء ، وهذا يلائم
مع كون العين في العهدة ، والمدرك لمسقطية رد القيمة هو الاطلاق
المقامي والاجماع ،
كما مر في المثلي .
واذا وجد المثل في القيمي ، فالمعروف بينهم كفاية رد
القيمة . وعن الاسكافي
والمحقق وجوب رد المثل ، وظني انهما غير مخالفين للمشهور
، فان مورد كلامهما القرض ،
ولا يبعد فيه دعوى ان المتعارف الشرط الضمني برد المثل
ولو في بعض الصفات ،
ويؤيد ما ذكرناه تصريح المحقق في الباب : وفي المقبوض
بالعقد الفاسد بضمان القيمة .
فمدعى عدم الخلاف في كفاية رد القيمة مع تعسر المثل غير مجازف ،
والاطلاق المقامي
بالتقريب المتقدم شاهد به .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 و 13 و 23 من ابواب اللقطة .
( 2 ) الوسائل باب 7 من ابواب الغصب . ( * )
[ . . . ]
وقد اختلفوا في ان المدار في القيمة ، على قيمة يوم
القبض كما عن الاكثر ، ام
يوم التلف كما عن الشيخين واتباعهما بل عن الدروس نسبته
الى الاكثر ، ام يوم الدفع
كما عن جمع من المحققين ، أو أعلى القيم من يوم الغصب
الى يوم التلف كما في المتن ،
أو أعلى القيم من يوم القبض الى يوم الدفع ؟ ونخبة القول
بالبحث في موردين :
الاول : فيما تقتضيه القاعدة .
الثاني : في مقتضى النصوص الخاصة .
اما الاول فمقتضى القاعدة هو الثالث ، فان معنى الضمان
كما مر كون المال
في عهدته الى حين الاداء ، ومعنى ذلك وجوب تداركه ببدله
عند الاداء ، حتى يكون
عند الاداء اداء وتداركا له .
ودعوى ان الغاصب وضع يده على ماله مع قطع النظر عن الخصوصية
الشخصية والصفات النوعية ، مالية خاصة متقدرة بقدر مخصوص
، فوجب عليه رده
بماله من الحيثيات اذا امكن الرد ، وان لم يمكن رد
الخصوصية والصفات النوعية للتالف
وجب رد تلك المالية المخصوصة الواقعة تحت اليد ، ولا وجه
لوجوب رد المراتب الاخر
من الماليات ، فانها ماليات واردة على ما هو تحت العهدة
لا ان العهدة واردة عليها ،
وقد استدل بها للقول الاول .
مندفعة بان المالية المنتزعة من رغبة الناس وميلهم لا
تقع تحت اليد ولا تكون مضمونة كما مر ، مع انه لو تم هذا
الوجه لاقتضى كون المدار
على اعلى القيم من يوم الغصب الى يوم التلف ، لان على
اليد لا يختص بحدوث اليد
بل يشمل بقائها ، فكل زمان من ازمنة كون العين تحت اليد
قد ازيلت فيه يد المالك ،
[ . . . ]
فوجب ان يغرم اكثرها .
واما الثاني ، فقد يقال ان النصوص الخاصة تدل على خلاف
ذلك ، منها : صحيح
ابي ولاد ، قال : اكتريت بغلا الى قصر ابن هبيرة ذاهيا
وجائيا بكذا وكذا وخرجت في
طلب غريم ، فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت ان صاحبي
توجه الى النيل
فتوجهت نحو النيل ، فلما اتيت النيل خبرت انه توجه الى
بغداد فاتبعته فظفرت به
ورجعت الى الكوفة ، الى ان قال : فاخبرت ابا عبد الله
عليه السلام فقال : أرى له
عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة الى النيل ، ومثل
كراء البغل من النيل الى
بغداد ، ومثل كراء البغل من بغداد الى الكوفة وتوفيه
اياه . قال قلت : قد علفته بدراهم ،
فلي عليه علفه ؟ قال : عليه السلام لا لانك غاصب . فقلت
: ارأيت لو عطب البغل او
نفق أليس كان يلزمني ؟ قال عليه السلام : نعم ، قيمة بغل
يوم خالفته . قلت : فان اصاب
البغل كسر أو دبر أو عقر ؟ فقال عليه السلام : عليك قيمة
ما بين الصحة والعيب يوم
ترده عليه . قلت : فمن يعرف ذلك ؟ قال : انت وهو ، اما
ان يحلف هو على القيمة
فيلزمك ، فان رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك
، أو يأتي صاحب البغل
بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك (
1 ) الحديث ، ومحل
الاستشهاد فيه جملات ثلاث :
الاولى : قوله عليه السلام : نعم ، قيمة بغل يوم خالفته
، وقد استدل بها على ان
المدار على قيمة يوم الغصب بان اليوم قيد للقيمة ،
لاضافة القيمة المضافة الى البغل
اليه ثانيا ، فيكون المعنى قيمة يوم المخالفة للبغل ، او
لجعل اليوم قيدا للاختصاص
الحاصل من اضافة القيمة الى البغل .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 7 من كتاب الغصب - حديث 1 - وباب 17 -
من ابواب كتاب الاجارة حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
ولكن : يرد على الوجه الاول انه ان اريد بذلك اضافة
المضاف نفسه اليه ثانيا ،
ففيه انه لا يصح اضافة الشئ الواحد الى شيئين مرتين ،
وبعبارة اخرى المضاف الى
شئ لا يضاف ثانيا . وان اريد به اضافة المجموع من المضاف
والمضاف اليه ، ففيه ان
المجموع لتضمنه النسبة الاضافية التي هي من الحروف لا
يضاف ، اذ المعنى الحر في
لا يقع ظرفا ، وبعبارة اخرى الاضافة من خواص الاسم
والحرف لا يضاف .
واما الوجه الثاني ، فبعد تصحيحه بارادة قيدية اليوم
للقيمة المضافة الى البغل ،
التى هي مضافا الى كونها معنى حدثيا في نفسها فانها ما
يقوم بالشئ من المالية ، انه
لو سلم كونها معنى جداما بسبب الاضافة تتضمن معنى
اشتقاقيا ، والا فالاختصاص
الحاصل من الاضافة معنى حرفي ، والعامل لابد وان يكون
فعلا او شبه فعل .
يرده : ان لا معين لكون اليوم قيدا للقيمة ، ومن الممكن
كون اليوم قيدا لنعم
الذي هو في قوة قوله يلزمك ، او يكون لفظ يلزمك مقدرا
بعده فيكون اليوم حينئذ
وعاء توجه التكليف ، فيوم القيمة على هذا مسكوت عنه في
الصحيح . او يكون قيدا
للبغل باضافة البغل اليه ، فيكون المقام من قبيل تتابع
الاضافات ، فيكون المراد انه
حيث يكون للبغل بحسب الصفات والخصوصيات المتفاوتة بحسب
الايام قيم مختلفة ،
ولا كلام في ان هذا الاختلاف مضمون في باب الضمان ، اذ
الخلاف انما هو في القيمة
السوقية ، فيكون يوم المخالفة في الخبر اشارة الى قيمة
يوم البغل حال كونه قويا -
فان التعب والهزال عرضه بعد الحركة العنيفة - لا لخصوصية
في ذلك اليوم ، وهذا يجتمع
مع كون المدار على قيمة يوم التلف او يوم الدفع ، بان
يلاحظ البغل على ما هو عليه
يوم المخالفة في وقت التلف او يوم الدفع ، فيقوم ذلك
البغل في يوم الاداء او وقت
التلف ، فيكون الصحيح اجنبيا عن المقام . ومع تعدد
الاحتمال وحصول الاجمال لا يتم
الاستدلال .
[ . . . ]
الجملة الثانية : قوله عليه السلام : أو يأتي صاحب البغل
بشهود يشهدون ان
قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا . وتقريب الاستدلال بها
على ان الميزان قيمة يوم
المخالفة ما في مكاسب الشيخ الاعظم ره ، وهو ان اثبات
قيمة يوم الاكتراء من حيث
هو يوم الاكتراء لا جدوى فيه ، لعدم الاعتبار به ، فلا
محالة يكون الغرض منه اثبات
قيمة يوم المخالفة بناء على انه يوم المخالفة ، لان الظاهر
من الخبر مخالفته للمالك
بمجرد الخروج من الكوفة ، ومن المعلوم ان اكتراء البغل
لمثل تلك المسافة القليلة انما
يكون يوم الخروج ، ومعلوم ايضا عدم اختلاف القيمة في هذه
المدة القليلة .
وفيه : ان نكتة التعبير بيوم الاكتراء بعد فرض عدم كونه
من حيث هو ميزانا
في هذا الباب انما هو وجود المكارين حينه دون سائر
الاوقات ، وهذا كما يلائم مع كون
العبرة بقيمة يوم المخالفة يلائم مع كون الميزان قيمة
يوم التلف أو يوم الاداء ، من جهة
عدم الاختلاف في مدة خمسة عشر يوما ايضا كما صرح هو قده
به ، ويؤكد ذلك ان
الظاهر من الجملة الواردة لبيان معرفة تفاوت قيمة الصحيح
والمعيب ، ان المقصود
تعيين اصل قيمة البغل من جهة الجهل بها ، بحيث لو علم
قيمته في يوم ارتفع الاشتباه .
مع انه لو سلم الاختلاف ، بما ان هذه الجملة غير واردة
لبيان حكم شرعي بل في مقام
بيان موضوع عرفي - كما يشهد له قول السائل : من يعرف ذلك
، الكاشف عن علم
السائل بما هو وظيفته الشرعية - فيمكن ان يقال : انه لو
كان الميزان قيمة يوم الاداء
اذا عينت قيمة البغل في يوم المخالفة معرفة قيمته في يوم
الاداء سهلة كما لا يخفى .
فهذه الجملة ايضا لا تدل على خلاف ما تقتضيه القاعدة .
الثالثة : قول عليه السلام في جواب السائل عن اصابة
العيب : عليك قيمة ما
بين الصحة والعيب يوم ترده . وملخص القول فيها ان كلمة
" يوم " ، اما ترجع الى
العيب ، فيكون مفادها ضمان العيب الفعلي ، فلا عبرة
بحدوث العيب مع زواله عند
[ . . . ]
رده ، فالخبر اجنبي عن المقام . او ترجع الى قوله "
عليك " فلا تعرض فيها ليوم هذه
القيمة . او ترجع الى القيمة ، ويراد رد الارش من قوله
" يوم ترده " فتدل على ان العبرة
بقيمة يوم الرد . او ترجع اليها ، ويراد رد البغل ، فهي
تدل على ان الميزان قيمة يوم
الاداء . فهذه الجملة ، اما تدل على مقتضى القواعد ، او
لا تنافيه .
فالمتحصل انه لا يستفاد من الصحيح ما يخالف القاعدة
الاولية .
ومنها : ما ورد ( 1 ) في باب الرهن الدال على انه اذا
تلف الرهن بتفريط المرتهن
سقط من دينه بحساب ذلك .
قيل : فلولا ضمان التالف بالقيمة يوم التلف ، لم يكن وجه
لسقوط الدين بمجرد
ضمان التالف ، ذكره الشيخ الاعظم ره .
وفيه مضافا الى انه ليس في نصوص الرهن عنوان السقوط بل
فيها انهما
يترادان الفضل ، اذا كان لاحد الامرين من الرهن والدين
عند تلفه فضل ، وانه اذا
كان يساوي ما رهنه فليس عليه شئ ، مع انه ايضا لا ينافي
القاعدة بعد فرض ان
ادائها بعد التلف انما يكون بدفع القيمة بدلا او وفاء ،
وان ذلك انما يكون باستيلاء
المالك على ذلك المقدار من المال للضامن ، فيوم الاداء
في ذلك يوم التلف .
ومنها : ما ورد في عبد اعتق بعضه ، ففي خبر عبد الرحمن
بن ابي عبد الله عن
ابي عبد الله عليه السلام عن القوم ورثوا عبدا جميعا
فاعتق بعضهم نصيبه منه ، هل
يؤخذ بما بقى ؟ فقال عليه السلام : نعم ، يؤخذ بما بقى
منه بقيمة يوم اعتق ( 2 ) ونحوه
غيره .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الرهن .
( 2 ) الوسائل باب 18 - من كتاب العتق حديث 5 . ( * )
] ولو زاد للسوق لم يضمنها مع الرد ، ولو زاد للصفة ضمنها
، [
وفيه : انه من المحتمل كون قوله " يوم اعتق "
قيدا ليؤخذ لا للقيمة ، وعليه فيدل
على ان زمان توجه التكليف انما هو من حين اعتق ، وساكت عن
انه ما به الضمان هل
هو قيمة يوم التلف او يو الاداء .
