] الفصل
الخامس في صفات الشاهد وهي ستة البلوغ [
البلوغ من شرائط الشاهد
( الفصل الخامس في صفات الشاهد وهي ستة ) الاول : ( البلوغ
) فلا تقبل شهادة
غير البالغ بلا خلاف فيه في الجملة ، وفي الجواهر إجماعا
بقسميه . وتنقيح القول فيه في
طي مسائل .
الاولى : ان مقتضى عمومات الكتاب وطائفة من النصوص قبول
شهادة الصبي
أيضا لاحظ قوله تعالى : ( فاستشهدوا عليهن أربعة منكم )
( 1 ) اللهم إلا أن يقال ان المراد
من ضمير الجمع هو المراد من الضمير في نسائكم ، وفي
امسكوهن وهو الرجال قطعا .
ويؤيده الاية الاخرى وهي قوله تعالى : ( واستشهدوا
شهيدين من رجالكم ) ( 2 )
وقوله سبحانه : ( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) ( 3 )
اللهم إلا أن يقال ان هذه الآية في مقام
بيان وجوب جلد من رمى المحصنة ولم يقم الشهود على ما رمى
، وليست في مقام بيان
من يقبل شهادته كي يتمسك بإطلاقه لقبول شهادة الصبي .
وبذلك يتطرق الاشكال
في النصوص التي استدل بها على قبول شهادته مثل ما ورد في
حد الرجم أن يشهد أربع
انهم رأوه يدخل ويخرج ( 4 ) . وما دل على جواز شهادة
الولد لوالده والاخ لاخيه ( 5 ) وما
...............................................................................
( 1 ) النساء آية 15 . ( 2 ) البقرة آية 282 . ( 3 )
النور آية 4 .
( 4 ) الوسائل باب 12 من أبواب حد الزنا .
( 5 ) الوسائل باب 26 من كتاب الشهادت . ( * )
[ . . . ]
شاكل .
وعليه فمقتضى القاعدة الاولية عدم قبول شهادته وعدم
نفوذه وعدم ترتب
الاثر عليه كما في سائر الشهادات .
ولكن ذلك بالنسبة إلى ما تضمن من الآيات والروايات على
لفظ الشهادة . وأما
ما دل على حجية خبر الواحد بناء على ما حققناه من حجيته
في الموضوعات فبعض
تلك الادلة بإطلاقه يشمل الصبي المميز .
وكيف كان فيشهد لعدم قبول شهادته جملة من النصوص كصحيح
محمد بن
مسلم عن أحدهما - عليهما السلام - في الصبي يشهد على
الشهادة فقال - عليه السلام - : " ان عقله
حين يدرك انه حق جازت شهادته " ( 1 ) .
وقوي السكوني عن أبي عبد الله - عليه السلام - : "
قال أمير المؤمنين - عليه السلام - : إن
شهادة الصبيان إذا أشهدوهم صغارا جازت إذا كبروا ما لم
ينسوها " ( 2 ) .
ونحوه خبر إسماعيل ( 3 ) بن أبي زياد المروي عن من أجمعت
العصابة على
تصحيح ما يصح عنه ، دلت هذه النصوص بمقتضى مفهوم الشرط
على عدم قبول
شهادته في حال الصغر .
وصحيح جميل : قلت لابي عبد الله - عليه السلام - : تجوز
شهادة الصبيان ؟ قال - عليه
السلام - : " نعم في القتل يؤخذ بأول كلامه ولا
يؤخذ بالثاني منه " ( 4 ) . فإن الجواب عن
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 21 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 21 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 21 من كتاب الشهادات حديث 4 .
( 4 ) الوسائل باب 22 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
الخاص بعد السؤال عن العام بمنزلة التفصيل القاطع للشركة .
وخبر محمد بن حمران عنه - عليه السلام - عن شهادة الصبي
فقال - عليه السلام - : " لا إلا
في القتل يؤخذ بأول كلامه ولا يؤخذ بالثاني " ( 1 ) .
وموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر - عليه السلام - :
" قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لم تجز
شهادة الصبي ولا خصم ولا متهم ولا ظنين " ( 2 ) .
وموثقه الآخر عنه - عليه السلام - قال : " رد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهادة السائل الذي
يسأل في كفه " قال أبو جعفر - عليه السلام - : " لانه لا
يؤمن على الشهادة " ( 3 ) دل بعموم العلة على عدم
قبول شهادة الصبي إلى غير تلكم من
النصوص . أضف إليها ان المأخوذ في من تقبل شهادته عناوين
لا تصدق على الصبي ،
كالعدالة ، وكونه مرضيا ، غير متهم وما شاكل .
وبازاء جميع ذلك خبر إسماعيل بن جعفر : فإذا كان للغلام
عشر سنين جاز أمره
وجازت شهادته ( 4 ) .
وخبر طلحة بن زيد عن الامام الصادق - عليه السلام - عن
أبيه عن آبائه عن علي
- عليهم السلام - : " شهادة الصبيان جائزة بينهم ما
لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهليهم " ( 5 ) .
ولكن الاول مقطوع غير مسند إلى الامام - عليه السلام -
وظاهره كونه فتوى إسماعيل
نفسه ، ولذا قال في الوسائل : قول إسماعيل ليس بحجة .
وأما الثاني فمضافا إلى أن طلحة عامي : انه مختص
بشهادتهم بينهم ما لم يتفرقوا ،
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 22 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 30 من كتاب الشهادات حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 35 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 22 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 5 ) الوسائل باب 22 من كتاب الشهادات حديث 6 . ( * )
[ . . . ]
مع أنه شاذ ساقط عن الحجية . أضف إلى ذلك انه لو سلم دلالته
وحجيته فالنسبة بينه
وبين ما دل على عدم قبول شهادة الصبي في غير القتل عموم
من وجه ، فيقدم تلكم
النصوص لفتوى الاكثر التي هي أول المرجحات .
فالمتحصل مما ذكرناه ان المستفاد من النصوص الكثيرة عدم
حجية قول الصبي
وعدم قبول شهادته ، وبها يقيد إطلاق الآيات والروايات
الدالة على قبولها منه بإطلاقها
لو سلم وجودها . فالاصل في الصبي عدم قبول شهادته .
الثانية : لاخلاف ولا اشكال في أن شهادة الصبي غير
المميز لا تسمع ولا تكون
حجة والادلة المتقدمة بضميمة الاجماع شاهدة به .
الثالثة : الصبي المميز إن كان بالغا عشرا ، فالمشهور
بين الاصحاب قبول شهادته
في الجنايات في الجملة وفي غيرها عدم القبول والمميز غير
البالغ عشرا لاخلاف بينهم في
عدم قبول شهادته في غير الجنايات والمشهور بينهم ذلك
فيها أيضا ، وعن جماعة القبول
فيها .
أما عدم قبول شهادة المميز في غير الجنايات فيشهد به
الادلة المتقدمة ، ونسب
جماعة إلى قائل بقبولها منه في غيرها أيضا وقد صرح عميد
الرؤساء بعدم الظفر به . وعلى
أي حال فهو مردود بما مر .
وأما قبولها منه إذا بلغ عشرا في الجنايات فقد تكرر دعوى
الاجماع عليه .
ويشهد به : صحيح جميل وخبر محمد بن حمران المتقدمان .
وصحيح جميل أيضا
عن الامام الصادق - عليه السلام - عن الصبي تجوز شهادته
في القتل ؟ قال - عليه السلام - :
" يؤخذ بأول كلامه ولا يؤخذ بالثاني " ( 1 ) .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 22 من كتاب الشهادات حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
وهذه النصوص كما تراها مختصة بالقتل ، وأما الجراح غير
البالغ حد القتل فإن
ثبت إجماع على القبول فيه ، وإلا فما أفاده فخر المحققين
من أنه لا تقبل منه هو
الصحيح . ومن الغريب تخصيص الشهيد في محكى الدروس قبول
الشهادة بالجراح غير
البالغ النفس ويمكن توجيهه بطرحه الاخبار والاخذ
بالاجماع .
وأما قبولها منه إذا لم يبلغ عشرا فقد نسب إلى الاسكافي
والخلاف وظاهر السيد في
الانتصار وابن زهرة في الغنية وقواه في المستند .
ويشهد به إطلاق النصوص المتقدمة ، ولكن عدم افتاء جل
الاصحاب بذلك
ومن أفتى به فقد ذكر قبولها منه في الشحاح والجراح لا في
القتل ، يكون كاشفا عن وجود
حجة عليه . فتردد جماعة من متأخري المتأخرين فيه في محله .
وأما ما اشتهر عن أمير المؤمنين - عليه السلام - في حكم
ستة غلمان غرق واحد منهم
فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنهما غرقاه ، واثنان على
الثلاثة أنهم غرقوه . فقضى علي - عليه
السلام - بالدية أخماسا : ثلاثة أخماس على الاثنين ،
وخمسين على الثلاثة ( 1 ) .
الذي استدل به بعضهم فهو قضية في واقعة . مع أن استعمال
الغلام في البالغ
شائع .
صرح جماعة منهم الشيخ في محكى الخلاف والمحقق في الشرائع
والمصنف في
جملة من كتبه ، بأنه يشترط في قبولها منه في مورده عدم
تفرقهم إذا كانوا مجتمعين حذرا أن
يلقنوا .
واستدل له بمفهوم خبر طلحة ، ولكنه كما مر مختص بشهادتهم
بينهم ، وعليه فلا
دليل على اعتباره إلا الاجماع إن ثبت ، وأولى بعدم
الاعتبار ما صرح باعتباره من شرطين
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب موجبات الضمان من كتاب
الديات . ( * )
] وكمال العقل [
آخرين في المتن وسيجئ الكلام فيهما .
من شرائط قبول الشهادة كون الشاهد عاقلا
( و ) الثاني : ( كما العقل ) فلا تقبل شهادة المجنون
إجماعا بقسميه بل ضرورة من
المذهب أو الدين على وجه لا يحسن من الفقيه ذكر ما دل
على ذلك من الكتاب والسنة
كذا في الجواهر ، وفي المسالك هذا محل وفاق بين المسلمين .
ويشهد به مضافا إلى ذلك : ما دل على اعتبار العدالة في
الشاهد وكونه مرضيا ،
والمجنون ليس كذلك قطعا .
وفي العلوي في قوله تعالى : ( ممن ترضون من الشهداء ) ،
ممن ترضون دينه وأمانته
وصلاحه وعفته وتيقظه فيما يشهد به وتحصيله وتمييزه ، فما
كل صالح مميزا ولا محصلا ،
ولا كل محصل مميز صالح . ( 1 )
ويشهد به أيضا : عموم التعليل في موثق محمد المتقدم لانه
لا يؤمن على الشهادة .
واستدل له في الرياض : بما في صحيح جميل المتقدم في
شهادة الصبي ان عقله
حين يدرك انه حق جازت شهادته ، وبالجملة فالحكم من
الواضحات .
ولا فرق في الجنون بين الادواري منه ، والمطبق . نعم لا بأس
بشهادته في حال
افاقته لعموم الادلة وزوال المانع لكن بعد استظهار
الحاكم بما تيقن معه حضور ذهنه
واستكمال فطنته . قال في الرياض وذكر المتأخرون من غير
خلاف بينهم ان في حكمه
المغفل الذي لا يحفظ ولا يضبط ويدخل فيه التزوير والغلط
وهو لا يشعر لعدم الوثوق
بقوله ، وكذا من يكثر غلطه ونسيانه ومن لا يتنبه لمزايا
الامور وتفاصيلها إلا أن يعلم
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 23 . ( * )
] والايمان [
عدم غفلته ، انتهى .
وندلنا بوضوح على ذلك عموم العلة في موثق محمد المتقدم
لانه لا يؤمن على
الشهادة ، ومرسل يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله -
عليه السلام - في حديث : " فإذا
كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته " الحديث
( 1 ) . فإن الظاهر من المأمونية إما
المأمونية في جميع الحسنات أو في خصوص الشهادة . وعلى
التقديرين يثبت المطلوب ،
واحتمال ارادة المأمونية من تعمد الكذب خلاف الظاهر .
وقوي السكوني عن سيدنا جعفر عن أبيه - عليهما السلام - :
" ان شهادة الاخ لاخيه
يجوز إذا كان مرضيا ومعه شاهد آخر " ( 2 ) ، وقد مر
تفسير الامام - عليه السلام - للمرضي بما لا
يشمل المغفل .
وموثق سماعة : سألته عما يرد من الشهود ؟ قال - عليه
السلام - : " المريب والخصم
والشريك " الحديث ( 3 ) إذ لا ريب في كون المغفل
داخلا في المريب .
( و ) الثالث : من الاوصاف المعتبرة في الشاهد : ( الايمان )
بالمعنى الاخص وهو
الاقرار بامامة الائمة الاثني عشر - عليهم السلام - بلا
خلاف وعن غير واحد دعوى الاجماع
عليه ، فلا تقبل شهادة غير المؤمن وإن اتصف بالاسلام ،
ولا شهادة غير المسلم .
أما عدم قبول شهادة غير المسلم فيشهد به مضافا إلى
الاجماع ، وفي الجواهر بل
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 26 من كتاب الشهادات حديث 5 .
( 3 ) الوسائل باب 32 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
لعله ضروري المذهب جملة من النصوص :
كصحيح الحذاء عن أبي عبد الله - عليه السلام - : "
تجوز شهادة المسلمين على جميع
أهل الملل ولا تجوز شهادة أهل الملل على المسلمين "
( 1 ) .
وموثق سماعة عنه - عليه السلام - عن شهادة أهل الملة ،
قال - عليه السلام - : " لا تجوز إلا
على أهل ملتهم " ( 2 ) ، ومثله موثقه الآخر ( 3 ) .
والنصوص ( 4 ) الدالة على أن الكافر إذا تحمل الشهادة في
حال الكفر وشهد بعد
اسلامه تقبل شهادته ، فانها من جهة ما فيها من شرط تدل
على عدم قبولها في حال
الكفر ، لاحظ : قوي السكوني عن الامام الصادق - عليه السلام
- عن أمير المؤمنين - عليه السلام -
في حديث : " اليهود والنصارى إذا أسلموا جازت
شهادتهم " ( 5 ) .
وقوي السكوني عن الامام الصادق - عليه السلام - : "
ان أمير المؤمنين - عليه السلام - كان
لا يقبل شهادة فحاش ولا ذي مخزية في دينه " ( 6 )
ومثله خبر إسماعيل بن مسلم ( 7 ) . إلى
غير تلكم من النصوص الواردة بألسنة مختلفة .
ويشهد به أيضا : ما دل على اعتبار العدالة وكون الشاهد
مرضيا .
وأما عدم قبول شهادة غير المقر بامامة الائمة الاثني عشر
- عليهم السلام - ، فقد قال
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 38 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 38 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 40 من كتاب الشهادات حديث 4 .
( 4 ) الوسائل باب 39 من كتاب الشهادات .
( 5 ) الوسائل باب 39 من كتاب الشهادات حديث 8 .
( 6 ) الوسائل باب 32 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 7 ) الوسائل باب 32 من كتاب الشهادات حديث 5 . ( * )
] والعدالة [
صاحب الجواهر - ره - ولعله من ضروري المذهب في هذا
الزمان .
ويشهد به : خبر السكوني وإسماعيل المتقدمان ، وما دل على
( 1 ) عدم قبول شهادة
الفاسق ، واعتبار ( 2 ) العدالة فإن المخالف ليس بعادل
قطعا ، وما دل ( 3 ) على عدم قبول
شهادة الظنين قال الصدوق : الظنين هو المتهم في دينه .
وقال سيدنا الصادق - عليه السلام -
في صحيح أبي بصير في جواب قوله : فالفاسق والخائن ، فقال
: " هذا يدخل في الظنين " ( 4 ) .
ولا يعارضها ما دل على قبول شهادة المسلم ( 5 ) لانه
يقيد إطلاقه بما مر ، ولا حسن
البزنظي عن أبي الحسن - عليه السلام - عمن أشهد ناصبيين
على الطلاق أيكون طلاقا ؟ قال
- عليه السلام - : " كل من ولد على الفطرة وعرف بصلاح
في نفسه اجيزت شهادته على
الطلاق بعد أن يعرف منه خير " ( 6 ) ونحوه صحيح ابن
المغيرة ( 7 ) فانه - عليه السلام - في الجواب
اقتصر على بيان الحكم الواقعي الكلي وهو انه تقبل شهادة
من كان معروفا بالخير ، وليس
ذلك إلا الايمان والجواب بما لا ينطبق على السؤال لعله
من جهة التقية .
من شرائط قبول الشهادة عدالة الشاهد
( و ) الرابع : ( العدالة ) فلا تقبل شهادة الفاسق كتابا
وسنة مستفيضة أو متواترة
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 30 من كتاب الشهادات .
( 2 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات .
( 3 ) الوسائل باب 30 من كتاب الشهادات .
( 4 ) الوسائل باب 30 من كتاب الشهادات حديث 5 .
( 5 ) الوسائل باب 38 و 39 من كتاب الشهادات .
( 6 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 21 .
( 7 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
وإجماعا بقسميه كما في الجواهر ، وأما ما في كلام بعض
القدماء من كفاية ظاهر الاسلام
مع عدم ظهور الفسق بل عن الخلاف دعوى الاجماع القولي
والعملي عليه ، فليس مراده
عدم اعبتار العدالة ولا أن ذلك هو العدالة بل مراده كون
ذلك من طرق معرفة العدالة ،
ولذا استدل له : بأصالة عدم الفسق ، وأصالة الصحة في
أقوال المسلمين وأفعالهم ،
وبظاهر حال المسلم أنه لا يترك الواجبات ولا يفعل
المحرمات ، وبقاعدة المقتضى
والمانع بدعوى أن الاسلام مقتض لفعل الواجبات وترك
المحرمات ، فالموجب للفسق لا
محالة يكون لمانع ، فإذا شك فيه يبنى على عدمه ، وبأنه
لو لم يكتف بالاسلام وعدم
ظهور الفسق لم ينظم الاحكام للحكام خصوصا في المدن
الكبيرة ، والقاضي القادم إليها
من بعيد . وهذه الوجوه كما ترى ظاهرة في أنه يرى اعتبار
العدالة وانما يكتفي بما ذكر
لكونه من طرق معرفتها .
والاصل في اعتبارها ، مضافا إلى الاجماع ، من الكتاب
قوله تعالى : ( إن جاءكم
فاسق بنبإ فتبينوا ) ( 1 ) والشهادة نبأ فيجب التبين
عندها ، وقوله عز وجل : ( وأشهدوا
ذوى عدل منكم ) ( 2 ) وقوله تعالى : ( يحكم به ذوا عدل
منكم ) ( 3 ) وقوله سبحانه : ( اثنان
ذوا عدل منكم ) ( 4 ) وقوله تعالى : ( ممن ترضون من
الشهداء ) ( 5 ) والفاسق ليس بمرضي
الحال ويتم المطلوب بالاجماع المركب .
ومن السنة نصوص كثيرة : منها ما دل على عدم قبول شهادة
الفاسق وقد مر ،
ومنها ما دل على عدم قبول شهادة غير المرضى تقدم أيضا ،
ومنها ما تضمن اعتبارها
كمرسل يونس استخراج الحقوق بأربعة وجوه شهادة رجلين
عدلين ، الحديث ( 6 ) .
...............................................................................
( 1 ) سورة الحجرات آية 6 . ( 2 ) سورة الطلاق آية 2 .
( 3 - 4 ) سورة المائدة آية 95 و 106 . ( 5 ) سورة البقرة آية 282 .
( 6 ) الوسائل باب 15 من أبواب كيفية الحكم حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
وصحيح محمد بن مسلم عن الامام الصادق - عليه السلام - عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " انه
كان يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ولم
يجز في الهلال إلا
شاهدي عدل " ( 1 ) ، ونحوه صحيح حماد بن عثمان .
وخبر أبي ضمرة عن أمير المؤمنين - عليه السلام - :
" أحكام المسلمين على ثلاثة :
شهادة عادلة أو يمين قاطعة أو سنة ماضية من أئمة الهدى
" ( 2 ) ومثله خبر إسماعيل بن
أبي اويس ( 3 ) والنصوص ( 4 ) الدالة على قبول شهادة
المملوك إذا كان عادلا ، وصحيح ابن
أبي يعفور عن أبي عبد الله - عليه السلام - قلت : بم
تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى
تقبل شهادته لهم وعليهم ؟ فقال - عليه السلام - : "
أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن
والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر " الحديث
( 5 ) إلى غير تلكم من النصوص
المتواترة التي يصعب حصرها .
وقد يتوهم دلالة جملة من النصوص على عدم اعتبار العدالة
كصحيح حريز عن
الامام الصادق - عليه السلام - : في أربعة شهدوا على رجل
محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ولم
يعدل الآخران ؟ فقال - عليه السلام - : " إذا كانوا
أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة
الزور اجيزت شهادتهم جميعا واقيم الحد على الذي شهدوا
عليه ، انما عليهم أن يشهدوا
بما أبصروا وعلموا ، وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم إلا أن
يكونوا معروفين بالفسق " ( 6 ) .
وخبر علقمة عن سيدنا الصادق - عليه السلام - عمن يقبل
شهادته ومن لا يقبل ،
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم حديث 1 .
( 2 - 3 ) الوسائل باب 1 من أبواب كيفية الحكم حديث 6 .
( 4 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 11 .
( 5 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 6 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 18 . ( * )
[ . . . ]
فقال - عليه السلام - : " يا علقمة لو لم تقبل
شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادة
الانبياء والاوصياء - عليهم السلام - لانهم المعصومون
دون سائر الخلق ، فمن لم تره بعينك
يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل
العدالة والستر وشهادته
مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا " ( 1 ) .
وخبر العلاء بن سيابة عنه - عليه السلام - : عن شهادة من
يلعب بالحمام ، قال - عليه
السلام - : " لا بأس به إذا كان لا يعرف بفسق " ( 2 ) .
والعلوي : انه قال لشريح : " واعلم ان المسلمين
عدول بعضهم على بعض إلا
مجلودا في حد لم يتب منه أو معروفا بشهادة الزور أو ظنين
" ( 3 ) .
وحسن البزنطي عن أبي الحسن - عليه السلام - في حديث :
" من ولد على الفطرة
أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير " ( 4
) . ونحوه صحيح ابن المغيرة ( 5 ) .
وفيه : أولا : انه لو تمت دلالتها تعين صرفها عن ظاهرها
وحملها على إرادة ما
يجتمع مع اعتبار حسن الظاهر جمعا بين النصوص .
وثانيا : انها لا تدل على ذلك ، أما الاول : فلان الظاهر
أن المراد من عدم المعروفية
بالفسق عدم معروفيته حتى عند المعاشرين معه ، وهذا يلازم
مع حسن الظاهر الذي
هو من طرق معرفة العدالة .
وأما الثاني فلان صدره وإن تضمن قبول شهادة المقترف
بالذنب إلا أن ذيله
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 13 .
( 2 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 23 .
( 4 ) الوسائل باب 10 من أبواب مقدمات الطلاق حديث 4 .
( 5 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 21 . ( * )
[ . . . ]
لقوله - عليه السلام - : " فهو من أهل العدالة والستر وشهادته
مقبولة " يدل على اعتبار حسن
الظاهر ويوجب تقييد الصدر بما إذا كان ذنبه مستورا لا
يعرفه أهله ومحلته .
وأما الثالث : فلما ذكرناه في الاول .
وأما الرابع : فلانه مجمل وقد استثني منه الظنين وهو كل
فاسق ، كما يشير إليه
صحيح أبي بصير عن الامام الصادق - عليه السلام - قلت :
فالفاسق والخائن ؟ قال - عليه
السلام - : " كل هذا يدخل في الظنين " ( 1 ) .
وأما الاخيران فلانهما يدل على قبول شهادة من كان معروفا
بالخير والصلاح وليس
ذلك إلا حسن الظاهر .
فالمتحصل مما ذكرناه انه لا شك في اعتبار العدالة في
الشاهد وأنه لا تقبل شهادة
الفاسق ، فإن قيل : إنه يلزم من ذلك عدم نظم الاحكام
للحكام خصوصا في المدن
الكبيرة والقاضي القادم إليها من بعيد .
قلنا : إن هذا يتم إذا اعتبرنا حصول العلم بها والوثوق
وأما لو اكتفينا بحسن
الظاهر فلا يلزم ذلك كما لا يخفى .
ثم إنه قد تقدم في كتاب الصلاة في الجزء السادس من هذا
الشرح في رسالة
العدالة ، بيان المراد منها وطرق إثباتها .
والبحث عن الكبائر والصغائر ، واعتبار المروة فيها وعدمه
، والتوبة ، وما يتعلق
بها ، وغير ذلك فلا نعيد ما ذكرناه فراجعها فإنها رسالة
نافعة متضمنة لمطالب هامة
جدا .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 30 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
] وانتفاء التهمة [
( و ) الخامس : ( انتفاء التهمة ) بلا خلاف أجده فيه ، وفي
المسالك شهادة المتهم
مردودة إجماعا ويشهد به نصوص ، كصحيح ابن سنان : قلت
لابي عبد الله - عليه السلام -
ما يرد من الشهود ؟ قال : فقال - عليه السلام - : "
الظنين والمتهم " ، قلت : فالفاسق والخائن ؟
قال - عليه السلام - : " ذلك يدخل في الظنين "
( 1 ) .
