] الفصل الثالث في الحجر

واسبابه ستة [

 

الفصل الثالث في الحجر

 

مثلثا : وهو في اللغة بمعنى المنع والتضييق ، ومنه سمي الحرام حجرا لما فيه من

المنع ، قال الله تعالى ( ويقولون حجرا محجورا ) ( 1 ) اي حراما محرما وسمي العقل

حجرا لانه يمنع صاحبه من ارتكاب القبيح وما تضر عاقبته .

والمحجور عليه شرعا هو الممنوع عن التصرف في ماله شرعا ، وفي المسالك :

المراد مطلق التصرف اعم من كونه في جميع المال وبعضه ، فيشمل الصبى ونحوه

الممنوع من التصرف في جميع المال ، والمريض الممنوع من التصرف في بعض المال .

) و ) كيف كان : فتنقيح القول بالحبث في مواضع :

الاول : في ( اسبابه ) وهي كثيرة الا ان عادة الفقهاء جارية على ذكر ( ستة (

منها في هذا الباب ، واما ما سواها - كالرهن ، والارتداد ، وما شاكل - فهي مذكورة في

تضاعيف الفقه .

ثم ان الستة المذكورة هنا مرجعها الى قسمين : احدهما : ما يوجب المنع لمصلحة

المحجور عليه ولحقه .

والثاني : ما يوجب الحجر لحق غيره .

فالاول : الصغر والجنون ، والسفه والثاني الباقي .

.......................................................................

( 1 ) سورة الفرقان آية 23 . ( * )

 

 

] الاول الصغر فالصغير ممنوع عن التصرف الامع البلوغ والرشد [

 

الصغير ممنوع عن التصرف في ماله

 

( الاول ) : من الستة المذكورة في هذا الباب ( الصغر ) والبحث فيه في طي

مسائل : الاولى : انه لا خلاف في الجملة في ان الصغر من اسباب الحجر ( فالصغير

ممنوع عن التصرف الا مع البلوغ والرشد ) اما منع الصغير غير البالغ عن

التصرف فاجماعي في الجملة ، قال في التذكرة : وهو محجور عليه بالنص والاجماع سواء

كان مميزا او لا في جميع التصرفات الا ما يستثنى كعباداته واسلامه واحرامه . . الى

آخره وظاهر الشرائع وغيرها : ان الحجر انما هو باعتبار التصرف المالي .

وما افاده المصنف اظهر ، فان بعض ادلة المنع وان اختصت بالتصرف المالي ،

الا ان جملة منها عامة لجميع التصرفات الاعتبارية ، وقد ذكرنا هذا الحكم في كتاب

البيع ، واستدل له بوجوه ، واستوفينا البحث فيها - وانما نشير في المقام الى ادلة المنع :

منها : الاية الكريمة : ( وابتلوا اليتامي حتى اذ بلغوا النكاح فان آنستم

منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم ) ( 1 ) وتقريب الاستدلال بها على المنع : ان الظاهر

منها من جهة جعل البلوغ ، غاية الابتلاء والامتحان وغير ذلك من القرائن كون جواز

الدفع مشروطا بشرطين : البلوغ والرشد ، فمفهومها عدم جواز الدفع مع السفاهة

او الصباوة ، وليس ذلك الا من جهة حجره في تصرفاته ، بل المراد من عدم الدفع ذلك .

ثم ان الاية الكريمة انما تدل على المنع عن تصرفات الصبي مع كونه مستقلا

فيها ، او كون المعاملة مستندة اليه ، وان كان اذن له الولي ويكون الصبي من قبيل

.......................................................................

( 1 ) سورة النساء آية 7 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الوكيل المفوض ، بل الظاهر منها هو المنع عن القسم الثاني من جهة توجيه الخطاب

فيها الى الولي وتضمنها المنع عن الدفع قبل البلوغ ، فالمتحصل منها عدم استقلال

الصبي في المعاملات وان اذن له الولي ، ولكنها لا تدل على جعل انشائه كلا انشاء ،

مع عدم كون التصرف تصرفا له ، بل من تصرفات وليه وكون البيع بيعه مثلا ، وهي

وان اختصت باموله الا انه يكفي في منعه عن التصرفات في مال غيره وسائر

التصرفات غير المالية عدم القول بالفصل .

ومنها : حديث رفع القلم عن الصبي الذي رواه في محكى الخصال عن ابن

الظبيان عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) في سقوط الرجم عن الصبي : اما علمت ان

القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق الحديث ( 1 ) .

وروي عن قرب الاسناد عن علي ( عليه السلام ) في سقوط القصاص والدية

في ماله : وقد رفع عنهما القلم ( 2 ) .

وفي موثق عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن الغلام متى يجب عليه

الصلاة قال ( عليه السلام ) : اذا اتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فان احتلم قبل ذلك فقد

وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم ( 3 ) . ونحوها غيرها .

وتقريب الاستدلال بها : ان مقتضى اطلاق القلم المرفوع هو قلم التكليف

والوضع ، ولازم ذلك بطلان عقده مستقلا او مع اذن الولي ، بشرط كونه كالوكيل

المفوض .

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث 11 .

( 2 ) الوسائل باب 36 من ابواب القصاص في النفس حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث 12 . ( * )

 

 

[ . . . ]

واما العقد الصادر من الصبي باذن الولي على نحو كونه آلة محضة الذي له

نسبتان نسبة الى الصبي ونسبة الى الولي غاية الامر نسبته اليه انما تكون بالتسبيب ،

فلا يدل الحديث على بطلانه حتى من الجهة الثانية .

ولا منافاة بين عدم نفوذ ما هو عقد الصبي بالمباشرة ونفوذ ما هو عقد الولي ،

اذ القلم رفع عن الصبي لا عن الولي ، هذا على فرض تسليم صدق كون العقد والبيع

عقد الصبي مع كونه مجرى الصيغة خاصة وكون طرف المعاملة عند العرف وهوالولي ،

والا فعدم دلالته على سلب عبارته اوضح .

فما عن المبسوط في مسألة الاقرار من ان مقتضى رفع القلم ان لا يكون

لكلامه حكم وتبعه غيره وقالوا انه يدل على ان انشائه كلا انشاء غير تام ، وفي المقام

اشكالات خمسة واردت على الاستدلال بالحديث ذكرناها مع اجوبتها في كتاب البيع .

ومنها : النصوص ( 1 ) الدالة بالمنطوق والمفهوم على عدم جواز امر الصبي في

البيع والشراء ، ومقتضى اطلاقها بطلان ذلك بالمعنيين الاولين ، واما بالمعنى الثالث -

وهو مالو كان الصبي آلة محضة - فلا تدل عليه لعدم صدق كون البيع والشراء له ،

وعلى هذا بنوا على عدم ثبوت خيار المجلس لمجري الصيغة لعدم صدق البيع عليه ،

فالبيع مثلا انما يكون بيع الولي او الموكل والا مرامره ، ومجرد الصيغة لا يكون موضوع

النفوذ .

ولو تنزلنا عن ذلك فلا اقل من ان مثل هذا البيع له نسبتان : نسبة الى الصبي ،

ونسبة الى الولي او الموكل ، فلا مانع من نفوذه ومضية بالاعتبار الثاني كما تقدم ويشهد

لما ذكرناه استثناء السفيه في بعض تلك الاخبار ، حيث ان السفيه ليس مسلوب

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الحجر وباب 14 من ابواب عقد البيع وشروطه . ( * )

 

 

[ . . . ]

العبارة ، فمن استثنائه يعلم ان المراد عدم الاستقلال في التصرف .

وقد يستدل لذلك بالنصوص المتضمنة لكون عمد الصبي وخطائه واحد ( 1 ) وقد

استوفينا البحث فيها في كتاب البيع واثبتنا اختصاصها بباب الجنايات وانها لا تشمل

المعاملات .

وقد استدل لجواز تصرفات الصبي تارة : بالاية المتقدمة ، اما بتقريب : انه جعل

فيها المدار على الرشد وانه مع استئناس الرشد لا يتوقف في دفع المال ولا ينتظر

البلوغ ، وان اعتبار البلوغ طريقي اعتبر امارية الى الرشد بلا موضوعية له ، وذلك

بجعل الجملة الاخيرد استدراكا عن صدر الاية .

او بتقريب : ان ظاهر الاية كون الابتلاء قبل البلوغ بقرينة التعبير

( باليتامى وقوله تعالى حتى سواء كانت للغاية ام للابتداء ، والظاهر من الابتلاء )

الابتلاء بالمعاملات على الاموال بان ياذنوا لهم في البيع والشراء قبل البلوغ ، وذلك

يقتضي صحة تصرفاتهم .

واخرى : بمرسل المبسوط وروى انه اذا بلغ عشر سنين وكان رشيدا كان جائز

التصرف .

وثالثة : بالنصوص الدالة على جواز وصيته وصدقته وعتقه ( 2 ) ، فانه لو التزم

بخروجها عن حديث رفع القلم يرد عليه اباء سياقه عن التخصيص .

ورابعة : بالسيرة التي ادعاها سيد الرياض .

وخامسة : بخبر السكوني عن مولانا الصادق ( عليه السلام ) في حديث : نهي

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب العاقلة من كتاب الديات .

( 2 ) الوسائل باب 44 من ابواب كتاب الوصايا وباب 15 من ابواب كتاب

الوقوف والصدقات وباب 56 من ابواب كتاب العتق . ( * )

 

 

[ . . . ]

رسول الله صلى الله عليه وآله عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده

فانه ان لم يجد سرق ( 1 ) .

فان حصر الكراهة فيما اكتسبه الغلام بما اذا لم يحسن صناعة بيده واحتمل

سرقته اقوى شاهد على نفوذ معاملاته .

وفي الجميع نظر : اما التقريب الاول للاية : فلانه لو لم يكن الامر بدفع المال

متفرعا على الرشد بعد البلوغ لا مطلق الرشد لم يكن وجه لجعل غاية الابتلاء هو

البلوغ ، وكان ذكر ( حتى اذا بلغوا النكاح ) زائدا ، وحمله على الطريقية الى الرشد

خلاف الظاهر .

واما التقريب الثاني لها : فلانه لا اشكال كما مر في دلالة الاية على عدم كون

الصبي مسلوب العبارة ، الا انها لا تدل على كونه مستقلا في التصرف لحصول الابتلاء

مع اذن الولي او اجازته ، وحيث ان ظاهر الاية كما مر عدم صحة تصرفاته استقلا لا ،

فلا بد من البناء على ذلك .

واما المرسل : فلارساله وعدم العمل حتى من مرسله به لا يعتمد عليه .

واما النصوص المجوزة لو صيته وعتقه وصدقته فعلى فرض تسليم القول

بجوازها ، لا مانع من الالتزام بالتخصيص ، واباء حديث الرفع عنه ممنوع .

واما السيرة : فهي غير قابلة للتشكيك فيها ، الا ان المتيقن منها المعاملة باذن

الاولياء ، بل سيد الرياض ادعاها في هذا المورد .

واما خبر السكوني : فان كان الاستدلال به من جهة التخصيص بمن لا

يحسن الصناعة بيده ، فيرده : ان القيد لا مفهوم له ، وان كان من جهة العلة فهي عامة

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 33 من ابواب ما يكتسب به حديث 1 . ( * )

 

 

] ويعلم الاول بالانبات أو الاحتلام او بلوغ خمس عشرة سنة في الذكور

وتسع في الانثى [

 

لجميع الموارد ، مع انها من قبيل الحكمة ، وان كان من جهة ظهوره في الكراهة ، فيرد

عليه : ان النهي ظاهر في الحرمة لا الكراهة . وتفصيل القول فيه في كتاب البيع .

فالمتحصل مما ذكرناه : ان الادلة تدل على عدم نفوذ تصرفات الصبي الاعتبارية

 ان كان مستقلا فيها ، واما لو كان آلة محضة فلا دليل على المنع ، فلا يكون

الصبي مسلوب العبارة .

وذكروا موارد استثنوها من ادلة المنع ذكرناها في كتاب البيع فراجع .

الثانية : اذا بلغ الصبي وكا رشيدا تجوز تصرفاته اجماعا وكتابا وسنة .

 

علامات البلوغ

 

الثالثة : ( ويعلم الاول ) اي البلوغ ( بالانبات ) للشعر الخشن على العانة

التي حول الذكر والقبل ، من غير فرق في ذلك بين الذكر والانثى ( او الاحتلام او

بلوغ خمس عشرة سنة في الذكور وتسع في الانثى ) على المشهور .

ونخبة القول بالبحث في موارد :

الاول : في الانبات ، لا خلاف في ثبوت البلوغ بالانبات للشعر الخشن ، وانما

قيدوا الشعر بالخشن تحرزا عن الشعر الضعيف الذي قد يوجد في الصغير ويعبر عنه

بالزعب ، وعن التذكرة : نبات هذا الشعر دليل البلوغ في حق المسلمين والكفار عند

علمائنا اجمع . انتهى .

وذكر تسوية المسلم والكافر للتنبيه على خلاف بعض العامة حيث خصه

بالكافر ، وربما نسب الى الشيخ ره ، محكي الخلاف ادعى الاجماع على انه

 

 

[ . . . ]

علامة البلوغ في حق المسلمين والمشركين .

وكيف كان : فيشهد لكونه علامة البلوغ مطلقا : الاجماع المحكي مستفيضا ،

وحسن يزيد الكناسي عن الامام الباقر ( عليه السلام ) وهو طويل قال ( عليه السلام )

في آخره : ان الغلام اذا زوجه ابوه ولم يدرك كان له الخيار اذا ادرك وبلغ خمس عشرة

سنة او يشعر في وجهه او ينبت في عانته قبل ذلك ( 1 ) .

والمراد بالشعر في الوجه هو اللحية والشارب واستقرب في محكي التحرير كون

نبات اللحية دليلا دون غيره من الشعور والعادة قاضية به .

وخبر حمزة بن حمران عنه ( عليه السلام ) : الغلام لا يجوز امره في الشراء والبيع

ولا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة او يحتلم او يشعر أو ينبت قبل

ذلك ( 2 ) .

وخبر ابي البختري عن جعفر ( عليه السلام ) عن ابيه ( عليه السلام ) قال : ان

رسول الله صلى الله عليه وآله عرضهم اي المراهقين يومئذ على العانات فمن جده

انبت قتله ومن لم يجده انبت الحقة بالذراري ( 3 ) .

وفي النصوص وان لم يقيد الشعر بالخشن الا انه من جهة ان الخشن هو

المعهود في اختيار البلوغ يحمل عليه الاطلاق صرفا له الى المعهود .

وهل يختص هذه العلامة بالذكور ، ام تعم الاناث ؟ وجهان : اقواهما الثاني ، لانه

وان اختصت النصوص بالذكور الا ان الاجماع قائم على كونه علامة في الانثى ايضا ،

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب عقد النكاح واولياء العقد حديث 8 .

( 2 ) الوسائل باب 14 من ابواب عقد البيع وشروطه حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 65 من ابواب جهاد العدد ومايناسبه حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

والظاهر ان عدم التعرض فيها للنساء من جهة تاخر انبات هذا الشعر عن تسع سنين

بكثير ، فلا يحتاج اليه فيهن .

وقد صرح غير واحد من الاصحاب : بان خروج اللحية ايضا علامة البلوغ ،

والخبران الاولان شاهدان به فلا مانع من الا لتزام بذلك ، وانما لم يتعرض اكثر

الاصحاب له من جهة تاخر خروجها عن العلامات الاخر فيقل الاحتياج اليه .

وهل الانبات بلوغ بنفسه او دليل على سبق البلوغ ؟ قولان ، قال في المسالك :

والمشهور الثاني ، وظاهر الماتن والمحقق في الشرائع والنافع هو الاول ، بل عن مفتاح

الكرامة : نسبته الى صلاة التهذيب وصوم المبسوط وحدوده ووصايا النهاية والمهذب

وخمس الوسيلة وصوم السرائر ووصاياها ؟ وكشف الرموز وصوم الجامع وحجره وحجر

الارشاد وغير تلكم من الكتب . ومع ذلك قال العلامة الطباطبائي : لم اجد بهذا القول

مصرحا من الاصحاب .

واستدل لكونه دليلا على سبق البلوغ في المسالك : بتعليق الاحكام في الكتاب

والسنة على الحلم والاحتلام ، فلو كان الانبات بلوغا بنفسه لم يخص غيره بذلك ، وبان

البلوغ غير مكتسب ، والانبات قد يكتسب بالدواء ، وبحصوله على التدريج والبلوغ

لا يكون كذلك .

ولكن يرد الاول : انه في الخبرين المتقدمين ذكر الانبات رديفا للعلامتين

الاخرتين ، وظاهر هما كونه علامة البلوغ مثلهما ، وما علق فيه الاحكام على الحلم

والاحتلام كما يتصرف فيه بما دل على كون السن علامة كذلك يتصرف فيه بالخبرين .

وما افاده قده من انه لا دليل على القول الاخر سوى ترتب احكام البلوغ عليه وهو

اعم من المدعى ، فكأنه نظر الى الخبر الثالث وغفل عن الاولين .

ويرد الثاني : ان الاشكال مشترك الورود كونه علامة للبلوغ او على

 

 

[ . . . ]

سبقه ، بل على الثاني اظهر . والحل ان العلامة هي الانبات الحاصل من الله سبحانه

بمقتضى العادة والطبيعة .

ويرد الثالث : ان العلامة تحصل بمجرد خروج الشعر وصدق هذا العنوان ، ولا

تتوقف على تزايده وكماله ، فالاظهر كونه علامة البلوغ لا دليلا على سبقه .

وتظهر ثمرة النزاع في قضاء ما يجب قضائه من العبادات ، وفي نفاذ اقراره

وتصرفاته المتقدمة على الاختبار بزمان يعلم عدم تاخر بلوغه عنه .

الثاني : في الاحتلام ، والمراد به خروج المني من الموضع المعتاد ، والمني هو الماء

الدافق الذي يخلق منه الولد ، والظاهر ان هذا هو مراد المحقق في الشرائع حيث قيده

بالذي يكون منه الولد ، فما فهمه جماعة منه ان المني ينقسم قسمين : ما يكون منه

الولد ، وما لا يكون منه الولد ، وان البلوغ لا يتحقق الا بالاول ، في غير محله .

وكيف كان فهو علامة البلوغ في الذكر والانثي ، ولا خلاف في كونه علامة له ،

بل الاجماع بقسميه عليه ، ويشهد به من الكتاب : قوله تعالى : ( واذا بلغ الاطفال

منكم الحلم فليستأذنوا ) ( 1 ) .

قال في التذكرة : الحلم هو خروج المني من الذكر او قبل المرأة مطلقا ، سواء

كان بشهوة او بغير شهوة ، كان بجماع او غير جماع ، وسواء كان في نوم او يقظة .

وقوله تعالى : ( والذين لم يبلغوا الحلم ) ( 2 ) .

وقوله تعالى : ( وابتلوا اليتامي حتى اذا بلغوا النكاح . . . الى آخره ) ( 3 ) .

والمراد ببلوغ النكاح : شهوة النكاح والوطء والقدرة على الانزال .

.......................................................................

( 1 - 2 ) سورة النور آية 59 .

( 3 ) سورة النساء آية 7 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقوله عزوجل : ( ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن ) ( 1 ) .

ومن السنة : خبر هشام عن الامام الصادق ( عليه السلام ) : انقطاع يتم اليتيم

بالاحتلام وهو اشده ( 2 ) .

وموثق عبد الله بن سنان عنه ( عليه السلام ) عن قول الله عزوجل : ( حتى

اذا بلغ اشده ) قال ( عليه السلام ) : الاحتلام ( 3 ) .

وحديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم المتقدم الذي رواه الفريقان . وعن

الحلي انه مجمع على روايته .

والنبوي المشهور المتلقى بالقبول في وصيته صلى الله عليه وآله لعلي ( عليه

السلام ) : يا علي لا يتم بعد الاحتلام ( 4 ) .

وخبر طلحة بن زيد عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) : ان اولاد المسلمين

موسومون عند الله شافع مشفع ، فاذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات ، فاذا

بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات ( 5 ) .

وخبر علي بن جعفر عن اخيه ( عليه السلام ) عن اليتيم متى ينقطع يتمه قال

( عليه السلام ) : اذا احتلم وعرف الاخذ والاعطاء ( 6 ) . ومنها غير تلكم من النصوص

الكثيرة .

.......................................................................

( 1 ) سورة الانعام آية 152 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب الحجر حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 44 من ابواب كتاب الوصايا حديث 8 .

( 4 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث 9 .

( 5 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث 1 .

( 6 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث 6 . ( * )

 

 

[ . . . ]

ومفاد هذه الادلة وان كان مختلفا - ففي بعضها جعل الاحتلام علامة وهو

الرؤية في المنام ، وفي بعضها جعل الحلم علامة وهو كما مر خروج المني ، وفي الاية

الثالثة جعل المدار على بلوغ النكاح - الا انه لا تنافي بينها ، فان المتحصل منها : ان

البلوغ عبارة عن حدوث حالة في الانسان يخرج بها عن حالة الطفولية الى غيرها ،

وانه ينبعث عنها خروج المني بالوطء او الاستمناء او الرؤية في المنام ، غاية الامر

علامة هذه الحالة لغير البالغ انما تكون بخروج المني ، فانه لايعرف وجود تلك الحالة

الا بذلك ، وهذا هو السر في تعبير الفقهاء عن هذه العلامة بخروج المني .

ولكن مع ذلك كله الا التزام بترتب احكام البلوغ على البالغ نفسه من الصلاة

والصيام وما شاكل بمجرد بلوغ النكاح وان لم تتحقق احدى العلامات الاخر من

الانبات والسن وخروج المني لا يخلو عن اشكال لعدم افتاء الفقهاء ، والاحتياط

طريق النجاة .

ومقتضى اطلاق النصوص عدم الفرق في هذه العلامة ايضا بين الذكر والانثى

كماهو المشهور ، بل عن التذكرة : الاجماع عليه ، وفي المسالك : هذا عند نا وعند الاكثر

موضع وفاق .

الثالث : في السن ، والمشهور بين الاصحاب ، انه في الذكور بلوغ خمس عشرة

سنة ، وفي الانثى بلوغ تسع سنين . وعن غير واحد : دعوى الاجماع عليه ، وعن مفتاح

الكرامة : كادت تبلغ اجماعات المسألة اثني عشر من صريح وظاهر ومشعر به ، وفي

الجواهر : بل هو معلوم ، وربما يشهد له التتبع بل ربما يزيد على ذلك ، وعن ابن الجنيد :

انه في الذكر اربع عشرة سنة ، وفي الحدائق وعن الشيخ في كتابي الاخبار واكثر محققي

المتأخرين انهم قال لوا بحصول البلوغ بالدخول في الرابعة عشرة قال في المفاتيح : ولا

يخلو من قوة .

 

 

[ . . . ]

وتنقيح القول بالبحث في موردين :

الاول : في الذكر .

الثاني : في الانثى .

اما الاول : فيمكن ان يستدل للمشهور بوجوه :

1.     الا ستصحاب ، وتقريبه من وجوه ، اذ يمكن ان يستصحب بقاء الصغر ،

وعدم حصول البلوغ ، وعدم رفع الحجر عنه ، وعدم توجه التكليف اليه .

وكل تلكم استصحاب حكم او عدم حكم ، وعلى فرض تسليم كون بعضها

موضوعيا لا مانع من جريانه ، وليس شئ من ذلك من الاستصحاب في الامور غير

القارة وان كان المختار جريان الاستصحاب فيها ايضا .