فالمتحصل مما ذكرناه ان الاظهر بحسب الادلة ان الميزان
قيمة يوم الاداء
والدفع مطلقا .
حكم ارتفاع القيمة السوقية والزيادة العينية
بقى في المقام فروع :
احدها : المعروف بين الاصحاب ان زيادة القيمة السوقية
ليست مضمونة ،
بخلاف الزيادة العينية ، ( و ) عليه ف ( لو زاد للسوق لم
يضمنها مع الرد ، ولو زاد
للصفة ضمنها ) . والوجه في ذلك : ان الصفة اذا زيدت تكون
تابعة للمال ، وحيث انها
تحت يد الغاصب فمقتضى ادلة الضمان ضمانها ايضا . واما
القيمة السوقية فاصلها
وترقيها ناشئان من كثرة الراغب وقلة الوجود ، كما ان
عدمها وتنزلها ينشئان من كثرة
الوجود وقلة الطالب ، وهذا ليس شيئا يضمن ، لعدم كونه
وصفا في العين كي يدخل
تحت اليد .
وقد استدل لضمانه تارة بحديث لا ضرر ( 1 ) واخرى بان
دليل الضمان انما يدل
على التضمين والتغريم ، فلابد من رعاية الحيثية المالية .
ولكن يرد الاول ما مر من انه لا يدل على الضمان .
والثاني انه لا يستفاد من
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 12 من احياء الموات . ( * )
] ولو تجددت صفة لا قيمة لها لم يضمنها ، ولو زادت القيمة
لنقص بعضه
كالحب فعليه الارش . ولو زادت العين باثرها [
ادلة الضمان سوى رد العين بمالها من الخصوصيات مع امكانه
، وفي الفرض حيث ان
التالف رغبات الناس لا شئ من العين ، فالعين ترد بمالها
من الخصوصيات .
ثانيها : ( ولو تجددت صفة لا قيمة لها لم يضمنها ) بلا
خلاف ، اذ لا معنى
للضمان مع عدم القيمة لها وعدم كونها مثلية ، والفرض ان
عينها لايمكن ردها .
ثالثها : ( ولو زادت القيمة لنقص بعضه كالجب فعليه الارش
) ، لعموم ما
دل على ثبوت الارش بالجناية .
التاسعة : ( ولو زادت ) قيمة ( العين باثرها
) ، فتارة يكون ذلك اثرا محضا لا عينا ،
كتعليم الصنعة ، وخياطة الثوب بخيوط المالك ، ونسج الغزل
، وطحن الطعام ، وما
شاكل . واخرى يكون عينا ، كما لو خاط ثوبه بخيوطه ، او
صبغه بصبغه ، او زرع في
ارضه ، وهكذا .
اما في الصورة الاولى ، فلا اشكال في ان المالك يأخذ
ماله ، ومع التلف مثل
التالف او قيمته مع ذاك الاثر ، فان الاثر اوجب زيادة
قيمة العين وهي تابعة للعين ،
ولا شئ للغاصب على المالك ، فان مجرد عود نفع العمل الى
المالك لا يكون موجبا
للضمان ، بل الضمان اما ان يكون لليد ، أو يكون للاتلاف
، أو من جهة الامر بالعمل ،
او من ناحية الاستيفاء بالاذن ، وشئ من تلكم لا يكون في
المقام .
واما في الصورة الثانية ، فان لم يمكن اخذ الزيادة ،
وكانت لا تعد عند العرف
شيئا في مقابل المغصوب منه ، فهي تالفة عرفا ، فالحكم
فيها ما تقدم من غير فرق بين
[ . . . ]
ان يكون عين ما زيد من الغاصب نفسه ام لم يكن .
وفي المسالك في ما اذا كان العين للغاصب وحصلت في
المغصوب منه ولم تنعدم
بحيث لا يكون هناك سوى الاثر ولم يمكن فصله ، قال الشهيد
: يصير شريكا
للمغصوب منه ، لانه عين مال انضم الى ملك ، ثم ينظر ان
كان قيمته مغصوبا مثل
قيمته وقيمة الصبغ كما اذا كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة
الصبغ عشرة وهو يساوي
بعد الصبغ عشرين ، ولم تتغير قيمتهما فهو بينهما بالسوية
، الى ان قال : وفي الاول وهو
ما اذا امكن فصله عن الثوب فللغاصب ازالته مطلقا مع ضمان
الارش ان نقص .
وقيل : ان ادى فصله الى استهلاكه لم يجب الغاصب اليه ،
لاستلزامه التصرف في مال
الغير بغير فائدة ، مع كونه متعديا في اصل الفعل .
والاشهر اجابته ، لانه لولاه لزم منه
عدوان آخر وهو التصرف في مال الغير بغير حق ، اذ لا سبيل
الى تملكه بعوض ولا
بغيره قهرا ، وبقاء الثوب في يد المالك ممنوعا من التصرف
فيه لاجل الصبغ ضرر اخر ،
فكانت اجابته للغاصب اصلح ، وفيهما جمع بين الحقين ،
فعلى هذا يجاب اليه ، انتهى .
ويرد عليه اولا : النقض بما اذا كان فعله موجبا لثبوت
اثر محض ، فان لازم ما
افاده هو الشركة فيه ايضا ، فان تلك الهيئة الحاصلة في
العين المغصوبة لها مالية ،
فالثوب قيمته مخيطا ازيد من قيمته غير مخيط والهيئة
موجودة ، فلابد من البناء على
الشركة .
وثانيا : ان العين التي زيدت في المغصوب ان لم يمكن
فصلها ، او امكن مع
استلزام الفصل خروجه عن المالية ، تكون ساقطة عن المالية ، وانما هي موجبة لازدياد
قيمة المغصوب ، لا ان المال المبذول يبذل مقدار منه
بازاء المغصوب ومقدار زايد بازاء
ما زيد ، ومع سقوطها عن المالية لا يعتبرها العقلاء ملكا
ومالا له ، فتخرج بذلك عن
ملكه فلا وجه للشركة . نعم ، فيما اذا لم يلزم من فصلها
انتفاء قيمتها كلام سيأتي ان
] رجع الغاصب بها وعليه ارش النقصان ، [
شاء الله تعالى .
وبما ذكرناه يظهر انه لو كان الصبغ مغصوبا من غير مالك
الثوب ، لا يصير
الثوب المصبوغ مشتركا بين المغصوب منهما ، بل الصبغ يعد
تالفا عرفا ، فيكون
الغاصب ضامنا له لمالكه ، والثوب
المصبوغ تمامه لمالك الثوب . فما في المسالك ايضا من
حصول الشركة بينهما ، ضعيف .
واما ان كانت الزيادة يمكن اخذها ولها مالية ، فالمشهور
بين الاصحاب انه ي
( رجع الغاصب بها ) ولو نقصت قيمة العين ورد الاصل ، جمعا
بين الحقين ( وعليه ارش
النقصان ) ان نقص المغصوب بأخذ الزيادة منه . وعن
الاسكافي والمختلف والتنقيح
والمجلسي انه ليس للغاصب اخذ ما زاده بغير اذن المالك ،
فان لم يرض ودفع قيمته
وجب على الغاصب قبوله .
ولكن لا اشكال في بقاء الزيادة على ملك الغاصب ، لان
عدوانه لا يقتضي
اسقاط ماليتها ولا الملكية ، ولا
اشكال ايضا في انه لا يوجب العدوان سلب سلطنة
المالك . فما عن المشهور من ان له اخذ الزيادة ورد الاصل
، وظاهره ذلك مع عدم رضا
المالك ، غير تام .
نعم ، للمالك المغصوب منه ذلك ، لخبر عبد العزيز بن محمد
الدراوردي عن ابي
عبد الله عليه السلام عمن أخذ أرضا بغير حقها وبنى فيها
، قال عليه السلام : يرفع
بناؤه وتسلم التربة الى صاحبها ، ليس لعرق ظالم حق ( 1 ) .
واما ما افاده جمع من الاصحاب من انه ان لم يرض المالك
ودفع قيمته وجب
على الغاصب قبوله ، فمضافا الى انه لا وجه له ، والاصل
عدم وجوب القبول عليه ،
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 - من كتاب الغصب - حديث 1 . ( * )
] وليس له الرجوع بارش نقصان عينه ، ولو غصب عبد او جنى عليه
بكمال
قيمته رده - الارش على قول ، بمساويه او باجود رده
، [
يشهد لعدم وجوب القبول خبر عقبة بن خالد عن ابي عبد الله
عليه السلام عن رجل
أتى ارض رجل فزرعها بغير اذنه ، حتى اذا بلغ الزرع جاء
صاحب الارض فقال :
زرعت بغير اذني فزرعك لي وعلي ما انفقت ، له ذلك ام لا ؟
فقال عليه السلام : للزارع
زرعه ، ولصاحب الارض كراء ارضه ( 1 ) .
ولو اخذ الغاصب عين ماله باذن المالك ولزم منه نقصانه (
ليس له الرجوع
بارش نقصان عينه ) لانه جاء من قبله . ( و ) مما مر ظهر
انه ( لو غصب عبدا وجنى
عليه بكمال قيمته رده مع الارش على قول ) .
( ولو امتزج المغصوب ) بغيره ، فتارة يكون بجنسه ، واخرى
بغير جنسه . وعلى
الاول اما ان يكون ( بمساويه ) في الجودة والرداءة ، (
او باجود ) منه ، او بادنى .
فان خلطه بمساويه ، فان امكن التمييز كلف به و ( رده )
اي رد مال المغصوب
منه اليه وان شق - كما لو خلط الحنطة بالشعير ، او الحمراء
منها بالصفراء - بلا خلاف ،
لوجوب رد العين حيث يمكن .
ولو لم يمكن التمييز ، فقد جزم الاكثر على ما في المسالك بانه
يكون الغاصب
شريكا بنسبة المخلوط . واستدلوا له بان عين مال المالك
موجودة في الجملة ، وغايته
انها ممتزجة بغيرها ، وذلك لا يخرجها عن ملكه . وبانه في
ذلك ايصال المالك الى بعض
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 2 من كتاب الغصب حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
حقه بعينه والى بدل بعضه من غير زيادة فوت على الغاصب ،
فكان اولى من ايصاله
الى بدل الجميع
ويمكن ان يقال تأييدا لما افادوه : ان الخلط ربما يكون
بحيث يعد المالان بعد
المزج شيئا واحدا ، فيلزم منه الشركة القهرية بينهما ، ولا وجه لصيرورة الجميع ملكا
للمالك ، ولا للانتقال الى المثل أو القيمة ، فان ذلك
فرع التلف غير المتحقق .
فما عن الحلي من انه ينتقل الى المثل ، لاستهلاك العين
اذ لا يقدر على ردها لو
طلبه ، غريب ، فان الاستهلاك غير تعذر الرد ، مع انه لو
تم دعوى الاستهلاك لا ريب
في ان الموجود اقرب الى التالف من المثل ، وقد عرفت انه
متعين في باب الضمان .
واما ما في الرياض من ان لزوم القبول على المالك مشكل ،
حيث يتعذر لعدم
قبوله بعذر موجه ، ككون ماله حلالا ومال الغاصب الممزوج
به مشبوها او نحوه ، فان
ايجاب القبول حينئذ ضرر اي ضرر ، ونقله عن التنقيح ايضا .
فيرد عليه : ان مال الغاصب الممزوج به على الفرض ، محكوم
شرعا بانه ماله
كسائر ما يوخذ من ايدي المكلفين ، مع ان لا ضرر لا يصلح
لاثبات الخيار للمالك كما
مر . فالحق ترتب احكام المشترك على الموجود المتقدمة في
كتاب الشركة .
وربما يكون بحيث لايعد المالان شيئا واحدا عرفا ، فالمال
الموجود مختلط ،
والحكم فيه هو الصلح القهرى او القرعة على ما مر في محله .
وان خلطه باجود منه ، فمع عدم حصول الشركة فالحكم ما مر
، واما مع حصولها
بان عد المجموع شيئا واحدا ففيه قولان :
احدهما : ما هو المشهور ، وهو حصول الشركة بينهما ،
وترتب احكامها المشار
اليها في الصورة السابقة .
ثانيهما : ما عن الشيخ في المبسوط والحلي ، وهو انه
يتخير الغاصب في دفع القدر
] ولو كان بأدون ضمن المثل . [
من العين او غيرها .
وجه الاول : وجود عين مالك المالك المقتضي لتسلطه على
الموجود وعدم
الانتقال الى المثل او القيمة ، والزيادة لا تقدح لانها
زيادة صفة حاصلة بفعل الغاصب .