وصحيح أبي بصير عنه - عليه السلام - وهو مثله إلا أنه قال : " الظنين والمتهم
والخصم " ( 2 ) ونحوه صحيح عبيد الله الحلبي ( 3 ) .
وصحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر - عليه السلام - :
" قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لم تجز
شهادة الصبي ولا خصم ولا متهم ولا ظنين " ( 4 ) .
وموثق سماعة : سألته عما يرد من الشهود ؟ قال - عليه
السلام - : " المريب والخصم
والشريك ودافع مغرم والاجير والعبد والتابع والمتهم كل
هؤلاء ترد شهاداتهم " ( 5 ) ،
ونحوها غيرها .
ولكن الظاهر عدم افتاء الاصحاب بما نعية التهمة عن قبول
الشهادة بما لهذه
اللفظة من المفهوم ، فعن كشف اللثام وقع الاتفاق على أنها لا
ترد بأي تهمة كانت ، وعن
الدروس ليس كل تهمة تدفع الشهادة بالاجماع ، وقال المحقق
الاردبيلي - ره - : والظاهر
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 30 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 30 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 30 من كتاب الشهادات حديث 5 .
( 4 ) الوسائل باب 30 من كتاب الشهادات حديث 6 .
( 5 ) الوسائل باب 32 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
انه ليس كل متهم مردود بل افراد من المتهم وليس لهم في
رد شهادة المتهم ضابطة - وعد
مواضع كثيرة يقبل فيها الشهادة فقال : - لا شك أن التهمة
هنا أيضا موجودة فقال :
وبالجملة العدالة مانعة من رد الشهادة وسبب لقبولها ،
ومجرد التهمة وأية تهمة كانت
ليس سببا للرد فإن العدالة تمنع الخيانة وإن كان له فيها
نفع ، انتهى .
وبالجملة : المستفاد من كلمات الفقهاء ان التهمة من حيث
هي ليست ما نعة من
قبول الشهادة وأن بناءهم في الرد والقبول على أمر آخر
ورائها ، وفي تلكم الموارد المنطبق
عليها عناوين اخر : كجار النفع ، والشريك ، والوصي ، وما
شاكل ، في بعض افرادها لا
يتحقق التهمة قطعا وانما حكموا بعدم القبول فيها لاجل
نصوص خاصة واردة فيها ،
وحصرها المصنف في محكى القواعد في ستة وذكرها في المقام
وستأتي ، وبهذا كله يظهر
عدم كون التهمة بنفسها من الموانع .
ويمكن أن يقال : ان المراد بالتهمة ، من يحتمل في حقه أو
يظن بشئ قبيح في
الدين من العقائد والفسق والمعاصي الخاصة والكذب وما
شاكل ، وحيث ان ذلك
مناف للعدالة فإن ثبت عدالة الشاهد يرتفع التهمة ، غاية
الامر إن علم بها يرتفع
وجدانا وإلا فتعبدا ، بناء على أن المجعول في الامارات
الطريقية والوسطية في الاثبات .
وعلى ذلك فلا تكون هذه النصوص منافية ومعارضة لما دل على
قبول شهادة
العادل ، بل تكون الثانية حاكمة على الاولى ، فما في بعض
الكلمات من اطالة البحث في
ذلك وملاحظة النسبة بينهما والحكم بالتساقط ثم الرجوع
إلى أدلة اخر ، في غير محلها .
وعلى فرض تسليم التعارض حيث تكون النسبة عموما من وجه
فيرجع إلى المرجحات
والترجيح لنصوص قبول شهادة العادل ، لفتوى الاصحاب ،
وموافقة الكتاب .
فالمتحصل مما ذكرناه ان التهمة من حيث هي ليست من موانع
القبول في مقابل
الفسق . وأما الموارد الخاصة التي حكموا فيها بعدم قبول
شهادة المتهم فسيأتي الكلام
] وطهارة المولد ]
فيها ولها أدلة خاصة .
( و ) السابع : مما يعتبر في الشاهد : ( طهارة المولد ) أي
عدم كونه ولد الزنا ، المعلوم
كونه كذلك كما هو المشهور بين الاصحاب ، وعن السيد
والشيخ وابن زهرة الاجماع عليه .
ويشهد به : خبر أبي بصير عن أبي جعفر - عليه السلام - :
عن ولد الزنا أتجوز شهادته ؟
فقال - عليه السلام - : " لا " فقلت : إن
الحكم بن عتيبة يزعم أنها تجوز ؟ فقال - عليه السلام - :
" اللهم لا تغفر ذنبه " الحديث ( 1 ) .
وأورد عليه في المسالك : بأن في طريقه أبان وأبا بصير
وهما مشتركان بين الثقة
وغيره .
وفيه : أولا : ان الراوي عنهما البزنطي وهو من أصحاب
الاجماع . وثانيا : ان الظاهر
كون أبان الذي هو في الطريق هو أبان بن عثمان الثقة ،
لانه الغالب المنصرف إليه
الاطلاق وللتصريح به في الطريق الآخر المنقول عن رجال
الكشي ، وأبو بصير ثقة على
الاطلاق وفاقا لجماعة من المحققين كما حقق في محله .
وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله - عليه السلام - : عن
شهادة ولد الزنا ؟ فقال
- عليه السلام - : " لا ولا عبد " .
واورد عليه في المسالك : بأن دلالته لا تخلو من قصور ،
وهو كما ترى فان الظاهر
كون السؤال عن قبول شهادته ( 2 ) .
وخبر محمد بن مسلم الذي عبر عنه المصنف - ره - وولده
بالصحيح : قال أبو
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 31 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 31 من كتاب الشهادات حديث 6 . ( * )
[ . . . ]
عبد الله - عليه السلام - : " لا يجوز شهادة ولد
الزنا " ( 1 ) .
وخبر عبيد بن زرارة عن أبيه عن الامام الباقر - عليه
السلام - : " لو أن أربعة شهدوا
عندي بالزنا على رجل وفيهم ولد زنا لحددتهم جميعا لانه
لا تجوز شهادته ولا يؤم
الناس " ( 2 ) ونحوها غيرها .
وقيل : وإن لم يعرف قائله فإنه وإن نسب إلى الشيخ في
المبسوط لكن ذيل كلامه
يشهد بعدم قوله بذلك تقبل شهادته .
واستدل له : بخبر علي بن جعفر عن أخيه - عليه السلام - :
عن ولد الزنا هل تجوز
شهادته ؟ قال : " نعم تجوز شهادته ولا يؤم " (
3 ) .
وخبر الحلبي عن الامام الصادق - عليه السلام - : "
ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز له
شهادته ولا يؤم بالناس " ( 4 ) .
بدعوى ظهوره في الكراهة ، ولكن الثاني غير ظاهر في
الكراهة غايته الاجمال ،
فيبين بما مر . والاول ضعيف السند وقد رواه علي في كتابه
إلا أنه قال : لا يجوز شهادته ولا
يؤم . مع أنهما على فرض الدلالة مخالفان لمذهب الاصحاب
فيطرحان أو يحمل الاول على
التقية لان الجواز مذهب أكثر العامة كما في المسالك .
وعن الشيخ في النهاية وابن حمزة انه يقبل شهادته في الشئ
اليسير استنادا إلى
رواية عيسى بن عبد الله عن أبي عبد الله - عليه السلام -
عن شهادة ولد الزنا فقال - عليه السلام - :
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 31 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 31 من كتاب الشهادات حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 32 من كتاب الشهادات حديث 7 .
( 4 ) الوسائل باب 31 من كتاب الشهادات حديث 9 . ( * )
[ . . . ]
" لا تجوز إلا في الشئ اليسير إذا رأيت منه صلاحا " (
1 ) .
وفيه : ان الخبر لاعراض الاصحاب عنه لا يعتمد عليه لرجوع
الشيخ الذي هو
الاصل في العمل به عنه في الخلاف .
واورد عليه المصنف - ره - في محكى المختلف : بأن قبول
شهادته في الشئ اليسير
يعطي المنع من قبول الكثير من حيث المفهوم ولا يسير إلا
وهو كثير بالنسبة إلى ما دونه ،
فإذا لا يقبل شهادته إلا في أقل الاشياء الذي ليس بكثير
بالنسبة إلى ما دونه ، إذ لا دون
له ، ومثله لا يملك ، انتهى .
ويرد عليه مضافا إلى ذلك كله : ما ذكره السيد المرتضى
دليلا لعدم قبول
شهادته ، وهو الخبر الذي ورد أن ولد الزنا لا ينجب ( 2 )
. قال : فإذا علمنا بدليل قاطع انه
لا ينجب لم يلتفت إلى ما يظهر من الايمان والعدالة لانه
يفيد ظن صدقه ونحن قاطعون
بخبث باطنه وقبح سريرته فلا تقبل شهادته ، فلا اشكال في
الحكم .
قال في الرياض : المنع يختص بمن علم كونه ولد الزنا ،
أما من جهل فيقبل
شهادته بعد استجماعه الشرائط الاخر من العدالة وغيرها ،
وإن نسب إلى الزنا ما لم يكن
العلم بصدق النسبة حاصلا . وبه صرح جماعة من غير خلاف
بينهم أجده ولعله
للعمومات واختصاص الاخبار المانعة بالصورة الاولى دون
الثانية لكونها من الافراد
الغير المتبادرة فلا تنصرف إليها الاطلاق كما مر غير مرة
، انتهى .
ولكن إن كان هناك أصل شرعي كالفراش ونحوه ، ويحكم بعدم
كونه ولد الزنا
فيقبل شهادته ، وإلا فإن قلنا : بأن الاصل طهارة مولد كل
من لم يعلم أنه ابن زنا
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 31 من كتاب الشهادات حديث 5 .
( 2 ) المستدرك باب 25 من الشهادات حديث 5 ولسان الحديث ولد
الزنا لا يفلح أبدا . ( * )
] وتقبل شهادة الصبيان في الجراح مع بلوغ العشر وعدم
الاختلاف وعدم
الاجتماع على الحرام [
فكذلك . وإلا فيشكل الحكم لمنع تبادر المعلوم كونه ابن
زنا من النصوص ، وما في
الجواهر من أن النهي فيه حيث إنه على طريق المانعية ،
فيكون ظاهرا في اختصاص
المعلوم دون المشكوك فيه الداخل في العمومات .
يندفع بأنه لا فرق بين ذلك وبين سائر الادلة المتضمنة
لترتب الحكم على نفس
العناوين من غير أخذ العلم فيها في ظهوره في كون المانع
هو الشئ بوجوده الواقعي .
وأما قاعدة المقتضى والمانع فقد ذكرنا غير مرة انه لا
أصل لها . اللهم إلا أن يقال
ان الاجماع قائم على قبول شهادة من شك في أنه ولد الزنا
. وعليه فلا توقف في الحكم
والله العالم .
شرائط قبول شهادة الصبي في القتل
وتمام الكلام في هذا المقام في طي مسائل الاولى : قد مر
أنه لا تقبل شهادة
الصبي إلا في الشهادة على القتل ، ( و ) لكن صرح جماعة
بأنه ( تقبل شهادة الصبيان في
الجراح مع بلوغ العشر وعدم الاختلاف وعدم الاجتماع على
الحرام ) لغيرهم . قال في
الشرائع تمسكا بموضع الوفاق : وظاهر ذلك طرحهم للنصوص
والرجوع إلى الاجماع إذ
النصوص كما مرت متضمنة لقبولها في القتل ، وقبولها في
الجراح غير المؤدي إلى القتل لا
دليل له سوى الاجماع .
وأما اعتبار بلوغ العشر فقد مر أنه خلاف إطلاق النصوص
إلا أن الظاهر
تسالمهم على اعتباره إلا عن نادر .
وأما عدم الاختلاف فقد عرفت أنه قد استدل له بخبر طلحة ،
وقد أشكلنا عليه ،
فلا دليل له سوى الاجماع إن ثبت .
[ . . . ]
وأما عدم الاجتماع على الحرام ، واعتبار كونه على مباح
لغيرهم كالرمي ونحوه ،
فقد اعترف غير واحد بعدم معرفة دليله ، ومدركه الاقتصار
على المتيقن من معقد
الاجماع ويتم لو طرحنا النصوص ، وإلا فمقتضى الاطلاق عدم
اعتباره في الشهادة على
القتل .
وعلى هذا المسلك لابد من اضافة قيدين آخرين إلى القيود
الثلاثة ، بل لابد من
إضافتهما حتى على التمسك بالنصوص .
وهما : أن لا يوجد غيرهم ، والاخذ بأول كلامهم ، الذي
حكاه كاشف اللثام عن
الشيخين في المقنعة والنهاية والمرتضى وسلار وبني زهرة
وحمزة وادريس ويحيى والمحقق
في النافع ، وجعله في التحرير والدروس رواية .
أما الثاني : فللتصريح به في نصوص قبول شهادة الصبي في
القتل المتقدمة .
وأما الاول فلخبر محمد بن سنان عن الامام الرضا - عليه
السلام - في حديث فلذلك
لا تجوز شهادتهن إلا في موضع ضرورة مثل شهادة القابلة ،
وما لا يجوز للرجال أن
ينظروا إليه كضرورة تجويز شهادة أهل الكتاب إذا لم يوجد
غيرهم ، وفي كتاب الله عز
وجل : ( اثنان ذوا عدل منكم ) - أي مسلمين - ( أو آخران
من غيركم ) - كافرين - ،
ومثل شهادة الصبيان على القتل إذا لم يوجد غيرهم ( 1 ) .
وأضاف صاحب الجواهر - ره - قيدين آخرين : أحدهما كون
الشهادة على
الصبيان فلا تسمع شهادتهم على غيرهم .
ثانيهما : قبول شهادتهم في الدية خاصة .
واستدل له : بخبر السكوني المتقدم المتضمن لقضاء أمير
المؤمنين - عليه السلام - في
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 5 . ( * )
] وتقبل شهادة أهل الذمة في الوصية مع عدم المسلمين [
سنة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد منهم ( 1 ) .
ويرد عليه مضافا إلى مخالفته للاجماع ، وإلى ما عرفت من
عدم ظهوره في كون
الغلمان غير بالغين : انه لا مفهوم له فانه قضية في
واقعة كي يقيد به إطلاق النصوص .
الثانية : قد عرفت أنه من شرائط قبول الشهاة كون الشاهد
مسلما ( و ) لكن
الاصحاب استثنوا من ذلك موردا وقالوا : إنه ( تقبل شهادة
أهل الذمة في الوصية مع
عدم المسلمين ) .
الظاهر أن قبول شهادة الذمي في الوصية للمسلم وعليه في
الجملة مما لا خلاف
فيه وقد استفاض نقل الاجماع عليه ، ويشهد له مضافا إلى
ذلك قوله تعالى : ( ذوا عدل
منكم أو آخران من غيركم ) ( 2 ) ونصوص كثيرة :
لاحظ صحيح أحمد بن عمر : سألته عن قول الله عز وجل : (
ذوا عدل منكم أو
آخران من غيركم ) ؟ قال : " اللذان منكم مسلمان
واللذان من غيركم من أهل الكتاب
فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس لان رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم قال : سنوا بهم سنة أهل
الكتاب ، وذلك إذا مات رجل أرض غربة فلم يجد ، مسلمين يشهد
هما فرجلان من أهل
الكتاب " ( 3 ) .
وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله - عليه السلام - في
قول الله عز وجل : ( أو
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من أبواب موجبات الضمان من كتاب الديات .
( 2 ) سورة المائدة آية 106 .
( 3 ) الوسائل باب 40 من كتاب الشهادات حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
آخران من غيركم ) ؟ فقال - عليه السلام - : " إذا
كان الرجل في أرض غربة ولا يوجد فيها
مسلم جاز شهادة من ليس بمسلم على الوصية " ( 1 ) .
وموثق سماعة عنه - عليه السلام - عن شهادة أهل الملة ،
قال : فقال : " لا تجوز إلا على
أهل ملتهم فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية
لانه لا يصلح ذهاب حق
أحد " ( 2 ) إلى غير ذلك من النصوص .
فإن قيل إنه يعارض هذه النصوص ما دل على عدم قبول شهادة
الكافر على
المسلم ( 3 ) فان هذه النصوص لا تختص بالشهادة على
المسلم . والنسبة عموم من وجه .
قلنا : أولا : انه لو سلم كون النسبة عموما من وجه ،
تقدم هذه النصوص لفتوى
الاصحاب التي هي أول المرجحات .
وثانيا : إنه في صحيح ضريس لانه لا يصلح ذهاب حق امرئ
مسلم ( 4 ) ، وفي
خبر حمزة بن حمران عن الامام الصادق - عليه السلام - في
الآية الكريمة قال : اللذان منكم
مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فقال : إذا
مات الرجل في أرض غربة
وطلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين
فليشهد على وصيته
رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما ( 5 ) .
وحيث إن الكافر لا يرث من المسلم فالخبر مختص بالشهادة
على المسلم فيكون
أخص مطلق من النصوص المشار إليها فيقيد إطلاقها بهما .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 40 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 40 من كتاب الشهادات حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 38 من كتاب الشهادات .
( 4 ) الوسائل باب 20 من أبواب الوصايا حديث 1 .
( 5 ) الوسائل باب 20 من أبواب الوصايا حديث 7 . ( * )
[ . . . ]
وقد ذكر الاصحاب لقبول شهادته شروطا :
1.
عدم وجود المسلم
، وفي المستند والظاهر كونه إجماعيا أيضا ، وتشهد به
أكثر النصوص ، لاحظ ما تقدم منها ، وقد اختلف كلمات
القوم في التعبير عن هذا
الشرط ، فعبر جمع منهم بعدم وجود المسلم الشامل للواحد
والمتعدد العادل والفاسق ،
وآخرون بعدم وجود المسلمين ، وثالث بعدم وجود المسلمين
العدلين ، والذي يستفاد من
مجموع الروايات بعد ضم بعضها إلى بعض أن الشرط فقد
المسلمين اللذين يصلحان
لان يشهدهما ، وهما العدلان فإن صحيحة أحمد وغيرها
متضمنة لذلك وبها يقيد إطلاق
غيرها ، وهل يكفي وجود مسلم عدل على القول بقبول شاهد عدل مع يمين
، أم لا ؟
الظاهر عدم الكفاية لاطلاق ما دل على قبول شهادة الذميين
مع عدم وجود المسلمين
اللذين يقبل شهادتهما ، وبه يظهر حكم ما لو كان هناك
أربع مسلمات .
2.
الضرورة
اعتبرها الشيخ في محكى النهاية وتبعه جماعة ، ولكن المراد بها إن
كان عدم وجود المسلمين العدلين فالشرط الاول يغني عن ذلك
، وإن كان عدم ما
يثبت به الوصية حتى الشاهد الواحد ويمين ، أو أربع
مسلمات ، أو لزوم الوصية كان
يوصي بحق لازم ، فلا دليل على اعتبارها ، وإطلاق النصوص
المتقدمة يدفعه .
3.
أن يكونا
اثنين فصاعدا ، والظاهر أنه لا خلاف في اعتبار ذلك ، والآية
الكريمة والنصوص شاهدة بذلك .
نعم لا يبعد القول بكفاية المسلم العدل مع ذمي واحد
للالوية ، ولكن لا
يكتفي بأربع ذميات اقتصارا فيما خالف الاصل على موضع
النص .
4.
أن يكون
الموصى في السفر عرفا أي في أرض غربة ، اعتبره الشيخ في محكى
النهاية والاسكافي والحلبي وابن زهرة وفي الرياض وربما
يفهم منهما ( أي الشيخ
والسيد ) كونه إجماعيا بيننا ، ونفى اعتباره جماعة كعامة
المتأخرين وفاقا منهم لظاهر أكثر
[ . . . ]
القدماء كالشيخين في المقنعة والنهاية والعماني وسلار
والقاضي والحلي بل يظهر من
المحقق والمصنف - ره - في الشرائع والتحرير على ما حكى
انعقاد الاجماع عليه .
وجه الاول ظهور الشرط في الآية الكريمة وما ماثلها من
النصوص ، والتصريح
بذلك في جملة من الاخبار المتقدمة .
ووجه الثاني إطلاق كثير من النصوص والتعليل في طائفة
منها بأنه لا يصلح
ذهاب حق أحد فانه يتعدى به الحكم إلى غير مورده .
والاظهر هو الاول : إذ الاطلاق يقيد بمفهوم الشرط والحصر
، والتعليل لو سلم
دلالته على ذلك لا يصلح لمعارضة الكتاب بعد كون النسبة
عموما من وجه كما لا يخفى
مع أنه مجمل إذ ليس محل الكلام ما لو حصل العلم من قول
الشاهدين فان حجية
العلم ذاتية من أي شئ حصل ، بل ما لو لم يحصل العلم ،
وعليه فالحق غير ثابت ، وإن
كان المراد به الحق المحتمل ، فيحتمل عدم تحقق الوصية
وذهاب حق الوارث بالقول .
5.
إحلاف
الذميين بالصورة المذكورة في الآية الكريمة : ( تحبسونهما من بعد
الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشترى به ثمنا ولو
كان ذا قربى ولا نكتم شهادة
الله ) ( 1 ) ، اعتبره المصنف - ره - في بعض كتبه وجعله
في المسالك أولى وقواه في المستند
وتشهد به الآية الكريمة .
ولايراد عليه : بأن الآية مختصة بصورة الارتياب ، يدفعه
: انه ما لم يحصل العلم
فلارتياب متحقق ، فالاظهر اعتباره .
6.
أن تكون
الشهادة في الوصية اعتبار ذلك متفق عليه ، ووجهه اختصاص
الادلة من الآية والنصوص بها .
...............................................................................
( 1 ) سورة المائدة آية 106 . ( * )
] ولا تقبل شهادة الفاسق إلا مع التوبة [
7.
كون الوصية
بالمال خاصة فلا تثبت بشهادة الولاية على صغير وما شاكل اعتبره
جماعة ، واستدل له بالاقتصار على المتيقن من مورد النصوص
، وعن المحقق الاردبيلي ان
به رواية ، ولكن الرواية لم تصل إلينا ، والاقتصار على
المتيقن لا وجه له مع الاطلاق ،
فالاظهر عدم اعتباره .
الثالثة : ( ولا تقبل شهادة الفاسق إلا مع التوبة ) بلا
خلاف ، أما عم قبول
شهادته بدون التوبة فلما دل على اعتبار العدالة مضافا
إلى النصوص المصرحة بذلك
المتقدمة ، وأما قبولها معها فلان التوبة موجبة لرجوع
الفاسق عن الانحراف عن جادة
الشرع إلى الاستقامة فيها وهي كفارة الذنوب وبها يصير
الفاسق عادلا والتوبة تجب ما
قبلها ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، كما تقدم
الكلام في ذلك كله في رسالة
العدالة في كتاب الصلاة .
ويشهد به مضافا إلى ذلك وإلى الآية الكريمة جملة من
النصوص كقوي السكوني
عن أبي عبد الله : " ان أمير المؤمنين - عليه
السلام - قال : ليس يصيب أحد حدا فيقام عليه ثم
يتوب إلا جازت شهادته " ( 1 ) ونحوه خبره ( 2 )
الآخر .
وخبر القاسم بن سليمان الصحيح عمن يصح عنه عن الصادق -
عليه السلام - : عن
الرجل يقذف الرجل فيجلد حدا ثم يتوب ولا يعلم منه إلا
خير أتجوز شهادته ؟ قال - عليه
السلام - : " نعم ما يقال عندكم ؟ " قلت :
يقولون : توبته فيما بينه وبين الله ولا تقبل شهادته
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 36 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 37 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
أبدا . فقال : " بئس ما قالوا ، كان أبي - عليه
السلام - يقول : إذا تاب ولم يعلم منه إلا خير
جازت شهادته " ( 1 ) ونحوها غيرها ، وقد تقدم الكلام
في حقيقة التوبة وانها بماذا تتحقق
وحدها .
إنما الكلام في المقام في خصوص توبة القاذف فإنهم
اختلفوا فيها ، فقيل : يعتبر
فيها اكذاب نفسه فيما قذف به سواء كان صادقا في قذفه أو
كاذبا ، وإلى هذا ذهب
الشيخ في محكى النهاية وجماعة بل نسب إلى المشهور ، وعن
المبسوط والحلي والمصنف :
ان حدها أن يكذب نفسه إن كان كاذبا ، ويعترف بالخطاء إن
كان صادقا .
يشهد للاول النصوص كصحيح ابن سنان عن الامام الصادق -
عليه السلام - : عن
المحدود إذا تاب أتقبل شهادته ؟ فقال : " إذا تاب ،
وتوبته أن يرجع مما قال ويكذب
نفسه عند الامام وعند المسلمين فإذا فعل فان على الامام
أن يقبل شهادته بعد ذلك " ( 2 ) .
وخبر الكناني عنه - عليه السلام - : عن القاذف بعد ما
يقام عليه الحد ما توبته ؟ قال -
عليه السلام - : " يكذب نفسه " ، قلت : أرأيت
إن أكذب نفسه وتاب أتقبل شهادته ؟ قال - عليه
السلام - : " نعم " ( 3 ) .
ومرسل يونس عن أحدهما - عليهما السلام - : في حديث
القاذف وما توبته ؟ قال -
عليه السلام - : " يجئ فيكذب نفسه عند الامام ويقول
قد افتريت على فلانه ، ويتوب مما
قال " ( 4 ) .