2.     اصالة البراءة عن التكليف قبل ان يبلغ خمس عشرة سنة .

3.     مادل من الايات والنصوص على عدم البلوغ مالم يبلغ الحلم ، فانه خرج

عنها بعد بلوغ خمس عشرة وبقي الباقي .

4.     جملة من النصوص الخاصة : كالنبوي المرسل : اذا استكمل المولود خمس

عشرة سنة كتب ماله وما عليه ( 1 ) .

والاخر ان عبد الله بن عمر قال : عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله

في جيش يوم بدر وانا ابن ثلث عشرة سنة فردني ، وعرضت عليه يوم احد وانا ابن

اربع عشرة سنة فردني ولم يرني بالغا ، وعرضت عليه عام الخندق وانا ابن خمس عشرة

فقبلني واخذني في المقاتلة ( 2 ) بل قيل : ان الثاني منهما مشهور رواه جماعة من ارباب

المغازي والسير ممن يوثق بنقلهم .

.......................................................................

( 1 - 2 ) التذكرة ج 2 ص 74 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وخبر حمران عن مولانا الباقر ( عليه السلام ) - في حديث - : والغلام لا يجوز

امره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم او يشعر

او ينبت قبل ذلك ( 1 ) . وليس في سنده من يتوقف فيه سوى حمزة وعبد العزيز ، اما حمزة

فمضافا الى انه من آل اعين المعلوم جلالتهم وعظم منزلتهم ، سديد الحديث ، كثير

الرواية ، قد روى عنه الاجلاء كعبد الله بن مسكان وابن بكير وابن ابي عمير والحسن

بن محبوب ، بل في بعض طرق كتابه صفوان بن يحيى ، وهم من اصحاب الاجماع . وعن

ظاهر النجاشي : انه من خاصة اصحاب الصادق ( عليه السلام ) ، اضف الى ذلك كله

ان هذا الخبر رواه الحسن بن محبوب عن عبد العزيز عنه ، وهو من اصحاب الاجماع ،

وبه يظهر ان عبد العزيز وان لم ينص عليه بمدح ولاذم لكن رواية الحسن بن محبوب

عنه كافية في الاعتماد على روايته هنا .

وحسن الكناسي - او صحيحه - عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : الجارية اذا

بلغت تسع ؟ سنين ذهب عنها اليتم وزوجت واقيم عليها الحدود التامة لها وعليها ، قال :

قلت : الغلام اذا زوجه ابوه ودخل باهله وهو غير مدرك اتقام عليه الحدود على تلك

الحالة ؟ قال : اما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال ، فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلها

على مبلغ سنة ، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة الحديث ( 2 ) .

وحسنه الاخر - او صحيحه - عنه ( عليه السلام ) - في حديث - : يا ابا خالد ،

ان الغلام اذا زوجه ابوه ولم يدرك كان بالخيار اذا ادرك وبلغ خمس عشرة سنة او يشعر

في وجهه او ينبت في عانته قبل ذلك - الى ان قال - اما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها

.......................................................................

 ( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الحجر حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 6 من ابواب مقدمات الحدود حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الرجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلها على قدر مبلغ سنه فيؤخذ بذلك ما بينه وبين

خمس عشرة سنة . الحديث ( 1 ) .

وصحيح ابن وهب عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في كم يؤخذ الصبي

بالصيام ؟ قال : ما بينه وبين خمس عشرة سنة واربع عشرة سنة ، فان هو صام قبل ذلك

فدعه ( 2 ) . بناء على ارادة معنى ( او ) من كلمة ( واو ) لا ستحالة الجمع ، وحيث ان مقتضى

السياق والترديد كون ما تقدم عليهما وقتا للتمرين فيكون البلوغ بالاكثر ، والا لم

يكنن الزمان المتوسط بينه وبين الاقل تمرينيا ، ولعل الفرق بين المتوسط بينهما وبين ما

قبلهما في التضييق في التمرين وعدمه ، فان الصبي يضيق عليه فيما بينهما ، دون ما

تقدمهما من الزمان ، وهذا هو السر في الترديد .

وصحيحه الاخر عنه ( عليه السلام ) في كم يوخذ الصبي بالصيام ؟ قال ( عليه

السلام ) : ما بين خمس عشرة واربع عشرة ، فان هو صام قبل ذلك فدعه ( 3 ) . بالتقريب

المتقدم ، ونحوها غيرها .

والمنساق الى الذهن من النصوص هو اكمال الخمس عشرة لا الدخول فيها ،

بل جملة منها كالصريحة في ذلك ، فلا يصغى الى ما قيل من حلمها على ارادة الدخول

فيها .

وبازاء جميع ذلك طوائف من النصوص ، منها : ما يدل على حصوله بالاربع

عشرة : كخبر ابي حمزة عن مولانا الباقر ( عليه السلام ) قلت له : جعلت فداك في كم

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب عقد النكاح واولياء العقد حديث 9 .

( 2 ) الوسائل باب 29 من ابواب من يصح الصوم حديث 1 كتاب الصوم .

( 3 ) الوسائل باب 29 من ابواب من يصح منه الصوم كتاب الصوم . ( * )

 

 

[ . . . ]

تجرى الا حكام على الصبيان ؟ قال ( عليه السلام ) : في ثلاث عشرة واربع عشرة ، قلت :

فانه لم يحتلم فيها ، قال ( عليه السلام ) : وان كان لم يحتلم ، فان الاحكام تجرى عليه ( 1 ) .

وحيث ان نصوص الخمس عشرة قابلة للحمل على ارادة الدخول فيها ، وهذا

الخبر نص في حصوله بالاربع عشرة ، فتحمل تلك النصوص على ذلك ، وايد هذا

القول بصحة توجه الخطاب الى المميز عقلا للعلم والقدرة خرج الاقل بالاجماع

والنص وبقي ذو الاربع عشرة ، وبان احوال البدن في الانسان مرتبة على الاسابيع ،

فيجب ان يكون بلوغه كذلك وليس في الاسبوع الاول والاول والثالث قطعا فيكون في

الثاني .

ولكن الخبر ضعيف السند لجهالة السندي بن ربيع ويحيى بن المبارك ، وقاصر

الدلالة لاشتماله على الترديد الذي يصلح قرينة على الحمل على ارادة التمرين ،

ونصوص الخمس عشرة قد عرفت صراحة بعضها وظهور آخر في ارادة الاكمال ،

وصحة توجه الخطاب الى المميزين لا تصلح دليلا للحكم بعد كون البلوغ شرطا آخر

للتكليف غير العلم والقدرة ، وكون احوال البدن مرتبة عل الاسابيع وجه استحساني

محض لا سبيل الى الاستناد اليه في الاحكام الشرعية .

ومنها : النصوص الدالة على حصول البلوغ بالثلاث عشرة : كموثق عمار عن

الامام الصادق ( عليه السلام ) عن الغلام متى تجب عليه الصلاة ؟ قال ( عليه السلام ) :

اذا اتى عليه ثلث عشرة سنة ، فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى

عليه القلم ، الجارية مثل ذلك . الحديث ( 2 ) .

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 45 من ابواب كتاب الوصايا حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 4 من ابواب مقدمة العبادات حديث 12 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وخبر عبد الله بن سنان - المروى بعدة طرق بعضها صحيح او حسن وبعضها

موثق مع اختلاف يسير في المتن - عنه ( عليه السلام ) : الاحتلام - الى ان قال : اذا اتت عليه ثلاث

عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات ؟ وجاز امره ان يكون سفيها

او ضعيفا ( 1 ) .

ولكن الاول لا يدل على البلوغ ، بل على خصوص وجوب الصلاة ، ويؤيده

ذكر جريان القلم في الاحتلام دون السن .

والثاني : وان كان لا ينبغي المناقشة في سنده ولا في دلالته ، الا انه معارض

بالنصوص المتقدمة ، ولموافقتها للشهرة التي هي اول المرجحات تقدم ، هي ، ومعها لا

تصل النوبة الى الترجيح بمخالفة العامة .

ومنها : نصوص عشر سنين المتفرقة في الابواب الدالة على جواز وصيته وعتقه

وصدقته كما في جملة ( 2 ) منها ، وقبول شهادته وجواز امره كما في آخر ( 3 ) ، وصحة وقفه كما

في ثالث ( 4 ) ، ولكنها باجمعها لا تصلح لمعارضة ما تقدم سيما وقد دلت النصوص الاخر ( 5 )

الواردة في الجلد والتزويج والطلاق المصرحة بعدم البلوغ ببلوغ عشر سنين ، مع ان

جواز وصيته وعتقه ووقفه وصدقته اعم من البلوغ ، ومادل على جواز امره مقطوع

السند غير مروي عن المعصوم ( عليه السلام ) ، وفي طريقه العبيدي عن يونس وفيه

كلام .

.......................................................................

( 1 - 2 ) الوسائل باب 44 من ابواب كتاب الوصايا .

( 3 ) الوسائل باب 22 من كتاب الشهادات حديث 3 .

( 4 ) الوسائل باب 15 من ابواب كتاب الوقوف والصدقات .

( 5 ) الوسائل باب 9 من ابواب حد الزنا وباب 11 من ابواب ميراث الازواج . ( * )

 

 

[ . . . ]

ومنها : مادل على حصوله بثمان سنين : كموثق ( 1 ) الحسن بن راشد عن

العسكري ( عليه السلام ) : اذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز امره فيما له وقد وجب عليه

الفرائض والحدود الحديث . ونحوه غيره وقد ظهر حالها مما مر .

فتحصل : ان الاظهر حصول البلوغ في الذكر باكمال الخمس عشرة .

المورد الثاني في الانثى ، فالمشهور بين الاصحاب : حصول البلوغ لها ببلوغ

تسع سنين - اي اكمالها - وفي الجواهر : بل هو الذي استقر عليه المذهب خلافا للشيخ

في صوم المبسوط ، وابن حمزة في خمس الوسيلة فبالعشر ، الا ان الشيخ قد رجع عنه في

كتاب الحجر ووافق المشهور ، وكذا الثاني في كتاب النكاح منها .

وتشهد به نصوص كثيرة : كصحيح الكناسي - او حسنه - عن الامام الباقر

( عليه السلام ) : الجارية اذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوجت . الحديث ( 2 ) .

ونحوه حسنه الاخر - او صحيحه - ( 3 ) وموثقا ابن سنان والحسن بن راشد

المتقدمان ، ونحوها غيرها .

وليس بازائها خبر سوى خبر غياث المتضمن لانها لا توطأ لاقل من عشر

سنين ( 4 ) وهو - مضافا الى ضعف سنده ومعارضته بالنصوص الكثيرة الدالة على انها

توطأ لتسع سنين ( 5 ) - لا يكون نصا ولا ظاهرا في عدم البلوغ قبله ، فلا اشكال في

الحكم .

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 15 من ابواب كتاب الوقوف والصدقات حديث 4 .

( 2 ) الوسائل باب 6 من ابواب مقدمات الحدود حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 6 من ابواب عقد النكاح واولياء العقد حديث 9 .

( 4 - 5 ) الوسائل باب 45 من ابواب مقدمات النكاح حديث 7 . ( * )

 

 

] والثاني باصلاح ماله عند اختباره بحيث يسلم من المغابنات وتقع افعاله على

الوجه الملائم . [

 

لا خلاف في ان المعتبر من السنين القمرية دون الشمسية ، لان هذا هو المعهود

من شرعنا ، والمعروف عند العرب ، وقد قال الله تعالى : ( ان عدة الشهور عند الله

اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات ) ( 1 ) وقال سبحانه ( يسالونك عن

الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) ( 2 ) وقال عز من قائل ( 3 ) ( هو الذي جعل

الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) .

كما لا خلاف في ان الحمل والحيض ليسابلوغا في حق النساء ، اماالحيض فقد

مر في محله انه لا يكون قبل بلوغ تسع سنين ، واما الحمل فلا دليل عليه . نعم يكون

هو دليلا على سبق البلوغ باعتبار سبق الانزال الذي قد عرفت سببيته للببلوغ .

 

اعتبار الرشد في رفع الحجر

 

الرابعة : ( و ) قد عرفت ان الوصف ( الثاني ) الذي يتوقف عليه رفع الحجر

الرشد في المال ، وان الكتاب والسنة والاجماع تشهد بذلك .

انما الكلام فيما يعلم به الرشد ، قال في المتن : انه يعلم ( باصلاح ماله عند

اختباره بحيث يسلم من المغابنات وتقع افعاله على الوجه الملائم ) ، وفي المسالك :

ليس مطلق الاصلاح موجبا للرشد ، بل الحق ان الرشد ملكة نفسانية تقتضي اصلاح

المال وتمنع من افساده وصرفه في الوجوه اللائقة بافعال العقلاء .

.......................................................................

( 1 ) سورة التوبة آية 36 .

( 2 ) سورة البقرة آية 189 .

( 3 ) سورة يونس آية 6 . ( * )

 

 

] ولا يزول الحجر مع فقد احدهما وان طعن في السن ويثبت في الرجال بشهادة

امثالهم وفي النساء بشهادتهن ؟ او بشهادة الرجال الثاني الجنون ولا يصح

تصرف المجنون الا في اوقات افاقته [

 

ولقد اطالوا البحث في ذلك ، مع انه من المفاهيم العرفية الواضحة عندهم ،

والذي يراه اهل العرف رشدا هو كونه بحيث اذا اراد ان يعامل يكون حافظا لما له

ولا يصرفه في الاغراض الفاسدة ، ولا يكون مبذرا وغير مبال به ، وهذا هو مراد

المصنف ره وغيره ممن عبر باصلاح ماله ، وليس معنى الملكة الاذلك ، فايراد الشهيد

الثاني في غير محله .

وكيف كان : فالامر أوضح من ان يطال الكلام فيه ، كما ان عدم اعتبار العدالة

فيه من الواضحات ، وفي الجواهر : بل يمكن دعوى كونه ضروريا يشك في اسلام

منكره .

( و ) قد ظهر مما قدمناه : انه ( لا يزول الحجر مع فقد احدهما ) اي احد

الوصفين البلوغ والرشد ، فغير الرشيد لا يدفع اليه ماله ( وان طعن في السن ) .

الخامسة : لا خلاف ( و ) لا اشكال في انه ( يثبت ) الرشد ( في الرجال بشهادة

امثالهم ، وفي النساء بشهادتهن او بشهادة الرجال ) .

اما الثبوت بشهادة الرجال : فلا طلاق الادلة ، واما ثبوته في النساء بشهادتهن :

فللا جماع المدعى في المقام ، ويسأتي في كتاب الشهادات ان ذلك مقتضى الادلة أيضا .

الثاني من اسباب الحجر : ( الجنون ، ولا يصح تصرف المجنون الا في اوقات

افاقته ) .

وفي الحدائق : ودليل الحجر على المجنون ظاهر من العقل ، والنقل . انتهى .

وحديث رفع القلم ( 1 ) شاهد به ، وكذا نصوص اخر تقدم بعضها .

.......................................................................

( 1 ) راجع ص 95 . ( * )

 

 

] - الثالث السفه ويحجر عليه في ماله خاصة - الرابع الملك ، فلا ينفذ تصرف

المملوك بدون اذن مولاه ، ولو ملكه شيئا لم يملكه على الاصح . الخامس

المريض تمضى وصيته في الثلث خاصة ومجزاته المتبرع بها كذلك . [

 

الثالث : ( السفه ، ويحجر عليه في ماله خاصة ) .

وفي الجواهر : الضابط المنع من التصرفات المالية بلا خلاف اجده فيه ، بل

يمكن تحصيل الاجماع عليه ، بل عن مجمع البرهان دعواه وجه المنع الاية المتقدمة ،

وجملة من النصوص ، ووجه عدم المنع في غيرها اطلاق ادلة تلك التصرفات بعد

اختصاص دليل المنع بالتصرف المالي ، والكلام في بعض التصرفات كالخلع انه

تصرف ممنوع عنه لكونه ماليا ، او غير ممنوع عنه موكول الى محله .

الرابع من اسباب الحجر : ( الملك ، فلا ينفذ تصرف المملوك بدون اذن مولاه ،

ولو ملكه شيئا لم يملكه على الاصح ).

( الخامس : المرض وتمضى وصيته ) اي المريض كالصحيح ( في الثلث خاصة )

اجماعا ، وسيأتي الكلام فيه في الوصية .

 

منجزات المريض تخرج من اصل المال

 

( و ) انما الكلام في المقام في ( منجزاته المتبرع بها كذلك ) في انها من الاصل

او الثلث ، ومحل النزاع التبرعات ، فالمعاوضات حتى ما كان منها من قبيل البيع باقل

من ثمن المثل خارجة عن محل الكلام ، والمراد بالمنجزة المعجلة في حال الحياة كالهبة

والعتق وما شاكل ، وفيه قولان :

1.     انها من الاصل ، ذهب اليه جماعة من المتعدمين : كالكليني ، والصدوق ،

 

 

[ . . . ]

والشيخين ، والسيدين ، والقاضي ، وبني ادريس ، والبراج ، وسعيد ، وغيرهم ، وجماعة من

المتأخرين .

وعن كشف الرموز : نسبته الى الاكثر ، وفي الرياض انه المشهور بين القدماء

ظاهرا ، بل لعله لا شبهة فيه ، بل ادعى السيدان في بحث الهبة ان عليه اجماع الامامية

وجعله في السرائر الاظهر في المذهب مشعرا بالشهرة عليه لا اقل .

2.     ما عن الاسكافي ، والصدوق في احد قوليه ، وابي علي ، والشيخ في المبسوط ،

والمصنف ره ، والشهيدين والكركي : أنه كما تخرج الوصية من الثلث ، وكذلك التبرعات

المنجزة ، وفي المسالك : واختاره عامة المتأخرين ومنهم المصنف .

ومنشأ الاختلاف : اختلاف النصوص ، ومعها لا يصغى الى ما استدل به للاول :

بانه مالك تصرف في ماله فكان ماضيا ، وباستصحاب الصحة ، واصالة الجواز ، وبانه

لولا صحتها لما لزمته بالبرة ، والتالي باطل ، فكذا المقدم .

ولا الى ما استدل به للثاني من الوجوه الاستحسانية ، فالمتعين هو ملاحظة

النصوص ، ولا بد اولا من نقل ما استدل به لكل من القولين ، فان تم دلالة كل من

الطائفتين على ما استدل بها له وسندها ، ولم يمكن الجمع العرفي بينهما بحمل المطلق

على المقيد أ والظاهر على النص - بلاحظ ما تقتضيه اخبار الترجيح .

اما النصوص الدالة على انها من الاصل فكثيرة ، لا حظ حسن ابي شعيب

المحامل - او صحيحه - عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) : الانسان احق بماله مادامت

الروح في بدنه ( 1 ) .

وما في الجواهر من انه ليس صريحا في شمول الاحقية للتنجيز ، فيمكن حمله

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الوصايا حديث 8 . ( * )

 

 

[ . . . ]

على غيره ، بل محتمل لارادة الثلث خصوصا اذا قرأ بفتح اللام ، ويندفع بظهوره في

ذلك .

وموثق الساباطي عنه ( عليه السلام ) : الميت احق بماله مادام فيه الروح يبين

به ، فان قال بعدي فليس له الا الثلث ( 1 ) .

وموثقه الاخر : الرجل احق بماله مادام فيه الروح ان اوصى به كله فهو

جائز ( 2 ) .

وخبره الثالث عنه ( عليه السلام ) : صاحب المال احق بماله مادام فيه شئ من

الروح يضعه حيث شاء ( 3 ) .

موثقه الرابع عنه ( عليه السلام ) ايضا : الميت احق بماله مادام فيه الروح يبين

به ، قال ( عليه السلام ) : نعم فان اوصى به فليس له الا الثلث ( 4 ) .

وموثقه الخامس عنه ( عليه السلام ) في الرجل يجعل بعض ماله لرجل في مرضه

فقال ( عليه السلام ) : اذا ابانه جاز ( 5 ) .

والايراد عليها بان عمار فاسد الرأي في غير محله بعد كونه ثقة .

كما ان الايراد عليها بانه يمكن ان يكون اللام مفتوحة فلا تدل على ان اي

مقدار من المال له فبقرينة غيرها يقال انه الثلث ، غير تام ، اذ مضافا الى انه خلاف

الظاهر ، والى انه تكون هذه الاخبار حينئذ مجملة لعدم بيان ماله حينئذ وهو ينافي مع

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب كتاب الوصايا حديث 12 .

( 2 ) الوسائل باب 11 من ابواب كتاب الوصايا حديث 19 .

( 3 ) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الوصايا حديث 4 .

( 4 ) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الوصايا حديث 7 .

( 5 ) الوسائل باب 17 من أبواب كتاب الوصايا حديث 10 . ( * )

 

 

[ . . . ]

كونه في مقام البيان ، يدفعه قوله : اذا ابانه جاز ، وفي آخر بعد الحكم بجواز الابانة : فان

اوصى به فليس له الا الثلث ، فانه بقرينة التفصيل القاطع للشركة كالصريح في ن

له بالنسبة الى الابانة ازيد من الثلث ، مع انه لا شبهة في ان تمام المال له مادام

حيا ، وانما الكلام في نفوذ تصرفاته التبرعية ، فعلى تقدير فتح اللام ايضا تدل على

المطلوب ، واما عدم العمل باطلاق موثقه الثاني فلا يضر بالعمل به في غير ما خرج

وهو الوصية بالثلث ، ولا بغيره من الاخبار ، وعليه فلا يضر ما في بعض نسخ الاول

منها ، فان تعدى فليس له الا الثلث ، مع انه على هذه النسخة لم تتم نظام

الكلام ، فانه على القول الاخر ليس له الا الثلث تعدى ام لم يتعد .

وخبر سماعة عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يكون له الولد أيسعه

ان يجعل ماله لقرابته ؟ قال ( عليه السلام ) : هو ماله يصنع ما شاء به الى ان ياتيه

الموت ( 1 ) .

ونحوه خبر ابي بصير ، وزاد : ان لصاحب المال ان يعمل بماله ما شاء مادام حيا ،

ان شاء وهبه ، وان شاء تصدق به ، وان شاء تركه الى ان ياتيه الموت ، فان اوصى به

فليس له الا الثلث ، الا ان الفضل في ان لا يضيع من يعول به ولا يضر بورثته ( 2 ) وهما

من حيث السند والدلالة كلام فيهما .

ومرسل مرازم عنه ( عليه السلام ) في الرجل يعطى الشئ من ماله في مرضه

قال ( عليه السلام ) : ان ابان به فهو جائز ، وان اوصى به فهو من الثلث ( 3 ) . وهو بقرينة

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الوصايا حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الوصايا حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 10 من ابواب كتاب الوصايا حديث 4 . ( * )

 

 

[ . . . ]

التفصيل صريح في المطلوب .

ومرسل الكليني عن النبي صلى الله عليه وآله انه عاب رجلا من الانصار اعتق

مما ليكه لم يكن له غيرهم وقال ( عليه السلام ) : ترك صبية صغارا يتكففون الناس ( 1 ) . بل

رواه الصدوق مسندا الى جعفر بن محمد عليهما السلام .

فالمتحصل من هذه النصوص المعتبرة ، ان التبرعات المنجزة تخرج من الاصل ،

وجملة منها كالصريحة في ذلك .