ووجه الثاني : استهلاك عين مال المالك اذ لا يقدر على
الرد لو طلبه ، والتخيير
في الحقيقة راجع الى ضمان المثل ، لانه حينئذ لا ينحصر
في العين وهي اجود مما يلزمه ،
فاذا بذلها وجب قبولها بطريق اولى ، ولان بعضها عين حقه
وبعضها خير منه .
ولكن : يرد على الثاني اولا : ما تقدم من منع الاستهلاك .
وثانيا : ان الموجود لو كان بعضه عين حقه وبعضه خيرا منه
، فمضافا الى انه
ينافي ما ذكراه أولا من الاستهلاك ، حيث انه اقرب الى
مال المالك هو المتعين دفعه .
وثالثا : انه لو سلم ان الموجود غير مال المالك ولا مثله
، فلا وجه لالزامه بقبوله ،
لان له ان لا يقبل الا ما هو حقه لا ما يكون اجود منه .
فما افاده المشهور هو المنصور ،
الا ان لازم الشركة استحقاق الغاصب بمقدار اجودية ماله
من مال المالك لا ازيد
منه ، فليست الزيادة حينئذ عائدة الى المالك حتى يعلل
بما ذكر .
( ولو كان ) الخلط ( بادون ) ، ففيه اقوال :
1.
انه ي ( ضمن
المثل ) وهو مشهور بينهم ، وعن التنقيح نفي الخلاف فيه .
2.
ما عن الروضة
وفي المسالك ، وهو انه مخير بين ان يأخذ حقه من العين مع
الارش وبين أخذ المثل .
3.
التخيير بين
أخذ حقه من العين بدون الارش واخذ المثل ، وهو ظاهر ما
نقله في الشرايع .
وجه الاول : استهلاك مال المالك ، وقد مر ما فيه .
وجه الثاني : ان حقه في العين لم يسقط لبقائها كما لو
مزجها بالاجود ، والنقص
] وفوائد المغصوب للمالك . [
بالخلط يمكن جبره بالارش .
وفيه : ان لازم الوجه المزبور حصول الشركة لا الانتقال
الى المثل ، مع انه لا
وجه للجبر بالارش ، بل يجبر النقص بالزيادة من نفس العين
على ما هو مقتضى
الشركة ، وبذلك يظهر مدرك القول الثالث . فالمتجه حينئذ
هو الوجه الرابع ، وهو
حصول الشركة .
وان كان الخلط بغير جنسه - كما اذا اختلط الزيت بالشيرج
- فقيل : ان
المغصوب هالك ، لبطلان فائدته وخاصيته وباختلاط غير
الجنس به ، فيضمن بالمثل .
وفيه : انه لو كان في الفرض شئ فهو الاستحالة دون
الاستهلاك . فالاظهر فيه
الشركة ، كما قواه في محكي التذكرة ، لان مال المالك
موجود فلا ينتقل الى المثل أو
القيمة .
العاشرة : ( وفوائد المغصوب للمالك ) له ، بلا خلاف ،
لانها نماء ملكه ، فتكون
مضمونة عند الغاصب كالاصل ، سواء تجددت عنده ام لا ،
اعيانا منفصلة كانت
كالولد ، او متصلة كالصوف والسمن ، او منفعة كاجرة سكنى
الدار وركوب الدابة .
والاصل في ذلك كله حديث : على اليد ما اخذت حتى تودي ( 1
) فان اليد كما
تكون على العين كذلك تكون على الفوائد حتى المنفعة ، ولا
يختص الحديث بحدوث
اليد بل يشمل بقائها ، فكل زمان من ازمنة كون العين تحت
اليد قد ازيلت فيه يد
..........................................................................
( 1 ) كنز العمال ج 5 ص 257 وسنن البيهقي ج 6 ص 90 . ( * )
[ . . . ]
المالك ، فيجب ان يغرم العين وما يتبعها . والايراد على
ضمان المنفعة بان الحديث مختص
بالاعيان ولا يشمل المنافع ، قدمر عند تقريب دلالة
الحديث على الضمان ما ذكر في
وجه ذلك واندفاعه ، وعرفت ان الاظهر شموله للمنافع .
وان النماء ان بقي الى زمان رد العين ، يجب دفعه والا
فقيمته ، وهو واضح .
واما المنفعة ، فان استوفاها الغاصب فيجب رد عوضها لما
مر من ضمان المنفعة
المستوفاة ، وان لم يستوفها فيمكن ان يستدل لضمانها
بوجهين :
احدهما : حديث على اليد بالتقريب المتقدم .
ثانيهما : قاعدة الاتلاف ، فان حبس العين ومنع مالكها عن
الانتفاع بها اتلاف
لمنافعها عرفا .
واماما عن المحقق الخراساني ره من الاستدلال له بان من
آثار ضمان العين
ضمان منافعها ، فالدليل على ضمان العين دليل لضمان
المنافع : فان اريد به ما ذكرناه
من صدق الاستيلاء واليد على المنافع بالاستيلاء واليد
على العين ، فهو يرجع الى
التمسك بحديث على اليد . وان اريد به ما افاده
المحقق الايرواني ره من ان اداء العين
المجعول غاية للضمان لا يكون الا بادائها بمنافعها
وفروعها ، فيرد عليه انه ان لم
يصدق اليد على المنافع باليد على العين ، لما كان يجدي
شمول الحديث للعين في ضمانها ،
البيان .
فان قيل : ان صحيح ابي ولاد المتقدم الدال على ضمان
منفعة البغل المستوفاة
دون غيرها ، دال على عدم ضمان المنفعة غير المستوفاة .
قلنا : انه لا يتصور منفعة للبغل تجتمع مع المنفعة
المستوفاة ، فانه وان كان
يتصور له منفعة اخرى الا انها تضاد مع ما استوفاه .
وبعبارة اخرى : كان للبغل منافع
[ . . . ]
مختلفة على سبيل البدل وحيث انه استوفى واحدة منها ولم
يكن هناك فائدة اخرى
يمكن استيفائها فائتة ، كان عليه ضمان تلك المنفعة خاصة
، مع انه عليه السلام في
الصحيح في مقام الرد على ابي حنيفة وبيان ان عليه كرى
البغل ، وليس في مقام بيان
احكام اخر .
وربما يستدل لعدم ضمانها بقوله عليه السلام : في الامة
المبتاعة اذا وجدت
مسروقة بعد ان اولدها المشتري : يأخذ الجارية صاحبها ،
ويأخذ الرجل ولده
بالقيمة ( 1 ) بتقريب انه يدل على ضمان المنفعة المستوفاة
، وساكت عن ضمان غيرها في
مقام البيان .
وفيه : ان الخبر وارد في مقام بيان منفعة واحدة ، وانه
يكون الولد حر او عليه
قيمته ، ولذا لم يتعرض لبيان المنافع المستوفاة الاخر من
الطبخ والتنظيف وغيرهما ، بل
ولا لاشتغال ذمة المشتري بالوطء مع انه منفعة استوفاها .
اضف الى ذلك ان تلك
المنفعة التي حكم بضمانها منفعة لم يستوفها المشتري بل
اتلفها ، كما لا يخفى .
ومما ذكرناه ظهر الجواب عن الاستدلال لعدم الضمان بصحيح
محمد بن قيس
الوراد فيمن باع وليدة ابيه بغير اذنه ، قال عليه السلام
: الحكم ان يأخذ وليدته وابنها ( 2 )
بتقريب انه ساكت عن المنافع الفائتة . فالحق هو ضمان
المنفعة ولو لم يستوفها .
ومما ذكرناه ظهر انه لو كانت للعين منافع مختلفة ، انما
يضمن الغاصب اكثرها
قيمة دون الجميع ، فتقوم اجارة تلك العين بجميع منافعها
فيضمنها الغاصب ، كما هو
واضح .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 88 من ابواب نكاح العبيد والاماء حديث
3 .
( 2 ) الوسائل باب 88 من ابواب نكاح العبيد والاماء حديث 1 . ( * )
] ولو اشتراه جاهلا بالغصب رجع بالثمن على الغاصب وبما غرم
عوض عما
لا نفع في مقابلته او كان على اشكال ، ولو كان عالما فلا
رجوع بشئ . ولو
زرع في المغصوب كان الزرع له وعليه الاجرة . [
وقد مر مفصلا في كتاب البيع ( و ) في بعض المسائل
المتقدمة في هذا الكتاب
انه ( لو اشتراه ) اي المغصوب ( جاهلا بالغصب رجع بالثمن
على الغاصب و ) كذا
( بما غرم عوضا عما لا نفع في مقابلته او كان على اشكال .
ولو كان عالما فلا رجوع
بشئ ) .
( و ) ايضا قد ظهر مما قدمناه انه ( لو زرع الغاصب كان
الزرع له وعليه
الاجرة ) . ويشهد به - مضافا الى ما مر ، والى انه نماء
ملك الزارع وهو البذر فيتبعه في
الملك ، وان الارض كالماء والهواء والشمس من المعدات
لصيرورة البذر زرعا ثم حبا
بالتدريج - خبر عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه
السلام عن رجل أتى ارض رجل
فزرعها بغير اذنه ، حتى اذا بلغ الزرع جاء صاحب الارض
فقال : زرعت بغير اذني
فزرعك لي وعلي ما انفقت ، أله ذلك ام لا ؟ فقال عليه
السلام : للزارع زرعه ، ولصاحب
الارض كراء ارضه ( 1 ) ونحوه غيره .
وعن ابن الجنيد ان لصاحب الارض ان يرد ما خسره الزارع ،
لقوله عليه
السلام : من زرع في ارض قوم بغير اذنهم ، ليس له من
الزرع شئ وعليه نفقته ( 2 ) .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الغصب حديث 1 .
( 2 ) التذكرة ج 2 ص 392 . ( * )
] والقول قول الغاصب في القيمة مع اليمين وتعذر البينة [
وفيه : ان الخبر لم تثبت صحته كما ذكره الاصحاب ، ولم
يعمل به احد غيره ،
وهو مع ذلك معارض بما تقدم ، وبموثق محمد بن مسلم عن ابي
جعفر عليه السلام في
رجل اكترى دارا وفيها بستان ، فزرع في البستان وغرس نخلا
واشجارا وفواكه وغير
ذلك ، ولم يستأمر صاحب الدار في ذلك ، قال عليه السلام :
على الكراء ، ويقوم صاحب
الدار الزرع والغرس قيمة عدل ويعطيها الغارس ان كان
استأمره في ذلك ، وان لم
يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء وله الزرع والغرس
ويقلعه ويذهب به حيث شاء ( 1 )
والترجيح للخبرين .
وايضا قدمر ان لصاحب الارض ازالة الزرع والحرث ولو قبل
اوان بلوغهما
ويشهد به ما مر ، وخبر عبد العزيز بن محمد الدراوردي -
المتلقى بالقبول - عن ابي
عبد الله عليه السلام عمن أخذ ارضا بغير حقها وبنى فيها
، قال عليه السلام : يرفع
بنائه وتسلم التربة الي صاحبها ليس لعرق ظالم حق ( 2 )
الحديث .
وله ان يلزمه بالازالة ، وطم الحفر ، والارش ان نقصت
بالقطع او الزرع ، لانه
نقص اورده الغاصب ومنفعة اتلفها . وهل له الارش لو تصدى
بنفسه بالازالة ام لا ؟
الظاهر ذلك اذا كان النقص حاصلا بالزرع كما هو ظاهر ،
واما ان كان حاصلا بالقلع
ففيه وجهان ، من كونه الموجد للنقص ، ومن ان سببه الزرع
، والله العالم .
الحادي عشرة : ( ولو تلف المغصوب واختلفا في القيمة ،
فعن المبسوط والخلاف
والحلي والمحقق والمصنف ره والشهيدين وكثير من المتأخرين
بل عامتهم ، ان ( القول
قول الغاصب في القيمة مع اليمين وتعذر البينة ) . وعن
النهاية والمقنعة بل قيل عن
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 2 - من ابواب كتاب الغصب حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب الغصب حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
الاكثر ان القول قول المغصوب منه .
واستدل للاول بان الغاصب منكر للزيادة ، وللمالك يدعيها
، والاصل عدمها .