واورد على ذلك : بأن القاذف إن كان كاذبا فلا اشكال في
تكذيبه نفسه وإلا
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 36 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 37 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 36 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 36 من كتاب الشهادات حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
فيكون التكذيب كذبا قبيحا ، فالجمع بين النصوص وهذا
التعليل يقتضي البناء على
القول الثاني .
وفيه : أولا : ان الفرار عن الكذب يحصل بالتورية
واعتبارها أقرب إلى النصوص
مما ذكر وانسب بالحكمة المطلوبة للشارع من الستر لما في التصريح
بالتخطئة من
التعريض بالقذف أيضا ، فافساده أكثر من اصلاحه كما صرح
بذلك جماعة منهم
الشهيد الثاني في المسالك ، والسيد في الرياض ، وعن
الشهيد في الدروس .
وثانيا : انه لا مانع من تكذيبه نفسه بعد إطلاق النصوص ،
وتسمية الله القاذف
كاذبا ، قال الله تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم
يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم
ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا واولئك هم
الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد
ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) ( 1 ) إلى قوله تعالى
: ( لولا جاءو عليه بأربعة شهداء
فإذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون ) (
2 ) فيقصد بتكذيبه نفسه جعل الله
تعالى إياه كاذبا ، فالقول الاول أظهر .
والظاهر كما أفاده المشهور اعتبار كون التكذيب عند
الحاكم وعند من قذف
عنده فإذا تعذر ففي ملاء من الناس للتصريح بذلك في
النصوص ، لاحظ صحيح ابن
سنان المتقدم ومرسل يونس ، لكن المرسل مختص بالتكذيب عند
الامام والصحيح
تضمن التكذيب عند المسلمين ومقتضى إطلاقه عدم اعتبار
التكذيب عند خصوص
من قذفه عنده ، اللهم إلا أن يبنى على ذلك بواسطة مناسبة
الحكم والموضوع ، فان
حكمة اعتبار ذلك تبرئة المقذوف من ما قذف به ، وهذا
يناسب تبرئته عند من قذف
عنده أو اطلع عليه ، والله العالم .
...............................................................................
( 1 ) سورة النور الآيتان 4 - 5 . ( 2 ) سورة النور آية
13 . ( * )
] ولا تقبل شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه [
وزاد بعض الاصحاب ، اشتراط اصلاح العمل على التوبة في
قبول شهادة
القاذف للآية الكريمة المتقدمة ، والاظهر هو ما في
الشرائع والمسالك : من الاكتفاء
بالاستمرار على التوبة لتحقق الاصلاح بذلك ، وفي الرواية
السابقة ما يدل عليه .
الرابعة : ( ولا تقبل شهادة الشريك لشريكه فيها هو شريك
فيه ) بلا خلاف فيه في
الجملة ، وليس الوجه في ذلك كونه متهما لما مر من عدم
كون التهمة من حيث هي ما لم
تكن منافية للعدالة مانعة عن قبول الشهادة ، ولاجر النفع
لانه أيضا ليس من الموانع إذ
العادل لا يجر النفع بغير الحق . والنبوي المتضمن للنهي
عن جواز شهادة الجار إلى
نفسه منفعة ( 1 ) ضعيف السند ومجمل ، مع ان الشريك في
شهادته بحق ثابت لشريكه لا
يجر النفع إلى نفسه . ولا ما قيل كما عن بعض الاساطين من
أن الشريك إن شهد
لشريكه فيما هو شريك فيه لا يخلو الامر من أنه إما أن
تقبل شهاته بالنسبة إلى الثابت
لهما ، أو تقبل بالنسبة إلى خصوص الحق الثابت لشريكه ،
أو لا تقبل بالنسبة إليهما .
ويلزم من الاول قبول شهادة الانسان لنفسه وهي لا تقبل
قطعا للاجماع ولان
المتبادر بل الظاهر من النصوص بل النصية في كثير منها
إرادة الاخبار للغير حتى
صحيح ابن أبي يعفور المتقدم حيث قال : حتى تقبل شهادة
لهم وعليهم . ولان المجعول
الحلف على المدعى عليه مع عدم البينة للمدعي ، فلو كان
شهادة الانسان لنفسه
مسموعة ، كان يكتفى بها مع يمينه لان الشاهد الواحد مع
اليمين بمنزلة البينة .
وبالجملة لا خلاف ولا كلام في عدم قبول شهادة الانسان
لنفسه .
...............................................................................
( 1 ) المستدرك باب 24 من كتاب الشهادة حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
ولازم الثاني التفكيك بين المتلازمين ، فيتعين الثالث .
فانه يرد عليه : انه لا محذور في التفكيك بين المتلازمين
بحسب الواقع عند قيام
الحجة على أحدهما دون الآخر في الظاهر .
بل الوجه في ذلك ، النصوص الخاصة وهي طوائف :
الاولى : ما يدل على عدم قبول شهادة الشريك لشريكه مطلقا
كموثق البصري
عن أبي عبد الله - عليه السلام - عن ثلاثة شركاء شهد اثنان على واحد ؟ قال
- عليه السلام - : " لا
تجوز شهادتهما " ( 1 ) . بناء على ارادة معنى اللام
من لفظ على وان المراد على أمره .
وخبر محمد بن الصلت عن أبي الحسن الرضا - عليه السلام -
عن رفقة كانوا في طريق
فقطع عليهم الطريق وأخذوا اللصوص فشهد بعضهم لبعض ؟ قال
- عليه السلام - : " لا
تقبل شهادتم إلا بإقرار من اللصوص أو شهادة من غيرهم
عليهم " ( 2 ) .
الثانية : ما يدل على قبولها كخبر عبد الرحمان عن أبي
عبد الله - عليه السلام - عن ثلاثة
شركاء ادعى واحد وشهد الاثنان ؟ قال - عليه السلام - :
" يجوز " ( 3 ) .
ولا يرد عليه بأن الظاهر كونه عين الموثق الاول رواه
الكليني مع اضافة كلمة لا ،
والشيخ بدونها . وحيث ان الكليني أضبط والاصل عند تعارض
النقلين يقتضي البناء
على وجود الزائد فالمتبع هو الاول ولا يعتمد على هذا
الخبر ، فإن ذلك فيما إذا احتمل
الخطاء في حذف الزائد ، وفي الخبر لا يحتمل ذلك لان
الشيخ بعد نقله قال : الوجه فيه
أن نحمله على ما لو شهدا على شئ ليس لهما فيه شركة .
اللهم إلا أن يعمل الاصل
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 27 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 27 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 27 من كتاب الشهادات حديث 4 . ( * )
] ولا الوصي فيما له الولاية فيه وكذا الوكيل [
المذكور بالنسبة إلى القاسم الراوي عن أبان ، في نقل
الشيخ وأحمد بن الحسن الميثمي
الراوي عنه ، في خبر الكليني إن ثبت وحدة الخبرين كما هو
الظاهر من وحدة السائل
والمسؤول عنه ومورد السؤال .
الثالثة : ما يدل على التفصيل ، كمرسل أبان المجمع على
تصحيح ما يصح عنه
مع انه في الفقيه من غير ارسال عن أبي عبد الله - عليه
السلام - عن شريكين شهد أحدهما
لصاحبه ؟ قال - عليه السلام - : " تجوز شهادته إلا في شئ له فيه نصيب " ( 1 ) وبهذا
المرسل يقيد
إطلاق كل من النصوص المتقدمة فتكون النتيجة عدم قبول
شهادته له فيما هو شريك
فيه وقبوله فيما لا يكون شريكا فيه ، فلا اشكال في الحكم .
الخامسة : ( و ) المشهور بين الاصحاب كما في المسالك :
انه ( لا ) تقبل شهادة
( الوصي فيما له الولاية فيه وكذا ) لا تقبل شهادة (
الوكيل ) فيما هو وكيل فيه . وفي
الرياض : انها شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا كما هو ظاهر
جماعة ربما توجب المصير
إلى ما هنا من المنع ، ولذا صار إليه أكثر من تأمل فيه
بما ذكرناه ، انتهى . وعن الشيخ في
النهاية : قبول شهادة الوصي مطلقا .
وتنقيح القول في الوصي يقتضي أن يقال : إنه تارة يكون
مدعيا بأن ادعى
للصغير على الغير . واخرى يكون المدعي غيره . وعلى
الثاني قد يكون المدعى به مما يرجع
إلى ولايته . وقد يكون مما لا يرجع إليه كما لو شهد بحق
الوارث وكان وصيا على الثلث
مثلا وفرض استيفائه له .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 27 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
أما في الصورة الاولى فلا اشكال في عدم قبول شهادته لما
دل على أن البينة على المدعي
ولا تقبل شهادته وقد تقدم .
وأما في الصورة الثالثة فلا ينبغي التوقف في القبول .
إنما الكلام في الصورة الثانية ، فقد يستدل لعدم القبول
، بكونه متهما ، واخرى
بأنه يجر النفع إلى نفسه . وقد مر ما فيهما ، فالاظهر هو
القبول لعموم الادلة .
ويشهد له مضافا إلى ذلك : مكاتبة الصفار إلى أبي محمد -
عليه السلام - : هل تقبل
شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ؟
فوقع - عليه السلام - : " إذا
شهد معه آخر عدل فعلى المدعي يمين " ، وكتب : أيجوز
للوصي أن يشهد لوارث الميت
صغيرا أو كبيرا وهو القابض للصغير وليس للكبير بقابض ؟
فوقع - عليه السلام - : " نعم ،
وينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم الشهادة " ،
وكتب : أو تقبل شهادة الوصي على
الميت مع شهاد آخر عدل ؟ فوقع - عليه السلام - : "
نعم من بعد يمين " ( 1 ) .
واورد عليها : تارة بما عن كشف اللثام من أنها تدل على
أن له الشهادة ولا تدل
على قبولها . واخرى : بأنها تدل على اعتبار ضم اليمين
ولعله من جهة عدم الاعتناء
بشهادته ولاكتفاء بشاهد آخر مع اليمين . وثالثة : بأن
إطلاقها يشمل الصورة الاولى .
ولكن يندفع الاول : بأن السؤال انما هو عن قبول شهادته
لا عن جوازها تكليفا
فانه من الواضحات .
والثاني : بأن اعتبار اليمين لعله استحبابي للاستظهار
نحو ما ورد في غيره من
وصايا أمير المؤمنين - عليه السلام - لشريح ، أو يفرض
كون المدعى عليه بدين ميتا فيكون
اليمين للاستظهار ، وعلى أي حال ليس الوجه فيه ما احتمل
، فإن الاكتفاء بشاهد
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 28 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
] ولا العدو [
ويمين انما هو مع عدم إمكان اقامة البينة على أن الاكتفاء
بهما حينئذ لا يعتبر فيه شهادة
الوصي فلا يكون وجه لقوله إذا شهد معه آخر . . . إلخ .
أضف إلى ذلك انه حكم باعتباره
حتى في الشهادة على الميت .
والثالث : يندفع بأن الظاهر كون الخبر بصدد بيان حكم
شهادة الوصي من
حيث هو مع قطع النظر عن العناوين الاخر المنطبقة عليه في
بعض الاحيان كعنوان
المدعي ، ولذلك لا مجال للتمسك بإطلاقها والحكم بقبول
شهادة الوصي وإن كان
شريكا أيضا ، مع انه لو تم ما ادعى من الاطلاق يقيد
إطلاقه بالاخبار الدالة على عدم
قبول شهادة المدعي لنفسه بعد كون النسبة عموما من وجه
والترجيح معها .
وبما ذكرناه يظهر حكم الوكيل فانه إن كان مدعيا لا تقبل
شهادته وإلا فلا مانع
من قبوله .
السادسة : ( و ) قالوا ( لا ) تقبل شهادة ( العدو ) الدنيوي على عدوه
وتقبل له ولغيره
وعليه ، وفي المسالك دعوى الاجماع على الاول ، وفي الجواهر
بل الاجماع بقسميه عليه .
واستدل للأول : بأن العداوة من أسباب التهمة ، ولا تقبل
شهادة المتهم ،
وبصدق الخصم على العدو ، وقد دلت النصوص على عدم قبول
شهادة الخصم ( 1 ) وقد
تقدمت ، وبخبر معاني الاخبار قال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم : " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي
غمز على أخيه ولا ظنين " الحديث ، قال الصدوق :
الغمز : الشحناء والعداوة ( 2 ) .
وبخبر إسماعيل عن الامام الصادق - عليه السلام - عن أبيه
عن آبائه - عليهم السلام - قال :
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 30 من كتاب الشهادات .
( 2 ) الوسائل باب 32 من كتاب الشهادات حديث 8 . ( * )
[ . . . ]
" لا تقبل شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في الدين " ،
والشحناء : العداوة ( 1 ) .
ولكن الاول قد عرفت ما فيه ، مع أن للمنع عن كون العداوة
من أسباب التهمة
مطلقا مجالا واسعا ، فان سببها إن كانت توجيه ضرر إليه
من قتل ولد وما شاكل وكان
العدو في غاية العدالة لا نسلم صدق التهمة سيما إذا كان
المدعى به شيئا قليلا .
والثاني يندفع : بأن الخصم في اللغة والعرف بمعنى
المجادل والمنازع لا العدو ،
والنسبة بينهما عموم من وجه ، فانه ربما يكون طرف النزاع
والمخاصمة هو العدو ، وربما
يكون غيره ، فتلكم النصوص تدل على عدم قبول شهادة المنكر
على المدعي والمدعي
على المنكر ، ولا ربط لها بالمقام .
وأما الثالث فيرد عليه : ان الغمز ليس مطلق العداوة بل
هو الطعن عليه والسعي
به شرا وإظهار ما فيه من النقيصة ، وهذا بنفسه من أسباب
الفسق .
وأما الرابع : فلان الشحناء ليست مطلق العداوة ، قال في
المنجد : الشحناء
للعداوة امتلأت منها النفس فهو أخص من المدعى ، مع أنه
أعم من وجه آخر فإنه
يشمل العداوة الدنيوية والدينية ، وأيضا يشمل الشهادة له
وعليه ولغيره وعليه .
وعلى هذا فإن ثبت إجماع وإلا فللمنع عن عدم قبول شهادته
إن كان عادلا مجال
واسع .
والشهيد الثاني - ره - في المسالك وقبله غيره وكذا بعده
أوردوا : على اعتبار هذا
الشرط بأنه يشكل فرض العدالة مع العداوة الدنيوية ، فان
عداوة المؤمن وبغضه لا لامر
ديني والفرح بمساءته والحزن بمسرته معصية موجبة بنفسها
أو بالاصرار عليها الفسق
المانع من قبول الشهادة ، فهذا لا يكون شرطا آخر وراء
اشتراط العدالة .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 32 من كتاب الشهادات حديث 5 . ( * )
] ولا شهادة الولد على الوالد [
وأجابوا عنه تارة بأنها معصية صغيرة فإذا لم يصر عليها
يكون عادلا وغير فاسق ،
فيظهر ثمرة اعتبارها ، ذكره في المسالك . واخرى بحمل
العداوة على عداوة غير المؤمن .
وثالثة : بأن عداوة المؤمن حرام إذا كانت بغير موجب .
والتحقيق أن يقال : إن العداوة القلبية غير اختيارية فلا
يعقل توجه النهي إليها
وكونها معصية وإنما يكون المحرم اظهارها بما لا يجوز ،
ومن الغريب ما أفاده سيد
الرياض من كون العداوة المفسرة بالمسرة والفرح بالمساءة
والمكروهات الواردة على
صاحبه والمساءة والاغتمام بالمسرة والنعم الحاصلة له ،
عين الحسد الذي هو من الكبائر ،
فإن الحسد بمعنى كراهة النعمة عن المحسود التي هي أمر
قلبي لا يكون حراما
ومعصية فضلا عن كونه من الكبائر ، وعلى هذا يحمل ما في
حديث ( 1 ) الرفع المعروف من
عد الحسد أحد التسعة المرفوعة عن هذه الامة .
السابعة : ( ولا ) تقبل ( شهادة الولد على الوالد ) كما
عن الصدوقين والشيخين
والقاضي وسلار وابن حمزة والحلي والمحقق والمصنف وولده
والشهيد وغيرهم ، بل هو
المشهور كما في المسالك وعن غيرها ، وعن الخلاف الاجماع عليه .
ويشهد له : مرسل الصدوق قال في خبر آخر : لا تقبل شهادة
الولد على الوالد ( 2 ) ،
المنجبر ضعفه بعمل الاصحاب .
وقد يستدل له أيضا بقوله تعالى : ( وصاحبهما في الدنيا
معروفا ) ( 3 ) وليس من
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 56 من أبواب جهاد النفس .
( 2 ) الوسائل باب 26 من كتاب الشهادات حديث 6 .
( 3 ) سورة لقمان آية 15 . ( * )
[ . . . ]
المعروف الشهادة عليه والرد لقوله واظهار تكذيبه فيكون
ارتكاب ذلك عقوقا مانعا من
قبول الشهادة .
ويرده ما في المسالك من أن قول الحق ورده عن الباطل وتخليص ذمته من الحق
عين المعروف كما نبه عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم
:
"
انصر أخاك ظالما أو مظلوما " فقيل : يا رسول الله
كيف أنصره ظالما ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم :
" ترده عن ظلمه فذاك نصرك إياه " ولان إطلاق
النهي عن
عصيان الولد يستلزم وجوب طاعته عند أمره له بارتكاب
الفواحش وترك الواجبات
وهو معلوم البطلان ، انتهى .
مضافا إلى أنه لو تم لاقتضى عدم قبول الشهادة على
الوالدة أيضا ولم يقولوا به .
وعن السيد وجماعة قبول شهادته عليه كقبول شهادته له ،
واستدل لذلك بقوله
تعالى : ( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم
أو الوالدين والاقربين ) ( 1 ) ،
وبقوله تعالى : ( وأشهدوا ذوى عدل منكم ) ( 2 ) .
وبخبر علي بن سويد السائي عن أبي الحسن - عليه السلام -
في حديث ، قال : كتب
إلي في رسالته إلي : " سألت عن الشهادات لهم ، فأقم
الشهادة لله ولو على نفسك أو
الوالدين والاقربين " ( 3 ) ونحوه خبر داود بن
الحصين ( 4 ) .
ولكن الآية الاولى ليست نصا في الشهادة على الحي ولا
خلاف في قبولها على
الميت مع أن الظاهر من الآية الكريمة كونها في مقام بيان
تقديم حقوق الله تعالى على
النفس أو الوالدين لقوله تعالى : ( شهداء لله ) ولم يقل شهداء
لغيركم من الناس ، لا
...............................................................................
( 1 ) سورة النساء آية 135 . ( 2 ) سورة الطلاق آية 2 .
( 3 ) الوسائل باب 3 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 19 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
] ويجوز العكس ، وتقبل شهادة كل منهما لصاحبه
، [
خصوص الشهادة بالمعنى الاخص .
أضف إليه ما قيل من أن وجوب تحمل الشهادة وكذا أدائها لا
يستلزم القبول
فإنه يمكن أن يكون لفوائد اخر من صيرورته جزء للاستفاضة
العلمية أو قرينة لافادة
العلم فيما إذا حصلت امور اخر ، بل اظهار الحق في نفسه
له فائدة جليلة من أعظم
الفوائد ، كيف وقد أمرنا بالانكار القلبي للمنكر وفائدة
اظهار الحق ولو لم يقبل لا تكون
أقل من فائدته .
بذلك كله يظهر ما في الاستدلال بالخبرين ، وأما الآية
الثانية فالخبران المتقدمان
أخص مطلق منها فيقدمان عليها ، فالاظهر عدم قبول شهادة
الولد على الوالد .
(ويجوز العكس ) أي تقبل شهادة الوالد على الوالد ( و )
أيضا ( تقبل شهادة كل
منهما لصاحبه ) أي تقبل شهادة الولد للوالد والعكس ،
وتجوز شهادة بقية ذوي الارحام
والقرابات بعضهم على بعض ، وعن الانتصار : ان ذلك مما
انفردت به الامامية ، وفي
المسالك ليس من أسباب التهمة عندنا العصبة ، فتقبل شهادة
جميع الاقرباء لاقربائهم ،
وفي الجواهر بل الاجماع بقسميه عليه .
ويشهد به مضافا إلى الاطلاقات والعمومات : صحيح الحلبي
عن الامام
الصادق - عليه السلام - : " تجوز شهادة الولد
لوالده والوالد لولده والاخ لاخيه " ( 1 ) ونحوه
صحيحا أبي بصير وعمار بن مروان ( 2 ) ، موثق سماعة ( 3 )
، وقوي السكوني ( 4 ) .
وهل يشترط في قبول شهادة القريب ضم شاهد آخر عدل أجنبي
لكمال العدد
لا يكفي ضم قريب آخر مماثله أو غير مماثله ولا ضم اليمين
كما عن الشيخ في النهاية ،
أم لا يعتبر ذلك كما هو المشهور بين الاصحاب ؟ الظاهر هو
الثاني لاطلاق الادلة .
...............................................................................
( 1 - 2 - 3 ) الوسائل باب 26 من كتاب الشهادات . ( * )
] وكذا الزوجان [
واستدل للاول بخبر السكوني عن جعفر - عليه السلام - عن
أبيه - عليه السلام - : " ان
شهادة الاخ لاخيه تجوز إذا كان مرضيا ومعه شاهد آخر
" ( 1 ) .
وفيه : مضافا إلى عدم عمل الاصحاب به وأخصيته من المدعي
انه يدل على لزوم
ضم شاهد آخر إلى الاخ وليس فيه تقييد بالاجنبي ، فالظاهر
انه لاجل اكمال العدد .
الصداقة والزوجية لاتمنعان من قبول الشهادة
الثامنة : الصحبة والصداقة وإن كانتا مؤكدتين والضيافة
والزوجية لا يمنع شئ
منها من قبول الشهادة ، فتقبل شهادة كل من المصطحبين
لصاحبه ( وكذا الزوجان )
والصديقان والضعيف ، وعن غير واحد دعوى الاجماع في
الجميع .
ويشهد بذلك مضافا إليه وإلى إطلاق الادلة ، نصوص خاصة في
الزوجين
والضيف ، لاحظ صحيح الحلبي عن الصادق - عليه السلام - :
" تجوز شهادة الرجل لامرأته
والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها " ( 2 ) .
وصحيح عمار بن مروان عنه - عليه السلام - : عن الرجل
يشهد لامرأته ؟ قال - عليه
السلام - : " إذا كان خيرا جازت شهادته معه لامرأته " ( 3 ) .
وموثق سماعة في حديث سألته : عن شهادة الرجل لامرأته ؟
قال - عليه السلام - :
" نعم " ، والمرأة لزوجها ؟ قال - عليه السلام - :
" لا ، إلا أن يكون معها غيرها " ( 4 ) .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 26 من كتاب الشهادات حديث 5 .
( 2 ) الوسائل باب 25 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 25 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 25 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
وموثق أبي بصير عن الامام الصادق - عليه السلام - :
" لا بأس بشهادة الضيف إذا
كان عفيفا صائنا " الحديث ( 1 ) .
وعن الشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة : انه يعتبر في
قبول شهادة الزوج
والزوجة أن يضم إلى شهادة كل منهما شهادة غيرهما من أهل
الشهادة ، وعن جماعة
آخرين اعتبار ذلك في خصوص شهادة الزوجة ، وعن التحرير
نسبته إلى أصحابنا ،
والمدرك هو صحيح ابن مروان وموثق سماعة ، وهما مختصان
بشهادة الزوجة ، فاسراء
الحكم إلى شهادة الزوج قياس مع الفارق .
وأما في الزوجة فغاية ما يدل عليه الخبران اعتبار انضمام
آخر إليها ولا يدلان على
أن للزوجة خصوصية ، ولعله من جهة أنه لا تقبل شهادة
المرأة الواحدة ، وهذا بخلاف
شهاة الرجل فإنه يكتفى بهذا إذا انضم إليها اليمين ،
والظاهر أنه لذلك لم يعتبر
الاصحاب هذا الشرط ، لا ما عن المصنف - ره - في المختلف
بأن المراد بذلك في
الخبرين كمال البينة من غير يمين ، لانه لو كان المراد
ما أفاده لما كان له بالزوجة
اختصاص ، وقد خصاه بها بل ظاهر الثاني منهما تخصيصه بها
دونه .
التاسعة : المشهور بين قدماء الاصحاب أنه لا تقبل شهادة
الاجير لمن استأجره
وأكثر المأخرين لولا عامتهم ذهبوا إلى قبولها .
مدرك الاول جملة من النصوص منها موثق سماعة : سألته عما
يرد من الشهود ؟
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 29 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
قال - عليه السلام - : " المريب والخصم والشريك
ودافع مغرم والاجير والعبد والتابع والمتهم
كل هؤلاء ترد شهاداتهم " ( 1 ) ، ونحوه مرسل الفقيه
( 2 ) .
ومنها النبوي المروي في معاني الاخبار : " لاتجوز
شهادة خائن - إلى أن قال : - ولا
القانع مع أهل البيت " بضميمة تفسير الصدوق القانع
مع أهل البيت بالرجل يكون مع
القوم في حاشيتهم كالخادم لهم والتابع والاجير ( 3 ) .
ومنها خبر العلا بن سيابة عن أبي عبد الله - عليه السلام
- : " كان أمير المؤمنين - عليه
السلام - لا يجوز شهادة الاجير " ( 4 ) .