وبذلك ظهر ما في المسالك قال : وعليه شواهد من الاخبار ، الا ان في طريقها

عمار او سماعة وهما فاسد الرأي ولكنهما ثقتان ، اذ مضافا الى عدم كونهما في طريق جميع

الروايات ، انه مع الاعتراف بكونهما ثقتين لا يبقى مجال للمناقشة .

واما النصوص التي استدل بها على الخروج من الثلث فهي ايضا كثيرة ، لا حظ

صحيح يعقوق بن شعيب : سألت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يموت ماله

من ماله فقال ( عليه السلام ) : له ثلث ماله وللمرأة ايضا ( 2 ) . ونحوه خبر ابي بصير ( 3 ) .

وخبر عبد الله بن سنان عن مولانا الصادق ( عليه السلام ) : للرجل عند موته

ثلث ماله ، وان لم يوص فليس على الورثة امضائه ( 4 ) .

وصحيح علي بن يقطين عن ابي الحسن ( عليه السلام ) ما للرجل من ماله عند

موته ؟ قال ( عليه السلام ) : الثلث والثلث كثيرة ( 5 ) .

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الوصايا حديث 9 .

( 2 ) الوسائل باب 10 من ابواب كتاب الوصايا حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 10 من ابواب كتاب الوصايا حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 10 من ابواب كتاب الوصايا حديث 7 .

( 5 ) الوسائل باب 10 من ابواب كتاب الوصايا حديث 8 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وخبر العلافي الامرأة التي استودعت مالا عن الصادق ( عليه السلام ) : فانما

لها من مالها ثلثه ( 1 ) . بهذا المضمون روايات اخر .

والجواب عن الجميع : انها مختصة بالوصية ، وذلك فان المسؤول عنه ماله من

ماله من حين الموت ، ومعنى ذلك ان يتصرف فيه من ذلك الوقت ، وليس هو الا

الوصية ، ويعضد ذلك انه لا خلاف ولا اشكال في ان المال جميعه له الى حين الموت ،

وانما الخلاف في منعه عن التصرف وعدمه ومن ما بعد الموت ليس له الاثلث ماله ، وهذا

من الوضوح بمكان ، ومع الاغماض عنه فدلا لتها انما هي بالاطلاق ، فيقيد بالنصوص

المتقدمة فتختص بالوصية .

وخبر علي بن عقبة عن مولانا الصادق ( عليه السلام ) في رجل حضره الموت

فاعتق مملوكا له ليس له غيره فابى الورثد ان يجيزوا ذلك ، كيف القضاء فيه ؟ قال

( عليه السلام ) : ما يعتق منه الا ثلثه ، وسائر ذلك الورثة احق بذلك ولهم ما بقي ( 2 ) .

ونحوه خبر عقبة بن خالد ( 3 ) .

ويرد على الاستدلال بهما : انهما ليسا في العتق منجزا في حال المرض ، وليس

المسؤول عنه صحة عتقه في جميع العبد ، بل المفروض فيهما عدم صحته الا في الثلث ،

وانما السؤال عن حكم الثلثين الاخرين من جهة ان المعتق لبعض العبد اذا لم يكن

ميتا وكان موسرا يكلف بان يعتق الباقي وان كان معسرا يستسعى العبد في الباقي ،

فلا ربط لهما بما هو محل الكلام .

وخبر ابي بصير عنه ( عليه السلام ) : ان اعتق رجل عند موته خادما له ثم

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 16 من ابواب كتاب الوصايا حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 11 من ابواب كتاب الوصايا حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الوصايا حديث 13 . ( * )

 

 

[ . . . ]

اوصى بوصية اخرى الغيت الوصية واعتقت الجارية من ثلثه الا ان يفضل من ثلثه

ما يبلغ الوصية ( 1 ) .

وفيه : ان المسؤول عنه تعاقب الوصيتين احداهما بالعتق ، كما يشير اليه قوله

بوصية اخرى فلا ربط له بمحل الكلام .

وخبر ابي ولاد عنه ( عليه السلام ) عن الرجل يكون لامرأته عليه الدين

فتبرئه منه في مرضها قال ( عليه السلام ) : بل تهبه له ، فتجوز هبتها ويحتسب ذلك من

ثلثها ان كانت تركت شيئا ( 2 ) . وقريب منه خبر سماعة ( 3 ) .

وفيه مضافا الى ضعف السند : ان مضمونهما لم يقل به احد ، لان الابراء مما في

الذمة صحيح بالاجماع دون هبته ، والحكم فيهما بالعكس ، فكيف يستند الى هذين

الخبرين المقلوبي الحكم والضعيفي السند .

وخبر جراح المدائني عنه ( عليه السلام ) عن عطية الوالد لولده ببينة قال

( عليه السلام ) : اذا اعطاه في صحته جاز ( 4 ) . ونحوه خبر سماعة ( 5 ) . وقريب منهما صحيح

الحلبي - في ابراء المرأة من الصداق ( 6 ) .

ولكنها تدل على اعتبار الصحة في هبة الوالد لولده ، وابراء المرأة من الصداق ،

ولا تختص بمرض الموت ، ولا بمازاد على الثلث ، فهي غير مربوطة بالمقام .

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 67 من ابواب كتاب الوصايا حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 11 من ابواب من ابواب كتاب الوصايا حديث 11 .

( 3 ) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الوصايا حديث 16 .

( 4 ) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الوصايا حديث 14 .

( 5 ) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الوصايا حديث 11 .

( 6 ) الوسائل باب 17 من ابواب كتاب الوصايا حديث 15 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وصحيح محمد بن مسلم عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل حضره الموت

فاعتق غلامه واوصى بوصية فكان اكثر من الثلث قال ( عليه السلام ) : يمضي عتق

الغلام ويكون النقصان فيما بقي بدعوى ان الظاهر ارادة كون مجموع التنجيز

والوصية اكثر من الثلث ، فاجابه ( عليه السلام ) بمضي العتق وان النقصان الذي في

الثلث يكون في الوصية ( 1 ) .

ويرده : انه ليس فيه ما يشهد بارادة كون المجموع اكثر الافراد لفظ كان ، بل

الظاهر منه ارادة كون ما اوصى به اكثر من الثلث .

وبه يظهر الحال في حسنه الاخر ( 2 ) قريب من هذا المضمون ، وقد استدل

بعضهم بهما للقول الاول حتى ادعى صراحة الثاني منهما ، وقال : انه غير قابل للتأويل .

وموثق الحسن بن الجهم عن ابي الحسن ( عليه السلام ) في رجل اعتق مملوكا

وقد حضره الموت واشهد له بذلك وقيمته ستمائة وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئا

غيره قال ( عليه السلام ) : يعتق منه سدسه ، لانه انما له منه ثلاثمائة درهم ، وتقضى عنه

ثلاثمائة درهم وله من الثلاثمائة درهم ثلثها وهو السدس من الجميع ( 3 ) .

وفيه : اولا : انه ظاهر في الوصية لا التنجيز بقرينة التعليل ، اذلو كان ؟ المراد منه

التنجيز كان المتعين التعليل بانه وان كان جميع العبد له ، الا انه ممنوع عن التصرف

في غير سدسه ، لا التعليل بانه ليس له الاالسدس والتعبير عن الوصية بالعتق لكونه

سببه القوى بواستطة الوصية .

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 67 من ابواب كتاب الوصايا حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 67 من ابواب كتاب الوصايا حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 39 من ابواب كتاب الوصايا حديث 4 . ( * )

 

 

] اذا مات في مرضه [

 

وثانيا : ما في المسالك ، قال : ان الرواية واردة في العتق ، فلا يلزم تعدي الحكم

منه الى غيره .

ودعوى اولوية غيره ممنوعة ، بل هو قياس ، وبنائه على التغليب لا يدل على

المطلوب وعدم القائل باختصاصه بالحكم على تقدير تسليمه لا يجوز قياس غيره

عليه .

وثالثا : انه لم يفرض فيه المرض

وبما ذكرناه في هذا في هذا الموثق يظهر الجواب عن صحيح ( 1 ) ابن الحجاج الطويل ،

وصحيح جميل عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في رجل اعتق مملوكه عند موته وعليه

دين فقال : ان كان قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه والا لم يجز ( 2 ) .

وظاهر الخبر انه ان كان قيمة العبد مثلى الدين جاز والا لم يجز ، ولا يظهر لي

وجه دلالته على ان العتق المنجز قبل الموت يصح في الثلث دون الزائد عليه ، وهناك

روايات اخر قريبة من ماذكره .

فتحصل : انه لا دليل على القول بان المجزات تخرج من الثلث ، وعلى فرض

التنزل وتسليم دلالة بعض ما مر عليه بالاطلاق يقيد اطلاقه بما مر ويختص بالوصية ،

وعلى فرض تسليم دلالة مامر على كونها من الثلث دعدم قابلية حمله على الوصية يقع

التعارض بين النصوص ، والترجيح للاخبار الاولى للشهرة بين القدماء التي هي اول

المرجحات ، فالاظهر انها من الاصل كان ذلك في مرض الموت او غيره .

وعلى فرض التنزل وتسليم كونها من الثلث لا اشكال في اختصاص ذلك بما

( اذا مات في مرضه ) فلو تبرع منجزا في حال المرض بما يزيد على الثلث ثم برأ

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 39 من ابواب كتاب الوصايا حديث 5 .

( 2 ) الوسائل باب 39 من ابواب كتاب الوصايا حديث 6 . ( * )

 

 

[ . . . ]

من مرضه صح تبرعه ولا يتوقف على اذن الورثة ، وان مات بعد بمرض آخر او بغير

مرض بلا خلاف فيه بل عليه الاجماع لا صالة عدم الخروج من الاصل الا مادل

عليه الدليل .

وبه يظهر ان الميزان في المرض هو الذي يصدق عليه عرفا انه حضره الموت

واتاه ونحو ذلك وان بقى ايا ما كما افاده صاحب الجواهر لاختصاص نصوصه بذلك ،

وليس المدار على المرض المخوف كي يبحث في الطريق الى معرفة المخوف لعدم اخذه

في شئ من الاخبار .

ولو شك في مورد انه هل يصدق العنوان الماخوذ موضوعا ام لا ، يحكم بكونه

من الاصل ، لانه الاصل الثابت بما دل على تسلط الانسان على ماله ( 1 ) ، خرج عنه

عنوان صدقه مشكوك فيه من جهة عدم تمييز مفهومه ، وفي مثله يتمسك بعموم العام .

ولا يخفى ان الماخوذ في الروايات هو العطية والابراء والعتق ، وانما يتعدى عنها

الى غيرها من المنجزات بعدم القول بالفصل ، وعليه فيتعين الاقتصار على المتفق عليه ،

وهو ماجعله ضابطا له في المسالك ، قال : ما استلزمت تفويت المال على الوارث بغير

عوض ، ولكن مع ذلك تبقى موارد مشكوك فيها كالصدقة المندوبة المراد بها السلامة

واما تزويج المرأة نفسها باقل من مهر المثل فليس منها قطعا ، وكذا الاجارة باقل من

ثمن المثل .

.......................................................................

( 1 ) البحار ج 2 ص 252 الطبع الحديث . ( * )

 

 

] السادس الفلس ويحجر عليه بشروط اربعة ثبوت ديونه عند الحاكم

وحلولها وقصور امواله عنها [

 

الفلس من أسباب الحجر

 

( السادس ) من اسباب الحجر والمنع عن التصرف : ( الفلس ) وهو قصور

المال عن الوفاء بالدين ، وفي محكي القواعد : المفلس من عليه ديون ولا مال له يفي

بها ، وهو شامل لمن قصر ماله ومن لا مال له ، بناء على عدم استدعاء السالبة وجود

الموضوع .

وفي المسالك : نسبة هذا التعريف الى اكثر الفقهاء وعليه فيكون المفلس ذلك

وان لم يحجر عليه ، وانما يطلق التفليس على حجر الحاكم على المفلس ، من باب اطلاق

اسم السبب على ، فيجتمع الفلس والصغر .

( و ) كيف كان : فانما ( يحجر عليه ) اي على المفلس ( بشروط اربعة ) ، وعن

القواعد والتذكرة : بشروط خمسة ، بزيادة المديونية ، لكنها ترجع الى الاول وهو ( ثبوت

ديونه عند الحاكم ) الذي يريد ان يحجره لاصالة بقاء سلطنته مع عدم الثبوت ، ولان

الحجر انما يقع من الحاكم ، فمع عدم ثبوت الموضوع عنده ليس له الحجر .

( و ) الثاني من الشروط : ( حلولها ) اي حلول الديون ، لانه لا يستحق الديان

المطالبة مع عدم الحلول ، فلعل الله يحدث بعد ذلك امرا ويسهل له الوفاء عند

استحقاق المطالبة .

( و ) الثالث : ( قصور امواله ) من عروض ومنافع وديون غير المستثنيات في

الدين ( عنها ) اي عن الديون ، وان لم تكن قاصرة فلا حجر اجماعا كما عن جامع

المقاصد وعند علمائنا اجمع كما في المسالك ، بل يطالب بالديون ، فان قضاها والا اجبره

الحاكم بالقضاء ، وان لم يقض تخير الحاكم مع طلب اربابها بين ان يحبسه الى ان يقضي

 

 

] ومطالبة اربابها الحجر واذا حجر عليه الحاكم بطل تصرفه في ماله مادام

الحجر [

 

المال ، وبين ان يبيع متاعه ويقضي به الديون - كما في المتنع عن اداء الدين - ولا

يمنع في هذه الحال من التصرف في أمواله ، فلو تصرف فيها قبل وفاء الحاكم نفذ

تصرفه وان كان باخراجه عن ملكه ، وينتقل حكمه حينئذ الى حكم من ليس عنده

مال ، والمراد بامواله القاصرة ؟ ما يشمل الاموال التي مكلها بعوض ثابت في ذمته ، لانها

ملكه الان وان كان لاربابها الرجوع فيها ، كما لهم المطالبة بالعوض ، وكما يحتسب تلك

من امواله كذلك يحتسب اعواضها من ديونه .

( و ) الرابع : ( مطالبة اربابها الحجر ) اذا لحق لهم فلا يحجر عليه مع عدم طلبهم

ذلك الا ان تكون الديون لمن له الولاية عليه كاليتيم والمجنون وما شاكل .

ولو طالب هو الحجر دون ارباب الدين فعن التذكرة : انه يحجر عليه ، لان فيه

مصلحة له ببراءة ذمته ، فكما يجاب الغرماء في ملتمسهم حفظا لحقوقهم يجاب هو ايضا

ليسلم من حق الغرماء ومن الاثم بترك وفاء الدين .

ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه حجر على معاذ بالتماسه خاصة ( 1 ) .

ولكن الاول وجه اعتباري لا يصلح مستند اللحكم الشرعي ، الثاني ضعيف

السند ، فالاظهر انه لا يحجر عليه للاصل السالم عن المعارض .

 

المفلس اذا حجر عليه يمنع من التصرف في ماله

 

( واذا ) اجتمعت الشروط و ( وحجر عليه الحاكم بطل تصرفه في ماله دام

الحجر ) باقيا بلا خلاف يعتدبه في ذلك ، ونخبة القول فيه تقتضي البحث في امور :

.......................................................................

( 1 ) التذكرة ج 2 ص 52 . ( * )

 

 

[ . . . ]

1.     مع اجتماع الشروط هل للحاكم الشرعي حجره من التصرف في ماله

فيبطل تصرفه فيه حينئذ ام ليس له ذلك ؟ المشهور بين الاصحاب هو الاول ، بل لم

ينقل الخلاف عن احد سوى صاحب الحدائق ره ، فانه استشكل فيه ، بل حكم بانه

ليس للحاكم ان يحجره .

ويمكن ان يستدل للمشهور بوجوه : منها : الاجماع عليه قديما وحديثا ، فان تم

ما افاده المحدث البحراني من عدم ظهور شئ من الروايات في ذلك كان الاجماع

المذكور حجة قطعا .

ومنها : انه لا ريب في ان ذلك من وظائف قضاوة الجور وحكامهم لما نرى ونسمع

انهم يحجرون المفلس عن التصرف في ماله ، وقد دلت النصوص ( 1 ) المتضمنة لجعله

( عليه السلام ) ، حاكم الشرع حاكما وقاضيا على ان له جميع ما لحكام الجور من

الوظائف والمناصب ، ومنها هذه الوظيفة وهذا المنصب .

ومنها : النصوص الخاصة ، لا حظ خبر غياث بن ابراهيم عن جعفر عن ابيه

عليهما السلام : ان عليا ( عليه السلام ) كان يفلس الرجل اذا التوى على غرمائه ثم

يامر به فيقسم ماله . الحديث ( 2 ) .

وتقريب الاستدلال به من وجهين - احدهما : قوله يفلس الرجل اذ لا معنى

معقول له الا الحجر عليه .

ثانيهما : قوله ثم يامر به فيقسم ماله فانه ظاهر في رفع اختياره لو اراد

التصرف في ماله على وجه يخرجه عن ملكه ، بل لعله المراد من الحبس في خبر الاصبغ

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب صفات القاضي من كتاب القضاء .

( 2 ) الوسائل باب 6 من ابواب كتاب الحجر حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

بن نباتة عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) : انه قضى ( عليه السلام ) في الرجل يلتوي

على غرمائه انه يحبس ثم يؤمر به فيقسم ماله بين غرمائه بالحصص ، فان ابى باعه

فقسمه بينهم ( 1 ) . فان قوله بالحصص قرينة على كونه مفلسا ، وامره بتقسيمه بنفسه

قرينة على ارادة المنع من التصرف من قول هان يحبس لا السجن ، ومثله موثق عمار

عن الامام الصادق ( عليه السلام ) ( 2 ) ، فلا ينبغي التوقف في ان للحاكم ذلك .

2.     اذا حجر عليه الحاكم يمنع من التصرف في المال الموجود في حال الحجر ،

سواء كان بعوض او غيره على المشهور ، وعن ظاهر الخلاف والغنية : الاجماع على

منعه من التصرف بما له يبطل به حق الغرماء .

والوجه فيه : ان الحجر انما هو لحفظ المال للغرماء ، فحق الغرماء متعلق به ،

فليس له التصرف فيه بوجه ، مع انه اذا كان له تسلط على المال بوجه خيف عليه منه ،

نعم لا وجه لمنعه من التصرف الذي لا يكون تصرفا في المال كالنكاح والطلاق

والقصاص والعفو عنه وما شاكل مما ليس تصرفا في المال ، ولا التصرف المحصل للمال

كالا حتطاب والاصطياد ، واولى منهما الاتهاب والشراء بثمن في الذمة والقرض ونحوها ،

وهل تصرفه الممنوع عنه حينئذ كتصرف الراهن موقوف على اجازة الغرماء

فيصح مع الاجازة ، ام يكون باطلا رأسا ؟ وجهان بل قولان ، اظهر هما الاول للعمومات

السليمة عن المخصص ، لان المتيقن من ما يستفاد من ادلة المنع من التصرف

هو الاستقلال ، مع انه يمكن ان يقال باستفادة الصحة مع الاجازة من عموم التعليل

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 1 من أبواب كتاب الحجر ؟ حديث 1 . ( * )

 

 

] فلو اقترض بعده أو اشترى في الذمة لم يشارك المقرض والبائع الغرماء [

 

الوارد في النصوص ( 1 ) المبينة لحكم نكاح العبد بدون اذن سيده بانه لم يعص الله وانما

عصى سيده ، فاذا اجاز جاز ، اذ المستفاد منها ان كل عقد كان النهي عنه لحق الادمي

يصح بحصول الرضا واجازة صاحب الحق .

وعلى الجملة : فالمنع حيث يكون لحق الغرماء ، ولهم الاذن في التصرف ، فلهم ان

يجيزوا العقد الذي اوقعه ، بناء على ما هو الحق من كون صحة الفضولي على القاعدة .

3.     ( فلو اقترض بعده ) اي بعد الحجر ( او اشترى في الذمة لم يشارك

المقرض والبائع الغرماء ) اذا كان عالما بحاله اتفاقا كما في المسالك ، له ولا قدامه على

دينه حيث علم اعساره وتعلق حق الغرماء بامواله ، واما ان كان جاهلا فعن المصنف

والمحقق والشهيدين والكركي انه كذلك ، وقيل : انه يجوز له فسخه واختصاصه بعين

ماله ، وقيل : انه يضرب مع الغرماء .

وجه الاول : تعلق حق الغرماء الموجودين عند الحجر بامواله وان كانت

متجددة بناء على تعلق الحجر بالمتجدد من ماله .

ووجه الثاني : عموم قوله ( عليه السلام ) كما في الخبر الاتي : صاحب المتاع احق

بمتاعه اذا وجده بعينه .

ووجه الثالث : ان له حقا ثابتا في الذمة ، فهو غريم ، فيضرب به كسائر الغرماء ،

وانه قد ادخل في مقابل الثمن مالا فليضرب بالثمن ، اذ ليس فيه اضاعة على الغرماء .

ولكن تعلق حق الغرماء بالمال المتجدد بدون تجديد الحجر عليه ، ففي غاية

الاشكال ، للاصل بعد عدم اطلاق او عموم شامل له ، بل المتجه عدم التعلق كما عن

فخر المحققين ، كما ان المتجه عدم تعلق حق الغريم الجديد بالمال المحجور عليه ، لانه

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 26 من ابواب نكاح العبيد والاماء . ( * )

 

 

] ولو اتلف مال غيره شارك صاحبه وكذا لو اقر بدين سابق [

 

بعد الحكم بتعين صرفه في قضاء ديون الموجودين تبدل الحكم بشركة الجديد معهم

المستلزم للضرر عليهم خلاف الاصل يحتاج الى دليل ، وعلى ذلك فيتجه القول

الثاني لا للعموم المذكور فانه في المال المحجور عليه ، بل لانه اذا كان عوضه حالا ولم

يسلم المشتري يكون البائع له بالخيار ، وبه يظهر انه لوكان مؤجلا او كان قرضا

لاحق له ايضا فيه قبل حلول الاجل . وبما ذكرناه يظهر ما في وجهي الثالث .

4.     ( ولو اتلف مال غيره شارك صاحبه ) مع الغرماء كما في المتن ، وعن

القواعد وجامع المقاصد والمسالك .

واستدلوا له : بعموم الخبر الدال على الضرب ، وبان الثابت هنا من المال بغير

رضا صاحبه . ولكن لم اعثر على خبر يدل على الضرب شامل للفرض ، وثبوت مال في

الذمة بغير رضا صاحبه . لا يقتضي مشاركته مع الغرماء . فالاظهر ما عن الاردبيلي من

عدم المشاركة ، وقواه صاحب الجواهر ره ، بل حاله حال من اتلف مال الغير ولا مال

له .

 

مشاركة المقرله بالدين السابق مع الغرماء

 

5.     ولو اقر بدين سابق صح لمادل على جواز اقرار العقلاء على انفسهم ( 1 ) .

وهل يشارك المقر له مع الغرماء كما في المتن حيث قال : ( وكذا لو اقر بدين

سابق ) بعد حكمه بمشاركة من اتلف ماله معهم ، وهو المحكي عن الشيخ في المبسوط

والمحقق في الشرائع والمصنف في التذكرة والتحرير ، ام لا يشاركهم كما عن الارشاد

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب الاقرار . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقواه الشهيد الثاني واختاره المحقق الاردبيلي ره ؟ وجهان .

