] الفصل
السابع في اللعان [
في اللعان
وهو بكسر اللام ، أما مصدر لاعن يلاعن ، أو جمع للعن ،
وهو لغة : الطرد
والابعاد ، وشرعا : مباهلة بين الزوجين على وجه مخصوص ،
وسميت لعانا لان كلا من
الزوجين يبعد عن الآخر بها إذ يحرم النكاح بينهما ، أو
لاشتمالها على كلمة اللعن .
وفي المسالك وخصت بهذه التسمية لان اللعن كلمة غريبة في
مقام الحجج من
الشهادات والايمان ، والشئ يشتهر بما يقع فيه من الغريب
، وعلى ذلك جرى معظم
تسميات سور القرآن ، والاصل فيه الكتاب والسنة .
أما الكتاب فقوله تعالى : * ( والذين يرمون أزواجهم ولم
يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين
والخامسة أن لعنت الله
عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد
أربع شهادات بالله إنه لمن
الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من
الصادقين ) * ( 1 ) .
وأما السنة فنصوص مستفيضة ستأتي إليها الاشارة ، ونخبة
القول فيه في طي
موارد :
……………………………………………..
( 1 ) النور آية 6 - 9 . ( * )
] وسببه
قذف الزوجة بالزنا [
( و ) الاول : في ( سببه ) وهو أمران :
أحدهما : ( قذف الزوجة ) المحصنة أي رميها ( بالزنا ) ولو
دبرا على الاظهر الاشهر
بين الطائفة بل وعليه الاجماع في الانتصار والغنية كذا
في الرياض .
ويشهد به عموم الآية الكريمة وكثير من النصوص الآتي
بعضها .
وعن الصدوق في الفقيه والهداية وظاهر المقنع : انه لا
لعان إلا بنفي الولد ، وإذا
قذفها ولم ينتف جلد ثمانين جلدة .
واستدل له : بخبر محمد بن مسلم عن أحدهما - عليهما
السلام - : " لايكون اللعان إلا
بنفي الولد " ، وقال : " إذا قذف الرجل امرأته
لاعنها " ( 1 ) .
وخبر أبي بصير عن الامام الصادق - عليه السلام - :
" لايقع اللعان حتى يدخل
الرجل بامرأته ولايكون اللعان إلا بنفي الولد " ( 2
) ، وقد حملها الشيخ - ره - على أنه لا
لعان بدون دعوى المشاهدة إلا بالنفي .
وأيضا يشهد به : صحيح أبي بصير عن الامام الصادق - عليه
السلام - : في الرجل
يقذف امرأته : " يجلد ثم يخلى بينهما ، ولا يلاعنها
حتى يقول إنه قد رأى بين رجليها من
يفجر بها " ( 3 ) .
وصحيح محمد بن مسلم : عن الرجل يفتري على امرأته قال -
عليه السلام - : " يجلد ثم
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 9 من كتاب اللعان حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 9 من كتاب اللعان حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 4 من كتاب اللعان حديث 1 . ( * )
] مع ادعاء المشاهدة وعدم البينة [
يخلى بينهما ولا يلاعنها حتى يقول أشهد إني رأيتك تفعلين
كذا وكذا " ( 1 ) ، ونحوهما
غيرهما مما يدل على نفي اللعان بمجرد القذف وانه يعتبر
ادعاء المشاهدة .
وعن وافي الكاشاني في خبر أبي بصير : لعل المراد أنه إذا
كانت المرأة حاملا فأقر
الزوج بأن الولد منه ومع هذا قذفها فلا لعان ، وأما إذا
لم يكن حمل وإنما قذفها بالزنا مع
الدخول والمعاينة فيثبت اللعان كما دلت عليه الاخبار ،
ويدل على هذا صريحا حديث
محمد عن أحدهما فإنه قد اثبت اللعان بالامرين .
ويرد عليه : انه كغيره من الكتاب والسنة يدل على اثباته
بالقذف مطلقا من دون
دلالة على التفصيل الذي على خلافه الاجماع .
وكيف كان فلا يترتب اللعان بالقذف إلا ( مع ادعاء
المشاهدة وعدم البينة ) على
الاظهر الاشهر بين الطائفة ، بل في الانتصار على الاول
الاجماع وفي الغنية على الثاني كذا
في الرياض .
ويشهد بالاول : جملة من النصوص كالصحيحين المتقدمين ،
وصحيح الحلبي
عن مولانا الصادق - عليه السلام - : " إذا قذف
الرجل امرأته فإنه لايلاعنها حتى يقول رأيت
بين رجليها رجلا يزني بها " ( 2 ) ، ونحوها غيرها .
وهل المعتبر مشاهدة انها تزني كما لعله المشهور بين
الاصحاب ، بل عن كشف
اللثام أنه لاخلاف فيه ، ويترتب عليه سقوط اللعان بقذف
الاعمى ، أم الميزان هو
العلم وإن لم يدع المشاهدة كما نفى البعد عنه في المسالك
، بل قواه وجهان .
لاريب في أن الجمود على ظواهر النصوص يقتضي البناء على
الاول ، وحملها على
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 4 من كتاب اللعان حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من كتاب اللعان حديث 4 . ( * )
[ . .. . . ]
خصوص من يمكن في حقه ، يحتاج إلى قرينة .
ولكن لايبعد كون تلك كناية عن العلم ، والشاهد به مضافا
إلى أن العناوين
التي لها طريقية إذا اخذت في الموضوع تكون ظاهرة في أنه
لاخصوصية لها بل إنما
اخذت فيه بما أنها طريق الاثبات ، نظير العلم والتبين
وما شاكل ، وعلى هذا بنينا على
قيام الامارات مقام العلم المأخوذ في الموضوع . إن هذا
التعبير موجود في اخبار الشهادة ،
وأنه لايجوز الشهادة إلا مع الرؤية والمشاهدة .
ويستكشف من ذلك ان المناط هو ما يوجب صحة الشهادة وهو
العلم .
ويؤيده : ما في خبر محمد بن سليمان عن أبي جعفر الثاني -
عليه السلام - : فإنه بعد أن
اعتبر فيه الرؤية قال :
" إن الله تعالى جعل للزوج مدخلا لايدخله غيره " -
إلى أن قال - " فجاز له أن
يقول رأيت ، ولو قال غيره رأيت ، قيل له وما أدخلك
المدخل الذي ترى هذا فيه
وحدك ، أنت متهم فلابد من أن يقيم عليك الحد " ( 1 ).
ومع ذلك كله الاقتصار فيما خالف الاصل على المتيقن متعين
.
وأما اعتبار عدم البينة فاستدل له بالآية الكريمة فإنها
بمفهومها تدل على أنه مع
الشهود لالعان .
وبحديث هلال حيث قال له النبي صلى الله عليه واله وسلم :
" البينة وإلا حد في ظهرك " ، ثم نزلت
الآية فلا عن بينهما ( 2 ) وبأنه إذا نكل عن اللعان يحد
فيلزم حينئذ حده مع وجود البينة ،
وبأن اللعان حجة ضعيفة لانه إما شهادة لنفسه أو يمين ،
فلا يعمل به مع الحجة
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 4 من كتاب اللعان حديث 5 .
( 2 ) المستدرك باب 1 من أبواب اللعان حديث 4 . ( * )
[ . . .. . ]
القوية وهي البينة ، ولكن الكل مخدوشة .
أما الآية فلانه لا مفهوم لها لعدم كونها بصورة القضية
الشرطية .
وأما حديث هلال فطلبه صلى الله عليه وآله وسلم منه
البينة وإلا ثبت له الحد ، قبل نزول آية اللعان
ومشروعيته والكلام بعده .
وأما الثالث فلانه إنما يحد إذا نكل عن اللعان ولم يمكنه
دفعه بالبينة كما لو
أقامها ابتداء من بعد القذف .
وأما الرابع فلانا لانسلم كون اللعان حجة ضعيفة بعد
دلالة الكتاب والسنة
على حجيته .
وعن الخلاف والمختلف والتحرير عدم اشتراطه ، وقواه في المسالك ، وهو الاظهر
لاطلاق النصوص .
ودعوى ورودها في مقام بيان أحكام اخر لا اطلاق لها كما
في الرياض ، تندفع
بأن جملة منها مطلقة ، لاحظ صحيح الحلبي عن مولانا
الصادق - عليه السلام - : عن الرجل
يقذف امرأته ، قال - عليه السلام - :
" يلاعنها ثم يفرق بينهما فلا تحل له أبدا " ( 1 ) ،
ونحوه غيره ، فانكار الاطلاق
مكابرة .
ودعوى أن اطلاقها وارد مورد الغالب وهو عدم البينة ،
مندفعة بما مر مرارا من
أن غلبة فرد وندرة آخر لاتصلح مقيدة للاطلاق .
وما في الرياض من الايراد على المصنف - ره - حيث استدل باطلاق النصوص
ورد الاستدلال على اعتبار عدم البينة بمفهوم الآية
الكريمة بأنه لامفهوم لها بل يحمل
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب اللعان حديث 2 . ( * )
[ .. . . . ]
القيد على الغالب ، بقوله هذه الدعوى لاتجامع الاستدلال
للعموم بالاطلاقات ، ومن
هنا انقدح وجه التعجب عن العلامة حيث استند للعموم
باطلاق النصوص ، وأجاب
عن المفهوم بعدم العموم للغلبة .
وليت شعري كيف غفل عن أن قدح الغلبة في المفهوم الذي هو
لغة للعموم
ملازم للقدح في الاطلاق الذي ليس له فيها بطريق أولى ، انتهى ، من غرائب
الكلام
وذلك لان عدم حمل الاطلاق والعموم على الغالب إنما هو
لما ذكرناه .
وأما حمل الآية على الغالب فإنما هو من جهة ما حقق في
محله من أن الوصف لا
مفهوم له .
فيبقى أنه ما الموجب لذكر الوصف إن لم يكن له مفهوم ،
فيجاب بأنه لعله ذكر
لانه الفرد الغالب أو لغير ذلك وأي ربط لذلك بالعموم ،
فكأنه - قده - فرض دلالة
الوصف على المفهوم وانها تكون بالعموم لا بالاطلاق ،
وتوهم أن المانع من الالتزام به في
المقام كون القيد غالبيا ، فأورد على المصنف ما أورد ،
والله تعالى مقيل العثرات .
فتحصل مما ذكرناه : أن القول بعدم الاشتراط أظهر .
ثم إن المعتبر هو أن يكون القذف بالزنا ، بلا خلاف ويشهد
به جملة من
النصوص تقدم بعضها كصحيح الحلبي وغيره ، فلو قذفها بما
دون الوطء لايثبت
اللعان كما لايثبت بالقذف بالسحق ولو ادعى المشاهدة ،
فهل يثبت به الحد نظرا إلى
أنه قذف بفاحشة كما في الشرائع ، أما لا كما عن أبي
الصلاح والمصنف في المختلف ،
وجهان . أظهرهما الثاني : لان دليل القذف ظاهر في الزنا
واللواط فهو حينئذ كالقذف
باتيان البهائم فيه التعزير خاصة ، نعم لافرق في
ثبوت الحد بين الوطء قبلا أو دبرا .
[ . . . . . ]
وهل اللعان يثبت بقذفها بالوطء دبرا أم لايثبت ؟ صريح
الشرائع والرياض
والجواهر هو الاول ، وفي الجواهر عندنا بل عن الخلاف
الاجماع عليه .
ومقتضى اطلاق قوله - عليه السلام - في صحيح أبي بصير حتى
يقول إنه قد رأى بين
رجليها من يفجر بها ، ونحوه غيره ، ذلك وما في صحيح
الحلبي فإنه لايلاعنها حتى
يقول رأيت بين رجليها رجلا يزني بها ، لاينافيها لان
الزنا هو وطء الاناث أعم من
القبل والدبر ، فالاظهر ثبوت اللعان به .
ولو قذف زوجته بالزنا فإما أن يضفيه إلى زمان الزوجية أو
يطلق أو إلى ما سبق ،
لا اشكال في ثبوت اللعان في الاولين ، وأما الاخير ففيه
قولان : مختار الشيخ في محكى
المبسوط والمحقق في الشرائع والشهيد الثاني في المسالك
وصاحب الجواهر - ره - : هو
الثبوت لعموم قوله تعالى : * ( للذين يرمون أزواجهم ) *
وما شابهه من النصوص .
وعن الشيخ في الخلاف عدم الثبوت ، لانه لايقال إنه قذف
زوجته كما أنه من
قذف مسلما بالزنا حال الكفر لايقال إنه قد قذف مسلما ،
ولخصوص الواقعة التي هي
سبب نزول الآية ، والاول أظهر .
ويرد الوجه الاول للثاني ان المسبب لللعان كون الرمي حين
الزوجية ولا دليل على
اعتبار كون الرمي بما وقع حين الزوجية ، وعليه فيصح أن
يقال في المثال قذف مسلما .
وأما الوجه الثاني فضعفه واضح فإن خصوص المورد لايخصص
العام .
ولو قذف زوجته بالزنا مستكرهة عليه أو مشتبهة أو نائمة
أو في حال الجنون فلا
يوجب الحد ولا يثبت اللعان لانه إنما نسبها إلى أمر لا
لوم عليه ولا إثم بل ليس زنا في
عرف الشرع فلا حد عليه ولايثبت اللعان ، بل عن الشيخ
التردد في التعزير أيضا لكنه
في غير محله لثبوته للعار والايذاء .
ولو قذفها في حال جنونها بالزنا في حال الافاقة ، ثبت
الحد لاطلاق الادلة ، ولكن
] وانكار ولد يلحق به ظاهرا [
قالوا انه لايقام عليه لا بعد المطالبة منها في حال
صحتها فإن أفاقت وطالبت به صح
اللعان منه لاسقاطه وليس لوليها المطالبة بالحد مادامت
حية لان طريق اسقاطه من
جانب الزوج بالملاعنة التي لاتصح من الولي .
ولكن يمكن أن يقال : إنه يثبت له اللعان لعدم دخل لعان
المرأة في نفي حد
القذف بلعان الرجل بل هو موجب لسقوط العذاب عنها وعليه
فيتجه اللعان منه
لاسقاط الحد عنه ، إلا أن يكون هناك اجماع على ما ذكروه .
السبب الثاني : انكار الولد ، بلا خلاف وقد تقدم في جملة
من النصوص حصر
اللعان به ، ويعتبر فيه : ولادة الولد على فراشه ، ولم
يعلم وضعها لاقل مدة الحمل ولا
لاقصاه وإلا لانتفى الولد بغير لعان ، وهذا هو مراد
المصنف - ره - بقوله ( وانكار ولد
يلحق به ظاهرا ).
ولايجوز له النفي إلا مع العلم بانتفائه عنه ، وإلا فلا
يجوز لان الولد لاحق شرعا
بالفراش من غير فرق بين أن يجد ريبة أم لا ، ولابين أن
يشابه لونه وخلقه لون الاب
وخلقه وعدمه .
وفي النبوي : " أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه
احتجب الله منه وفضحه على
رؤوس الاولين والآخرين " ( 1 ).
وفي صحيح أبي بصير عن مولانا الصادق - عليه السلام - :
" كفر بالله من تبرأ من
نسب وإن دق " ( 2 ).
……………………………………………..
( 1 ) المستدرك باب 9 من أبواب اللعان حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 107 من أبواب أحكام الاولاد حديث 1 . ( * )
[ . .. ]
ومع علمه بانتفائه عنه يجب عليه النفي ولو باللعان إذا
كان الظاهر لحوقه به بلا
خلاف فيه حذرا من لحوق من ليس منه بسكوته ، ولو كان الزوج
حاضرا وقت الولادة
فإن نفاه فلا كلام ، وإن أقر بالولد لزمه وليس له أن
ينفيه بعده ولاينتفي بانتفائه بلا
خلاف ، بل عن القواعد الاجماع عليه ، لالخصوص قاعدة
اقرار العقلاء حتى يقال إنه
لو علم أن منشأ اقراره الاخذ بظاهر قاعدة الفراش ، لا
وجه لعدم نفيه باللعان لولا
الاجماع لانه لايزيد حينئذ حكم قاعدة الاقرار على قاعدة
الفراش التي ثبت اللعان
لنفي مقتضاها كما في الجواهر .
بل لقوي السكوني عن جعفر عن أبيه عن الامام علي - عليهم
السلام - : " إذا أقر الرجل
بالولد ساعة لم ينف عنه أبدا " ( 2 ) ، فإن مقتضى
اطلاقه أنه ليس له أن ينفيه بعد ما أقر به
من غير فرق بين مناشئ الاقرار .
وإن سكت ولم ينكر الولد مع ارتفاع الاعذار ، فعن المشهور
كما في المسالك أنه
ليس له انكاره بعد ذلك إلا أن يؤخر بما جرت العادة به
كالسعي إلى الحاكم لان حق
النفي على الفور .
وعن المصنف - ره - وفي الشرائع والمسالك أن له انكاره
وإن حق النفي على
التراخي .
واستدل للاول بأنه خيار يثبت لدفع ضرر متحقق ، فيكون على
الفور كالرد
بالعيب ، وبأن الولد إذا كان منافيا عنه وجب اظهار نفيه
حذرا من استلحاق من ليس
منه ، وقد تعرض بالتأخير عوارض مانعة منه كالفوت فجأت
فيفوت التدارك وتختلط
الانساب وذلك ضرر يجب التحرز منه على الفور ، وبأنه لولا
اعتبار الفور أدى إلى عدم
استقرار الانساب .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 102 من أبواب أحكام الاولاد حديث 1 . ( * )
] ويشترط في الملاعن والملاعنة التكليف [
ولكن يرد على الاول : إن منشأ ثبوت هذا الحق إن كان هو
قاعدة لاضرر ، تم ما
افيد نظرا إلى أنه يندفع الضرر بخصوص ثبوته في الآن
الاول عرفا ، ولا يتم إذا كان منشأه
اطلاق ما دل على ثبوت حق النفي له لا لاستصحاب ذلك مع
التراخي كما في الجواهر ،
بل لاطلاق الادلة ، والقول بذلك في الرد بالعيب لو سلم ،
فإنما هو لعموم أدلة لزوم
العقد الشامل لما بعد زمان الفور ، وهذا لاربط له
بالمقام .
وأما الوجهان الآخران فغاية ما يدلان عليه لزوم النفي
فورا لاسقوطه بعد مضي
زمانه كما لايخفى ، فإذا القول الثاني أظهر .
اعتبار التكليف والاسلام في الملاعن والملاعنة
المورد الثاني : في الشرائط ، وفيه مسائل :
(و ) الاولى : ( يشترط في الملاعن والملاعنة التكليف )
فلا يصح لعان الصبي
والمجنون اجماعا ، لان اللعان إما شهادة أو يمين ،
والصبي والمجنون ليسا من أهل
الشهادة ولا اليمين ، ولايقتضي قذفهما اللعان بعد البلوغ
والافاقة ، ولانه لايترتب على
قذفهما حد كي يراد اسقاطه باللعان ، والمنساق من الآية
الشريفة وما ماثلها من
النصوص غيرهما ، أضف إلى ذلك كله ما دل ( 1 ) على رفع
القلم عن الصبي والمجنون
الشامل للاحكام التكليفية والوضعية منها صحة اللعان .
وهل يعتبر فيهما الاسلام كما عن الاسكافي والحلي في
القذف خاصة ، أما لا كما هو
المشهور بين الاصحاب وجوه ، ونخبة القول في المقام
بالبحث أولا في الملاعن ثم في
الملاعنة .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات - وباب 36
من القصاص في النفس . ( * )
[ . . . . . ]
أما الاول فيشهد لعدم اعتبار الاسلام فيه اطلاق أدلة
اللعان الشامل للكافر ،
واستدل للاعتباره بكون اللعان شهادة بقرينة قوله تعالى :
* ( فشهادة أحدهم ) * الخ ،
خصوصا بعد قوله تعالى : * ( ولم يكن لهم شهداء ) * وهي
لاتقبل من الكافر .
ويرده : ان صريح الآية ارادة اليمين من الشهادة لقوله
تعالى : * ( أربع شهادات
بالله ) * واليمين يستوي فيها المسلم والكافر ويعضده صحة
لعان الفاسق مع أنه لايقبل
شهادته ، وأيضا ، يعضده ما في الخبر ( 1 ) مكان كل شاهد
يمين .
وما في الرياض من أن ذلك ملازم لكون الاستثناء في الآية
منقطعا إذ ليس المراد
بالشهداء المستثنى منهم الحلفاء بل الشهود بالمعنى
المتعارف ، غريب ، فان مفاد الآية
الكريمة على ما ذكرناه أنه إن رمى زوجته بالزنا ولم يكن
له بينة فالمثبت له اليمين
الخاصة .
وإن شئت قلت إن المستثنى هو شهادة أحدهم وهو متصل ولكن
بين في ذيل
الآية أن شهادة أحدهم هي أربع يمين .
ويمكن أن يستدل له : بالنصوص الآتية في الملاعنة بضميمة
عدم القول
بالفصل ، ثم إنه يتصور لعان الكافر فيما إذا كان الزوجان
ذميين فترافعا إلينا ويمكن
فرض الزوجة مسلمة والزوج كافرا فيما إذا أسلمت وأتت بولد
يلحق به شرعا فأنكره .
وأما الملاعنة ففيها طائفتان من الاخبار :
الاولى : ما يدل على وقوع اللعان مع كونها كافرة ، كحسن
جميل عن مولانا
الصادق - عليه السلام - : سئل هل يكون بين الحر والمملوك
لعان ؟ فقال - عليه السلام - : " نعم وبين
المملوك والحرة وبين العبد والامة وبين المسلم واليهودية
والنصرانية " ( 2 ).
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 4 من كتاب اللعان حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 5 من كتاب اللعان حديث 2 . ( * )
] وسلامة المرأة من الصمم والخرس ودوام النكاح [
وخبر حريز عنه - عليه السلام - : " بين الحرة
والامة والمسلم والذمية لعان " ( 1 ) ونحوهما غيرهما .
الثانية : ما يدل على اعتبار الاسلام فيها كخبر ابن سنان
عن أبي عبد الله - عليه السلام - :
" لايلاعن الحر الامة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها
" ( 2 ).
وخبر علي بن جعفر عن أخيه - عليه السلام - عن رجل مسلم
تحته يهودية أو نصرانية
أو أمة ينفي ولدها وقذفها هل عليه لعان ؟ قال - عليه
السلام - : " لا " ( 3 ) ونحوهما غيرهما .
وحيث إن الاولى أصح سندا وموافقة لفتوى الاكثر التي هي
اولى المرجحات
فتقدم .
وأما الاستدلال لاعتبار الاسلام فيها بالآية : فتقريبه
والجواب عنه ما في الملاعن ،
فالاظهر عدم اعتبار الاسلام فيهما .
(و ) الثانية : يعتبر في اللعان ( سلامة المرأة من الصمم
والخرس ) وقد مر الكلام في
ذلك في كتاب النكاح في أسباب التحريم في السبب الثالث
عند تعرض
المصنف - ره - له .
الثالثة : يعتبر في الملاعة مضافا إلى ما مر امور :
(و ) الاول : ( دوام النكاح ) فلا يجوز لعان المتمتع بها
مطلقا على المشهور بل عليه
الاجماع في نفي الولد في كلام جماعة بل مطلقا كما عن
الغنية ، خلافا للمفيد والمرتضى في
القذف خاصة .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 5 من كتاب اللعان حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 5 من كتاب اللعان حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 5 من كتاب اللعان حديث 11 . ( * )
] وفي اشتراط الدخول قولان [
يشهد للمشهور : صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله -
عليه السلام - : " لا يلاعن
الرجل المرأة التي يتمتع منها " ( 1 ).
وصحيح ابن سنان عنه - عليه السلام - : " لا يلاعن
الحر الامة ولا الذمية ولا التي
يتمتع بها " ( 2 ) ، ونحوهما غيرهما .
واستدل للقول الآخر : بعموم الآية الكريمة ، ولاينافي
ذلك ورودها في الدائم لان
خصوص السبب لايخصص العام ، واطلاقها وإن كان شاملا
لللعان لنفي الولد ولكن
للاتفاق على أن ولد المتمتع بها ينتفي بغير لعان ، لا
معنى لللعان فيه .
ويرده : ان عموم الكتاب يخصص بالنصوص الصحيحة المعمول
بها ، كما حقق
في محله ، وقد تقدم البحث في هذه المسألة في كتاب النكاح
في مبحث المتعة ، ثم إنه لا
بد وأن يعلم أن ولد التمتع بها وإن كان ينتفي بمجرد
النفي من غير لعان ولكن لايجوز
نفيه إلا مع العلم بالانتفاء ، وإن عزل أو اتهمها أو ظن
الانتفاء لان المني سباق ( 3 ) والولد
للفراش ، وللنصوص ( 4 ) الخاصة .
الثاني : الدخول اعتبره جماعة ، وأنكره آخرون ، وفصل
ثالث بثبوته بالقذف دون
نفي الولد ( و ) ظاهر المصنف - ره - حيث قال ( في اشتراط
الدخول قولان ) التوقف في
المسألة .
وفي المسالك جعل محل الخلاف لعانها بالقذف ، وادعى
الاجماع على عدم لعانها
بالولد ، مع أن المحكي عن المفيد والصيمري والمصنف - ره
- في القواعد ثبوت اللعان
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 10 من كتاب اللعان حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 10 من كتاب اللعان حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 9 من كتاب اللعان .
( 4 ) الوسائل باب 33 من أبواب المتعة . ( * )
[ . . .. . . ]
لنفي الولد أيضا .
وكيف كان فيشهد للاول الذي هو المشهور بين الاصحاب :
جملة من النصوص ،
كموثق أبي بصير عن مولانا الصادق - عليه السلام - :
" لايقع اللعان حتى يدخل الرجل
بأهله " ( 1 ).
وخبر محمد بن مضارب : قلت لابي عبد الله - عليه السلام -
: ما تقول في رجل لاعن
امرأته قبل أن يدخل بها ؟ قال - عليه السلام - : "
لايكون ملاعنا إلا بعد أن يدخل بها يضرب
بها حدا وهي امرأته ويكون قاذفا " ( 2 ).
وفي سنده أبان وجعفر بن بشير الملحقان للسند بالصحيح أو
ما يقرب منه فان
الاول من أصحاب الاجماع ، وقيل في الثاني : إنه يروي عن
الثقات ويروون عنه ، ونحوهما
غيرهما من النصوص المنجبر ضعفها بحسب السند لو كان ، وقد
عرفت عدم الضعف
بفتوى الاكثر بل عليه الاجماع كما عن الخلاف والغنية .
واستدل للثاني : بعموم الآية والسنة .
ويرده : انه لابد وأن يخصص العموم بالنصوص المتقدمة ،
مضافا إلى الاجماع على
انتفاء الولد مع عدم الدخول ولايحتاج في نفيه إلى اللعان
، لان قبل الدخول القول قول
الزوج مع يمينه .
واستدل للثالث بوجوه :
1.
ما عن الحلي
وهو أنه به يجمع بين الادلة بمعنى حمل ما دل على اشتراط
الدخول على ما إذا كان لنفي الولد ، والآخر على القذف .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللعان حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللعان حديث 8 . ( * )
[ . . . . ]
ويرده : مضافا إلى أنه إن أراد بما يدل على عدم اعتبار
الدخول عموم الآية والسنة
فالنسبة بينهما وبين النصوص المتقدمة عموم مطلق واطلاق
المقيد مقدم على اطلاق
المطلق ، وإن أراد به ما يدل على ذلك صريحا فلم نظفر به
، وإلى أن الجمع المذكور تبرعي
لاشاهد به ، ان جملة من النصوص الدالة على اشتراط الدخول
انما هي في القذف .
لاحظ مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه : قلت لابي عبد
الله - عليه السلام - :
الرجل يقذف امرأته قبل أن يدخل بها ؟ قال - عليه السلام
- : " يضرب الحد " ( 1 ).
وخبر أبي بصير عنه - عليه السلام - : عن رجل تزوج امرأة
غائبة لم يرها فقذفها ؟ فقال -
عليه السلام - : " يجلد " ( 2 ) ونحوهما
غيرهما .
2.
إن نصوص
الاشتراط ضعيفة ، وعموم الآية والسنة لايشمل اللعان قبل
الدخول لنفي الولد ، لعدم توقف نفيه على اللعان إجماعا
لعدم وجود شرائط الالحاق ،
ذكره في المسالك .
وفيه : ما عرفت من اعتبار النصوص سندا .
3.
تنزيل
الاخبار على اعتبار الدخول بالنسبة إلى نفي الولد الذي لايتوقف نفيه
قبل الدخول على اللعان .
وفيه : انه لاوجه لذلك مضافا إلى أن جملة من النصوص
المشترطة للدخول في
اللعان بالقذف ، فتحصل مما ذكرناه أن الاظهر اشتراط
الدخول مطلقا .
الثالث : أن لاتكون المرأة مشهورة بالزنا كما عن المحقق
- ره - في الشرائع ، وعن
كشف اللثام لم أر من اشتراطه من الاصحاب غير المصنف - ره
- والمحقق ، ظاهره
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللعان حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللعان حديث 4 . ( * )
[ . . . . ]
التأمل فيه ، والظاهر أن وجهه اطلاق الادلة .
واستدل للاشتراط : بأن اللعان شرع صونا لعرضها من
الانتهاك وعرض المشهورة
بالزنا منتهك ، وبما سيأتي في محله ، من اعتبار الاحصان
بمعنى العفة في حد القذف
الذي شرع لسقوطه اللعان في الزوجين وهما كما ترى مختصان
باللعان بالقذف ففي
اللعان لنفي الولد لاشبهة في عدم اعتباره .
المورد الثالث : في كيفية اللعان ولايصح اللعان في زمان
الغيبة إلا عند الحاكم
الشرعي المجعول ( 1 ) واليا وحاكما من قبل صاحب الامر -
روحي فداه - لان اللعان ضرب
من الحكم بل هو من أقوى أفراده لافتقاره إلى سماع
الشهادة أو اليمين والحكم بالحدود
ودفعه بالشهادة بعد ذلك أو اليمين وحكمه بنفي الولد وفي
النصوص شهادة بذلك .
لاحظ المرسل عن مولانا الصادق - عليه السلام - : "
اللعان أن يقول الرجل لامرأته عند
الوالي إني رأيت رجلا مكان مجلسي منها أو ينتفي من ولدها
فيقول ليس مني فإذا فعلا
ذلك تلاعنا عند الوالي " ( 2 ) ، ونحوه غيره .
ولايتوهم كون ذلك من مناصب الامام - عليه السلام -
وثبوته للحاكم محل اشكال ،
وذلك للنصوص الآتية المتضمنة للآداب المصرح فيها بالامام
، فإنه لامفهوم لها كي
تدل على عدم مشروعيته عند غيره ، فلا يقيد بها اطلاق
المرسل وما شابهه .