ومنها صحيح صفوان عن أبي الحسن - عليه السلام - : عن رجل
أشهد أجيره على
شهادة ثم فارقه أيجوز شهادته له بعد أن يفارقه ؟ قال -
عليه السلام - : " نعم ، وكذلك العبد إذا
اعتق جازت شهادته " ( 5 ) الظاهر بسبب التشبيه
والتقرير في ذلك .
ومدرك الثاني العمومات والمطلقات ، وموثق أبي بصير عن
أبي عبد الله - عليه
السلام - : " وتكره شهادة الاجير لصاحبه ، ولا بأس
بشهادته لغيره ، ولا بأس به له بعد
مفارقته " ( 6 ) بدعوى ارادة الكراهة بالمعنى
المصطلح منها .
وربما يقال : إنه لو تمت النصوص السابقة سندا ودلالة ،
لزم تقييد المطلقات
والعمومات بها ، ولكن يمكن أن يقال : إن النسبة بينها
وبين ما دل على قبول شهادة
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 32 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 32 من كتاب الشهادات حديث 7 .
( 3 ) الوسائل باب 32 من كتاب الشهادات حديث 8 .
( 4 ) الوسائل باب 29 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 5 ) الوسائل باب 29 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 6 ) الوسائل باب 29 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
العادل عموم من وجه فيتعارضان ويرجع إلى المرجحات ، وحيث
إن من أدلة قبول
شهادة العادل آيات من الكتاب ، فتقدم تلك الادلة وتختص
هذه بالاجير غير العادل ،
مع أن صحيح صفوان لا يدل على المنع من قبولها لعدم
المفهوم له ولم يفرض في السؤال
عدم القبول حتى يكون تقريره - عليه السلام - دالا عليه .
وأما خبر العلا فضعيف السند لجهالته ، وأما النبوي
فتفسير الصدوق - قده -
غير حجة لنا ، وأما مرسل الفقيه فلارساله لا يعتمد عليه .
فلم يبق إلا موثق سماعة ، وحيث إنه لا يمكن الالتزام
بإطلاق رد شهادة الاجير
ولو لغير من استأجره عليه وعلى من استأجره ولم يلتزم به أحد
وتقييد إطلاقه بموثق أبي
بصير وغيره مستلزم لتخصيص الاكثر المستهجن ، فيكون
المراد به الاجير الخاص ، فهو
مجمل لا يستند إليه ، فالاظهر قبول شهادته .
وأما السائل بكفه ، فالمشهور بين الاصحاب عدم قبول
شهادته . والمراد به من
جعل السؤال ديدنا له ويسأل الخلق في أبواب الدور وفي
الاسواق والدكاكين
والحجرات لانه المتبادر من هذا التركيب كما صرح به بعض
المحققين فمن يسأل
أحيانا لحاجة دعته إليه لا يصدق عليه هذا العنوان .
فاستثناء الحلي والمحقق والشهيد الثاني وغيرهم من
المتأخرين ومتأخريهم من
دعته الضرورة إلى ذلك استثناء منقطع .
وكيف كان فيشهد للحكم نصوص : كصحيح علي بن جعفر عن أخيه
- عليه
السلام - : عن السائل الذي يسأل بكفه هل تقبل شهادته ؟
فقال - عليه السلام - : " كان أبي - عليه
السلام - لا يقبل شهادته إذا سأل في كفه " ( 1 ) .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 35 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
] ولا تقبل شهادة المتبرع [
وموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر - عليه السلام - :
" رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهادة
السائل الذي يسأل في كفه - قال أبو جعفر - عليه السلام - : لانه لا يؤمن على الشهادة وذلك
لانه إن اعطي رضى ، وإن منع سخط " ( 1 ) ، ونحوهما
غيرهما فلا اشكال في الحكم .
وقد يقال : إنه من التعليل في الموثق لعدم قبول الشهادة
يستفاد عدم حرمة
السؤال بالكف من حيث هو وإلا كان الاولى التعليل بكونه
فاسقا .
وفيه نظر : فإنه يمكن أن يكون وجه عدم التعليل بالحرمة
لزوم حمل أفعال
المسلمين وأقوالهم على الصحة لعدم اتصاف كل سؤال بالحرمة
بل على القول بها الذي
لا تدعو إليه حاجة ولا ضرورة .
قال في الجواهر : ولكن لا يخفى عليك ان هذا بعد فرض
معلومية حرمة السؤال
ولو بالكف مع فرض عدم التدليس به كما لو صرح بغنائه عن
ذلك ، وهو وإن كان
مغروسا في الذهن والنصوص مستفيضة بالنهي عن سؤال الناس ،
لكن كثيرا منها
محمولة على بعض مراتب الاولياء وهو الغنى عن الناس
والالتجاء إلى الله تعالى ، وآخر
منها محمول على المدلس باظهار الحاجة والفقر لتحصيل
المال من الناس بهذا العنوان
وهم الذين يسألون الناس إلحافا عكس الذين يحسبهم الجاهل
أغنياء من التعفف ، وأما
حرمة السؤال من حيث كونه سؤالا ولو بالكف فلا دليل يطمأن
به على حرمته وإن كان
ذلك مغروسا في الذهن ، فتأمل ، انتهى .
العاشرة : ( و ) قد صرح غير واحد بأنه ( لا تقبل شهادة
المتبرع ) بأن يؤدي الشهادة
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 35 من كتاب الشهادات حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
قبل الاستنطاق وطلب الحاكم إياه من الشاهد سواء كان قبل
دعوى المدعي أم بعدها
بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد .
واستدلوا له تارة بتطرق التهمة بذلك ، واخرى بالعلوي :
" تقوم الساعة على قوم
يشهدون من غير أن يستشهدوا " مع ما ورد أنها تقوم
على شرار الخلق ( 1 ) ، والنبوي الوارد
في مقام الذم : " ثم يفشو الكذب حتى يعجل الرجل
بالشهادة قبل أن يسأل عنها " ( 2 ) .
ولكن قد عرفت أن التهمة من حيث هي ليست من موانع القبول
، مع أنه يمكن
منع التهمة في جميع الموارد ، وقد أطال البحث بعض
المحققين في ذلك وبيان صور
شهادة المتبرع وإثبات منع التهمة في جملة من الموارد ،
وأنه ليس الغالب في شهادة المتبرع
وجود التهمة . لا يهمنا التعرض له بعد عدم كونها من
الموانع ، وإن كان ما أفاده متينا
جدا فإن تطرق التهمة إلى الشاهد الذي عينه المدعي
واستدعى منه الشهادة أقرب من
المتبرع إليها ، مع أن عدالته مانعة عن تطرقها ، وأما
الخبران فمضافا إلى ضعف سنديهما ،
ومعارضتهما بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " ألا أخبركم بخير
الشهود ؟
"
قالوا : بلى يا رسول الله ، قال صلى الله عليه وآله وسلم :
" أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد " ( 3 ) والجمع بينهما
بحمل الاولين على الشهادة في
حقوق الناس ، والثالث على الشهادة في حقوق الله تعالى
كما في المسالك ، تبرعي لا
شاهد به ، انهما إنما يدلان على الذم والجرح والفتوى به
غير مشهورة ، بل في السمالك : انه
ليس جرحا عندنا ولا يدلان على عدم القبول .
...............................................................................
( 1 )
المستدرك باب 46 من أبواب الشهادات حديث 2 .
( 2 ) المستدرك باب 46 من أبواب الشهادات حديث 8 .
( 3 ) لم أظفر به في كتب الحديث وقد ذكره الفقهاء في كتب
الفتوى كالمستند وكشف اللثام وغيرهما
وبمضمونه روايات في كتب العامة راجع صحيح مسلم الجزء
الثالث باب بيان خير الشهود
وسنن أبي داود ج 3 ص 305 . ( * )
] ولا تقبل شهادة النساء في الهلال [
فالحق الاعتراف بعدم الدليل عليه سوى الاجماع الذي ادعوه
في المقام إن ثبت
وكان تعبديا غير مستند إلى ما ذكر ، وكلاهما محل تأمل .
فالاظهر ما عن الحلي والمحقق
الاردبيلي ، وفي المستند من القبول ومال إليه صاحب الكفاية
، ولكن مخالفة الاصحاب
مشكلة ، والاحتياط طريق النجاة .
نعم لا اشكال في قبول شهادته لو أعاد الشهادة بعد طلب
الحاكم كما لا ينبغي
التوقف في قبول شهادته في حقوق الله تعالى كما هو
المشهور بين الاصحاب .
أضف إلى ما ذكرناه ما في المسالك : ان هذه الحقوق لا مدعي
لها ، فلو لم يشرع
فيها التبرع لتعطلت ، وهو غير جائز ، ولانه نوع من الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر
وهو واجب ، واداء الواجب لا يعد تبرعا ، انتهى .
ومما ذكرناه يظهر الحكم في الحق المشترك بين الله تعالى
وبين الآدمي ، وان الوجه
القبول في حق الله والتوقف في حق الآدمي ، فيقطع بالسرقة
بشهادة المتبرع ويتوقف في
التغريم .
شهادة النساء في الهلال والطلاق والحدود
الحادية عشر : المشهور بين الاصحاب أن من شرائط الشهادة
الذكورة في الجملة
بمعنى أنها تشترط في بعض الحقوق دون بعض .
وتفصيل القول في ذلك : ان شهادة النساء لا تقبل في جملة
من الموارد لا منفردة
ولا منضمة إلى شهادة الرجال ، وفي بعض الموراد تقبل
منضمة إلى شهادة الرجال ولا
تقبل مع الانفراد ، وفي بعض الموراد تقبل مطلقا ،
فالكلام في موارد :
( و ) الاول : ما ( لا تقبل ) فيه ( شهادة النساء )
والكلام فيه في ضمن فروع :
1.
المشهور
بينهم عدم قبول شهادة النساء ( في الهلال ) بل بلا خلاف بينهم ،
] والطلاق ، والحدود [
وعليه الاجماع في كثير من الكلمات ، ولم يخالف فيه أحد
إلا العماني حيث ذهب إلى قبول
شهادتهن مع الرجال في كل شئ .
ويشهد به : نصوص كثيرة كصحيح ابن سنان عن الامام الصادق
- عليه السلام - : "
لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال " ( 1 ) .
وصحيح محمد بن مسلم : " لا تجوز شهادة النساء في
الهلال ولا في الطلاق " ( 2 ) .
وصحيح العلاء عن أحدهما - عليهما السلام - : " لا
تجوز شهادة النساء في الهلال " ( 3 ) ،
ونحوها غيرها من النصوص المستفيضة .
ولا يعارضها خبر داود بن الحصين في حديث طول : لا تجوز
شهادة النساء في
الفطر إلا شهادة رجلين عدلين ولا بأس في الصوم بشهادة
النساء ولو امرأة واحدة ( 4 ) ، لما
عن الشيخ من أن الوجه فيه أن يصوم الانسان بشهادتهن
استظهارا واحتياطا دون أن
يكون ذلك واجبا ، وقد مر الكلام فيه في كتاب الصوم .
2.
لا اشكال ( و
) لا خلاف يعتد به في أنه لا تقبل شهادة النساء في ( الطلاق )
وقد مر الكلام فيه في كتاب الطلاق .
3.
(و ) المشهور
أنه يعتبر في شهود ( الحدود ) الذكورة ، فلا تقبل شهادة النساء
فيها إلا ما استثني مما ستأتي الاشارة إليه ، وعن بعض
متأخري المتأخرين الاتفاق عليه .
ويشهد به : خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي
- عليهم السلام - : " لا
تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القود " ( 5 )
، ومثله خبر إسماعيل ( 6 ) .
وصحيح جميل ومحمد بن حمران عن أبي عبد الله - عليه
السلام - قال : قلنا : أتجوز
...............................................................................
( 1 - 2 - 3 - 4 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات .
( 5 - 6 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات . ( * )
[ . . . ]
شهادة النساء في الحدود ؟ قال - عليه السلام - : "
في القتل وحده ، ان عليا - عليه السلام - كان
يقول : لا يبطل دم امرئ مسلم " ( 1 ) .
وخبر السكوني عنه - عليه السلام - عن أبيه عن أمير
المؤمنين - عليه السلام - : " شهادة
النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود إلا في
الديون " الحديث ( 2 ) ، ونحوها
غيرها . وقصور سند الاكثر والتضمن لما لا يقولون به
مجبور بالعمل في ما هو محل
البحث ، مع أن جملة منها صحيح السند غير متضمنة لما لا
يقول به الاكثر .
وأما خبر البصري عن الامام الصادق - عليه السلام - :
" تجوز شهادة النساء في الحدود
مع الرجال " ( 3 ) فبالشذوذ خارج عن الحجية .
وقد يلحق بالحدود التعزيرات بل قيل : إنه المشهور بين
الاصحاب ، بل ظاهر
المستند كونه مجمعا عليه ، ولا دليل عليه سوى الاصل ،
والاجماع ، والالحاق بالحدود ،
ولكن الاصل يخرج عنه بما دل على قبول شهادة النساء مطلقا
كخبر عبد الكريم أخي
عبد الله بن أبي يعفور عن أبي جعفر - عليه السلام - :
" تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كن
مستورات من أهل البيوتات معروفات بالستر والعفاف ،
مطيعات للازواج تاركات
للبذا والتبرج إلى الرجال في أنديتهم " ( 4 ) .
وإطلاق النصوص الدالة على قبول شهادة العدول فإنها غير
مختصة بالرجال ،
فالاصل الثانوي قبول شهادتهن ، فإن قيل : إن خبر السكوني
المتقدم الذي هو قوي
سندا بمفهوم الحصر يدل على عدم قبول شهادتهن في غير
الديون وما لا يستطيع الرجال
النظر إليه .
...............................................................................
( 1 - 2 - 3 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات .
( 4 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 20 . ( * )
[ . . . ]
قلنا مع الاغماض عن تضمنه لعدم جواز الشهادة على النكاح
وقد دلت
النصوص على جوازها كما يأتي ، ان الاستثناء منقطع لا
مفهوم له ولو كلف بما يجعله
متصلا ينحصر مفهومه حينئذ بما دل الدليل على عدم قبول
شهادتهن بالنسبة إليه وهي
الحدود والطلاق والنكاح . وأما الاجماع فمدرك المجمعين
يحتمل أن يكون ذلك ، أو
الالحاق بالحدود . أما ما ذهب إليه جماعة من عدم قبول
شهادتهن في حقوق الله تعالى
مطلقا فستعرف عدم تماميته . وأما الالحاق بالحدود فهو
قياس فالاظهر عدم الالحاق .
وقد استثني من الحدود الرجم ، وقيل : إنه تقبل شهادتهن
مع الرجال في الرجم
على تفصيل يأتي في كتاب الحدود .
شهادة النساء في النكاح والرضاع
4.
اختلف
الاصحاب في قبول شهادة النساء مع الرجال في النكاح ، فعن المفيد
والخلاف وسلار وابن حمزة والحلي وظاهر التحرير : المنع ،
وعن القديمين والصدوقين
والتهذيبين وابن زهرة والمحقق والمصنف في أكثر كتبه
وولده والشهيد وغيرهم من
المتأخرين : القبول . وقد نسب ذلك إلى الاكثر وعن الغنية
الاجماع عليه ، دليل المنع خبر
السكوني المتقدم ، ودليل القبول صحيح الحلبي عن الامام
الصادق - عليه السلام - : عن
شهادة النساء في النكاح ؟ فقال - عليه السلام - : "
تجوز إذا كان معهن رجل " ( 1 ) . ومثله اخبار :
زرارة ، وأبي الصباح ، وابن الفضيل ، وأبي بصير ، وابن
الحصين ، والحارثي ( 2 ) .
وفي المسالك يمكن الجمع بينهما بحمل أخبار المنع على ما
إذا كان المدعي الزوج
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 11 - 25 - 7 - 4 -
35 - 5 . ( * )
[ . . . ]
فإنه لا يدعي مالا ، واخبار القبول على ما إذا كان
المدعي المرأة لانها تتضمن المال من
المهر والنفقة وهذا متجه ، انتهى .
وفيه : انه جمع تبرعي لا شاهد له ، فالاظهر تققيد إطلاق
خبر السكوني باخبار
القبول لانه يدل على عدم القبول مطلقا مع الانفراد أو
الانضام إلى الرجل ونصوص
القبول تدل على أن شهادتهن تقبل مع الرجال ، وإن أبيت عن
ذلك فهما متعارضان
والترجيح لنصوص القبول ، فالمتجه ذلك .
5.
في قبول
شهادة النساء في الرضاع المحرم خلاف بين الاصحاب ، فبين مانع
عنه كالشيخ في بعض كتبه والحلي والمصنف في التحرير على
المحكى ونسب إلى الاكثر
وعن المبسوط نسبته إليهم مشعرا بالاجماع عليه ، وبين من
جعله القبول أظهر كالمفيد
والعماني والاكافي وسلار وابن حمزة والمحقق والمصنف في كتبهما
وكذا الشهيدان
وغيرهم من المتأخرين .
واستدل للاول : بالاجماع ، والروايات التي نسب الشيخ في
المبسوط القول بالمنع
إليها ، وبأصالة عدم القبول مع عدم وضوح مخصص لها من
الادلة ولكن الاجماع
موهون بذهاب الاكثر إلى خلافه حتى مدعيه في كتاب آخر ،
والروايات المشار إليها
لم تصل إلينا ، ولعل المراد بها ما توهم دلالته على عدم
قبول شهادة النساء وأنه
الاصل فيرجع إلى امراد بها ما توهم دلالته على عدم قبول
شهادة النساء وأنه
الاصل فيرجع إلى الوجه الثالث ، وقد تقدم ما فيه وعرفت
أن الاصل في شهادتهن
هو القبول لخبر عبد الكريم بن أبي يعفور ، ونصوص قبول
شهادة العدول ، فالاظهر
هو القبول .
ويشهد به مضافا إلى ذلك المرسل كالموثق بابن بكير المجمع
على تصحيح ما
يصح عنه عن إبي عبد الله - عليه السلام - في امرأة أرضعت غلاما
وجارية قال : " يعلم ذلك
[ . . . ]
غيرها " ؟ قلت : لا ، قال - عليه السلام - : "
لا تصدق إن لم يكن غيرها " ( 1 ) ، فإن مفهوم الشرط
انها تصدق إذا علم بذلك غيرها ، كان ذلك الغير ذكرا أو
انثى .
وقد استدل له مضافا إلى ذلك كله في الرياض وغيره : بأنه
أمر لا يطلع عليه
الرجال غالبا فمست الحاجة إلى قبول شهادتهن فيه كغيره من
الامور الخفية على الرجال
مع عيوب النساء وغيرها ، للنصوص الكثيرة الدالة عليه
الآتية .
وفيه : انه لم يقيد تلك النصوص بالرجال الاجانب ، ومن
الواضح جواز أن ينظر
إليه في المقام زوج المرضعة وأقربائها المحارم فالعمدة
ما ذكرناه .
شهادة النساء في حقوق الآدمي غير المالية
6.
صرح جماعة
بعدم قبول شهادة النساء لا منفردات ولا منضمات فيما كان من
حقوق الآدمي غير المالي ، ولا المقصود منه المال كالرجعة
والعدة والوكالة والوصاية
والجناية الموجبة للقود والبلوغ والجرح والتعديل والعفو
عن القصاص والاسلام .
واستدلوا له : بالاجماع . وبخبر السكوني المتقدم الدال
على حصر قبول شهادة
النساء في الديون وما لا يستطيع للرجال النظر إليه ،
ولكن الاجماع ممنوع وعلى فرضه كونه
تعبديا غير ثابت ، وخبر السكوني قد عرفت عدم دلالته على الحصر بل قد مر ان الاصل
قبول شهادتهن إلا ما خرج ولم يدل على هذه الكلية دليل من
النصوص ، وإلى ذلك نظر
صاحب الجواهر - ره - حيث إنه بعد ما نقل الكبرى الكلية
عن الدروس ، قال : ولم
أقف في النصوص على ما يفيدها بل فيها ما ينافيها ، قال
المحقق الاردبيلي بعد نقل
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب ما يحرم بالرضاع من كتاب
النكاح حديث 3 . ( * )
] وتقبل مع الرجال في الحقوق [
ذلك : لا أعرفه ولا دليل على ثبوت القاعدة ، والاصل قبول
الشهادة فالاظهر عدم ثبوت
القاعدة المشار إليها .
وقد وقع الخلاف بينهم في أمثلة جعلها بعضهم من الحق
المالي وآخر من غيره ،
وحيث ان الكبرى غير ثابتة فالبحث في الصغريات وإثبات
أنها داخلة تحتها أو عدم
الدخول لا حاصل له فالصفح عنه أولى .
( و ) المورد الثاني : فيما ( تقبل ) فيه شهادة النساء (
مع الرجال ) ولا تقبل منفردات
وقد ذكر المصنف - ره - لذلك موردين :
أحدهما : ما إذا كانت الشهادة ( في الحقوق ) ، ونخبة
القول فيها أن الحق إما أن
يكون من حقوق الله تعالى ، أو يكون من حقوق الآدمي .
أما القسم الاول فالمشهور بين الاصحاب إلحاق جميع حقوق الله
تعالى حتى
المالية كالزكاة والخمس والنذر والكفارة بالحدود فلا
تقبل فيها شهادة النساء مطلقا ،
وصرح بعضهم بعدم الخلاف فيه وآخر بالاتفاق على انحصار
قبول شهادة النساء في
الحقوق المالية الانسانية . ولكن الظاهر من المتن هو
القبول وكذا ما عن الدروس من
التصريح بالقبول في الحقوق المالية مطلقا ، بل يمكن
استظهاره من النهاية والسرائر
حيث لم يتعرضا لالحاق حقوق الله تعالى بالحدود ، ولعله
لذلك اقتصر الشهيد الثاني في
المسالك للاستدلال على الالحاق بالاصل .
وكيف كان فقد استدل للالحاق : بالاصل فإن الاصل عدم قبول
شهادة النساء .
وبالاجماع . وبالنصوص المتقدم جملة منها والآتية اخرى
المتضمنة لقبول شهادتهن في
[ . . . ]
امور خاصة .
بدعوى انها ظاهرة في الاختصاص ، ولكن قد عرفت ان الاصل
المشار إليه لا
أصل له ، وان القاعدة المستفادة من نصوص قبول شهادة
العادل . وخبر ( 1 ) عبد الكريم ،
هي قبول شهادة النساء إلا ما خرج بالدليل والاجماع قد مر
حاله ، والاخبار الخاصة لا
مفهوم لها كي تكون ظاهرة في الاختصاص الموجب لعدم القبول
في غير تلك الموارد إلا
على القول بمفهوم اللقب .
فالمتجه هو القبول ، بل
يمكن الاستدلال في الحقوق المالية للقبول بالنصوص
الآتية في الديون لانها أيضا من الديون حقيقة ، ولذا
استدلوا لوجوب اخراجها من أصل
التركة ، بالآية الكريمة : ( من بعد وصية يوصى بها أو
دين ) ( 2 ) بل يمكن القول بذلك
في مطلق حقوق الله تعالى نظرا إلى ما دل ( 3 ) على أنها
ديون وعلى ذلك بنينا على اخراج
جميع الواجبات حتى البدنية عن أصل التركة راجع ما ذكرناه
( 4 ) .
وربما يستدل له بما دل ( 5 ) على قبول شهادة المرأة
لزوجها مطلقا المتقدم ، فلا ترديد
في القبول .
ثم إنه على المختار فهل يعتبر فيه ضم الرجال أم لا فيه
كلام سيأتي في الديون .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 41 من كتاب الشهادات حديث 20 .
( 2 ) النساء آية 12 .
( 3 ) الوسائل باب 61 من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة حديث 9
وباب 12 من أبواب قضاء
الصلواة حديث 25 - وباب 25 و 29 من أبواب وجوب الحج كتاب
الحج والمستدرك باب 18
من أبواب وجوب الحج .
( 4 ) في ج 5 ص 236 ، وج 9 ص 264 .
( 5 ) الوسائل باب 25 من أبواب الشهادات . ( * )
] والاموال [
وأما حقوق الآدمي ، فما كان مالا أو كان المقصود منه
المال سيأتي حكمه في ذيل
بيان حكم الديون ، وما كان غير مال ولا المقصود منه المال تقدم الكلام فيه في الفرع
الخامس من المورد الاول .
( و ) الثاني من الموردين اللذين ذكرهما المصنف - ره - : (
الاموال ) ، ونخبة القول
فيها انه تارة يقع الكلام في الديون ، واخرى في الاعيان وسائر
الحقوق المالية .
أما الاولى : فبعد ما لا خلاف بينهم ، بل عليه اتفاقهم
انه تقبل شهادة النساء في
الديون في الجملة ، والكتاب والسنة شاهدان به ، قال الله
تعالى : ( فإن لم يكونا رجلين
فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ( 1 ) .
وأما السنة فستمر عليك جملة من النصوص وقع الخلاف بينهم
في أنه هل تقبل
شهادتهن منفردات ؟ عن الرجال كما عن الخلاف والمبسوط
والنهاية والاسكافي والقاضي
وابن حمزة والشرائع والارشاد والقواعد والمختلف وشهادات
التحرير والشهيدين بل قيل
الكليني والصدوق وعن الخلاف الاجماع عليه ، أم يعتبر ضم
الرجال فلا تقبل بدونه ؟
كما عن السرائر والنافع وقضاء التحرير والفاضل المقداد ،
ومنشأ الاختلاف اختلاف
النصوص .