وقد استدل للاول : بان الاقرار كالبينة ، فكما انه مع قيامها لا اشكال في

المشاركة كذلك مع الاقرار ، وبانه عاقل فينفذ اقراره للخبر ، وعموم الخبر في قسمة

ماله بين الغرماء والمقر له احدهم ، وبانتفاء التهمة على الغرماء لان ضرر الاقرار في

حقه اكثر منه في حق الغرماء ، وبان الظاهر من مال الانسان انه لا يقر بدين عليه

مع عدمه .

واورد عليها في المسالك بقوله : ويشكل بمنع دلالة الخبر على المدعي ، لانا

قبلناه على نفسه ، ومن ثم الزمناه بالمال بعد زوال الحجر ، ولم يدل على انه جائز على

غيره ، ولو شارك المقر له للغرماء لنفذ عليهم لتعلق حقهم بجميع ماله ، ولا معنى لمنعه

من التصرف الا عدم نفوذه في ماله الموجود والمشاركة تستلزم ذلك ، ونمنع مساواة

الاقرار للبينة في جميع الاحكام ويظهر اثره فيمن لا يقبل اقراره اذا اقيمت عليه

البينة ، واذا لم تكن القاعدة كلية لم تصلح كبرى للشكل الاول ولا ينتج المطلوب ،

والتهمة موجودة في حق الغرماء لانه يريد اسقاط حقهم باقراره ، وتحقق الضرر عليه

لا يمنع من ايجابه الضرر عليهم ، ولا مكان المواطاة بينه وبين المقر له فلا يتحقق

الضرر الا عليهم . انتهى .

وفيه : ان اخبار المقر بدين سابق ان كان واحد الشرائط الحجية بان كان المقر

ثقة - بناء على حجية خبر الواحد في الموضوعات - ثبت به الدين السابق فيشمله ما

دل على شركة جيمع الغرماء ومنهم المقر له على نفسه لا على الغير ، فان قيل انه قد

اشتهر بينهم حجية الامارة في مثبتاتها ومنها الاقرار ، فاذا صار حجة ولو على نفسه

يكون حجة في لازمه وهو ثبوت الدين واقعا وكون المقر له من الغرماء حين الحجر ،

 

 

] ولو اقر بعين قيل تدفع الى المقر له وله اجازة بيع الخيار وفسخه [

 

ويترتب عليه مشاركته معهم .

قلنا : انه لم يدل دليل على حجية الامارة في مثبتاتها مطلقا ، وانما بنينا عليها مع

اجتماع القيدين : احدهما : كون الامارة حاكية عن اللوازم المللزومات كما في الخبر .

ثانيهما : اطلاق دليل الحجية ، ومع فقد احد القيدين لا تكون الامارة حجة في

مثبتاتها .

وفي المقام القيد الاول وان كان موجودا ، الا ان الثاني مفقود ، فان دليل حجية

الاقرار مختص بما يكون عليه ، ولا نظر له الى الجهات الاخر ، وعليه فلا يثبت به كون

المقر له من الغرماء حين الحجر كي يشمله مادل على مشاركة الغرماء في المال ، وظهور

حال الانسان في عدم الاقرار بدين مع عدمه ممنوع في المقام ، وعلى فرضه لا دليل على

حجية هذا الظهور مالم يفد الاطمئنان ، كما ان مجرد انتفاء التهمة لا يكفي مع انه

ممنوع .

فالمتحصل مما ذكرناه : انه لوكان المقر ثقة يشترك المقر له مع الغرماء والا فلا .

( و ) بذلك ظهر حكم ما ( لو اقربعين ) فانه ان كان اخبار المقر واجدا لشرائط

لحجية بان كان المقر ثقة كما ( قيل تدفع ) العين ( الى المقرله ) والا فلا ، وفي المسالك :

واعلم ان جملة الاقوال في المسألة اتفقت على قدر الاحتمالات الممكنة ، وهي اربعة :

نفي نفوده فيهما - وثبوته في العين دون الدين - ذهب اليه ابن ادريس - وبالعكس - وهو

ظاهر المصنف في الكتاب وان كان بعد ذلك تردد وقد عرفت ان ما اخترناه وقويناه

قول خامس في المسألة .

( و ) مما قدمناه يظهر ان ( له اجازة بيع الخيار وفسخه ) لان هذا التصرف اثر

 

 

] ومن وجد عين ماله كان له اخذها [

 

امر سابق على الحجر فلا يمنع منه ، كما انه ظهر ان ما اشترطه المصنف ره من اعتبار

الغبطة في الرد بالعيب السابق في غير محله .

 

اختصاص الغريم بعين ماله

 

( و ) المعروف بين الاصحاب ان ( من وجد ) من الغرماء ( عين ماله كان له

اخذها ) دون نمائها وان لم يكن سواها ان كان المديون حيا ، بل لم ينقل الخلاف الا

عن الشيخ ره في التهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط ، فخص الاختصاص بما اذا

كان وفاء بتجدد مال آخر للمفلس بارث او اكتساب او تكون الديون انما تزيد على

امواله مع ضميمة الدين المتعلق بمتاع واجده ، فاذا خرج الدين من بين ديونه والمتاع

من بين امواله صارت وافية بالديون ، او بغير ذلك مما يتصور فيه ذلك بحيث لا ينافي

القصور الذي هو شرط الفلس .

ويشهد للمشهور - مضافا الى النبوي المروي كتب الفروع : اذا افلس

الرجل ووجد سلعته فهو احق بها ونحوه غيره - اطلاق صحيح عمر بن يزيد عن ابي

الحسن ( عليه السلام ) : لا يحاصه الغرماء ( 1 ) .

وصحيح جميل عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) في رجل باع

متاعا من رجل فقبض المشتري المتاع ولم يدفع الثمن ثم مات المشتري والمتاع قائم

بعينه فقال ( عليه السلام ) : اذا كان المتاع قائما بعينه رد الى صاحب المتاع ، وقال : ليس

.......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب كتاب الحجر حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

للغرماء ان يحاصوه ( 1 ) . فتامل فان هذا الخبر غير ما نحن فيه ، اذ هو في الميت ،

وسيأتي الكلام فيه ، فالعمدة هو الصحيح الاول .

واستدل لما ذهب اليه الشيخ : بصحيح ابي ولاد عنه ( عليه السلام ) عن رجل

باع من رجل متاعا الى سنة فمات المشتري قبل ان يحل ماله واصاب البائع متاعه ،

له ان ياخذه اذا حقق له ؟ فقال ( عليه السلام ) : ان كان عليه دين دترك نحوا مما عليه

فلياخذه ان حقق له ، فان ذلك حلال حلال ، ولو لم يترك نحوا من دينه فان صاحب المتاع

كواحد ممن له عليه شئ ياخذ حصته ، ولا سبيل له على المتاع ( 2 ) . والمراد بالنحو )

هنا المثل ، بمعنى ان تكون تركته قدر ما عليه فصاعدا بحيث لا يحصل على باقي

الغرماء قصور . ولكنه مختص الميت ، وعدم الفصل بينه وبين الحي غير ثابت ، بل

خلافه يناسب ، اذ مضافا الى فتوى الاصحاب يمكن ان يقال : ان الميت لا تبقى له ذمة ،

فلا يناسب الاختصاص الا مع ذلك باكتساب مال ونحوه ، فما عن المشهور اظهر .

ثم ان تمام الكلام بالبحث في جهات :

الاولى : انه ليس في النصوص سوى احقتيه بماله ورده اليه وانه ليس للغرماء

ان يحاصوه ، ولا يدل ذلك على ان له الفسخ ، اللهم الا ان يقال بقرينة فهم الاصحاب

ان المتفاهم عرفان من اخذ عين ماله ان له الفسخ .

الثانية : انه لا اختصاص له بنماء ماله ، فانه للمديون ، لكونه نماء ماله ، والنص

دل على اختصاصه بعين ماله ، فالنماء حكمه حكم سائر امواله .

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 5 من ابواب كتاب الحجر حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 5 من ابواب كتاب الحجر حديث 3 . ( * )

 

 

[ . . . ]

الثالثة : ان المعروف بين الاصحاب ان له ان لا ياخذ عين ماله فيضرب مع

الغرماء ، والنص دال على خلاف ذلك ، فانه يدل على اختصاصه بعين ماله وانه ليس

له غيرها ، فلا وجه لضره مع الغرماء . اللهم الا ان يقال : ان قوله ( عليه السلام ) رد

الى صاحب المتاع نظير الامر الوارد مورد توهم الحظر لا يستفاد منه ازيد من ان له

ذلك ، فيبقى اطلاق ادلة الضرب مع الغرماء سليما عن المقيد ، وعليه فايراد صاحب

الحدائق ره على الاصحاب في غير محله .

الرابعة : اختلفوا في ان الخيار الثابت له هل هو على الفور او التراخي ، في

المسالك : منشأهما اطلاق النص بثبوته ، فيستصحب الى ان يثبت المزيل ، ووجوب

الوفاء بالعقد ، وبناء البيع على اللزوم ، فيقتصر في الخروج عن ذلك على موضع

الضرورة جمعا .

وربما يقال على القول بثبوت خيار الفسخ لصاحب المتاع كما هو المشهور

يدخل المقام في كبرى كلية مذكورة في الخيارات وغيرها من المباحث المتقدمة ، وهي

انه اذا ورد عام له عموم افرادي وعموم ازماني او اطلاق كذلك ، وخرج عنه بعض

افراده في بعض الازمنة ، وشك بعد مضي الزمان المتيقن خروج الفرد عن العام فيه ،

انه هل الحكم الخاص باق ، ام الثابت هو الحكم الثابت بالعموم ، وحيث ان المختار في

تلك المسألة هو الرجوع الى العام مطلقا ، اي كأن له عموم ازماني او اطلاق كذلك ولا

يرجع الى الاستصحاب في ذلك المورد ، فمقتضى القاعدة هو البناء على ان الخيار

للفور ، وليس بازاء ذلك مايدل على ثبوت الخيار ينحو الاطلاق لما مر من انه لو بنى

عليه فهو المستفاد من ان له اخذ عين مال ه ، الملائم مع كون الاخذ وفاء .

ولكن يرد عليه : انه مع تسليم دلالة الامر بالرد على الخيار - حث ان متقضى

اطلاقه ان له الاخذ في اي وقت شاء - فلازمنه ثبوت الخيار بنحو الاطلاق ، وبه ترفع

 

 

] ولو خلطها بالمساوي والا دون وان لم يكن سواها دون نمائها والضرب مع

الغرماء ولا اختصاص في مال الميت مع قصور التركة ويخرج الحب والبض

بالزرع والاستفراخ عن الاختصاص وللشفيع اخذ الشقص ويضرب

البائع مع الغرماء [

 

اليد عن عموم مادل على لزوم العقد ، لان اطلاق المقيد مقدم على اطلاق المطلق .

فالاظهر انه على نحو التراخي ، والله اعلم . الخامسة .

( ولو خلطها بالمساوي ) كما لو اشترى زيتا فخلطه بمثله ( والادون ) فله عين

ماله ( وان لم يكن سواها دون نمائها ) لوجود عين ماله فيقسم حينئذ بينه وبين المفلس ،

والا بان خلطها بماهو اجود منها فعن الشيخ ( و ) في المتن ( الضرب مع الغرماء ) ،

واستدل له : بانها حينئذ كالتالفة بالاختلاط وعدم التمكن من القسمة للاضرار

بالمفلس ، ويرده : ان عين ماله موجودة على الفرض ، فله فسخ عقده بمقتضى اطلاق

النص ، فيشترك مع المفلس ، فتجري حينئذ قاعدة الشركد ، وبعد تشخيص حقه عينا

او قيمة ياخذ ماله .

السادسة : ( ولا اختصاص في مال الميت مع قصور التركة ) وانما له

الاختصاص اذا ترك الميت نحوا مما عليه ، فيجوز حينئذ لصاحب العين اخذها ، لما مر

من ان ذلك مقتضى الجمع بين صحيح ابي ولا ومرسل جميل ، ثم ان مقتضى اطلاقهما

عدم الفرق في هذا الحكم بين ان يموت المديون محجورا عليه ام لا ، وان الموت بمنزلة

الحجر .

السابعة : ( ويخرج الحب والبيض بالزرع والاستفراخ عن الاختصاص )

لاستحالة ماله في ملك المشتري ، فلا تكون عين ماله قائمة .

الثامنة : ( و ) لو باع شقصا وفلس المشتري ، كا ن ( للشفيع اخذ الشقص

ويضرب البائع مع الغرماء ) فها هنا فرعان :

 

 

] مسائل الاولى لو افلس بثمن ام الولد بيعت او اخذها البايع

الثانية لاتحل مطالبة المعسر [

 

احدهما : انه يقدم حق الشفيع على البائع ، ووجهه اسبقية حقه من حق البائع ،

لان حقه ثبت بالبيع ، وحق البائع يثبت بالحجر . وان شئت قلت : ان غاية مايدل عليه

النص انه ليس للغرماء محاصة البائع مع بقاء العين ، ودليل الشفعة يدل على ان للشفيع

عدم ابقاء العين ، فيكون دليلها صالحا لرفع موضوع هذه النصوص فيقدم .

الثاني : انه لا اختصاص للبائع بالثمن ، بل يكون فيه اسوة مع الغرماء ، ووجهه

ظاهر فان الثمن ليس عين ماله .

 

عدم جواز مطالبة المعسر

 

( مسائل : الاولى : لو افلس بثمن ام الولد بيعت او اخذها البائع . الثانية :

لاتحل مطالبد المعسر ) بل ينظر الى ميسرة ، بلا خلاف في الجملة .

ويشهد به من الكتاب : قوله تعالى : ( وان كان ذو عسرة فنظرة الى

ميسرة ) ( 1 ) . ومن السنة نصوص كثيرة ، لاحظ الخبر المتضمن لوصية الامام الصادق

( عليه السلام ) الطويلة : اياكم واعسار احد من اخوانكم المسلمين ان تعسروه بشئ

يكون لكم قبله وهو معسر ، فان ابانا رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول : ليس

لمسلم ان يعسر مسلما ، ومن انظر معسرا اظله الله يوم القيمة بظله يوم لا ظل

الاظله ( 2 ) .

ومرسل ابن سنان عن النبي صلى الله عليه وآله : لايحل لغريمك ان يمطلك

......................................................................

( 1 ) سورة البقرة آية 281 .

( 2 ) الوسائل باب 25 من ابواب الدين والقرض حديث 1 . ( * )

 

 

] ولا الزامه بالتكسب ]

 

وهو موسر ، فكذلك لا يحل لك ان تعسره اذا علمت انه معسر ( 1 ) . ونحوهما غيرهما .

انما الكلام ( و ) الخلاف في انه ان كان قادرا على كسب المال فهل ( لا ) يكون

له ( الزامه بالتكسب ) كماهو المشهور بين الاصحاب بل ارسله بعضهم ارسال

المسلمات وعللوا به عدم وجوب قبول الهبة ونحوها ، ام يجوز الزامه به كما عن جماعة

من المتاخرين ، ام يجوز مؤاجرته خاصة كما عن ابن حمزة ومال اليه في محكي المختلف

واختاره الشهيد ، وفي الجواهر : فالانصاف ان كلمات الاصحاب لا يمكن جمعها على

معنى واحد ، بل لعل الحاصل مما ذكرناه منها اربعة اقوال او خمسة .

وقد استدل لما هو المشهور من عدم وجوب التكسب حتى بالتقاط مباح لا

يحتاج الى تكلكف : بالاصل ، وظاهر الاية الشريفة ، والاخبار وهي ما مر ، وخبر غياث

عن مولانا الصادق ( عليه السلام ) : ان عليا ( عليه السلام ) كان يحبس في الدين فاذا

تبين له حاجة وافلاس خلى سبله حق يستفيد مالا ( 2 ) .

ولكن الاصل لا يرجع اليه بعد الامر بقضاء الدين ، فانه ان وجب وجبت

مقدمته ، واما الاية الكريمة فهي تدل على وجوب الانظار الى الميسرة واما ان تحصيلها

واجب او غير واجب فهي ساكتة عنه وبه يظهر حال الاخبار ، بل لو قيل بظهور ها في

في وجوب التكسب بجعل حتى فيها تعليلية لم يكن بيعدا .

والاظهر وجوب التكسب عليه ، ويشهد به - مضافا الى انه مع تمكنه من

الاكتساب يكون قادرا على اداء الدين فيجب عليه مقدمة له - خبر السكوني روى عن

الامام الصادق ( عليه السلام ) : ان عليا ( عليه السلام ) كان يحبس في الدين ثم ينظر ،

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 25 من ابواب الدين القرض حديث 2 .

الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الحجر حديث 1 . ( * )

 

 

] ولا بيع دار سكناه ولا عبد خدمته [

 

فان كان له مال اعطى الغرماء ، وان لم يكن له مال دفعه الى الغرماء ، فيقول لهم : اصنعوا

به ماشئتم وآجروه وان شئتم استعملوه ( 1 ) .

وان كان فيه اشكال من جهة ما عن الحلي من انه مخالف لاصول مذهبنا ومحكم

التنزيل ، ولعل نظره الشريف الى ان الامر في الاية بالانظار ، وكذا في الخبر ينافي

استعماله في الدين ومؤاجرته ، وكذا تخلية السبيل التي في خبر غياث .

نعم لا خلاف ( و ) لا اشكال في انه ( لا ) يلزم ( بيع دار سكناه ولا عبد

خدمته ) ، وعن المبسوط والغنية والتذكرة : الاجماع على لحسن الحلبي عن الامام

الصادق ( عليه السلام ) : لاتباع الدار ولا الجارية في الدين ، لانه لابد للرجل من ظل

يسكنه وخادم يخدمه ( 2 ) .

وصحيح المحاربي عنه ( عليه السلام ) : لا يخرج الرجل من مسقط رأسه

بالدين ( 3 ) .

وخبر عثمان بن زياد : قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : اعيذك بالله ان

تخرجه من ظل رأسه ( 4 ) .

فما يظهر من خبر سلمة بن كهيل من لزوم بيعها ( 5 ) لابد من حمله على الموسر

المماطل ، او على الزائد عن قدر الحاجة ، او التقية ، او نحو تلكم .

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الحجر حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 11 من ابواب الدين والقرض حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 11 من ابواب الدين والقرض حديث 8 .

( 4 ) الوسائل باب 11 من ابواب الدين والقرض حديث 3 .

( 5 ) الوسائل باب 11 من ابواب الدين والقرض حديث 9 . ( * )

 

 

] الثالثة لايحل بالحجر الدين المؤجل ولو مات من عليه حل ولايجل بموت

صاحبه [

 

والظاهر من التعليل في الحسن نظر الى انه يعمم ويخصص ثبوت الحكم في كل

ما يحتاج اليه في المعيشة ، وايضا عدم استثناء الدار اذا كانت الحاجة اليها من حيث

الشرف لا من حيث الاضطرار ، كما لو كان له دار قد وقفت عليه ترتفع ضرورته

بسكناه فيها ، فعليه ان يبيع داره المملوكة ، نعم اذا كان ذلك حرجا ومشقة لا يبيع لادلة

نفي العسر والحرج .

فالمتحصل مما ذكرناه : استثناء كل مايحتاج اليه في المعيشة ، وما في بيعه حرج

ومشقة وعسر .

الثالثة : لا يحل بالحجر المؤجل ) بلا خلاف الا عن الاسكافي لعدم الموجب

للحلول ، الا القياس على الموت ( ولو مات من عليه حل ) بلا خلاف ولا اشكال .

وتشهد به نصوص : كخبر السكوني عن جعفر عن ابيه عليهما السلام ) : اذا

كان على الرجل دين الى اجل ومات حل الدين ( 1 ) .

والصحيح المضمر : اذا مات فقد حل مال القارض ( 2 ) . ونحوهما غيرهما -

ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين السلم وغيره : فما عن ايضاح الفخر وحواشي

الشيهد من عدم حلول السلم بالموت ، ضعيف ، واضعف منه الاستدلال له بان للاجل

قسطا من الثمن .

( ولا يحل ) الدين ( بموت صاحبه ) اي من له الدين كما هو المشهور بين

الاصحاب ، بل عن الخلاف : لا خلاف فيه بين السملمين ، لعدم الموجب .

واما خبر ابي بصير عن الصادق ( عليه السلام ) : اذا مات الرجل حل ماله وما

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 12 من ابواب الدين القرض حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 12 من ابواب الدين والقرض حديث 2 . ( * )

 

 

] الرابعة ينفق عليه من ماله الى يوم القسمة وعلى عياله ولو مات قدم الكفن ]

 

عليه من الدين ( 1 ) . فلاعراض الاصحاب عنه لا يعتمد عليه .

 

ينفق على المفلس من ماله الى يوم القسمة

 

( الرابعة : ينفق عليه من ماله الى يوم القسمة وعلى عياله ) هكذا قالوا ،

وهو المشهور بينهم ، وعن غير واحد : نفي الخلاف فيه .

وقد استدل له تارة : بفحوى مادل على استثناء الدار والخادم ، فانه اذا كان

الخادم مستثنى من جهة الاحتياج فالنفقة اولى بالاسنثاء .

واخرى : بما دل على استثناء الكفن ، فان بالاولوية يدل على استثناء الكسوة ،

لان الحي اعظم حرمة من الميت ، وبعدم القول بالفصل يثبت في سائر النفقات

الواجبة .

وثالثة : بادلة وجوب النفقة ، وتقريب الاستدلال بها كما في الجواهر : انها ترجح

على مادل على وفاء الغريم بوجوه منها فتوى الاصحاب .

ولكن يتوجه على الاول : انه لا يدل على جواز اشتراء الدار والخادم من المال

المحجور عليه ، كي يثبت في النفقة بتنقيح المناط . وعلى الثاني : ان الكفن يتعلق بعين

المال بخلاف الكسوة والنفقة . وعلى الثالث : انه يتم مع عدم الحجر ، واما معه وتعلق

حق الغرماء بالمال الموجد فهو كمن لا مال له يسقط عنه وجوب الانفاق او يتعلق

بذمته ، فاذا لا دليل عليه سوى تسالم الاصحاب عليه ، وكفى به مدركا .

( ولو مات قدم الكفن ) بلا خلاف يوجد ، واستدل له : بصحيح زرارة عن رجل

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 12 من ابواب الدين والقرض حديث 1 . ( * )

 

 

[ . . . ]

مات وعليه دين بقدر كفنه قال ( عليه السلام ) : يجعل ماترك في ثمن كفنه الا ان يتجر

عليه بعض الناس فيكفنوه ويقضى عليه مما ترك ( 1 ) .

وخبر السكوني عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : اول ما يبدأ به من المال

الكفن ، ثم الدين ، ثم الوصية ، ثم الميراث ( 2 ) .

وبما دل على ان الكفن من اصل المال ( 3 ) .

وفي كل نظر : اما الخبران : فلانهما في المال الذي لم يتعلق به حق الغرماء فاذا

حجر عليه ثم مات لا يدل الخبران على تقديم الكفن على الدين . وبعبارة اخرى : انه

تارة لم يتعلق حق الديان بالمال وبالموت يتعلق به ، واخرى يكون الحق متعلقا به قبله .

والخبران في الصورة الاولى دون الثانية .

واما مادل على ان الكفن من اصل المال فانما هو ما لا يكون متعلقا لحق

الغير ، ولا يحضرني وجه وجيه لتقديمه على ذلك الحق ، بل مقتضى القاعدة كونه حينئذ

من قبيل من مات ولا مال له ، الا ان تسالم الاصحاب عليه يغنينا عن تكلف

الاستدلال ، وحيث انحصر المدرك في الاجماع ، فيتعين الاقتصار على المتيقن ، وهو

الواجب منه كما لا يخفي .