وفيه : ان ذلك وان تم بحسب موازى باب القضاء ، الا ان
صحيح ابي ولاد
المتقدم - قلت : فمن يعرف ذلك ؟ قال عليه السلام : انت
وهو اما ان يحلف هو على
القيمة فيلزمك ، فان رد اليمين عليك فحلفت على القيمة
لزمه ذلك ، او يأتي صاحب
البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا
فيلزمك ، الحديث ( 1 ) -
يدل على تقديم قول المالك مع الحلف ، وتخصص القاعدة
العامة به ، وهذا التخصيص
موافق للاعتبار اذ من شوون اخذ الغاصب باشق الاحوال عدم
قبول قوله ما لم يرد
الحلف عليه ، وان لا يطالب منه شئ من موازين القضاء بل
يوجه الخطاب الى المالك ،
ويكون الحلف وظيفته وكذا رد اليمين اللذان هما وظيفة
المنكر في غير باب الغصب ،
والبينة ايضا وظيفته كما هي وظيفة المدعي في كل باب ،
فيكون مع تعذر البينة قوله
مقدما مع الحلف ، بل الصحيح يدل على تقديم قوله مع
اليمين وان امكنه اقامة البينة .
فان قيل : ان الصحيح في مقام بيان طريق معرفة القيمة من
دون فرض
مخاصمة ، وقضية البينة على المدعي واليمين على المدعى
عليه انما هي في المخاصمات ،
وذلك من جهة ظهور السؤال والجواب في ذلك ، حيث ان السؤال انما يكون عن
العارف واجاب عليه السلام بانه : اما ان يحلف المالك لمعرفته
بقيمة بغله ، أو ان تحلف
انت من جهة كونه عندك في مدة ، او يقيم المالك البينة لو
لم تعرف انت ولم يعرف هو .
فالصحيح غير مربوط بباب النزاع والخصومة ، كما عن جمع من
المحققين كاليزدي
والاصفهاني والايرواني .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الغصب حديث 1 . ( * )
] الفصل الحادي عشر : في احياء الموات . لا يجوز التصرف في
ملك الغير
بغير اذنه ولو فيما فيه صلاحه كالطريق والنهر والمراح [
قلنا : انه يوهن ذلك قوله " فيلزمك " وقوله
" لزمه " اذ الملزم انما هو حلف من
وظيفته بحسب الجعل الالهي ذلك لا حلف كل احد وان توافق
الطرفان عليه .
فالاظهر ان القول قول المالك مع يمينه ، ومع ذلك او اقام
البينة تسمع منه .
الفصل الحادي عشر : في احياء الموات
والمراد بالموات الاراضي غير المنتفع بها ، لعطلتها باستيجامها
، او عدم الماء
عنها ، او استيلاء الماء عليها بحيث تعد مواتا عرفا .
وقد استوفينا البحث في أقسام
الاراضي وما يملك منها بالاحياء وما لا يملك ، وحكم
الموت العارض بعد كونها عامرة ،
وغير ذلك مما يرجع الى الاراضي في كتاب البيع والمكاسب
المحرمة وكتاب الخمس .
ومما ذكرناه هناك يظهر ان الاحياء لا يختص بالبناء بل قد
يكون به ، وقد يكون
بالزراعة والغرس ، وقد يكون باحداث الطريق والنهر
والمراح وما شاكل ، وفي جميع
هذه الموارد تصير الارض ملكا للمحيي مع الشرائط المذكورة
في تلك الكتب .
وانما الكلام في المقام في مسائل :
الاولى : ( لا يجوز التصرف في ملك الغير بغير اذنه ) كما
مر في كتاب
الغصب ، ( ولا فيما فيه صلاحه ) اي صلاح المملوك ،
ويحتاج اليه من مرافقه وحريمه
( كالطريق ) المسلوك اليه ( والنهر ، والمراح ) اي مأوى
الابل والغنم ، لاتحاد الدليل .
] وحد الطريق المبتكر في المباحة مع المشاحة سبع اذرع [
( و ) في ( حد الطريق المبتكر ) والمراد به الملك المحدث (
في المباحة مع المشاحة )
خلاف ، فعن النهاية والحلي والمصنف هنا وفي المختلف
والتحرير وفخر الاسلام
والشهيدين وغيرهم ، وفي الرياض : بل لعله المشهور بين
الطائفة ، ان حده ( سبع
اذرع ) . وفي الشرايع والنافع وعن القواعد وعن ولد
الماتن انه نقله عن كثير من
الاصحاب ، انه خمس اذرع . ومنشأ الاختلاف اختلاف الاخبار :
فان منها ما يدل على الاول ، كقوي السكوني عن ابي عبد
الله عن رسول الله
صلى الله عليه وآله في حديث : والطريق يتشاح اليه اهله
فحده سبع اذرع ( 1 ) ومثله
خبر مسمع اخي عبد الملك عنه عليه السلام ( 2 ) .
ومنها ما يدل على الثاني ، كموثق ابي العباس البقباق عن
ابي عبد الله عليه
السلام : بل خمس اذرع ( 3 ) .
وهما متعارضان ، والترجيح للطائفة الاولى للشهرة التي هي
اول المرجحات .
والظاهر من النصوص عدم اختصاص هذا التحديد بالمبتكر ، بل
هو حد
للطريق مطلقا ، كما عن جماعة من المحققين من المتأخرين
منهم المحقق القمي ره .
وحق القول في المقام : ان الطريق قد يكون ملكا لشخص كما
لو احدثه في
ارض موات ، وهو على قسمين : اذ قد يشتري من شخص داره أو
بستانه او ما شاكل
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 11 من كتاب احياء الموات حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 11 - من كتاب احياء الموات حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 15 من ابواب كتاب الصلح حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
ويجعله طريقا الى املاكه ، لا اشكال في ان الحد المذكور
غير مربوط به ، بل انما
التحديد لغيره . وقد يحدثه في ارض موات فحده ما ذكر ،
وان كان فيه خلاف آخر ، وهو
انه هل يصير الطريق ملكا له بتبع ملك ما جعل طريقا اليه ام لا ؟
وقد مر الكلام فيه .
وهذا الحكم الذي ذكرناه فيما اذا كان الطريق ملكا لشخص ،
يجري فيما لو يكن ملكا
له ولكن كان ذلك حريما لملكه .
وقد لا يكون ملكا لشخص خاص ولا حريما لملكه ، بل كان
شارعا عاما معدا
لمصالح القاطنين ، وهو ايضا على قسمين : اذ تارة يختص
بطائفة خاصة ، والظاهر ان
حده ما مر . وقد يكون غير مختص بشخص ولا طائفة -
كالشوارع العامة في البلدان
- فحده حينئذ ما يحتاجون اليه ، فقد يكون في هذه الازمنة
يحتاجون الى شارع يبلغ
مائة ذراع ، وعلى الجملة الميزان في ذلك رعاية مصلحة
الاجتماع ، وما يتوقف عليه حفظ
النظام . والظاهر ان الحد المذكور غير مربوط به ، كما
يشهد به موثق البقباق عن الامام
الصادق عليه السلام ، قال قلت له : الطريق الواسع هل
يؤخذ منه شئ اذا لم يضر
بالطريق ؟ قال عليه السلام : لا ( 1 ) .
وفي هذه الطرق التصرف المنافي للتطرق لا يجوز . واما غير
المنافي له ، كالوقوف
في الطريق والجلوس ، بل المعاملة والتظليل على موضع
الوقوف ، بل بناء الدكة بحيث
لاتضر المارة ، واخراج الجناح والروشن وما شاكل ، فلا
محذور فيه ، لعدم كونها ملكا
لشخص او اشخاص كي لا يجوز مطلق التصرف فيها ، والله
العالم .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 27 من ابواب عقد البيع وشروطه حديث
- 1 . ( * )
] وحريم بئر المعطن اربعون ذراعا ، والناضح ستون ذراعا [
( وحريم بئر المعطن ) وهو والعطن واحد الاعطان والمعاطن ،
وهي مبارك الابل
عند الماء لتشرب ( ربعون ذراعا ) من الجوانب الاربعة ( و
) حريم بئر ( الناضح
ستون ذراعا ) كذلك على المشهور بين الاصحاب .
وقيل : ان الحريم في البئر مطلقا ما يحتاج اليه في السقي
، ومنها وقوف الناضح
والدولاب ، وتردد البهايم ، ومصب الماء ، والموضع الذي يجتمع
فيه لسقي الماشية والزرع
من حوض وغيره ، والموضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه بحسب
العادة .
واما النصوص فهي مختلفة :
منها : ما يدل على القول الاول ، كخبر عبد الله بن معقل
ان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قال : من احتفر بئرا فله اربعون ذراعا حولها
لمعطن ماشيته ( 1 ) .
وخبر مسمع بن عبد الملك عن الامام الصادق عليه السلام عن
رسول الله صلى
الله عليه وآله : ما بين بئر المعطن الى بئر المعطن
اربعون ذراعا ، ومابين بئر الناضح
الى بئر الناضح ستون ذراعا ، وما بين بئر العين الى بئر
العين خمسمائة ذراع ( 2 ) الحديث ،
ونحوه قوي السكوني الا انه اضاف اليه بعد قوله العين :
يعني القناة ( 3 ) .
ومنها : ما يدل على ان حريم البئر اربعون ذراعا مطلقا ،
كصحيح حماد بن
عثمان عن ابي عبد الله عليه السلام : حريم البئر العادية
اربعون ذراعا حولها ( 4 ) .
..........................................................................
( 1 ) التذكرة ج 2 ص 413 .
( 2 ) الوسائل باب 11 من كتاب احياء الموات حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 11 من كتاب احياء الموات حديث 5 .
( 4 ) الوسائل باب 11 من كتاب احياء الموات حديث 1 .
[ . . . ]
وما رواه الصدوق ، قال : قضى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ان البئر
حريمها اربعون ذراعا ، لا يحفرالى جانبها بئر اخرى لعطن او غنم ( 1 ) .
ومنها : ما يدل على انه خمسون ذراعا ، كخبر وهب عن جعفر
بن محمد عن ابيه :
ان علي بن ابي طالب عليه السلام كان يقول : حريم البئر
العادية خمسون ذراعا ، الا
ان يكون الى عطن او الى طريق فيكون اقل من ذلك الى خمسة
وعشرين ذراعا ( 2 ) .
ومنها : ما يدل على ان الحد في الارض الصلبة خمسمائة
ذراع ، وفي الرخوة الف
ذراع ، كخبر عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه السلام :
يكون بين البئرين اذا كانت
ارضا صلبة خمسمائة مائة ذراع ، وان كانت ارضا رخوة فالف
ذراع ( 3 ) .
والحق في الجمع ان يقال : اما الاخير فهو يختص ببئر
العين اي القناة ، واما ما
قبله فضعيف السند ، واما صحيح حماد ومرسل الصدوق فمطلقان
يقيد اطلاقهما
بالنصوص المفصلة . وعليه فما افاده المشهور اظهر .
ثم ان ذلك يختص بالبئر في الارض المات ، واما في
المملوكة فلا حد لها ، لورود
النصوص في ذلك المورد . قال في المسالك : ونسبة البئر
الى العادية اشارة الى احداث
الموات ، لان ما كان في زمن عاد وما شابهه فهو موات
غالبا ، وخص عادا بالذكر لانها
في الزمان الاول كان لها آبار في الارض فنسب اليها كل
قيدم ، انتهى .
ثم ان بعض النصوص والفتاوى وان اختص بحفر بئر اخرى ، الا
ان الظاهر
انه لايجوز لاحد احياء المقدار المزبور بغير حفر البئر
ايضا - كزرع أو شجر او
نحوهما - لا طلاق بقية النصوص .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب احياء الموات حديث 7 .
( 2 )الوسائل باب 11 من أبواب احياء الموات حديث 8 .
( 3 )الوسائل ج 17 باب 11 من إحياء الموات ، حديث 3 . ( * )
] والعين في الرخوة الف ، وفي الصلبة خمسمائة . [
( و ) حريم ( العين ) والقناة ( في ) الارض ( الرخوة الف )
ذراع ، ( وفي ) الارض
( الصلبة خمسمائة ) على المشهور بين الاصحاب . وعن
الاسكافي ان حد ذلك ان لا
يضر الثاني بالاول ، ونفي عنه البأس في محكي المختلف ،
وجعله في المسالك اظهر ،
واختاره صاحب الكفاية ، وقواه المحقق القمي ره .
يشهد للاول خبر عقبة بن خالد - المنجبر بما عرفت وبرواية
المشايخ الثلاثة
- عن ابي عبد الله عليه السلام : يكون بين البئرين اذا
كانت ارضا صلبة خمسمائة ذراع ،
وان كانت ارضا رخوة فألف ذراع ( 1 ) . وبه يقيد اطلاق
خبري مسمع والسكوني
المتقدمين الدالين على ان حده خمسمائة ذراع ، كما انه
يقيد اطلاق مرسل محمد بن
حفص عن رجل عن الامام الصادق عليه السلام : يكون بين
العينين الف ذراع ( 2 ) .