فان منها ما يدل على الاول كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله
- عليه السلام - : " إن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجاز شهادة النساء في
الدين وليس معهن رجل " ( 2 ) .
...............................................................................
( 1 ) سورة البقرة آية 282 .
( 2 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 20 . ( * )
[ . . . ]
ومرسله : " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أجاز شهادة النساء في الدين مع يمين الطالب
يحلف بالله أن حقه لحق " ( 1 ) .
وموثق منصور بن حازم : حدثني الثقة عن أبي الحسن - عليه
السلام - : " إذا شهد
لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز " ( 2 ) ونحوها
غيرها المعتضدة بإطلاق جملة اخرى
من النصوص .
ومنها ما يدل على اعتبار الانضمام كصحيح إبراهيم بن محمد
الهمداني قال :
كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن - عليه السلام - : امرأة شهدت على
وصية رجل لم يشهدها
غيرها وفي الورثة من يصدقها وفيهم من يتهمها ؟ فكتب -
عليه السلام - : " لا إلا أن يكون
رجل وامرأتان وليس بواجب أن تنفذ شهادتها " ( 3 ) .
وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال : قلت
: تجوز شهادة النساء مع
الرجل في الدين ؟ قال - عليه السلام - : " نعم
" ( 4) .
ومرسل يونس المتقدم : استخراج الحقوق بأربعة وجوه بشهادة
رجلين عدلين ،
فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، فإن لم تكن امرأتان
فرجل ويمين المدعي ، فإن لم
يكن شاهد فاليمين على المدعى عليه ( 5 ) ، حيث حصر
الاستحقاق بالاربعة وليس منها
النساء منفردات ، مضافا إلى تصريحه بأنه إن لم يكن رجل
فيمين المدعى عليه .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 31 .
( 3 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 34 .
( 4 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 5 ) الوسائل باب 15 من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء
حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
واستدل للقول الثاني مضافا إلى ذلك : بأن اللازم هو
الاقتصار على المنصوص في
الكتاب ومورد الاجماع .
أما صحيح أبراهيم : فهو معارض بالنصوص الكثيرة الآتية
الدالة على قبول
شهادتهن منفردات في الوصية بالمال ، ومع ذلك فهو مخالف
لفتوى الاصحاب .
وأما صحيح الحلبي فلا يدل على عدم قبول شهادتهن منفردات
إذا لا مفهوم
للوصف واللقب سيما والقيد في كلام السائل .
وأما المرسل فالمذكور فيه الشاهد وهو يطلق على الانثى
أيضا ، مع ان غايته
دلالته بالاطلاق فيقيد بما مر .
وأما الاقتصار على المنصوص من الكتاب ومورد الاجماع
فانما هو عدم الدليل .
فتحصل مما ذكرناه ان الاقوى عدم اعتبار ضم الرجال .
وأما الثانية : فالمشهور بين الاصحاب إلحاق جميع الدعاوى
المالية أو ما يكون
المقصود منه المال بالدين ، ولذلك حكموا بالقبول في دعوى
الرهن والاجارة والمزارعة
والمساقاة والاقالة والسرقة من جهة المال والخيار وغير
تلكم ، بل قال بعضهم : إن
إلحاقهم يشمل مالو لم يكن هناك دين أيضا ، كما إذا
توافقا على أصل الدين واختلفا في
الرهن مثلا ، وعن المختلف دعوى الاجماع على إلحاق العين
بالدين . وعلى هذا ففي
الدعوى على العين لا اشكال في الالحاق .
وأما غيرها فمقتضى الاصل المتقدم الذي أسسناه هو القبول
والالحاق ، فما عن
الاردبيلي وفي المستند من عدم الالحاق ضعيف .
وقد عرفت ان الشهادة في النكاح من الموارد التي تقبل
فيها شهادتهن مع
الانضمام .
] وتقبل شهادتهن بانفرادهن في العذرة وعيوب النساء الباطنة [
شهادة النساء فيما يعسر الاطلاع عليه للرجل
المورد الثالث : فيما يقبل فيه شهادة النساء منضمات مع
الرجال ومنفردات ( و )
الكلام فيه في طي مسائل :
الاولى : ( تقبل شهادتهن بانفرادهن ) عن كل من اليمين
والرجال ( في العذرة )
والبكارة ( وعيوب النساء الباطنة ) كالرتق والقرن ، وغير
ذلك من الامور الخفية التي لا
يطلع عليها الرجال بلا خلاف أجده فيه كما صرح به غير واحد والصحاح
المستفيضة
ونحوها من المعتبرة شاهدة بذلك .
لاحظ موثق ابن بكير عن الامام الصادق - عليه السلام - :
" تجوز شهاة النساء في
العذرة وكل عيب لايراه الرجل " ( 1 ) .
وصحيح عبد الله بن سنان عنه - عليه السلام - في حديث :
" تجوز شهادة النساء
وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه ،
وتجوز شهادة القابلة وحدها في
المنفوس " ( 2 ) .
وموثق محمد بن مسلم عن النساء تجوز شهادتهن وحدهن ؟ قال
: " نعم في العذرة
والنفساء " ( 3 ) .
وخبر داود بن سرحان بل صحيحه عن أبي عبد الله - عليه
السلام - اجيز شهادة النساء
في الصبي صاح أو لم يصح ، وفي كل شئ لا ينظر إليه الرجال
تجوز شهادة النساء
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 8 .
( 2 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 10 .
( 3 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 19 . ( * )
[ . . . ]
فيه " ( 1 ) إلى غير تلكم من الاخبار الكثيرة .
ثم انه صرح غير واحد بأنه حيث تقبل شهادتهن منفردات
يعتبر كونهن أربعا
وفي الجواهر كما هو المشهور للاصل ، بل يمكن دعوى القطع
به من الكتاب والسنة ان
المرأتين تقومان مقام الرجل وهو ظاهر قوله تعالى : ( أن
تضل إحداهما فتذكر إحداهما
الاخرى ) ( 2 ) ، انتهى .
وقد استدل له : بذلك وبأن الاصل عدم قبول شهادتهن مطلقا
خرج الاربع في
محل البحث اتفاقا فتوى ونصا ، لان موردهما النساء بصيغة
الجمع غير الصادق حقيقة
إلى على ما زاد على اثنين ، وكل من قال بلزومه عين
الاربع .
وبالمروي عن تفسير الامام عن أمير المؤمنين - عليه
السلام - في تفسير الآية المتقدمة :
" إذا ضلت إحداهما عن الشهادة فنسيتها ذكرت إحداهما الاخرى
بها فاستقاما في أداء
الشهادة عند الله تعالى شهادة امرأتين بشهادة رجل لنقصان
عقولهن ودينهن " ( 3 ) .
وبما يأتي في نصوص شهادتهن في الوصية فانه بعد ما حكم -
عليه السلام - بنفوذ
شهادة المرأة في الربع قال : " انه بحسب شهادتها
" ( 4 ) حيث تدل على أن شهادتها المعتبرة
تامة مطلقا هي الاربع .
وبما ( 5 ) ما ورد في شهادة القابلة من أنه يجوز شهادتها
في الولد على قدر شهادة
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 12 .
( 2 ) سورة البقرة آية 282 .
( 3 ) الوسائل باب 16 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات حديث 16 .
( 5 ) الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات حديث 45 . ( * )
[ . . . ]
امرأة واحدة .
ولكن يمكن أن يقال ان الآية الكريمة متضمنة لبيان حكمة
الحكم باعتبار
امرأتين مع الرجل في الدين وليس ذلك علة يدور الحكم
مدارها كما هو واضح .
وأما الاصل فقد مر انه قبول شهادتها كالرجل .
وأما ما ذكر في النصوص فيرده : ان الاتيان بالجمع انما
هو في مقابلة القضايا فلا
ينافي اعتبار الوحدة مثلا في بعضها كما يقال مثله فيما
مر من النصوص من قبول
شهادتهن مع الرجال في الديون .
وأما المروى عن تفسير الامام فسنده غير معتبر ، مع ان ما
فيه من التعليل محمول
على الحكمة قطعا وإلا فكم امرأة أعقل من رجل ، ثم أي ربط
بقوة العقل وعدمها في
الشهادة .
وأما الاخيران وإن كانا مشعرين بذلك ، لكن عدم دلالتهما
واضح .
أضف إلى ذلك كله ورود روايات خاصة بعدم الاعتبار ، كصحيح
الحلبي عن
الامام الصادق - عليه السلام - عن شهادة القابلة في
الولادة قال - عليه السلام - : " تجوز شهادة
الواحدة وشهادة النساء في المنفوس والعذرة " ( 1 ) .
وخبر أبي بصير عن الامام الباقر - عليه السلام - :
" تجوز شهادة امرأتين في
استهلال " ( 2 ) ونحوهما غيرهما .
فالذي يتحصل من مجموع النصوص بعد رد بعضها إلى بعض : ان
شهادة النساء
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 41 . ( * )
] وشهادة القابلة في ربع ميراث المستهل ، [
في غير باب القضاوة بحكم شهادة الرجال إلا ما دل الدليل
الخاص على عدم قبول
شهادتهن فيه وقد مر فيكفي شهادة امرأة واحدة ، وعلى هذا
تحمل ما دل من النصوص
على الاكتفاء بها .
وأما في باب القضاء : فما كان يعتبر فيه ضم الرجل يحتسب
امرأتين برجل
للتصريح بذلك في نصوصه ، وكذلك فيما لا يعتبر الضم ولكن
كان الرجل موجودا
وشهد كما مر في كتاب القضاء .
وأما لو انفردن بالشهادة فالظاهر كفاية شهادة امرأتين
والله العالم وإن كان
الاحوط رعاية الاربع ، بل لا يترك ذلك لان المستفاد من
الكتاب ومجموع النصوص
الواردة في الابواب المختلفة انه في باب القضاء يحتسب
شهادة امرأتين بشهادة رجل
واحد .
اختلف الاصحاب في قبول شهادة الرجال في هذا المورد
فالمشهور بينهم ذلك ،
وعن القاضي عدم القبول معللا بأنه لا يجوز للرجال النظر
إلى ما ذكر .
ويرده : ما في الرياض من جواز اطلاعهم عليه اتفاقا أو
عمدا مع التوبة قبل
الاقامة أو مع الحلية كما يتصور ولو في بعض الفروض
النادرة . مع ان ذلك لو صح علة
لرد الشهادة لاستلزم عدم قبول شهادة النسوة أيضا في نحو
البكارة ، مما يستلزم الشهادة
عليه النظر إلى العورة المحرم حتى على النسوة .
( و ) الثانية : تقبل ( شهادة القابلة في ربع ميراث
المستهل ) من الاستهلال وهو
ولادة الولد حيا بلا خلاف فيه . والاصل فيه صحيح عمر بن
يزيد عن أبي عبد الله - عليه
] وامرأة واحدة في ربع الوصية [
السلام - عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل ، فوضعت بعد موته
غلاما ثم مات الغلام
بعد ما وقع إلى الارض ، فشهدت المرأة التي قبلتها انه
استهل وصاح حين وقع إلى
الارض ثم مات قال - عليه السلام - : " على الامام
أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام " ( 1 ) .
قال الصدوق - ره - بعد حكاية هذا الخبر وفي رواية اخرى :
إن كانت امرأتين
تجوز شهادتهما في نصف الميراث ، وإن كن ثلاث نسوة جازت
شهادتهن في ثلاثة أرباع
الميراث ، وإن كن أربعا جازت شهادتهن في الميراث كله ( 2 ) .
وصحيح ابن سنان عنه - عليه السلام - : " تجوز شهادة
القابلة في المولود إذا استهل
وصاح في الميراث ، ويورث الربع من الميراث بقدر شهادة
امرأة واحدة " قلت : فإن
كانت امرأتين ؟ قال - عليه السلام - : " تجوز
شهادتها في النصف من الميراث " ( 3 ) ونحوهما موثق
سماعة ( 4 ) .
( و ) الثالثة : تقبل شهادة ( امرأة واحدة في ربع الوصية )
وشهادة امرأتين في نصفها
وشهادة ثلاثة في ثلاثة أرباعها ، وإذا كملن أربعا يثبت
تمام الوصية بلا خلاف في شئ
من ذلك وعن الحلي وغيره الاجماع عليه .
ويشهد به : صحيح محمد بن قيس عن الامام الباقر - عليه
السلام - : " قضى أمير
المؤمنين - عليه السلام - في وصية لم يشهدها إلا امرأة
فقضى أن تجاز شهادة المرأة في ربع
الوصية " ( 5 ) .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 6 .
( 2 ) الفقيه ج 3 ص 32 .
( 3 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 45 .
( 4 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 23 .
( 5 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 15 . ( * )
[ . . . ]
وصحيح ربعي عن الامام الصادق - عليه السلام - : في شهادة
امرأة حضرت رجلا
يوصي فقال - عليه السلام - : " تجوز في ربع ما أوصى
بحساب شهادتها " ( 1 ) ونحوهما غيرهما .
وهي وإن كانت في الربع إلا أنه يتعدى إلا الربعين فما
زاد بالاجماع المركب .
وقول - عليه السلام - في صحيح ربعي : " بحساب
شهادتها " ولا يعارضها صحيح إبراهيم بن
محمد الهمداني المتقدم في امرأة شهدت بالوصية ( 2 )
الدال على عدم قبولها ، ونحوه غيره
لشذوذها ، وموافقتها للعامة فلا تصلح لمعارضة ما تقدم .
وتمام الكلام في هذه المسألة في ضمن فروع :
1.
هل يجوز
للمرأة أن تضعف الموصى به في الشهادة حتى يثبت تمام الوصية
فتشهد فيما أوصى به بواحد بأربعة كما عن كشف اللثام ، أم
ليس لها ذلك ؟ وجهان :
يشهد للثاني مضافا إلى أنه كذب وتزوير وتدليس : مرسل
يونس عن أبي عبد الله -
عليه السلام - عن الرجل يكون له على الرجل الحق فيجحد
حقه ويحلف انه ليس له عليه
شئ وليس لصاحب الحق على حقه بينة ، أيجوز له احياء حقه
بشهادات الزور إذا خشى
ذهابه ؟ فقال - عليه السلام - : " لا يجوزذلك لعلة
التدليس " ( 3 ) .
واستدل كاشف اللثام للاول : بمرسل عثمان بن عيسى عنه -
عليه السلام - قال : قلت
له : يكون للرجل من اخواني عندي الشهادة ليس كلها تجيزها
القضاة عندنا ؟ قال - عليه
السلام - : " إذا علمت أنها حق فصححها بكل وجه حتى
يصح له حقه " ( 4 ) .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 26 .
( 2 ) الوسائل باب 24 من كتاب الشهادات حديث 34 .
( 3 ) الوسائل باب 18 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 4 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
أقول : وبمضمونه روايات اخر ، كخبر داود بن الحصين عنه -
عليه السلام - عن الرجل
يكون عنده الشهادة وهؤلاء القضاة لا يقبلون الشهادات إلا
على تصحيح ما يرون فيه
من مذهبهم ، وإني إذا أقمت الشهادة احتجت إلى أن اغيرها
بخلاف ما اشهدت عليه
وازيد في الالفاظ ما لم أشهد عليه وإلا لم يصح في قضائهم
لصاحب الحق ما أشهدت
عليه أفيحل لي ذلك ؟ فقال - عليه السلام - : " أي
والله ولك أفضل الاجر والثواب فصححها
بكل ما قدرت عليه مما يرون التصحيح به في قضائهم "
( 1 ) ونحوه غيره ولكن ليس في
شئ منها ما يجوز الكذب والتدليس .
بل في خبر آخر لداود " بعد أن لا تكون تشهد إلا
بحقه ولا تزيد في نفس الحق ما
ليس بحق " ( 2 ) ، وعليه فإن أمكن التورية وورت فلا
إشكال وإلا فلا يجوز .
2.
هل يثبت
النصف بشهادة الرجل لمساواته لامرأتين في المعنى ؟ كما عن
العلامة الطباطبائي ، أو الربع للفحوى ؟ كما عن القواعد
والروضة والمسالك ، أم تسقط
شهادته رأسا ؟ كما عن الايضاح وفي المستند والجواهر ،
وجوه أقواها الاخير في الشهادة
عند الحاكم لعدم إحراز المناط ، والنصوص لا تشمله ،
والاولوية ظنية .
3.
لا يختص قبول
شهادة المرأة في هذه المسألة وسابقتها بصورة تعذر الرجال
لاطلاق بعض نصوصهما ، لاحظها وكون الغالب في مورد
المسألة السابقة عدم وجود
الرجال لا يصلح موجبا للانصراف المقيد للاطلاق ، كما أن
كون مورد أكثر نصوص
المسألة الاخيرة صورة التعذر لا يوجب التقييد فما عن
نهاية الشيخ والسرائر والقاضي
وابن حمزة من اشتراط ذلك ضعيف .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 4 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 4 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
] الفصل السادس في بقية مسائل الشهادات ، الاولى لا يحل
للشاهد أن يشهد
إلا مع العلم [
في بقية مسائل الشهادات
لا يحل للشاهد أن يشهد إلا مع العلم
( الفصل السادس في بقية مسائل الشهادات ، الاولى لا يحل
للشاهد أن يشهد إلا
مع العلم ) بلا خلاف ويشهد به مضافا إلى أن الشهادة اخبار
فلا تجوز مع عدم ثبوت
المخبر عنه لديه .
فإن قيل : ان المحرم هو الكذب وهو الاخبار عن المخالف
للواقع فلو لم يحرز
ذلك يشك في كونه كذبا فمقتضى أصالة البراءة جوازه .
قلنا : إنه من شك في المخالفة للواقع والموافقة يحصل له
العلم الاجمالي بأنه إما أن
يكون اخباره بذلك ، أو بنقيضه كذبا وهذا العلم الاجمالي
يمنع عن جريان البراءة في
شئ من الطرفين . ومقتضاه لزوم الاحتياط بترك الاخبار بكل
منهما .
جملة من النصوص ، كخبر علي بن غياث عن الامام الصادق -
عليه السلام - : " لا
تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك " ( 1 ) .
ونحوه خبر علي بن غراب ( 2 ) عنه - عليه السلام - ومرسل
الصدوق وروى انه لا تكون
...............................................................................
( 1 - 2 ) الوسائل باب 20 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
الشهادة إلا بعلم ( 1 ) .
والنبوي المروي في الشرائع وقد سئل عن الشهادة قال صلى
الله عليه وآله وسلم : " هل ترى الشمس ؟
على مثلها فاشهد أو دع " ( 2 ) .
وخبر الحسين بن سعيد كتب إلى جعفر بن عيسى : جعلت فداك
جاءني جيران
لنا بكتاب زعموا أنهم أشهدوني على ما فيه ، وفي الكتاب
اسمي وخطي قد عرفته ولست
أذكر الشهادة وقد دعوني إليها فأشهد لهم على معرفتي أن
اسمي في الكتاب ولست أذكر
الشهادة ، أو لا يجب الشهادة علي حتى أذكرها كان اسمي
بخطي في الكتاب أو لم
يكن ؟ فكتب - عليه السلام - : " لا تشهد " ( 3 ) .
وقوي السكوني عن الامام الصادق - عليه السلام - : "
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تشهد
بشهادة لا تذكرها " ( 4 ) .
وما دل على أنه يجوز شهادة الضرير إذا حفظ الشهادة وحفظ
الوقت ( 5 ) .
وما في ورد في الشهادة على المرأة الدال على أنه : لا
بأس بالشهادة على إقرار المرأة
إن عرفت بعينها أو حضر من يعرفها وإلا لا يجوز إن يشهد
عليها إلا بأن تسفر وينظر
إليها ( 6 ) . إلى غير تلكم من النصوص الواردة في
الابواب المختلفة وهذا مما لا إشكال فيه .
انما الكلام في أن جمعا من الاصحاب أضافوا إلى ذلك
اعتبار أن يكون العلم
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 20 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 20 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 8 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 4 ) الوسائل باب 8 من كتاب الشهادات حديث 4 .
( 5 ) الوسائل باب 42 من كتاب الشهادات حديث 4 .
( 6 ) الوسائل باب 43 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
حاصلا من الرؤية أو السماع ، ثم لما رأو أن بعض الاشياء
لا يحصل العلم به عن طريق
المسع والبصر بل يكون ذلك بالذوق والشم كماء الورد الذي
يراد الشهادة بكونه
مغصوبا مثلا ، أضاف إليه بعضهم أو الحاصل من سائر الحواس
، وأيضا توجهوا إلى أن
بعض الامور لا يحصل العلم بها من أحد الحواس الظاهرية كالنسب
والملك وما
شاكل ، واستثنوا تلكم الموارد وحكموا بالاكتفاء بالعلم
الحاصل من الاستفاضة في تلكم
الموارد وأنهى الشهيد تلكم الموارد إلى تسعة : النسب
والملك المطلق والوقف والنكاح
والموت والولاية والولاء والعتق والرق .
والظاهر ان كل ذلك في غير محله فانه لا دليل على شئ من
ذلك ولا يعتبر في
الشهادة سوى العلم من أي طريق حصل وذلك في جميع الموارد
نعم ، سيأتي الكلام في
الموارد التي لا يمكن حصول العلم فيها .
وأيضا لما رأى الاصحاب ورود روايات بجواز الشهادة مع
اخبار ثقتين بشئ أو
كون الشئ بيد الشخص أو ما شاكل ، لاحظ خبر عموم بن يزيد
: قلت لابي عبد الله - عليه
السلام - : الرجل يشهدني على شهادة فأعرف خطي وخاتمي ولا
أذكر من الباقي قليلا ولا
كثيرا ؟ فقال لي - عليه السلام - : " إذا كان صاحبك
ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له " ( 1 ) .
وصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن الاول - عليه السلام -
: " لا بأس بالشهادة على
إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو حضر من
يعرفها " ( 2 ) .
وخبر حفص بن غياث عن أبي عبد الله - عليه السلام - : قال
: قال له رجل : إذا رأيت
شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنه له ؟ قال - عليه السلام - : "
نعم " : قال الرجل : أشهد
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 8 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 43 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
انه في يده ولا أشهد انه له فلعله لغيره ؟ فقال أبو عبد
الله - عليه السلام - : " أفيحل الشراء
منه " ؟ قال : نعم ، فقال أبو عبد الله - عليه
السلام - : " فلعله لغيره فمن أين جاز لك أن
تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف
عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى
من صار ملكه من قبله إليك " الحديث ( 1 ) .
التزم بعضهم كالصدوق وغيره برد ما تضمن الشهادة باخبار
عدلين لمنافاته مع
ما دل على اعتبار العلم في الشهادة ، وقال بعض آخر : بأن
الرواية ضعيفة لا يعتمد
عليها .
مع أنها معتبرة وعمل بها قدماء أصحابنا ، والتزم ثالث
بكفاية الظن وعدم اعتبار
العلم ، وفي الشهادة مستندة إلى اليد التزموا بالتخصيص .
ولكن الحق عدم تمامية شئ من ذلك ولا ينافي شئ من هذه
النصوص مع ما
دل على اعتبار العلم في الشهادة ، توضيح ذلك أن للعلم
جهات ثلاث :
إحداها : كونه صفة من صفات النفس قائمة بها قيام الوصف
بالموصوف ، أو
قيام الفعل بالفعال على اختلاف المسلكين في حقيقة العلم
.
ثانيتها : كونه طريقا إلى الواقع ومبرزا له وكاشفا عنه
وهذه الجهة ذاتية للعلم
حتى قالوا : إن حقيقة العلم حقيقة طريقية إلى الواقع بل
ليس العلم إلا الطريق
التام ولذلك يطلق عليه النور .
ثالثتها : أنه يجب الجري العملي على طبق الواقع فإن
الوجودات الواقعية غير
محركة للعضلات نحو الفعل ولذا يمكن أن يموت الشخص عطشانا
وعنده ماء لا
يعلم به ، وهذا بخلاف ما لو علم به فإنه بطبعه يتصدى
للشرب .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 25 من أبواب كيفية الحكم من كتاب
القضاء حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
وعلى ذلك : فإن أخذ العلم من الجهة الثانية في الموضوع
كما هو الظاهر من أخذه
في الموضوع ، يقوم الامارات أعم من البينة واليد وغيرهما
مقامه . فهذه النصوص لاتنافي
مع ما دل على اعتبار العلم في جواز الشهادة ، بل لو لم
يكن هذه الروايات لكنا ملتزمين
بذلك فهي مطابقة للقاعدة . وللبحث في وجه قيام الامارات
مقام العلم المأخوذ في
الموضوع على وجه الطريقية محل آخر وقد حققناه في الاصول .
وبما ذكرناه يظهر انه لو دل دليل على جواز الشهادة
مستندة إلى الاستصحاب لم
يكن ذلك منافيا لنصوص اعتبار العلم في جواز الشهادة بل
كان ذلك كاشفا عن أخذ
العلم من الجهة الثالثة في الموضوع فإن المجعول في باب
الاستصحاب هو الجري العملي
الذي هو جهة ثالثة للعلم ، نعم لو لم يكن دليل على ذلك
كان مقتضى القاعدة عدم
القيام إذ الظاهر من أخذ العلم في الموضوع أخذه فيه بما
أنه طريق إلى الواقع .
وبما ذكرناه يظهر ما في الجواهر وغيرها مما افيد في
المقام .