وعن المبسوط والوسيلة والقواعد والشرائع وغيرها انهما لو
تراضيا برجل من
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي حديث 1 - 6 .
( 2 ) المستدرك باب 4 من أبواب اللعان حديث 3 . ( * )
] وصورته أن يقول الرجل " أشهد بالله إني لمن الصادقين
فيما قلته عن هذه المرأة "
أربع مرات [
العامة فلا عن بينهما جاز ، ولم يصرح في الاولين بالعامة
ولكن زاد في الاول منهما أنه يجوز
عندنا مشعرا بالاتفاق على جوازه ، فتوهم أن مرادهم جواز
اللعان في زمان الغيبة عند
غير الحاكم الشرعي .
إلا أنه في المسالك قال : والمراد بالرجل العامي الذي
يتراضى به الزوجان الفقيه
المجتهد حال حضور الامام لكنه غير منصور من قبله وسماه
عاميا بالاضافة إلى
المنصوب فإنه خاص بالنسبة إليه .
وعليه فلا يهمنا البحث فيه وانه هل يعتبر تراضيهما بعد
الحكم أم لا ، فان ساعدنا
التوفيق وأدركنا زمان حضوره - عليه السلام - : نسأل منه
ونستريح من هذا النزاع .
وفي المسالك بعد ذكر القولين والاستدلال لهما ، قال :
أما في حال الغيبة فينفذ فيه
حكم الفقيه الجامع لشرائط الفتوى لانه منصوب من قبل
الامام على العموم كما يتولى
غيره من الاحكام ولايتوقف على تراضيهما بعده لان ذلك
مختص بقضاء التحكيم .
(وصورته أن يقول الرجل ) أولا ( أشهد بالله إني لمن
الصادقين فيما قلته عن هذه
المرأة ) من الزنا أو ان الولد ليس من مائي ( أربع مرات ).
لكن ذكر غير واحد أنه إذا أراد نفي الولد قال : إن هذا
الولد من زنا وليس مني .
وعن التحرير لو اقتصر على أحدهما لم يجز .
وفيه : انه يختص الادلة في اللعان لنفي الولد بما إذا ثبت كونه من
زنا ودعوى
الزوج ذلك ، بل يعم ما لو احتمل الشبهة بل ولو علم به ،
بل مقتضى اطلاق أدلته
صحة اللعان لنفي الولد خاصة من غير قذف بالزنا ، واختصاص
الآية الكريمة بالقذف
لايوجب تخصيص النصوص المطلقة لعدم المفهوم لها . فالاظهر
الاكتفاء بما ذكرناه .
] ثم يعظه الحاكم ، فإن رجع حده وإلا قال إن لعنة الله عليه
إن كان من الكاذبين
ثم تقول المرأة أربع مرات أشهد بالله إنه لمن الكاذبين ثم
يعظها الحاكم فإن
اعترفت رجمها وإلا قالت إن غضب الله عليها إن كان من
الصادقين فتحرم
أبدا . ويجب [
(ثم يعظه الحاكم ) يذكر له أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا
ويقرأ
عليه : * ( الذين يشترون بعهد الله ثمنا قليلا ) * أو
يقول له : اتق الله فإن لعنة الله شديدة كما
في الخبر ( 1 ).
وفي خبر عبد الرحمان : ان رسول الله صلى الله عليه واله
وسلم قال للرجل بعد الشهادات الاربع : " اتق
الله فإن لعنة الله شديدة " ثم قال : " اشهد
الخامسة " ( 2 ).
(فإن رجع حده ) بلا خلاف والنصوص الآتية تشهد به كما
ستعرف .
(وإلا قال إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم نقول
المرأة أربع مرات أشهد
بالله إنه لمن الكاذبين ثم يعظها الحاكم فإن اعترفت
رجمها وإلا قالت إن غضب الله
عليها إن كان من الصادقين ) فيما رماها به من الزنا .
(ف ) إذا تم ذلك ( تحرم ) المرأة الملاعنة على الملاعن (
أبدا ) وقد تقدم الكلام في
ذلك في كتاب النكاح مفصلا ولانعيد ما ذكرناه .
ثم إن اللعان يشتمل على واجب ( و ) مندوب فالكلام في
موضعين :
الاول : فيما ( يجب ) فيه وهي امور :
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللعان حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللعان حديث 1 . ( * )
] التلفظ بالشهادة وقيامهما عند التلفظ [
1.
(التلفظ
بالشهادة ) على الوجه المزبور ، فلو أبدل صيغة الشهادة بغيرها
كقوله : شهدت الله أو أنا شاهد أو أحلف بالله أو أقسم أو
أبدل لفظ الجلالة كقوله :
أشهد بالرحمن ونحوه ، أو أبدل كلمة الصدق والكذب بغيرهما
مما يفيد معناهما كقوله :
إني لصادق ، أو حذف لام التأكيد ، أو قال : إنها زنت ،
أو قالت المرأة : إنه لكاذب ، أو
أبدل اللعن بغيره ولو بلفظ الابعاد والطرد أو لفظ الغضب
ولو بالسخط أو أحدهما
بالآخر ، لم يقع بلا خلاف في ذلك .
واستدل له : بأن كلا خلاف المنقول شرعا ولكن لولا
التسالم على ذلك كله أمكن
المناقشة فيها ، فانه لاتدل الآية ولا النصوص على اعتبار
الالفاظ المذكورة خاصة بل
ظاهرها ارادة ابراز المعنى المزبور إلا أن اتفاق الاصحاب
يقتضي الالتزام بجميع ذلك .
(و ) الثاني : ( قيامهما ) أي الملاعن والملاعنة ( عند
التلفظ ) بلا خلاف يعتد به ، وإنما
الخلاف في أنه هل يجب أن يكونا قائمين عند تلفظ كل منهما
كما عن الشيخ في النهاية
والمفيد وأتباعهما وأكثر المتأخرين ، أم يكون الواجب
قيام كل منهما عند لفظه كما عن
الصدوق والشيخ في المبسوط والحلي في السرائر وفي الشرائع
، منشأه اختلاف الاخبار .
يشهد للاول منهما : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج : إن عباد
البصري سأل أبا
عبد الله - عليه السلام - وأنا حاضر : كيف يلاعن الرجل
المرأة ؟ فقال أبو عبد الله - عليه السلام -
- وحكى قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وأخبره عن أهله ، إلى أن قال - : " فأوقفها
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال للرجل : إشهد
أربع شهادات " الحديث ( 1 ).
وحسن محمد بن مسلم عن الامام الباقر - عليه السلام - عن
الملاعن والملاعنة كيف
يصنعان ؟ قال - عليه السلام - : " يجلس الامام
مستدبر القبلة يقيمها بين يديه مستقبل القبلة
……………………………………………..
( 1 )
الوسائل باب 1 من كتاب اللعان حديث 1 . ( * )
] وبداية الرجل [
بحذائه ويبدأ بالرجل ثم بالمرأة " ( 1 ) ، ونحوهما
غيرهما .
واستدل للثاني : بما رواه عن الصدوق عن البزنطي عن الامام
الرضا - عليه السلام -
قال : قلت له : أصلحك الله كيف الملاعنة ؟ ( 2 ) إلى أن
قال : وفي خبر آخر : ثم يقوم الرجل
فيحلف أربع مرات - إلى أن قال - ثم تقول المرأة فتحلف
أربع مرات . وبما في الجواهر
بالمحكى عن فعل النبي صلى الله عليه واله وسلم من أنه
أمر عويمرا بالقيام ،
فلما تمت
شهادته أمر امرأته القيام ( 3 ).
ولكن الاول منهما مرسل لايصلح للمقاومة مع ما تقدم ،
والثاني لم أظفر به فإنه
في الوسائل روى رواية متضمنة لقضية عويمر وليس فيها ذلك
بل فيها : ان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لهما : " تقدما
المنبر فلاعنا " ، فتقدم عويمر إلى المنبر ( 4 ) والتقديم غير القيام .
فالاظهر هوالقول الاول ولاينافي وجوب ذلك ما في المرسل
عن الامام الصادق -
عليه السلام - : " السنة أن يجلس الامام للمتلاعنين
ويقيمهما بين يديه كل واحد منهما مستقبل
القبلة " ( 5 ) ، لان المراد بالسنة يمكن أن يكون
ما ثبت وجوبه بغير الكتاب لا الندب ، فما
عن ابن سعيد من استحبابه ضعيف .
(و ) الثالث : ( بدئة الرجل ) بالتلفظ على الترتيب
المذكور ، فلو بدأت المرأة باللعان
لغي بلا خلاف لان لعانها لاسقاط الحد عنها كما هو مقتضى
قوله تعالى : * ( ويدرؤا عنها
العذاب ) * ( 6 ) وهو انما يجب بلعان الزوج .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللعان حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللعان حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللعان حديث 3 .
( 4 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللعان حديث 9 .
( 5 ) المستدرك باب 1 من أبواب اللعان حديث 1 .
( 6 ) سورة النور آية 8 . ( * )
] وتعيين المرأة ، والنطق بالعربية مع القدرة ، ويجوز غيرها
مع العذر والبدئة
بالشهادات ثم باللعن في الرجل وفي المرأة تبدأ بالشهادات ،
ثم بالغضب [
وللنصوص ففي حسن محمد بن مسلم المتقدم : ويبدأ بالرجل ثم
بالمرأة .
وفي صحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر - عليه السلام -
: عن الملاعن والملاعنة
كيف يصنعان ؟ قال - عليه السلام - : " يجلس الامام
مستدبر القبلة يقيمهما بين يديه مستقبل
القبلة بحذائه ويبدأ بالرجل ثم بالمرأة " ( 1 ).
ولانه المحكى عن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
صحيح ابن الحجاج وقصة عويمر
المتقدمين .
(و ) الرابع : ( تعيين المرأة ) بما يزيل الاحتمال كذكر
اسمها واسم أبيها أو صفاتها
المميزة لها عن غيرها لانه الثابت فلو كانت حاضرة تخير
بين ذلك وبين الاشارة ويكفي
التعيين الاجمالي كما لو كانت له زوجة واحدة فقال :
زوجتي .
(و ) الخامس : ( النطق بالعربية مع القدرة ) على المشهور
، ولا دليل لهم سوى ما
استدل به لاعتبار العربية في العقود والايقاعات وقد مر
في كتاب النكاح عدم تمامية
شئ منها ، فان كان هناك إجماع فهو الحجة وإلا فمقتضى
اطلاق الآية والنصوص
اللتين قد مر ظهورهما في ارادة ابراز تلك المعاني
بالالفاظ عدم اعتبار العربية .
وعلى أي حال لا اشكال ( و ) لا خلاف في أنه ( يجوز غيرها
مع العذر ) . واشكال
سيد الرياض عليه لولا التسالم في غير محله .
(و ) السادس : ( البدئة بالشهادات ثم باللعن في الرجل
والمرأة تبدأ بالشهادات ثم
بالغضب ) بلا خلاف فيه ويظهر وجه مما أسلفناه . ثم إن
المحكي عن القواعد زيادة
الموالاة بين الكلمات أي الشهادات في الواجب وكذا اتيان
كل واحد منهما باللعن بعد
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللعان حديث 4 .
] ويستحب جلوس الحاكم مستدبر القبلة ، ووقوف الرجل عن يمينه
والمرأة
عن يساره ، وحضور من يسمع اللعان [
القاء الحاكم عليه ، فلو بادر قبل أن يلقيه الامام لم
يصح .
أقول : يشهد للثاني الاخبار المبينة لكيفية اللعان
لتضمنها ذلك ، مع أن الحد
لايقيمه إلا الحاكم فكذا ما يدرؤه ، أضف إليه انه
كاليمين في الدعاوى التي لو حلف
قبل الاحلاف لم يصح .
وأما الاول : فاستدل له في محكى كشف اللثام : بأنها من
الزوج بمنزلة الشهادات
ويجب اجتماع الشهود على الزنا ، وبوجوب مبادرة كل منهما
إلى دفع الحد عن نفسه
ونفي الولد إن كان منتفيا ، ولعلهما بضميمة الاقتصار فيما
خالف الاصل على الواقع
بحضرته صلى الله عليه واله وسلم مما لم يتخلل بينهما فصل
طويل ، تكفي في اعتبارها ، فتأمل ، فان الجميع كما
ترى لاتصلح لتقييد اطلاق الادلة ، ولذا لم يتعرض غيره من
الاصحاب لذلك ، فالاظهر
عدم اعتبارها وإن كان الاحوط رعايته .
(ويستحب جلوس الحاكم مستدبر القبلة ووقوف الرجل عن يمينه
والمرأة عن يساره ).
وقد دل على هذين خبر البزنطي عن الامام الرضا - عليه
السلام - : قال له : أصلحك
الله كيف الملاعنة ؟ قال - عليه السلام - : " يقعد
الامام ويجعل ظاهره إلى القبلة ويجعل الرجل
عن يمينه والمرأة والصبي عن يساره " ( 1 ) ، وعلى
خصوص الاول واستحباب استقبال
الزوجين صحيح محمد بن مسلم ( 2 ) المتقدم .
(و ) يستحب أيضا ( حضور من يسمع اللعان ) من أعيان البلد
وصلحائه فإن
ذلك أعظم للامر والاتباع ، فقد حضر اللعان على عهد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من
الصحابة منهم ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد وهم من
أحداث الصحابة ، وفي ما
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللعان حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللعان حديث 4 . ( * )
] والوعظ قبل اللعن والغضب . ولو أكذب نفسه [
تضمن ( 1 )قصة عويمر شهادة به .
(و ) أما ( الوعظ قبل اللعن والغضب ) فقد تقدم ما يدل
على استحبابه .
المورد الرابع : في الاحكام وفيه مسائل :
الاولى : لا خلاف بيننا ولا اشكال في أنه إذا قذف الرجل
امرأته وجب الحد عليه
لاطلاق الادلة كتابا وسنة ولايتعين عليه اللعان عينا بل
بلعانه يسقط الحد عنه ويثبت
في المرأة ولكن يسقط عنها بلعانها كما هو مقتضى الآية
الكريمة .
ومع لعانهما تثبت أحكام أربعة : سقوط الحدين ، وانتفاء
الولد عن الرجل دون
المرأة إن تلاعنا لنفيه ، وزوال الفراش ، والتحريم
المؤبد ، بلا خلاف في شئ من تلكم ،
والكتاب والسنة شاهدان بالجميع كما تقدم هنا وفي النكاح .
(ولو أكذب ) الملاعن ( نفسه ) فإن كان ذلك في أثناء
اللعان أو قبله ثبت عليه
الحد إن كان اللعان للقذف لامطلقا ، ولم ينتف عنه الولد
مطلقا وكذا لو نكل ، بلا
خلاف لان القذف موجب للحد ، والفراش للحوق النسب ، ولاينتفيان
إلا باللعان وقد
أبى عنه .
ولصحيح الحلبي عن الامام الصادق - عليه السلام - في حديث
: انه سئل عن الرجل
يقذف امرأته ؟ قال - عليه السلام - : " يلاعنها ثم
يفرق بينهما فلا تحل له أبدا فإن أقر على نفسه
قبل الملاعنة جلد حدا وهي امرأته " ( 2 ) .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب اللعان حديث 9 .
( 2 ) الوسائل باب 3 من كتاب اللعان حديث 2 . ( * )
] بعد اللعان حد للقذف [
وصحيح علي بن جعفر عن أخيه - عليه السلام - : عن رجل
لاعن امرأته فحلف أربع
شهادات بالله ثم نكل في الخامسة ؟ فقال - عليه السلام -
: " إن نكل عن الخامسة فهي امرأته
وجلد ، وإن نكلت المرأة عن ذلك إذا كانت اليمين عليها
فعليها مثل ذلك " ( 1 )،
ونحوهما غيرهما .
ومقتضى اطلاق الثاني وكذا الصحيح الآخر وإن كان ثبوت
الحد لو اعترف
بالولد في اثناء اللعان ، أو نكل عن الخامسة مع كون
اللعان لنفي الولد خاصا مجردا عن
القذف بتجويزه الشبهة .
إلا أنه لاخلاف ولا شبهة في عدم ثبوت الحد في هذه الصورة
ولاموجب له ،
فيحمل اطلاق الخبرين على غير ذلك .
ولو كذب نفسه ( بعد اللعان حد للقذف ) إن كان اللعان له
كما في المتن وعن
الشيخ في المبسوط والمفيد والعماني والمصنف في القواعد
وولده في شرحه والاصبهاني في
شرحه ، وقواه في المسالك ، لرواية محمد بن الفضيل عن
الامام الكاظم - عليه السلام - : انه
سئل عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولده ثم أكذب نفسه هل
يرد عليه ولده ؟
فقال - عليه السلام - : " إذا كذب نفسه جلد الحد ، ورد
عليه ابنه ولاترجع إليه امرأته
أبدا " ( 2 ).
ولانه آكد باللعان القذف لتكراره إياه فيه والسقوط أنما
يكون مع علم صدقه أو
اشتباه الحال .
أما مع اعترافه بكونه كاذبا فهو قذف محض فلا يكون زيادته
مسقطة للحد ولانه
ثبت عليه الحد بالقذف فيستصحب إلى أن يعلم المزيل
ولايعلم زواله بلعان ظهر كذبه .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب اللعان حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 6 من كتاب اللعان حديث 6 . ( * )
[. . . ]
ولكن يرد على الاول : ان محمد بن الفضيل مشترك بين الثقة
والضعيف .
ويرد على الثاني : ان الذي اكد القذف هو اللعان المسقط
للحد في نفسه ، واكذاب
نفسه الذي هو الموجب لاعادة الحد تنزيه لها لا زيادة هتك .
ويرد الثالث : مضافا إلى أنه باللعان سقط الحد فلو
استصحب لابد من
استصحاب عدم الثبوت لا الثبوت ، انه لايصلح للمقاومة مع
العمومات الدالة على
مسقطية اللعان للحد مطلقا ، ودعوى اختصاصها بصورة العلم
بالصدق أو اشتباه
الحال ولاتشمل صورة اعترافه بالكذب ، كما ترى بلا شاهد .
ويشهد لسقوط الحد مضافا إلى ذلك : جملة من النصوص كصحيح
الحلبي عن
الامام الصادق - عليه السلام - : في رجل لاعن امرأته وهي حبلى قد استبان حملها وأنكر ما
في
بطنها فلما وضعت ادعاه وأقر به وزعم أنه منه ؟ فقال -
عليه السلام - : " يرد إليه ولده ويرثه
ولا يجلد لان اللعان قد مضى " ( 1 ).
ونحوه صحيحه الآخر عنه - عليه السلام - الا أن فيه : لان
اللعان بينهما قد مضى ( 2 ).
وكذا خبره الثالث إلا أن فيه : لانه قد مضى التلاعن ( 3 ).
ودعوى أنها مختصة باكذاب نفسه في نفي الولد دون القذف
والحد إنما يجب إذا
أكذب نفسه فيما رماها به من الزنا كما عن الشيخ في
المبسوط وإليه يشير في المسالك
قال : والاخرى أي نصوص السقوط لاتنافيه ، مندفعة بأن ما
فيها من التعليل كالصريح
في أن اللعان كان بالقذف ونفي الولد وإن كان المذكور
فيها الاخير .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 6 من كتاب اللعان حديث 4 .
( 2 ) التهذيب ج 8 ص 190 حديث 19 .
( 3 ) الوسائل باب 6 من كتاب اللعان حديث 2 . ( * )
] ولم يزل التحريم ، ويرثه الولد ولا يرثه الاب ولا من يتقرب
به ، ولو اعترفت
المرأة بعد اللعان [
فتحصل مما ذكرناه : ان ما أفاده الشيخ في النهاية
والتهذيب ، وسيد الرياض ،
وصاحب الجواهر - ره - وغيرهم من سقوط الحد هو الاظهر .
(و ) مع اكذاب نفسه بعد اللعان لاتعود الحلية بل ( لم
يزل التحريم ) بلا خلاف
نصا وفتوى بل ولا اشكال ، واطلاق ما دل على الحرمة
الابدية باللعان شامل لها ،
والنصوص الخاصة الآتي بعضها أيضا تشهد به .
نعم باكذاب نفسه يلحق به الولد بلا خلاف فيه نصا وفتوى
لكن فيما عليه لا
فيما له لاقراره أولا بالانتفاء منه .
(و ) لذا ( يرثه الولد ) مع اعترافه بعد اللعان ( ولا
يرثه الاب ولا من يتقرب به ).
ويشهد به : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله - عليه السلام -
في حديث قال : سألته عن
الملاعنة التي يقذفها زوجها وينتفي من ولدها فيلاعنها
ويفارقها ثم يقول بعد ذلك
الولد ولدي ويكذب نفسه ؟ فقال - عليه السلام - :
" أما المرأة فلا ترجع إليه ، وأما الولد فإني أراه عليه
إذا ادعاه ولا أدع ولده بلا
ميراث وليس له ميراث ويرث الابن الاب ولايرث الاب الابن
يكون ميراثه
لاخواله " الحديث ( 1 ) . ونحوه غيره .
وما في خبر الكناني من أنه لايرد عليه ولده ( 2 ) محمول
على عدم اللحوق به بنحو
يترتب عليه جميع الآثار يرث ويرثه أبوه ، وتمام الكلام
في ذلك في كتاب الميراث .
الثانية : ( ولو اعترفت المرأة بعد اللعان ) بأن أكذبت
نفسها لم يعد شئ من أحكام
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل
باب 6 من كتاب اللعان حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 6 من كتاب اللعان حديث 5 . ( * )
] أربعا قيل تحد [
اللعان التي ثبتت به ولم يجب الحد عليها بذلك إجماعا لما
سيأتي من أن حد الزنا لايثبت
على المقر إلا أن يقر به أربع مرات .
وقد صرح بذلك الشهيد الثاني - ره - وهذا على ما سلكناه
في اكذاب الرجل نفسه
يتم .
وأما بناء على مسلكه من أن الاكذاب يوجب الغاء تأثير
اللعان نظرا إلى
اختصاص أدلته بصورة العلم أو اشتباه الحال ولا تشمل صورة
اعترافه ، فلا يتم ، فإن
الموجب لحدها هو لعان الرجل وأنما يسقط الحد لعانها
والمفروض سقوطه عن التأثير
فيبقى لعان الرجل على كونه موجبا لحدها من دون مسقط .
وكيف كان فعلى المختار المجمع عليه وهو عدم الحد لو أقرت
بالزنا الذي قذفها
به ( أربعا ) بعد اللعان ( قيل تحد ) والقائل على ما في
المسالك الشيخ في النهاية وأتباعه
وابن إدريس والمصنف بل نسبه إلى الاشهر .
واستدل له : بعموم ما دل ( 1 ) على وجوب الحد على من أقر
أربعا مكلفا حرا
مختارا ، واختاره هو أيضا ، ولا بأس به فان لعانها انما
أسقط وجوب الحد الثابت بلعان
الرجل ، ولايوجب سقوط الحد الثابت باقرارها أربعا .
وبه يظهر اندفاع ما استدل به للقول بالسقوط كما في
الجواهر باندفاعه باللعان ،
وبفحوى ما سمعت في اكذاب نفسه ، وبالتعليل في النصوص
السابقة بأن اللعان
قد مضى :
أما الاول : فلان المندفع باللعان الحد الثابت بلعان
الرجل لا مطلقه .
وأما الثاني : فبمنع الاولوية بعد كون إقرارها أربعا
بنفسه من مثبتات الحد .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 16 من أبواب حد الزنا . ( * )
] ولو ادعت المرأة المطلقة الحمل منه فانكر الدخول فأقامت
بينة بارخاء الستر
فالاقرب سقوط اللعان ما لم يثبت الدخول [
وأما الثالث : فلان اللعان الماضي لانقول بعدم تأثيره
حتى يستدل به في المقام كما
في الصورة السابقة ، بل نقول : إنه أوجب سقوط الحد
الثابت بلعان الرجل دون الثابت
بغيره ، فالاظهر حينئذ ثبوت الحد .
الثالثة : ( ولو ادعت المرأة المطلقة الحمل منه ) وأنكر
فإن كان بعد اتفاقهما على
الدخول لحق به الولد ولاينتفي إلا باللعان إجماعا ، وإن
كان بعد الاتفاق على عدم
الدخول انتفى بغير لعان .
وإن كان بعد الاختلاف ( ف ) ادعته الزوجة و ( أنكر )
الزوج ( الدخول فأقامت بينة
بارخاء الستر فالاقرب ) عند المصنف - ره - والمحقق والحلي (
سقوط اللعان ما لم يثبت
الدخول ) بالبينة أو الاقرار .
ووجهه : ان فائدة اللعان من الزوج إما نفي ولد يحكم
بلحوقه شرعا وهو موقوف
على ثبوت الوطء ليصير فراشا ولم يحصل ، وإما لنفي حد
القذف عنه ولم يقذف ، وإما
لاثبات حد على المرأة وهو هنا منتف بالشبهة ، هكذا استدل
لهذا القول في المسالك .
ولكن يرد عليه : انه قد تقدم في مبحث المهور ان الشارع
الاقدس جعل الخلوة
امارة للدخول ، ولذا قد عرفت في ذلك المبحث أنه لو ادعى
عدم الدخول وادعته انه
يحكم في الظاهر بأن لها تمام المهر ، ومقتضى اطلاق تلك
النصوص ترتب جميع أحكام
الدخول منها ثبوت اللعان .
أضف إلى ذلك : صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى - عليه
السلام - : عن رجل
طلق امرأته قبل أن يدخل بها فادعت أنها حامل ؟ فقال -
عليه السلام - : " إن أقامت البينة على
[ . . . . ]
أن أرخى عليها سترا ثم أنكر الولد ، لاعنها ، ثم بانت
منه وعليه المهر كملا " ( 1 ).
فان المستفاد من هذه الرواية انه على تقدير اقامتها
البينة بارخاء الستر يلزمه
ثلاثة أشياء : اللعان ، والتحريم ، ووجوب المهر ، فيوافق
مضمونه مع تلك النصوص
الدالة على العمل بظاهر حال الصحيح عند الخلوة بالحليلة
وعدم المانع من الوطء ،
فيثبت المهر واللعان ويترتب عليه التحريم ، كما أفاده
الشيخ - ره - في النهاية على ما
حكى .
وأما مع عدم اقامة البينة عليه ، فعن الشيخ اثبات أحكام
ثلاثة : وجوب نصف
المهر ، ونفي اللعان ووجوب الحد عليها ، مائة سوط ،
والاولان يثبتان لانهما لازمان لعدم
الدخول ، وأما الثالث فلا وجه له ولم نظفر بمستنده فان
انتفاء الولد عنه بدون اللعان
لايلازم ثبوت الزنا وإن اعترفت بالحمل منه والوطء الذين
كان القول قوله في نفيهما
للاصل ، إذ لايلزم من انتفاء السبب الخاص المحلل انتفاء
غيره من الاسباب وإن
لم تدعيه .
حكم ما إذا قذف امرأته فماتت قبل اللعان
الرابعة : إذا قذف امرأته فماتت قبل اللعان أو اكماله في
كل منهما ، فالمشهور بين
الاصحاب ان له الميراث لبقاء الزوجية الموجبة له ، وقد
فات ما يوجب نفي الميراث
بموتها وهو التلاعن ، والاصل أن لايقوم غيره مقامه .
وعن الشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة : إن قام رجل من
أهلها فلاعنه سقط
الحد عنه وسقط ارثه ، لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله -
عليه السلام - : في رجل قذف امرأته
وهي في قرية من القرى ، فقال السلطان : ما لي بهذا علم
عليكم بالكوفة ، فجاءت إلى
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 2 من كتاب اللعان حديث 1 . ( * )
[ . . . . ]
القاضي للتلاعن فماتت قبل أن يتلاعنا ، فقالوا هؤلاء :
لاميراث لك ، فقال أبو عبد الله -
عليه السلام - : " إن قام رجل من أهلها مقامها
فلاعنه فلا ميراث له وإن أبى أحد من
أوليائها أن يقوم مقامها أخذ الميراث زوجها " ( 1 ).
وخبر عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن مولانا علي
- عليه السلام - : في
رجل قذف امرأته ثم خرج فجاء وقد توفيت ؟ قال - عليه السلام - : " تخير واحدة من ثنتين يقال
له : إن شئت ألزمت نفسك الذنب فيقام عليك الحد ويعطى
الميراث ، وإن شئت أقررت
فلا عنت أدنى قرابتها ولاميراث لك " ( 2 ).
وأورد عليهم في الرياض : بمخالفتهما للاصل من حيث إن
اللعان شرع بين
الزوجين فلا يتعدى إلى غيرهما وإن لعان الوارث متعذر
لانه إذ اريد مجرد حضور
فليس بلعان حقيقي ، وإن اريد ايقاع الصيغ المعهودة من
الزوجة فبعيد لتعذر القطع
من الوارث على نفي فعل غيره غالبا وايقاعه على نفي العلم
تغيير للصورة المنقولة
شرعا ، ولان الارث قد استقر بالموت فلا وجه لاسقاط
اللعان المتجدد له ، انتهى .
وفيه : ان مخالفة الاصل لاتمنع من العمل بالخبر وكم خبر
يخالف الاصول
والقواعد العامة ويعمل به بل لو كانت هي مانعة عن العمل
بالخبر لزم تأسيس فقه
جديد .
وأما قوله : إن الوارث متعذر عليه القطع بفعل المورث ،
فيرده : انه يمكن ذلك إذا
كان الفعل محصورا بأن يدعي أنها زنت في ساعة كذا ، وقد
كان الوارث ملازما لها في
تلك الساعة أو للمنسوب إليه الزنا في تلك الساعة على وجه
يعلم بانتفاء الفعل كما في
نظائره من الشهادات على نفي المحصور .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 15 من كتاب اللعان حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 15 من كتاب اللعان حديث 2 . ( * )
[ . . . . . ]
وأما قوله : إن الميراث قد استقر بالموت ، فلا وجه
لاسقاط اللعان المتجدد .
فيرده ان الوجه له النص فكما أنه يسقط اللعان الحد
الثابت بالقذف فليكن
مسقطا للميراث الثابت بالموت .
فالعمدة في الايراد على الشيخ وتابعيه : ضعف سند الخبرين
، أولهما بالارسال
والثاني برواية عمرو ، وعدم عمل المشهور بهما ، فلا وجه
لقيام غيرها مقامها فميراثه
ثابت .