وللثاني صحيح محمد بن الحسين : كتب الى ابي محمد عليه
السلام رجل كانت
له قناة في قرية ، فاراد رجل ان يحفر قناة اخرى الى قرية
له ، كم يكون بينهما في البعد
حتى لا تضر احداهما بالاخرى في الارض اذا كانت صلبة او
رخوة ؟ فوقع عليه
السلام : على حسب ان لا تضر احداهما بالاخرى ان شاء الله
تعالى ( 3 ) ونحوه خبر
محمد بن علي بن محبوب ، قال : كتب رجل الى الفقيه ، وذكر
الحديث ( 4 ) .
وخبر عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل
اتى جبلا فشق فيه
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 11 - من كتاب احياء الموات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل - باب 13 من كتاب احياء الموات حديث 1 .
( 3 - 4 ) الوسائل باب 14 من كتاب احياء الموات حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
قناة ، فذهبت قناة الاخرى بماء قناة الاولى ، فقال عليه
السلام : يتقايسان بحقايب
البئر ليلة ليلة ، فينظر ايتها اضرت بصاحبتها ، فان رأيت
الاخيرة اضرت بالاولى
فلتعور ( 1 ) ورواه في الوسائل عن الصدوق ، قال : وزاد :
وقضى رسول الله بذك ، وقال :
ان كانت الاولى اخذت ماء الاخيرة لم يكن لصاحب الاخيرة
على الاول سبيل ( 2 ) .
وخبره الآخر عنه عليه لسلام في رجل احتفر قناه وأتى لذلك
سنة ، ثم ان رجلا
احتفر الى جانبها قناة ، فقضى ان يقاس الماء بحقايب
البئر ، ليلة هذه وليلة هذه ، فان
كانت الاخيرة اخذت ماء الاولى عورت الاخيرة ، وان كانت
الاولى اخذت ماء
الاخيرة لم يكن لصاحب الاخيرة على الاولى شئ ( 3 ) .
ومورد هذه الاخبار الثلاثة الاخيرة وان كان في القريتين
، الا انها تدل على ان
الميزان هو الضرر ، وانه لا عبرة بالقدر المعين . واما
خبر عقبة الذي هو مدرك القول
الاول فهو في البئر وهو غير محل النزاع ، وحمله على
العين وان كان ممكنا الا انه يحتاج
الى دليل ، وفهم المشهور لا يصلح قرينة عليه ، وعليه
فالقول الثاني اظهر . ولو سلم
شموله لما هو محل النزاع ، وكذا النصوص المطلقة ، فيمكن
الجمع بين الطائفتين بحمل
النصوص الاول على صورة عدم معرفة الضرر ، وان ما فيها
مجعول طريقا للضرر
وعدمه ، ويؤيده مناسبة الحكم والموضوع .
ثم ان النصوص سيما ما اعتمدنا عليه في الحكم مختصة
بالقناة في الارض
الموات ، واما القناة في المعمورة فالظاهر انه لا خلاف
في ان لصاحب الارض المعمورة
المملوكة ان يحفر قناة في ملكه وان تضرر صاحب القناة
الاخرى ، وانه لاحدلها ، ولا
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 16 من كتاب احياء الموات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 16 من ابواب كتاب احياء الموات حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 16 - من ابواب كتاب احياء الموات حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
يعتبر الفصل بينهما بمقدار لا يضر الثانية بالاولى ولا
بالازرع . وعلى الجملة المعروف
بينهم ان التحريم مختص بالاراضي المباحة ، واما في
الاملاك المتجاورة فلا حريم ،
لقاعدة السلطنة ( 1 ) .
والتحقيق يقتضي ان يقال : انه تارة نقول بان من حفر قناة
كما يملك الارض
يملك ما فيها من المياه ، اما لان من ملك ارضا ملك
قرارها الى تخوم الارض وفراغها
الى عنان السماء ، لو لان الاحتفار حيازة لما فيها من
المياه . فيحنئذ يتعين البناء على
عدم جواز حفر قناة اخرى في ملك الحافر ان اضرت بالاولى ،
ولا تصلح قاعدة
السلطنة لاثبات الجواز ، فانها لا تدل على جواز التصرف
في ملك الغير ، وهل التمسك
بها في المقام الا كالتمسك بها لاثبات جواز ان يذبح
بمديته غنم الغير ، بدعوى انه
مسلط على مديته يتصرف فيها ما شاء .
واما لو انكرنا ذلك ، وقلنا بان من ملك ارضا وان كان
يملك مقدارا من الفراغ
الذي يتوقف عليه تصرفاته في ارضه ، ولمقدار آخر منه
بتبعية الارض بمنزلة الحريم لها ،
ومقدارا من قرارها كذلك ، ولا يملك ما تجاوز عن ذينك
الحدين كما هو الاظهر ، وبنينا
على ان الحيازة المملكة لا تصدق على حفر القناة بالاضافة
الى المياه الموجودة في
عروق الارض ، وان ادعاه المحقق القمي ره كما هو الصحيح ،
فالظاهر تمامية
الاستدلال بقاعدة السلطنة على المال والنفس والعمل لجوازه .
ويبقى الكلام حينئذ في حديث لا ضرر ( 2 ) الحاكم على
قاعدة السلطنة ،
كحكومته على جميع الادلة الاولية . ونخبة القول فيه :
انه تارة يتضرر المالك من عدم
..........................................................................
( 1 ) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم 2 ص 272 الطبع
الحديث .
( 2 ) الوسائل - باب 12 من احياء الموات وباب 17 من ابواب
الخيار . ( * )
] ويحبس النهر [
حفر القناة ، واخرى لا يتضرر ولكن تفوت منه المنفعة ،
وثالثة لا يتضرر بترك الحفر
ولا تفوت منه المنفعة به .
اما في الصورة الاولى فلا توقف في جواز الحفر ، لان
الزامه بتحمل الضرر
وحبسه عن ملكه لئلا يتضرر الغير حكم ضرري منفي ، ولا
مورد حينئذ لملاحظة اقل
الضررين .
واما في الصورة الثالثة فلا كلام في عدم جواز الحفر ،
لان تجويز ذلك حكم
ضرري ، ولا ضرر في منع المالك عن هذا التصرف ، ولا تصلح قاعدة السلطنة لمعارضة
حديث لاضرر ، لمحكوميتها بالنسبة اليه .
وما في الصورة الثانية فالمشهور الجواز ، ويشهد به ان
حبس المالك عن
الانتفاع بملكه وجعل الجواز تابعا لتضرر الجار حرج عظيم
، ولا يعارضه تضرر الجار ،
لعدم وجوب تحمل الحرج والضرر لدفع الضرر عن الغير ، كما
يدل عليه تجويز
الاضرار مع الاكراه .
وفائدة هذا الحريم منع الغير من احداث عين اخرى ، بخلاف
حريم البئر
المتقدم ، فان فائدته كما مر منع الغير من احياء ذلك
المقدار مطلقا حتى بالزرع
والشجر ، والفرق ان الحريم هناك للانتفاع بالبئر فيما اعد
له وما يحتاج اليه عادة كما
مر ، وفي المقام عدم انتقال ماء العين الاولى الى
الثانية ،
لو لم يف النهر المباح المجتمع عليه املاك
الثانية : اذا تشاح وتنازع اهل الوادي في مائه ، فان كان
الماء ملكا لهم فيقسم
الماء على قدر انصبائهم فيه ، ( و ) ان لم يكن ملكا لهم
بل كان بماحا ( يحبس النهر
] للاعلى الى الكعب في النخل وللزرع الى الشراك ، ثم كذلك
لمن هو دونه . [
للاعلى ) الذي يلي فوهة الارض - بضم الفاء - وهو اصله (
الى الكعب في النخل ،
وللزرع الى الشراك ) وهو اسفل منه بقليل ( ثم كذلك لمن
هو دونه ) وهكذا ، بلا
خلاف في اصل الحكم مطلقا ، استضر الثاني بحبس الاول ام
لا ، كما في الرياض ، وفي
المسالك الاجماع عليه .
والمستند جملة من النصوص ، لاحظ خبر غياث بن ابراهيم عن
الصادق عليه
السلام : قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في سيل وادي
مهزور للزرع الى الشراك ،
وللنخل الى الكعب ، ثم يرسل الماء الى اسفل من ذلك . قال
ابن ابي عمير : ومهزور
موضع واد ( 1 ) .
وخبره الآخر عنه عليه السلام : قضى رسول الله في سيل
وادي مهزور ان يحبس
الاعلى على الاسفل ، للنخل الى الكعبين ، وللزرع الى
الشراكين ( 2 ) .
وخبر عقبة بن خالد عنه عليه السلام : قضى رسول الله صلى
الله عليه وآله في
شرب النخل بالسيل ان الاعلى يشرب قبل الاسفل ، يترك من
الماء الى الكعبين ثم
يسرح الماء الى الاسفل الذي يليه وكذلك حتى ينقضى
الحوائط ويفنى الماء ( 3 ) ونحوها
غيرها .
واما ما عن المبسوط والسرائر : روى اصحابنا ان الاعلى
يحبس الى الساق
للنخل وللشجر الى القدم وللزرع الى الشراك ، وعليه اكثر
الاصحاب ، فلا ينافي ما مر
فان الكعب هو المفصل بين القدم وعظم الساق ، فيكون قوله
الى القدم كناية عن
..........................................................................
( 1 )
الوسائل باب 8 من ابواب احياء الموات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب احياء الموات حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 8 من ابواب احياء الموات حديث 5 . ( * )
] وللمالك ان يحمي المرعى في [
منتهى الكعب ، فموافق الطائفتان والقولان . نعم ، في القول
الثاني والاخبار الثانية
اضيف الشجر ولم يذكر في الاولى ، ولا تنافي بينهما من
هذه الجهة ايضا ، فلا خلاف بين
الاصحاب ولا بين الروايات .
ومقتضى اطلاق النصوص عدم الفرق بين سبق الاعلى في احياء
الارض التي
يراد سقيها وبين لحوقه . وعن الشهيدين وجماعة اختصاص الحكم
بما لو كان الاعلى
سابقا في احياء الارض ، او كان السابق مجهولا ، واما اذا
كان المتأخر سابقا في الاحياء
فهو يقدم ، لتقدم حقه في الماء بالاحياء . واستوجهه
الفاضل الخراساني ره قائلا : ان
الروايات الدالة على تقديم الذي يلي فوهة النهر لا عموم
لها بحيث يشمل
هذا القسم . ولكن ثبوت حقه في الماء المباح الجاري من
الاعلى باحياء الارض يحتاج
الى دليل ، وعدم العموم لا يضر بعد وجود الاطلاق .
فالاظهر عدم الاختصاص .
قال في المسالك : ان اطلاق النص والفتوى لسقي الزرع
والشجر بذلك
المقدار محمول على الغالب في ارض الحجاز من استوائها
وامكان سقي جميعها كذلك .
فلو كانت مختلفة في الارتفاع والانخفاض ، بحيث لو سقيت
اجمع كذلك زاد الماء في
المنخفضة عن الحد المشروع ، افرد كل واحد بالسقي بما هو
طريقه ، توصلا الى متابعة
النص بحسب الامكان ، ولو كانت كلها منحدرة لم يقف الماء
فيها كذلك سقيت بما
تقتضيه العادة ، وسقط اعتبار التقدير الشرعي لتعذره ،
انتهى .
الثالثة : لا خلاف ( و ) لا اشكال في انه يجوز ( للمالك
ان يحمي المرعى في
] ملكه . وللامام ( عليه السلام ) مطلقا . [
ملكه ) خاصة ، ولا يجوز ان يحمي بقعة من الموات لمواش
بعينها ويمنع سائر الناس
من الرعي فيها ، وانما كان ذلك جائزا لرسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم خاصة لانه
أولى بالمؤمنين من انفسهم ولكنه لم يفعل ، ( و ) كذا
يجوز عندنا الحمى ( للامام عليه
السلام مطلقا ) لانه بمنزلة النبي صلى الله عليه وآله
وسلم والموات له عليه السلام
كما مر .
قالوا : والاصل في هذا الحكم ان الغريب من العرب كان اذا
انتجع بلدا مخصبا ،
وافى بكلب على جبل ان كان به او على نشر ان لم يكن به ثم
استعوى الكلب ووقف
له من كل ناحية يسمع صوته بالعوى ، فحيث انتهى صوته حماه
من كل ناحية لنفسه ،
ويرعى مع العامة فيما سواه ، فنهى رسول الله صلى الله
عليه وآله عن ذلك وقال : لا
حمى الا لله ولرسوله ، وزاد في آخر : ولائمة المسلمين .