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 27 من ابواب كتاب الوصايا حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 28 من ابواب كتاب الوصايا حديث 1 .

( 3 ) الوسائل باب 27 من ابواب كتاب الوصايا حديث 1 . ( * )

 

 

] الخامسة يقسم المال على الديون الحالة بالتقسيط ولو ظهر دين حال بعد

القسمة نقضت وشاركهم ومع القسمة يطلق ويزول الحجر بالاداء [

 

يقسم المال على الديون الحالة

 

(الخامسة : يقسم المال على الديون الحالة بالتقسيط ) فلو كان عليه ديون

حالة وديون مؤجلة وقد فلس لقصور ما عنده عن الحالة قسمت امواله على الحالة

خاصة ، ولا يدخر منها شئ للمؤجلة بلا خلاف ، اذ الدائن لا يستحق شيئا قبل

الاجل ، ولا يفلس لاجله كما مر في اول هذا الفصل ، ولو حلت قبل القسمة فعن

التذكرة والروضة : شاركت .

واستدل له : بانه اولى من المتجدد كارش الجناية وعوض الاتلاف ، وبان

المقتضي للمشاركة موجود وهو كونه دينا سابقا على الحجر وكان الاجل مانعا فاذا

ارتفع عمل المقتضى عمله .

ولكن يرد على الاول : ما تقدم من عدم المشاركة فيه لو لا الاجماع - .

وعلى الثاني : اولا : ان المقتضي غير معلوم في الاحكام الشرعية ، ولعله يكون

الحلول دخيلا في المقتضى .

وثانيا : انه في زمان امكان تاثير المقتضي لاموضوع كي يؤثر فيه ، لا المال

تعلق به حق الغير قبل ذلك ، فلا وجه للمشاركة .

( ولو ظهر دين حال بعد القسمة نقضت وشاركهم ، ومع القسمة يطلق ) لان

المقتضي للمشاركة موجود ، والمانع مفقود ، اذ الجهل به لا يصلح للمانعية ، فهل يبطل

القسمة بنفسها او انه ينقضها ، لا ثمرة مهمة في البحث عن ذلك .

( و ) هل ( يزول الحجر بالاداء ) كما في المتن والشرائع والمسالك والجواهر

 

 

] السادسة الولاية في مال الطفل والمجنون للاب والجد له ، فان فقد فالوصي ،

فان فقد فالحاكم ، وفي مال السفيه والمفلس للحاكم خاصة [

 

وغيرها ، ام يفتقر الى حكم الحاكم ؟ وجهاه ، وجه الاول : ان الحجر عليه انما كان لحق

الغرماء ليقسموا امواله الموجودة وقد حصل .

ووجه الثاني : ان لم يثبت الا باثبات الحاكم ، فلا يرتفع الا برفعه ، والاظهر هو

الاول ، لا حجره انما كان في خصوص الاموال الموجودة كما مر ، فلا موضوع له كي

يكون الحجر باقيا .

السادسة : الولاية في مال الطفل والمجنون للاب والجدله ، فان فقد

فالوصي ، فان فقد فالحاكم ، وفي مال السفيه والمفلس للحاكم خاصة ) وقد مر

الكلام في جميع تلكم مستوفي في كتاب البيع في مبحث الولايات ، فلا نعيد والحمد لله

اولا وآخرا .

 

 

] الفصل الرابع في الضمان

وانما يصح اذا صدر من اهله [

 

الفصل الرابع في الضمان

 

وهو التعهد المالي الذي هو المراد منه في جميع موارد استعماله بل سائر موارد

استعمال مشقاته ، واليه يرجع ما قيل انه عبارة عن ادخال المضمون في عهدة الضامن ،

وله قسمان :

احدهما : ضمان اليد والتلف والاتلاف .

ثانيهما : الضمان الانشائي .

ومحل الكلام هو الثاني ، اما الاول فقد مر البحث فيه في كتاب الغصب .

واما الضمان الانشائي : ولا ريب في مشرعيته في الجملة نصا وفتوى كما

ستعرف ، وحيث انه من المعاملات ، وبناء العقلاء والشارع على عدم الاعتناء

بالاعتبارات النفسانية ما لم تبرز بمبرز خارجي من لفظ او فعل ، فهو يتوقف كسائر

المعاملات على الايجاب والقبول او الايجاب خاصا ، والكلام فيما يعتبر فيهما هو الكلام

فيما يعتبر في سائر العقود والايقات التي لم يرد نص باعتبار شئ خاص فيما تنشأ

به ، وقد اشبعنا الكلام فيه في كتاب البيع .

انما الكلام في المقام في الاحكام المختصة بالضمان الانشائي ، وتنقيح القول فيه

بالبحث في موضعين :

الاول : في الضامن ، وتمام الكلام فيه في طي مسائل :

الاولى : ( وانما يصح الضمان ( اذا صدر من اهله ) اي البالغ العاقل المختار ،

 

 

[ . . . ]

فلا يصح ضمان الصبي والمجنون والمكره عليه لما مر في كتاب البيع وغيره من كتاب

الماملات .

وهل يعتبر كونه عالما بالمضمون له والمضمون عنه كما عن الشيخ في المبسوط

والمقداد في التنقيح ، ام لا فيصح مع الجهل كما هو المشهور بين الاصحاب ،

بل عن التذكرة : لو ضمن الضامن عمن لا يعرفه صح ضمانه عند علمائنا ، ام يعتبر

معرفة المضمون عنه دون معرفة المضمون له كما عن المصنف ره في المختلف ؟ وجوه .

والاظهر هو القول الثاني ، للعمومات السالمة عن معارضة ما يقتضي ذلك .

واستدل للاول في محكي المبسوط : بانه يشترط معرفة المضمون له ليعرف هل

هو سهل المعاملة ام لا ، ومع انتفاء ذلك يتطرق الغرر ، ومعرفة المضمون عنه لينظر هل

يستحق بذلك عليه ام لا .

ويرد على الاول : انه لا يعتبر العلم بانه سهل المعاملة ام لا قطعا للاجماع على

صحة الضمان مع معرفة المضمون له ، وان لم يعلم كونه كذلك ، كما لا يعتبر ذلك في

شئ من المعاملات ، فمثل هذا الغرر لو سمي غرر الا يكون مانعا قطعا .

ويرد على الثاني : ان الضمان لا يتوقف على استحقاق المضمون له ذلك .

واستدل للثالث في محكي المختلف : بان المضمون عنه لا بد وان يتميز عند

الضامن ويتخصص عن غيره ليقع الضمان عنه ، وذلك يستدعى العلم به . وبالمنقول من

ضمان امير المؤمنين ( عليه السلام ) عن ميت امتنع رسول الله صلى الله عليه وآله من

الصلاة عليه ( 1 ) ، والمنقول من ضمان ابي قتادة الدينارين عن آخر ( 2 ) .

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب الضمان حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب الضمان حديث 3 . ( * )

 

 

] ولا بد من رضا الضامن والمضمون له [

 

ولكن الاول مصادرة محضة ، لان هذا عين المدعى ، واما الخبران وان ذكرهما

الشيخ في محكي الخلاف الا ان الظاهر انهما عاميان ، وعلى فرض صحة سندهما فهما

متضمنان لقضيتين في واقعتين ، ولعلهما كانا لا يعرفان المضمون عنه ايضا ولذا استدل

بهما الشيخ ره للقول الاول ، وان كان الصحيح عدم دلالتهما على شئ من الاقوال ،

فالاظهر عدم اعتبار العلم بالمضمون عنه ولا المضمون له .

نعم يعتبر ان يكون كل منهما معينا خارجيا ، فلا يصح الضمان عن المردد المبهم

ولا له لما مر مرارا من ان المردد من حيث هو مردد لا حقيقة له ولا وجود .

 

اعتبار رضا المضمون له

 

الثانية : ( ولا بد من رضا الضامن ) اتفاقا ( والمضمون له ) كما هو المشهور

بين الاصحاب ، اما اعتبار رضا الضامن فهو من الواضحات ، فان اشتغال ذمته

بدين بدون رضاه مناف لقاعدة السلطنة وغيرهما مما هو ثابت في الشرع .

واما رضا المضمون له فيمكن ان يستدل لاعتباره بوجوه :

1.     الاجماع المحكي عن التحرير ، وفي الجواهر : ادعاء كونه من قطعيات الفقه

وضرورياته .

2.     ان الضمان من العقود لا الايقاعات ، لانه مركب من نقل الضامن مافي

ذمة المضمون عنه الى ذمة نفسه ، وقبول المضمون له تبديل ما يملكه من ما في ذمة

المضمون عنه الى ذمة الضامن ، فكما ان نقل ملكه الخارجي متوقف على قبوله كذلك ،

نقل ما في الذمة - فما ، عن الايضاح والمحقق الاردبيلي من عدم اعتبار القبول العقدي

لانه التزام واعانة للمضمون عنه وتوثيق للمضمون له ، واضح الضعف ، وعلى هذا

 

 

[ . . . ]

فيعتبر رضاه باعتبار انه طرف المعاملة .

3.     انه لو سلم كونه من الايقاعات دون العقود لكن نفس انتقال ما يملكه

المضمون له من ذمة الى ذمة مناف لقاعدة السلطية ، ولذا افاد العلمان اللذان قالا بانه

ليس من العقود باعتبار رضاه .

4.     النصوص الخاصة : كصحيح عبد الله بن سنان عن الامام الصادق ( عليه

السلام ) في الرجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء فقال ( عليه السلام ) : اذا

رضى به الغرماء فقد برئت ذمة الميت ( 1 ) ونحوه غيره .

ونقل عن الشيخ ره قول بعدم اعتبار رضاه ، محتجان بان عليا ( عليه السلام )

وابا قتادة ضمنا الدين عن الميت ولم يسال النبي صلى الله عليه وآله عن رضا

المضمون له .

وربما يستدل له بموثق اسحاق عن الامام الصادق ( عليه السلام ) في الرجل

يكون عليه دين فحضره الموت فقال وليه على دينك قال ( عليه السلام ) : يبرئه ذلك

وان لم يوفه وليه بعده ( 2 ) .

وبموثق ابن الجهم عن ابي الحسن ( عليه السلام ) عن رجل مات وله على دين

وخلف ولدا رجالا ونساء وصبيانا فجاء رجل منهم فقال : انت في حل مما لا بي عليك

من حصتي ، وانت في حل مما لاخوتي واخواتي وانا ضامن لرضاهم عنك ، قال ( عليه

السلام ) : يكون في سعة من ذلك وحل ، وقلت : وان لم يعطهم ؟ قال : ذلك في عنقه ، قلت :

فان رجع الورثة علي فقالوا اعطنا حقنا ؟ فقال : لهم ذلك في الحكم الظاهر ، فاما بينك

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الضمان حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 14 من ابواب كتاب الدين والقرض حديث 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وبين الله تعالى فانت في حل منها اذا كان الذي ملك يضمن لك عنهم رضاهم

الحديث ( 1 ) .

وبصحيح الخثعمي عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يكون عنده

المال وديعة ياخذ منه بغير اذن صاحبه قال ( عليه السلام ) : لا ياخذ الا ان يكون له

وفاء ، قلت : ارأيت ان وجد من يضمنه ولم يكن له وفاء واشهد على نفسه الذي يضمنه

ياخذ من ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم ( 2 ) .

ولكن يرد على الاول - مضافا الى مامر من ضعف سند الخبرين المتضمنين لتينك

القضيتين - : انهما يدلان على وقوع الضمان خارجا الذي عرفت انه مركب من

الايجاب والقبول ، فلا محالة كان المضمون له في كل من ذينك الموردين حاضرا وراضيا

بذلك - اضف الى ذلك ان كلا من الخبرين متضمن لقضية في واقعة لا يظهر لنا حالها

مع الاغماض عما ذكرناه ، فلا يصح الاستدلال باطلاقهما .

واما موثق اسحاق فهو مطلق يقيد اطلاقه بما مر .

واما موثق ابن الجهم فليس ما تضمنه من الضمان المصطلح ، لانه متضمن

لضمانه رضاهم عنه ، وان ذلك موجب لحصول البراءة ، وحيث انه مخالف للاجماع

والضرورة فيتعين تاويله ، وحينئذ يدور الامر بين ان يراد به الضمان المصطل بدون

رضا المضمون له ، او ارادة ذلك مع رضاه ، ولكن لا بينة له على ذلك ، وليس الاول اولى

من الثاني .

واما صحيح الخثعمي فهو يدل على جواز الاخذ من الوديعة اذا لم يكن له مال

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 4 من ابواب كتاب الضمان حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 8 من ابواب كتاب الوديعة حديث 1 . ( * )

 

 

] ويبرأ المضمون عنه وان انكره [

 

وقد تعهد له شخص بوفاء ذلك عنه ، ومن الواضح خروجه عن محل الكلام وكونه

محمولا على اذن المودع .

فتحصل : ان الاظهر اعتبار رضاه .

نعم لا يعتبر رضا المضمون عنه كما هو المعروف ، بل في الجواهر : الاجماع

بقسميه عليه ، وذلك للاجماع ، ولما دل على صحة الضمان عن الميت ( 1 ) ، ولا يتصور

رضاه ، ولما دل على عدم اعتبار رضا المديون في اداء دينه ، فانه يدل بالفحوى على عدم

اعتباره هنا ، وللاصل بعد عدم الدليل على اعتبار رضاه . ولا ينافي ذلك مع قاعدة

السلطنة كما لا يخفي .

( و ) يترتب على ذلك انه ( يبرأ المضمون عنه وان انكره ) ، اذ لو لم يعتبر رضاه

لم يكن لانكاره اثر ، فما عن الشيخ وجماعة من بطلانه بانكاره ضعيف .

ولكن مع ذلك كله ، الالتزام بصحة الضمان عنه وان لم يرض فيما اذا استلزم

الضمان او الوفاء عنه ضرار عليه او حرجا - من حيث كون تبرع هذا الشخص

لوفاء دينه منافيا لشانه كما اذا تبرع وضيع دين شريف غني قادر على وفاء دينه فعلا

- مشكل ، بل القول بعدم الصحة قوي لقاعدتي نفي الضرر والحرج ( 2 ) . فالاظهر

هو التفصيل .

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الضمان حديث 1 .

( 2 ) سورة الحج آية 77 الوسائل باب 7 من أبواب احياء الموات . ( * )

 

 

[ . . . ]

 

التعليق في الضمان

 

والمشهور بين الاصحاب : اعتبار التنجيز في الضمان ، فلو علقه على شرط كأن

يقول : انا ضامن لما عليه ان اذن لي ابي ، او ضامن ان لم يف المديون الى زمان كذا

اوان لم يف اصلا ، بطل .

وقد استدلوا على ذلك بما استدلوا به على اعتبار التنجيز في العقود والايقاعات

مطلقا ، وذكرنا تلك الوجوه في كتاب البيع والاجارة الجواب عنها ، ويظهر مما ذكرناه

انه لا دليل عليه سوى الاجماع وان به يقيد العمومات .

وانما الغرض من التعرض لذلك في المقام انه ربما يقال انه لا يجوز تعليق

الضمان ، ولكن يجوز تعليق الوفاء على شرط مع كون الضمان مطلقا .

واورد عليه سيد العروة : بان تعليق الوفاء عين تعليق الضمان ولا يعقل

التفكيك ، ثم قال : نعم في مالو قال : انا ضامن ان لم يف المديون الى زمان كذا ، يمكن

ان يقال بامكان تحقق الضمان منجزا مع كون الوفاء معلقا على عدم وفاء المضمون له ،

لانه يصدق انه ضمن الدين على نحو الضمان في الاعيان المضمونة اذ حقيقته قضية

تعليقية .

واورد على ما افاده اخيرا جمع من المحشين : بانه بعد القول بعدم تعقل

التفكيك بين التعليقين كيف يصير ممكنا او واقعا في هذا المثال ، وتصحيح الضمان فيه

لا يتم على اصلنا بل على قول العامة من انه ضم ذمة الى ذمة .

ولكن الظاهر ان نظر السيد الى ما افاده بعض الاساطين ، قال : ان الضمان

في مورد تعليق الوفاء على عدم وفاء المديون ليس بمعنى النقل الى الذمة ليرجع تعليق

 

 

[ . . . ]

الوفاء عليه الى تعليق الضمان ، بل هو بمعنى تعهد ما في ذمة الغير على حذو تعهد

العين الخارجية ، وعليه فالضمان فعلي واثره الانتقال الى الذمة على تقدير عدم وفاء

المديون ، كما ان اثره في ضمان العين الخارجية ذلك على تقدير تلفها ، وعلى هذا فلا

باس بما افاده ، ولا يبعد ان يكون الضمان بالمعنى المزبور من المرتكزات العرفية - .

 

لا يعتبر العلم بمقدار الدين

 

الثالثة : وقد ذكر جماعة من جملة شرائط صحة الضمان شرطين آخرين :

أحدهما : العلم بمقدار الدين ، ومال في العروة الى التفصيل بين الضمان

التبرعي فلا يعتبر ، والاذني فيعتبر ، واستدل للاول - بما دل على نفي الغرر ( 1 )

والضرر ( 2 ) .

ولكن يرد على الاول : انه لا غرر ولا خطر ، اما في الضمان التبرعي فواضح ،

واما في الاذني فلانه لا يرجع الى المضمون له قبل الاداء ، وبعد الاداء يكون ما يرجع

فيه معلوما ، فلا يلزم الغرر في مورد .

وعلى الثاني : انه ضرر يقدم عليه ، ومثل ذلك لا يكون منفيا . فالاظهر عدم

اعتبار العلم به للعمومات العامة .

وعن المختلف الاستدلال للصحة مضافا الى الاصل - ومراده به العمومات - :

بعموم قوله تعالى ( وانا به زعيم ) ( 3 ) مشيرا الى حمل بعير ، والاصل عدم تعينه .

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 40 من ابواب آداب التجارة حديث 3 .

( 2 ) الوسائل باب 17 من ابواب الخيار .

( 3 ) سورة يوسف آية 74 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وقوله صلى الله عليه وآله : الزعيم غارم ( 1 ) .

وما رواه عطاء عن الامام الباقر ( عليه السلام ) قال : قلت : له : جعلت فداك ان

علي دينا اذا ذكرته فسد علي ما نا فيه ، فقال : سبحان الله اوما بلغك ان رسول الله

صلى الله عليه وآله كان يقول في خطبته : من ترك ضياعا فعلى ضياعه ، ومن ترك دينا

فعلى دينه ، ومن ترك مالا فاكله وكفالة رسول الله صلى الله عليه وآله ميتا ككفالته حيا

وكفالته حيا ككفالته ميتا ، فقال الرجل : نفست عني جعلني الله فداك ( 2 ) .

ولو لم يكن ضمان المجهول صحيحا لم يكن لهذا الضمان حكم ولا اعتبار ، اذ

الباطل لا اعتباربه ، فامتنع من الامام ( عليه السلام ) الحكم بان النبي صلى الله عليه

وآله كافل .

ولكن الاية الكريمة ليس مما نحن فيه ، مع انه لم يظهر عدم معلومية حمل

بعير ، وقوله الزعيم غارم لم يثبت من طرقنا ، وفي الجواهر : بل لعل الثابت منها

تكذيبه ، والخبر ليس من الضمان المصطلح .

وقد يستدل لها بحديث ضمان علي بن الحسين ( عليه السلام ) لدين عبد الله بن

الحسن ( 3 ) ، وحديث ضمانه لدين محمد بن اسامة ( 4 ) ، بدعوى انهما ظاهران بل صريحان

في عدم معلومية الدين قدره وكميته وقت الضمان ، ولكنهما في الضمان التبرعي ، فالعمدة

هي العمومات .

وما ذكرناه من صحة الضمان مع عدم العلم بمقدار الدين انما هو اذا كان له

......................................................................

( 1 ) المستدرك باب 1 من ابواب الضمان حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 9 من ابواب الدين والقرض حديث 5 .

( 3 ) الوسائل باب 5 من ابواب كتاب الضمان حديث 1 .

( 4 ) الوسائل باب 3 من ابواب كتاب الضمان حديث 1 . ( * )

 

 

] ونتقل المال الى الضامن [

 

واقع معين ، والا كما لوقال ضمنت شيئا من دينك فلا يصح ، اذ المبهم من جميع

الجهات لا تحقق له .

والظاهر ان مراد المصنف بما افاده في محكي التذكرة بان الصحة فيما اذا كان

يمكن العلم به بعد ذلك كقوله انا ضامن للدين الذي لك عليه اما ما لا يمكن فيه

العلم كضمنت لك شيئا مما في ذمته فلا يصح قولا واحدا . انتهى هو ذلك فلا يرد

عليه ما قيل من انه يصح وان لم يمكن العلم به فياخذ بالقدر المتيقن .

الثاني : ان لا تكون ذمة الضامن مشغولة للمضمون عنه بمثل الدين الذي

عليه ، ولم اظفر بما يمكن ان يستدل به له الادعوى انه اذا كان ذمته مشغولة بمثل ما

للمضمون عنه يكون ذلك من الحوالة التي هي قسيم الضمان ، وفيها انه لا يحيل

المضمون عنه مديونه على الضامن كي يكون حوالة ، فهو داخل في الضمان ، ويكون

صحيحا فلا يعتبر ذلك ايضا .

 

انتقال المال الى ذمة الضامن

 

الرابعة : لا خلاف ( و ) لا اشكال في انه اذا تحقق الضمان على الوجه المعتبر

شرعا ( ينتقل المال ) من ذمة المضمون عنه ( الى ) ذمة ( الضامن ) وتبرأ ذمة المضمون

عنه ، وعليه الاجماع في كثير من الكلمات ، وفي الجواهر ، بل لعله من ضروريات الفقه .

ويشهد به - مضافا الى ذلك - ان حقيقة الضمان على مامر ذلك ، فالمعاملة

العقلائية الممضاة شرعا انما تكون بهذا النحو ، ومع ذلك نصوص الباب مشاهدة ؟ به ،

لاحظ صحيح عبد الله بن سنان ، وموثقي ابن عمار والحسن بن الجهم المتقدمة ( 1 )

......................................................................

( 1 ) ص 146 ( * )

 

 

] فان كان مليا او علم المضمون له باعساره وقت الضمان صح والا كان

له الفسخ [

 

وغيرها ، فانها صريحة في ذلك ، وعلى فلا يصح الاستدلال لصحة ما عن الجمهور

من ضم الذمة الى الذمة مع التصريح بذلك بالعمومات العامة كما في العروة ، ويترتب

على ذلك انه لو ابرأ المضمون له ذمة المضمون عنه لم يفد شيئا لان ذمته بريئة ، نعم

لو ابرأ ذمة الضامن برئا جميعا ، اما الضامن فلانه مشغول الذمة له فتبرأ ذمته اذا برئه ،

واما المضمون عنه فلان الضامن انما يستحق الرجوع اليه بالاداء الذي قد انتفي

محله بالابراء .

لاخلاف ولا اشكال في ان الضمان لازم من طرف المضمون له والضامن ، فلا يجوز

للضامن فسخه حتى لو كان باذن المضمون عنه وتبين اعساره لعموم ادلة لزوم العقد ،

وكذا لا يجوز للمضمون له فسخه والرجوع على المضمون عنه ، ولكن يشترط في لزومه

عليه ملائة الضامن حين الضمان بان يكون مالكا لما يوفي به الدين فاضلا عن

المستثنيات في البيع للدين او علم المضمون له باعساره .