ولكن بما أن بعض أحكام اللعان مترتب على لعانه خاصة من
غير أن يتوقف
على لعانها وهو سقوط الحد عنه وثبوته عليها ، وليسا هما
من قبيل الفرقة المؤبدة الموجبة
لنفي التوارث وانتفاء نسب الولد عن الاب المتوقفة على
لعانهما معا ، فاذا ماتت كان له
اللعان لنفي الحد كما عن الاكثر ، وما عن جماعة من المنع
عنه لانه وظيفة شرعية موقوفة
على النقل ولم يثبت صحته عن الزوج بعد موت الزوجة .
يرده : أنه إما إيمان أو شهادة وكلاهما لا يتوقفان على
حياة الشهود عليه
والمحلوف لاجله ، وعموم الآية الكريمة وما شابهها من
النصوص ، فالاظهر سقوط الحد
عنه باللعان .
وقد ذكر الفقهاء في المقام مسائل اخر سيأتي بعضها في
كتاب الحدود وبعضها في
كتاب الشهادات ويظهر حال بعضها مما أسلفناه فلا نطيل
الكلام بذكرها .
قد تم كتاب الفرقة في ليلة الاربعاء من شهر ذي القعدة
الحرام سنة 1388 ويتلوه
في المتن كتاب العتق وحيث إنه لاموضوع له في هذا الزمان
، أعرضت عن التعرض له
فها أنا أشرع في كتاب الايمان بحول الله وقوته وبه
أستعين . والحمد لله أولا وآخرا .
] كتاب الايمان [
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما اولينا من التفقة في الدين
وصلى الله على سيد المرسلين محمد وعترته الطاهرين
وهي جمع يمين : وهي لغة تطلق تارة على الجارحة المخصوصة
، واخرى على البركة
والقوة يقال فلان عندنا باليمين أي بالمنزلة الحسنى ،
قدم على أيمن اليمين أي على
اليمن والبركة ، وثالثة على القسم .
وشرعا على ما ذكره غير واحد الحلف بالله أو بأسمائه
الخاصة لتحقيق ما يحتمل
الموافقة والمخالفة في الاستقبال ، والمراد بكونه شرعا
ليس ثبوت الحقيقة الشرعية أو
المتشرعية لها ، بل ما يترتب عليه الحنث والكفارة
ونحوهما من الاحكام التي رتبها
الشارع على اليمين وإلا فهي يمين لغة قطعا ، والمراد
باحتمال المخالفة : امكان وقوعها
عقلا لا شرعا ، فيصح على فعل الواجب وترك الحرام دون
الممتنع خلافا لسيد الرياض
وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى .
[ . . . . . ]
وكيف كان فاليمين أقسام : أحدها : يمين اللغو ، وثانيها
: يمين الغموس ، وثالثها :
يمين المناشدة ، ورابعها : يمين الانعقاد .
أما الاولى : فلها تفسيران :
1.
الحلف بلا
قصد على الماضي أو الآتي .
2.
أن يسبق
اللسان إلى اليمين من غير قصد انها يمين .
ففي موثق مسعدة بن صدقة عن سيدنا الصادق - عليه السلام -
قال : سمعته يقول في
قول الله عزوجل : * ( لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم
) * : " اللغو قول الرجل لا والله وبلى
والله ولا يعقد على شئ " ( 1 ) ، ونحوه خبر عبد
الله بن سنان ( 2 ).
وفي خبر أبي الصباح الكناني عنه - عليه السلام - في
تفسير الآية هو : لا والله بلى والله
وكلا والله ، لايعقد عليها أو لايعقد على شئ ( 3 )
ونحوها غيرها .
ويظهر من بعض النصوص أن لها مصداقا آخر ، لاحظ مرسل ابن
أبي عمير عن
أبي عبد الله - عليه السلام - في قوله تعالى : * (
لاتحرموا طيبات ما أحل الله لكم . . . ) * الخ ، نزلت
في جماعة حلف بعضهم أن لاينام في الليل أبدا ، وحلف آخر
على أن لايفطر في اليوم
أبدا ، وثالث أن لاينكح أبدا - إلى أن قال : - فصعد رسول
الله المنبر وحمد الله وأثنى عليه
ثم قال : " ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات
ألا إني أنام بالليل وأنكح وأفطر في
النهار فمن رغب عن سنتي فليس مني " ، فقام هؤلاء
فقالوا : يا رسول الله قد حلفنا على
ذلك . فأنزل الله عزوجل : * ( لايؤاخذكم الله باللغو في
أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما
عقدتم الايمان ) * ( 4 ) . وهي بجميع معانيها ليست محرمة
ولا يؤاخذ بها ، لقوله تعالى : * ( لا
……………………………………………..
( 1 - 2 ) الوسائل باب 17 من كتاب الايمان حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 17 من كتاب الايمان حديث 5 .
( 4 ) الوسائل باب 19 من كتاب الايمان حديث 1 . ( * )
[ . . . . ]
يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) * ( 1 ).
وأما الثانية : وهي يمين الغموس ، وهي على ما هو المعهود
بين الفقهاء وأهل اللغة
كما في المسالك : الحلف على الماضي كاذبا متعمدا ، بأن
يحلف أنه ما فعل ، وقد كان فعل ،
أو بالعكس .
وعن التنقيح تفسيرها : بالحلف على الماضي والحال مع تعمد
الكذب .
وفي الرياض وهي على ما ذكره الاكثر : الحلف على أحد
الامرين ( أي الماضي
والمستقبل ) مع تعمد الكذب ، وهي محرمة بلا خلاف والنصوص
بها مستفيضة .
وفي المستفيض ( 2 ) منها وفيه الصحيح وغيره : انها تذر
الديار بلاقع من أهلها .
وفي بعضها : ( 3 ) اليمين الغموس تنتظر بها أربعين ليلة
، وفي خبر آخر : ( 4 ) انها تثقل
الرحم ، أي تقطع النسل . وفي ثالث : ( 5 ) عدها مما
يبارز به الله تعالى ، وفي رابع : ( 6 ) انها من
الكبائر ، ولا كفارة فيها سوى الاستغفار كما سيأتي .
ولكن المحقق في الشرائع بعد ما حكم بكراهة الايمان
الصادقة قال : ويتأكد
الكراهية في الغموس على اليسير من المال ، فقد حمله في
المسالك والجواهر على اليمين
الصادقة على الماضي ، وهو المتعين ، وسيأتي في ذيل حكم
اليمين الصادقة موارد الاستثناء
من هذه .
……………………………………………..
( 1 ) سورة المائدة آية 89 والبقرة آية 225 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من كتاب الايمان حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 4 من كتاب الايمان حديث 9 .
( 4 ) الوسائل باب 4 من كتاب الايمان حديث 16 .
( 5 ) الوسائل باب 4 من كتاب الايمان حديث 4 .
( 6 ) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس حديث 33 . ( * )
[ .. . . ]
وأما الثالثة : وهي يمين المناشدة ، فهي الحلف على الغير
ليفعلن أو يتركن
وسيذكرها المصنف - ره - .
وأما الرابعة : وهي الحلف على الفعل أو الترك في
المستقبل مع الصدق ، وهي التي
تقع بها الحنث ويجب بها الكفارة ، وهذا الفصل سيق لبيان
أحكامها وقبل الشروع فيها
لا بأس ببيان حكمها التكليفي من حيث الحلية والحرمة
وكذلك اليمين الصادقة على
الماضي .
قال في الشرائع : الايمان الصادقة كلها مكروهة . وقد
استدل له بقوله تعالى : * ( ولا
تجعلوا الله عرضة لايمانكم ) * ( 1 ) .
وبجملة من النصوص كخبر أبي أيوب الخزاز عن الامام الصادق
- عليه السلام - :
" لاتحلفوا بالله صادقين ولاكاذبين فانه يقول عزوجل : * (
ولاتجعلوا الله عرضة
لايمانكم ) * ( 2 ).
وحسن ابن سنان عنه - عليه السلام - : اجتمع الحواريون
إلى عيسى فقالوا له : يا معلم
الخير أرشدنا فقال لهم : " إن موسى نبي الله - عليه
السلام - أمركم أن لاتحلفوا بالله كاذبين وأنا
آمركم أن لاتحلفوا بالله كاذبين ولاصادقين " ( 3 ).
وخبر أبي سلام المتعبد : سمعت أبا عبد الله - عليه
السلام - يقول لسدير : " يا سدير من
حلف بالله كاذبا كفر ومن حلف بالله صادقا أثم إن الله
عزوجل يقول : * ( ولا تجعلوا الله
……………………………………………..
( 1 ) سورة البقرة آية 224 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب الايمان حديث 5 .
( 3 ) الوسائل باب 1 من كتاب الايمان حديث 2 . ( * )
[ . . . . ]
عرضة لايمانكم ) * ( 1 ) ونحوها غيرها .
وفي المسالك بعد الاستدلال لكراهة اليمين الصادقة - وليس
على اطلاقه - لما
ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حلف كثيرا كقوله
صلى الله عليه واله وسلم لما حكى
عن سليمان
انه قال : لاطوفن الليلة على
سبعين امرأة كلها تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله -
الحديث - : " وأيم الله والذي نفس
محمد بيده لو قالوا إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله
فرسانا أجمعون " .
وقوله صلى الله عليه واله وسلم في زيد بن حارثة : "
وأيم والله إن كان خليقا بالامارة " وغير ذلك من
الايمان المروية عنه صلى الله عليه واله وسلم ، ثم انه
في ذيل كلامه اختار أنها مكروهة إذا كثرت قال : وعليه
تحمل الآية ، وفي العرضة تنبيه عليه وكالحلف على القليل
من المال ولاكراهة في غير ذلك .
وفيه : ان محل الكلام هو بيان حكم اليمين الصادقة من حيث
هي مع قطع النظر
عن العوارض الخارجية .
وما ورد عن المعصومين - عليهم السلام - من الايمان لعلها
كانت مقترنة بما يزيل
مرجوحيتها التي لاتصدر عنهم ، كما يشير إليه خبر علي بن
مهزيار قال : كتب رجل إلى
أبي جعفر - عليه السلام - يحكي له شيئا فكتب - عليه
السلام - إليه :
" والله ما كان ذلك وإني لاكره أن أقول والله في حال من
الاحوال ولكن غمني أن
يقال ما لم يكن " ( 2 ) فالاظهر هي الكراهة مطلقا .
وتتأكد الكراهة إذا كانت على اليسير من المال ، لمرسل علي
بن الحكم عن
الامام الصادق - عليه السلام - : " إن ادعى عليك مال ولم يكن له عليك فأراد أن يحلفك
فإن بلغ مقدار ثلاثين درهما فاعطه ولاتحلف وإن كان أكثر
من ذلك فاحلف
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب الايمان حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب الايمان حديث 1 . ( * )
[ . . . . . ]
ولاتعطه " ( 1 ).
المحمول ما في ذيله من الامر بالحلف على المال الكثير
على عدم شدة الكراهة
بقرينة النبوي الخاص من أجل الله إن يحلف به أعطاه الله
خيرا مما ذهب منه ( 2 ).
وما تضمن دفع زين العابدين - عليه السلام - إلى امرأته التي ادعت عليه صداقها
أربعمائة دينار وقال : " أجللت الله عزوجل أن أحلف
به يمين صبر " ( 3 ).
وظاهر الخبر الاول تحديد اليسير بمقدار ثلاثين درهما .
ولكن المصنف قال : إنه يختلف باختلاف الشخص والحال ، وهو
ظاهر الشرائع
حيث اطلق اليسير من المال ولا بأس به بضميمة مناسبة
الحكم والموضوع .
وتتأكد الكراهة أيضا مع اكثارها ، للكتاب والسنة قال
الله تعالى : * ( ولاتطع كل
حلاف مهين ) * ( 4 ).
وفي المسالك واستثنى بعضهم ( أي من الكراهة ) ما وقع
منها في حاجة لتوكيد
كلام أو تعظيم أمر ، فالاول كقوله - عليه السلام - :
" فوالله لايمل حتى يملوا " ، والثاني كقوله
- عليه السلام - : " والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم
قليلا ولبكيتم كثيرا " ، وباقي ما ورد
عنه صلى الله عليه وآله وسلم من الايمان راجع إلى هذين .
وفي الرياض بعد اختياره ذلك لكن عن الاكثر عدم الاستثناء .
وينقسم الايمان باعتبار العوارض الخارجية إلى الاحكام
الخمسة كما قسمها
الاكثر ، فقد يحرم كما إذا أوجب أضرارا لمؤمن أو ما شاكل
، وقد يجب كما في استنقاذ نفس
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب الايمان حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب الايمان حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 2 من كتاب الايمان حديث 1 .
( 4 ) سورة القلم آية 11 . ( * )
[ . . . .. ]
محترمة من القتل . وقد يستحب كما إذا توقف دفع ظالم عن
ماله المجحف به . وقد
يباح . وقد يكره زيادة على كراهته كما إذا كثر .
وقد تجب اليمين الكاذبة التي تكون محرمة كما مر ، كما
إذا توقف عليها حفظ نفسه
أو نفسه محترمة أو حفظ ماله أو مال غيره .
لاحظ صحيح الاشعري عن أبي الحسن الرضا - عليه السلام -
في حديث قال : سألته
عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف ؟ قال -
عليه السلام - : " لا جناح
عليه " ، وعن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف
لينجو به منه ؟ قال - عليه السلام - :
" لاجناح عليه " ، وسألته هل يحلف الرجل على مال أخيه
كما يحلف على ماله ؟ قال - عليه
السلام - : " نعم " ( 1 ).
وصحيح الحلبي عن الامام الصادق - عليه السلام - عن الرجل
يحلف لصاحب
العشور يحرز بذلك ماله ؟ قال : " نعم " ، قال
: وقال الصادق - عليه السلام - : " اليمين على
وجهين - إلى أن قال - : فأما الذي يؤجر عليه الرجل إذا
حلف كاذبا ولم تلزمه الكفارة ،
فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدى عليه من
لص أو غيره " ( 2 ).
وخبر إسماعيل الجعفي : قلت لابي جعفر - عليه السلام - :
أمر بالعشار ومعي المال
فيستحلفوني فإن حلفت تركوني وإن لم أحلف فتشوني وظلموني
فقال - عليه السلام - :
" إحلف لهم " ، قلت : إن حلفوني بالطلاق ؟ قال - عليه
السلام - : " فاحلف لهم " ، قلت : فإن
المال لايكون لي قال - عليه السلام - : " تتقي مال
أخيك " ( 3 ) ، إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 12 من كتاب الايمان حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 12 من كتاب الايمان حديث 8 - 9 .
( 3 ) الوسائل باب 12 من كتاب الايمان حديث 17 . ( * )
[ . . . . ]
وفي الشرائع ، وعن القواعد وغيرها انه إن كان ممن يحسن
التورية ورى وجوبا ،
وإن لم يحسنها جاز الحلف كاذبا .
وأورد عليهم : بأن مقتضى اطلاق النصوص المتقدمة جواز
الحلف كاذبا لنجاة
نفسه أو نفس محترمة أو مال محترم له أو لغيره من دون
إشارة إلى التورية .
وأجاب عنه المحقق النائيني - ره - بأن التورية أيضا من
الكذب المحرم ولاجله لم
ينبه عليها .
وفيه : إن التورية عبارة عن إلقاء المتكلم كلاما له ظهور
في معنى وهو يريد منه
غير ذلك المعنى ويكون المعنى المراد مطابقا للواقع دون
المعنى الظاهر ، كما إذا استأذن
رجل بالباب وقال الخادم له : ما هو هيهنا ، مشيرا إلى
موضع خال في البيت . ويعتبر في
صدقها أمران :
أحدهما : أن يكون اللفظ بحسب المتفاهم العرفي ظاهرا في
غير ما أفاده المتكلم ،
فلو كان ظاهرا فيه ولكن المخاطب لقصور فهمه لم يتنبه له
لم يكن ذلك من التورية .
ثانيهما : أن يكون ارادة ذلك المعنى من ذلك اللفظ صحيحة
بأن تكون بينهما
علاقة ، فلو كان استعماله فيه غير صحيح لما كان من
التورية ، مثلا لو قال : أعطيت زيدا
خمسين درهما ، وأراد به درهما واحدا وقد أعطاه في الواقع
درهما ، لم يكن ذلك من
التورية ، وعلى هذا فالتورية خارجة عن الكذب الذي هو
عبارة عن عدم مطابقة المعنى
المراد للواقع موضوعا .
فالحق في الجواب عن الايراد ، أن يقال : إن عدم الاشارة
إلى التورية انما هو لاجل
أن طبع المتكلم في بيان مراداته بالالفاظ ، إنما هو
بإلقاء الالفاظ الظاهرة فيها ولايمكن
له التورية إلا بالتروي ، وهو في مقام الخوف والاكراه
عسر جدا وحرج شديد ، ولذلك لم
ينبه عليها في النصوص ، فالاظهر انه إن كان يحسن التورية
من دون أن يكون حرج
] وفيه فصول ، الفصل الاول ، [
وعسر لايجوز الحلف كاذبا وإلا جاز بل كان راجحا في بعض
الموارد وواجبا في آخر .
ثم انه لايستفاد من النصوص الوجوب لورود الامر بها ،
فيها موقع توهم الحظر
فلا يستفاد منها أزيد من الجواز .
نعم ، من قول الامام الباقر - عليه السلام - لزرارة :
" فاحلف لهم ، فهو أحلى من التمر
والزبد " ( 1 ) ، يستفاد الرجحان ، فالحكم بالوجوب
متوقف على توقف واجب عليها
كحفظ نفس محترمة ، فلو توقف عليها حفظ مال الغير لاتكون
واجبة لما صرحوا به من
عدم وجوب الدفاع عن المال مطلقا .
بل عن الشهيد - ره - التصريح بأن الحلف لدفع الظالم عن
مال نفسه المجحف
به مستحب ، فما عن القواعد وقد تجب الكاذبة إذا تضمنت
تخليص مؤمن أو مال
مظلوم أو دفع ظلم عن انسان أو عن ماله أو عن عرضه انتهى
، غير تام . وفي المسالك
انه يمكن الفرق بين المال المضر فواته بمالكه وغيره في
الامرين انتهى .
ويرده : ان الظاهر عدم الوجوب في مال الغير مطلقا .
والاصل في شرعية اليمين الصادقة على الفعل أو الترك في
المستقبل التي هي
المعنى المقصود هنا : الكتاب والسنة والاجماع كما ستأتي
الاشارة إلى الجميع .
والمصنف - ره - جعل اليمين التي سيق هذا الكتاب لبيان أحكامها ، بمعنى أعم
من اليمين المصطلحة والنذر والعهد ، ولذلك قال ( وفيه
فصول ، الفصل الاول ) وذكر فيه
الاحكام المختصة باليمين المصطلحة ، وكيف كان فتحقيق
القول في هذا الفصل ،
بالبحث في مقامات .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 12 من كتاب الايمان حديث 6 . ( * )
] لاينعقد اليمين بغير أسماء الله تعالى [
ما ينعقد به اليمين
المقام الاول : فيما تنعقد به اليمين ( لا ينعقد اليمين
بغير أسماء الله تعالى ) من
المخلوقات المعظمة والاماكن المشرفة كالنبي صلى الله
عليه واله وسلم والائمة - عليهم السلام - والحرم والكعبة
فضلا عن غيرها كما هو المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة
وتشهد به نصوص كثيرة :
كصحيح علي بن مهزيار : قلت لابي جعفر الثاني - عليه
السلام - : جعلت فداك في قول
الله عزوجل : * ( واليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى ) *
وقوله عزوجل : * ( والنجم إذا
هوى ) * وما أشبه ؟ فقال - عليه السلام - : " إن
الله عزوجل يقسم من خلقه بما شاء وليس
لخلقه أن يقسموا إلا به عزوجل " ( 1 ).
وحديث المناهي انه صلى الله عليه واله وسلم نهى أن يحلف
الرجل بغير الله وقال
صلى الله
عليه واله وسلم : " من حلف بغيرالله فليس من الله في شئ " ( 2 ).
وصحيح محمد بن مسلم : قلت لابي جعفر - عليه السلام - :
قول الله عز
وجل : * ( واليل . . . ) * الخ ؟ قال : فقال - عليه
السلام - : " إن لله عزوجل أن يقسم من خلقه بما
شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به " ( 3 ).
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 30 من كتاب الايمان حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 30 من كتاب الايمان حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 30 من كتاب الايمان حديث 3 . ( * )
[ . . .. ]
وخبر سماعة عن الامام الصادق - عليه السلام - : "
لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله " ( 1 )
ونحوها غيرها .
وبازاء هذه النصوص نصوص متضمنة لحلفهم - عليهم السلام -
أو حلف غيرهم
وعدم منعهم عنه بغير الله تعالى ، كخبر أبي جرير القمي :
قلت لابي الحسن - عليه السلام -
جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ، ثم حلفت له وحق
رسول الله وحق فلان
وفلان حتى انتهيت إليه أنه لايخرج ما تخبرني به إلى أحد
من الناس ، وسألته عن أبيه
أحي هو أم ميت ؟ قال : " والله قدمات " - إلى
أن قال - : قلت : فأنت الامام ؟ قال - عليه
السلام - : " نعم " ( 2 ).
وخبر عبد العزيز بن مسلم عن الامام الرضا - عليه السلام
- في حديث طويل في صفة
الامام والرد على من يجوز اختاره - إلى أن قال - :
" تعدوا وبيت الله الحق ونبذوا كتاب الله
وراء ظهورهم " ( 3 ).
وخبر علي بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لابي جعفر - عليه
السلام - إلى داود بن
القاسم : " اني قد جئت وحياتك " ( 4 ) ونحوها
غيرها .
والجمع بين النصوص انما يكون بحمل الاولى على الحكم
الوضعي لو لم تكن
بأنفسها ظاهرة فيه وهو عدم انعقاد اليمين بغير الله
تعالى .
ويشهد به مضافا إلى ظهوره ما دل على أن اليمين بغير الله
لاتكفر ،
كخبر ابن
أبي يعفور عن أبي عبد الله - عليه السلام - : "
اليمين التي تكفر : أن يقول الرجل لا والله ونحو
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 30 من كتاب الايمان حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 30 من كتاب الايمان حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 30 من كتاب الايمان حديث 8 .
( 4 ) الوسائل باب 30 من كتاب الايمان حديث 14 . ( * )
[ . . . . ]
ذلك " ( 1 ).
وخبر ميسرة عن أمير المؤمنين بعد ما سأله من حلف بغير
الله : أنا أكفر عن
يميني يا أمير المؤمنين ؟ قال - عليه السلام - : "
لا لانك حلفت بغير الله تعالى " ( 2 ) .
وعن ابن الجنيد انعقاد اليمين بما عظم الله من الحقوق
كقوله : وحق رسول الله
وحق القرآن .
ويندفع بالنصوص المتقدمة ، مضافا إلى ما قيل من أن القسم
بشئ يستلزم
تعظيما له ، ولما لم يكن مستحقا للتعظيم المطلق وبالذات
سوى الله تعالى لم يجز القسم
إلا به ، ووجهه احتمالا في الجواهر بأن مراده جواز الحلف
بغير الله تعالى وأنه لاينبغي
ترك الوفاء مع منافاته لتعظيم ما اريد تعظيمه شرعا بل
لابد منه مع فرض الاهانة في
بعض الاحوال .
أقسام اليمين بالله تعالى وأحكامها
يظهر من النصوص المتقدمة جواز الحلف بالله وانعقاده به ،
انما الكلام في أنه هل
ينعقد بكل ما يصدق عليه انه حلف بالله تعالى ؟ أم يختص
بقسم مخصوص منه ؟
توضيح ذلك ان أقسام اليمين بالله تعالى أربعة :
الاول : أن يقسم بما يفهم منه ذاته المقدسة ولايحتمل
غيره من غير أن يأتي باسم
مفرد أو مضاف من أسمائه الحسنى ، كقوله : والذي أعبده أو
اصلي له أو فلق الحبة وما
شاكل .
الثاني : أن يحلف بالاسماء المختصة به تعالى التي لاتطلق
على غيره كالله والرحمن
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 30 من كتاب الايمان حديث 13 .
( 2 ) الوسائل باب 30 من كتاب الايمان حديث 9 . ( * )
[ . . . . ]
ورب العالمين وما شاكل .
الثالث : أن يحلف بما يطلق في حق الله تعالى وفي حق غيره
، لكن الغالب استعماله
في حق الله تعالى وأن يقيد في حق غيره بضرب من التقييد
كالرحيم والرب والخالق
والرازق والمتكبر والقاهر وما شاكل ، وكل هذه تستعمل في
حق غير الله تعالى ، يقال
فلان رحيم القلب ورب ايل وقاهر لفلان وقادر على هذا ،
ولكن اطلاقها ينصرف إلى الله
تعالى .
الرابع : أن يقسم بما يطلق في حقه وحق غيره ولايغلب
استعماله في أحد الطرفين
كالشئ والموجود والحي والسميع والبصير والكريم وما
أشبهها .
المشهور بين الاصحاب انعقاد الاقسام الثلاثة الاول ،
وعدم انعقاد الرابع ، وعن
سيد المدارك في نهاية المرام احتمال اختصاص الحلف بلفظ
الجلالة ، وعن الاسكافي
انعقاده بالسميع والبصير ، وفي الجواهر قوي انعقاد القسم
الرابع منها مع قصد الحالف
به الذات المقدسة وخصوصا مع القرينة الحالية أو المقالية
الدالة على ذلك .
ويشهد على ذلك في الاقسام الثلاثة الاول : اطلاق النصوص
والادلة المتقدمة
جملة منها لصدق الحلف بالله على الجميع ، وما عن سيد
المدارك من تبادر الحلف بلفظ
الجلالة من النصوص الآمرة بالحلف بالله تعالى ، يندفع :
أولا : بانه في جملة من النصوص وقع التعبير ، بإلا به ،
لابإلا بالله ، لاحظ صحيح
علي بن مهزيار ومحمد بن مسلم . وعليه فيندفع خصوصية
اللفظ جدا .
وثانيا : ان الاسم بما انه معرب عن المسمى وكاشف عنه
ويكون فانيا فيه فكل ما
علق حكم على الاسم يكون ظاهرا في تعليقه على المسمى أو
على كل ما هو معرب عنه ،
وعليه فما في النصوص من عدم الحلف إلا بالله ظاهر في
ارادة الذات المقدسة
لاخصوص هذه اللفظة .
[ . .. . ]
وثالثا : ان التعليل في الصحيح الآتي لانعقاد اليمين
بعمر الله بأن ذلك بالله عز
وجل كالصريح في عدم الخصوصية لللفظ ، فلا اشكال في الحكم .
وأما القسم الرابع : فقد استدل لعدم انعقاده في المسالك
: وإن نوى به الحلف
بأنه بسبب اشتراكه بين الخالق والمخلوق اطلاقا واحدا ليس
له حرمة ولا عظم فلا
ينعقد به اليمين .
وفيه : انه مع قصد الحالف بتلك اليمين الذات المقدسة
وخصوصا مع ذكر
القرينة يصدق عليها اليمين بالله تعالى فتشملها النصوص ،
والوجه الاعتباري المزبور لا
يقيد الاطلاق ، مع ان خبر السكوني عن الامام الصادق -
عليه السلام - : قال أمير المؤمنين
- عليه السلام - : " من حلف فقال لا ورب المصحف فحنث
فعليه كفارة واحدة " ( 1 ).
يدل على الانعقاد لاشتراك رب المصحف بين الله تعالى
وصاحبه الذي هو ماله ،
ومع ذلك كله فلا يصغى إلى ما قيل من أنها كالعقود
اللازمة لايجوز عقدها إلا باللفظ
الصريح ، خصوصا بعد ما عرفت في كتاب النكاح ما في المقيس
عليه .
وعليه ، فالاظهر الانعقاد ويحمل كلمات المجمعين على
ارادتهم الحلف بها على
الاطلاق لا مع خصوص قصد الذات بها فضلا عن ذكر ما يدل
على إرادة ذلك منها .
1.
إن الحروف
التي يقسم بها عند أهل اللسان ، الباء الموحدة ، والواو ، والتاء
وأصلها الباء ، وهي صلة الحلف والقسم وكان الحالف يقول
حلفت أو أقسمت بالله ،
ثم لما كثر الاستعمال وفهم المقصود حذف الفعل . وتلي
الباء الواو ، وفي المسالك وآية
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 39 من كتاب الايمان حديث 1 . ( * )
[ . .. . .]
قصورها من الباء أن الباء تدخل على المضمر كما تدخل على
المظهر تقول : بك وبه
لافعلن كذا ، وبخلاف الواو . وتلي الواو التاء وقد يقام
التاء مقام الواو ، كما
في تخمة
وتراث وهي من الوخامة ومن قولهم ورث ، وآية قصورها أنها
لاتدخل من الاسماء إلا
على الله تعالى .
2.
ولو حذف حروف
القسم وقال الله بالجر لافعلن ونوى اليمين ، ففي الشرائع
والمسالك انعقاد اليمين لوروده في اللغة والحديث ومنه
قول النبي صلى الله عليه واله وسلم لركأنة الله تعالى ما
أردت إلا واحدة ، ولان الجر مشعر بالصلة الخافضة ، وأشكل
في الرياض في ذلك بعدم
استمرار العادة بالحلف كذلك وعدم المعرفة به إلا من خواص
الناس ، مضافا إلى
الاصل السليم للمعارضة سوى ما مر من الورود في الحديث
واللغة ، وفي الاستناد
إليهما مناقشة سيما مع عدم معلومية سند الرواية .
وفيه : إن عدم استمرار العادة لايصلح لتقييد اطلاق
الادلة بعد صدق القسم
بالله عليه ، كما إن عدم معرفة الناس بذلك غير مانع ،
والاصل لايصلح لمعارضة
الاطلاق فالاظهر الانعقاد .
3.
ولو قال :
اقسم بالله أو أحلف بالله منشئا بذلك الحلف كان يمينا بلا كلام
وكذا لو قال : أقسمت بالله أو أحلفت بالله بقصد انشائه
بذلك الحلف .
4.
ولو قال :
أشهد بالله فعن الخلاف أنه ليس بيمين ، لان لفظ الشهادة لا
يسمى يمينا ولم يطرد به عرف اللغة ولا الشرع ، وعن
المبسوط إن أراد به اليمين كان
يمينا ، وفي المسالك إنه أشهر ، قال لورود الشرع باليمين
باللفظ المزبور قال الله تعالى :
* (قالوا نشهد إنك لرسول الله ) * (
1 ) ، والمراد نحلف ولذلك قال الله تعالى على أثر ذلك :
* (اتخذوا أيمانهم جنة ) * ( 2 ).
……………………………………………..
( 1 - 2 ) المنافقون آية 1 - 2 . ( * )
[ . .. ]
وفيه : إنه لاوجه لجعل ذلك منهم يمينا مع عدم ذكر لفظ
الجلالة ، بل هو محمول على
ظاهره وهو الشهادة بالرسالة ، وما في اثر ذلك وإن كان
دالا على صدور اليمين منهم
لكن يتعين حمله على إرادة صدورها بغير هذا اللفظ .