وعلى هذا فلو بادر احد الى الحمى واحياه لم يملكه ،
لتعلق حق المسلمين به ،
وللنبوي ( 1 ) وما دل على شركة المسلمين في الماء والكلا
والنار ( 2 ) ومفهوم نصوص كخبر
محمد بن عبد الله - الذي هو قريب من الصحيح بالبزنطي -
عن الامام الرضا عليه
السلام عن الرجل تكون له الضيعة ، وتكون لها حدود تبلغ
حدودها عشرين ميلا او
اقل او اكثر ، يأتيه الرجل فيقول : اعطني من مراعي ضيعتك
واعطيك كذا وكذا درهما ،
فقال عليه السلام : اذا كانت الضيعة له فلا بأس ( 3 ) .
وحسن ادريس بن زيد عن ابي الحسن عليه السلام ، قال قلت :
جعلت فداك ،
..........................................................................
( 1 ) التذكرة ج 2 ص 411 .
( 2 ) الوسائل باب 5 - من كتاب احياء الموات حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 9 من كتاب احياء الموات حديث 1 . ( * )
] وليس لصاحب النهر تحويله الا باذن صاحب الرحى المنصوبة
عليه [
ان لنا ضياعا ولها حدود ولنا الدواب فيها مراعي ، وللرجل
منا غنم وابل ويحتاج الى
تلك المراعي لابله وغنمه ، ايحل له ان يحمي المراعي
لحاجته اليها ؟ فقال عليه السلام :
اذا كان الارض ارضه فله ان يحمي ويصير ذلك الى ما يحتاج
اليه ، قال وقلت له :
الرجل يبيع المراعي ؟ فقال عليه السلام : اذا كانت الارض
ارضه فلا بأس ( 1 ) .
وعليهما يحمل اطلاق خبر موسى بن ابراهيم عن ابي الحسن
عليه السلام عن
بيع الكلأ والمرعى ، فقال عليه السلام : لا بأس به ، وقد
حمى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم النقيع لخيل المسلمين ( 2 ) .
الرابعة : ( وليس لصاحب النهر تحويله الا باذن صاحب
الرحى المنصوبة
عليه باذنه ) ، لصحيح محمد بن الحسن ، كتبت الى ابي محمد
عليه السلام : رجل كانت
له رحى على نهر قرية والقرية لرجل ، فاراد صاحب القرية ان يسوق الى
قريته الماء
وفي غير هذا النهر ويبطل هذه الرحى ، أله ذلك ام لا ؟
فوقع عليه السلام : يتقي الله
ويعمل في ذلك بالمعروف لا يضر اخاه المؤمن ( 3 ) .
ومقتضى اطلاق النص شمول الحكم لما اذا كان نصب الرحى
عليه بسبب
لازم من صلح او غيره ، ام كان بسبب جائز كالاذن ، وبه
افتى المحقق القمي ره في
جامع الشتات . ولكن قيده الحلي في محكى السرائر بما اذا
كان نصب الرحى على النهر
بامر حق واجب على صاحبه ، وفي الرياض : وهذا هو الاقوى ،
بناء على القول الآخر
الذي ذهب اليه اصحابنا من ترجيح ادلة السلطنة على ادلة
نفي الضرر . وفيه : انه
تقييد للاطلاق بلا مقيد .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 22 من ابواب عقد البيع وشروطه حديث
1 .
( 2 ) الوسائل باب 9 من ابواب احياء الموات حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 15 من ابواب احياء الموات حديث 1 . ( * )
] ويكره بيع الماء في القنوات والانهار . [
الخامسة : قال قده ( ويكره بيع الماء في القنوات والانهار ) .
الكلام في هذه المسألة يقع في جهات .
الاولى : في ان الماء هل يملك ام لا ؟ الظاهر هو ذلك كا
هو المعروف بين
الاصحاب ، وفي الجواهر : بل الاجماع بقسميه عليه ، بل
لعله ضروري . والشاهد به ما
دل على تملك المباحات بالحيازة ، فان الماء من جملة المشتركات
بالاصالة ، للاصل ،
والاجماع بقسميه ، والنبوي : الناس شركاء في ثلاث :
الماء ، والكلا والنار ( 1 ) والكاظمي :
ان المسلمين شركاء في الماء والنار والكلا ( 2 ) فيملكه
من حازه .
فان قيل : انه بالحيازة تملك المباحات لا المشتركات ،
والخبران يدلان على
اشتراك الناس او المسلمين في الماء ، فلا يملك بالحيازة .
قلنا : انه بعدما ليس المراد بالشركة هو كونه ملكا
للجميع ، والا لزم عدم جواز
التصرف الا باذن الجميع وهو بديهي البطلان ، فالمراد هو
الشركة في الانتفاع به ، فهو
من المباحات والناس فيه شرع سواء ، فيشمله ما دل على ان
من سبق الى ما لم يسبق
اليه احد فهو له ( 3 ) مضافا الى تسالم الاصحاب عليه
بنحو لا يبقى مجال للتشكيك .
الثانية : انه لا اشكال على ما تقدم في ملكية الماء
بالشراء او الحيازة ، كما لو
احرز من المباح في آنية او غيرها بقصد التملك ، فهل يملك
الماء بحفر البئر وبلوغ
الماء ام لا ؟
..........................................................................
( 1 ) المستدرك باب 4 من ابواب احياء الموات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 5 من كتاب احياء الموات حديث 1 .
( 3 ) المستدرك باب 1 من احياء الموات حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
اما بعد اخراجه من الارض من من بئر وعين بنية التملك ،
فملكيته مذهب
الاصحاب - كما في المسالك - كسائر المباحات التي يملكها
السابق ، وما عن الشيخ
من وجوب بذل الفاضل عن حاجته سيأتي الكلام فيه . واما
قبل الاخراج فملكيته
منسوبة في غير واحد من الكلمات الى الاصحاب مشعرا
بالاجماع عليها ، وفي الجواهر :
بل لعله كذلك نظرا الى السيرة المستمرة ، ويمكن توجيهها
بان الماء نماء ملكه كلبن
الدابة ، بل الظاهر انه حيازة للماء نفس وسبق اليه ما لم
يسبق اليه مسلم فهو له ، وربما
يقال : ان ملك الارض يقتضي ملك الماء الكامن فيها وان لم
يكن من اجزائها ، وايضا
يشهد به فحوى ما سيجئ من الاخبار المتضمنة لبيع الشرب .
الثالثة : ما يقبضه النهر المملوك من الماء المباح ، قال
الشيخ : لا يملكه الحافر
كما اذا جرى السيل الى ارض مملوكة ، لانه مباح دخل في
ملكه فيبقى على اصل
الاباحة ، وانما يكون الحافر اولى به لان يده عليه .
والمشهور بين الاصحاب ، بل لم
ينقل الخلاف عن غير مبسوط الشيخ ، انه يملك الماء كما
يملك الماء الخارج بحفر
البئر والعين ، وهو الاظهر ، لان ذلك انما يكون من قبيل
شبكة مثلا لصيد في انه يعد
حيازة وسبقا الى ما لم يسبق اليه غيره .
وخبر اسماعيل بن الفضل يشهد به ، قال : سألت ابا عبد
الله عليه السلام عن
بيع الكلأ اذا كان سيحا فيعمد الرجل الى مائه فيسوقه الى
الارض فيسقيه الحشيش ،
وهو الذي حفر النهر وله الماء يزرع به ما شاء ؟ فقال
عليه السلام : اذا كان الماء له
فليزرع به ما شاء وليبعه بما احب ( 1 ) .
الرابعة : في بيع الماء ، لا خلاف ولا اشكال في جواز بيع
الماء المملوك المخرج ،
..........................................................................
( 1 ) الوسائل - باب 9 من كتاب احياء الموات حديث 2 . (
* )
[ . . . ]
المعلوم كيله او وزنه او بالمشاهدة الرافعة للغرر . واما
الماء المخرج من الارض من بئر
وعين بنية التملك ، فالمعروف من مذهب الاصحاب انه يجوز
جميع التصرفات فيه ونقله
الى الغير بعوض ، لكن عن الشيخ في المبسوط انه اوجب على
مالكه بذل الفاضل عن
حاجته لشربه وشرب ماشيته وزرعه الى غيره بغير عوض ، اذا
احتاج اليه لشربه
وشرب ماشيته من السايلة وغيرهم لا لسقي الزرع والشجر .
ومنشأ الاختلاف
اختلاف النصوص :
اذ منها ما تضمن النهي عن بيعه ، كموثق ابي بصير عن ابي
عبد الله عليه
السلام : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن
النطاف والاربعاء ، قال : والاربعاء
ان يسنى مسناة فيحمل الماء فيسقي به الارض ثم يستغنى عنه
، فقال عليه السلام :
فلا تبعه ولكن اعره جارك . والنطاف ان يكون له الشرب
فيستغني عنه فيقول : لا
تبعه اعره اخاك او جارك ( 1 ) .
وموثق البصري عنه عليه السلام : نهى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم
عن المحاقلة ، الى ان قال : والنطاف شرب الماء ليس لك
اذا استقيت عنه ان تبيعه
جارك تدعه له ، والاربعاء المسناة تكون بين القوم
فيستغني عنها صاحبها ، قال عليه
السلام : يدعها لجاره ولا يبيعها اياه ( 2 ) .
والخبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه نهى عن بيع فضل
الماء ( 3 ) .
والنبوي : من منع فضل الماء ليمنع به الكلا منعه الله
فضل رحمته يوم القيامة ( 4 )
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 7 من كتاب احياء الموات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 24 - من ابواب عقد البيع وشروطه حديث 4 .
( 3 ) التذكرة ج 2 ص 410 .
( 4 ) المستدرك باب 6 من احياء الموات حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
والمراد ان الماشية انما ترعى بقرب الماء ، فاذا امتنع
من الماء فقد امتنع من الكلأ وحازه
لنفسه ونحوه خبر عقبة ( 1 ) .
ومنها : ما يدل على جواز البيع ، كخبر اسماعيل بن الفضل
المتقدم ، وصحيح
سعيد الاعرج عن ابي عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون
له الشرب مع قوم في
قناة فيها شركاء فيستغني بعضهم عن شربه ، يبيع شربه ؟
قال عليه السلام : نعم ، ان
شاء باعه بورق ، وان شاء بكيل حنطة ( 2 ) .
وحسن الكاهلي عنه عليه السلام عن قناة بين قوم لكل رجل
منهم شرب معلوم
فاستغنى رجل منهم عن شربه ، ايبيعه بحنطة او شعير ؟ قال
عليه السلام : يبيعه بما
شاء ، هذا مما ليس فيه شئ ( 3 ) ونحوه خبر علي بن جعفر (
4 ) .
والجمع بين الطائفتين يقتضي البناء على كراهة البيع ، أو
افضلية عدم اخذ
العوض .
ثم انه وقع الخلاف بين المجوزين في اخذ العوض ، في انه
هل يصح بيعه ، أم
يتعين في نقله بعوض من ايقاع معاملة اخرى عليه من صلح
وشبهه ، نسب المحقق
القمي ره الى المشهور عدم جواز البيع . وعن الشهيده قده
جواز بيعه دائما ، وعدم جوازه
بدون ذلك .
والاظهر هو الجواز مع المعلومية بمقدار يرتفع به الغرر .
ولا يضر الجهل بالكيل
أو الوزن ، لعدم كون الماء من المكيل والموزون ، والنصوص
المتقدمة شاهدة به . وحمل
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب احياء الموات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 6 من كتاب احياء الموات حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 6 من كتاب احياء الموات حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 6 من ابواب احياء الموات حديث 3 . ( * )
] ويجوز اخراج الرواشن والاجنحة في الطرق النافذة ما لم تضر
بالمارة ومع
الاذن في المرفوعة وكذا فتح الابواب [
ما فيها من البيع على ارادة النقل بعوض بغير البيع
المصطلح - كما افاده المحقق
القمي ره - خلاف الظاهر ، لا يصار اليه الا مع القرينة ،
وكون بيعه غرريا لا يصلح
قرينة عليه ، لمنعه أولا ، واخصية النصوص عن دليله لو
سلم كونه غرريا دائما ثانيا .
فلا اشكال في جواز بيعه .
السادسة : ( و ) المعروف بين الاصحاب انه ( يجوز اخراج
الرواشن والاجنحة
في الطرق النافذة ما لم يضر بالمارة ومع الاذن في
المرفوعة وكذا فتح الابواب ) .
وتمام الكلام ببيان امور .
1.