( و ) عليه ( فان كان ) الضامن ( مليا او علم المضمون له باعساره وقت

الضمان صح ) والمراد بالصحة اللزوم كما ينبه عليه بقوله ( والا كان له الفسخ ) والوجه

في الخيار مع اعسار الضامن وعدم علم المضمون له بذلك - بعد الاجماع - الشرط

الضمني الذي عليه بناء المتعاملين ، من جهة ان عقد الضمان مبني على تسهيل الامر ،

والقصد منه استيفاء الدين من الضامن ، وانما يكون ذلك اذا امكن الاداء منه بايساره ،

وهو كون الضامن موسرا ، وقد حقق في محله ان الشروط الضمنية كالشروط المذكورة

تخلفها موجب للخيار ، فيثبت له الخيار .

وبهذا البيان يظهر ثبوت الخيار له لو تبين كونه مما طلا مع يساره ، سيما مع عدم

امكان اجباره ولو بالرجوع الى الحاكم ، ولو كان موسرا ثم اعسر لا يجوز له الفسخ

 

 

] ويصح مؤجلا وان كان الدين حالا وبالعكس [

 

لعدم الشرط الضمني ، كما انه لو كان معسرا ثم ايسر وكان العلم بعد حصول اليسار

لا يجوز له الفسخ ، فان الشرط الضمني هو اليسار وقت الاداء لاحين العقد

 

ضمان الحال والمؤجل

 

الخامسة : المشهور بين الاصحاب - بل ( و ) لا خلاف فيه : انه ( يصح ) الضمان

( مؤجلا وان كان الدين حالا وبالعكس ) .

وتفصيل القول في المقام : ان الصور المتصورة اثنتاعشرة ، اذ الضمان اما حال

او مؤجل ، وعلى التقديرين اما عن حال او مؤجل ، وعلى تقدير ضمان المؤجل مؤجلا

اما ان يكون الاجل الثاني مساويا للاول ، او انقص او ازيد ، وعلى التقادير الستة اما

ان يكون الضمان تبرعا او بسؤال المضمون عنه ، وفي المسالك : وكلها جائزة ، الا ان

الموضع الخلاف فيها غير محرر ،

ولكن محل الخلاف محرر واضح ، فانهم اختلفوا في موارد :

1.     في ضمان المؤجل حالا او انقص من اجله ، فان المحكي عن الفخر

والكركي : عدم جوازه .

واستدل له : بان ضمان مالم يجب ، وبان الفرع لا يرجح على الاصل ، وبان

مشروعية الضمان على نقل الدين على ما هو عليه .

ولكن الاول مندفع : بان المضمون هو الدين نفسه ، وهو ثابت ، والاجل انما هو

من التوابع والحقوق ، فمع الرضا باسقاطه من الطرفين يسقط .

والثاني : بانه قاعدة كلية لم يدل دليل عليها ، مع انه في الاصل ايضا اذا تراضيا

واوقعا العقد عليه يصح .

 

 

[ . . . ]

والثالث : اولا : بالنقض بضمان الحال مؤجلا ، وثانيا : بان الضمان حقيقة نقل

الدين ، اما عتبار رعاية وصفه من التجيل والتعجيل فلا دليل عليه ، والاطلاقات

تشهد بعدم اعتباره .

2.     في اعتبار الاجل في الضمان على نحو اعتباره في السلم ، حكي ذلك عن

المقنعة والنهاية والغنية .

واستدل له : بالاجماع الذي ادعاه السيد ابن زهرة ، ولكن المعروف من الاكثر

عدم اعتباره ، قال الحلي : وقد يوجد في بعض الكتب لا صحابنا : ولا يصح ضمان مال

ولا نفس الا باجل ، والمراد بذلك اذا اتفقا على التأخير والاجل ، فلابد من ذلك ، ولا

يصح الا باجل محروس ، فاما اذا اتفقا على التعجيل فيصح الضمان من دون اجل ،

وكذا اذا اطلقا العقد ، والى هذا القول ذهب شيخنا في مبسوطه وهو حق اليقين ، لانه

لا يمنع منه مانع ، ومن ادعى خلافه يحتاج الى دليل ولم نجده . انتهى . ومقتضى هذا

الكلام اتفاقهم على عدم اعتبار الاجل فيه بهذا المعنى ، فالاظهر عدم اعتباره .

3.     في ضمان الحال حالا ، والمؤجل بمثله اجلا ، فعن المختلف : الاشكال فيه

نظرا الى ان الضمان مبني على الارفاق ، ولا ارفاق في هذين الموردين .

وفيه : عدم انحصار فائدته بالارفاق ، مع ان كون الارفاق معتبرا على وجه

يقتضي البطلان بدونه يحتاج الى دليل ، ولم نجده ، والاطلاقات تدفعه .

بقي الكلام في امور : الاول : لو ضمن المؤجل حالا ، او انقص باذن المضمون

عنه كذلك او مطلقا ، فهل يكون الدين على المضمون عنه كذلك كما عن التنقيح ، او

انه لا رجوع للضامن عليه وان ادى الا بعد انقضاء الاجل الاصلي للدين كما عن

المختلف وظاهر التحرير والتذكرة والشهيد الثاني ، او يفصل بين الاطلاق والتصريح

فيحل اجله بالثاني دون الاول كما عن بعض المتأخرين وقواه في الجواهر .

 

 

[ . . . ]

وجه الاول : ان الضمان في حكم الاداء ، ومتى اذن المديون لغيره في قضاء دينه

معجلا فقضاه استحق مطالبته ، وان الضمان بالسؤال موجب لا ستحقاق الرجوع على

وفق الاذن ، واما مع الاطلاق فلتناوله التعجيل الذي قد عرفت اقتضائه ذلك .

ووجه الثاني : ان حلول الاجل يتوقف على سبب ، والاذن في الضمان حالا

فضلا عن الاطلاق يقتضي الحلول بالنسبة الى ذمة الضامن ، واما بالنسبة الى ذمة

المضمون عنه فهو اعم من ذلك فلا يكون مقتضيا له .

ووجه الثالث : ان ما ذكر وجها للثاني يتم مع الاطلاق ، واما مع التصريح

بالتعجيل ، فهو يقتضى الحلول .

والاظهر هو الثاني ، فان التصريح بالتعجيل اذن في اداء الدين معجلا في

استحقاق الدائن ذلك حتى يكون مقتضيا للتعجيل .

واما ماذكر في وجه الاول فيرد الاول منهما : ان كون الضمان في حكم الاداء

لا يقتضي ذلك ، اذ اداء الدين الموجل لا يغير اجل الدين ولا يصير سببا لصيروته

حالا ، ويرد الثاني منهما : انه مصادرة محضة ، مع انه لو تم لا قتضى القول الثالث ،

فالمتحصل اقوائية الثاني .

الثاني : لو ضمن الدين الحال ، مؤجلا ، فهل الاجل للدين او الضمان ، وتظهر

الثمرة لو ادى الضامين قبل الاجل فانه لا يستحق الرجوع على الاول بخلاف

الثاني ، والظاهر هو الاول ، فانه اذا رضى المضمون له بتأخير الاداء فهو مؤجل للدين .

وبعبارة اخرى : ان الدين الحال انما هو ما في ذمة المضمون عنه ، وقد انتقل

عن ذمته وبرأت ذمته منه وثبت في ذمة الضامن مؤجلا نعم الضمان واسطة في ثبوت

الاجل للدين .

الثالث : لو كان حالا فضمنه مؤجلا سقطت مطالبة المضمون عنه ولم يطالب

 

 

] ويرجع الضامن على المضمون عنه بما اداه ان ضمن بسؤاله والا فلا [

 

الضامن الا بعد الاجل اجماعا ، فلو مات الضامن حل واخذ من تركته ورجع الورثة

على المضمون عنه كما لا يخفى .

 

رجوع الضامن على المضمون عنه

 

السادسة : ( ويرجع الضامن على المضمون عنه بما اداه ان ضمن بسؤاله

والا فلا ) بلا خلاف في ذلك في الجملة .

ونخبة القول في المقام : انه تارة يكون الضمان باذن المضمون عنه ، واخرى

يكون بغير اذنه ، وعلى التقديرين تارة يكون الاداء باذنه ، واخرى يكون بغير اذنه ،

ولو كان الضمان باذنه قد يكون مع التصرح بالمجانية ، وقد يكون بدونه ، ولو كان

الضمان بغير اذنه والاداء معه فقد يصرح بالرجوع اليه ، وقد لا يصرح بذلك .

فان كان الضمان باذنه لا مجانا يرجع الضامن الى المضمون عنه اذن في الاداء

او لم ياذن ، وذلك لانه وان كان عقد الضمان لا اقتضاء بالنسبة اليه ، وليس هناك يد

ولا اتلاف ، الا انه قد مر في كتاب الاجارة ان الامر بالعمل او الاذن فيه ، واستيفاء

المال او العمل لا مجانا من اسباب الضمان وعليه ، فلو اذن في الضمان يكون ضامنا لما

يؤديه الضامن .

وان كان الضمان يغير اذنه ، او مع الاذن به مجانا ، فان كان الاداء بغير اذنه لا

اشكال في انه لا يرجع اليه لعدم الموجب للضمان ، فان قيل : ا نمال المسلم وعمله

محترمان لا يذهبان هدرا ، قلنا : قد مر في كتاب الغصب ان قاعدة الاحترام ليست من

القواعد المضمنة .

فان قيل : ان خبر الحسين بن خالد : قلت لابي الحسن ( عليه السلام ) : وقول

 

 

[ . . . ]

الناس : الضامن غارم ، قال : فقال ( عليه السلام ) : ليس على الضامن غرم ، الغرم على

من اكل المال ( 1 ) . باطلاقه يدل على الضمان .

قلنا : ان اتفاق الاصحاب على عدم الضمان مع عدم الاذن في الضمان ولا في

الاداء يوجب تقييد اطلاقه ، فيحمل على صورة الاذن .

واما ان كان الضمان بدون الاذن والاداء معه ، فان لم يصرح بالرجوع اليه فلا

كلام يعتد به في عدم الضمان ايضا ، انما البحث فيما لو قال ادما ضمنت وراجع به

علي ، ؟ فقد يقال : انه لا يكون ضامنا بالاداء ، لان مرجع القول المزبور الى الوعد

الذي لا يجب الوفاء به ، ولان الضامن لما اشتغلت ذمته بالضمان وبرأت ذمة المضمون

عنه فالاداء واجب عليه ونفعه عائد اليه ، فالامر بالاداء لا يوجب الضمان لكونه امرا

باداء ما على المؤدى نفسه ، والعائد نفعه اليه ، وهذا لا يصلح لجعل عوض بازائه ، فقوله

وراجع به على لا يكون مضمنا .

ولكن يتوجه على الاول : ان الوعد ان كان امرا بالعمل واستيفاء للمال يوجب

الضمان لا بما انه وعد ، بل للكبرى الكلية المتقدمة المشار اليها آنفا .

وعلى الثاني : ان جعل العوض بازاء ما يعود نفعه الى الغير لا اشكال فيه ،

وليست حقيقة المعاوضة مقتضية لدخول العوض في كيس من خرج المعوض عن

كيسه ، ولذا لو اباح المالك ماله لزيد بازاء عوض في مال بكر كان ذلك اباحة معوضة

صحيحة ، والمقام من هذا القبيل .

فالمتحصل مما ذكرناه : انه يرجع الضامن الى المضمون عن لو كان الضمان

باذنه لا مجانا مطلقا ، وما لو كان الضمان لا باذنه ، والاداء باذنه ، بشرط التصريح

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 1 من ابواب كتاب الضمان حديث 1 . ( * )

 

 

] ولا يشترط العلم بقدر المضمون ويلزمه ما تقوم به البينة خاصة [

 

بالرجوع اليه .

ويترتب على ماذكرناه امران :

احدهما : انه ليس للضامن الرجوع على المضمون عنه فيما له ذلك الا بعد

اداء مال الضمان كماهو المشهور بين الاصحاب .

ثانيهما : انه يرجع اليه بمقدار ما ادى ، لان ذمة الضامن وان اشتغلت حين

الضمان الا ان ذمة المضمون عنه لاتشتغل الا بعد الاداء وبمقداره ، وللنصوص

الخاصة ، لا حظ خبر عمر بن يزيد عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل ضمن

عن رجل ضمانا ثم صالح عليه قال ( عليه السلام ) : ليس له الا الذي صالح عليه ( 1 ) .

ونحوه غيره ، فان المستفاد من هذه النصوص ان ليس للضامن الا ما خسر ، وعلى هذا

فان ابرأ المضمون له ذمة الضامن عن تمام الدين ليس له الرجوع الى المضمون عنه

اصلا ، ولو وهبه ما في ذمته فهل هو كالابراء ام لا ؟ وجهان : اظهرهما الثاني بناء على

صحة هبة ما في الذمة ، وعدم رجوعها الى الابراء ، ولا يخفى وجهه . ولو امر الضامن

المضمون عنه باداء الدين فاداه فالمضمون عنه تصير ذمته مشغولة للضامن بالاداء كما

مر ، والضامن تشتغل ذمته للمضمون عنه بامره اياه بالاداء ، بل به ، فيتها تران .

واشكال صاحب الجواهر ره في اشتغال ذمة الضامن بالقول المذكور في غير محله ، كما

يظهر مما اسلفناه .

السابعة : ( ولا يشترط العلم بقدر المضمون ) كما عرفت عند ذكر شرائط

صحة الضمان مفصلا ، ( و ) على هذا فان ضمن ما على المضمون عنه مع الجهل به يجب

على الضامن اداء ما ثبت كونه عليه ، فلا ( يلزمه ) الا ( ما تقوم به البينة خاصة ) من

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 6 من ابواب كتاب الضمان حديث 1 . ( * )

 

 

] ولا بد في الحق من الثبوت سواء كان لازما او آئلا اله [

 

انه كان لازما للمضمون عنه وقت الضمان لا مايتجدد لعدم تعلق الضمان به ، ولا يكفي

اقرار المضمون عنه لان اقراره على نفسه جائز دون الضامن ، ولا يحلف المضمون له

لو رد اليمين من المضمون عنه ، لان النزاع والخصومة حينئذ بين الضامن والمضمون

له ، فرد اليمين من المضمون عنه لا اثر له . نعم لوكان رد الحلف من الضامن يثبت

عليه ما حلف عليه .

وبما ذكرناه يظهر ما في الاقوال الاخر : منها : ما عن ابي الصلاح وابن زهرة

من لزوم ما اقربه الغريم ايضا ، ومنها : لزوم ما يحلف عليه المضمون له من غير تقييد

كما عن الفيد ، ومنها : تقييده برضاء الضامن ، وهو قول الشيخ .

 

ضمان الاعيان

 

الموضع الثاني في المضمون ، قالوا : ( ولا بد في الحق ) المضمون ( من الثبوت

سواء كان لازما ) كالبيع بعد القبض وانقضاء الخيار ( او آئلا اليه ) كمال الجعالة قبل

فعل ما شرط عليه من العمل ، وكمال السبق والرماية ، والثمن في مدة الخيار .

وملخص القول في المقام بنحو يظهر ماهو المختار ومايرد على القوم : ان القدر

المسلم المتفق عليه بينهم هو ضمان ما في الذمة ، اي ضمان شخص لما هو ثابت في ذمة

آخر ، واما ضمان الاعيان المضمونة كما لو غصب شخص مال آخر فيضمن بشخص

آخر عين ذلك المال ، وضمان الاعيان غير المضمونة كالامانة كما لو ضمن شخص

الامانة التي عند الشخص الاخر ، فقد وقع الخلاف فيهما بين الفقهاء ، وهناك قسم آخر

لم يتعرض له الفقهاء وهو ضمان الاعيان التي تكون عند اصحابها كاموال الناس في

متاجرهم وحكم هذا القسم حكم القسمين الاخيرين .

 

 

[ . . . ]

ومحصل ما ذكروه في وجه بطلان الضمان في القسمين الاخير واختصاصه

بما في الذمم وجوه ، وان اختص بعض الوجوه بالاول وبعضها بالثاني .

الوجه الاول : انه لادليل على العموم ، واخبار باب الضمان كلها واردة في ضمان

ما في الذمة وواردة لبيان احكام اخر ، وليس في شئ منها ماله اطلاق او عموم يمكن

ان يتمسك به لمشروعية الضمان بقول مطلق ، وما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله

من ان الزعيم غارم ( 1 ) ، قد عرفت انه ليس من اخبارنا ، بل يظهر من بعض الاخبار

عدم ثبوته .

وفيه : ان ادلة الضمان الانشائي المختصة به وان كان لا اطلاق له يتمسك به ،

الا ان مادل على نفوذ كل عقد معاملة عقلائية ، كآية تجارة عن تراض ( 2 ) ،

وقوله تعالى ( اوفوا بالعقود ) ( 3 ) وغيرهما له اطلاق يشمل هذه الاقسام من الضمان

باجمعها .

الثاني : وهو مختص بالقسم الاول ، وهو : ان المضمون عنه كالغاصب ايضا

مكلف برد العين ، فلو قلنا بمشروعية هذا الضمان كان من قبيل ضم ذمة الى ذمة ، مع

ان مذهبنا كون الضمان موجبا للانتقال من ذمة المضمون عنه الى ذمة الضامن .

وفيه : ان الضمان المصطلح في ضمان ما في الذمة هو الانتقال ، وهذا لا يوجب

المنع من الضمان بالمعنى الاخر في المقام الثابت بالعمومات . فتامل .

مع انه لا مانع من الالتزام في المقام ايضا بالانتقال ، فيكون بقاء المال بيد

الغاصب حينئذ امانة ، غاية الامر يجب رده فورا الى المالك ، ولو لم يقصر في الرد عليه

......................................................................

( 1 ) المستدرك باب 1 من ابواب الضمان حديث 2 .

( 2 ) سورة النساء آية 29 .

( 3 ) سورة المائدة آية 2 . ( * )

 

 

[ . . . ]

وتلف في اثناء ذلك يكون ضمانه على الضامن دون الغاصب ، ولو قصر يكون يده بقاء

يد ضمان فيكون ضامنا من جديد .

وبما ذكرناه يظهر الجواب عن الثالث ، وهو ان الضمان نقل الحق من ذمة الى

اخرى ، فلا ينطبق على الضمان بمعنى كون العين في العهدة .

الرابع : ان ضمان الاعيان كان المراد به نقلها عن عهدة ذي اليد الى عهدته ،

او ضمها اليها ، يحتمل كونه من الاحكام الشرعية لا من الامور التي بيد الناس وضعا

ورفعا ، ومع هذا الاحتمال لا وجه للتمسك بالعمومات .

وفيه : ان المراجعة الى المرتكزات العقلائية تدفع هذا الاحتمال ، فان العهدة

والذمة من باب واحد ، فكما ان ما في الذمة قابل للنقل وللضم ، كذلك ما في العهدة من

الاعيان .

الخامس : انه من ضمان ما لم يجب ، فان الملتزم به مثلها او قيمتها في صورة

التلف ، وقد اشتهر في الالسن عدم صحته .

وفيه : ان الالتزام بكون العين في العهدة ليس من ضمان مالم يجب ، مع ان ضمان

مالم يجب انما يكون باطلا اذا كان المنشأ هو اشتغال الذمة بالبدل فعلا ، واما اذا كان

المنشأ هو الاشتغال به بعد التلف فلا محذور فيه . وتما الكلام في محله .

السادس : ان من اركان الضمان المضمون عنه ، وهو المدين ، وهو مفقود في

الضمان في الامانة ، بل وفي ضمان العين المغصوبة ، لانه ضمان ابتدائي لا عن الغاصب .

وفيه : انه لايعتبر في الضمان وجود المضمون عنه ، بل اركانه ثلاثة : الضامن ،

والمضمون له ، والمضمون .

فالمتحصل : ان مقتضى العمومات جواز الضمان بجميع اقسامه حتى ضمان

العين التي بيد صاحبها ، وليس هناك ما يمنع عنه ، فالاظهر هو الجواز .

 

 

[ . . . ]

ثم ان ضمان ماعند صاحبه يتصور على وجهين : احدهما : الضمان بلا عوض .

ثانيهما : الضمان مع العوض ، كأن يقول الضامن لصاحب المال : اضمن لك العين سنة

على ان تعطيني عوضا عن ذلك عشرة توامين عن كل شهر . والاظهر صحته بكلا

قسميه .

ويترتب على ذلك عقد التامين ، فانه من قبيل ضمان الاعيان غير

المضمونة ، اذ المؤمن يضمن اي يتعهد ويدخل الشئ في عهدته وحيازته في عملية

التامين ، سواء كان ذلك من الاعيان الخارجية ، او النفوس الحرة او المملوكة ، غاية

الامر ليس ضمانا مجانيا ، بل بعوض معين يشترط على المؤمن له ان يدفعه دفعة او

اقساطا . وقد اشبعنا الكلام في ذلك في الجزء الاول من كتابنا المسائل المستحدثة .

 

الضمان المستحدث

 

وقد تعارف في هذا الزمان نوع من الضمان ، وهو التعهد بدفع مبلغ الى من تعهد

لثالث بعمل اذا تخلف عنه ، وقد يعبر عنه بالكفالة .

توضيحه : انه قد يتعهد شخص لا خر بناء دار مع خصوصيات تذكر في شهرين

مثلا ، ويتفق الطرفان على ان يتعهد ثالث بعدفع مبلغ معين لو تخلف المتعهد الاول عما

تعهده ، وذلك الشخص الثالث يقبل ذلك وياخذ عمولة بازاء تعهده ، ولنعبر عن

المتعهد الثاني بالضمان ، وهذا الضمان ليس من الضمان المصطلح .

وكيف كان : فالكلام فيه يقع في موارد :

الاول : في الدليل على مشروعة هذا الضمان ، والدليل عليها انه وان لم يكن

داخلا تحت عناوين العقود الا انه قد عرفت ان مقتضى العمومات امضاء كل معاملة

 

 

[ . . . ]

عقلائية وكل تجارة عن تراض ما لم تكن مما دلت الادلة على فساده ، وعليه فبما ان

هذا الضمان عقد عقلائي وتجارة عن تراض ، وله اركان ثلاثة : الضامن ، والمضمون عنه

وهو المتعهد ، والمضمون له وهو المتعهد له ، وكل منهم يستفيد من هذه المعاملة ، اما

الضامن : فباخذه العمولة ، واما المضمون له : فلضمان حقه ، واما المضمون عنه

فواضح ، فيشمله دليل التجارة عن تراض وغيره ، ويترتب عليه انه يجوز للضامن اخذ

العمولة .

وبه يظهر الحال في المورد الثاني وهو وجه اخذ المضمون له المبلغ الذي تعهده

الضامن لوتاخر المضمون عنه عن القيام بماتوافق عليه مع المضمون له .

المورد الثالث : في وجه رجوع الضامن على المضمون عنه فيما دفعه عنه ،

ويمكن ان يذكر له وجهان :

1.     تنزيل ذلك على الشرط الضمني ، بتقريب : ان المتعاملين بنائهم على ذلك ،

وبما ان هذا البناء ارتكازي فهو بحكم الذكر في ضمن العقد ، فيرجع اليه بحكم

الشرط .