فالاولى الاستدلال له بأنه قد تعارف اليمين به في العرف
واستعمل في أيمان
اللعان فيصدق عليه الحلف بالله فيشمله العمومات ، ولافرق
في ذلك بين ما لو اطلق
أو ذكر قرينة أو كانت قرينة حالية دالة على نية الحلف
فيما بينه وبين ربه ، وأما حمل
كلامه عليه في الظاهر مع الاطلاق ، فبعيد بعد اشتراكه
بين اليمين وغيره اعتبار حتمال أن
يريد : أشهد بوحدانية الله تعالى ثم يبتدئ : لافعلن كذا
، وهذا بخلاف لفظ القسم
والحلف وما شاكل فإنها كالصريحة في اليمين .
5.
ولو قال :
أعزم بالله أو
عزمت بالله ، ففي الشرائع أنه ليس من ألفاظ القسم .
واستدل له : بأن العرف لم يطرد بجعله يمينا ولا ورد
الشرع به كما في المسالك ،
وبأنه لم يرد قسما إلا للطلب : عزمت عليك لما فعلت كذا ،
كما عن كشف اللثام ، فلا
تنعقد به اليمين حينئذ وإن قصدها ، فضلا عن الاطلاق
المحتمل لذلك وللاخبار عن
عزمه أو الوعد بذلك .
6.
لاينعقد
الحلف بالطلاق والظهار وما شالك بلا خلاف ، والنصوص ( 1 )
المستفيضة شاهدة به وفي الجواهر بل لعله من ضروري مذهب
الشيعة في الطلاق
والعتاق ونحوهما .
7.
ولو قال :
اقسم أو أحلف ، ولم ينطق بلفظ الجلالة لم ينعقد يمينه قطعا وإن
نواها لعدم صدق الحلف بالله ، ففي خبر السكوني عن الامام
الصادق - عليه السلام - عن
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 14 من كتاب الايمان . ( * )
]ولا بالبراءة منه أو من أحد الانبياء أو الائمة - عليهم
السلام - ويشترط في
الحالف التكليف والقصد والاختيار [
أبيه عن علي - عليه السلام - : " إذا قال الرجل
أقسمت أو حلفت فليس بشئ حتى يقول
أقسمت بالله أو حلفت بالله " ( 1 ) ، وكذا لو قال
أشهد مجردا عن لفظ الجلالة .
(و ) قد ظهر مما قدمناه أنه ( لا ) تنعقد اليمين (
بالبراءة منه ) سبحانه ( أو من أحد
الانبياء أو الائمة - عليهم السلام - ) وهل تجب لها
الكفارة أم لا فيه كلام سيأتي في كتاب
الكفارات مفصلا إن شاء الله تعالى .
المقام الثاني : فيما يعتبر في الحالف ( و ) اعلم أنه (
يشترط في الحالف التكليف
والقصد والاختيار ) بلا خلاف في شئ من تلكم بل على اعتبار
القصد إلى مدلول اليمين
الاجماع في ظاهر الغنية والدروس وغيرها كما في الرياض .
أما اشتراط التكليف فيه فلعموم ما دل على ( 2 ) رفع
القلم عن الصبي والمجنون
الشامل للاحكام التكليفية منها الاحكام المترتبة على
اليمين .
وأما القصد فنخبة القول فيه أن للحالف بحسب قصده اللفظ
وقصد معناه
أحوالا أربعة :
1.
أن يكون
اللفظ صادرا عنه عن غير قصد كاللفظ الصادر من النائم أو
الغالط .
2.
أن يكون
اللفظ مقصودا له دون معناه كما إذا قال - تاء - : تالله لافعلن كذا ،
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 15 من كتاب الايمان حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث 11 ، وباب
36 من أبواب القصاص في
النفس حديث 2 . ( * )
[ .. . . ]
من حروف القسم .
3.
أن يكون
المعنى مقصودا له بالارادة الاستعمالية دون الارادة الجدية ، كما إذا
أنشأ الحلف بمعنى استعمل الصيغة في معناه من دون أن يكون
هناك اعتبار نفساني
والتزام كذلك ، ونظيره في الاخبار ما إذا أخبر عن شئ
وحكى عنه بداعي الهزل لا الجد .
4.
أن يكون
المعنى مقصودا بالارادة الجدية ولكنه لم يكن عن طيب نفس بذلك
بل صدر عنه في حال الغضب ونحوه .
ثم ان اعتبار القصد بالمعنى الاول من القضايا التي
قياساتها معها .
وبالمعنى الثاني تشهد به الآية والنصوص المتقدمة في يمين
اللغو بل هي تدل
على اعتبار القصد بالمعنى الثالث أيضا ، لاحظ قوله في
موثق مسعدة : اللغو قول الرجل
لا والله وبلى والله ولايعقد على شئ ، وفي خبر أبي
الصباح : لايعقد عليها أو لايعقد
على شئ .
ويمكن أن يستدل لاعتباره : بصحيح الاشعري عن الامام
الرضا - عليه السلام - عن
رجل حلف وضميره على غير ما حلف ؟ قال - عليه السلام - :
" اليمين على الضمير " ( 1 ) ، ونحوه
صحيح صفوان بن يحيى ( 2 ).
بل وبالآية الكريمة : * ( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم
) * ( 3 ) وبقوله
تعالى : * ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان ) * ( 4 ).
وأما القصد بالمعنى الرابع فيدل على اعتباره خبر عبد
الله بن سنان : قال أبو عبد
……………………………………………..
( 1 - 2 ) الوسائل باب 21 من أبواب الايمان حديث 1 - 2 .
( 3 ) سورة البقرة آية 225 .
( 4 ) سورة المائدة آية 89 . ( * )
[ . . .. ]
الله - عليه السلام - : " لايمين في غضب ولا في
قطيعة رحم ولا في جبر ولا في إكراه " قال :
قلت : أصلحك الله فما فرق بين الجبر والاكراه فقال -
عليه السلام - : " الجبر من السلطان
ويكون الاكراه من الزوجة والام والاب وليس ذلك بشئ
" ( 1 ).
وتقريب الاستدلال به من وجهين : أحدهما : أنه فسر فيه
الاكراه المانع عن
الانعقاد بما يكون من الزوجة مع انه ليس هو الاكراه
المصطلح لعدم خوف ترتب الضرر
على مخالفتها مع أنه يعتبر في صدق الاكراه .
ثانيهما : قوله : " لايمين في غضب " فإنه
كالصريح في اعتبار القصد
بالمعنى الرابع
وبما ذكرناه تظهر امور ، الاول : إن ما عن الارشاد وغيره
، من الجمع بين اعتبار
النية والقصد ، متين فإن مرادهم بالنية القصد بالمعنى
الثالث وبالقصد المعنى الرابع ،
ولذلك في الشرائع ذكر النية مما يعتبر في الصيغة ،
والقصد مما يعتبر في الحالف .
الثاني : تمامية ما ذكره جماعة من أنه لو ادعى عدم القصد
منه يسمع منه وإن
كان اللفظ صريحا ، مع أنه لايسمع دعوى عدم النية في سائر
العقود والايقاعات إذا
كان الانشاء بالصريح .
الثالث : صحة ما عن الكفاية ويدخل في يمين اللغو ، كل
يمين لفظا لم يقرن بها
نيتها كسبق اللسان بعادة أو غير عادة أو جاهلا بالمعنى
أو للغضب المسقط للقصد أو
لمجرد الاثبات والنفي انتهى .
وأما الاختيار فيشهد لاعتباره : عموم ما دل ( 2 ) على
رفع ما استكرهوا عليه وخبر
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 16 من كتاب الايمان حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 16 من كتاب الايمان . ( * )
] ويصح من الكافر [
عبد الله بن سنان المتقدم .
(و ) هل يعتبر في الحالف الاسلام ؟ فلا ( يصح من الكافر
) كما عن الشيخ في
الخلاف والحلي ، أم لايعتبر فيصح منه كما عن الشيخ في
المبسوط وأتباعه وأكثر
المتأخرين وفي المسالك أنه الاشهر ، أم يفصل بين ما كان
كفره باعتبار جهله بالله تعالى
وعدم علمه به فلا ينعقد يمينه ، وبين من كان كفره
باعتبار جحده بالنبوة أو فريضة
فينعقد كما عن المختلف . وفي الرياض تقويته واختياره
ونسبته إلى التنقيح وسيد المدارك
واختاره في المسالك أيضا وجوه .
واستدل للاول : بأن شرط صحة الحلف الحلف بالله والكافر
لايعرف الله تعالى .
وفيه : مضافا إلى أنه أخص من المدعى فإن الكافر المعتقد
بالله الجاحد للنبوة
يعرف الله تعالى . إن الامرين الذين ركب منهما دليله ،
لاينطبقان على مورد فإن شرط
الصحة الحلف بالله بلا كلام ، كما مر وهذا لايتوقف على
الاعتراف بالله ومعرفته بل
يمكن أن يحلف به مع عدم المعرفة فتأمل .
واستدل للثاني : باطلاق الادلة وعمومها كتابا وسنة ،
اللذين لاينافيهما كفره بعد
كون الكفار مخاطبين بالفروع ، وبالنصوص ( 1 ) الدالة على
أن البينة على المدعي واليمين
على من أنكر بتقريب إن لازم ذلك توجه اليمين على الكافر
وإن كان جاحدا ولا قائل
بالفصل ، بل يدل انعقادها في مثل ذلك في الفروج والدماء
والاموال على انعقادها في
غيرها بطريق أولى .
وبالنصوص الدالة على احلاف الكافر بالله كصحيح الحلبي عن
الامام
الصادق - عليه السلام - عن أهل الملل يستحلفون فقال -
عليه السلام - : " لاتحلفوهم إلا بالله عز
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى
من كتاب القضاء . ( * )
[ . .. . . ]
وجل " ( 1 ).
وخبر جراح المدائني عنه - عليه السلام - : " لايحلف بغير الله " وقال :
" اليهودي
والنصراني والمجوسي لاتحلفوهم إلا بالله عزوجل " (
2 ).
وموثق سماعة عنه - عليه السلام - قال : سألته هل يصلح
لاحد أن يحلف أحدا من
اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم ؟ قال - عليه السلام -
: " لايصلح لاحد أن يحلف أحدا إلا
بالله عزوجل " ( 3 ) ، ونحوها غيرها .
والايراد على الاول : باختصاص خطابات الكتاب بالمشافهين
، وورود النصوص
لبيان أحكام اخر فلا اطلاق لهما كما في الرياض ، يندفع :
بما حقق في محله من أن
خطابات القرآن من قبيل القضايا الحقيقية المجعولة لعامة
المكلفين إلى يوم القيامة
وانكار اطلاق بعض النصوص مكابرة .
كما أن ايراده على الوجه الثالث : باختصاص النصوص
بالمعترفين بالله تعالى ولا
تشمل غيرهم ، يدفعه : اطلاق قوله - عليه السلام - في ذيل
الموثق : " لايصلح لاحد أن يحلف
أحدا إلا بالله " ولكن مع ذلك كله دعوى اختصاص جميع
تلك الادلة بالكافر المعتقد
بالله تعالى قريبة ، إذ من لايعتقد به لايكون حلفه به
حلفا بالله تعالى إذ المراد بالحلف
بالله ليس هو الحلف بالاسم خاصة بل بما أنه يكون معربا
عن ذاته المقدسة ، فالمنكر
لايحلف بالله بهذا المعنى ، فالقول الثالث أظهر .
وتظهر فائدة الصحة في بقاء اليمين لو اسلم في المطلقة ،
أو قبل خروج وقت
الموقتة وفي العقاب على متعلقها لو مات على كفره لما
يفعله لا في تدارك الكفارة ولو
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 32 من كتاب الايمان حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 32 من كتاب الايمان حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 32 من كتاب الايمان حديث 5 . ( * )
] وإنما ينعقد على فعل الواجب أو المندوب أو المباح مع
الاولوية أو ترك
الحرام أو ترك المكروه أو ترك المباح مع الاولوية ولو
تساوى متعلق اليمين
وعدمه في الدين والدنيا وجب العمل بمقتضى اليمين ]
سبق الحنث الاسلام لانها تسقط عنه به ، كذا في المسالك
وهو متين .
وهل يصح التكفير منه في حال الكفر لو قلنا بصحة يمين
الكافر وحنث في
يمينه ووجبت عليه الكفارة أم لا ؟ وجهان مبنيان على صحة
العبادة من الكافر لتمكنه
من قصد القربة وإن لم يحصل له القرب إلى الله تعالى ،
وعدمها وقد تقدم تحقيق ذلك في
غير مورد مما تقدم كالحج والصوم وغيرهما . وأما احتمال
عدم كون بعض أفراد الكفارة
كالاطعام عبادة فسيجئ الكلام فيه في باب الكفارات .
يعتبر في متعلق اليمين عدم المرجوحية
المقام الثالث : في متعلق اليمين " و " الكلام
فيه في مسائل :
الاولى : المشهور بين الاصحاب أنه ( ينعقد ) اليمين (
على فعل الواجب أو المندوب
أو المباح مع الاولوية أو ترك الحرام أو ترك المكروه أو
ترك المباح مع الاولوية ولو تساوى
متعلق اليمين وعدمه في الدين والدنيا وجب العمل بمقتضى
اليمين ).
وفي المسالك بعد نسبة ما في الشرائع الذي هو قريب من ما
في المتن إلى مذهب
الاصحاب قال : وضابطه ما كان راجحا أو متساوي الطرفين
ومتى كان الرجحان في
نقيضه دينا أو دنيا لم ينعقد انتهى .
وعن القواعد انما ينعقد اليمين على فعل الواجب أو
المندوب أو المباح إذا
تساوى فعله وتركه في المصالح الدينية أو كان فعله أرجح ،
أو على ترك الحرام أو المكروه
أو المرجوح في الدين والدنيا من المباح فإن خالف أثم
وكفر ، ولو حلف على فعل حرام
أو مكروه أو المرجوح من المباح أو على ترك واجب أو مندوب
لم تنعقد اليمين ولا كفارة
[ . . .. ]
بالترك بل قد يجب الترك كما في فعل الحرام وترك الواجب ،
وينبغي كغيرها مثل أن يحلف
على أن لايتزوج على امرأة لايتسرى الخ .
وربما اشكل في موارد ، أحدها : ما لو كان مباحا يتساوى
طرفاه بحسب الدنيا ،
فإنه استشكل في الحكم بانعقاد اليمين فيه في محكى
الكفاية مع الاعتراف باتفاق
الاصحاب على الانعقاد .
ثانيها : ما إذا كان مرجوحا دينا وراجحا دنيا أو بالعكس
فقد استشكل في الحكم
بالانعقاد في الكفاية أيضا على ما حكي .
ثالثها : ما إذا كان المباح مرجوحا دنيا ، فقد استشكل في
الجواهر في عدم انعقاد
اليمين .
وأما النصوص فهي طوائف :
الاولى : ما يدل على انعقاد اليمين المتعلقة بالراجح
دنيا أو دينا ، أو متساوي
الطرفين كصحيح عبد الرحمان بن الحجاج : سمت أبا عبد الله
- عليه السلام - يقول :
" ليس كان يمين فيها كفارة ، أما ما كان فيها مما أوجب الله عليك أن تفعله
فحلفت أن لاتفعله فليس عليك فيه الكفارة ، وأما ما لم
يكن مما أوجب الله عليك أن
تفعله فحلفت أن تفعله ثم فعلته فعليك الكفارة " ( 1 ).
وهو شامل للمباح كما أن صدره دال على عدم انعقاد اليمين
على ترك الراجح
فإن المراد بالوجوب الثبوت الشامل للمندوب وبه يظهر عدم
شمول الذيل للمكروه .
وصحيح زرارة عن أحدهما - عليهما السلام - قال : سألته
عما يكفر من الايمان فقال - عليه
السلام - : " ما كان عليك أن تفعله فحلفت أن
لاتفعله ففعلته فليس عليك شئ إذا فعلته ،
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 24 من كتاب الايمان حديث 1 . ( * )
[ . ..]
وما لم يكن عليك واجبا أن تفعله فحلفت أن لاتفعله ثم
فعلته فعليك الكفارة " ( 1 ).
ولاريب في شموله للمباح .
وصحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن الامام الصادق -
عليه السلام - : " إذا حلف
الرجل على شئ والذي حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت
الذي هو خير ولا كفارة
عليه وإنما ذلك من خطوات الشيطان " ( 2 ).
وهو بقرينة صدره الدال على أن من حلف على المتاع أن
لايبيعه ولايشتريه ثم
يبدو له فيكفر عن يمينه كالصريح في المباح .
وصحيح البزنطي عن الامام الرضا - عليه السلام - : "
إن أبي - عليه السلام - كان حلف على
بعض امهات أولاده أن لايسافر بها فإن سافر بها فعليه أن
يعتق نسمة تبلغ مائة دينار
فأخرجها معه وأمرني فاشتريت نسمة بمائة دينار فأعتقها
" ( 3 ).
ومعلوم أنه لو لم يكن ينعقد ، لما حلف .
وصحيح سعيد الاعرج عن الامام الصادق - عليه السلام - :
عن الرجل يحلف على
اليمين فيرى إن تركها أفضل وإن يتركها خشى أن يأثم ،
أيتركها ؟ قال : " أما سمعت
قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : إذا رأيت خيرا
من يمينك فدعها " ( 4 ) .
فإنه بالمفهوم يدل على الانعقاد في المباح .
وصحيح زرارة عن الامام الباقر - عليه السلام - : "
كل يمين حلف عليه أن لايفعلها
مما له فيه منفعة في الدنيا والآخرة فلا كفارة عليه
وإنما الكفارة في أن يحلف الرجل : والله
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 24 من كتاب الايمان حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 18 من كتاب الايمان حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 18 من كتاب الايمان حديث 6 .
( 4 ) الوسائل باب 18 من كتاب الايمان حديث 1 . ( * )
[ . . . . ]
لا أزني والله لاأشرب الخمر والله لاأسرق والله لاأخون
وأشباه هذا ولا أعصي ثم فعل
فعليه الكفارة " ( 1 ).
إلى غير تلكم من النصوص البالغة حد الاستفاضة بل التواتر .
الثانية : ما يدل على عدم الانعقاد إذا تعلق بمباح
متساوي الطرفين كصحيح
الحلبي عن الامام الصادق - عليه السلام - : " كل
يمين لايراد بها وجه الله عزوجل فليس
بشئ ، في طلاق أو عتق أو غيره " ( 2 ).
وخبر عبد الله بن سنان عنه - عليه السلام - : "
لاتجوز يمين في تحليل حرام ولاتحريم
حلال " ( 3 ) . ومثله خبر أبي الربيع الشامي ( 4 ).
وخبر حمران : قلت لابي جعفر وأبي عبد الله - عليهما السلام - : اليمين التي تلزمني فيها
الكفارة ؟ فقالا : " ما حلفت عليه مما لله فيه طاعة
أن تفعله فعليك الكفارة ، وما حلفت
عليه مما لله فيه المعصية فكفارته تركه ، وما لم يكن فيه
طاعة ولا معصية فليس هو
شئ " ( 5 ).
وصحيح زرارة عن الامام الصادق - عليه السلام - قال : قلت
له : أي شئ الذي فيه
الكفارة من الايمان ؟ فقال : " ما حلفت عليه مما
فيه البر فعليك الكفارة إذا لم تف به ، وما
حلفت عليه مما فيه المعصية فليس عليك فيه الكفارة إذا
رجعت عنه ، وما كان سوى
ذلك مما ليس فيه بر ولا ومعصية فليس بشئ " ( 6 ) .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 23 من كتاب الايمان حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 14 من كتاب الايمان حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 11 من كتاب الايمان حديث 7 .
( 4 ) الوسائل باب 11 من كتاب الايمان حديث 6 .
( 5 ) الوسائل باب 24 من كتاب الايمان حديث 2 .
( 6 ) الوسائل باب 24 من كتاب الايمان حديث 3 . ( * )
[ . . . .]
الثالثة : ما يدل على انعقاد اليمين في المباح المرجوح
بحسب الدنيا كالمرسل
المتضمن لكيفية امتثال حلف من حلف أن يزن الفيل ، المروي
عن أمير المؤمنين - عليه
السلام - ( 1 ) والنصوص كما تراها متطابقة على انعقاد
اليمين إذا كان متعلقها راجحا دينا أو
دنيا ، وعدم انعقادها إذا كان مرجوحا دنيا ، إنما الخلاف
في الموردين :
الاول : في المباح المتساوي الطرفين غير الراجح شئ منهما
دنيا أو دينا ،
فالاصحاب اتفقوا على انعقادها واستشكل فيه في الكفارة
تبعا للروضة نظرا إلى الطائفة
الثانية من الاخبار ، ولكن صحيح الحلبي إنما يدل على
اشتراط القربة في اليمين نفسها
لا في متعلقها ، أو على أنه لابد وأن يكون اليمين بالله
تعالى ، وعلى التقديرين أجنبي عن
المقام .
وأما خبرا عبد الله بن سنان وأبي الربيع فهما يدلان على
عدم انعقاد اليمين
في تحريم حلال ، ومن حلف على أن يفعل المباح أو يتركه لم
يحلف على تحريم حلال
فإن الحلف على الفعل أو الترك في المباح غير الحلف على
حرمة ما هو حلال كما
لايخفى .
وأما خبر حمران وصحيح زرارة فالانصاف أنهما يدلان على
عدم الانعقاد . وما عن
كشف اللثام من أنه يمكن أن يقال فيهما أنه إذا إذا
انعقدت اليمين على شئ كان فيه البر
والطاعة لله فمعنى هذه الاخبار أنه لايتحقق يمين على شئ
لايكون فيه بر ولا طاعة
ولا معصية فإنه متساو أو يرجح الفعل أو الترك دنيا
أو دينا ، فإذا حلف عليه انعقدت
اليمين ووجب الوفاء فكان فيه البر والطاعة انتهى . خلاف
الظاهر جدا ، لكنهما
يعارضان مع صحيحي الاعرج وعبد الرحمان وما شابههما ،
والترجيح مع تلك النصوص
لموافقتها لفتوى الاصحاب التي هي أول المرجحات .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 46 من كتاب الايمان حديث 1 . ( * )
[ .. .. ]
الثاني : فيما إذا كان المباح مرجوحا دنيا ، فقد استشكل
في الجواهر في عدم انعقاد
اليمين المتعلقة به نظرا إلى المرسل المتقدم ، لكنه مرسل
ومتضمن لنقل قضية في واقعة لا
تصلح للمقاومة مع ما تقدم فما أفاده المشهور أظهر .
ولو كان متعلق اليمين راجحا دينا ومرجوحا دنيا أو بالعكس
، فعن المفاتيح
الاشكال في انعقاد اليمين ، قال على ما في الرياض لتعارض
الاخبار وظاهر الاصحاب
الانعقاد نظرا إلى قول أبي عبد الله في صحيح زرارة :
" كلما كان لك فيه منفعة في أمر دين
أو دنيا فلا حنث عليك " ونحوه موثقه .
وأورد عليه في الرياض والجواهر : بأن ظاهر الخبرين
المتبادر منهما عند الاطلاق
هو المرجوحية من جهة لايعارضها رجحان من اخرى ، ولا
يشملان لمحل الفرض من
تعارض الرجحان من جهة والمرجوحية من اخرى .
ولكن هذا الايراد غريب فإنه لم يدع دلالة الخبرين على
حكم الفرض بل يدعي
أنهما يدلان على كفاية الرجحان من احدى الجهتين في
الانعقاد ، فيعارضان حينئذ مع ما
دل من النصوص المتقدمة الدالة على أن المرجوح دينا أو
دنيا لاينعقد اليمين المتعلقة به
فيتعارضان وهو متين جدا ، والحق في الجواب عنه أن
الرجحان الدنيوي لايصلح
للمعارضة مع الرجحان الديني فإن الآخرة خير وأبقى ، فما
أفاده الاصحاب أظهر .
ولو كان المتعلق حين اليمين راجحا ثم صار مرجوحا دينا ،
أو كان مرجوحا حين
اليمين فصار راجحا بعده فهل ينحل اليمين في الاول ويعود
في الثاني أم لا ، أم
يفصل بين الموردين ؟ وجوه : الحق أن يقال ان المعتبر هو
الرجحان حين العمل لا حين
اليمين ، فإن كان حين اليمين راجحا ولكن في ظرف العمل
صار مرجوحا ، لاينعقد هذا
اليمين .
بل لعل ظاهر قول النبي صلى الله عليه واله وسلم في صحيح
الاعرج : " إذا رأيت خيرا من يمينك
]ولايتعلق بفعل الغير [
فدعها " ( 1 ) هو هذه الصورة ولا أقل من الاطلاق .
كما أن مرسل ابن فضال عن الامام الصادق - عليه السلام -
: " من حلف على يمين
فرأى ما هو خير منها فليأت الذي هو خير منها وله حسنة
" ( 2 ) ، ظاهر من ذلك كما لا
يخفى ، كما أنه إذا كان حين اليمين مرجوحا ولكن صار
راجحا حين العمل يكشف
ذلك عن انعقاد يمينه وإن كان هو لا يعلم بذلك .
ثم إن المعتبر هو عدم المرجوحية في المتعلق من حيث هو لا
بالقياس إلى أمر
آخر ، فلو حلف أن يعطي زيدا دينارا وكان اعطاء عمر وإياه
أرجح من اعطائه لزيد
ينعقد اليمين كما لايخفى .
حكم اليمين على فعل الغير والماضي والمستحيل
الثانية : لاخلاف ( و ) لا اشكال في أنه ( لايتعلق )
اليمين ( بفعل الغير ) كما لو
قال : والله لتفعلن ، وهي المسماة بيمين المناشدة ، فلو
حلف كذلك لاتنعقد اليمين في
حق المقسم عليه ولا المقسم ، بل عليه اجماعنا كما في
الشرح للسيد ، كذا في الرياض .
ويشهد له مضافا إلى أن المقسم عليه لم يحلف كي يترتب
عليه احكامه ، والمقسم
حلف في حق غيره وهو فعل غير اختياري له فلا يجب باليمين
ولا حنث على مخالفته :
صحيح عبد الرحمان عن أبي عبد الله - عليه السلام - عن
الرجل يقسم على الرجل في
الطعام يأكل معه فلم يأكل هل عليه في ذلك كفارة ؟ قال -
عليه السلام - : " لا " ( 3 ).
وموثق حفص وغيره عنه - عليه السلام - عن الرجل يقسم على
أخيه قال - عليه السلام - :
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 18 من كتاب الايمان حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 18 من كتاب الايمان حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 42 من كتاب الايمان حديث 3 . ( * )
] ولا بالماضي [
" ليس عليه شئ انما أراد اكرامه " ( 1 ) ونحوهما
غيرهما .
وأما مرسل ابن سنان عن رجل عن علي بن الحسين - عليهما
السلام - : " إذا أقسم الرجل
على أخيه فلم يبر قسمه فعلى المقسم كفارة يمين " (
2 ).
فلا رساله وعدم عمل الاصحاب به واحتمال ارادة القسم عنه
لايعتمد عليه ،
وعلى فرض الاغماض عن ذلك كله لايصلح للمقاومة مع ما تقدم
ويستحب للمقسم
عليه ابرار القسم للنبوي الامر بسبع عد ذلك منها ،
المحمول على الاستحباب لضعف
السند واتفاق الاصحاب عليه .
(ولا ) تنعقد اليمين المتعلقة ( بالماضي ) نافية كانت أو
مثبتة فلا يجب بالحنث فيها
الكفارة وإن تعمد الكذب بلا خلاف . وفي الجواهر بل
الاجماع بقسميه عليه وهي
المسماة بيمين الغموس إذا تعمد الكذب بل مطلقا كما مر .
ويشهد لعدم انعقادها النصوص المتقدمة الحاصرة لليمين
التي فيها الكفارة فيما
إذا تعلقت بواجب أو مندوب أو ترك حرام أو مكروه ، أو
مباح ليفعله أو يتركه .
وخبر علي بن حديد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله - عليه
السلام - : " الايمان
ثلاث : يمين ليس فيها كفارة - إلى أن قال - : فاليمين
التي ليس فيها كفارة الرجل يحلف
على باب بر أن لايفعله فكفارته أن يفعله ، واليمين التي
تجب فيها الكفارة الرجل يحلف
على باب معصية أن لايفعله فيفعله فيجب عليه الكفارة ،
واليمين الغموس التي
توجب النار " الحديث ( 3 ).
وقوي السكوني عنه - عليه السلام - عن أمير المؤمنين -
عليه السلام - في رجل قيل له فعلت
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 42 من كتاب الايمان حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 42 من كتاب الايمان حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 9 من كتاب الايمان حديث 1 . ( * )
] ولا بالمستحيل ، لو تجدد العجز عن الممكن انحلت اليمين ،
ويجوز أن يحلف
على خلاف الواقع مع تضمن المصلحة والتورية إن عرفها ، ولو
استثنى
بالمشيئة [
كذا وكذا فقال لا والله ما فعلته وقد فعله ؟ فقال - عليه
السلام - : " كذبة كذبها يستغفر الله
منها " ( 1 ).
ومرسل الصدوق عن الامام الصادق - عليه السلام - : "
اليمين على وجهين - إلى أن
قال - : وأما التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل
على مال امرئ مسلم أو على
حقه ظلما فهذه يمين غموس توجب النار ولا كفارة عليه في
الدنيا " ( 2 ) ، وأما حكمها
التكليفي فقد مر في أول الكتاب .
(و ) كذا ( لا ) تنعقد اليمين ( بالمستحيل ) عقلا أو
عادة أو شرعا أو شخصا بلا
خلاف في شئ من تلكم لان الحلف عبارة عن الالتزام بفعل أو
ترك مقرونا بالقسم بالله
تعالى ، مع أن الكفارة إنما رتبت على الحنث والمخالفة
غير الصادقين في الفرض .
أضف إلى ذلك كله النصوص المتقدمة ، ثم إن الميزان كما
عرفت هو القدرة حال
العمل كما في سائر التكاليف . وعليه ف ( لو تجدد العجز
عن الممكن انحلت اليمين ) كما
انه لو تجددت القدرة في ظرف العمل وجب .
الثالثة : ( ويجوز أن يحلف على خلاف الواقع مع تضمن
المصلحة والتورية إن
عرفها ) كما تقدم في ضمن بيان حكم يمين الغموس التكليفي .
الرابعة : ( ولو ) حلف على فعل أو ترك و ( استثنى
بالمشيئة ) بأن قال بعد اليمين : إن
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 9 من كتاب الايمان حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 9 من كتاب الايمان حديث 3 . ( * )
] انحلت اليمين [
شاء الله تعالى ، ، جاز اجماعا فتوى ونصا مستفيضا و (
انحلت اليمين ) أي لم تنعقد بلا
خلاف فيه .