قالوا :
الجناح والروشن يشتركان في اخراج خشب من الحائط الى
الطريق ، بحيث لا يصل الى الجدار المقابل ويبني عليه ،
ولو وصل فهو الساباط . وفي
المسالك : وربما فرق بينهما بان الاجنحة ينضم اليها مع
ما ذكران يوضع لها اعمدة من
الطريق .
2.
المدار في
الضرر بالمارة هو العرف ، ويعتبر في المارة بما يليق بتلك الطرق
عادة ، فان كانت مما يمر فيه الابل اعتبر فيه مروره
محملا ومركوبا وعلى ظهره محملا ،
وان كانت مما يمر عليه الفرسان اعتبر ارتفاع ذلك بقدر لا
يصدم الرمح على وضعه
مما لا عادة .
3.
مدرك الجواز
في الطرق النافذة - وهي الطرق التي تنتهي الى طريق او
مكان مباح يجوز استطراقه - انها ليست ملكا لاربابها ،
وانما هي من قبيل الحريم ،
[ . . . ]
والمتيقن منه ان لهم ولغيرهم الاستطراق فيها ولا يجوز
مزاحمتهم في ذلك ، واما ساير
التصرفات فلا وجه للمنع عنها ، فيجوز اخراج الرواشن
والاجنحة وفتح الباب وما
شاكل وان تضرر الجار بالاشراف عليه . نعم ، اذا تضرر
الجار بذلك ، ولم يكن في منعه
من الاخراج والفتح ضرر عليه ولا فوات نفع ، يجبر لقاعدة
لا ضرر كما مر .
واما الطرق المرفوعة - وهي التي لا تنتهي الى طريق او
مكان مباح يجوز
استطراقه ، بل اما ان يكون رأسها مسدودا بجدار ونحوه ،
او تكون منتهية الى سد -
فقالوا انه لا يجوز اخراج الرواشن والاجنحة وفتح الباب
فيها الا باذن اربابها ،
والمراد باربابها كل من له اليها باب يخرج منه اليها على
وجه شرعي .
واستدلوا لذلك بان المرفوع ملك لاربابه كسائر املاكهم ،
فيكون كالمال
المشترك لا يصح لاحد من اربابه التصرف فيه الا باذن
الباقين ، سواء كان التصرف
باحداث الباب او الساباط او الروشن ام غيرها ، وسواء
اضربهم ام لم يضر .
واستشكل فيه المحقق الاردبيلي ومنع ذلك الا ان يثبت
الملكية بوجه شرعي
ولو بادعائهم الملكية مع عدم العلم بفساد الدعوى ، فان
الذي علم من التصرف
بالاستطراق استحقاقهم ذلك ، وحيث ان اكثر الطرق
والاستطراق يحصل في غير
الملك فلا امارة للملكية التي هي خلاف الاصل ، اذ لا فرق
بين المسلوك والمرفوع في
الحصول الا ان المترددين في الاول اكثر . ثم ايد ذلك
بعمل الناس من دخولهم في هذه
السكك ووقوفهم وجلوسهم بدون اذن اربابها من دون نكير ،
قال : وهو دليل عدم
الملكية ، بل لو كان ملكا لم يجز لسائر الشركاء الدخول
بدون اذن الباقين .
وفيه انه : يمكن توجيه ما افاده المشهور بان الطريق
المرفوع تحت يد اربابه
واليد امارة الملكية ، ومع الاغماض عنه انه حريم املاكهم
والمشهور بينهم ملكية الحريم
وان كنا اشكلنا فيه ومع التنزل ، فلا اقل من انهم احق به
من غيرهم وكونه متعلقا
] ويشترك المتقدم والمتأخر في المرفوعة [
لحقهم . فعلى ذلك لا يجوز لاحدهم التصرفات مطلقا الا مع اذن الباقين ، الا خصوص
الاستطراق ، اما لان ذلك شرط ضمني عند جعله طريقا بينهم
، او لان بعض
التصرفات يجوز في الاملاك للسيرة او غيرها - كالصلاة في
الاراضي المتسعة ، والوضوء
من الانهار الكبار - فليكن المقام من هذا القبيل ، وبه
يظهر وجه جواز التصرفات
المشار اليها لغير اربابه . فما افاده المشهور اظهر .
هذا كله في التصرف في الطريق . اما تصرف كل منهم في ملكه
بفتح الروازن
والشبابيك فلا اشكال في جوازه ، لتسلط الانسان على
التصرف في ملكه بما شاء وان
استلزم الاشراف على الجار ، لان المحرم هو التطلع لا
التصرف في الملك ، فيستفيد
بذلك الاستضاءة في بيته وليس للجار سد ذلك ، وان كان له
وضع شئ في ملكه يمنع
الاشراف . نعم ، استثنوا من ذلك فتح باب فيه ، كما لو
كان له دار حائطها الى الطريق
المرفوع فاراد ان يفتح بابا اليه في ملكه ، قالوا : لا
يجوز ذلك ، دفعا لشبهة استحقاقه
المرور منه بعد تطاول الزمان ، فانه اذا اشتبه حاله يشعر
باستحقاق المرور لانه وضع
له .
وقد اشكل الشيخ ره في مصالحة احد ارباب الطريق الباقين
على احداث
روشن فيه ، وعلله بانه لا يجوز افراد الهواء بالبيع ،
والصلح متفرع عليه في ذلك . وفي
الشرايع : وفيه تردد . ولكن لو سلم الاشكال في البيع ،
لا مجال للاشكال في الصلح بعد
اطلاق ادلته .
الطرق المرفوعة مشتركة بين اربابها
السابعة : ( و ) المشهور بين الاصحاب انه ( يشترك
المتقدم والمتأخر في المرفوعة
] الى الباب الاول وصدر الدرب ، ويختص المتأخر بما بين
البابين ، ولكل منهما
تقديم بابه لا تأخيرها [
الى الباب الاول وصدر الدرب ، ويختص المتأخر بما بين
البابين ، ولكل منهما تقديم
بابه لا تأخيرها ) . وعن الشهيد في الدروس تقوية اشتراك
الجميع في الجميع ، واختاره
المحقق الاردبيلي ره .
واستدل للاول بانه في المرفوعة الى الباب الاول وصدرها
هم متساوون في
الارتفاق بها ولا أولوية لواحد على غيره ، بخلاف ما بين
البابين ، لان ادخلية الباب
تقتضي الاستطراق وهو مختص بالمستطرق ، فيتحقق الترجيح .
واورد عليهم المحقق الاردبيلي قائلا : ان دليل المشهور
مدخول ، والاصل دليل
قوي ، وليس هنا ما يدل على اختصاص احد الاستطراق وعدم
مرور الغير اليه وهو
ليس بدليل لما مر . ولانه لو كان ذلك دليل الملك لكان
الفاضل في آخر المرفوعة ملكا
للاخير . ولانه قد يكون المرفوعة واسعة ولا يمر الادخل
الا في بعضها . ولانه قد يكون
في مقابله ايضا باب فيشكل الاختصاص .
ثم انه ره اخذ عليهم التناقض بين كلامهم هذا وبين ما
ذكروه من ان المرفوعة
لكل من فيها ارضها وهوائها ، لا يجوز لاحد منهم اخراج
الرواشن والاجنحة
والساباط والميزاب حتى فتح الباب الجديد لغير الاستطراق
بدون اذن الجميع ، ويجوز
مع اذنهم ، فان هذه الاحكام تدل على عدم الاختصاص لاحد .
وايضا حكمهم بجواز
اخراج الاقدم ببابه في المشترك يقتضي جواز ادخال الادخل
ببابه في الفاضل ، لانه
ايضا مشترك ، وهم منعوا عنه .
ويرد على ما مر منه ما تقدم منا .
ويرد على الوجه الثاني ما افاده الشهيد الثاني ره : بان
ثبوت ملك شئ لا
يتوقف على مسلك له ، ومع ذلك فيمكن دخول الخارج الى
الفضلة بشاهد الحال ،
] ولو اخرج الرواشن في النافذة فليس لمقابله منعه وان استوعب
عرض
الدرب ولو سقط فبادر مقابله لم يكن للاول منعه [
كسلوك غيره ممن لاحق له في تلك الطرق ، فاذا انضم الى
ذلك اشتراكهم جميعا في
التصرف في الفضلة حكم باشتراكها بينهم .
وعلى الثالث : ان امارة الملكية ليست هي المرور ، بل كون
الشئ تحت
استيلائه ، والطريق الواسع كذلك وان كان في المرور يمر
على بعضه .
وعلى الرابع : انه لو كان في مقابله ايضا باب كانا
مشتركين فيه .
واما التناقض الاول الذي ذكره فيمكن دفعه بان مراد
الاصحاب من كون
المرفوعة ملكا لاربابها ، ليس كونها ملكا لجميع الارباب
بنحو الاشاعة في الجميع ، بل
مرادهم انها ليست مثل النافذة التي ليست ملكا لاحد ،
ومرادهم باربابها جنس الجميع
لا العموم الافرادي ، فلا ينافي مع كون بعضها ملكا
لبعضهم خاصة .
واما قوله ره : وايضا حكمهم بجواز اخراج الاقدم . . .
الخ ، فيرده منع الملازمة ،
ومنع كون العلة في الاول هو مجرد الاشتراك حتى يتم في
الفرع ، بل لانه اسقاط لحقه
السابق الثابت من دون تصرف جديد في مال الشريك فهو تصرف
بعض في حقه
المشترك ، بخلاف ادخال الباب في الفاضل ، فان الاستحقاق
فيه ليس من جهة العبور
بل من جهة كونه من المرافق المحتاج اليها احيانا لحط
الاثقال ونحوه ، والتصرف على
نهج يوجب استحقاق العبور فيه من دون الشركاء تصرف في
المشترك بدون الاذن
واسقاط لبعض حق الشركاء . نبه على ذلك المحقق القمي ره .
( و ) مما ذكرناه في المسألة المتقدمة يظهر انه ( لو اخرج
الرواشن في النافذة
فليس لمقابله منعه وان استوعب عرض الدرب ، و ) انه ( لو سقط
فبادر مقابله لم
يكن للاول منعه ) لان الاول لم يملك الموضع بوضع الروشن
فيه وانما اكتسب
اولوية ، فاذا زال زالت . اللهم الا ان يقال : ان الهواء
يملك مستقلا ، فباخراج الروشن
] ويستحب للجار وضع خشب جاره على حائطه مع الحاجة ، ولو اذن
جاز
الرجوع قبل الوضع ، اما بعده فبالارش . [
حازه المخرج وملكه ولا مزيل له ، والمسألة محتاجة الى
التأمل .
الثامنة : اذا التمس وضع جذوعه على حائط جاره لم يجب على
الجار اجابته ،
بلا خلاف ، وفي المسالك : هذا عندنا موضع وفاق ، لما دل على
انه لا يحل مال امرئ
مسلم الا بطيب نفسه ( 1 ) .
( و لكن ( يستحب للجار وضع خشب جاره على حائطه مع الحاجة ) لما روي
عنه صلى الله عليه وآله وسلم : لا يمنعن احدكم جاره ان
يغرز خشبه في حائطه ( 2 ) وفي
خبر اخر : ان الجار يضع جذوعه في حائط جاره شاء ام أبى (
3 ) المحمولين على
الاستحباب ، سيما مع عدم ثبوت صحتهما .
( و ) انما الكلام فيما ذكره جماعة من انه ( لو اذن جاز
الرجوع قبل الوضع ،
اما بعده فبالارش ) . ومورد الكلام امور :
الاول : بعد ما لا كلام في انه يجوز الرجوع قبل الوضع ،
اختلفوا في الرجوع
بعد الوضع ، وقد منع عنه الشيخ والاتباع ، واستدلوا له
بان الاذن في مثل ذلك يقتضي
الدوام كالاذن في دفن الميت في الارض ، بلزوم الضرر
بالنقض حيث يفضي الى
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 3 - من ابواب مكان المصلي - وباب 1 –
من ابواب
القصاص في النفس والمستدرك ج 1 ص 212 .
( 2 ) اخرجه البخاري ج 3 ص 164 كتاب المظالم والغصب ورواه مسلم
ج 5 ص 57 .
( 3 ) رواه الخرائطي من مكارم الاخلاق من حديث ابي هريرة كما
عن المغني . ( * )
[ . . . ]
خراب ملك المأذون .
ولكن يرد على الاول : ان كون الاذن مقتضيا للدوام ، لا
يستلزم عدم جواز
الرجوع بعد كونه من قبيل العارية التي هي غير لازمة ،
والقياس بالاذن في دفن الميت
مع الفارق ان قلنا بحرمة النبش في هذا المورد ، والا
فيجوز الرجوع في المقيس عليه
ايضا .