البناء في الشهادة على الاستصحاب
بقي الكلام في امور :
1.
انه هل تجوز
الشهادة مستندة إلى الاستصحاب وهل يدل عليه دليل أم لا ؟
قد يقال ان صحيح معاوية بن وهب يدل على ذلك ، قال : قلت لابي عبد الله - عليه السلام - :
الرجل يكون في داره ثم يغيب عنها ثلاثين سنة ويدع فيها
عياله ثم يأتينا هلاكه ونحن
لا ندري ما أحدث في داره ولا ندري ما أحدث له من الولد ،
إلا أنا لا نعلم انه أحدث
في داره شيئا ولا حدث له ولد ولا تقسيم هذه الدار على
ورثته الذين تركوا في الدار ،
حتى يشهد شاهدا عدل أن هذه الدار دار فلان بن فلان مات
وتركها ميراثا بين فلان
[ . . . ]
وفلان أو تشهد على هذا ؟ قال - عليه السلام - : "
نعم " ( 1 ) .
وجه الدلالة انه يدل على جواز الشهادة بكون الدار لفلان
وانه لا وارث له غير
من ترك في الدار وكلاهما ثابتان بالاستصحاب .
واجيب عنه : تارة بما عن التحرير بأنه يحمل على ارادة
حصول العلم باعتبار
خلطه واطلاعه . ويرده تصريح السائل بأنا لا ندري ما أحدث
في داره ولا ندري ما
أحدث له من الولد .
واخرى بما في الجواهر بأنه يحمل على ارادة الشهادة بما
يعلم به أي كون الدار له
قبل سنين ولم يكن له وارث غير الموجودين في الدار ، ثم
الحاكم بنفسه يستصحب بقاء
الملكية وعدم الوارث بشهادة خبره الآخر قلت له : إن ابن
أبي ليلى يسألني الشهادة عن
هذه الدار مات فلان وتركها ميراثا وانه ليس له وارث غير
الذي شهدنا له ؟ قال - عليه
السلام - : " إشهد بما هو علمك " ( 2 ) .
قال في توضيح ما أفاده : إن المراد بالشهادة بالاستصحاب
إن كان بالمستصحب
فهي شهادة بعلم لا بالاستصحاب ولا مدخلية للاستصحاب في
ذلك ، وإن اريد
الشهادة بالاستصحاب بمعنى الشهادة الان بشغل الذمة
وكونها زوجته وإن لم يكن
عالما بذلك بل كان مستند ذلك علمه السابق ، فلا ريب في
عدم صدق تعريف
الشهادة عليه ، بل هو شاهد بما لا يعلم إلى آخر ما أفاده .
وفيه : ان الخبر الثاني انما يدل على الامر بالشهادة
بالعلم ، فلو دل الدليل على
جواز الشهادة بالاستصحاب ، كان ذلك حاكما عليه ودالا على
أن المراد بالعلم فيه
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 17 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
العلم بما أنه مقتض للجري العملي . وأما ما أفاده من أنه
لو شهد بالاستصحاب كان
شاهدا بما لا يعلم فقد مر جوابه .
وثالثة : بأنه ينافيه ذيله . قلت : الرجل يكون له العبد
والامة فيقول ابق غلامي أو
ابقت أمتي فيؤخذ بالبلد فيكلفه القاضي البينة . ان هذا
غلام فلان لم يبعه ولم يهبه ،
أفنشهد على هذا إذا كلفناه ونحن لا نعلم انه أحدث
شيئا ؟ فقال - عليه السلام - : " كلما
غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم
تشهد به " .
وفيه : ان معاوية بنفسه روى عن أبي عبد الله - عليه
السلام - رواية اخرى مصرحة
بجواز الشهادة في المورد أيضا ، قال : قلت له : الرجل
يكون له العبد والامة قد عرف
ذلك فيقول ابق غلامي أو أمتي فيكلفونه القضاة شاهدين بأن
هذا غلامه أو أمته لم يبع
ولم يهب ، أنشهد على هذا إذا كلفناه ؟ قال - عليه السلام
- : " نعم " ( 1 ) .
والجمع بينهما يقتضي البناء على مرجوحية الشهادة في
المورد كما عن المحدث
الكاشاني - ره - الجمع بينهما بذلك وتبعه المحقق النراقي .
فإن قيل : إن الشهادة إن كانت جائزة تكون واجبة فلا معنى
لمرجوحيتها .
قلنا : إن الواجب هو الشهادة بما عنده لا بالملك المطلق
والشئ المستصحب
مطلقا . فالمراد لم يشهد انه كذا وكذا فعلا وإن وجبت
بأنه كان كذا وكذا سابقا ، فالاظهر
تمامية دلالته وكذا خبره الاخير ولكنه بالنسبة إلى عدم
الوارث غير الموجودين في الدار ،
وأما بالنسبة إلى بقاء الملكية فيمكن أن يكون الوجه فيه
يد المالك فإن المفروض ان الدار
تحت تصرفه وسلطنته بالتسبيب ومثل هذا اليد أيضا كاشفة عن
الملكية . فما نسب إلى
المشهور من جواز الشهادة بالاستصحاب هو الاقوى .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 17 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
] ولا يكفي رؤية الخط مع عدم الذكر وإن أقام غيره ، ويكفي في
الشهادة
بالملك مشاهدته متصرفا فيه [
2.
وقد ظهر مما
ذكرناه : ان الاكتفاء بالشهادة بالامارة والاستصحاب لا يستلزم
جواز الاكتفاء بكل ظن غير معتبر ( و ) عليه ف ( لا يكفي
رؤية الخط مع عدم الذكر )
وعدم قيام البينة على أنه خطه .
كما دل على ذلك خبر عمر بن يزيد : قلت لابي عبد الله -
عليه السلام - : الرجل
يشهدني على شهادة فأعرف خطي وخاتمي ولا أذكر من الباقي
قليلا ولا كثيرا ؟ فقال -
عليه السلام - لي : " إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل
ثقة فاشهد له " ( 1 ) فانه بالمفهوم يدل على
عدم جوازه من دون قيام البينة عليه .
وخبر حسين بن سعيد : كتب إليه جعفر بن عيسى : جعلت فداك
جاءني جيران
لنا بكتاب زعموا أنهم أشهدوني على ما فيه وفي الكتاب
اسمي بخطي قد عرفته ولست
أذكر الشهادة ، وقد دعوني إليها فأشهد لهم على معرفتي أن
اسمي في الكتاب ولست
أذكر الشهادة ، أو لا تجب الشهادة علي حتى أذكرها كان
اسمي بخطي في الكتاب أو لم
يكن ؟ فكتب - عليه السلام - : " لا تشهد " ( 2
) .
وقوي السكوني عن أبي عبد الله - عليه السلام - : "
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تشهد
شهادة لا تذكرها فانه من شاء كتب كتابا ونقش خاتما
" ( 3 ) .
من الخبر الاول يظهر جواز الشهادة مع قيام البينة بأنه
خطه وخاتمه وبذلك
يظهر ما في كلامه - قده - حيث قال : ( وإن أقام غيره ) .
3.
( و ) قد تقدم
انه ( يكفي في الشهادة بالملك مشاهدته متصرفا فيه ) لليد ، وقد
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 8 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 8 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 8 من كتاب الشهادات حديث 4 . ( * )
] ويثبت بالشياع النسب والملك المطلق والوقف والزوجية [
دل عليه النص ( 1 ) . وأما الكلام في أنه هل يكفي مجرد
اليد أم يعتبر كونه متصرفا فيه ؟
فمحرر في رسالة القواعد الثلاث كما أن كثيرا من أحكام
اليد مذكورة فيها .
وللقوم كلمات في المقام يظهر ما فيها مما أسلفناه ،
وأغرب من الجميع ما في النافع
قال : والاولى الشهادة بالتصرف لانه دلالة على الملك
وليس بملك ، إذ بعد تسليم
الدلالة على الملك لا وجه لعدم الشهادة به وتوجيهه بأن
مراده انه لا تكون الملكية ثابتة
بالرؤية والسماع ويعتبر في الشهادة أن يكون المشهود به
ثابتا بأحد الطريقين . أفسد فإنه
لا وجه لاعتبار ذلك سوى تصريح جماعة من الفقهاء به وهم
بأنفهسم قد صرحوا
باستثناء امور منها الملكية .
وكيف كان فقد ظهر مما حققناه ما هو الحق في المقام .
4.
( و ) قد صرح
الاصحاب بأنه ( يثبت بالشياع ) امور وإن اختلفوا في تعداد
تلك الامور ، فمنهم من خصها بالنسب كالاسكافي ، وفي
المتن والنافع عدها أربعة
( النسب والملك المطلق والوقف والزوجية ) ، وعن الخلاف
جعلها ستة بزيادة الولاء
والعتق ، وعن القواعد سبعة بزيادة الموت والولاية للقاضي
ونقص الولاء ، وعن التحرير
ثمانية بزيادة الولاء ، وعن بعضهم تسعة بزيادة الرق
والعدالة ونقص الولاية ، وعن جمع
من المتأخرين عدم حصرها في امور مخصوصة بل جوزوها في كل
ما تعذر فيه المشاهدة
في الاغلب .
ثم إنهم اختلفوا من جهة اخرى وهي ان الشياع الذي يجوز
الاستناد إليه في
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 25 من أبواب كيفية الحكم من كتاب
القضاء حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
الشهادة هل يعتبر فيه إيراثه العلم ؟ كما عن المحقق في
الشرائع والنافع والمصنف
- ره - في جملة من كتبه وغيرهما ، أم يكفي الظن المتاخم
للعلم ؟ كما عن الارشاد
واللمعتين والدروس والمسالك ، أم يكفي مطلق الظن ؟ كما
عن الخلاف والمبسوط .
وتفصيل القول في المقام إن الشياع إن أفاد العلم جاز
الشهادة فيها ، وفي
غيرها من الموارد لما تقدم من أنه لا يعتبر في جواز
الشهادة سوى العلم من أي سبب
حصل ، ولا يعتبر الرؤية والسماع وما شاكل وإن لم يحصل
العلم . فإن حصل الظن
المتاخم للعلم المعبر عنه بالاطمئنان الذي هو علم عرفي
فكذلك لانه حجة عند
العقلاء ، ولم يردع الشارع الاقدس عنه وقد مر قيام
الامارات مقام العلم المأخوذ في
الموضوع وإن لم يحصل منه ذلك أيضا بل كان الحاصل هو الظن
المطلق ، قمقتضى ما
دل على اعتبار العلم أو ما يقوم مقامه في جواز الشهادة
عدم جوازها .
وقد استدل للجواز بوجوه بعضها يختص ببعض تلكم الموارد
وبعضها يعم
الجميع :
منها مرسل يونس عن الامام الصادق - عليه السلام - عن
البينة إذا اقيمت على الحق
أيحل للقاضي أن يقضي بقول البينة إذا لم يعرفهم من غير
مسألة ؟ قال : فقال - عليه السلام - :
" خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحكم :
الولايات ، والتناكح ،
والمواريث ، والذبائح ، والشهادات ، فإذا كان ظاهره
ظاهرا مأمونا : جازت شهادته ولا
يسأل عن باطنه " ( 1 ) . بتقريب ان المراد بالحكم
هي النسبة الخبرية وظهور هذه النسبة
عبارة عن الشيوع والاستفاضة فيدل المرسل على انه يجوز
الاخذ بهذا الظهور الخبري في
هذه الامور الخمسة .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 22 من أبواب كيفية الحكم من كتاب
القضاء . ( * )
[ . . . ]
وفيه : إن الظاهر أن المراد من الحكم النسبة لا الخبرية
وظهور النسبة عبارة عن
ظهور الحال وهو غير ظهور الخبر عنها وشيوعه . ألا ترى
انه ربما تكون عدالة زيد أو
ولديته لعمرو ظاهرة ولكن الخبر عنها ليس شائعا .
والشاهد على ارادة ذلك من الحكم مضافا إلى ظهوره في ذلك
: قوله - عليه السلام - في
ذيل المرسل : " فإذا كان ظاهره . . . الخ "
فإنه صريح في أن الظاهر مقابل الباطن وعن
بعض نسخ التهذيب . وفي مرفوع المقري " ظاهر الحال
" ( 1 ) بدل " ظاهر الحكم " وعليه
فالامر أوضح .
ومنها : صحيح حريز ، المتضمن لقصة إسماعيل ، وفيه : فقال
إسماعيل : يا أبه إني
لم أره يشرب الخمر إنما سمعت الناس يقولون ، فقال - عليه
السلام - : " يا بني إن الله يقول في
كتابه : ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) يقول : يصدق الله
ويصدق للمؤمنين ، فإذا شهد
عندك المؤمنون فصدقهم ، ولا تأتمن شارب الخمر " ( 2
) بتقريب انه - عليه السلام - أمر بترتيب
آثار الواقع على مجرد قول الناس الذي هو عبارة عن الشياع
، وجعل - عليه السلام - من يقول
الناس : انه يشرب الخمر شارب الخمر .
وفيه : ان المأمور به ليس ترتيب آثار الواقع بأجمعها بل
خصوص ما ينفع المخبر
إليه ولا يضر المخبر عنه ، وإن شئت قلت انه لا ملازمة
بين تصديق المخبر المأمور به في
الخبر وبين العمل على طبقه .
ويشهد لما ذكرناه : قوله - عليه السلام - في خبر آخر :
كذب سمعك وبصرك عن أخيك
فإن شهد عندك خمسون قسامة وقال قولا فصدقه وكذبهم . فانه
- عليه السلام - أمر بتكذيب
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 22 من أبواب كيفية الحكم من كتاب
القضاء .
( 2 ) الوسائل باب 6 من كتاب الوديعة حديث 1 . ( * )
] ولو سمع [
خمسين قسامة وتصديق قول الواحد وليس ذلك إلا لما ذكرناه .
ومنها : إن الظن الحاصل من الشياع أقوى من الظن الحاصل
من البينة العادلة
فما دل على جواز الشهادة مستندة إليها ، يدل بالاولوية
على جوازها مستندة إلى الشياع .
وفيه : انه لم يثبت كون ملاك حجية البينة افادتها الظن
بل الثابت خلافه . فانه
يجوز الشهادة لو قامت وإن لم يحصل الظن .
ومنها : اجراء دليل الانسداد في كل ما يعسر اقامة البينة
عليه كالنسب والوقف
وما شاكل ، بتقريب ان تحصيل العلم فيها عسر وكذلك البينة
العادلة ، ويلزم من اجراء
الاصل من أصالة عدم النسب أو عدم الوقف الوقوع في خلاف
الواقع كثيرا ، والاحتياط
متعذر أو متعسر فلا مناص عن التنزل إلى الظن لقبح ترجيح
المرجوح على الراجح .
وفيه : أولا : إن ثبوت تلكم الامور بالامارات القائمة
عليها ، كقاعدة الفراش
وإقرار من بيده المال وما شاكل : ليس متعذرا ولا متعسرا .
وثانيا : إن المقدمة الثانية لا تفيد ما لا ينضم إليها
إن الوقوع في خلاف الواقع
مناف لغرض الشارع ، إذ لو لم يحرز ذلك كما في باب
الطهارة لما كان محذور في اجراء
الاصل ، وحيث انه غير ثابت فلا يتم هذا الدليل .
فالمتحصل مما ذكرناه : انه لا يجوز الشهادة مستندة إلى
الشياع في شئ من الموارد
ما لم يحصل منه العلم أو الاطمئنان الذي هو حجة عقلائية .
لا يعتبر في جواز الشهادة استدعاء المشهود عليه
5.
( و ) يصير
الشاهد متحملا للشهادة بما يكون مثبتا لما يشهد به كما ( لو سمع
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 157 من أحكام العشرة كتاب الحج حديث 4 . ( * )
] الاقرار شهد وإن قيل له لا تشهد [
الاقرار ) وإن لم يستدعه المشهود على تحمل الشهادة فيجوز
له أن ي ( شهد و ) كذا ( إن
قيل له لا تشهد ) ولا تتحمل الشهادة من غير فرق بين كون
ما ثبت عندما يوجب حكما
عليه أو له بلا خلاف أجده فيه ، إلا من الاسكافي في
الثاني وما يأتي وهو شاذ لا يعبأ به
كذا في الرياض .
ويشد بذلك كله : عمومات الادلة ، إذ لم يدل دليل على
اعتبار أزيد من العلم بما
يشهد به أو ما يقوم مقامه . وخصوص جملة من النصوص :
كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر - عليه السلام - :
" إذا سمع الرجل الشهادة
ولم يشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت
" ( 1 ) .
ومثله صحيح هشام وزاد : قال : " إذا اشهد لم يكن له
إلا أن يشهد " ( 2 ) .
ومثل صحيح محمد أو موثقه مع زيادة : " إلا إذا علم
من الظالم فيشهد له ولا يحل
له إلا أن يشهد " ( 3 ) .
وصحيحه الاخر عنه - عليه السلام - في الرجل يشهد حساب
الرجلين ثم يدعى إلى
الشهادة ؟ قال - عليه السلام - : " إن شاء شهد وإن
شاء لم يشهد " ( 4 ) إلى غير تلكم من
النصوص الآتية جملة اخرى منها .
وهذه النصوص تدل على جواز الشهادة مع عدم الاستدعاء
فبالملازمة تدل على
تحقق التحمل بمجرد السماع مع عدم الاستدعاء ، نعم في أنه
هل يجوز للحاكم أن يحكم
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 5 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 5 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 5 من كتاب الشهادات حديث 4 .
( 4 ) الوسائل باب 5 من كتاب الشهادات حديث 5 . ( * )
] الثانية لا يجوز للشاهد كتمان الشهادة مع العلم [
لمن شهدت البينة له مع عدم اقامة ذي الحق إياها ، أو
نهيه عن الشهادة ؟ كلام نظرا إلى
أن اقامتها حق له فله اسقاطها بل له رفع اليد عن الدعوى
، وقد تقدم تفصيل القول في
ذلك في كتاب القضاء ولا نعيد .
( الثانية ) : فيما يتعلق بتحمل الشهادة وادائها ، والكلام
فيها في طي فروع :
1.
إن من تحمل
الشهادة ، تارة يكون ذلك باستدعاء صاحب الحق للتحمل .
واخرى يكون بدونه . فإن كان باستدعائه ، فلا خلاف بينهم
في أنه ( لا يجوز للشاهد
كتمان الشهادة مع العلم ) أو ما يقوم مقامه ويجب أدائها
، بل حكاية الاجماع عليه
مستفيضة .
ويشهد به : قوله تعالى : ( ولا تكتموا الشهادة ومن
يكتمها فإنه آثم قلبه ) ( 1 ) ،
وقوله تعالى : ( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على
أنفسكم أو الوالدين
والاقربين ) ( 2 ) .
والمروى بعدة طرق عن جابر عن الامام الباقر - عليه
السلام - : " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم ، أو
ليزوي بها - وعن الفقيه ليثوي
بها - مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مد
البصر وفي وجهه كدوح يعرفه
الخلائق باسمه ونسبه ، ومن شهد بشهادة حق ليحيي بها حق
امرئ مسلم أتى يوم
القيامة ولوجهه نور مد البصر تعرفه الخلائق باسمه ونسبه
- ثم قال أبو جعفر - عليه السلام
...............................................................................
( 1 ) سورة البقرة آية 283 .
( 2 ) سورة النساء آية 135 . ( * )
[ . . . ]
- : ألا ترى ان الله عز وجل يقول : ( وأقيموا الشهادة لله )
" ( 1 ) .
وخبر الحسين بن زيد عن الامام الصادق - عليه السلام - عن
آبائه - عليه السلام - عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المناهى انه نهى
عن كتمان الشهادة قال : " ومن كتمها أطعمه الله
لحمه على رؤوس الخلائق وهو قول الله عز وجل : ( ولا
تكتموا الشهادة ) الآية ( 2 ) .
وخبر يزيد بن سليط عن موسى بن جعفر - عليه السلام - في
حديث النص على الرضا
- عليه السلام - : " وإن سئلت عن الشهادة فأدها ، فإن
الله تعالى يقول : ( إن الله يأمركم أن
تؤدوا الامانات إلى أهلها ) وقال : ( ومن أظلم ممن كتم
شهادة عند الله ) " ( 3 ) إلى غير
تلكم من النصوص الكثيرة .
وإن لم يكن التحمل باستدعائه ، فالمشهور بين المتأخرين
بل في المسالك نسبته
إلى المشهور بين الاصحاب حرمة الكتمان ووجوب الاداء أيضا
، وعن جماعة من القدماء
منهم الشيخ وابن الجنيد وأبو الصلاح بل نسب إلى المشهور
بينهم عدم الوجوب وانه
بالخيار إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد . ومنشأ الاختلاف أن
إطلاق الآيات والروايات
المتقدمة دالة على الوجوب وحرمة الكتمان مطلقا ، وفي
المسالك ولانها أمانة جعلت
عنده فوجب عليه الخروج منها ، كما أن الامانات المالية
تارة تحصل عنده بقبولها
كالوديعة ، وتارة بغيره كتطير الريح .
وجملة من النصوص الخاصة منها ما تقدم في المسألة السابقة
تدل على أنه بالخيار
في الشهادة وعدمها .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 2 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب الشهادات حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 2 من كتاب الشهادات حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
وقد جمع بين الادلة في الرياض بالبناء على أنه مع
الاستدعاء يكون وجوب الاداء
عينيا وبدونه يكون واجبا كفائيا .
ويرده : ان ظاهر النصوص الخاصة هو جواز الترك وإن لم يكن
شاهد آخر أو
كان ولم يشهد ، مع أن الواجب الكفائي يصير عينيا مع ترك
الباقي . أضف إليه ، ما
سيأتي من تسالم الاصحاب على كونه مع الاستدعاء أيضا
كفائيا .
وعن المختلف جعل النزاع لفظيا لا معنويا نظرا إلى أنه
فرض كفاية فيجوز تركه
إذا قام غيره مقامه ، ولو لم يقم غيره مقامه وخاف لحوق
ضرر بابطال الحق وجب عليه
إقامة الشهادة ، ولا فرق بين أن يشهد من غير استدعاء ،
وبين أن يشهد معه .
وفيه : انه في النصوص الخاصة فصل الامام - عليه السلام -
بين ما لو دعي إلى الشهادة
فحكم - عليه السلام - بوجوب الاداء ، وبين ما لم يدع إلى
ذلك فحكم عليه بأنه بالخيار
فالنزاع معنوي قطعا .
وظاهر المسالك وصريح النافع التوقف في المسألة ولا وجه
له فإن تعين حمل
المطلق على المقيد ولو كان المطلق الكتاب والمقيد الخبر
، ظاهر والنصوص الخاصة
صحيحة الاسناد واضحة الدلالة . فلا وجه للتوقف في عدم
الوجوب .
وعلى المختار من عدم الوجوب انما هو فيما إذا لم يعلم
الشاهد ذهاب حق
المحق بسكوته كما صرح به جماعة منهم الصدوق في الفقيه
والشيخ في النهاية على
المحكى .
ويشهد به : موثق محمد ( 1 ) المتقدم ، ومرسل يونس عن
الامام الصادق - عليه السلام -
: " إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليه فهو بالخيار ، إن
شاء شهد وإن شاء سكت ،
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 5 من كتاب الشهادات حديث 4 . ( * )
[ . . . ]
إلا إذا علم من الظالم فيشهد ولا يحل له أن لا يشهد
" ( 1 ) .
وخبر علي بن أحمد بن اشيم عن أبي الحسن - عليه السلام -
عن رجل طهرت امرأته من
حيضها فقال : فلانة طالق ، وقوم يسمعون كلامه لم يقل لهم
اشهدوا أيقع الطلاق
عليها ؟ قال - عليه السلام - : " نعم هذه شهادة أفيتركها
معلقة - قال : وقال الصادق - عليه السلام
- : - " العلم شهادة إذا كان صاحبه مظلوما " ( 2 ) .
وظاهر الادلة المتقدمة الدالة على وجوب أداء الشهادة
كونه عينيا ، إلا أن ظاهر
الاصحاب بل صريح جماعة منهم الاتفاق على أنه على الكفاية
، وفي الجواهر بل
استفاض في عباراتهم نقل الاجماع ، وفي الخلاف على ذلك
مؤيدا بظهور كون الحكمة
في وجوب الاداء وحرمة الكتمان ضياع الحق ، ومن المعلوم
عدم توقف ذلك على شهادة
الجميع وانه يكفي فيه ما يقوم به من الشهود دون ما زاد
وهذا معنى الكفائي ، انتهى .
ومحصل ما أفاده من الوجه أنه بقرينة مناسبة الحكم
والموضوع يستفاد الكفائية
من النصوص ، ويمكن أن يقال انه حيث يكون المقصود والغرض
من وجوب أداء
الشهادة ، انما يحصل باداء شاهدين فالمأمور به هو ذلك ،
فإذا وجه الخطاب إلى جماعة
بفعل واحد قائم ببعضهم كان ذلك ظاهرا في كونه واجبا
كفائيا على الجميع .
ويؤيده خبر جابر المتقدم : " ومن كتم شهادة أو شهد
بها ليهدر دم امرئ مسلم
أو ليزوي بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة
مد البصر " ، حيث انه يدل
بالمفهوم على أن من يؤد الشهادة لغير ذلك ومنه عدم
الحاجة إلى شهادته لم يكن كذلك ،
فلا اشكال في الكفائية .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 5 من كتاب الشهادات حديث 10 .