وفي الجواهر بل الاجماع بقسميه عليه لو لم يكن المحلوف
عليه فعل الواجب أو
المندوب أو ترك الحرام أو المكروه فلا يحنث حينئذ ولا
تجب عليه الكفارة وعليه أكثر
أصحابنا وإن كان متعلقها ذلك .
وعن المصنف - ره - في القواعد : قصر الحكم بعدم الانعقاد
على المجمع عليه
دون غيره ، ومال إليه سيد المدارك وكاشف اللثام ،
والمستند قوى السكوني عن أبي عبد
الله - عليه السلام - : قال أمير المؤمنين - عليه السلام
- : " من استثنى في اليمين فلا حنث ولا
كفارة " ( 1 ).
والعلوي : " من حلف ثم قال : إن شاء الله فلا حنث
عليه " ( 2 ) ، المنجبران بالعمل .
ولعله المراد من خبر علي بن جعفر عن أخيه - عليه السلام
- عن الرجل يحلف على
الشئ ويستثنى ما حاله ؟ قال - عليه السلام - : " هو
على ما استثنى " ( 3 ).
مقتضى اطلاق النصوص هو الايقاف مطلقا كما هو المشهور ،
وعلل المصنف -
ره - ما اختاره بأن الواجب والمندوب مما يشاء قطعا وقد
نزل اطلاق الاصحاب والاخبار
على ذلك .
وأورد عليه سيد الرياض : بأن ذلك كالاجتهاد في مقابلة
النص مع أنه يمكن منع
العلم بتعلق المشيئة بها على الاطلاق فقد لايشاؤها في حق
هذا الحالف لعارض لا
يعلم به .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 28 من كتاب الايمان حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 28 من كتاب الايمان حديث 2 .
( 3 ) المستدرك باب 22 من كتاب الايمان حديث 1 . ( * )
[ . . . . ]
والحق أن يورد على المصنف - ره - وتابعيه : ان المراد
بالمشيئة إن كانت هي المشيئة
التشريعية لزم عدم صحة الاستثناء في المباح لان الله لم
يشأه قطعا ، وإن كان المراد
المشيئة التكوينية كما هو الظاهر بالمعنى المعقول منه
غير المستلزم للجبر فهي بالنسبة
إلى الواجب والمندوب والمباح على حد سواء فالاظهر هو
الاطلاق .
ويشترط في الاستثناء المانع عن الانعقاد امور :
1.
أن يتلفظ
بكلمة الاستثناء ، فلو نواها بقلبه لم يندفع الحنث والكفارة بها .
لاطلاق الادلة المقتصر في تقييده على موضع النص وهو ما
لو تلفظ بها .
وعن المصنف - ره - في المختلف وتبعه الشهيد في الدروس
على ما حكى الاكتفاء
بالنية .
واستدل له : تارة باعتبار النية في انعقاد اليمين فإذا
لم ينو فعل المقسم عليه إلا
معلقا على المشيئة فلم ينو الحلف عليه مطلقا ، فلم ينعقد
إلا معلقا به .
واخرى بصحيح عبد الله بن ميمون : سمعت أبا عبد الله -
عليه السلام - يقول : " للعبد
أن يستثني في اليمين ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسى
" ( 1 ) .
ولكن الاول يندفع : بأن مشيئة الله تعالى ليست عبارة عن
ارادته التي تكون إذا
أراد شيئا يقول له كن فيكون ، بل عبارة عن اعطاء الحياة
والقدرة وما شاكل ومع بقاء
ذلك يظهر مشيئته تعالى ، والتعليق على مثل ذلك لايضر
وانما بني على الايقاف مع
التلفظ للتعبد المحض غير الثابت بدونه .
وأما الصحيح ، فيرده : انه لايدل على الاكتفاء بالنية بل
على اعتبار التلفظ غاية
الامر يدل على أن الفصل بينهما غير مضر وسيأتي الكلام
فيه .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 29 من كتاب الايمان حديث 6 . ( * )
[ . . ... ]
2.
أن يكون
قاصدا إلى التلفظ بها كاليمين فلو سبق لسانه إليها من غير قصد لم
يعتد بها ، ولعله من القضايا التي قياساتها معها كاعتبار
القصد بهذا المعنى في جميع
العقود والايقاعات .
3.
أن تكون كلمة
الاستثناء متصلة باليمين لايتخللها كلام ولا سكوت إلا أن
يكون بما جرت العادة به في الكلام الواحد كالتنفس
والتثوب والسعال ونحوها مما لا
يخل بالمتابعة العرفية بلا خلاف في ذلك فتوى ، لاطلاق
أدلة حكم اليمين والخارج عنها
خصوص ما إذا استثنى متصلا بها فإنه المتيقن من دليل
الاستثناء لو لم يكن ظاهره ، بل
عن كشف اللثام لو اثر مطلقا لم يتحقق حنث إلا في واجب أو
مندب أو غفلة عنه رأسا
لجواز أن يستثنى إذا شاء أن يحنث ، واستثنائه الواجب
والمندوب انما هو لما ذهب إليه
تبعا للمصنف من اختصاص الاستثناء بالمباح ، وعليه فيلزم
عدم الحنث مطلقا
إلا مع الغفلة .
وأما صحيح ابن ميمون المتقدم ، ونحوه خبر حسين القلانسي
أو بعض
أصحابه ( 1 ) الدالان على الاكتفاء بها لو نسى التلفظ
بها إلى أربعين يوما ، فهما غير صريحين
في التأثير مع التأخير وانما يدلان على بقاء رجحان
الاستثناء في اليمين في صورة النسيان
إلى أربعين يوما ، وعلى فرض دلالتهما عليه يتعين طرحهما
أو حملهما على خلاف ظاهرهما
لعدم عمل أحد من أصحابنا بهما بل ولا من العامة ، ومثلهما
النصوص ( 2 ) المتضمنة لورود
قوله تعالى : * ( واذكر ربك إذا نسيت ) * ( 3 ) في
اليمين وإن من حلف ونسى أن يستثني
فليستثن إذا ذكر من دون التحديد بمدة .
……………………………………………..
( 1 )
الوسائل باب 29 من كتاب الايمان حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 29 من كتاب الايمان .
( 3 ) الكهف آية 24 . ( * )
] وللوالد ، والزوج ، والمولى حل يمين الولد والزوجة
والعبد في غير الواجب [
4.
قال سيد
المدارك : يعتبر في الحكم بالايقاف بها قصد التعليق فلو قصد
بالمشيئة الترك لم يحكم به اقتصارا فيما خالف الاصل على
المتيقن وفي غيره يرجع إلى
قواعد اللغة .
وفيه : ان مقتضى اطلاق النصوص القوي بعضها والمنجبر غيره
بالعمل عدم
الفرق بينهما كما صرح به جده وغيره .
5.
ربما يقال
باعتبار أن يكون عازما عليه من ابتداء اليمين فلو عزم عليه في
الاثناء أو بعدها بلا فصل لم يحكم بالايقاف اقتصارا على
المتيقن .
ويرده : اطلاق النصوص ، كما أن مقتضى اطلاقها عدم اعتبار
تأخيره عنها ، بل
لافرق بينه وبين تقديمه وتوسطه .
الخامسة : ولاتنعقد انعقادا تاما غير متزلزل يمين الولد
والزوجة والمملوك مع
الوالد والزوج والمولى بلا خلاف فيه في الجملة ، بل عن
الغنية الاجماع عليه انما الخلاف
في أنه هل تصح يمين هؤلاء وتنعقد وان للولي الحل ، كما
في المتن حيث قال : ( وللوالد
والزوج والمولى حل يمين الولد والزوجة والعبد في غير
الواجب ).
وفي الشرائع والنافع وفي المسالك نسبته إلى المشهور ، أو
انها لاتصح بدون الاذن
كما اختاره الشهيد الثاني وسيد الرياض وقبلهما المصنف في
محكى الارشاد وبعدهما
غيرهما .
وتظهر الثمرة فيما لو مات الزوج أو الاب قبل الحل في
المطلق أو مع بقاء الوقت ،
فعلى الاول ينعقد اليمين وعلى الثاني هي باطلة ، بل تظهر
الثمرة فيما إذا لم يطلع الاب أو
الزوج إلى أن مضى الوقت فإنه على الاول يحنث وليس كذلك
على الثاني .
[ . .. ]
واستدل للاول : بعمومات الآيات الدالة على وجوب الوفاء
باليمين كقوله
تعالى : * ( ولاتنقضوا الايمان ) * ( 1 ) وقوله عزوجل :
* ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان - إلى
قوله - : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم )
* ( 2 ) وما شابهها من النصوص
فإنها تعم صورة النزاع خرج منه ما إذا حل الاب والزوج
فيبقى الباقي .
وأجاب عنه في المسالك وتبعه في الرياض بأن الامر بامتثال
مقتضى اليمين
وحفظها موقوف على وقوعها صحيحة اجماعا وكون اليمين في
المسألة منها أول الكلام
ودعواه مصادرة .
وفيه : ان الصحة أمر انتزاعي تنتزع من مطابقة ما وجد في
الخارج لما هو طرف
اعتبار الشارع فتكون متأخره عن الجعل والتشريع فلا يعقل
أخذها قيدا في المرتبة
السابقة وفي المتعلق ، بل مقتضى هذه العمومات كالعمومات
في سائر المقامات عدم
دخل كل ما يحتمل دخله في الحكم إلا ما دل الدليل عليه .
وعليه فانكار دلالة العمومات على ما ذكر ، غريب فلا
اشكال في تمامية هذا الوجه
لكنها متوقفة على عدم دلالة النص الخاص على اعتبار الاذن
وسيجئ الكلام فيه .
واستدل للقول الثاني : بجملة من النصوص كصحيح منصور بن
حازم عن
الامام الصادق - عليه السلام - : " قال رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم : لايمين للولد مع والده ولا للمملوك مع
مولاه ولا للمرأة مع زوجها ولا نذر في معصية ولايمين في
قطيعة " ( 3 ).
وخبر أبي القداح عنه - عليه السلام - : " لايمين
لولد مع والده ولا للمرأة مع زوجها ولا
للمملوك مع سيده " ( 4 ) ، ونحوهما غيرهما .
……………………………………………..
( 1 ) سورة النحل آية 91 . ( 2 ) سورة المائدة آية 89 .
( 3 ) الوسائل باب 10 من كتاب الايمان حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 10 من كتاب الايمان حديث 1 . ( * )
[ . . . .. ]
وتقريب الاستدلال كما في المسالك والرياض انها محمولة
على نفي الصحة لانه
أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة لان نفيها غير مراد .
وزاد في الرياض شهادة السياق في الصحيح حيث زيد فيه :
ولا نذر في معصية
ولايمين في قطيعة فإن النفي فيهما راجع إلى الصحة اجماعا
فليكن النفي المتقدم عليهما
كذلك .
وفيه أولا : انه يمكن تقريب الاستدلال بها بوجه أحسن من
ذلك وهو ان النفي
نفي تشريعي لاتكويني ، فتدل النصوص على خروج يمين هؤلاء
عن عالم التشريع
فيكون النفي لحقيقة كما هو ظاهره وتدل على عدم الصحة .
وثانيا :
إنه يرد عليهما : ان المراد بقوله - عليه السلام - :
" مع والده " وكذا : " مع زوجها " ليس هو
وجودهما وإلا لزم عدم الصحة حتى مع اذنهما التي لاخلاف
في الصحة حينئذ بين
الاصحاب بل الاجماع ظاهرا عليها ، وليس في النصوص ما يدل
على ذلك ،
فلابد من
تقدير وعليه فكما يمكن أن يقدر ما يشهد بعدم الصحة معه
كذلك يمكن أن يقدر
معارضته .
فتدل النصوص : على أن يمين الولد والزوجة تخرج عن عالم
التشريع وتصير
فاسدة مع معارضة الوالد والزوج . وأما بدونها وإن لم
يأذنا فهذه النصوص ساكتة عن
حكمها فيرجع فيه إلى العمومات المتقدمة .
بل يمكن أن يقال : إن الاولى تقدير ذلك للشهرة والعمومات
، وإن منشأ ذلك
تقديم طاعة الوالد والزوج . بل يمكن أن يقال : إنه يتعين
التقدير حتى لو اريد وجود
الزوج والوالد .
وعلى ذلك فإما ألا تكون النصوص ظاهرة في عدم الصحة مع
النهي ، أو تكون
مجملة والمتيقن منها ذلك فيرجع في غيره إلى العمومات
المقتضية للصحة .
] وانما تجب الكفارة بترك ما يجب فعله أو فعل ما يجب تركه
باليمين لا
بالغموس [
وقد استدل لهذا القول أيضا في المسالك بأن اليمين ايقاع
وهو لايقع موقوفا .
ويرده مضافا إلى أنها لاتقع موقوفة بل تصح غاية الامر
صحة متزلزلة وان للوالد
والزوج حلها .
فتحصل مما ذكرناه : ان الاظهر هو القول الاول المشهور
بين الاصحاب .
وقد استثنى المصنف وكذا غيره من هذا الحكم : اليمين على
فعل الواجب ، وفي
الشرائع اضافة ترك القبيح وكذا في النافع .
وأورد عليهم في الرياض : بأن النص مطلق ولا دليل على
اخراج هذا الفرد ،
وتعين الفعل عليه وجودا وعدما لا يقتضي ترتب آثار انعقاد
الحلف عليه في ترتب
الكفارة على الحنث ، وسبقه في ذلك سيد المدارك والمحقق
السبزواري .
وعلى ضوئما عرفت من أن غاية ما يستفاد من الاخبار ان
للزوج والوالد حل
اليمين ، وانما يكون ذلك فيما لهما من الامر به ليكون
طاعتهما مقدمة على وجوب العمل
باليمين . وأما في مورد ليس لهما ذلك ولايجب اطاعتهما
على الولد والزوجة فلا يكون
موردا للاخبار . والامر بترك الواجب وفعل الحرام من هذا
القبيل إذ لاطاعة لمخلوق في
معصية الخالق .
وبالجملة النصوص مختصة بمورد لهما المعارضة ، وفي الامر
بترك الواجب أو فعل
الحرام ليس لهما المعارضة فلا تشملها النصوص ويكون من
قبيل السالبة بانتفاء الموضوع
فتدبر فإنه دقيق فالاظهر صحة الاستثناء .
السادسة : ( وانما تجب الكفارة بترك ما يجب فعله أو فعل
ما يجب تركه باليمين لا
بالغموس ) كما مر الكلام فيه مستوفى في المسألة الثانية .
] ولايجوز أن يحلف إلا مع العلم [
السابعة : ( ولايجوز أن يحلف إلا مع العلم ) ، وقد ذكر
نظير ذلك في النافع .
وعن الفاضل المقداد والسيد في شرحهما عليه ، وفي الرياض
: ان المراد به العلم بما
يحلف عليه من صوم أو صلاة أو صدقة أو نحو ذلك .
قال السيد : ولا يمكن أن يكون المراد به العلم بوقوع ما
يحلف عليه لان المستقبل
لايعلم وقوعه . ولم يذكر باقي الفقهاء هذا الشرط ، وانما
ذكروه في اليمين المتوجهة إلى
المنكر أو المدعي مع الشاهد . وعليه تحمل النصوص التي
ذكرها المحدث الحر العاملي
في المقام كصحيح هشام بن سالم عن الامام الصادق - عليه
السلام - : " لايحلف الرجل إلا
على علمه " ( 1 ) ونحوه غيره .
أو تحمل على أن جواز اليمين على الماضي مشروط بالعلم به
فلا يجوز الحلف
عليه مع عدمه لكونه كذبا حينئذ .
ولو كان مراد المصنف - ره - ما أفاده الاعلام فيرده :
انه لادليل عليه فلو حلف
على أن يفعل ما يقترحه صديقه مع العلم بالقدرة عليه ،
وواجديته لسائر الشرائط ، صح
وانعقد وإن لم يعلم نوعه ، وانه هل هو الصدقة أو الصوم
أو غيرهما ، لاطلاق الادلة ، ولا
قرينة لحمل النصوص المشار إليها على ذلك .
ويمكن أن يكون مراده الجزم بالعمل بمقتضى اليمين وعليه
فهو متين وتشهد
به الآية الكريمة : * ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان
) * ( 2 ) ، وقوله تعالى : * ( ولكن يؤاخذكم
بما كسبت قلوبكم ) * ( 3 ) ، والعقد وكسب القلب عبارتان
عن القصد الجزمي ولا يبعد
حمل النصوص على ذلك .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 22 من أبواب الايمان حديث 1 .
( 2 ) المائدة آية 89 .
( 3 ) البقرة آية 225 . ( * )
] وينعقد لو قال والله لافعلن أو بالله ، أو تالله أو أيم الله [
الثامنة : قد عرفت انه يعتبر في صيغة القسم الحلف بالله
ومع اسقاط اسمه جل
جلاله لايصح ولاينعقد ، كما عرفت حكم اعتبار لفظ اقسم
وما شاكل وعدمه وان
حروف القسم تقوم مقامها ونحو ذلك من المباحث المتعلقة
بصيغة القسم .
وقد عرفت أيضا انه ( ينعقد لو قال والله لافعلن ) كذا (
أو بالله ) أو برب الكعبة
(أو تالله ) . انما الكلام في المقام في جملة من الصيغ :
منها : أيمن الله ( أو أيم الله ).
أما الاول : ففي الشرائع وفي أيمن الله تردد من حيث هو
جمع يمين ، ولعل الانعقاد
أشبه لانه موضوع للقسم بالعرف .
وفي المسالك وهو اسم لاحرف خلافا للزجاج والرماني .
واختلفوا في انه مفرد
مشتق من اليمين أو جمع يمين ، فالبصريون على الاول
والكوفيون على الثاني وهمزته همزة
وصل على الاول وقطع على الثاني ، واعترض على القائل
بجمعه بجواز كسر همزته وفتح
ميمه ولايجوز مثل ذلك في الجمع من نحو : أفلس وأكلب .
والمصنف - ره - تردد في انعقاد اليمين به من حيث انه جمع
يمين على قول ،
فالقسم به لا بالله .
وعلى القول الآخر فالقسم بوصف من أوصاف الله وهو يمينه
وبركته لا
باسمه . ومن انه موضوع للقسم عرفا والقسم بالوصف الذاتي
لله كالقسم به لكبرياء الله
وعظمته وهذا أقوى انتهى .
لا اشكال ولا خلاف في جواز القسم به بعد تعارفه وبعد
دلالة النص الصحيح
على جواز القسم بأيم الله الذي هو مقتضب من أيمن تخفيفا
بحذف بعض حروفه
] أو لعمر الله أو أقسم بالله أو أحلف برب المصحف ، دون وحق
الله ]
وابداله لكثرة الاستعمال .
بل عن الفاضل اللغوي ابن اوى في استدراك الصحاح : في هذه
الكلمات إحدى
وعشرين لغة : أربع في ايمن بفتح الهمزة وكسرها مع ضم
النون وفتحها ، وأربع في اليمين
باللام المكسورة والمفتوحة والنون المفتوحة ، ولغتان في
يمين بفتح النون وضمها ، وثلاث
لغات في ايم بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم وبفتح
الهمزة مع فتح الميم ، ولغتان في إم
بكسر الميم وضمها مع كسر الهمزة فيها ، وثلاث في من بضم
الميم والنون وفتحها
وكسرها وم الله بالحركات الثلاث . وكل ذلك يقسم به .
وكيف كان ففي صحيح الحلبي عن الامام الصادق - عليه السلام
- : " لا أرى لرجل أن
يحلف إلا بالله ، فأما قول الرجل : لا بل شانيك ، فإنه
قول الجاهلية ولو حلف الناس بهذا
أو أشباهه لترك الحلف بالله ، وأما قول الرجل : يا هنا
ويا هناه ، فانما ذلك لطلب الاسم
ولا أرى به بأسا ، وأما قوله : لعمر الله وأيم الله ،
فانما هو بالله " ( 1 ).
وبما ذكرناه ظهر انه ينعقد لو قال : أيم الله ( أو لعمر
الله أو أقسم بالله أو أحلف
برب المصحف ).
وقد تقدم ورود الخبر في خصوص الاخير .
وفي وقوع القسم ، بحق الله تعالى خلاف ، صريح المتن حيث
قال : ( دون وحق
الله ).
وكذا المحقق في النافع وسبقهما الشيخ في الخلاف على ما
حكى عدم
الوقوع . وعن المبسوط والمختلف والدروس وغيرها الوقوع .
واستدل للاول : بأن الحق مشترك بين امور كثيرة لاينعقد
بها اليمين ، كالعبادات
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 30 من كتاب الايمان حديث 4 . ( * )
[ . . .. ]
التي أمر بها لاطلاقه عليها في الخبر ما حق الله على
عباده ؟ قال : أن لايشركوا به شيئا
ويعبدوه ويقيموا الصلاة - إلى آخره - ، وكالقرآن قال
تعالى : * ( وانه لحق اليقين ) * .
ولكن حيث عرفت وقوع القسم بالالفاظ المشتركة بين الله
تعالى وغيره إذا قصد
بها الله تعالى سيما مع اقامة القرينة عليه ، فالاظهر هو
الوقوع لان الحق إذا اضيف إلى الله
تعالى كان وصفا كسائر صفات ذاته من العظمة والعزة
ونحوهما إذا قصد به لله الحق
والمستحق للالهية دون ما إذا قصد به المعاني الاولة .
وقد ظهر مما ذكرناه انه لايعتبر العربية في القسم وانه
يتحقق بأي لغة
] الفصل الثاني في النذر والعهود [
النذر
(الفصل الثاني في النذر والعهود ) والكلام فيه يقع أولا
: في النذر ثم في العهد .
أما النذر : بفتح الذال في الماضي وبكسرها وضمها في
المضارع فهو لغة الوعد
بخير أو شر بشرط أو مطلقا هكذا ذكره جمع .
وفي المنجد أوجب على نفسه ما ليس بواحب ، وعليه فمعناه
الشرعي من
مصاديق معناه اللغوي .
غاية الامر جعل له الشارع قيودا . وكيف كان فهو شرعا
التزام قربة لم يتعين أو
مطلقا كما في المسالك .
أو الالتزام بالفعل أو الترك على وجه مخصوص كما في
الجواهر .
أو التزام الكامل المسلم المختار غير المحجور عليه بفعل
أو ترك بقول الله تعالى
ناويا القربة كما عن الدروس والمهذب . والكل ترجع إلى
معنى واحد .
والاصل في شرعيته بعد الاجماع والنصوص المتواترة التي
ستمر عليك جملة منها ،
قوله تعالى : * ( وليوفوا نذورهم ) * ( 1 ) ، وقوله
تعالى : * ( يوفون بالنذر ) * ( 2 ).
والكلام فيه يقع في مقامات : الاول في الناذر ، الثاني
في الصيغة ، الثالث في متعلق
النذر ، الرابع في اللواحق .
……………………………………………..
( 1 ) سورة الحج آية 29 .
( 2 )
سورة الدهر آية 7 . ( * )
] ويشترط في الناذر التكليف والاختيار والقصد [
أما الاول : فلا خلاف ( و ) لااشكال في انه ( يشترط في
الناذر التكليف والاختيار
والقصد ).
أما التكليف : فيدل على اعتباره حديث ( 1 ) رفع القلم عن
الصبي والمجنون
الشامل لكل عبادة ومعاملة ومن العبادات النذر .
ولو قلنا بأن عبادات الصبي تمرينية محضة لاشرعية كعبادات
المكلفين ، ولا
مشروعة لمصلحة التمرين فالامر أوضح وقد مر الكلام في
المبنى في كتاب الحج مفصلا .
وأما الاختيار فإن اريد به ما يقابل الاكراه فيدل على
اعتباره ما دل ( 2 ) على رفع ما
استكره عليه .
وإن اريد به ما يقابل النسيان فيدل على اعتباره ما دل (
3 ) على رفع النسيان .
وإن اريد به ما يقابل الالجاء والضرورة ، فإن كان ذلك
لمصلحته ونفعه فلا دليل
على اعتباره لان حديث الرفع الدال على رفع عدة امور ،
منها ما اضطروا إليه ، انما يكون
في مقام الامتنان ولا منة في رفع الحكم في الفرض ، وإن
كان لا لذلك فيدل عليه ما دل
على رفع ما اضطروا إليه .
وأما القصد : فيدل على اعتباره ما مر في اليمين الدال
على اعتباره فيها حتى
القصد بالمعنى الرابع الذي اعتبرناه في اليمين وعليه
بنينا على عدم انعقاد اليمين من
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث 11
وباب 46
من أبواب
القصاص في النفس .
( 2 ) الوسائل باب 16 من كتاب الايمان .
( 3 ) الوسائل باب 16 من كتاب الايمان . ( * )
] والاسلام [
الغضبان وما شاكل .
ويدل عليه في المقام : خبر محمد بن بشير عن العبد الصالح
- عليه السلام - قال : قلت
له : جعلت فداك اني جعلت لله علي أن لا أقبل من بني عمي
صلة ولا اخرج متاعي في
سوق منى تلك الايام ؟ فقال - عليه السلام - : " إن
كنت جعلت ذلك شكرا فف به ، وإن كنت
انما قلت ذلك من غضب فلا شئ عليك " ( 1 ).
ورتب المحقق في الشرائع على اعتبار القصد عدم صحة النذر
من المكره وهذا
يدل على ارادته من القصد ما يعم المعنى الرابع ، فلا وجه
للايراد عليه بأن المكره لا
طيب نفس له بمضمون الصيغة لا انه غير قاصد لمدلولها ،
وتمام الكلام في محله .
(و ) هل يعتبر ( الاسلام ) في الناذر فلا يصح نذر الكافر
كما هو المشهور بين
المتأخرين من الاصحاب شهرة عظيمة ، أم لايعتبر ؟ فيصح
نذره كما عن سيد المدارك ،
وتبعه في محكى الكفاية ، وفي الرياض لايخلو من قوة إن لم
تكن الاجماع على خلافه كما
هو الظاهر .
قيل وجهان مبنيان على أن عبادات الكافر صحيحة أم لا ؟ .
فعلى الاول يصح ، وعلى الثاني لايصح ، وقد مر الكلام في
المبني في كتاب الحج
ولكن الاظهر هي الصحة مطلقا ، لعدم كون النذر بنفسه من
العبادات ومراد القوم من
اعتبار القربة فيه كون الداعي إليه التسبب به إلى اتيان
متعلقه قربة إلى الله تعالى لما
ستعرف من انه مكروه عند المشهور .
وعليه : فلا مانع من صحة نذر الكافر كيمينه وما في
الرياض من التردد فيه
بواسطة الاجماع في غير محله ، إذ لم نظفر بمن تعرض لحكم
نذر الكافر نفيا أو اثباتا قبل
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 23 من كتاب النذر والعهد حديث 1 . ( * )
] واذن الزوج والمولى في الزوجة والعبد في غير الواجب [
المصنف والمحقق .
وما ذكرناه من التفصيل في اليمين بين كون الكافر معتقدا بالصانع وعدمه ، جار
هنا أيضا لعين ما ذكرناه هناك .
ولو نذر في حال الكفر وخالف ، ثم أسلم سقطت الكفارة عنه
لان الاسلام يجب
ما قبله .
ولو أسلم ووقت العمل باق فهل يسقط وجوب الوفاء به ولاتجب
الكفارة
بالمخالفة ، لعموم حديث الجب ( 1 ) أم لايسقط لانصرافه
عن المقام ؟ وجهان ، أظهرهما
الثاني وقد مر الكلام فيه مفصلا في كتاب الحج .
وعلى ذلك فما في المسالك من انه روي ان عمر قال لرسول
الله صلى الله عليه واله وسلم : كنت نذرت
اعتكاف ليلة في الجاهلية ، فقال له النبي صلى الله عليه
واله وسلم : " اوف بنذرك " ، محمول على ظاهره من
الوجوب ولا وجه لحمله على الاستحباب كما فيها وفي
الجواهر .
(و ) مما قيل باعتباره في صحة النذر ( اذن الزوج والمولى
في الزوجة والعبد في غير
الواجب ) بل هو المشهور بين الاصحاب سيما المتأخرين كما
قيل ، وألحق بذلك المصنف في
بعض كتبه والشهيد في الدروس على ما حكى الولد فأوقفا
نذره على اذن الاب كاليمين .
……………………………………………..
( 1 ) رواه أبو الفرج الاصبهاني ، وابن هشام في سيرته في
حكاية اسلام مغيرة بن شعبة ، وابن سعد في
كتابه الطبقات الكبرى في قصة اسلام مغيرة وغدره برفقائه
، وعلي بن إبراهيم في تفسيره في ذيل
قوله تعالى : * ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر من الارض
ينبوعا ) * في قصة اسلام عبد الله أخي أم
سلمة . وروي في السيرة الحلبية في ج 3 ص 105 وص 106 ،
وفي الخصائص الكبرى ج 1 ص
249وفي مجمع البحرين كتاب الباء باب ما أوله الجيم في
لغة جبب . ( * )
[ . . . . .]
وقد استدل لالحاق النذر باليمين في هذا الحكم ، فيشمل
الولد أيضا ، فمن يرى
اعتبار اذن الزوج والوالد في صحة اليمين وانعقادها يقول
بذلك في المقام ، ومن يرى
عدم الاشتراط وانما لهما حل اليمين يلتزم في المقام بذلك
أيضا بأن المراد باليمين في
الاخبار ما يشمل النذر لاطلاقها عليه ، في جملة من
الاخبار .
منها خبران اطلق فيهما في كلام الامام - عليه السلام -
اليمين على النذر وهما : موثق
سماعة عن رجل جعل عليه أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو
صدقة أو نذرا أو هديا إن هو
كلم أباه - إلى أن قال - : فقال - عليه السلام - :
" لايمين في معصية الله انما اليمين الواجبة التي
ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل الله عليه في الشكر إن
هو عافاه من مرضه - إلى أن
قال - : فقال : لله علي كذا شكرا ، فهذا الواجب على
صاحبه الذي ينبغي لصاحبه أن
يفي به " ( 1 ).
وخبر سندي بن محمد عن الامام الصادق - عليه السلام - قال
: قلت له : جعلت على
نفسي مشيا إلى بيت الله قال - عليه السلام - : "
كفر عن يمينك فانما جعلت على نفسك يمينا
وما جعلته لله فف به " ( 2 ).
ومنها أخبار اطلق فيها اليمين على النذر في كلام الراوي
وقرره المعصوم - عليه
السلام - . لاحظ ، موثق مسعدة بن صدقة عن الامام الصادق
- عليه السلام - عن الرجل يحلف
بالنذر ونيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل قال -
عليه السلام - : " إذا لم يجعل لله
فليس بشئ " ( 3 ).