وعلى الثاني : ان الضرر لا يصلح للزوم الاذن سيما بعد
كونه مقدما عليه ، فانه
مع العلم بالجواز اقدم عليه . فالاظهر هو جواز الرجوع .
الثاني : انه على تقدير الجواز ، هل ينقض مجانا او مع
الارش ؟ قولان .
اختار المصنف ره هنا والمحقق في الشرايع والشهيد الثاني
في المسالك وغيرهم
في غيرها الثاني . واستدل له بانه بناء محترم صدر بالاذن
فلا يجوز قلعه الا بعد ضمان
نقضه ، وبان فيه جمعا بين الحقين ، وبانه سبب الاتلاف
لاذنه والمباشر ضعيف .
ولكن كون البناء محترما صادرا بالاذن الجائز ليس من
موجبات الضمان ، لما مر
من انه مجرد كونه محترما ما لم ينطبق عليه احد العناوين
المضمنة من اليد والاتلاف
والاستيفاء ليس من موجبات الضمان . وكونه جمعا بين
الحقين فرع ثبوت حق له في
الابقاء والكلام الان فيه . وكونه سبب الاتلاف بعد كون
اذنه مما يجوز الرجوع فيه ،
ووساطة اختيار الفاعل المختار ممنوع . فالاظهر عدم الضمان .
الثالث : انه على تقدير ثبوت الارش ، فهل هو عوض ما نقصت
آلات الواضع
بالهدم ، او تفاوت ما بين العامر والخراب ؟ وجهان مبنيان
على ان مدرك ثبوت الضمان
هو الوجه الاول والثاني ، او الثالث . فعلى الاولين
الاول ، وعلى الثالث الثاني كما لا
يخفى .
] ولو تداعيا جدارا مطلقا فهو للحالف مع نكول الاخر ، ولو
حلفا أو نكلا
فلهما . ولو اتصل ببناء احدهما او كان له عليه طرح فهو له
مع اليمين ،
[
التاسعة : في جملة من فروع التنازع .
منها : ( ولو تداعيا جدارا ) بين ملكيهما ( مطلقا )
والمراد بالاطلاق هنا ان لا
يكون مقيدا بوجه يوجب كونه لاحدهما شرعا ، كاتصاله
باحدهما اتصال ترصيف
بتداخل الاحجار ، أو كون اس الجدار له ، أو كونه مبنيا على جذع داخل في بنائه
، او
كون وجه الجدار اليه بزيادات فيه من طرفه ، وما شاكل .
فان كان الجدار في يديهما ، او لم يكن لاحدهما يد عليه ،
( فهو للحالف مع
نكول الاخر ) . فانه اذا كان في يديهما مقتضى اليد هو
الشركة . فعلى كل منهما الحلف
على ما يدعيه الآخر من كون مجموع الجدار له ، فان حلف
احدهما دون الآخر ثبت
ما يدعيه . وان لم يكن في يديهما ، فيحتمل الشركة من غير
الحلف ، ويحتمل كونه من
باب التداعي ، وعلى التقديرين حيث انه من المعلوم عدم
خروجه عنهما ، بل هو امالهما
أو لاحدهما ، فلو حلف احدهما مع نكول الاخر ثبت به حقه .
( ولو حلفا او نكلا فلهما ) ، لليد ، او العلم بعدم خروجه
عنهما ، ولا ترجيح
لاحدهما على الآخر ، فيحكم بالتنصيف . هذا كله مع عدم
البينة لاحدهما ، والا فيحكم
بانه له للبينة .
( ولو اتصل ببناء احدهما ) اتصال ترصيف ( او كان له عليه
طرح ) من قبة او
غرفة او نحو تلك مما يكون لاحدهما اختصاص به ( فهو له مع
اليمين ) ان لم يكن
للآخر بينة ، لصدق كون اليد له بذلك .
ويمكن ان يستدل له بصحيح منصور بن حازم عن ابي عبد الله
عليه السلام
] ولا يتصرف الشريك في الحائط والدولاب والبئر والنهر بغير
اذن شريكه ،
ولا يجبر الشريك على العمارة [
عن خص بين دارين : فزعم ان عليا عليه السلام قضى به
لصاحب الدار الذي من
قبله القماط ( 1 ) المعتضد بخبر عمرو بن شمر عن جابر عن
ابي جعفر عليه السلام
عن ابيه عن جده عن علي عليه السلام انه قضي في رجلين
اختصما اليه في خص ،
فقال عليه السلام : ان الخص للذي اليه القماط ( 2 ) وقد
عمل معظم الاصحاب بهما .
ودعوى انهما قضية في واقعة - كما عن النافع - بعد كون
الامام عليه السلام ينقلها في
مقام بيان الحكم ، كما ترى .
لا اشكال ( و ) لا خلاف في انه لا يجوز ان ( يتصرف
الشريك في الحائط ) كما
لا يجوز له التصرف في سائر الاموال المشتركة من الدار (
والدولاب والبئر والنهر ) وما
شاكل ( بغير اذن شريكه ) لعدم جواز التصرف في مال الغير
بغير اذنه . نعم ، قد مر
انه لا دليل على حرمة الانتفاع بمال الغير ان لم يعد
تصرفا ، كالاستضاءة ، بنور الغير .
وربما يشتبه الامر في انه من التصرف ام لا كاسناد المتاع
الى الحائط مع انتفاء الضرر ،
ومقتضى اصالة البراءة هو الجواز في الموارد المشكوك فيها .
( و ) لو انهدم الجدار ( لايجبر الشريك على العمارة ) اذ
لا يجب على الانسان
عمارة جداره المختص فضلا عن المشترك . وهذا لا كلام فيه
، انما الكلام في انه هل
تتوقف العمارة على اذن الشريك كما لعله المشهور ، ام
يجوز له البناء وان نهاه كما عن
الشيخ ، ام يفصل بين اعادته بالآلة المشتركة فالثاني ،
وبين اعادته بآلة من عنده
فالاول .
..........................................................................
( 1 ) الوسائل باب 14 من كتاب الصلح حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 14 من كتاب الصلح حديث 2 . ( * )
] والقول قول صاحب السفل في جدران البيت ، وقول صاحب العلو
في
السقف وجدران الغرفة والدرجة ، [
والاظهر هو الاول ، لعدم جواز التصرف في ملك الغير بغير
اذنه .
واستدل للثاني بانه نفع واحسان في حق الشريك فلا يشترط
رضاه ، حيث انه
يعمر حائطه ولا يغرمه في نفقته ولا ضرر فيه عليه . وفيه
: ان ايصال النفع الى الغير
والاحسان اليه بغير التصرف في ماله حسن ومطلوب ، ومع
التصرف في ماله حيث
ينطبق عليه عنوان قبيح فلا يكون حسنا .
واستدل للثالث بانه على الاول يبقى شريكا كالاول ،
بخلافه على الثاني . وقد
ظهر مما مر ما فيه .
( و ) منها : انه لو تنازع صاحب العلو والسفل في جدارهما ،
ف ( القول قول
صاحب السفل في جدران البيت ، وقول صاحب العلو في السقف
وجدران الغرفة
والدرجة ) كما هو المشهور بين الاصحاب ، وقيل باشتراكهما
في جدار السفل
واختصاص صاحب العلو بجداره . عن الشيخ ره والشهيد
اشتراكهما في السقف .
فهاهنا احكام .
1.
لو تنازعا في
جدران البيت ، فالظاهر تقديم قول صاحب السفل ، لان
جدران البيت جزئه فيحكم بها لصاحبه .
2.
لو تنازعا في
السقف - والمراد به الحامل للغرفة المتوسط بينها وبين البيت
- فقد استدل لتقديم قول صاحب العلو بان الغرفة انما تتحقق
بالسقف الحامل لانه
ارضها ، والبيت قد يكون بغير سقف ، وهما متصادقان على ان
هنا غرفة فلابد من
تحققها . وبان تصرفه فيه اغلب من تصرف صاحب السفل .
وبه يظهر اندفاع ما استدل به لما ذهب اليه الشيخ والشهيد
من اشتراكهما
فيه ، بانه سقف لصاحب البيت وارض لصاحب الغرفة ، فكان
كالجزء من كل منهما .
] واما الخزانة تحتها فلهما ، وطريق العلو في الصحن بينهما
والباقي للاسفل
وللجار عطف اغصان الشجرة ، فان تعذر قطعها عن ملكه . [
واضعف من ذلك ما في الشرايع من الرجوع الى القرعة لانها
لكل امر مشتبه ، اذ يرد
عليه - مضافا الى ما مر - ان غاية ما هناك كونه تحت
يديهما فهما شريكان فيه .
3.
لو تنازعا في
جدران الغرفة ، لا اشكال في تقديم قول صاحب العلو ، لانها
جزء من الغرفة فيحكم بها لصاحبها .
4.
لو تنازعا في
الدرجة ، فالظاهر تقديم قول صاحب العلو ، لاختصاصه
بالتصرف فيها بالسلوك وان كانت موضوعة في الارض التي هي لصاحب
السفل ، لان
مجرد ذلك لا يوجب صدق اليد .
( فاما الخزانة تحتها فلهما ) لان لكل منهما شاهدا بملكها
، اذ الظاهر كما مر
ان الدرجة لصاحب العلو فيكون قرارها كالهواء له ، وحيث
انها متصلة بما يملكه
الاسفل بل هي من جملة البيوتات السفلى فظاهره كونه لصاحب
السفل ، فيحكم بها
لهما بعد التحالف .
( و ) منها : ما لو تداعيا في الصحن ، قالوا
: ( طريق العلو في الصحن بينهما
والباقي للاسفل ) . وعللوه بان صاحب العلو لما افتقر
سلوكه اليه في التصرف من
الصحن في قدر الممر كان له يد عليه دون باقي الصحن ،
وصاحب السفل يشاركه في
التصرف في ذلك وينفرد بالباقي ، فيكون قدر المسلك بينهما
لصدق كون يديهما عليه ،
بخلاف الباقي فان يد الاسفل عليه خاصة .
( و ) منها : انه اذا خرج اغصان شجرة الى ملك الجار ، فعلى
مالكها عطفها او
قطعها تحرزا من اشغال ملك الغير بملكه . ( و ) ان لم
يفعل ف ( للجار عطف اغصان
الشجرة ، فان تعذر قطعها عن ملكه ) لان بقائه عدوان ، وقاعدة حرمة التصرف في
مال الغير لا تأتي في دفع الظلم والضرر عنه ، ولذا لم
يشك احد في انه اذا دخل بهيمة
] وراكب الدابة اولى من قابض لجامها وصاحب الاسفل اولى
بالغرفة المفتوح
بابها الى غيره مع التنازع واليمين وعددم البينة . [
الغير داره له ان يخرجها منها .
نعم ، يجب عليه اولا مراجعة المالك ثم عطف الاغصان ان
امكان والا يقطعها ،
بل قد يظهر من التحرير ان للمالك الازالة من دون استيذان
من مالك الشجرة ، بل
صرح به المحقق الثاني ره ، لان ازالة العدوان امر ثابت
له وتوقفها على اذن الغير
ضرر عليه ، ولا
يخلو عن وجه وان كان الاول احوط ، واحوط منه الاستيذان من
الحاكم فرارا عن التصرف في ملك الغير بغير اذنه او اذن
من يقوم مقامه مع التمكن ،
والله العالم .
( و ) منها : ان ( راكب الدابة أولى من قابض لجامها ) كما
عن الشيخ وغيره ،
لظهور يد الاختصاص له . ولكن الظاهر انهما سواء ، كما عن
الخلاف والسرائر
والمحقق الثاني والشهيد الثاني في المسالك وغيرهم ،
لثبوت يد كل منهما عليها ، ولا
ترجيح لقوة تصرف الراكب وشدته بالنسبة الى القابض ولا
لزيادته ، ولذلك ذهبوا الى
اشتراك الثوب بين شخصين لكل منهما يد عليه وان كان تصرف احدهما
ازبد .
( و ) منها : انه لو تداعيا غرفة على بيت احدهما وبابها
الى غرفة الاخر كان
الرجحان لدعوى صاحب البيت ، لكونها في ملكه الذي هو هواء
بيته التابع لقراره ،
ومجرد فتح الباب الى الغير لا يفيد يدا عرفا ، وهذا هو
مراد المصنف ره حيث قال :
( وصاحب الاسفل اولى بالغرفة المفتوح بابها الى غيره مع
التنازع واليمين وعدم
البينة ) والله العالم .
قد تم الجزء التاسع عشر من كتابنا فقه الصادق ويتلوه
الجزء العشرون من
اول كتاب الديون ، والحمد لله اولا وآخرا .