2.     ان من اسباب الضمان الامر المعاملي على ما حقق في محله ، وفي المقام بما

ان ضمان الضامن انما يكون بامر ولو ضمني من المضمون عنه فهو ضامن لما يخسره

الضامن ويدفعه بمقتضى العقد الى المضمون له .

ولا يخفى ان الاصحاب في ابتداء عنوان المسألة يصرحون بانه يعتبران يكون

المضمون ثابتا في الذمة ، ويختلفون في انه هل يشمل ذلك العمل في الذمة ، او المنفعة

فيها ، وانه هل يختص ذلك بالثبوت اللزومي ، ام يعم غيره كالثمن في زمان الخيار ، وفي

اواخر المسألة يذهب جماعة منهم الى صحة ضمان الاعيان المضمونة ، ولم يتعرض احد

للجمع بين الكلامين المتهافتين .

 

 

[ . . . ]

 

ضمان العهدة

 

الظاهر عدم الخلاف بين الاصحاب في جواز ضمان العهدة ، وهو ان يضمن

عهدة الثمن ودركه للمشتري اذا ظهر كون المبيع مستحقا للغير ، او ظهر بطلان البيع

لفقد شرط من شروط صحته مطلقا كما عن جماعة ، او اذا كان ذلك بعد قبض الثمن

كما عن الاخرين .

وحيث انه من قبيل ضمان الاعيان ، فقد اشكل الامر على جماعة فلم يروابدا

من التمسك لصحة خصوص ذلك واستثنائه من ضمان الاعيان بما افاده المصنف ره

في محكي التذكرة قال : وهذا الضمان عندنا صحيح ان كان البائع قد قبض الثمن -

الى ان قال - لا طباق الناس عليه في جميع الاعصار ، ولان الحاجة تمس الى معاملة من

لايعرف ولا يوثق بيده وملكه ويخاف عدم الظفر به لو خرج مستحقا للغير ، ولكن

الاجماع موهون بقلة تعرض الفقهاء له ، والحاجة وان مست الى معاملة من لايعرف

الا ان المعاملة معه صحيحة بمقتضى اليد ، وانكشاف استحقاق الغير ليس بتلك

الكثرة الموجبة لاستفادة جعل الشارع هذا الحكم ، ولكنا في فسحة من ذلك لما عرفت

من صحة ضمان الاعيان ، بل بناء على مامر يصح ضمان درك الثمن للمشتري اذا

حصل الفسخ بالخيار او التقايل ، او تلف المبيع قبل القبض ، وان كان المشهور بين

الاصحاب عدم صحة هذا الضمان لعدم ثبوت الحق وقت الضمان ، فيكون من ضمان

مالم يجب وقد مر مافيه .

نعم اختلفوا في الفسخ بالعيب السابق او اللاحق في انه هل يدخل في العهدة

ويصح الضمان ، اولا ، فالمشهور بينهم هو الثاني ، وقد ظهر مما ذكرناه ان الاظهر هو

 

 

] ولو ضمن عهدة الثمن لزمه مع بطلان العقد لا تجدد فسخه

واما الحوالة فيشترط فيها رضا الثلاثة [

 

الاول ، فعلى ما افادوه ( و ) بنوا عليه من صحة ضمان درك الثمن فيما اذا ظهر المبيع

مستحقا للغير او كان العقد باطلا دون ما لو فسخ بخيار قالوا : ( لو ضمن عهدة

الثمن لزمه مع بطلان العقد لا تجدد فسخه ) وهو على مبناهم متين ، ولايتم على ما

قويناه . ومما ذكرناه يظهر حال كثير من الفروع فلا حاجة الى ذكرها .

 

الحوالة

 

( وام الحوالة ) فهي احالة المديون دائنه الى غيره ، واو احالة المديون ما في ذمته

الى ذمة غيره ، وعلى هذا فلا ينقض بالضمان لانه لا احالة فيه . واما على ما افاده

المشهور من انها تحويل المال من ذمة الى ذمة مشغولة بملثة فينتقض طرده بالضمان ،

مع ان اعتبار شغل الذمة ينافي ما يصرح به جماعة منهم من صحة الحوالة على البرئ .

وكيف كان : ( ف ) المشهور بين الاصحاب : انه ( يشترط فيها رضا الثلاثة )

اي المحيل ، والمحتال ، والمحال عليه . بل عن الاردبيلي : انه لم يظهر فيه خلاف ، وعن

التذكرة : نسبته الى اصحابنا ، وعن المختلف : الى علمائنا ، وعن الشيخ : الاجماع عليه ،

وفي الجواهر بالنسبته الى الاولين قال : بل الاجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما

مستفيض او متواتر .

اقوال : اما رضا المحيل فيشهد لاعتباره : ان المديون ومن عليه الحق مخير في

جهات القضاء ، فلا يتعين عليه بعض الجهات قهرا ، فلو اكره على ان يحيل فاحال

بالاكراه لم تقع الحوالة .

وفي المسالك تبعا للتذكرة قال : ويستثنى من اعتبار رضا المحيل ما لو تبرع

 

 

[ . . . ]

المحال عليه بالوفاء ، فانه لا يعتبر رضا المحيل قطعا لانه وفاء دينه وضمانه بغير اذنه ،

والعبارة عنه حينئذ ان يقول المحال عليه ( احلت بالدين الذي لك على فلان على

نفسي ) فيقبل فيشترط هنا رضا المحتال والمحال عليه . انتهي .

ويرده : ان ما فرضه ليس من الحوالة ، بل هو من قبيل الضمان ، وقد مر عدم

اعتبار رضا المضمون عنه الا في بعض الفروض النادرة ، وبه يظهر ما في مناقشة

صاحب الجواهر ره في صحة ذلك بالاجماع على اعتبار رضا المحيل وبعدم الاطلاق

لدليل صحة الحوالة بنحو يشمل الفرض .

واما المحتال فالوجه في اعتبار رضاه : ان حقه ثابت في ذمة المحيل ، وانتقال

ذلك الى ذمة المحال عليه بدون رضاه مناف لعدم جواز التصرف في مال الغير بلا رضا

صاحبه ، ولقاعده السلطنة .

واما المحال عليه : فالمشهور بينهم اعتبار رضاه ، وعن جماعة : عدم اعتبار رضاه .

قيل : وهو ظاهر المقنعة والنهاية ، وعن المختلف الميل اليه ، بل هو خيرة المقصر

والتنقيح وايضاح النافع والمسالك والروضة ، وعن بعضهم : التفصيل بين ان يحوله بغير

جنس ما عليه فيعتبر رضاه ، وبين مالو حوله بمثل ما عليه فلا يعتبر ، وعن بعض :

التفصيل في مالو كانت الحوالة بمثل ما عليه بين ان يحوله عليه بماله عليه ، ودبين ان

يحوله عليه من غير نظرالى الحق الذي له عليه على نحو الحوالة على البرئ ، فيعتبر

في الثاني دون الاول . والحق ؟ أن يقال :

أنه : ان كانت الحوالة على البرئ فلا اشكال في اعتبار رضاه ، وهذا من

الوضوح بمكان ، قال في المسالك بعد بنائه على عدم اعتبار رضاه : يستثنى من القول

بعدم اعتبار رضاه ما لوكان بريئا من حق المحيل ، فان رضاه معتبر اجماعا .

وان كانت الحوالة على مشغول الذمة بغير جنس ما عليه ، فالظاهر اعتبار

 

 

[ . . . ]

رضاه ، اذ ذلك حينئذ بمنزلة المعاوضة الجديدة فيعتبر رضا المتعاقدين .

وان كانت الحوالة على مشغول الذمة بمثل ما عليه ، فقد استدل لاعتبار رضاه :

بان الاجماع واقع على صحة الحوالة مع رضا المحال عليه ولا دليل على صحتها من

غير رضاه ، وبان اثبات المال في ذمة الغير مع اختلاف الغرماء في شدة الاقتضاء

وسهولته تابع لرضاه ، وباستصحاب بقاء المال في ذمة المحال عليه للمحيل .

ولكن يتوجه على الاول : ان مدرك صحة الحوالة لو كان منحصرا في الاجماع

كان ما افيد تاما ، وحيث ان ادلة اخرى من العمومات وخصوص اطلاق مادل على

الحوالة تدل عليها ، ومعها لاوجه للاخذ بالمتيقن فلا يتم .

وعلى الثاني : انه لا يثبت المال في ذمة الغير ، بل يتصرف فيما يملكه وينقله الى

غيره ، ففي الحقيقة يكون التبديل المالكين ، وليس هناك تصرف في مال الغير .

وعلى الثالث : انه لايرجع الى الاستصحاب مع الدليل .

وقد يستدل لعدم اعتبار رضاه مطلقا : بان المحتال يقام مقام المحيل في القبض

بالحوالة ، فلاوجه لا حتياجه الى رضا من عليه الحق ، كما لو وكله في القبض منه اوباع

دينه على غيره .

واورد عليه : بان ما في الذمة ليس من قبيل العين الخارجية لا يتغبر بتغير طرف

الاضافة والاعتبار ، بل هو متخصص بطرفيه ، فلا محالة بالحوالة يتبدل شخص مافي

الذمة الى شخص آخر في ذمته ، مضاف الى المحتال ، ومن الواضح ان تبدل ما في ذمة

الانسان متوقف على رضاه ، ولا وجه لقياس ذلك بالتوكيل في القبض الذي ليس فيه

تصرف فيما في الذمة .

وفيه : ان الامر بالدقة العقلية كما افيد ، الا انه بنظر العرف لا يعد ذلك تصرفا

في ذمة الغير ، بل اهل العرف يرون ان ما كان يملكه في ذمته ملكه لاخر فكان شخص

 

 

] ولا يجب قبولها [

 

ما في الذمة تبدل طرف اضافته ، فلو قايسنا الملكية بالخيط الذي احد طرفيها مشدود

بالمالك ، والاخر بالمملوك ، يكون التمليك بالغير حقيقته عندهم حل ذلك الخيط من

مالك وشده بمالك آخر من دون ان يتصرف في المملوك ، من غير فرق بين العين

والدين .

وعلى الجملة : المحيل عند العرف لا يتصرف الا في ملكه فله ذلك . وان شئت

قلت : ان الانسان اذا ملك في ذمة الغير كان من آثار الملكية ولوازمها التصرف فيه

كيف ماشاء : بالاخذ ، او بالتوكيل فيه ، او بنقله الى الغير ببيع او غيره ، او بالابراء .

وكل واحد من تلكم من التصرفات التي جوازها من آثار كونه مالكا له ، فلا اشكال

في عدم اعتبار رضا المحال عليه . ولكن مع ذلك كله في النفس شيئا سيما بعد فتوى

الاكثر باعتبار رضاه ، فرعايته احوط .

 

الحوالة من العقود

 

وقد وقع الخلاف في ان الحوالة من الايقاعات او العقود ، على الثاني فهل هو

مركب من ايجاب من المحيل وقبول من المحتال ، او مركب من ايجاب وقبولين ؟

والقبول الثاني من المحال عليه ظاهر المتن ، حيث قال : ( ولا يجب قبولها ) هو الاول ،

وان كان من الجائز ان يكون مراده بذلك انه لا يجب قبول الحوالة على المحال عليه

لاعتبار رضاه .

وكيف كان : فقد ذهب الى كل من الاقوال جماعة ؟ ، والحق ان يقال : انه لا ينبغي

التوقف في اعتبار القبول من المحتال ، فان المحيل انما ينقل مال الغير من ذمة الى ذمة

اخرى بلا سلطنة منه عليهما ، فلا يصح بدون قبوله كنقل ماله الخارجي ، ولا وجه لقياسه

 

 

[ . . . ]

بالوفاء بل دعوى انه نوع من الوفاء بعد ثبوت الفرق الواضح بينهما ، حيث انه في

الوفاء ليس نقل وانتقال ، وفي الحوالة انتقال الدين من ذمة الى ذمة اخرى .

وبذلك يظهر اندفاع ما قيل في وجه كونه ايقاعا ، واما اعتبار القبول من

المحال عليه فقد ظهر مما ذكرناه في وجه اعتبار رضاه ما يمكن ان يستدل به له

والجواب عنه .

واما الكلام في ما يعتبر في الايجاب والقبول والمحيل والمحال والمحال عليه ، فهو

الكلام في ماتقدم في كتاب الضمان من ما يعتبر في عقده وفي الضامن والمضمون له

والمضمون عنه .

كما ان الكلام في انه هل تتوقف صحة الحوالة على ان يكون المال المحال به

ثابتا في ذمة المحيل مستقرا او متزلزلا فلا تصح في غير المستقر سواء وجد سببه كمال

الجعالة قبل العمل او لم يوجد سببه كالحوالة بما يستقرضه كما هو المشهور بين

الاصحاب ، ام يكفي ثبوت سببه وان لم يكن هو ثابتا ، ام لا يعتبر ذلك ايضا فتصح

الحوالة بما يستقرضه على نحو كون الحوالة بعد القرض ، هو الكلام في اعتبار ذلك

وعدمه في الضمان .

وهل يعتبر في الحوالة كون المال المحال به معلوما جنسا وقدرا للمحيل والمحتال

فلا تصح الحوالة بالمجهول كما هو المشهور ، ام لا يعتبر ذلك ؟ وجها تقدما في الضمان

ومن ماذكرناه هناك تعرف عدم اعتباره هنا .

وقد يقال باعتبار تساوى المالين ، اي المحال به وما على المحال عليه جنسا

ونوعا ووصفا في صحة الحوالة ، ونخبة القول في المقام : ان محل الكلام ليس ما لو احال

المديون دائنه الى من عليه غير ما هو له بما عليه كما لو احال من له عليه الدراهم

الى من عليه الدنانير بان يدفع الى الدنانير من باب الوفاء بغير الجنس ، فان الظاهر

 

 

] ومعه يلزم ويبرأ المحيل وينتقل المال الى ذمة المحال عليه ان كان مليا او

علم باعتباره والا فله الفسخ [

 

انه لا كلام في الصحة في ذلك ، وعدم اعتبار التساوي ، كما يظهر من استدلالهم له ، بل

الدين وان كان حينئذ غير ما على المحال عليه الا ان المحال به مساوله ، بل الكلام

فيما لو احاله عليه بما في ذمته وهو الدراهم في المثال .

وقد استدل لعدم صحتها واعتبار التساوي : بان المحيل لا يكون مسلطا على

المحال عليه بما لم يشتغل ذمته به ، اذ لايجب عليه الا دفع مثل ما عليه ، وبان الحكم

على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على موضع اليقين .

ولكن الاول مردود بانه وان لم يكن مسلطا عليه الا انه اذا رضى المحال عليه

بذلك يرتفع المحذور ويكون من قبيل وفاء الدين بغير الجنس مع التراضي . والثاني

يرد باطلاق الادلة وعمومها .

 

الحوالة لازمة

 

واستقصاء الكلام في هذا الباب في ضمن مسائل :

الاولى : ( ومعه ) اي مع تحقق عقد الحوالة بشرائطه ( يلزم ) لما مر في الضمان

من ان الادلة العامة تدل على لزومها ( ويبرأ المحيل وينتقل المال الى ذمة المحال

عليه ) كما هو مقتضى الحوالة ( ان كان مليا او علم باعساره والافله الفسخ ) على

حذو ما تقدم في الضمان لا تحاد المدرك لجميع ذلك في الموردين ، ومع ذلك تشهد بها

نصوص ، لاحظ خبر ابي ايوب عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يحيل

الرجل بالمال ايرجع عليه ؟ قال ( عليه السلام ) : لا يرجع عليه ابدا الا ان يكون قد

 

 

[ . . . ]

افلس قبل ذلك ( 1 ) .

وخبر عقبة عن ابي الحسن ( عليه السلام ) عن الرجل يحيل الرجل بالمال على

الصير في ثم يتغير حال الصير في ايرجع على صاحبه اذا احتال ورضى ؟ قال ( عليه

السلام ) : لا ( 2 ) .

وخبر منصور بن حازم عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن الرجل يحيل

على الرجل بالدراهم ايرجع عليه ؟ قال ( عليه السلام ) : لايرجع عليه ابدا الا ان

يكون قد افلس قبل ذلك ( 3 ) .

ولكن المحكي عن ابي علي والشيخ في النهاية وابي الصلاح والقاضي وظاهر

المقنعة : انه يعتبر في براءة ذمة المحيل الا براء زيادة على الحوالة ، واستدل له بصحيح

زرارة عن احدهما ( عليه السلام ) في الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل آخر

فيقول له الذي احتال برئت من مالي عليك قال ( عليه السلام ) : اذا ابرأه فليس له

ان يرجع عليه ، وان لم يرأه فله ان يرجع على الذي احاله ( 4 ) .

وللقوم تاويلات للخبر ، احسنها ما في المسالك اختياره ، وهو : ان الابراء في الخبر

كناية عن قبول المحتال الحوالة ، فمعنى قوله برئت من مالى عليك اني رضيت

بالحوالة الموجبة للتحويل فبرئت انت ، فكنى عن الملزوم باللازم ، وهكذا القول في

قوله ( عليه السلام ) ولو لم يبرأه فله ان يرجع لان العقد بدون قبوله ورضاه غير

لازم ، فله ان يرجع فيه .

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 11 من ابواب كتاب الضمان حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 11 من ابواب كتاب الضمان حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 11 من ابواب الضمان حديث 3 .

( 4 ) الوسائل باب 11 من ابواب الضمان حديث 2 . ( * )

 

 

] ولو طالب المحال عليه بما اداه فادعى المحيل ثبوته في ذمته فالقول قول

المحال عليه مع يمينه [

 

وان لم يتم ذلك ولا غيره من التاويلات كحمله على ما اذا ظهر اعسار المحال

عليه حال الحوالة مع جهل المحتال بحاله ، او على ما اذا شرط المحيل البراءة ، وقع

التعارض بينه وبين النصوص المتقدمة ، والنسبة عموم من وجه لاختصاصها بغير

صورة الا فلاس ، واختصاص هذا الخبر بما اذا لم يبرأه ، ومورد التعارض هو ما لولم

يبرأه ولم يظهر الافلاس ، والترجيح لها للشهرة التي هي اول المرجحات .

الثانية : يصح الحوالة على البرئ كماهو المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف

فيه الا عن الشيخ في آخر الباب ، وربما ينسب الخلاف الى القاضي وابي حمزة ، ولم

يثبت ، بل عن الشيخ في اول الباب موافقة المشهور ، ولذا حكى عن السرائر الاجماع

عليه . ويشهد به اطلاق النصوص المتقدمة ، وعموم ادلة الامضاء العامة ، وربما يبنى

الخلاف على القول بانها استيفاء او اعتياض ، فعلى الاول يجوز ، وعلى الثاني لا يجوز .

ويرده ان الحوالة معاملة مستقلة وان لحقها حكم الوفاء تارة وحكم الاعتياض

اخرى ، ثم انه مما ذكرناه في تعريفها وتعريف الضمان يظهران ذلك حوالة لاضمان ، فما

في الشرايع من ان ذلك بالضمان اشبه ، وعن الكاشاني الاظهر انها ضمان ، في غير محله .

الثالثة : ( ولو ) احال ثم ( طالب المحال عليه بما اداه فادعى المحيل ثبوته في

ذمته ) وانكره المحال عليه ( ف ) على المختار من صحة الحوالة على البرئ لا اشكال

في ان ( القول قول المحال عليه مع يمينه ) لاصالة البراءة فهو منكر يقدم قوله مع

اليمين ، واما على القول الاخر فعن المسالك وجامع المقاصد ومجمع البرهان : تقديم

قول المحال عليه ، لان اصل البراءة عن الدين يعارض مع اصالة الصحة المقتضية

لكون قول المحيل موافقا للاصل وهو منكرا ، فيبقى مع المحال عليه اداء دين المحيل

 

 

[ . . . ]

باذنه ، فيرجع عليه .

وفيه : اولا : ان اصل الصحة مع اعتراف المحال عليه بالحوالة مقدم على اصل

البراءة ، فانه يقدم على الاصول التنزيلية فضلا عن اصل البراءة .

وثانيا : ان اعتراف المحال عليه بالحوالة اعتراف منه باشتغال الذمة ، ومعه

لامورد للرجوع الى اصل البراءة . فالاظهر ان القول قول المحيل على هذا المبنى .

نعم لو ادعى المحال عليه انه اذن له في اداء دينه ولم يكن حوالة يقدم قوله

لاصالة البراءة من شغل ذمته ، فباذنه في اداء دينه له مطالبة عوضه .

ودعوى انه في موارد جريان اصالة البراءة المقتضية لتقديم قول المحال عليه

يجري أصل اخر يعارض تلك ، وهو اصالة عدم اشتغال ذمة المحيل بعوض ما اداه

المحال عليه ، مندفعة بان الشك في اشتغال ذمته مسبب عن الشك في اشتغال ذمة

المحال عليه ، فاصل البراءة عن اشتغال ذمته حاكم على هذا الاصل .

ثم ان المستفاد من عنوان المسألة - حيث قالوا : لو احال المحيل ثم طالب

المحال عليه بما اداه - ان حال الحوالة حال الضمان في عدم شغل الذمة بالعوض الا

بعد الاداء واشكل على ذلك بعضهم بانه كما يحصل بالحوالة الوفاء بالنسبة الى دين

المحيل فكذا بالنسبة الى دين المحال عليه للمحيل اذا كان مديونا ، وحصول شغل

ذمة المحيل له اذا كان بريئا .

وفيه : ما تقدم في مبحث الضمان من ان ما افادوه مما تقتضيه القاعدة ، واجمال

ما مران الحوالة على البرئ مثلا انما توجب الضمان من جهة استيفاء مال المحال

عليه بامره ، ومن المعلوم ان قضية ذلك هو الاشتغال بعد الاداء وبمقداره ، فراجع ما

حققناه .

 

 

] ولو احال المشتري بالثمن ثم فسخ بطلت الحوالة على اشكال [

 

اذا  الحال المشتري بالثمن ثم رد البيع

 

الرابعة : (و لو احال المشتري ) البائع ( بالثمن ثم فسخ ) البيع بالعيب او بغيره

مما يقتضي الفسخ من حينه ( بطلت الحوالة ) عند الشيخ في محكي المبسوط والفخر

والمحقق الثاني والمقدس الاردبيلي ، لانها تتبع البيع في ذلك ، وعن القواعد : بطلت ان

قلنا انها استيفاء ، فاذا بطل الاصل بطلت هيئة الارفاق ، وان قلنا انها اعتياض لم

تبطل ، ولعله لذا قال المصنف ره هنا ( على اشكال ) وفي الشرائع قال : وفيه تردد كما

عن الارشاد والتحرير والتذكرة .

ولكن ما عللوه به بطلان الحوالة عليل ، اذ الحوالة حين ماوقعت كانت

صحيحة لازمة لوجود شرائط الصحة واللزوم ، ولاوجه لبطلانها بفسخ البيع ، فان

الحوالة وان كانت تابعة للبيع لوقوعها على الثمن الا ان فسخها ليس تابعا لفسخ

البيع بل هي حينئذ من قبيل تصرف احد المتبايعين فيما انتقل اليه ثم حصل الفسخ ،

والكلام فيه بفروعه تقدم في مبحث الخيارات ، وعرفت انه في بعض الموارد يوجب

سقوط الخيار ، وفي بعض آخر لا يسقط وينتقل الى العوض . فراجع ما ذكرناه .