وخبر الحسن بن علي عن أبي الحسن - عليه السلام - قال :
قلت له : إن لي جارية ليس
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 17 من أبواب النذر حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 8 من أبواب النذر حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 1 من أبواب النذز حديث 4 . ( * )
[ . . .. . ]
لها مني مكان ولا ناحية وهي تحتمل الثمن إلا اني كنت
حلفت فيها بيمين فقلت : لله
علي أن لا أبيعها أبدا ولي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف
المؤونة فقال - عليه السلام - : " ف لله
بقولك له " ( 1 ) .
وخبر علي السائي : قلت لابي الحسن - عليه السلام - : إني
كنت أتزوج المتعة فكرهتها
وتشاءمت بها فأعطيت الله عهدا بين الركن والمقام وجعلت
علي في ذلك نذرا أو صياما
أن لا أتزوجها ، ثم إن ذلك شق علي وندمت على يميني ولم
يكن يبدي من القوة ما
أتزوج به في العلانية فقال - عليه السلام - لي : "
عاهدت الله أن لاتطيعه " الحديث ( 2 ) . إلى غير
تلكم من النصوص .
قال في الرياض في تقريب هذا الوجه وحيث ثبت اطلاق اليمين
على النذر فإما
أن يكون على سبيل الحقيقة أو المجاز والاستعارة ، وعلى
كلا التقديرين فدلالة المعتبرين
على المقصود واضحة لكون النذر على الاول من جملة افراد
الحقيقة المتعينة ، وعلى الثاني
مشاركا لها في الاحكام الشرعية ومنها انتفائها عند عدم
اذن الثلاثة انتهى .
وبالاستقراء قال في الرياض مضافا إلى التأييد بالاستقراء
والتتبع التام الكاشف
عن اشتراك النذر واليمين في كثير من الاحكام انتهى .
وتنقيح المناط فإن المنشأ فيهما واحد وهو وجوب طاعة
الزوج وكونه قيما على
المرأة .
أما الوجه الاول فيرده : ان الاطلاق إذا لم يكن على وجه
الحقيقة ، لا وجه لاستفادة
الحكم حينئذ لعدم دلالة الاطلاق عليه ، والاستعمال فيه
على كونه بلحاظ الحكم كي
يدعى ان مقتضى الاطلاق ثبوت جميع احكامها له .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 17 من أبواب النذر حديث 11 .
( 2 ) الوسائل باب 3 من أبواب المتعة حديث 1 كتاب النكاح . ( * )
[ . . .]
وبعبارة اخرى ان الدليل إن كان متضمنا لتنزيل شئ منزلة
آخر ، نظير الطواف
في البيت صلاة ، والفقاع خمر ، وما شاكل كان مقتضى
الاطلاق ثبوت جميع أحكام المنزل
عليه للمنزل ، وإن كان على وجه استعمال اللفظ الموضوع
لمعنى في معنى آخر مجازا ليترتب
عليه حكم ، لايكون هناك تنزيل وتشبيه حتى يستدل بعموم
المنزلة وهذا واضح جدا .
وأما الوجه الثاني فيرده : ان التتبع يشهد باختلافهما في
كثير من الاحكام ،
كرجحان المتعلق ونية القربة فتأمل وغيرهما . وعلى كل حال
لايدل الاشتراك في جملة من
الاحكام على الاشتراك في جميع الاحكام .
وأما الوجه الثالث فيدفعه : منع ذلك لعدم كون العلة
منصوصة بل هي مستنبطة .
ولكن مع ذلك كله دعوى الالحاق بواسطة النصوص المتضمنة
للاطلاق عليه
قريبة فإن اطلاق اليمين على النذر في النصوص المشار
إليها وهي كثيرة من دون قرينة
دالة عليه ، كاشف عن كون الموضوع له لها هو المعنى الاعم
.
وبعبارة اخرى : انه يكشف عن كون المراد بها عند الاطلاق
هو المعنى الاعم ،
فتأمل فإن في النفس مع ذلك شيئا .
ويشهد لاعتبار اذن الزوج في صحة نذر الزوجة : صحيح ابن
سنان عن الامام
الصادق - عليه السلام - : " ليس للمرأة مع زوجها
أمر في عتق ولاصدقة ولا تدبير ولا هبة ولا
نذر في مالها إلا بإذن زوجها ، إلا في حج أو زكاة أو بر
والديها أو صلة رحمها " ( 1 ).
وأورد عليه باشتماله على ما لانقول به من الامور
المزبورة والاستثناء الذي قد
يقال بمنافاتها أيضا .
وفيه : أولا : ان الظاهر كون الاستثناء من التصرف في
مالها ولاريب في جواز ذلك
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 15 من كتاب النذر والعهد حديث 1 . ( * )
[ . . .. ]
لها بل وجوبه في الحج الواجب والزكاة الواجبة وصلة الرحم
كذلك .
وثانيا : ان عدم العمل ببعض الخبر لمعارضته فيه بما هو
أقوى سندا أو دلالة لا
يكون مانعا عن العمل ببعضها الآخر الذي لامعارض له فيه
وينبغي التنبيه على امور :
1.
إنه إذا كان
مدرك الحكم في المقام هو اطلاق اليمين على النذر لزم الصحة
من دون اذن الزوج ، وعليه فيتجه التفصيل بين الولد
والزوجة باشتراط صحة نذرها بإذن
الزوج كما هو صريح المتن ، وعدم اشتراط صحة نذره بإذن
الوالد وان له حل نذر الولد .
2.
إن الكلام في
استثناء نذر فعل الواجب وترك الحرام هو الكلام في اليمين بل
لعل الذي ذكرناه هناك في المقام أوضح فإن ظاهر قوله إلا
بإذن زوجها اشتراط اذنه فيما
له الاذن وعدمه وإلا فلا معنى لاشتراطه .
3.
إن مقتضى
اطلاق الصحيح عدم الفرق بين الزوجة الدائمية والمنقطعة كما
ان الظاهر عدم الفرق في الولد بين أن يكون مع الواسطة أو
بلا واسطة فللجد أن يحل
نذر سبطه على القول بأن للوالد حل نذر ولده .
4.
وهل للولد أن
يلتمس من الوالد حل نذره أو حلفه أم لا ؟ أظهرهما الاول : إذ
الوفاء بالنذر أو اليمين انما يجب مع بقائه ، وأما
التسبب لانعدامه الموجب لسقوط
وجوب الوفاء به فجوازه ، لاينافي وجوب الوفاء بهما
ولاوجه آخر لعدم جوازه فالاظهر
هو جواز ذلك .
5.
إذا نذرت
المرأة في حال عدم الزوجية ثم تزوجت فهل يجب عليها العمل به
إن كان منافيا للاستمتاع بها وليس للزوج منعها من ذلك
الفعل كالحج ونحوه ، أم لا
يجب عليها العمل به مع المنافاة أو بدونها أيضا إلا مع
اذنه ، أم يجب ما لم يمنعها الزوج ؟
وجوه : لا اشكال في ان الصحيح الدال على اعتبار اذن
الزوج في صحة نذرها لايشمل
الفرض .
] وهو إما بر كقوله إن رزقت ولدا فلله علي كذا ، أو شكر
كقوله إن برئ
المريض فلله علي كذا ، أو زجر كقوله إن فعلت محرما فلله
علي كذا وإن لم
أفعل الطاعة فلله علي كذا ، أو تبرع كقوله لله علي كذا [
وأما نصوص نفي اليمين لها مع الزوج بناء على ما بيناه من
أنها تدل على أن
للزوج أن يحل اليمين بعد انعقادها ، وبناء على شمول
اليمين للنذر فالظاهر شمولها
للمقام كما لايخفى فله حل نذرها . وإن لم يحله أو قلنا
بأنه ليس له ذلك ، فقد يقال انه
يعتبر في متعلق النذر الرجحان حين العمل . وهذا النذر لا
رجحان لمتعلقه في ظرف
العمل بل هو مرجوح لكونه منافيا لحق الزوج فلا يجب عليها
العمل به .
ويرده : ان النذر حين ما انعقد لم يكن هناك مانع وصار
سببا لوجوب العمل في
ظرفه ، وفي ظرف العمل ليس للزوج المنع عنه إذ لا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق ، فلا
يصير المتعلق مرجوحا ، فالاظهر وجوب العمل به ، مع انه
يمكن أن يقال ان الرجحان
انما هو رجحان العمل في نفسه لا الرجحان ، حتى بلحاظ
الملازمات والمقارنات
والعمل في الفرض راجح في نفسه .
على أي تقدير فالنذر منعقد ويجب العمل به وليس للزوج على
هذا المبنى المنع
عنه ، وتمام الكلام في ذلك وفي جملة من الفروع المناسبة
قد تقدم في كتاب الحج في
مبحث نذر الحج فراجع .
المقام الثاني : في صيغته ، قال - قده - ( وهو إما بر
كقوله إن رزقت ولدا فلله علي
كذا ، أو شكر كقوله إن برئ المريض فلله علي كذا ، أو زجر
كقوله إن فعلت محرما فلله
علي كذا وإن لم أفعل الطاعة فلله علي كذا ، أو تبرع
كقوله لله علي كذا ).
قال الشهيد الثاني في المسالك : النذر ينقسم إلى نذر بر
وطاعة وإلى نذر لجاج
[ .. .. . ]
وزجر .
ونذر البر نوعان : نذر مجازات وهو أن يلتزم قربة في
مقابلة حدوث نعمة أو اندفاع
بلية ، ونذر تبرع أي التزام شئ ابتداء من غير أن يعلقه
على شئ .
وكل واحد من المزجور عنه والمجازى عليه إما أن يكون طاعة
أو معصية أو
مباحا ، ثم إما أن يكون من فعله أو فعل غيره أو خارجا
عنهما لكونه من فعل الله تعالى
كشفاء المريض ، ومتعلقه إما فعل أو ترك فهذه صور المسألة .
والجزاء على الطاعة كقوله : إن صليت فلله علي صوم يوم
مثلا ، أي إذا وفقني الله
للصلاة صمت شكرا والزجر عنها كذلك ، إلا أنه قصد الزجر
عنها وعلى المعصية
كقوله : إن شربت الخمر فلله علي كذا ، زجرا لنفسه عنه أو
شكرا عليها ، والمايز القصد
كذلك ، فالاول منهما منعقد دون الثاني .
وفي جانب النفي كقوله : إن لم اصل فلله علي كذا وإن لم
أشرب الخمر فلله علي
كذا ، فإن قصد في الاول الزجر وفي الثاني الشكر على
توفيقه له انعقد دون العكس .
وفي المباح يتصور الامر ان نفيا واثباتا كقوله : إن أكلت
أو لم آكل فلله علي كذا ،
شكرا على حصوله أو على كسر الشهوة أو زجرا .
ويتصور الاقسام كلها في فعل الغير كقوله : إن صلى فلان
أو قدم من سفره أو
أعطاني إلى غير ذلك من أقسامه .
وضابط المنعقد من ذلك كله ، ما كان طاعة وقصد بالجزاء
الشكر ، أو تركها
وقصد الزجر ، وبالعكس في المعصية وفيما خرج عن فعله
يتصور الشكر دون الزجر ، وفي
المباح الراجح دينا يتصور الشكر وفي المرجوح الزجر وعكسه
كالطاعة ، وفي المتساوى
الطرفين يتصور الامران ، ومثله : إن رأيت فلانا فلله علي
كذا ، فإن أراد إن رزقني الله
رؤيته فهو نذر بر ، وإن أراد كراهة رؤيته فهو نذر لجاج
انتهى .
[ . . . .. ]
ولكن ما أفاده - ره - وإن كان مفيدا من حيث تشقيق صور
المسألة إلا أنه لم يبين
الضابط الصحيح لما ينعقد ولما لاينعقد ولم يذكر وجه
الانعقاد وعدمه .
والصحيح أن يقال إن شرط النذر إن كان واجبا أو مندوبا أو
مباحا ، له فيه نفع
دنيوي أو فعل الغير أو الموجودات الخارجية الاخر كذلك ،
أو كان ترك الحرام أو المكروه
أو المباح أو فعل الغير أو الموجود الخارجي الذي له نفع
فيه وجعل المنذور شكرا له
انعقد ، وإن جعله زجرا عنه لم ينعقد والفارق بين الشكر
والزجر القصد .
ويشهد به مضافا إلى عدم الخلاف فيه موثق سماعة : سألته
عن رجل جعل عليه
أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو صدقة أو نذرا أو هديا إن
هو كلم أباه أو امه أو أخاه أو ذا
رحم أو قطع قرابة أو مأثما يقيم عليه أو أمرا لايصلح له
فعله فقال - عليه السلام - :
" لايمين في معصية الله انما اليمين في الواجبة التي ينبغي
لصاحبها أن يفي بها ،
ما جعل لله عليه في الشكر إن هو عافاه من مرضه أو عافاه
من أمر يخافه أو رد عليه ماله
أو رده من سفر أو رزقه رزقا فقال : لله علي كذا وكذا
شكرا ، فهذا الواجب على صاحبه
الذي ينبغي لصاحبه أن يفي به " ( 1 ) ، وهذا كما
ترى صريح في اعتبار أن يكون ما يجعل
عليه لله شكرا ، ونحوه غيره .
وإن كان فعل محرم أو مكروه أو ترك واجب أو مندوب وجعل
المنذور لله عليه
زجرا صح وإن جعله شكرا لايصح .
أما عدم صحته شكرا فلانه لايقبل أن يجعل في مقابله شكرا
، إذ الشكر انما
يكون على النعمة أعم من الدنيوية والاخروية .
مضافا إلى جملة من النصوص : ففي موثق سماعة قال : سألته
عن امرأة تصدقت
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب النذر والعهد حديث 4 ( * )
[. . . ]
بما لها على المساكين إن خرجت مع زوجها ثم خرجت معه :
فقال : " ليس عليها شئ " ( 1 ).
وفي خبر علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله - عليه
السلام - عن رجل جعل عليه
مشيا إلى بيت الله الحرام وكل مملوك له حر إن خرج مع
عمته إلى مكة ولاتكارى لها ولا
صحبها فقال - عليه السلام - : " ليس بشئ ليكارى لها
وليخرج معها " ( 2 ) ونحوهما غيرهما .
وأما صحته زجرا فالظاهر الاجماع عليها . والوجه فيها ان
الزجر عن المعصية
والمخالفة طاعة فيشمله ما دل على انعقاد النذر إذا كان
طاعة .
وإن كان الشرط ترك مباح أو أمر له فيه منفعة فعدم صحته
شكرا واضح لانه لا
يكون قابلا للشكر ولايتصور فيه الزجر فلا ينعقد النذر .
وإن كان الشرط أمرا مباحا متساوي الطرفين ولايعود نفعه
إليه وحاله بالنسبة
إليه ، سواء من تلك الجهة أو كان أمرا خارجيا كذلك ولم
يكن فيه نفع عائد إلى المجتمع
فالظاهر عدم صحة النذر لعدم قابلية ذلك للشكر ، هذا كله
في نذر الشرط .
وأما نذر التبرع وهو أن ينذر مبتدئا بغير شرط كأن يقول :
لله علي أن أصوم ، ونحو
ذلك ففي انعقاده قولان :
أحدهما : الانعقاد وهو اختيار الاكثر ، كما في المسالك
وعليه الاجماع كما عن
الشيخ في الخلاف .
وقد استدل له بقوله تعالى : * ( رب إني نذرت لك ما في
بطني محررا ) * ( 3 )، فاطلق
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب النذر والعهد حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 17 من كتاب النذر والعهد حديث 7 .
( 3 ) سورة آل عمران آية 35 . ( * )
[ . . .. ]
نذرها ولم يذكر عليه شئ ، وبالنبوي : من نذر أن يطيع
الله فليطعه ( 1 ).
وبصحيح عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله - عليه السلام
- : عمن جعل لله عليه أن
لايركب محرما سماه فركبه ، قال : " فليعتق رقبة أو
ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم
مسكينا " ( 2 ).
وصحيح الحلبي عنه - عليه السلام - : " إن قلت لله
علي فكفارة يمين " ( 3 ) .
وخبر محمد بن مسلم عن الامام الباقر - عليه السلام - :
عن الايمان والنذور واليمين
التي هي لله طاعة ، فقال : " ما جعل لله عليه في
طاعة فليقضه فإن جعل لله شيئا من
ذلك ثم لم يفعل فليكفر عن يمينه " ( 4 ).
وخبر صفوان الجمال عن أبي عبد الله - عليه السلام - في
حديث : " وما جعلته لله
فف به " ( 5 ).
وخبر عمرو بن خالد عن أبي جعفر - عليه السلام - : "
النذر نذران فما كان لله
فف به " ( 6 ).
وخبر أبي الصباح الكناني عن الامام الصادق - عليه السلام
- : " ليس شئ هو لله طاعة
يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به " ( 7 ) ،
إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة المرتبة
للحكم على الصيغة المزبورة بدون الشرط .
……………………………………………..
( 1 ) صحيح البخاري ج 9 ص 246 ، سنن البيهقي ج 10 ص 76 .
( 2 ) الوسائل باب 23 من أبواب الكفارات حديث 7 .
( 3 ) الوسائل باب 23 من أبواب الكفارت حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 23 من أبواب الايمان حديث 1 .
( 5 ) الوسائل باب 23 من أبواب الكفارات حديث 3 .
( 6 ) الوسائل باب 23 من أبواب الكفارات حديث 6 .
( 7 ) الوسائل باب 17 من كتاب النذر والعهد حديث 6 . ( * )
[ . . .. . ]
واورد عليه : بأنه لا اطلاق للنصوص لعدم ورودها في مقام
البيان من هذه الجهة
فلا يصح التمسك باطلاقها .
والجواب عنه كما في الجواهر بأن ذلك في المطلقات
والاخبار المزبورة ليست منها
فانها ما بين عامة لغة وعامة بترك الاستفصال لافادته
إياه على الاشهر الاقوى ، غير تام
لعدم العموم لشئ منها وهي بأجمعها من المطلقات ، وترك
الاستفصال وإن كان آية
العموم لكن المراد بالعموم هو الاطلاق لا العموم المقابل
للمطلق ، مع أن ألفاظ العموم
ما لم تجر مقدمات الحكمة في متعلقاتها لاتفيد العموم ،
فيعود المحذور .
والحق في الجواب أن يقال : ان جملة منها ليست إلا في
مقام بيان تشريع وجوب
الوفاء بالنذر وليس لها اطلاق من هذه الجهة .
واورد على الاستدلال بها في الجواهر : بأن هذه النصوص
وغيرها مما رتب فيها
الحكم على الصيغة المزبورة من دون ذكر النذر مبناها على
أنها نذر ضرورة عدم
اقتضائها اللزوم إذا لم يكن نذرا ، ولايترتب عليه كفارة
النذر لعدم قسم آخر ملزم عندنا
غير اليمين والعهد والنذر ، والفرض عدم كونها من الاول
والثالث قطعا ، فليس إلا
النذر . فمع فرض أخذ الشرط في مفهومه كما هو أساس
القول الآخر لم يجد شئ من
اطلاقها .
وفيه : مع قطع النظر عن عدم تمامية أخذ الشرط في النذر
مفهوما ، انه إذا كان
للنصوص اطلاق شامل للمشتمل على غير الشرط وغير المشتمل
عليه لزم البناء على
وجوب الوفاء بكلا القسمين ، وان النذر الشرعي أعم من
النذر اللغوي ، وحصر الملزم
في اليمين والعهد والنذر وإن كان تاما إلا أن المحصور
فيه النذر الشرعي لا النذر
اللغوي ، فتدبر فإنه دقيق ، فالاظهر تمامية دلالة النصوص
على ذلك .
وما استدل به للقول الآخر من أن النذر لغة هو الوعد بشرط
كما عن تغلب و
[ . .... ]
الشرع نزل بلسانهم والاصل عدم النقل .
يدفعه : أولا : ما في الرياض من أنه وعد بغير شرط ، ولو
سلم فقد المعارض من
اللغة ، واتفاق أهلها على ما ذكره يعارض بالعرف المتقدم
عليها ، ومناقشة صاحب
الجواهر - ره - فيه بمنع معلومية كونه كذلك في زمن صدور
الاطلاقات كتابا وسنة ، في
غير محلها فإنه إذا كان لفظ بحسب المتفاهم العرفي ظاهرا
في معنى فعلا يبنى على كونه
كذلك في زمان الشارع للاستصحاب القهقري المبنى عليه
السيرة القطعية ، وإلا لزم
التوقف في العمل بالظهورات في كثير من المقامات ولزم منه
تأسيس فقه جديد .
وثانيا : ما تقدم من أن بعض النصوص مطلق ليس فيه كلمة
النذر . وأضعف من
هذا الوجه دعوى الاجماع كما لايخفى .
وقد يستدل له بصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله -
عليه السلام - : " إذا قال
الرجل : علي المشي إلى بيت الله وهو محرم بحجة أو علي
هدى كذا وكذا ، فليس بشئ
حتى يقول : لله علي المشي إلى بيته ، أو يقول : لله علي
أن أحرم بحجة ، أو يقول : لله علي
هدى كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا " ( 1 ).
وبموثق سماعة سألته عن رجل جعل لله عليه أيمانا أن يمشي
إلى الكعبة أو
صدقة أو نذرا أو هديا إن إن هو كلم أباه أو امه أو أخاه
أو ذا رحم أو قطع قرابة أو مأثما
يقيم عليه أو أمرا لايصلح له فعله ؟ فقال - عليه السلام
- : " لايمين في معصية الله انما اليمين
الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل لله عليه
في الشكر إن هو عافاه الله من
مرضه أو عافاه من أمر يخافه أو رد عليه ماله أو رده في
سفر أو رزقه رزقا فقال : لله علي
كذا وكذا الشكر ، فهذا الواجب على صاحبه الذي ينبغي
لصاحبه أن يفي به " ( 2 ).
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب النذر والعهد حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 17 من كتاب النذر والعهد حديث 4 . ( * )
[ . .. . ]
بتقريب ان الاول بمفهوم الشرط ، والثاني بمفهوم الحصر ،
يدلان على عدم صحة
النذر غير المعلق على شرط . وبهما يقيد اطلاق النصوص
المتقدمة .
ودعوى سيد الرياض ان المقصود منهما بيان لزوم ذكر الله
تعالى في النذر وعدم
تعلقه بالمحرم لا لزوم التعليق ، فلا عبرة بمفهومهما ،
مع احتمال ورود التعليق فيهما مورد
الغالب فإن الغالب في النذر ذلك لا المطلق ، مندفعة بأن
حمل القيد على الغالب لا
لبيان خصوصية في الحكم خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا مع
القرينة ، ولو كان
المقصود منهما خصوص ما أشار إليه لما كان وجه لذكر القيد .
فالحق في الايراد على الاستدلال بهما أن يقال : إن القيد
في الصحيح يحتمل أن
يكون راجعا الى الجملة الثانية ، بل قد يقال : إن الظاهر
منه ذلك ، وعليه : فهو يدل على
القول الاول لا على هذا القول .
وأما الموثق فهو بقرينة السؤال وارد في مقام بيان أن
النذر لشكر انما هو فيما كان
قابلا لان يشكر عليه ، فمفهومه عدم صحة النذر لشكر إذا
كان الشرط غير قابل لذلك
فهو أجنبي عن لزوم التعليق ، بل لعل نذر الشكر أعم من
المعلق ، كما لو أنعم الله تعالى
على انسان نعمة ويريد شكرها بنذر بعض العبادات .
ففي خبر أبي بصير عن الامام الصادق - عليه السلام - :
" لو أن عبدا نعم الله عليه
نعمة اما أن يكون مريضا أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك
البلية فجعل على نفسه أن يحرم
بخراسان كان عليه أن يتم " ( 1 ).
بل هذا الخبر كالصريح في صحة النذر غير المعلق لفرض كون
الشرط فيه
متحققا قبل النذر ، فلا ينبغي التوقف في صحة نذر التبرع .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 13 من أبواب المواقيت حديث 3 كتاب
الحج . ( * )
] ولو قال علي كذا ولم يقل لله لم يجب ]
(و ) يشترط في صحة النذر النطق باسم الله تعالى ف ( لو
قال علي كذا ولم يقل لله لم
يجب ) بلا خلاف فيه في الجملة .
وما عن ابن حمزة من انه إن قال : علي كذا إن كان كذا ،
وجب الوفاء ولاكفارة وإن
قال : علي كذا استحب الوفاء ، لاينافي ذلك فإن قوله :
ولا كفارة كاشف عن بنائه على
عدم صحة النذر .
وما عن الشيخين والقاضي من الانعقاد بمجرد النية من دون
ذكر شئ أصلا ،
فهو أيضا خلاف في مسألة اخرى وهي أنه هل يكتفي في انعقاد
النذر بالبناء القلبي
والاعتبار النفساني أم يعتبر التلفظ بألفاظ معربة عما في
الضمير ؟ فها هنا مسائل :
الاولى : يعتبر في صحة النذر جعل العمل لله على نفسه
وإلا فلا يصح
والنصوص الدالة عليه كثيرة ، كصحيح منصور بن حازم
المتقدم بناء على ما عن نسخة
التهذيب عن الكافي . أو يقول : لله علي هدى كذا . . .
الخ .
وصحيح أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبد الله -
عليه السلام - عن رجل
قال : علي نذر ، قال - عليه السلام - : " ليس النذر
بشئ حتى يسمي شيئا لله صياما أو صدقة أو
هديا أو حجا " ( 1 ).
وموثق إسحاق بن عمار : قلت لابي عبد الله - عليه السلام
- : إني جعلت على نفسي شكرا
لله ركعتين اصليهما في السفر والحضر فاصليهما في السفر
بالنهار ، قال - عليه السلام - : "
نعم " ، ثم قال : " إني لاكره الايجاب أن يوجب
الرجل على نفسه " ، فقلت : إني لم أجعلهما
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب النذر والعهد حديث 2 . ( * )
[ . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . ]
لله علي إنما جعلت ذلك على نفسي اصليهما شكرا لله ولم
اوجبهما على نفسي أفأدعهما إذا
شئت ؟ قال - عليه السلام - : " نعم " ( 1 ).
ومرسل الصدوق عنه - عليه السلام - : " إذا لم يقل
لله علي فليس بشئ " ( 2 )ونحوها
غيرها . فما عن المختلف من أنه تواتر من أن مناط الوجوب
تعليق النذر بقول لله ، متين .
وهل يعتبر خصوص لفظ الجلالة كما عن الاكثر أم يكتفي بأحد
أسمائه الخاصة
كما في اليمين كما عن الدروس وقواه سيد الرياض وجهان ،
أقواهما الثاني لما عرفت في
اليمين من أن الاسم بما أنه معرب عن المسمى ، فكل اسم
اخذ في الموضوع ظاهر في
نفسه في كون المراد المسمى بلا خصوصية لهذا الاسم ،
فقوله : حتى يسمى شيئا لله ، ظاهر
في ارادة أن النذر حقيقته تمليك العمل لذاته المقدسة سواء
ذكر ذلك بلفظ الجلالة أو
بغيره من أسمائه تعالى .
وعليه : فينعقد النذر وإن أبدل لفظ الجلالة بمرادفه من
الالفاظ غير العربية كما
في الرياض .
الثانية : لو اعتقد وبنى في نفسه انه إن كان كذا فلله
تعالى كذا ولم يتلفظ باسمه
تعالى بل نواه في ضميره خاصة ففيه قولان ، أشهرهما بين
المتأخرين وفاقا للاسكافي
والحلي أنه لاينعقد ، وعن الشيخين والقاضي وابن حمزة أنه
ينعقد ووجب الوفاء به .
واستدل للاول : بالاصل : وبأنه في الاصل وعد بشرط أو
بدونه والوعد لفظي
والاصل عدم النقل . وبأنه المتبادر من النذر في العرف .
وبالشك في كون المجرد عن
اللفظ نذرا حقيقيا أمرنا بالوفاء به شرعا ومعه لايمكن
الخروج من الاصل القطعي
السليم بحسب الظاهر عما يصلح للمعارضة . وبظواهر النصوص
المتقدمة الدالة على
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 6 من كتاب النذر والعهد حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب النذر والعهد حديث 2 . ( * )
[ .. .. . ]
اعتبار لفظ الجلالة ، وفي كل مناقشة .
أما الاول : فلانه لايرجع إليه مع اطلاق الدليل .
وأما الثاني : فلان النذر كسائر عناوين العقود
والايقاعات من مقولة المعنى ومن
الاعتبارات النفسانية وكذلك الوعد ، غاية الامر ان الوعد
إن كان مع غير الله لابد وأن
يظهر ليعرف ذلك الشخص ، وإن كان مع الله العالم بالضمائر
فلا يعتبر ذلك فيه ، مع
أن دليل مشروعية النذر لايختص بما تضمن هذا اللفظ بل هو
مشروع بعنوان جعل
شئ لله تعالى وكون الجعل من مقولة المعنى أوضح من أن
يبين .
وأما الثالث : فلمنع التبار بعد كون اللفظ كاشفا عن
النذر .
وأما الرابع : فلان اطلاق الادلة يرفع الشك .
وأما الخامس : فلانها في مقام بيان اعتبار الجعل لله
تعالى وأنه لايكفي الجعل
المطلق وانما ذكر التسمية والتلفظ تبعا للنذور الغالبة
حيث انها ملفوظة لامنوية .
وبما ذكرناه يظهر قوة القول الآخر . والاجماع والتسالم
على اعتبار المظهر في العقود
والايقاعات وإن كان لا كلام فيه ولذلك بنينا على اعتباره
فيها ، إلا أنه انما يعتبر ليكون
دالا على الاعلام بما في الضمير ، والعقد هنا مع الله
تعالى العالم بالسرائر فلا يعتبر فيه .
عدم اعتبار قصد القربة في النذر
الثالثة : طفحت كلماتهم باعتبار القربة في النذر ، وفي
الجواهر بل الاجماع بقسميه
عليه ، انما الخلاف في أن المراد بها ، هل هو صدور النذر
عن قصد القربة بجعلها غاية
للفعل بأن يقول بعد الصيغة : لله أو قربة إلى الله تعالى
، ونحوه ذلك كسائر العبادات ؟ أم
يكون المراد بها جعل العمل المنذور لله تعالى ؟
[ . .. . .]
ففي المسالك والمراد بنية القربة أن يقصد بقوله : لله
علي كذا ، معناه بمعنى أنه لا
يكفي قوله : لله ، من دون أن يقصد به معناه وإلا فالقربة
حاصلة من جعله لله ولا يشترط
معه أمر آخر كما قررناه ، انتهى .