( 2 ) الوسائل باب 5 من كتاب الشهادات حديث 8 و 9 . ( * )
] وانتفاء الضرر غير المستحق [
وبذلك ظهر ما في الرياض من جعل وجوبها عينيا على تقدير
الاستدعاء .
ولا يتوقف الوجوب الكفائي على توقف احقاق الحق عليها ،
بل لو علم بأنه إن
لم يشهد لا يذهب الحق ، من جهة أن المنكر لا يحلف ويرد
اليمين على المدعي وهو
يحلف ، يجب أداء الشهادة بل يجب ما لم يعلم بقيام الغير
بذلك كما هو الشأن في جميع
الواجبات الكفائية .
( و ) بذلك يظهر الفرق بين القول بالوجوب الكفائي على
تقدير عدم الاستدعاء
وعدمه إلا مع توقف احقاق الحق على شهادته .
ثم إن وجوب أداء الشهادة انما هو مع ( انتفاء الضرر غير
المستحق ) المترتب
بسبب الشهادة على الشاهد أو المشهود عليه أو بعض
المؤمنين وإلا فلا يجب بلا
خلاف أجده فيه ، كذا في الجواهر وفي الرياض إجماعا بل
يحرم .
ومدرك الحكم حديث ( 1 ) لا ضرر ولا ضرار .
وخصوص خبر علي بن سويد عن أبي الحسن - عليه السلام - :
" فأقم الشهادة لله ولو
على نفسك أو الوالدين والاقربين فيما بينك وبينهم فإن
خفت على أخيك ضيما فلا " ( 2 ) .
وخبر محمد بن القاسم بن الفضيل عن أبي الحسن - عليه
السلام - الوارد في المعسر
المديون قلت له : وإن كان عليه الشهود من مواليك قد
عرفوه انه لا يقدر هل يجوز أن
يشهدوا عليه ؟ قال - عليه السلام - : " لا يجوز أن
يشهدوا عليه ولا ينوى ظلمه " ( 3 ) .
وحسن داود بن الحصين عن الامام الصادق - عليه السلام - :
" أقيموا الشهادة على
...............................................................................
( 1 )
الوسائل باب 12 من كتاب احياء الموات وباب 17 من أبواب الخيار كتاب التجارة .
( 2 ) الوسائل باب 3 من كتاب الشهادات .
( 3 ) الوسائل باب 19 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
الوالدين والولد ولا تقيموها على الاخ في الدين الضير " قلت
: وما الضير ؟ قال - عليه السلام - :
" إذا تعدى فيه صاحب الحق الذي يدعيه قبله خلاف ما أمر
الله به ورسوله ، ومثل ذلك
أن يكون لآخر على آخر دين وهو معسر وقد أمر الله تعالى
بإنظاره حتى ييسر فقال تعالى :
( فنظرة إلى ميسرة ) ويسألك أن تقيم الشهادة وأنت تعرفه
بالعسر فلا يحل لك أن تقيم
الشهادة في حال العسر " ( 1 ) .
ويلحق بذلك ما لو كان أداء الشهادة موجبا للعسر والحرج
كما لو توقف على
المسافرة إلى بلد آخر يشق عليه تلك ، فإن مقتضى قاعدة
نفي الحرج والعسر الثابتة
بالكتاب ( 2 ) والسنة ( 3 ) عدم وجوبه ، نعم في هذه
الصورة لو تحمل المشقة وشهد جاز ، وفي
الصورة السابقة ظاهر النصوص الخاصة عدم الجواز والله
العالم .
قال في الجواهر : يمكن أن يكون محل كلامهم في المقام
خصوص الشهادة في
صورة المخاصمة التي تقام عند الحاكم ، وأما الشهادة في
غيرها كالشهادة بالاجتهاد
والعدالة ونحوها مما لا ترجع إلى مخاصمة عند الحاكم ويراد
إثباتها عنده فلا يبعد القول
بوجوبها عينا على كل من كانت عنده .
ولا مدخلية لكيفية التحمل فيها لظهور الادلة السالمة عن
المعارض بالنسبة إلى
ذلك بعد تنزيل الاجماعات المزبورة على غير هذه الصورة
التي لا غرض بمقدار
مخصوص منها ، بل ربما كان الغرض تعدد الشهادة فيها لكونه
أتم للمقصود ، انتهى .
وفيه : انه بعد حمل الادلة على الوجوب الكفائي كيف يبنى
على وجوبها العيني ،
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 19 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 2 ) الحج آية 77 ، المائدة آية 9 ، البقرة آية 185 .
( 3 ) الوسائل باب 8 و 9 من أبواب الماء المطلق ، وباب 9 من
أبواب الماء المضاف ، وباب 39 من
أبواب الوضوء وغير تلكم من الابواب . ( * )
] ولو دعي للتحمل وجب على الكفاية [
مع أن الوجه المذكور للوجوب الكفائي في غير هذه الصورة جار
فيها أيضا .
وأما الاخبار ( 1 ) الدالة على عدم وجوب الشهادة في صورة
عدم الاستدعاء ،
فبعضها وإن اختص بصورة المخاصمة إلا أن بعضها الآخر
المتقدم مطلق . فلا وجه
لعدم البناء عليه فالاظهر هو عدم الفرق .
2.
( ولو دعي للتحمل وجب على الكفاية ) كما عن الشيخ في
النهاية والمفيد
والاسكافي والحلبي والقاضي وابن زهرة والمحقق والمصنف
والشهيدين وغيرهم ، وفي
المسالك انه المشهور ، وفي الجواهر انه المشهور بين
الاصحاب شهرة عظيمة .
ويشهد به : قوله تعالى : ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) ( 2 ) قال في المسالك في
تقريب الاستدلال به : انه شامل بعمومه الامرين أو مختص
بهذه الحالة .
ويشهد لارادة الخاص منه : صحيح هشام عن الصادق - عليه
السلام - عن هذه الآية
الكريمة قال - عليه السلام - : " قبل الشهادة
" ، وقوله : ( ومن يكتمها فإنه آثم قبله ) ؟ قال
- عليه السلام - : " بعد الشهادة " ( 3 ) .
وصحيح أبي الصباح عنه - عليه السلام - في قوله تعالى : (
ولا يأب الشهداء إذا ما
دعوا ) قال - عليه السلام - : " لا ينبغي لاحد إذا
دعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول لا
أشهد لكم عليها " ( 4 ) .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 5 من أبواب الشهادات .
( 2 ) سورة البقرة آية 282 .
( 3 ) الوسائل باب 1 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 4 ) الوسائل باب 1 من كتاب الشهادات حديث 2 . ( * )
[ . . . ]
وصحيح محمد بن الفضيل عن أبي الحسن - عليه السلام - في
الآية الكريمة قال - عليه
السلام - : " إذا دعاك الرجل لتشهد له على دين أو
حق لم ينبغ لك أن تقاعس عنه " ( 1 ) .
وموثق سماعة عن أبي عبد الله - عليه السلام - في الآية :
" لا ينبغي لاحد إذا دعي إلى
شهادة ليشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم " (
2 ) إلى غير تلكم من النصوص الكثيرة .
وعن الحلي عدم وجوب التحمل ونسب ذلك إلى طائفة وإلى
الشيخ في
المبسوط .
واستدل له : بالآية الكريمة بدعوى ان الله تعالى سماهم
شهداء ونهاهم عن الاباء
إذا ما دعوا إليها وانما يسمى شاهدا بعد تحملها ، فالآية
بالاداء أشبه وأجاب عن
النصوص المتقدمة بأنها أخبار آحاد لا يعتمد عليها .
وفيه : ان الآية في معرض الارشاد بالاشهاد لانه تعالى
أمر بالكتابة حال المداينة
ونهى الكاتب عن الاباء ثم أمر بالاشهاد ونهى الشاهد عن
الاباء ، فسياق الآية يقتضي
إرادة المعنى المذكور ، مع أنها فسرت في النصوص
بذلك فما أفاده اجتهاد في مقابل
النص .
ودعوى انها أخبار أحاد . يدفعها : مضافا إلى استفاضتها
ان الخبر الواحد
الصحيح أو الموثق حجة عندنا ، وفي نصوص المقام طائفة من
الصحاح والموثقات ،
ولذلك قال المصنف - ره - في محكى المختلف بعد نقل ما ذكر
عن الحلي ونسبة ذلك إلى
أنه من أخبار الآحاد مع دلالة القران وعليه واستفاضة
الاخبار به وفتوى متقدمي علمائنا
به جعل منه وقلة تأمل .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب الشهادات حديث 7 .
( 2 ) الوسائل باب 1 من كتاب الشهادات حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
وفي الجواهر قرب دلالة الآية الكريمة على الاستحباب
بأنها على طولها مشتملة على
الآداب بل ملاحظة ما قبلها وما بعدها وأنها على مساق
واحد خصوصا ما كان منها
مثل اللفظ المزبور نحو قوله : ( ولا يأب كاتب ) ، فضلا
عن قوله : ( ولا تسئموا ) ، إلى
آخرها فإن ذلك كله يورث الظن القوي بكون ذلك منها ،
انتهى .
وفيه : أولا : ما حقق في محله من أن الوجوب والاستحباب
وكذا الحرمة والكراهة :
أمران انتزاعيان من الترخيص في مخالفة ما تعلق به الامر
أو النهي وعدمه وإلا فالموضوع
له والمستعمل فيه في الموردين واحد فلا مورد للتمسك
بوحدة السياق ، وحيث ان
التكليف توجه بالاباء عن التحمل ولم يرخص في مخالفته
فيتعين البناء على أنه لزومي .
وثانيا : ان جملة من النصوص متضمنة للنهي عنه ، لاحظ
قوله - عليه السلام - في
صحيح ابن فضيل : " لم يسع لك الخ " وفي خبر داود
بن سرحان عن الامام الصادق - عليه
السلام - : " لا يأب الشاهد أن يجيب حين يدعي قبل
الكتاب " ( 1 ) ولفظ لا ينبغي الموجود
في جملة منها لا يدل على كون الحكم غير لزومي غايته
الاجمال فيبين بغيرها من
النصوص .
وأما المروي عن تفسير الامام - عليه السلام - : قال أمير
المؤمنين - عليه السلام - في تفسير
هذه الآية : " من كان في عنقه شهادة فلا يأب إذا
دعي لاقامتها وليقمها ولينصح فيها
ولا تأخذه في الله لومة لائم وليأمر بالمعروف ولينه عن
المنكر " ( 2 ) فلا يصلح لمقاومة ما تقدم
سيما وفيه قال وفي خبر آخر : نزلت فيمن إذا دعي لسماع
الشهادة وأبى ونزلت فيمن
امتنع عن أداء الشهادة إذا كانت عنده : ( ولا تكتموا
الشهادة ) الآية ( 3 ) .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 1 من كتاب الشهادات حديث 6 .
( 2 ) الوسائل باب 2 من كتاب الشهادات حديث 7 .
( 3 ) الوسائل باب 2 من كتاب الشهادات حديث 8 . ( * )
[ . . . ]
وأما صحيح القداح عن مولانا الصادق - عليه السلام - عن
أبيه - عليه السلام - : " جاء
رجل من الانصار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال
:
يا رسول الله احب أن تشهد لي على نحل نحلتها ابني ، فقال
ما لك ولد سواه " ؟
، قال : نعم ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : فنحلتهم
كما نحلته ؟ قال : لا ، قال :
" فإنا معاشر الانبياء لا نشهد على الحيف " ( 1 ) .
الذي استدل به للقول بعدم الوجوب : بتقريب ان المراد
بالحيف ليس هو الحرام
وإلا حكم صلى الله عليه وآله وسلم ببطلان نحلته بل خلاف
الاولى ولا يجوز ترك الواجب .
لذلك وليس
ذلك أيضا من الخصائص فيدل على عدم الوجوب .
فيرده : أولا : ان ظاهر الحيف الحرام وعدم حكمه ببطلان
النحلة من جهة أن
حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها .
وثانيا : انه خص ذلك بالانبياء ولو كان الحكم عاما لما
كان وجه للتخصيص .
وثالثا : انه قضية في واقعة فلعله صلى الله عليه وآله
وسلم رأى شهادة غيره
بذلك فلم
يكن يجب عليه التحمل .
فالمتحصل مما ذكرناه وجوب التحمل .
وهل وجوبه كفائي ؟ كما عن أكثر المتأخرين ، أم عيني ؟
كما عن جماعة من
القدماء ، وجهان : ظاهر الآية والاخبار هو الثاني .
واستدل للاول : باطباق المتأخرين عليه ، والاصل ، وأولويته بذلك من
الاقامة
التي قد عرفت ان وجوبها كفائي ، وبجعل وجوبه مقابلا
لوجوب الاداء الذي هو
كفائي ، وبأن الله سبحانه أمر أولا باستشهاد رجلين ، وإن
لم يكونا فرجل وامرأتين ، ثم
قال : ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) واللام في ذلك
للعهد الذكرى ، فالمعنى ولا يأب
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 55 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
] ولا [
الرجلان والرجل والمرأتان من الاجابة ، فالنهي ليس
متوجها إلى كل أحد بل إلى الرجلين
أو رجل وامرأتين ، فبعد اشهادهما لا أمر بالشهادة ولا
نهي عن الاجابة كما هو شأن
الواجب على الكفاية ، والاصل عدم الوجوب على الغير .
ولكن اطباق المتأخرين لا وقع له في مقابل ظهور الآية
والاخبار وفتوى الاساطين
من القدماء ، والاصل لا أصل له مع الدليل ، والاولوية
ممنوعة فانه لا أثر للشهادة بعد
أداء الشاهدين إياها بخلاف التحمل فإن فائدته ظاهرة
لاحتمال الغفلة أو النسيان أو
الغيبة أو الفسق أو الموت وما شاكل ، وجعل وجوبه مقابلا
لوجوب الاداء لا إشعار فيه
بذلك ، فضلا عن الدلالة . وما ذكر أخيرا وإن كان متينا
وعلى ذلك بنينا كون وجوب
الاداء كفائيا إلا أنه لا يتم في جملة من النصوص : لا حظ
صحيح ابن فضيل المتقدم ،
وكذا خبر داود ونحوهما بعض آخر من الاخبار . فالاظهر كون
وجوبه عينيا غاية الامر
كسائر التكاليف مشروط بعدم لزوم الضرر أو العسر والحرج
منه وإلا فلا يجب ،
لقاعدتي لا ضرر ولا حرج .
وهل يجب التحمل على خصوص من له أهلية الشهادة كما عن
الشيخ وجماعة ،
أم يعمه وغيره كما هو ظاهر إطلاق آخرين ، أم يفصل بين من
لا يتصور في حقه الاهلية
كالولد على والده والمرأة في الطلاق وما شاكل فلا يجب
عليه التحمل ، وبين من يمكن
في حقه الاهلية كالفاسق بتجدد العدالة فيجب كما اختاره
بعض المحققين ؟ وجوه ،
والظاهر هو الثاني : لاطلاق الادلة واحتمال الفائدة
بتحصيل الشياع المورث للعلم أو
الاطمئنان ورفع المانع فيمن يمكن في حقه ذلك .
يعتبر في الشهادة معرفة المشهود له أو عليه
3.
( و ) اعلم انه
قد ظهر مما قدمناه ، من اشتراط العلم في الشهادة ، انه : ( لا ) يجوز
] يشهد على من لا يعرفه إلا بمعرفة عدلين [
أن ( يشهد على من لا يعرفه ) ولا له ( إلا بمعرفة عدلين
) ، وانما أعاده في المقام مع معلوميته
مما سبق ، لورود النص الخاص واللرد على ما عن العامة من
عدم جواز الشهادة على إقرار
المرأة دون أن تسفر فينظر إليها الشهود ولو عرفت بعينها .
وكيف كان فيشهد لجواز الشهادة مع المعرفة ، أو معرفة من
قوله حجة شرعية ،
وعدم جوازها بدون ذلك ، مضافا إلى ما مر : خبر علي بن
يقطين عن أبي الحسن الاول
- عليه السلام - : " لا بأس بالشهادة على إقرار
المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو
حضر من يعرفها ، فأما إذا كانت لا تعرف بعينها ولا يحضر
من يعرفها فلا يجوز للشهود
أن يشهدوا عليها وعلى إقرارها دون أن تسفر وينظرون إليها
" ( 1 ) .
وأما مكاتبة الصفار الصحيحة ، إلى الفقيه - عليه السلام
- في رجل أراد أن يشهد على
امرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء
الستر ويسمع كلامها إذا
شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك بهذا
كلامه ، أو لا تجوز له
الشهادة عليها حتى تبرز وتثبتها بعينها ؟ فوقع - عليه
السلام - : " تتنقب وتظهر للشهادة إن
شاء الله تعالى " ( 2 ) .
ورواه الصدوق باسناده عن الصفار وقال : وهذا التوقيع عندي
بخطه - عليه السلام -
فلا يعارضه . فإن المراد بظهورها للشهادة إن كان ظهورها
للرجل الذي أراد أن يشهد
عليها ، فمع التنقب أي فائدة في ظهورها . وإن كان ظهورها
؟ للشهود اللذين يعرفونها
ويكون المراد تظهر لهم وتتنقب من هذا الرجل .
ويشهد بذلك ما في بعض النسخ : تتنقب وتظهر للشهود ، فإنه
ظاهر في ذلك ،
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 43 من كتاب الشهادات .
( 2 ) الفقيه ج 3 ص 40 . ( * )
] ويجوز له النظر إلى وجه امرأة للشهادة ، الثالثة تقبل
الشهادة على الشهادة في
الديون والاموال والحقوق [
فلا ينافي ما تقدم مع انه لو سلم المنافاة يتعين طرحها
لمخالفتها لفتوى الاصحاب
وموافقتها لمذهب العامة .
ويشعر به الصحيح الآخر : لا بأس بالشهادة على إقرار
المرأة وليست بمسفرة إذا
عرفت بعينها ، ولا يجوز عندهم أن يشهد الشهود على إقرار دون
أن تسفر فينظر إليها .
فإن الظاهر ان مرجع الضمير هو العامة ، أضف إلى جميع ذلك
كونها مكاتبة والغالب
فيها التقية ، فلا تصلح لمعارضة خبر ابن يقطين المعمول
به بين الاصحاب المنجبر
ضعفه لو كان بالعمل .
4.
( ويجوز له
النظر إلى وجه امرأة للشهادة ) كما يجوز أن تسفر المرأة ويكشف عن
وجهها ليعرفها الشاهد ان لها أو عليها ، إذا لم يمكن
معرفتها بشهادة العدلين . بلا
خلاف بينهم كما صرح به غير واحد .
ويشهد به : خبر علي بن يقطين المتقدم ، بل والمكاتبة
المتقدمة ، بناء على ارادة
الظهور للشهود ، على ما مر . هذا بناء على القول بعدم
جواز النظر إلى وجه المرأة بغير
ريبة ووجوب الستر عليها .
وأما على القول بجوازه وعدم وجوب الستر عليها ، فلا
يتوقفان على القيد المذكور
كما لا يخفى وقد مر الكلام في المبنى في كتاب النكاح .
المسألة ( الثالثة ) : في الشهادة على الشهادة ، لا خلاف
ولا كلام في أنه ( تقبل الشهادة
على الشهادة في الديون والاموال ) كالقرض والقراض وعقود
المعاوضات ( والحقوق )
[ . . . ]
المتعلقة بالآدمي سواء أكانت عقوبة كالقصاص أو غيرها ،
كالطلاق والنسب وعيوب
النساء والولادة والاستهلال وما شاكل بلا خلاف أجده وبه
صرح في الرياض والجواهر
وغيرها ، وعن غير واحد دعوى الاجماع عليه ، وفي الجواهر
بل الاجماع بقسميه عليه بل
لعل المحكى منه على ذلك متواتر .
ويشهد به مضافا إلى ذلك وإلى العمومات الدالة على قبول الشهادة
: جملة من
النصوص كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر - عليه السلام -
في الشهادة على شهادة
الرجل وهو بالحضرة في البلد قال - عليه السلام - :
" نعم لو كان خلف سارية يجوز ذلك إذا
كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه من أن يحضره
ويقيمها فلا بأس باقامة الشهادة
على شهادة " ( 1 ) .
وخبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله - عليه السلام - عن
أبيه - عليه السلام - عن علي - عليه
السلام - : " إنه كان لا يجيز شهادة رجل على رجل
إلا شهادة رجلين على رجل " ( 2 ) .
وخبر غياث بن إبراهيم عنه - عليه السلام - عن أبيه -
عليه السلام - : " إن عليا - عليه السلام -
كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل إلا شهادة رجلين
على شهادة رجل " قال :
وقال الصادق - عليه السلام - : " إذا شهد رجل على
شهادة رجل فإن شهادته تقبل وهي
نصف شهادته ، وإن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبت
شهادته على شهادة
رجل واحد " ( 3 ) .
وأما خبره الآخر عنه - عليه السلام - عن أبيه - عليه
السلام - : " إن عليا - عليه السلام - قال : لا
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 44 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 44 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 3 ) الوسائل باب 44 من كتاب الشهادات حديث 4 . ( * )
] لا الحدود [
أقبل شهادة رجل على رجل حي وإن كان باليمين " ( 1 )
فمحمول على خبره السابق ، أو
على التقية .
وتمام الكلام بالبحث في جهات :
الاولى : لا خلاف في أنه ( لا ) تقبل الشهادة على
الشهادة في ( الحدود ) وما كان
عقوبة لله تعالى ، وفي المسالك والرياض وغيرهما الاجماع
عليه .
ويشهد له : خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله - عليه
السلام - عن أبيه - عليه السلام - عن
الامام علي - عليه السلام - : " إنه كان لا يجيز
شهادة على شهادة في حد " ( 2 ) ونحوه خبر غياث
ابن إبراهيم ( 3 ) .
وهل يختص عدم القبول بما إذا كان الحد لله محضا كحد
الزنا والسحق كما عن
المبسوط وابن حمزة وفخر الاسلام والشهيد في النكت
واستجوده في المسالك ، أم يعم ما
كان مشتركا بينه تعالى وبين الآدمي كحد السرقة والقذف
كما هو المشهور بين
الاصحاب كما في المسالك . الظاهر هو الثاني لاطلاق
الخبرين .
واستدل للاختصاص : بعموم ما دل على قبولها قال في
المسالك : وهذا أجود
لعدم دليل صالح للتخصيص فيهما ونظره - قده - إلى ما صرح
به قبل ذلك من ضعف
الطريق فيهما .
ولكن يرد عليه : انه لو سلم ضعف الخبرين لا اشكال في
انجبار ضعفهما بعمل
الاصحاب .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 44 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 45 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 3 ) الوسائل باب 45 من كتاب الشهادات حديث 2 . ( * )
] ولا يكفي اقل من عدلين على أصل ولو شهد اثنان على كل واحد
من
الاصلين قبلت [
الثانية : الظاهر كما صرح به في المسالك والجواهر
جريانها في حقوق الله غير الحد
كالزكاة وأوقاف المساجد والجهات العامة والاهلة لاطلاق
الادلة المتقدمة ، ولكن عن
كشف اللثام وكذا لا تثبت في سائر حقوق الله تعالى كما
قطع به الاصحاب ومنه الاهلة ،
ولذا قال في التذكرة : لا يثبت الهلال بالشهادة على
الشهادة عند علمائنا .
واستدل له : بأصالة البراءة واختصاص ورود القبول
بالاموال وحقوق الآدميين ،
إلا أن الاصل لا يرجع إليه مع عموم وإطلاق الادلة العامة
والخاصة ، والاختصاص
ممنوع لعدم القرينة .
الثالثة : الظاهر أنه في الحدود المشتركة وإن لم تقبل
الشهادة على الشهادة إلا أنه
يثبت بها غير الحد من الاحكام المترتبة على موضوع الحد
كنشر الحرمة بام الموطوء واخته
وبنته وبنت العمة والخالة بالزنا بهما وغير ذلك ، كما عن
المحقق والمصنف والشهيدين في
الشرائع والتحرير والقواعد والارشاد والدروس والمسالك
واللمعة والروضة ، لعموم
الادلة .
ودعوى التلازم بين الامرين لكونهما معلولين لعلة واحدة
ممنوعة فإن تلازمهما
شرعي فلا مانع من التفكيك بينهما مع الدليل ، وقد دل
الدليل على ذلك فإن مقتضى
العمومات ثبوت الجميع بها خرج منها الحد بالاجماع والنص
وبقي الباقي .
الرابعة : ( ولا يكفي ) في الشهادة ( أقل من ) شاهدين (
عدلين على ) شهادة ال
( أصل ) بلا خلاف . يشهد به مضافا إلى الاجماع الذي ادعاه
جماعة : النصوص
المتقدمة . نعم ، لايشترط المغايرة لعدم الدليل عليه .
( و ) عليه ف ( لو شهد اثنان على كل واحد من الاصلين قبلت
) وكذا شهادة أحد
الاصلين مع الآخر على شهادة الاصل الآخر ونحو ذلك بلا
خلاف أجده فيه .
[ . . . ]
ويشهد به مضافا إلى الاجماع الذي ادعاه غير واحد : إطلاق
الادلة سيما الادلة العامة .