واما ما افاده المصنف ره في القواعد ، فيرده ما مر من ان الحوالة معاملة مستقلة ،

وليس حالها حال ماذكره نظيرا له وهو ما اذا اشترى شيئا بدراهم مكسورة فدفع الى

البائع الصحاح او دفع بدلها شيئا آخر وفاء حيث انه اذا انفسخ البيع يرجع اليه ما

دفع من الصحاح او الشئ الاخر لا الدراهم المكسورة ، فان الوفاء بهذا النحو ليس

معاملة لازمة ، بل يتبع البيع في الانفساخ بخلاف الحوالة التي هي معاملة مستقلة لازمة

لاتنفسخ بانفساخ البيع . فالاظهر عدم بطلانها .

 

 

] ويرجع المشتري على البايع مع قبضه ولو احال البايع اجنبيا ثم فسخ لم

تبطل الحوالة ولو بطل البيع بطلت فيهما [

 

( و ) على البطلان ( يرجع المشتري على البائع ) ويستعيده ( مع قبضه ) ، وان لم

يقبضه فهو باق في ذمة المحال عليه للمشتري ( ولو احال البائع اجنبيا ) له عليه دين

بالثمن على المشتري ( ثم فسخ ) المشتري بما يقتضى الفسخ من حينه ( لم تبطل

الحوالة ) بلاخلاف ، بل عن الفخر في شرح الارشاد الاجماع عليه . ووجهه ظاهر لان

الحوالة غير متعلقة بالمتبايعين ، فلا موهم لرفع اليد عن اصالة اللزوم .

( ولو بطل البيع ) من اصله ( بطلت ) الحوالة ( فيهما ) لان الحوالة انما هي على

مافي ذمته وانكشف بذلك عدم اشتغال ذمة المحال عليه ، فهي حينئذ نظير ما لو احال

شخص على من يراه مديونا ثم ظهر عدم الدين .

 

الحوالة المستحدثة

 

لا يخفى انه قد تداول بين التجار اخذ الزيادة واعطائها ، في الحوائل المسمى

عندهم بصرف البرات ويطلقون عليه بيع الحوالة وشرائها ، وهي على اقسام :

الاول : ان يدفع الشخص الى التاجر مبلغا وياخذ ذلك المبلغ بعينه من طرفه

في بلد آخر ، والظاهر ان الحكم فيه خال عن الاشكال ، كان ذلك بعنوان البيع بان

يبيع المبلغ المعين مثلا مائة تومان بمبلغ يساويها يدفعه في بلد آخر ، او بعنوان القرض

بان يقترض منه او يقرضه ذلك المبلغ ليسلمه في بلد آخر . اما اذا كان بعنوان البيع

فواضح ، واما اذا كان بعنوان القرض فلعدم الزيادة فيه .

وقد استشكل فيه بعض الاساطين مع كون المصلحة للمقرض لجر النفع ،

ولكنه ضعيف ، فان الممنوع عنه الزيادة في القرض عينا او صفة ، وليس هذا واحدا

 

 

[ . . . ]

منهما ، مع ان جملة من النصوص تدل على جوازه ، لا حظ خبر يعقوب بن شعيب قلت

لابي عبد الله ( عليه السلام ) : يسلف الرجل الورق على ان ينقدها اياه بارض اخرى

ويشترط عليه ذلك ؟ قال ( عليه السلام ) : لاباس ( 1 ) .

وخبر السكوني عنه ( عليه السلام ) عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) : لا باس

بان ياخذ الرجل الدراهم بمكة ويكتب لهم سفاتج ان يعطوها بالكوفة ( 2 ) .

وخبر ابي الصباح عنه ( عليه السلام ) في الرجل يبعث بمال الى ارض فقال

للذي يريد ان يبعث به : اقرضنيه وانا اوفيك اذا قدمت الارض قال ( عليه السلام ) :

لابأس ( 3 ) .

وخبر اسماعيل بن جابر : قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : يدفع الى الرجل

الدراهم فاشترط عليه ان يدفعها بارض اخرى سودا بوزنها واشترط ذلك قال ( عليه

السلام ) : لا باس ( 4 ) . ونحوها غيرها ، وهي اما ظاهرة في القرض او القرض اظهر

مصاديقها .

القسم الثاني : ان يدفع الشخص مبلغا للتاجر وياخذ الحوالة من المدفوع اليه

بالاقل منه ، والظاهر انه لا اشكال فيه ايضا ، كان ذلك منزلا على البيع او القرض .

فلا يتحقق الربا البيعي في هذه المعاملة .

واما الثاني : فلان الربا في القرض هو ان ياخذ الدائن من المدين الزيادة مع

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 14 من ابواب الصرف حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 14 من ابواب الصرف حديث 3 .

( 3 ) الوسائل باب 14 من ابواب الصرف حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 14 من ابواب الصرف حديث 5 . ( * )

 

 

] واما الكفالة [

 

الشرط ، واما لو كان الشرط نفعا للمستقرض كما في الفرض فلا يكون ربابل هو جائز

كما مر في كتاب القرض .

القسم الثالث : ان يدفع التاجر مبلغا كمائة تومان للشخص في بلد ليأخذه في

بلد آخر مع الزيادة ، فان كان ذلك بعنوان البيع صح لما مر ، وان كان بعنوان القرض

واشترط ذلك في ضمن القرض بطل ، فانه من الربا الممنوع عنه ، وللفرار من الربا

لابد من اعمال بعض الحيل الشرعية ، منها : ان يقرض منه بلا شرط وبعد تماميته يحوله

المقترض ان ياخذ المبلغ مع الزيادة من شخص ثالث في بلد آخر .

 

الكفالة

 

( واما الكفالة ) بالفتح فلا ريب في انها من العقود الصحيحة ، بل عن التذكرة :

انها كذلك عند عامة اهل العلم ، والاجماع ، وبناء العقلاء ، والنصوص الاتي طرف منها

تشهد به ، ولكنها مكروهة لصحيح حفص بن البختري ( 1 ) وخبر الحذاء ( 2 ) ، ومرسل

الصدوق ( 3 ) ، وخبري داود الرقي واسماعيل بن جابر ( 4 ) . واما الكلام فيما يعتبر في

عقده وفي المتعاقدين فكما مر في اختيها .

واما حقيقتها : فهي التعهد باحضار النفس المستحق عليها ذلك لسبب حق

ولو دعوى للمكفول له عليها .

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الضمان حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الضمان حديث 4 .

( 3 ) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الضمان حديث 2 .

( 4 ) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الضمان حديث 3 . 5 . ( * )

 

 

] فيشترط فيها رضا الكفيل والمكفول خاصة [

 

وما عن بعض من صحة كفالة الاعيان المضمونة عنده او الاعيان التي يراد

الشهادة عليها فتجوز كفالة الدابة والكتاب وغيرهما للشهادة على اعيانها ، غيرتام ،

اذ الكفالة عند العرف ليست الا ماتقدم ، وما ذكر داخل في الضمان كما مر ، والمحكي

عن التذكرة تخصيصها بما اذا كان النفس ممن يجب عليه حضور مجلس الحكم ، وعليه

فلا يصح كفالة الصبي والمجنون . ولكن الظاهر كما افاده في محكي القواعد أعميتها

من ذلك وممن يجب احضاره للشهادة او غيرها . نعم لاتصح الكفالة على حد من حدود

الله تعالى بلاخلاف لقوله صلى الله عليه وآله في المروى من طرق الخاصة والعامة - :

لا كفالة في حد ( 1 ) . وتمام الكلام - في هذا المقام في طي مسائل .

 

شرائط الكفالة

 

الاول : الكفالة من العقود ، لان الكفيل يلتزم احضار المكفول متى طلبه

المكفول له ، والمكفول له يقبل ذلك ، وعليه ( فيشترط فيها رضا الكفيل والمكفول

له ) كما هو المشهور ، بل في الجواهر : الاجماع عليه ، اضف الى ذلك ان من المعلوم عدم

الالتزام بحق بدون رضا الطرفين . واما المكفول عنه فالمعروف عدم اعتبار رضاه ، واليه

اشار المصنف ره بقوله ( خاصة ) .

واستدلوا له : بوجوب الحضور عليه او احضاره متى طلب صاحب الحق وان

لم يكن ثمة كفالة ، وعليه فالكفيل بمنزلة الوكيل حيث طلب منه المكفول له باحضاره ،

وبما عن التذكرة من دعوى الاجماع عليه .

......................................................................

( 1 ) الوسائل 21 من ابواب مقدمات الحدود والمستدرك باب 19 منها . ( * )

 

 

[ . . . ]

وعن الشيخ والقاضي والحلي : اعتبار رضاه ، وقواه المصنف في محكي التحرير ،

وصاحب الجواهر فيها . واستدل له : بانه اذا لم يرض المكفول عنه بها لم يلزمه الحضور

مع الكفيل ، فلم يتمكن من احضاره ، فلا تصح كفالته لانها كفالة بغير المقدور ،

ولا تقاس بالضمان لامكان وفاء دينه من مال غيره اذنه ، ولا يمكن ان ينوب عنه

في الحضور ، وباحتمال اعتبار رضا المكفول عنه في تحقق مسماها ، فيشك بدونه في

صدقها ، فلا يصح التمسك باطلاق دليل الكفالة والاصل عدم ترتب اثر الكفالة .

ولكن يرد على الاول : اولا : انه مصادرة محضة ، اذ مع تحقق الكفالة وشمول

ادلتها لها يلحقها حكمها وهو وجوب الاحضار الملازم لوجوب الحضور .

وثانيا : ان فرض الكفالة انما هو فيما لوكان المكفول له مستحقا على المكفول

عنه حضوره ستى طلبه ، وعليه فيجب عليه الحضور وان لم يكن مكفولا ، وفائدة الكفالة

راجعة الى التزام الكفيل بالاحضار حيث يطلبه المكفول له .

ودعوى انه في الكفالة يثبت حق زائد على الوكالة لانه متى تعلق حق الكفالة

كان له احضاره لارادة البراءة من عهدته من دون طلب المكفول له ، مندفعة بان ذلك

وان كان حقا - كما عن التذكرة والتحرير وجامع المقاصد ، بل عن الكركي : انه قطعي

- الا انه بعد تحقق الكفالة يكون احضار الكفيل وطلبه حضور المكفول بمنزلة طلب

المكفول له ، فكأنه بالكفالة يوكله في الاحضار متى اراد ، وعليه فيجب على المكفول

الحضور لذلك .

واما الثاني : فيتوجه عليه اولا : عدم اعتبار رضا المكفول ولا قبوله في صدق

الكفالة عرفا ، كيف والكفالة من الاعتباريات العقلائية ولا شك عندهم في صدقها

بدون ذلك .

وثانيا : انه لو سلم في صدقها يكفي في صحة هذا القسم عموم ادلة

 

 

] وفي اشتراط الاجل قولان وتعيين المكفول [

 

امضاء المعاملات ، فلا ينبغي الاشكال في عدم اعتبار رضاه .

وبما ذكرناه يظهر عدم اعتبار قبوله ايضا ، فهي كالحوالة والضمان من العقود

المركبة من ايجاب وقبول ، وليست ايقاعا ولا عقدا مركبا من ايجاب وقبولين .

( وفي اشتراط الاجل ) في الكفالة ( قولان ) المشهور بين الاصحاب عدم

الاشتراط فتصح الكفالة حالة ، كما تصح مؤجلة ، وعن الشيخين في المقنعة والنهاية ،

وابن حمزة وسلار والقاضي في احد قوليه : اعتبار الاجل فيها فلا تصح حالة . ولا دليل

لهم سوى الاقتصار على المتيقن وعدم الفائدة في الحالة ، وهما كما ترى . فالاظهر عدم

اعتباره لاطلاق الادلة ، فللمكفول له ان يطالب من الكفيل احضاره المكفول وقت

وقوع الكفالة ، ومع التاجيل لافرق بين الكفالة الى مدة الشهر ، فيلزم الاحضار بعد

الشهر ، وبين الكفالة في مدة بمعنى التعهد به في ضمن الشهر مثلا . وان شئت سم

الثانية بالموقتة ، والاولى بالمؤجلة كما صنعة المصنف ره في محكي التحرير .

ويعتبر مع التأجيل تعيين الاجل كما هو المشهور ، بل الاجماع بقسميه بالبيع

كما هو المختار .

( و ) من شرائط الكفالة : ( تعيين المكفول ) ففي الحدائق : لا خلاف بينهم في

وجوب كون المكفول معينا ، فلو قال : كفلت احد هذين ، لم يصح ، وكذا لو قال : كفلت

بزيد او فلان ، وكذا لو قال : كفلت بزيد فان لم آت به فبعمر و ، لاشتراك الجميع في

الجهالة وابهام للمكفول . انتهى .

والاصل في ذلك بعد الاجماع : انه حيث يختلف الاشخاص في الاحضار سهولة

......................................................................

( 1 ) التذكرة ج 1 ص 466 . ( * )

 

 

] وعلى الكافل دفع المكفول او ماعليه [

 

وعدمها ، فمع الجهل به لا محالة يلزم الغرر ، وقد مر ان دليل نفي الغرر لا يختص بالبيع .

هذا مع التعين واقعا ، واما مع الابهام الواقعي فالامر اوضح فان المبهم لاتحقق له .

ولو تعلقت الكفالة باحد شخصين بنحو التخيير لا بنحو احدهما المعين واقعا

غير المعين عندهما ، فهل تصح ام لا ؟ الظاهر عدم الصحة ؟ لا لما قيل من الجهالة لعدم

الجهل ، ولا لما قيل من ان حق الكفالة من قبيل الملك الذي لا يقبل مثل هذا ، فانه في

الملك ايضا يمكن الالتزام به ثم التعيين بالقرعة او اختيار المالك . وبعبارة اخرى : كما

يصح ملك الكلي في المعين كذلك ملك احد فردين بنحو التخيير .

بل لان متعلق الحق ان كانا هما معا كما في الواجب التخييري فتكون كفالة

كل منهما مقيدة بعدم الاتيان بالاخر ، فتكون الكفالة حينئذ معلقة والتعليق موجب

لبطلان كل عقد بالاجماع ، وان كان المتعلق احدهما بنحو الكلي في المعين فتبطل للغرر

ان لم يتساوي الشخصان في الاحضار سهولة وصعوبة . فتدبر فانه دقيق .

 

الكفيل مخير بين دفع المكفول اوماعيه

 

( و ) الثانية : اذا تحققت الكفالة يجب ( على الكافل ) مع مطالبة المكفول له

( دفع المكفول ) عاجلا اذا كانت الكفالة مطلقة او معجلة ، وبعد الاجل ان كانت

مؤجلة ، فان سلمه فقد برئ من ما كان عليه وان لم يتسلمه ، لان متعلق الحق تسليمه

لا تسلمه ، وان امتنع الكفيل من ذلك اجبره الحاكم ، وان امتنع حبسه حتى يحضره

( او ) يؤدى ( ما عليه ) كما صرح به غير واحد .

ويشهد لجواز حبسه خبر عمار عن الامام الصادق ( عليه السلام ) اتى

امير المؤمنين ( عليه السلام ) برجل قد تكفل بنفس رجل فحبسه وقال : اطلب

 

 

[ . . . ]

صاحبك . ( 1 )

وخبر الاصبغ بن نباتة : قضى امير المؤمنين ( عليه السلام ) في رجل تكفل بنفس

رجل ان يحبس وقال ( عليه السلام ) : له اطلب صاحبك ( 2 ) .

وخبر اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه عليهما السلام : ان عليا ( عليه

السلام ) اتى برجل كفل برجل بعينه فاخذ بالمكفول فقال ( عليه السلام ) : احبسوه

حتى يأتي بصاحبه ( 3 ) . ونحوها غيرها .

واما التخيير بينه وبين دفع ما عليه فقد يقال : انه لا دليل عليه ، بل ظاهر

النصوص المتقدمة تعين الاول ، ومن هنا قال في التذكرة وغيرها : عدم وجوب القبول

على المكفول له لو بذل الكفيل له الحق ، لعدم انحصار الغرض فيه ، اذ قد يكون له

غرض لا يتعلق بالاداء ، او بالاداء من الغريم لا من غيره ، فله حينئذ الزامه

بالاحضار خصوصا مما لابدل له كحق الدعوى ، او في ذي البدل الاضطراري كالدية

عوض القتل ومهر المثل عوض الزوجة .

ولكن يمكن ان يذكر لوجوب القبول ولتخيير الكفيل بين دفع المكفول او

ما عليه وجوه :

1.     ان الكفالة بنفسها مقتضية لذلك ، لان مبناها عرفا على ذلك ، وهو المقصود

بين المتعاملين بها . وان شئت عبر عنه : بان دفع ما عليه ان لم يحضره من قبيل الشرط

الضمني من الطرفين ، فيجوز للمكفول مطالبة ما على الكفيل ان لم يحضره وللكفيل

ان يدفعه ابتداء .

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 9 من ابواب كتاب الضمان حديث 1 .

( 2 ) الوسائل باب 9 من ابواب كتاب الضمان حديث 2 .

( 3 ) الوسائل باب 9 من ابواب كتاب الضمان حديث 3 . ( * )

 

 

] ومن اطلق غريما عن يد صاحبه قهرا الزم باعادته او ما عليه [

 

2.     ان وفاء ما على الشخص يجوز وان لم يرض الدائن بذلك .

3.     جملة من النصوص ، ففي مرسل الصدوق قال الصادق ( عليه السلام ) :

الكفالة خسارة غرامة ندامة ( 1 ) .

وفي خبر الرقي عنه ( عليه السلام ) : مكتوب في التوراة : كفالة ندامة غرامة ( 2 ) .

وعلى هذا فان ادى ما عليه يرجع به على المكفول ان كان الاداء باذنه او كانت

الكفالة باذنه ، اما في الاول فواضح ، واما في الثاني فلان الكفالة اذا اقتضت تخيير

الكفيل بين احضار المكفول او دفع ما عليه كان الاذن فيها اذ نافي الدفع فيضمن

لاستيفاء مال الغير بالاذن .

 

اطلاق الغريم من يد صاحب الحق

 

الثالثة : ( ومن اطلق غريما عن يد صاحبه ) او وكيله ( قهرا الزم باعادته او

ما عليه ) بلا خاف ظاهر كما عن الرياض ، وعليه الاجماع كما عن الصيمري .

اما لزوم اعادته فقد استدل له تارة : بانه باطلاقه الغريم قهرا غاصب فعليه

ضمان ما غصبه باحضاره ، لان اليد المستولية يد شرعية مستحقة ، وبه يتحقق الغصب

ويبتني عليه الضمان بالاحضار .

واخرى : بحديث لاضرر ولاضرار ( 3 ) .

......................................................................

( 1 ) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الضمان حديث 2 .

( 2 ) الوسائل باب 7 من ابواب كتاب الضمان حديث 5 .

( 3 ) الوسائل باب 17 من ابواب الخيار كتاب التجارة . ( * )

 

 

] ولو كان قاتلا دفعه أو الدية ]

 

وثالثة : بدعوى شمول على اليد ما اخذت حتى تؤدى ( 1 ) لمثل ذلك .

وفي الجميع نظر : اما الاول : فلعدم صدق الغاصب عليه سيما وهو غير داخل

تحت استيلائه .

واما الثاني : فلما مر من ان حديث لاضرر ناف للحكم ولا يكون مثبتا .

واما الثالث : فلان الاطلاق غير الاستيلاء على الشئ ، مع انه مختص

بالاعيان .

فالصحيح ان يستدل له بفحوى ما سيمر عليه في القاتل معتضدة بالاجماع

المدعى . وبه يظهر حال وجوب اداء ما عليه .

وربما يستدل له : بانه تفويت لمال الغير فيضمن . ويدفع : بان الا تلاف موجب

للضمان ، واما التفويت فلم يدل دليل على كونه من موجبات الضمان .

ودعوى شمول الاتلاف للتفويت فانه اعم من اعدام الموجود والمنع من

الوجود ، مند فعة بانه بحسب المفهوم العرفي مختص بالاول .

( ولو كان قاتلا دفعه او الدية ) بمعنى انه يجب عليه دفعه ، وان لم يتمكن

فالدية ، كما يشهد بذلك صحيح حريز عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل قتل

رجلا عمدا فرفع الى الوالي فدفعه الوالي الى اولياء المقتول ليقتلوه فوثب عليهم قوم

فخلصوا القاتل من ايدي الاولياء قال ( عليه السلام ) : ارى ان يحبس الذي خلص

القاتل من ايدي الاولياء حتى ياتوا بالقاتل ، وقيل : فان مات القاتل وهم في السجن ؟

قال : وان مات فعليهم الدية يؤدونها جميعا الى اولياء المقتول ( 2 ) .

......................................................................

( 1 ) سنن بيهقي ج 6 ص 90 .

( 2 ) الوسائل باب 15 من ابواب الضمان . ( * )

 

 

] ولو مات المكفول او دفعه الكفيل او سلم نفسه او ابرئه المكفول له برأ

الكفيل ولو عينا موضع التسليم لزم [

 

فما عن صريح جماعة وظاهر آخرين من التخيير من الاول بين دفعه او الدية

لا وجه له ، نعم فيما كان على المطلق قهرا الدية اتجه تخييره كما مر في تخيير الكفيل بين

دفع المكفول او اداء ما عليه .

الرابعة : ( ولو مات المكفول او دفعة الكفيل او سلم نفسه او ابرئه

المكفول له يبرأ الكفيل ) بلا خلاف في شئ من تلكم .

اما الحكم الاول : فلتعلق الكفالة بالنفس ، وقد فاتت بالموت ، والاحضار

المذكور في الكفالة انما ينصرف الى حال الحياة . والظاهر انه لا خلاف فيه ، نعم قال

الشهيد الثاني : هذا كله اذا لم يكن الغرض الشهادة على صورته ، والا وجب احضاره

ميتا مطلقا حيث يمكن الشهادة عليه . انتهى .

ولا باس به ان كانت الكفالة شاملة له والا فلا .

واما الثاني : فوجهه واضح .

واما الثالث : فلحصول الغرض .

وفي التذكرة : تقييده بما اذا سلم نفسه من جهة الكفيل ، فلو لم يسلمه نفسه

من جهته لم يبرأ الكفيل لانه لم يسمله اليه ولا احد من جهته ، وهو كما ترى . وبه يظهر

حكم الرابع .

الخامسة : ( ولو عينا موضع التسليم لزم ) عملا بالشرط ولا يبرأ بالدفع في

غيره ان كان تعيين موضع التسليم ماخوذا قيدا في العقد ، وان اخذ شرطا فغاية ما

هناك تخلف الشرط والا فقد عمل بمقتضى الكفالة فتسقط ويبرأ .

ولعله يمكن التصالح بين الشيخ وابن البراج وبين المشهور ، حيث ان المشهور

قائلون بعدم البراءة لو دفع غير ما عين للتسليم ، وذهب الشيخ وابن البراج الى

 

 

] والا انصرف الى بلد الكفاية [

 

حصول البراة ء لو لم يكن عليه مؤونة في حمله الى موضع التسليم ولا ضرر . فتامل .

وعلى التقديرين لا يجب عليه القبول لو دفعه في غير موضع التسليم ، بل يجوز

له اجباره بالتسليم في الموضع المعين .

هذا اذا عينا موضعا للتسليم ( والا ) فقالوا : ( انصرف الى بلد الكفالة ) ، وعن

ابن حمزة : انه يلزمه التسليم في دار الحاكم او موضع لا يقدر على الامتناع ، وقد تقدم

الكلام في ذلك في فصل السلم من كتاب البيع .