وفي الروضة على ما حكى : ويستفاد من الصيغة أن القربة
المعتبرة في النذر اجماعا
لايشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات ، بل يكفي
تضمن الصيغة لها وهو هنا
موجود بقول : لله علي ، وإن لم يتبعها بعد ذلك بقوله :
قربة إلى الله أو لله ، ونحوه . وبهذا
صرح الشهيد في الدروس على ما حكى وجعله أقرب ، وفي
الجواهر وهو الاقرب .
وعن كشف اللثام في شرح قول المصنف - ره - في القواعد :
ويشترط في الصيغة
نية القربة قال بالمنذور وإن كان النذر مجانا اتفاقا
للاصل والنصوص ، ويعطيها
قوله : لله ، ولا حاجة إلى زيادة : قربة إلى الله ،
انتهى ، وفي الرياض .
ثم ان المستفاد من النصوص انه يكفي في القربة ذكر لفظ
الجلالة مع النية من
غير اشتراط جعل القربة غاية بعد الصيغة فلا يحتاج بعدها
إلى قوله : قربة إلى الله ، ونحوه
وبه صرح الشهيدان وغيرهما خلافا لنادر فاشتراطه ووجهه مع
ندرته غير واضح . إلى
غير تلكم من كلماتهم المتفقة على عدم اعتبار قصد
الامتثال في اجراء الصيغة وأن
المعتبر جعل العمل لله وتمليكه إياه ، وليس في كلماتهم
تشويش ومرجع الجميع إلى شئ
واحد .
وكيف كان فقد استدل لاعتبارها بالمعنى الاول في النذر ،
وبعبارة اخرى كون
النذر من العبادات ، بوجوه :
أحدها : الاجماع ، وقد مر ما فيه .
ثانيها : ان صيغة النذر وهي قول الناذر : لله علي كذا ،
تقتضي ذلك فإن مفاده
الالتزام بالترك أو الفعل لله تعالى وليست القربة إلا
ذلك .
[ .. . . ]
وفيه : انه فرق بين كون فعل لله تعالى بمعنى قصد امتثال
الامر به والتقرب به إليه
تعالى ، وبين كونه له بحيث يصير الله تعالى مالكا لذلك
الفعل بالمعنى المناسب له
والذي يدل عليه صيغة النذر هو الثاني ، وقصد القربة
الموجب لكون العمل عبادة هو
الاول وبينهما بون بعيد .
ثالثها : دلالة جملة من النصوص عليه ، لاحظ صحيح الحلبي
عن الامام الصادق -
عليه السلام - في حديث : " كل يمين لايراد بها وجه
الله عزوجل فليس بشئ " ( 1 ) .
وصحيح منصور عنه - عليه السلام - : " إذا قال الرجل
علي المشي إلى بيت الله وهو محرم
بحجة ، أو علي هدي كذا وكذا ، فليس بشئ حتى يقول : لله
علي المشي إلى بيته ، أو
يقول : لله علي أن أحرم بحجة ، أو يقول : لله علي هدي
كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا " ( 2 ).
وموثق إسحاق عنه - عليه السلام - قال : قلت له : إني
جعلت على نفسي شكرا لله تعالى
ركعتين اصليهما في السفر والحضر أفاصليهما في السفر
بالنهار ؟ فقال - عليه السلام - : " نعم " ( 3 )
ونحوها غيرها .
وفيه : ان جملة منها كصحيح منصور تدل على عدم انعقاد النذر إلا أن
يقول
كلمة : لله .
وجملة منها كموثق إسحاق تدل على انعقاد النذر إذا كان
متعلقه الطاعة .
وجملة منها كصحيح الحلبي تدل على اعتبار أن يكون النذر
له تعالى لا لغيره
بالمعنى الثاني ، فاذا لادليل على اعتبار نية القربة في
النذر .
بل يمكن أن يستدل على عدم اعتبارها بوجوه :
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 14 من أبواب الايمان حديث 10 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب النذر حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 6 من أبواب النذر حديث 1 . ( * )
] ومتعلق النذر يجب أن يكون طاعة لله [
أحدها : الاصل فإنه يشك في اعتبارها وعدمه والاصل يقتضي
عدمه .
ثانيها : اطلاق أدلة النذر بناء على ما هو الحق من امكان
أخذ قصد القربة في
متعلق الامر .
ثالثها : ان بعض النصوص ( 1 ) يدل على كراهة النذر وحيث
ان الاحكام الخمسة
متضادة فمع كونه مكروها لا أمر به ولامحبوبية ، ومن
الواضح توقف قصد القربة
والتقرب بعمل إلى الله تعالى على الامر أو المحبوبية .
فالمتحصل مما ذكرناه : انه لايعتبر قصد القربة في النذر
. فما أفاده الاساطين هو
المستفاد من الادلة .
بيان ضابط ما يصح تعلق النذر به
(و ) المقام الثالث : في ( متعلق النذر ) وفيه مسائل :
الاولى : ( يجب أن يكون ) المتعلق ( طاعة لله ) مأمورا
به وجوبا أو استحبابا فلا
ينعقد لو كان مرجوحا أو مباحا كما هو المشهور بين
الاصحاب . بل عن ظاهر المختلف
في مسألة نذر صوم أول يوم من رمضان ، الاجماع عليه حيث
قال بعد اختيار جوازه ردا
على المبسوط والحلي للاجماع منا على أن النذر انما ينعقد
إذا كان متعلق النذر طاعة وفي
المقام أقوال اخر :
1.
ما عن الشهيد
في الدروس وهو أنه يجوز كونه مباحا يتساوى طرفاه دينا و
دنيا .
2.
ما عن اللمعة
وهو التفصيل بين المشروط فالاول والتبرع فالثاني مع تخصيص
المباح بالراجح دينا أو دنيا ، بل نسب في محكى شرحها وعن
العلامة المجلسي - ره - هذا
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 6 من أبواب النذر . ( * )
[ . . . . ]
القول إلى المشهور ، وأنكر ذلك سيد الرياض وقال إن
المشهور هو القول الاول .
3.
ما حكاه
جماعة وهو كالثالث إلا أنه اطلق فيه جواز نذر المباح في الشق
الثاني وقال بصحته مطلقا ولو كان متساوي الطرفين ، ولم
يظفر الفقهاء بقائله بشخصه .
أقول : يشهد للاول : جميع النصوص الدالة على لزوم جعل
المنذور لله تعالى إذ لا
معنى لجعل العمل المباح فضلا عن المكروه والحرام له تعالى
، وإن شئت قلت إن جعل
إتيان عمل شكرا على نعمة مثلا ، انما يصح إذا كان في
نفسه مطلوبا له تعالى كي يكون
قابلا لان يشكر به ، والمباح غير قابل لذلك .
وخصوص صحيح الكناني عن مولانا الصادق - عليه السلام - :
" ليس شئ هو لله
طاعة يجعله الرجل عليه ، إلا ينبغي له أنى يفي به ، وليس
من رجل جعل لله عليه مشيا
في معصية الله إلا انه ينبغي له أن يتركه إلى طاعة الله
" ( 1 ) ، بناء على أن المراد مما في صدره
التحديد على وجه يكون جميع قيوده معتبرة فيه .
وصحيحه الآخر عنه - عليه السلام - : " ليس النذر
بشئ حتى يسمي شيئا لله صياما أو
صدقة أو هديا أو حجا " ( 2 ).
وصحيح منصور وموثق سماعة المتقدمين ، وخبر أبي بصير عنه
- عليه السلام - عن
الرجل يقول : علي نذر ، قال - عليه السلام - : "
ليس بشئ حتى يسمي شيئا ويقول علي صوم لله
أو يتصدق أو يعتق أو يهدي هديا ، فإن قال الرجل : أنا
أهدي هذا الطعام ، فليس هذا
بشئ انما تهدى البدن هذا " ( 3 ).
وذيل هذا الخبر كالصريح في أن النذر ليس بنفسه من
الموجبات لتعلق الامر
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب النذر والعهد حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب النذر والعهد حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 1 من كتاب النذر والعهد حديث 3 . ( * )
[.. . . . ]
بشئ وانما هو ملزم لما أمر به في نفسه .
واستدل لصحة نذر المباح : بعمومات الوفاء بالنذر .
وبخبر الحسن بن علي عن أبي الحسن - عليه السلام - في
جارية حلف منها بيمين
فقال : لله علي أن لا أبيعها ، قال - عليه السلام - :
" ف لله بقولك " والبيع مباح إذا لم يقترن
بعوارض مرجحة واطلاقه أعم من وجودها ( 1 ) ، ونحوه آخر (
2 ).
وبخبر يحيى بن أبي العلاء عن مولانا الصادق - عليه
السلام - عن أبيه - عليه السلام - أن
امرأة نذرت أن تغار مزمومة بزمام في أنفها ، فوقع بعير
فخرم أنفها فأتت عليا - عليه السلام -
تخاصم فأبطله فقال : " إنما نذرت لله " ( 3 ).
ولكن العمومات تخصص بما تقدم وخبري الجارية ، ضعيفا
السند ، لمحمد بن
أحمد الجامورائي ، مع انهما ليسا صريحين في جواز نذر المباح
لاحتمال اختصاصهما
بصورة رجحان ترك بيع الجارية بحيث يحصل منه قصد القربة ،
وترك الاستفصال
في الجواب غايته الاطلاق فيقيد بما مر ، مع انه يمكن أن
يقال أنهما واردين مورد حكم
آخر وهو انه لو احتاج إلى ثمنها هل يجوز النذر أو لا ؟
فلا يستفاد الاطلاق من ترك
الاستفصال .
أضف إلى ذلك كله انهما لم يعمل بهما في موردهما ،
لتضمنهما الامر بالوفاء بعدم
البيع مع رجحانه للحاجة وهو مناف لما ذكره الجماعة من
جواز المخالفة في هذه
الصورة ، بل عن بعض نفي الخلاف فيه ، وعن آخر دعوى
الاجماع عليه .
وفي خبر زرارة قال : قلت لابي عبد الله - عليه السلام -
: أي شئ لانذر فيه ؟ فقال
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب النذر والعهد حديث 11 .
( 2 ) الاستبصار ج 4 ص 43 .
( 3 ) الوسائل باب 17 من كتاب النذر والعهد حديث 8 . ( * )
[ ... . ]
- عليه السلام - : " كل ما كان لك فيه منفعة في دين
أو دنيا فلا حنث عليك فيه " ( 1 ).
وأما خبر يحيى فهو ظاهر في كونه راجحا لان أفضل الاعمال
أحمزها فهو كالحج
ماشيا . فتحصل : ان هذا القول ضعيف .
وأضعف منه القول الثالث فإنه لامدرك له سوى الجمع بين
خبري الجارية ،
والنصوص المتقدمة في وجه القول الاول بالاقتصار على ما
في الخبرين من نذر التبرع ،
وبما ذكرناه يظهر ضعف القول الرابع .
ثم إن المباح المقترن بما يقتضي رجحانه في الدين كالاكل
للتقوى للعبادة هل
حكمه حكم الراجح لنفسه فيجوز نذره ، أم يكون حكمه حكم
المباح المتساوي الطرفين
فلا يجوز ؟
قال في الجواهر : بل إن لم يكن اجماع كما عساه يظهر من
نفي الاشكال عنه في
كشف اللثام ، أمكن الاشكال في انعقاد النذر على المباح
المقترن بما يقتضي رجحانه في
الدين كالاكل للتقوى للعبادة مثلا ، لظهور النصوص
والفتاوى في العبادات الاصلية ،
انتهى .
والسيد في الرياض يدعي الشهرة على عدم انعقاد النذر
المتعلق بالمباح ولو كان
راجحا دينا .
وكيف كان فالحق أن يقال إن المباح المقترن بما يقتضى
رجحانه ، إن كان من قبيل
ما لو كان العنوان الراجح منطبقا على نفس ذلك المباح ولم
يكن له وجود خارجي سوى
وجود ذلك المباح ، انعقد النذر قطعا فيما إذا قصد ذلك
العنوان ، فإن المتعلق حينئذ هو
الامر الراجح الديني لا المباح لعدم الفرق في ذلك بين
كون الفعل راجحا بالعنوان
الاولي ، أم كان من العناوين الثانوية ، وإن كان له وجود
خارجي ممتاز عن وجود المباح
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب النذر والعهد حديث 1 . ( * )
[ .. . . . ]
لم يصح نذر المباح بل يصح نذر نفس ذلك العنوان
ولايخفى ان غاية ما يستفاد من النصوص اعتبار كون المنذور
راجحا في
نفسه . وأما كونه أرجح من غيره ، أو عدم كونه مرجوحا
بالنسبة إلى آخر ، أو كون أوصافه
ومشخصاته راجحة ، فلا دليل على شئ من ذلك ، فلو نذر
الصلاة في مكان معين
بحيث كان النذر متعلقا بالصلاة في ذلك المكان لابخصوصية
إيقاعها فيه ، أو الصلاة
في زمان خاص كذلك ، أو نذر الصدقة بمال مخصوص ، أو نذر
ايقاع صلاته في
مسجد المحلة مع امكان ايقاعها في المسجد الجامع وما شاكل
، صح النذر وانعقد
ويجب الخصوصيات أيضا ولاسبيل إلى دعوى أن المستحب هو
الصلاة المطلقة ، أو
الصدقة كذلك ، أو ايقاع الصلاة في المسجد .
وأما خصوصية المال والمكان فمباحة فكما لاينعقد ولو خلصت
الاباحة فكذا إذا
تضمنها النذر ، فإنها تندفع : بأن المنذور هو الفعل
المقيد على نحو دخول التقيد وخروج
القيد ، وبعبارة اخرى الحصة التوأمة من الطبيعة لتلك
الخصوصيات ، والحصة التوأمة
متمحضة في الرجحان وإن كانت حصة اخرى أرجح منها ، وعليه
فيتعين عليه الاتيان
بذلك المقيد فلو أتى بغير تلك الحصة لم يمتثل أمر النذر .
وعلى هذا فلو نذر ايقاع صلاة الظهر في محل خاص سواء نذر
الاتيان بها فيه ، أو
بخصوصية المحل فصلى في غيره لا إشكال في حنث النذر ، فهل
يصح صلاته ويسقط
الامر بالظهر ؟ الظاهر ذلك فإن الامر بالشئ لايقتضي النهي
عن ضده فالفرد الآخر من
صلاة الظهر الذي هو أيضا من مصاديق الطبيعة المأمور بها
، غير ما أتى به ، وإن كان
له أمر آخر ولكنه لايقتضي النهي عما أتى به فيصح لو قصد
به الامر بالطبيعة على
القول بصحة الترتب أو بقصد المحبوبية على القول بعدمها .
وربما يستشكل في النذر ، بأنه إن تعلق بغير الواجب
والمستحب لم ينعقد كما مر ،
] مقدورا للناذر [
وإن تعلق بأحدهما لزم اجتماع المثلين في نذر الواجب وذلك أو اجتماع الضدين في نذر
المستحب .
ولا سبيل إلى دعوى المحقق النائيني - ره - بأن الدليلين
الدالين على حكمين
مماثلين متعلقين بعنوانين بينهما عموم من وجه لاتعارض
بينهما لانه يصح جعل
الحكمين ولايلزم اللغوية ويلتزم بالتأكد في المجمع ، وإن
لم يصح جعل حكمين مماثلين
لعنوانين متساويين ، أو كون النسبة عموما مطلقا للزوم
اللغوية في الثاني ، فإن هذا الوجه
مضافا إلى عدم تماميته في نفسه إذ لزوم اللغوية إن كان
مانعا عن جعل حكمين متماثلين
في مورد كان مانعا عن اطلاق الجعل بنحو يشمل المجمع ،
لاينطبق على المقام لفرض
ان النسبة بين دليل وجوب الوفاء بالنذر وكل دليل من أدلة
الاحكام الاولية وإن كانت
عموما من وجه إلا ان النسبة بينه وبين مجموعها عموم مطلق
فيعود المحذور .
وبعبارة اخرى : لايكون هناك مورد يكون الامر بالوفاء
بالنذر باعثا فعليا وحده
نحو الفعل ليخرج بذلك عن اللغوية ، وعليه فلا يجب الوفاء
به إلا بأن يلتزم بانعقاد
النذر المتعلق بالمباح فيصح النذر الواجب أو المستحب بما
أفاده المحقق النائيني - ره - .
وفيه : انه مع الالتزام بالتأكد يندفع محذور اجتماع
المثلين .
وأما محذور اللغوية فهو يندفع بأنه يمكن أن يكون الشخص
بحيث لاينبعث
من أمر واحد وينبعث لو تأكد ذلك ، بل فحين ينبعث من أمر
واحد لا اشكال في أن
باعثية الامرين أشد ، وعليه فلا محذور من هذه الناحية
أيضا فيصح نذر الواجب أو
المستحب بلا اشكال .
الثانية لا خلاف بين الاصحاب في اعتبار أن يكون المنذور
( مقدورا للناذر ) فلا ينعقد
[ . . . . ]
على غير المقدور عقلا كاجتماع النقيضين ، ولاغير المقدور
عادة كالصعود إلى السماء -
وانما يعتبر ذلك حين العمل ولاعبرة بالقدرة حين النذر
فإن كان النذر موقتا يعتبر
القدرة في الوقت ، وإن كان مطلقا يعتبر القدرة في العمر .
ويتفرع على ذلك انه لو كان قادرا حين النذر ولكن تجدد
العجز حين العمل
يسقط التكليف به عنه ولاحنث ولاكفارة .
وهذا مضافا إلى وضوحه من جهة اعتبار القدرة في متعلق
التكليف ، وعدم
حصول الحنث بترك غير المقدور ، وعدم ثبوت الكفارة لانها
مترتبة على الحنث
والمخالفة .
يشهد به : الخبر ( 1 ) المنجبر ضعفه بصفوان وعمل الاعيان
عن الصادق - عليه السلام -
في حديث : " من جعل لله شيئا فبلغ جهده فليس عليه
شئ " وسيأتي تمام الكلام في
ذلك عند تعرض المصنف - ره - له .
ولو نذر صوم ألف سنة أو حج ألف عام . فعن القواعد احتمال
البطلان لتعذره
عادة .
والصحة لامكان بقائه بالنظر إلى قدرة الله تعالى ، ووجوب
المنذور مدة عمره .
وجه الاول : ما ذكره من عدم القدرة على متعلق النذر عادة .
ووجه الثاني : احتمال البقاء فيستصحب فيجب عليه العمل
بمقتضاه غاية الامر ،
إن مات وكان قد خالف النذر لاكفارة عليه لانكشاف عدم
القدرة .
ووجه الثالث : أحد الامرين : إما كون ذكر الالف للمبالغة
والمراد به مدة عمره كما
إذا نذر صوم الدهر ، ، فإنه يجب عليه صوم ما قدر عليه .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 8 من كتاب النذر والعهد حديث 5 . ( * )
[ . .. .. . ]
وإما كون المنذور عبادات متعددة فيجب الممكنة منها دون
غيرها .
وظاهر كشف اللثام تقوية الاخير حيث قال : مبنى البطلان
على كون المنذور
عبادة واحدة وهو ممنوع ، والاول أظهر لان احتمال كون
المنذور متعددا ، يدفعه : ظاهر
الدليل فإن النذر واحد والمنذر هو المجموع ، وكونه في
نفسه مركبا من عبادات متعددة
كل واحدة منها متعلقة لامر واحد غير مربوط بما يكون
متعلقا بالافراد الاخر لاينافي
تعلق أمر واحد آخر بالمجموع ، بحيث يكون كل واحد منهما
جزءا من هذا المأمور به لا
مستقلا .
واحتمال كون ذكر الالف للمبالغة خلاف ظاهر العبارة وانما
نلتزم بنذر صوم
مدة العمر لو نذر صوم الدهر لانصرافه إلى دهر الناذر .
واحتمال البقاء إلى ألف سنة بقدرة الله تعالى لاينافي
العلم العادي المانع عن
جريان الاستصحاب فالاحتمال الاول هو الاقوى .
حكم ما لو كان المنذور ترك المحرم أو المكروه
الثالثة ان الاصحاب لم يتعرضوا في المقام صريحا لحكم ما
لو كان المنذور ترك الحرام
أو المكروه بل ظاهر كلماتهم عدم صحته .
قال في الشرائع : فضابطه أن يكون طاعة مقدورا للناذر ، فهو
إذا يختص
بالعبادات كالحج والصوم والصلاة والهدي والصدقة والعتق .
وأضاف إليه صاحب الجواهر ونحوها مما هو مأمور به واجبا
أو مندوبا على وجه
يكون عبادة .
وفي النافع وضابطه ما كان طاعة لله تعالى .
[ . .. .. ]
وفي الرياض في شرحه مأمورا بها وجوبا أو استحبابا .
وفي المسالك : والمراد بالطاعة ما يشتمل على القربة من
العبادات .
إلى غير ذلك من عباراتهم الموهمة لذلك ، لكنهم في مسائل
العتق في مسألة ما لو
نذر أن لايبيع مملوكا صرحوا ، بانعقاد النذر إن كان عدم
البيع راجحا .
فيستكشف من ذلك ان مرادهم بالطاعة في المقام هو موافقة
الوظيفة المجعولة
تركا أو فعلا .
وكيف كان فيشهد لصحة النذر مضافا إلى العمومات ، وإلى ما
دل على أن
الضابط كونه طاعة ، الشاملة لترك المحرم أو المكروه كما
مر ، ويشعر به جعل ذلك في
مقابل المعصية .
ففي صحيح الكناني المتقدم عن الامام الصادق - عليه
السلام - : " ليس شئ هو لله
تعالى طاعة يجعله الرجل على نفسه إلا ينبغي له أن يفي به
، وليس من رجل جعل لله
عليه شيئا في معصية الله تعالى إلا انه ينبغي له أن
يتركه إلى طاعة الله " ( 1 ) ، ونحوه غيره .
وإلى الخبرين ( 2 ) الواردين فيمن نذر ترك بيع الجارية :
صحيح عبد الملك بن عمرو عن
أبي عبد الله - عليه السلام - من جعل لله عليه أن لايركب
محرما سماه فركبه قال : لا ولا اعلمه
إلا قال :
" فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين
مسكينا " ( 3 ).
وخبر محمد بن بشير عن العبد الصالح - عليه السلام - قال
: قلت له : جعلت فداك إني
جعلت لله علي أن لا أقبل من بني عمي صلة ولا اخرج متاعي
في سوق منى تلك الايام
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب النذر والعهد حديث
6 .
( 2 ) الوسائل باب 17 من كتاب النذر والعهد حديث 11 ،
الاستبصار ج 4 ص 43 .
( 3 ) الوسائل باب 19 من كتاب النذر والعهد حديث 1 . ( * )
] ولو نذر فعل طاعة ولم يعين تصدق بشئ أو صلى ركعتين أو صام
يوما [
فقال - عليه السلام - : " إن كنت جعلت ذلك شكرا فف
به ، وإن كنت انما قلت ذلك من
غضب فلا شئ عليك ( 1 ) ، ونحوهما غيرهما .
فلا اشكال في صحة نذر ترك المكروه أو الحرام ، والكلام
في نذر ترك المباح هو
الكلام في نذر فعله فالاظهر عدم انعقاده .
حكم ما لو نذر فعل طاعة ولم يعين
المقام الراابع : في اللواحق ، ولايخفى انه قد تقدم في
كتاب الصوم تفصيل المسائل
المتعلقة بنذر الصوم ، كما انه قد تقدم في كتاب الحج
المسائل المتعلقة بنذر الحج والعمرة
والهدي . وانما الكلام في المقام في جملة من مسائل النذر
التي لم نتعرض لها فيما سبق ( و )
هي مسائل :
الاولى : ( لو نذر فعل طاعة ولم يعين تصدق بشئ أو صلى
ركعتين أو صام يوما ) أو
غير ذلك مما يصدق عليه انه طاعة ، وهذا مما لاخلاف فيه .
ويشهد به مضافا إلى انه نذر مشروع ويحصل البرأ بإتيان كل
ما يصدق عليه انه
طاعة من الامور المذكورة وعيادة المريض وتشييع الجنازة
وافشاء السلام وما شاكل :
خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله - عليه السلام -
عن أمير المؤمنين - عليه السلام
- انه سئل عن رجل نذر ولم يسم شيئا ؟ قال - عليه السلام -
: " إن شاء صلى ركعتين وإن شاء
صام يوما وإن شاء تصدق برغيف " ( 2 ) ، فتأمل : فإن
الرواية واردة فيما إذا نذر ولم يسم
شيئا ، وقد وردت روايات كثيرة على ان ذلك النذر باطل .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 23 من كتاب النذر والعهد حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب النذر حديث 3 . ( * )
[ . .. . ]
ومحل الكلام ما لو نذر وسمى فعل طاعة مطلقا من دون
التقييد بشئ ، فالخبر
أجنبي عن المقام ، فالعمدة هو اطلاق الادلة ، ولاينافيه
النصوص المتضمنة انه إن نذر
ولم يسم شيئا لم ينعقد ، لان المفروض في المسألة التسمية
اجمالا ، فكما لو نذر وسمى نوعا
له افراد كثيرة يجزي ، كذلك لو نذر وسمى عنوانا أعم منه
، وهذا مما لا اشكال فيه ولا
خلاف ، انما الخلاف في موارد :
1.
إذا أتى
بركعة الوتر ، هل يجزي في امتثال النذر أم لا ؟ وفي الرياض وفي
الاجتزاء بمفردة الوتر ، قولان أجودهما ذلك وفاقا للحلي
وجماعة ، لانها من حيث انفرادها
عن ركعتي الشفع بتكبيرة وتسليمة عندنا صلاة مستقلة
فيشملها عموم قوله صلى الله عليه واله وسلم :
" الصلاة خير موضوع " ( 1 ).
خلافا للشيخين وابن بابويه والشهيد في الدروس للنهي في
النبوي ( 2 ) عن التبراء
المفسر في النهاية الاثيرية بأن الوتر ركعة واحدة وللخبر
انتهى . ثم ذكر خبر مسمع
المتقدم .
ومحصل الكلام : انه استدل لعدم الاجتزاء بها بوجوه :
أحدها : النبوي . وفيه : أولا : انه ضعيف السند ، وثانيا
: انه يقيد اطلاقه بما دل على
مشروعية الوتر . ودعوى ، انه مختص بغير صورة النذر فتلك
الصورة داخلة تحت
الاطلاق ، مجازفة لاتستاهل الجواب ، وثالثا : أنه مجمل
فالمحكي عن بعض في تفسير
التبراء انه هو الذي شرع في ركعتين فأتم الاولى وقطع
الثانية .
ثانيها : خبر مسمع بدعوى التصريح فيه بركعتين فهو يدل
على عدم الاجتزاء
بالركعة .
……………………………………………..
( 1 ) المستدرك باب 10 من أبواب وجوب الصلاة ، حديث 8 -
9 كتاب الصلاة .
( 2 ) نيل الاوطار ج 3 ص 28 . ( * )
[ . . . .. . ]
وفيه : اولا : ما مر من أن مورده غير مفروض المسألة فهو
أجنبى عن المقام .
وثانيا : ان اقتصاره - عليه السلام - على الركعتين لايدل
على عدم الاجتزاء بالركعة ، كما
ان اقتصاره على التصدق برغيف لايدل على عدم الاجتزاء بما
دونه ، والاقتصار على
الثلاثة لايدل على عدم الاجتزاء بغيرها من العبادات ،
فالمراد منه بيان أمثلة لما يمتثل
به النذر .
ثالثها : ان الوتر اسم للركعات الثلاث لا لخصوص المفردة
، ومشروعية فعلها على
الانفراد غير ثابتة وقد مر الكلام في المبنى في الجزء
الرابع من هذا الشرح ، والكلام في
المقام مبني على جواز الاتيان به منفردة عن ركعتي الشفع
، فالاظهر هو الاجتزاء بها .
2.
انه إذا أتى
بركعة من الصلاة غير ركعة الوتر ، هل يجتزئ بها ، أم لا ؟ فيه
قولان :
والاول : للحلي والمحقق وتبعهما جماعة فيما لو نذر صلاة
ولم يعين الذي يكون
المدرك فيه مع المدرك في المقام واحدا ، ولذا قال في
الجواهر في هذا المسألة في شرح قول
المحقق وقيل تجزيه من الصلاة ركعة وفيه البحث السابق ،
وقال في المسالك في ذيل
هذه المسألة والكلام في الصلاة المجزية هنا ما يعتبر في
المنذورة بخصوصها من كونها
ركعتين والاجتزاء بركعة .
والثاني : للشيخ في المبسوط والخلاف على ما حكى .
أقول : بناء على ما حقق في محله من أن النافلة لاتكون
مشروعة إلا ركعتين ولايجوز
النقيصة إلا في صلاة الوتر ولا الزيادة إلا في صلاة
الاعرابي ، لاينبغي التوقف في عدم
الاجتزاء بها لعدم كونها طاعة .
ودعوى انها تصير طاعة بالنذر ، مندفعة : بأن شمول النذر
لها متوقف على كونها
طاعة ولو توقفت الطاعة عليه لزم الدور .
[ . . .. . ]
وبعبارة اخرى : النذر ملزم لامشرع ومشروعية الوتر في
مقام خاص لاتستلزم
مشروعيتها على الاطلاق ، وما دل ( 1 ) على صحة النذر في
نذر الاحرام قبل الميقات والصوم
في السفر ، انما يدل على ذلك في خصوص الموردين ويستشكف
من دليلهما كون العملين
راجحين بشرط النذر فلا وجه للتعدي إلى سائر الموارد ،
وعليه فالاتيان بها لاتجزي .
وبذلك يظهر عدم صحة النذر لو نذر الاتيان بركعة خاصة ،
فما عن الدروس
من أنه لو قيده بركعة واحدة فالاقرب الانعقاد ، ضعيف .
كما أنه ظهر مما ذكرناه أنه لو صلى في فرض المسألة ثلاث
ركعات أو أزيد في غير
الفريضة لاتجزي بها لعدم المشروعية .
فما عن الدروس من انعقاد نذر الخمس فصاعدا بتسليمة ، غير
تام ، ومن
الغريب انه جزم قبل ذلك بأنه لو نذر هيئة غير مشروعة لم
ينعقد .
3.
في المسالك :
ولو فصل بين الازيد من الركعتين بالتسليم ففي شرعية ما بعد
الركعتين بنية النذر وجهان ، ثم اختار الاول إذا قصد
الزائد ابتداء ، نظرا إلى كون
الواجب أمرا كليا ، ودخول بعض أفراده في بعض لايخرج
الزائد عن أن يكون فردا
للكلي ، ومثل لذلك بالركعتين والاربع في مواضع التخيير .
وفيه : انه بعد ما أتى بالركعتين وسلم انطبق عليهما
المنذور وسقط التكليف لان
اجزاء المأتي به عن أمره قهري غير قابل للعدم فلا أمر
بالزائد ، إلا على القول بجواز
تبديل الامتثال فيأتي به ويرفع اليد عما أتى به وهو خلاف
القاعدة .
وعلى ذلك بنينا على عدم جواز التخيير بين الاقل والاكثر
، وما ذكره من المثال
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 13 من أبواب المواقيت كتاب الحج ،
وباب 10 من أبواب
من يصح
منه الصوم كتاب الصوم . ( * )
[ . .. . ]
ليس من هذا القبيل فإن الركعتين اللتين هما طرف التخيير
مقيدتان بوقوع السلام بعد
التشهد الاول ، والاربع مقيدة بعدم وقوعه بعده فهما من
قبيل التخيير بين المتباينين لا
الاقل والاكثر .
وهل يجوز اتيان الصلاة جالسا بدون السورة وماشيا وراكبا
وما شاكل من
الخصوصيات الجائزة في النافلة دون الفريضة ؟ قولان :
ففي الجواهر تقوية الثاني نظرا إلى أن المنذور طبيعة
الصلاة لا النافلة منها
خاصة ضرورة كون النفل والفرض من عوارض الصلاة لا من
مقوماتها ، فيجب فيها
المتيقن على تقديري النفل والفرض فلا يجوز تلك الخصوصيات
الجائزة في النفل
خاصة ، مع انها بالنذر تخرج عن كونها نافلة فلا يجوز تلك
الامور .
وفيه : ان المنذور إذا كان هي طبيعة الصلاة بنحو كان
عنوان النافلة خارجا عن
المنذور ولو بنحو البدلية بطل النذر ، لعدم كونها مشروعة
في نفسها فإن المشروع هي
النافلة والفريضة والطبيعة الجامعة المعراة عن كلتا
الخصوصيتين غير مشروعة فلا يصح
النذر .
فالصحيح كون النفل والفرض لا بهذين العنوانين بل بما هما
معرفان لما هو
المأمور به بالامر الندبي أو الوجوبي داخلين في المنذور .
فالمتجه الاكتفاء بما يجوز في النافلة خاصة ، ودعوى أنها
بالنذر تخرج عن كونها
نافلة ، تندفع : بأن ما دل على جواز تلكم الامور في
النافلة ظاهر في جوازها في النافلة بما
أنها صلاة ، وإن صارت فريضة بالعنوان الثانوي كالنذر
واليمين واطاعة الوالد والاجارة
وما شاكل ، فالاظهر جواز تلكم الامور وحصول الامتثال
بالصلاة مع تلك
الخصوصيات .
] ولو نذر صوم حين كان عليه ستة أشهر ولو قال زمانا فخمسة
أشهر [
الثانية : ( ولو نذر صوم حين كان ) اللازم ( عليه ) صوم
( ستة أشهر ولو قال زمانا
ف ) عليه ( خمسة أشهر ) بلا خلاف فيهما إلا عن سيد
المدارك .
ويشهد لهما : قوي السكوني عن أبي عبد الله - عليه السلام
- عن آبائه عن علي - عليهم
السلام - في رجل نذر أن يصوم زمانا قال - عليه السلام -
: " الزمان خمسة أشهر والحين ستة أشهر
لان الله تعالى يقول : * ( تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها
) * ( 1 ).
وللاول : خبر أبي الربيع الشامي المعتبر بوجود من أجمعت
العصابة على تصحيح
ما يصح عنه وهو الحسن بن محبوب في السند ، عن أبي عبد
الله - عليه السلام - عن رجل
قال : لله علي أن أصوم حينا وذلك في شكر ، فقال أبو عبد
الله - عليه السلام - :
" قد اتي علي - عليه السلام - بمثل هذا ، فقال : صم ستة
أشهر فان الله عزوجل
يقول : * ( تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ) * يعني ستة
أشهر " ( 2 )
والايراد عليهما بضعف السند كما في المسالك وتبعه سبطه
بأن حال السكوني
معلوم وفي طريق الثاني جهالة ، في غير محله لان السكوني
يعتمد على روايته وادعى
الشيخ الاجماع على قبول روايته .
وأبو الربيع وكذا الراوي عنه وهو خالد بن حريز وإن كانا
مجهولين ، إلا أن
الراوي عنهما من أصحاب الاجماع ، مع انه لو كان ضعف في
السند يكون منجبرا
بالعمل كما اعترف به في المسالك فلا اشكال في الحكم .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 14 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 14 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث 1 . ( * )
] ولو نذر الصدقة بمال كثيرة فثمانون درهما [
هذا إذا لم ينو شيئا غير هذا وإلا فالمعتبر ما نواه كما
لايخفى .
الثالثة : ( ولو نذر الصدقة بمال كثير ف ) يجب عليه (ثمانون درهما ) بلا خلاف .
ويشهد به : حسن أبي بكر الحضرمي قال : كنت عند أبي عبد
الله - عليه السلام - فسأله
رجل عن رجل مرض فنذر لله شكرا إن عافاه الله أن يتصدق من
ماله بشئ كثير ولم
يسم شيئا فما تقول ؟ قال - عليه السلام - : " يتصدق
بثمانين درهما فإنه يجزيه وذلك بين في
كتاب الله إذ يقول لنبيه صلى الله عليه واله وسلم : * (
لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ) *
والكثيرة
في كتاب الله ثمانون " ( 1 ).
ومرسل ابن أبي عمير عن مولانا الصادق - عليه السلام -
انه قال في رجل نذر أن
يتصدق بمال كثير فقال - عليه السلام - :
" الكثير ثمانون فما زاد لقول
الله تبارك وتعالى : * ( لقد
نصركم الله في مواطن كثيرة ) * وكانت ثمانين موطنا
" ( 2 ).
ومرسل القمي : ان المتوكل سم فنذر : إن عوفي أن يتصدق
بمال كثير ، فأرسل إلى
الهادي - عليه السلام - فسأله عن حد المال الكثير فقال
له : " الكثير ثمانون " ( 3 ) ورواه أبو عبد
الله الزيادي .
وقريب منه خبر يوسف بن السخط الحاكي لقضية المتوكل وفيه
: فكتب أبو
الحسن - عليه السلام - : " تصدق بثمانين درهما
" ( 4 ) ، فلا اشكال في أصل الحكم .
انما الكلام في أنه هل يتعين ثمانون درهما مطلقا ؟ كما
في المتن وعن
الشيخين
وسلار والقاضي وابن سعيد وفي الشرائع والنافع والرياض ،
أم ترد إلى المتعامل به درهما
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 3 من كتاب النذر والعهد حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 3 من كتاب النذر والعهد حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 3 من كتاب النذر والعهد حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 3 من كتاب النذر والعهد حديث 4 . ( * )
] ولو عجز عما نذر سقط فرضه [
أو دينارا ؟ كما عن الحلي ، أم يفصل بين نذر المال
المطلق فالاول والمقيد بنوع فالثمانون
منه كما عن المصنف - ره - في المختلف .
وعن الدروس تفصيل آخر بين النذر به من ماله فالاول
والنذر بمال كثير بقول
مطلق . فالتوقف ونزل الاقوال على هذه الصورة والاقرب
الاول
لان : الظاهر من النصوص بقرينة مناسبة الحكم والموضوع
والاستدلال بالآية
الكريمة : ان الكثير الواقع في النذر عبارة عن ثمانين
مطلقا غاية الامر حيث كان المنذور
في مورد الاخبار المال الكثير المنصرف إلى النقدين
فانهما المعيار والميزان في المالية وهما
المال المحض ، فقد فسره - عليه السلام - بثمانين درهما
من باب انه أقل الفردين وأقل
المجزى . ولذلك قال في الحسن : فإنه يجزيه الكاشف عن
وجود فرد آخر له وهو ثمانون
دينارا ، واطلق في مرسل ابن أبي عمير .
فيستكشف من ذلك انه إن نذر الصدقة بمال كثير أقل المجزى
ثمانون درهما وله
ردها إلى ما يتعامل به ، فإن ظاهر النصوص أن أقل المجزى
هذا المقدار من المالية .
وإن كان المنذور نوعا آخر وأضاف الكثير إليه كما لو قال
: علي الصدقة بثوب
كثير ، كان عليه ثمانون ثوبا ، وهكذا كما لايخفى ، وبذلك
يظهر ما في كلمات القوم .
الرابعة : ( ولو عجز عما نذر سقط فرضه ) أداء وقضاء لقبح
التكليف بما لايطاق .
وللخبر المتقدم في مسألة اعتبار القدرة حين العمل في
متعلق النذر من جعل لله
فبلغ جهده فليس عليه شئ ( 1 ).
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 8 من أبواب النذر حديث 5 . ( * )
] ولو نذر أن يتصدق بجميع ما يملكه وخاف الضرر قومه وتصدق
شيئا فشيئا
حتى يوفي [
ولكن وردت روايات في خصوص نذر الصوم والحج ماشيا ، ففي
بعض أخبار
الصوم يتصدق بدل كل يوم مدا ( 1 ) وفي آخر يعطي مدين ( 2 ).
وفي خبر الحج فيمن نذر المشي إلى بيت الله الحرام فمشى
نصف الطريق أو أقل
أو أكثر قال - عليه السلام - : " ينظر إلى ما كان
ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به " ( 3 ).
وقد مر الكلام في المسألتين الاولى في كتاب الصوم ،
والثانية في كتاب الحج ، وبينا
لزوم حملها على الندب .
وأيضا في الصحيح : " كل من عجز عن نذر نذره فكفارته
كفارة يمين " ( 4 ) وسيأتي
الكلام في باب الكفارات .
(ولو نذر أن يتصدق بجميع ما يملكه ) انعقد نذره وإن تضرر
، وذلك لما عرفت
من ان المعتبر في متعلق النذر كونه طاعة في نفسه والصدقة
بجميع المال كذلك وإن
كان مكروها ، لانه من الكراهة في العبادة غير المنافية
للرجحان ، ومجرد تضرره به لايكون
موجبا لسلب الرجحان أو عروض عدمه ، ما لم ينطبق عليه
عنوان مرجوح ، فيجب عليه
الوفاء به .
نعم ، لو نذر الصدقة به ( وخاف الضرر ) وشق عليه الوفاء
به ( قومه ) على نفسه
(وتصدق شيئا فشيئا حتى يوفي ) كما قطع به الاصحاب واعترف
به جماعة منهم ، مؤذنين
بدعوى الاجماع عليه كذا في الرياض .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب كتاب النذر حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 12 من أبواب النذر حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 21 من أبواب النذر حديث 5 .
( 4 ) الوسائل باب 23 من أبواب الكفارات حديث 5 . ( * )
[ . . . . . ]
ويشهد به : صحيح محمد بن يحيى الخثمعي قال : كنا عند أبي عبد الله - عليه السلام -
جماعة إذ دخل عليه رجل من موالي أبي جعفر - عليه السلام
- فسلم عليه وجلس وبكا ثم
قال : جعلت فداك إني كنت أعطيت الله عهدا إن عافاني الله
من شئ كنت أخافه على
نفسي أن أتصدق بجميع ما أملك وان الله تعالى عافاني منه
، وقد حولت عيالي من منزلي
إلى قبة في خراب الانصار وقد حملت كل ما أملك ، فأنا
بائع داري وجميع ما أملك
فأتصدق به ، فقال أبو عبد الله - عليه السلام - :
" انطلق وقوم منزلك وجميع متاعك وما تملك بقيمة عادلة
واعرف ذلك ، ثم
اعمد إلى صحيفة بيضاء فاكتب فيها جملة ما قومت ، ثم أنظر
إلى أوثق الناس في نفسك
فادفع إليه الصحيفة وأوصه ومره إن حدث بك حدث الموت أن
يبيع منزلك وجميع ما
تملك فيتصدق به عنك ، ثم ارجع إلى منزلك وقم في مالك على
ما كنت فيه فكل أنت
وعيالك مثل ما كنت تأكل ، ثم انظر كل شئ تصدق به فيما
يستقبل من صدقة أو صلة
قرابة أو في وجوه البر فاكتب ذلك كله واحصه ، فإذا كان
إلى رأس السنة فانطلق إلى
الرجل الذي أوصيت إليه فمره أن يخرج اليك الصحيفة ، ثم
اكتب فيها جملة ما تصدقت
وأخرجت من صدقة أو بر في تلك السنة ، ثم افعل ذلك في كل
سنة حتى تفي لله
بجميع مانذرت فيه ويبقى لك منزلك ومالك إن شاء الله
تعالى " .
قال : فقال الرجل : فرجت عني يابن رسول الله جعلني الله
فداك ( 1 ).
وأورد عليه : بمخالفته للقواعد فإن ظاهره وروده مورد
حصول الضرر على الناذر
بالصدقة بجميع ماله ولم يحكم - عليه السلام - ببطلان
النذر في شئ منه وانما دفع عنه الضرر
بتقويمه على نفسه والصدقة به على التدريج ، وهذا حكم
خارج عن قاعدة النذر ،
وأيضا فهو - عليه السلام - لم يأمره بالصدقة بما لاتضره
الصدقة به عاجلا ، وأيضا فالمنذور
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 14 من كتاب النذر والعهد حديث 1 . ( * )
[ . .. ]
صدقة جميع ما يملكه بعينه فقد حكم - عليه السلام -
بأجزاء القيمة .
وفيه : ان الخبر صحيح سندا والاصحاب تلقوه بالقبول كما
في المسالك فلا وجه
للايراد عليه بما ذكر ، إذ كم خبر مخالف للقواعد يعمل به
، بل لعل أكثر الاخبار من هذا
القبيل فاستشكال السيد في شرح النافع لاوجه له كفتوى
صاحب المفاتيح
بالاستحباب .
وهل يلحق بمورد النص ما خرج عنه من النذر ببعض المال مع
خوف الضرر ، أم
لا ؟ وجهان بل قولان ، اختار أولهما سيد الرياض وصاحب
الجواهر والثاني الشهيد الثاني
في المسالك .
واستدل للاول : بأن كل فرد من افراد ماله على تقدير نذر
الجميع منذور الصدقة ،
وبالفحوى بناء على أن النذر بجميع المال أضر من النذر
ببعضه فلزوم الوفاء به يستلزم
لزومه فيه بطريق أولى ، وفي الرياض بعد ذكر هذا الوجه
لمختاره إلا أن اللازم من هذا
انما هو ثبوت الانعقاد لاجواز التقويم والاخراج شيئا
فشيئا .
واستدل للثاني : بأن الحكم على خلاف القاعدة فيقتصر فيه
على مورده .
وفيه : إن الاحكام المذكورة في النص ثلاثة : انعقاد
النذر ، وعدم وجوب تعجيل
الاخراج ، وجواز التقويم واعطاء القيمة بدلا عن منذور
الصدقة .
أما الحكم الاول : فهو على وفق القاعدة ، فإن المنذور
طاعة وكونه مضرا بحاله لا
ينافيه رجحانه بل وإن كان هناك عنوان آخر مرجوح ديني
ملازم للتضرر ، فإن المعتبر كما
عرفت كون المتعلق بنفسه راجحا وهذا راجح في نفسه وإن كان
غيره أرجح منه ، ولا
مجال لتطبيق حديث ( 1 ) ، لاضرر في المقام بعد كون الحكم
مجعولا في مورد الضرر وهو
استحباب الصدقة بجميع المال فلا يرفع استحبابه قاعدة
لاضرر ، وقد دل الدليل
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 7 و 12 من احياء الموات . ( * )
] ومع الاطلاق لايتقيد بوقت ولو قيده بوقت أو مكان لزم ]
الخاص على انعقاده فانعقاد النذر انما يكون على وفق
القاعدة .
وأما عدم وجوب التعجيل فهو أيضا كذلك ، لعدم كون المنذور
إلا الصدقة
بالمال ، ومقتضى الاصل عدم وجوب التعجيل . فبالنسبة إلى
هذين الحكمين يتعدى إلى
نذر البعض بلا حاجة إلى الفحوى واختها .
وأما الحكم الثالث : فإن كان المنذور هو التصدق به عينا
أو قيمة فهو أيضا على
وفق القاعدة . وإن كان هو التصدق به عينا يكون هذا الحكم
على خلاف القاعدة ،
فبالنسبة إليه لايتعدى عن مورد النص ، والفحوى ممنوعة
لعدم معلومية المناط ، وعلى
فرض كون المناط هو التضرر فالتضرر بالتصدق بجميع المال
أكثر من التضرر ببعضه
فلا أولوية ، وكون البعض منذور الصدقة على تقدير نذر
المجموع لايوجب التعدي بعد
احتمال دخل المجموع في الحكم ، فالاظهر عدم التعدي ، نعم
له التصدق به شيئا فشيئا
حتى يوفي .
الخامسة : إن نذر القربة كالصدقة أن الصوم أو الصلاة وما
شاكل ، فقد يكون
مطلقا غير مقيد بوقت أو مكان ، وقد يكون مقيدا بأحدهما ،
وقد يكون مشروطا بشرط .
لاخلاف ( و ) لا اشكال في أنه ( مع الاطلاق لايتقيد بوقت
) ولا بمكان ووقته تمام
العمر ومكانه جميع الارض ، ولايتضيق إلا بظن الوفاة
لكونه من الواجبات الموسعة .
(ولو قيده بوقت أو مكان ) كما لو نذر الصدقة في يوم
الجمعة أو الصلاة فيها ، أو
نذر الصدقة في مسد خاص والصلاة في المسجد الجامع وما
شاكل ( لزم ) سواء اشتمل
على مزيه أم لا من غير فرق بين الصدقة وغيرها ، لما عرفت
من أنه لايعتبر الرجحان في
الخصوصيات بل المعتبر هو كون المنذور راجحا بنفسه .
] نعم لو نذر الخصوصية كما لو نذر ايقاع الصلاة في مكان خاص
لابد من أن [
يكون لها مزية وفضيلة وإن كانت الخصوصية الاخرى أفضل
منها ومع عدم المزية لم
ينعقد النذر كما مر الكلام في ذلك مفصلا في ضابط متعلق
النذر .
ثم ان الاصحاب اتفقوا على هذا الحكم في ما لو قيد الصلاة
بوقت ، وما لو قيد
التصدق بمكان واختلفوا في غيرهما . فعن الشيخ وجماعة عدم
لزوم المكان في الصوم
المقيد به فأوجبوا الصوم وأسقطوا القيد وخيروه بينه وبين
غيره ، نظرا إلى أن الصوم
لايحصل له بايقاعه في مكان دون آخر ، صفة زائدة على
كماله في نفسه فإذا نذر الصوم في
مكان معين انعقد الصوم خاصة لرجحانه دون الوصف لخلوه عن
المزية .
وفيه : مضافا إلى أن الدليل أخص من المدعى إذ ربما يكون
ايقاعه في مكان له
خصوصية زائدة كايقاع الصوم في مكة .
إن المنذور ليس ايقاعه في مكان حتى يقال بعدم انعقاده
إذا لم يكن للمكان
مزية ، بل المنذور الصوم المقيد بذلك وهو راجح بنفسه ،
والصوم في غير ذلك المكان
ليس متعلقا للنذر فاجزائه عن الامر بالنذر خلاف القاعدة .
وإن علقه بشرط فالمشهور بين الاصحاب انه لايتضيق فعله
عند حصول الشرط
بل حكمه بعد الشرط حكم المطلق .
ونسب الفاضل المقداد إلى الشيخ وأتباعه ، وجماعة إلى ابن
حمزة انه يتضيق فعله
عند حصول الشرط . واحتمل المصنف في حكمى المختلف ارادتهم
فورية تعلق الوجوب
لا الاداء .
وكيف كان فمقتضى الادلة عدم التضيق إلا على القول بدلالة
الامر على الفور
ومعها لا وجه للفرق بين المطلق والمشروط .
وقد حقق في محله فسادها فالاظهر عدم التضيق فلا حنث
ولاكفارة بالتأخير .
] ولو نذر صوم يوم بعينه فاتفق له السفر أفطر وقضاه ، وكذا
لو حاضت المرأة
أو نفست ، ولو كان عيدا أفطر ولاقضاء ، وكذا لو عجز عن
صومه .
والعهد ، أن يقول : عاهدت الله أو على عهد الله انه متى
كان كذا فعلي كذا [
السادسة : ( ولو نذر صوم يوم بعينه فاتفق له السفر أفطر
وقضاه ، وكذا لو حاضت
المرأة أو نفست ، ولو كان عيدا أفطر ولاقضاء ، وكذا لو
عجز عن صومه ) وقد مر الكلام
في جميع ذلك في الجزء السابع من هذا الشرح في كتاب الصوم
فلا نطيل الكلام باعادة
ما ذكرناه .
(و ) أما ( العهد ) الذي في الاصل : الاحتفاظ بالشئ
ومراعاته على ما قيل ، فصيغته
(أن يقول : عاهدت الله أو على عهد الله انه متى كان كذا
فعلي كذا ) ومقتضى هذه العبارة
كعبارة الشرائع والنافع عدم وقوعه إلا مشروطا .
ولكن المحكى عن جماعة منهم المصنف - ره - في جملة من
كتبه وقوعه مطلقا
أيضا ، بل عن الشيخ في الخلاف دعوى الاجماع عليه ، وهذا
هو الاظهر لاطلاقات
الكتاب والسنة بناء على صدقه على المتبرع به عرفا ولغة .
قال الله تعالى : * ( الذين ينقضون عهد الله من بعد
ميثاقه ) * ( 1 ).
وقال سبحانه : * ( وأوفوا بعهدي اوف بعهدكم ) * ( 2 ).
وفي خبر علي بن جعفر عن أخيه - عليه السلام - عن رجل
عاهد الله في غير معصية ما
عليه إن لم يف لله بعهده ؟ قال - عليه السلام - : "
يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة أو يصوم شهرين
متتابعين " ( 3 ).
……………………………………………..
( 1 - 2 ) سورة البقرة آية 27 و 40 .
( 3 ) الوسائل باب 25 من كتاب النذر والعهد حديث 1 . ( * )
] وهو لازم وحكمه حكم اليمين ]
وخبر أبي بصير عن أحدهما - عليهما السلام - : " من
جعل عليه عهد الله وميثاقه في أمر لله
فيه طاعة فحنث ، فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين
أو اطعام ستين
مسكينا " ( 1 ).
وخبر ابن سنان عن أبي عبد الله - عليه السلام - عن قول
الله عزوجل : * ( يا أيها الذين
آمنوا أوفوا بالعقود ) * قال : " العهود " ( 2 ).
وخبر أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي جعفر الثاني - عليه
السلام - في رجل عاهد الله
عند الحجر أن لايقرب محرما أبدا فلما رجع عاد إلى المحرم
، فقال أبو جعفر - عليه السلام - :
" يعتق أو يصوم أو يتصدق على ستين مسكينا وما ترك من الامر
أعظم يستغفر الله
ويتوب إليه " ( 3 ).
وهذه الادلة كما ترى ليس في شئ منها اعتبار كونه مشروطا .
(وهو لازم ) بلا خلاف لاصالة اللزوم وعدم ما يدل على
جواز الرجوع فيه ( و ) قد
اختلفت عبارات الاصحاب في العهد .
فالمصنف - ره - والمحقق جعلا ( حكمه حكم اليمين ) فينعقد
فيما ينعقد فيه
ويبطل فيما يبطل .
والشيخ والشهيد جعلا حكمه حكم النذر .
وصاحب الجواهر - ره - ذهب إلى أنه لادليل على مساواة
العهد لليمين أو النذر
كي يقال حكمه حكمه مطلقا .
واستدل للاول : بخبر علي بن جعفر المتقدم حيث علق
الكفارة على العهد في
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 25 من كتاب النذر والعهد حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 25 من كتاب النذر والعهد حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 25 من كتاب النذر والعهد حديث 4 . ( * )
] ولاينعقد النذر والعهد إلا باللفظ . ولو جعل دابته أو عبده
أو جاريته
هديا لبيت الله [
غير معصية ، فيشمل المباح فيكون حكمه حكم اليمين .
وهو وإن شمل المكروه والمباح الراجح تركه إلا أن ذلك
خارج بالاجماع .
واستدل للثاني : بمساواته له في الكفارة الكبيرة المخيرة
كما دل عليه خبر أبي
بصير وأحمد بن محمد المتقدمان ، وبجعل مورده الطاعة في خبر
أبي بصير .
والانصاف ، عدم تمامية شئ من هذه الوجوه فإن جعل مورده
الطاعة في خبر أبي
بصير انما هو في السؤال لا في الجواب كي يدل على الحصر ،
والمساواة في الكفارة أعم من
الاتحاد في جميع الاحكام .
فالحق ما أفاده صاحب الجواهر فلابد في كل حكم من
المراجعة إلى أدلته وقد مر
أن مقتضى اطلاق النصوص صحة العهد المطلق ، كما أن مقتضاه
صحة العهد على
المباح .
وأما الكفارة فالمتجه كونها الكبرى المخيرة إذ لامعارض
لذلك سوى اطلاق
الصدقة في خبر علي بن جعفر ويمكن حمله على ارادة الصدقة
على ستين مسكينا .
وأما اعتبار اذن الوالد والزوج فلا دليل عليه فيه ،
لابمعنى أن له حل العهد
ولابمعنى اشتراط صحته به ، اللهم إلا أن يدعي صدق اليمين
عليه وهو كما ترى .
(و ) المشهور بين الاصحاب أنه ( لاينعقد النذر والعهد
إلا باللفظ ) وقد مر الكلام
في انعقاد النذر بدون اللفظ والخلاف في العهد كالخلاف
فيه والمختار المختار والدليل
الدليل فلا حاجة إلى التعرض له .
بقي في المقام مسألة ( و ) هي انه ( لو جعل دابته أو
عبده أو جاريته هديا لبيت الله
] تعالى أو أحد المشاهد بيع وصرف الثمن في مصالح البيت أو
المشهد الذي
جعل له وفي معونة الحاج والزائرين [
تعالى أو أحد المشاهد ) ففي المتن والشرائع وغيرهما (
بيع وصرف الثمن في مصالح
البيت أو المشهد الذي جعل له وفي معونة الحاج والزائرين ).
وفي المسالك : نعم صرف ما يهدى إلى المشهد وينذر له إلى
مصالحه ومعونة
الزائرين حسن ، وعليه عمل الاصحاب .
وعن المبسوط : صرف المهدى إلى بيت الله إلى مساكين الحرم
كالهدي من النعم
إذا لم يعين له في نذره مصرفا غيرهم ورجحه المصنف - ره -
في المختلف والتحرير وولده
والشهيد على ما حكى وفي المسالك وهو الاصح ، وظاهر الشرائع والمتن اختصاص هذا
الحكم بالثلاثة .
والحق أن يقال إن المنذور هديا إن كان من النعم وكان
للكعبة انصرف إلى الهدي
النسكي وتعين نقله إلى مكة والذبح إما بها أو بمنى على
ما تقدم في كتاب الحج ، وإن
كان من غير النعم سواء كان دابة أو عبدا أو جارية أو غير
ذلك كان مما ينقل أو كان مما
لاينقل كالدار صح النذر وانعقد ، لان الذي يختص بالنعم
هو الهدي النسكي لا
الاهداء والصدقة .
والنصوص الدالة على أن الطعام لايهدى وحصر الهدي في
البدن والنعم ،
تختص بالهدي المعتبر شرعا لامطلق الاهداء وإلا ، ففي
صحيح علي بن جعفر - عليه السلام
- عن أخيه عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة كيف يصنع ؟ قال -
عليه السلام - : " إن أبي
أتاه رجل جعل جاريته هديا للكعبة فقال له : قوم الجارية
أو بعها ثم مر مناديا يقوم على
الحجر فينادي : ألا من قصرت به نفقته أو قطع به طريقه أو
نفذ طعامه فليأت فلان ابن
فلان وأمره أن يعطي أولا فأولا حتى يتصدق بثمن الجارية
" ( 1 ) . ونحوه خبر
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 22 من أبواب مقدمات الطواف حديث 7
كتاب الحج . ( * )
[ .. . ]
الصيرفي ( 1 ) ، والمروي عن قرب الاسناد ( 2 ) ،
ولاخصوصية للجارية فيكون غيرها كذلك
لعدم الفارق ، وفي المسالك بل للاجماع على عدمه .
وفي المقام خبر آخر لعلي بن جعفر توهم الشهيد الثاني
وصاحب الجواهر انه يدل
على أن المنذور إن كان دابة لاينعقد النذر ، وقد سئل
أخاه عن الرجل يقول هو يهدي
إلى الكعبة كذا وكذا ، ما عليه إذا كان لايقدر على ما
يهديه ؟ قال - عليه السلام - : " إن
كان جعله نذرا ولايملكه فلا شئ عليه ، وإن كان مما يملك
غلام أو جارية أو شبهه
باعه واشترى بثمنه طيبا يطيب به الكعبة ، وإن كانت دابة
فليس عليه شئ " ( 3 ).
ولكنه اشتباه منهما ، فإن المفروض في الخبر نذر شئ
للكعبة ولايملكه ، فأجاب
- عليه السلام - بأنه إن كان يملك غلاما أو جارية أو شبهه
باعه ويتمكن بثمنه من الوفاء
بالنذر ، وإن كان دابة لايجب عليه أن يبيعها فيصير
متمكنا من الوفاء بالنذر ، فهو
أجنبي عن المقام . فتحصل مما ذكرناه : صحة النذر
وانعقاده .
وأما مصرفه فالمستفاد من الخبر الاخير صرفه في ما يرجع
إلى البيت من التعظيم
ونحوه ، فبالاولوية يدل على جواز صرفه في البناء ونحوه .
والاخبار الاول تدل على صرفه
في معونة الحاج ولامعارضة بين الاخبار ، فالنصوص تدل على
أن المصرف إما ما يرجع
إلى البيت ، أو إلى الحجاج ، والظاهر أن ذلك حكم النذر
للمشاهد المشرفة .
وعليه : فما عن السرائر من نسبة الصرف في مصالح البيت أو
المشهد أو في
معونة الحاج والزائر إلى الرواية حسن ، ويكون نظره إلى
ذلك . هذا كله في النذر للبيت
أو المشهد .
……………………………………………..
( 1 ) الوسائل باب 22 من أبواب مقدمات الطواف حديث 14 .
( 2 ) الوسائل باب 22 من أبواب مقدمات الطواف حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 18 من كتاب النذر والعهد حديث 1 . ( * )
[ . . .. . ]
أما إذا نذر لمن في المشهد من الائمة الهداة والاولياء
البررة ، فالظاهر ارادة صرفه
في سبيل الخير بقصد رجوع ثوابه إليهم من غير فرق بين
الصدقة على المساكين
والزائرين ، وغير الصدقة من وجوه الخير التي يرجع ثوابها
إليهم . كل ذلك مع عدم
قصد من
الناذر ينافيه وإلا اتبع قصده .