الخامسة : لا خلاف في أن شهادة الفرع تقبل كان شاهد
الاصل رجلا أو امرأة أو
رجلا وامرأة فيما يقبل فيه شهادة المرأة ، لاطلاق الادلة
العامة وللاجماع وإن كانت
النصوص الخاصة مختصة بالشهادة على شهادة الرجل ، وهل
تقبل شهادة الفرع إن كان
الشاهد امرأة أو لا ؟ نسب إلى الاسكافي والشيخ في الخلاف
وموضع من المبسوط
والمصنف في المختلف اختيار الاول في الموضع الذي يقبل
فيه شهادتها منفردة أو
منضمة وعن الخلاف إجماع الفرقة عليه .
وعن السرائر والتحرير والقواعد والايضاح والنكت والمسالك
والتنقيح وغيرها :
اختيار الثاني ، بل قيل لم أجد فيه مخالفا على المنع .
وحق القول في المقام يقتضي بيان ما يراد إثباته بشهادة
الفرع ثم ملاحظة الادلة ،
أما الاول فلو شهد شاهد على أن الاصل شهد بذلك كأن شهد
زيد بأن عمرو اشهد
باشتغال ذمة بكر لخالد .
فالمشهور بين الاصحاب وفي المسالك وهو مذهب الاصحاب ان
المقصود
إثبات شهادة شاهد الاصل عند الحاكم ، وأصر المحقق
النراقي بأن المقصود إثبات
المشهود به الاصل وهو اشتغال الذمة في المثال لا شهادة
عمرو وقد ذكر شواهد لان
مراد الاصحاب أيضا ذلك ، فشاهد الفرع بحكم النائب عن
شاهد الاصل ، فعلى الاول
يجوز شهادة النساء على الشهادة بناء على ما اخترناه من
أن الاصل قبول شهادتهن إلا ما
خرج بالدليل ، وليست شهادة الاصل مما خرج عنه .
وعليه فيتم استدلال المصنف لقبولها بالاصل وإطلاق الادلة
، وما عن الخلاف
من الاستدلال له بأخبار الفرقة ، ولا ينافيها اختصاص
النصوص الخاصة بشهادة
[ . . . ]
الرجال فإنه لا مفهوم لها كي تدل على عدم قبول شهادة
النساء .
نعم على القول بأن الاصل عدم قبول شهادتهن إلا ما خرج
بالدليل تعين البناء
على عدم قبول شهادتهن في المقام .
والاستدلال للقبول : بإجماع الخلاف ، والاخبار التي أشار
إليها فيه ، وعموم قوله
تعالى : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) ( 1 )
وخبر السكوني المتقدم المتضمن لقبول
شهادتهن في الديون . وفحوى ما دل على قبول شهادة الاصل
في ما تقبل فيه ، مردود إذ
الاجماع المنقول المخالف للشهرة المحققة ليس بحجة ،
والاخبار لم تصل إلينا ، والآية
الكريمة وخبر السكوني في الشهادة في الديون وشهادة الفرع
ليست منها ، والفحوى
ممنوعة ، وعلى الثاني الاظهر عدم القبول لان جميع أدلة
قبول الشهادة مختصة بشهادة
الاصل ولا تشمل شهادة الفرع في إثبات المشهود به الاصل
وكون شاهد الفرع نائبا عن
شاهد الاصل ، ونصوص الباب مختصة بشهادة الرجل .
وأما المبنى ، فالظاهر من الاخبار هو الاول ، لاحظ مرسل
الفقيه : قال الصادق
- عليه السلام - : " إذا شهد رجل على شهادة رجل فان
شهادته تقبل وهي نصف شهادة ، وإن
شهد رجلان عدلان على شهادة فقد ثبت شهادة رجل واحد
" ( 2 ) . فإنه كالصريح في أن
المقصود بالاثبات هو شهادة الاصل ، ومن الغريب استدلال
المحقق النراقي بهذا الخبر
للقول الآخر .
وخبر غياث بن إبراهيم : ان عليا - عليه السلام - كان لا
يجيز شهادة رجل على شهادة
رجل إلا شهادة رجلين على شهادة رجل ، دل بمفهوم
الاستثناء على جواز شهادة رجلين
...............................................................................
( 1 ) سورة البقرة آية 282 .
( 2 ) الوسائل باب 44 من كتاب الشهادات حديث 5 . ( * )
[ . . . ]
على شهادة رجل واحد لا على ما شهد به الرجل ( 1 ) .
وأما صحيح محمد المتقدم المتضمن لقبول شهادة الفرع مع
عدم امكان حضور
شهود الاصل ( 2 ) فلا يكون ظاهرا في أن المقصود إثبات
المشهود به فضلا عن النصوصية
التي ادعاها المحقق المزبور .
فإن قيل : فعلى ما ذكرت يلزم قبول شهادة النساء على
الشهادة حتى فيما لا يقبل
فيه شهادتهن كالهلال .
قلنا : إنه لولا الاجماع لكنا ملتزمين بذلك وقد ادعوه
على عدم القبول .
السادسة : قال الشيخ في محكى المبسوط وتبعه غيره بأنه
لتحمل شاهد الفرع
مراتب :
الاولى : الاسترعاء : وهو أن يقول شاهد الاصل لشاهد الفرع
: اشهد على
شهادتي اني أشهد على فلان بن فلان لفلان بن فلان ، بكذا
سمى استرعاء لالتماس
شاهد الاصل رعاية شهادته والشهادة بها .
الثانية : أن يسمع شاهد الفرع أن شاهد الاصل يشهد عند
الحاكم فإذا سمع أنه
يشهد عنده صار متحملا للشهادة ، قالوا : وهذه أخفض من الاولى
مرتبة .
الثالثة : أن يسمعه أن يقول : أنا أشهد لفلان بن فلان
على فلان بن فلان بكذا
وكذا ، ويذكر السبب مثل أن يقول من ثمن ثوب أو عقار ،
وقد اتفقوا على جواز
التحمل في الاولى والمشهور بينهم جوازه في الاخيرتين ،
وخالفهم الاسكافي فيهما فحكم
بعدم الجواز .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 44 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 2 ) الوسائل باب 44 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
والمحقق والمصنف - ره - فانهما ترددا فيه في الاخيرة ،
قيل : وقد اتفقوا على عدم
جواز التحمل في غير هذه الصور وهو أن يقول شاهد الاصل :
إني أشهد أن عليه كذا
وكذا من دون استرعاء ولا في مجلس الحكم ولا ذكر سبب .
وفي الشرائع والفرق بين هذه وبين ذكر السبب اشكال ،
ويمكن أن يكون نظره
في الاشكال إلى إلحاق الاولى بالثانية في المنع من
القبول ، ويمكن أن يكون إلى إلحاق
الثانية بالاولى فيما هو وجه القبول في الاولى ، وكيف
كان فحيث لا نص خاص في
المسألة ولا إجماع تعبدي لاستناد المجمعين إلى ما سيمر
عليك بل لعله غير ثابت لانه
لم أر من تعرض لذلك قبل الشيخ والاسكافي ، فلا بد من
ملاحظة القواعد العامة ، فيتم
ما في الرياض حيث قال : فينبغي الرجوع إلى مقتضى الاصول .
وعلى هذا فحيث عرفت أن المعتبر في الشهادة العلم
بالمشهود به ولا يعتبر شئ
آخر وراء ذلك ، ففي الصورة الرابعة إن كانت شهادة الاصل
بنحو الجزم لا بصورة
التردد أو ما يقبل التسامح باحتمال ارادة الوعد ، بمعنى
أن المشهود عليه كان قد وعد
المشهود له بذلك فجعلها عليه لان الوفاء بالوعد من مكارم
الاخلاق ، فينزله منزلة الدين
كما لو قال إن لفلان على فلان دينا جزميا .
فالاظهر هو القبول وجواز التحمل ولا فرق حينئذ بين ذلك
وبين ذكر السبب .
فإن قيل : إنه لو شهد بالسبب يكون ذلك ظاهرا في المشاهدة
ولو شهد بالحق من
دون ذكره ولا عند الحاكم ولا بالاسترعاء ، فغاية ما هناك
كونها عن علم وجزم ولا قرينة
على حصول العلم من المشاهدة لاستعمال الشهادة في الاخبار
الجزمي الحاصل من غير
المشاهدة ، وهذا هو الفرق بين الصورتين ، وهو الوجه في
عدم القبول في الصورة الرابعة .
قلنا : قد مر فساد المبنى وان الشهادة إذا كانت مستندة
إلى العلم والجزم تقبل من
] وانما تقبل مع تعذر حصول شاهد الاصل ولو انكر الاصل [
أي سبب حصل العلم والجزم . نعم إذا احتمل في شهادة الاصل
التسامح بنحو لا ينافي
عدالته تم ما ذكروه من عدم القبول وعدم جواز التحمل ،
وهذا الاحتمال لا يجري مع
ذكر السبب وهو الفارق بين الصورتين ، وبما ذكرناه يظهر
ما في كلمات القوم في المقام .
السابعة : لا خلاف ( و ) لا اشكال في أنه ( انما تقبل )
شهادة الفرع ( مع تعذر
حضور شاهد الاصل ) فلو تمكن منه كما لو كان حاضرا في
البلد أو في موضع يمكنه
الحضور لا تقبل من الفرع ، وعن الخلاف دعوى الاجماع عليه
، ويشهد به صحيح محمد
المتقدم .
ولو أمكنه الحضور لكن مع مشقة رافعة للتكليف فهل تقبل
شهادة الفرع ؟
الظاهر ذلك لان النص وإن اختص بما إذا تعذر الحضور ،
ولكن بما أن مقتضى قاعدة
نفي الحرج عدم وجوب الحضور على الاصل ، فيدور الامر بين
قبول شهادة الفرع وبين
ابطال المشهود له ، والثاني باطل إجماعا ، فيتعين الاول
.
الثامنة : ( ولو ) شهد شاهد الفرع و ( أنكر الاصل ) فعن
الشيخ في النهاية
والقاضي والصدوقين العمل بأعدلهما ، فإن تساويا اطرح
الفرع ، وعن ابن حمزة والمصنف
في المختلف ذلك فيما إذا أنكر بعد الحكم ، وأما قبله
فيطرح الفرع .
وعن جماعة من الاصحاب منهم المصنف - ره - في جملة من
كتبه : انه لا يلتفت
إلى شهادة الفرع بعد الحكم ، بل قال المصنف : إن
القائلين بالقول الاول انما يقولون به
فيما إذا كان الانكار قبل الحكم ، وأما بعده فلم يقل به
أحد منهم وظاهره كظاهر
المسالك الاجماع عليه ، وعن الاسكافي طرح شهادة الفرع
مطلقا .
وملخص القول في المقام يقتضي البحث في موردين :
1.
فيما تقتضيه
القواعد مع قطع النظر عن النصوص الخاصة . ( * )
[ . . . ]
2.
فيما يقتضيه
النص بعد الجمع بينه وبين القواعد .
أما المورد الاول : فإن كان ذلك قبل الحكم وحضر الاصل
وأنكر لا يعتنى بشاهد
الفرع لما تقدم من اعتبار عدم حضور الاصل في قبول شهادته
، وإن لم يحضر بل كان
إنكاره بانفاذ خبر محفوف بالقرينة أو اشهاد عدلين آخرين
، فقد يقال : انه يطرح شهادة
الفرع ، إذ إما أن يكون هو كاذبا فشهادته مردودة ، أو
يكون الاصل كاذبا فلا تفيد
شهادته ، لما عرفت من أن بها تثبت شهادة الاصل لا
المشهود به الاصل فهي مطروحة
على التقديرين إما لمانع عن القبول ، أو لعدم الفائدة
والاثر .
وفيه : انه من الجائز كون شاهد الاصل كاذبا وكون الفسق
عارضا وحينئذ فيثبت
بشهادته في حال العدالة الحق ويصح الحكم بناء على ما مر
من أن عروض الفسق لا
يمنع عن الاستناد إلى الشهادة ، والظاهر حينئذ تقديم
شهادة الفرع فإن مورد التكاذب
ليس ثبوت المشهود به الاصل بل شهادة الاصل ، فالمثبت له
اثنان والنافي واحد ،
والاثنان حجة شرعية والواحد ليس بحجة في المقام ولا يصلح
اللاحجة للمعارضة مع
الحجة ، وإن كان بعد الحكم فلا توقف في عدم الالتفات إلى
الانكار . لما مر ، وللاجماع
المحكى ، ولنفوذ الحكم فيستصحب .
وأما المورد الثاني : فقد روى البصري في الصحيح عن أبي
عبد الله - عليه السلام - : في
رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال : إني لم أشهد ،
قال - عليه السلام - : " تجوز
شهادة أعدلهما وإن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته
" ( 1 ) ونحوه صحيح ابن سنان ( 2 ) ،
وهما مختصان بما قبل الحكم إذ بعد الحكم التعبير بجواز
الشهادة وعدمه غير مستحسن ،
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 46 من كتاب حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 46 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
] ردت الشهادة مع عدم الحكم ولا تسمع الشهادة الثالثة في شئ
أصلا ، [
وعلى فرض الشمول فالنسبة بينهما وبين ما دل على نفوذ حكم
الحاكم ما لم يعلم بطلانه
عموم من وجه ، والترجيح له للشهرة العظيمة بل الاجماع
على عدم الالتفات إلى الانكار
بعد الحكم فيختصان بما قبل الحكم .
ومقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين صورة حضور الاصل مجلس
الاداء إنكاره
بانفاذ الخبر المحفوف بالقرينة وما شاكل ، بل لا يبعد
القول بظهوره في صورة الحضور ،
فيعارضان ما دل على أنه لا يلتفت إلى شهادة الفرع مع
حضور شاهد الاصل ، وحيث
إنهما أخص منه أو لا أقل من التعارض بالعموم من وجه ،
والترجيح لهما من ناحية
صفات الراوي التي هي ثاني المرجحات بعد عدم احراز أن
المشهور رد شهادة الفرع في
هذا المورد .
فالمتحصل مما ذكرناه أن المستفاد من النصوص الخاصة أنه
لا يلتفت إلى إنكار
الاصل بعد الحكم وقبل الحكم يعمل بأعدلهما ، ومع التساوي
يطرح الفرع كما هو
المحكى عن الشيخ في النهاية والقاضي والصدوقين بعد تقييد
ما أفادوه بما قبل الحكم
كما صرح به جماعة على ما مر .
وبذلك يظهر ما في المتن حيث قال : ( ردت الشهادة مع عدم
الحكم ) وكذا في ما
سائر كلمات القوم في المقام .
التاسعة : قالوا : ( ولا تسمع الشهادة الثالثة في شئ
أصلا ) وهي الشهادة على
الشهادة على الشهادة ، والظاهر أنه إجماعي .
ويشهد به : خبر عمرو بن جميع عن الامام الصادق - عليه
السلام - عن أبيه - عليه
السلام - : " ولا تجوز شهادة على شهادة على شهادة
" ( 1 ) ، المنجبر ضعفه بالاستناد والعمل .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 44 من كتاب الشهادات حديث 6 . ( * )
] الرابعة إذا رجع الشاهدان قبل الحكم بطل ]
رجوع الشهود عن الشهادة قبل الحكم
المسألة : ( الرابعة : إذا رجع الشاهدان ) أو أحدهما (
قبل الحكم بطل ) ولا يحكم
بشهادتهما بلا خلاف كما صرح به غير واحد ، وفي المستند
وعن كشف اللثام الاجماع عليه .
ويشهد به مرسل جميل الصحيح لكونه المرسل ولرواية ابن أبي
عمير عنه عمن
أخبره عن أحدهما - عليهما السلام - ، قال - عليه السلام
- : " في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم وقد
قضى على الرجل ضمنوا ما شهدوا به وغرموا وإن لم يكن قضى
طرحت شهادتهم ولم
يغرموا الشهود شيئا " ( 1 ) .
وأما خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن الامام علي - عليهم
السلام - : " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال : من شهد عندنا أخذناه بالاول وطرحنا الاخير "
( 2 ) فإن أمكن حمله على ما بعد الحكم
فهو المتعين وإلا فيطرح لانه لا يصلح للمقاومة مع المرسل
من وجوه لا تخفى .
ولو اعترف الشهود بتعمد الكذب فهم فسقة ، وإن قالوا :
أخطأنا أو غلطنا فلا
فسق ، فهل تقبل شهادتهم لو أعادوها لعموم الادلة كما عن
كشف اللثام ، أم لا تقبل
تلك الشهادة كما عن القواعد والمسالك ، لحسن محمد بن قيس
عن الامام الباقر - عليه
السلام - : " قضى أمير المؤمنين - عليه السلام - في
رجل شهد عليه رجلان أنه سرق فقطع يده
حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا : هذا
السارق وليس الذي
قطعت يده انما شبهنا ذلك بهذا فقضى عليهما أن غرمهما نصف
الدية ولم يجز شهادتهما
على الاخر " ( 3 ) . وجهان لا من جهة أن الخبر
المزبور يقصر عن معارضة العمومات كما
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 10 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 11 من كتاب الشهادات حديث 4 .
( 3 ) الوسائل باب 14 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
عن الكشف فان الخاص يقدم على العام مطلقا بل لان الخبر
فيما بعد الحكم ويحتمل
الاختصاص ، سيما وان المفروض فيه ليس اعادة الشهادة
الاولى بل الشهادة على غير من
شهدوا عليه اولا ، فالاظهر هو القبول .
لو كان المشهود به الزنا واعترفوا بتعمد الكذب حدوا
للقذف ، وإن قالوا :
غلطنا فهل يحدون كما عن المبسوط وفي المسالك ، لما فيه
من التعيير ، وكان من حقهم
التثبت والاحتياط ، ولمرسل ابن محبوب عن أبي عبد الله -
عليه السلام - : في أربعة شهدوا على
رجل محصن بالزنا ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل ؟ قال -
عليه السلام - : " إن قال
الراجع : أو همت ، ضرب الحد ، واغرم الدية ، وإن قال :
تعمدت ،
قتل " ( 1 ) ، أم لا يحدون
لان الغالط معذور والحدود تدرأ بالشبهات فضلا عن
الاشتباه والغلط ، وكون حقهم
التثبت والاحتياط لا يوجب الحد بعدما كانوا عاملين
بوظيفتهم لفرض العدالة المانعة
عن التساهل والتسامح ، والمرسل فيما بعد الحكم ، وسيأتي
الكلام فيه ، وجهان أظهرهما
الثاني .
ورتب الشهيد الثاني على القول بوجوب الحد انه ترد
شهادتهم وانه لو قلنا :
لاحد فلا رد .
وأورد عليه في الجواهر : بأنه لا يكاد يظهر له معنى محصل
موافق لما ذكره اولا .
وفيه : ان محل كلامه في السابق خصوص تلك الشهادة لو
اعادوها ومدركه
الحسن المتقدم ، ومفروضه في المقام مطلق شهاداتهم نظرا
إلى مادل على أنه لا تقبل
شهادة المحدود إلا إذا تاب بعد الحد فلا ايراد عليه .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 12 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
] وإن كان بعده لم ينقض الحكم وغرما ولو ثبت تزويرهما
استعيدت العين فإن
تلفت أوتعذر الاستعادة ضمن الشهود ولو قال شهود القتل بعد
القصاص
أخطأنا غرموا [
رجوع الشهود بعد القضاء والاستيفاء
( وإن كان ) الرجوع ( بعده ) أي بعد الحكم ( لم ينقض الحكم
وغرما ) أي ضمنا ،
واغرمه المشهود عليه بلا خلاف فيه مع تلف العين ، وعن
التحرير والقواعد الاجماع
عليه ، ويشهد به مرسل جميل المتقدم ، والنبوي الخاصي :
" من شهد عندنا بشهادة ثم غير
أخذناه بالاولى وطرحنا الاخرى " ( 1 ) .
ولو كانت العين باقية فالمشهور بين الاصحاب أنه لا ينقص
الحكم ولا تستعاد
العين بل في الرياض عليه عامة متأخري أصحابنا ، بل
وقدمائهم أيضا ، وعن الشيخ في
النهاية وابن حمزة والقاضي انه ترد العين على صاحبها ولا
غرامة على الشهود .
وقال الماتن : ( ولو ثبت تزويرهما استعيدت العين فإن
تلفت أو تعذر الاستعادة
ضمن الشهود ) وحاصل مختاره أنه مع ثبوت التزوير وكونهما
شاهدي زور تستعاد العين
ومع عدم ثبوته لا تستعاد العين ، وهو مختار المحقق في
النافع ، والاظهر هو ذلك .
أما الاستعادة في صورة ثبوت التزوير فلصحيح جميل عن
الامام الصادق - عليه
السلام - في شاهد الزور قال - عليه السلام - : " إن
كان الشئ قائما بعينه رد على صاحبه وإن لم
يكن قائما بعينه ضمن بقدر ما اتلف من مال الرجل " (
2 ) . وأما عدمها في صورة عدم
ثبوته فلاطلاق مرسل جميل المتقدم والنبوي هذا فيما إذا
كان المشهود به من الاموال .
( ولو قال شهود القتل بعد القصاص أخطأنا غرموا ) الدية بلا
خلاف .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 14 من كتاب الشهادات حديث 4 .
( 2 ) الوسائل باب 11 من كتاب الشهادات حديث 2 . ( * )
] وإن قالوا تعمدنا اقتص منهم أو من بعضهم ويرد على البعض ما
وجب
عليهم فإن فضل شئ أتمه الولي [
ويشهد به مضافا إلى ذلك : مرسل ابن محبوب ( 1 ) عن بعض
أصحابه عن الامام
الصادق - عليه السلام - : في أربعة شهدوا على رجل محصن
بالزنا ثم رجع أحدهم بعد ما قتل
الرجل ؟ قال - عليه السلام - : " إن قال الراجع :
أو همت ، ضرب الحد ، واغرم الدية ، وإن قال :
تعمدت ، قتل " ، ومثله في ثبوت الدية خبر مسمع
كردين ( 2 ) .
وهل الدية على العاقلة من جهة اعترافهم بأنه خطائي وحيث
إن دعواهم دعوى
لا تعرف إلا من قبلهم كما إليه يميل صاحب الجواهر ، أم
تكون في أموالهم لانه شبيه
عمد ولا يثبت بإقرارهم الخطاء كما عن كشف اللثام ، وجهان
أو جههما الاول .
( وإن قالوا تعمدنا اقتص ) الولي ( منهم ) جميعا ( أو من
بعضهم ) أو أخذ الدية في
موضع لا يقتص فيه من المتعمد إن شاء ( ويرد ) هو تمام ما
فضل عن جناية صاحبه على
ورثة المقتص منهم إن كانوا جميعا الشهود ، وإلا ف ( على
البعض ) الباقين أن يردوا على
ورثة المقتص منه بقدر ( ما وجب عليهم ) من الجناية ( فإن
فضل شئ أتمه الولي ) كما إذا
اقتص من أكثر من واحد بلا خلاف في شئ من ذلك ، أما جواز
الاقتصاص
فللنصوص المتقدمة ، وأما لزوم الرد فلعدم كون كل واحد منهم
تمام السبب بل جزأه
فحكمهم حكم ما لو قتلوا جميعا واحدا .
ومع ذلك فصحيح الازدي شاهد به ، قال : سألت أبا عبد الله
- عليه السلام - : عن
أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلما قتل رجع أحدهم عن
شهادته ؟ قال : فقال - عليه السلام - :
" يقتل الرابع ويؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية
" ( 3 ) .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 12 من كتاب الشهادات حديث حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 12 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 12 من كتاب الشهادات حديث 2 . ( * )
] ولو قال بعضهم ذلك رد عليه الولي ما يفضل عن جنايته واقتص
منه إن كان
عمدا أو اخذ منه ما قابل فعله من الدية إن قال أخطأت [
وإن قال بعضهم تعمدنا وبعضهم أخطأنا ، فعلى المقر بالعمد
القصاص وعلى
المقر بالخطاء نصيبه من الدية بلا خلاف في شئ من ذلك بل
الاجماع بقسميه عليه كما
في الجواهر وبما تقدم يظهر وجهه ، كما يظهر أنه لو اقتص
من العامد يرد الفاضل على
دية صاحبه أو يرد الباقون على قدر جنايتهم بالتفصيل
المتقدم .
( ولو قال بعضهم ذلك رد عليه الولي ما يفضل عن جنايته
واقتص منه إن كان
عمدا أو أخذ منه ما قابل فعله من الدية إن قال أخطأت )
بلا خلاف بل عليه الاجماع ولا
يكون إقراره ماضيا على غيره ، والنصوص المتقدمة شاهدة
بذلك ، لا يقال إن ظاهر تلك
النصوص لزوم تمام الدية على المقر ، فإنه يقال إن التتبع
في النصوص الآتية جملة منها
والمتقدمة اخرى بضميمة عدم كونه تمام السبب في القتل
غايته انه جزء السبب يوجب
القطع بأن المراد نصيبه من الدية .
بل في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي - عليه السلام
- : في أربعة شهدوا على
رجل انهم رأوه مع امرأة يجامعها وهم ينظرون فرجم ثم رجع
واحد منهم ؟ قال - عليه
السلام - : " يغرم ربع الدية إذا قال : شبه علي ،
وإذا رجع اثنان وقالا : شبه علينا ، غرما
نصف الدية ، وإن رجعوا كلهم وقالوا : شبه علينا ، غرموا
الدية ، فإن قالوا : شهدنا بالزور ،
قتلوا جميعا " ( 1 ) التصريح بذلك .
وعن الشيخ في النهاية : أنه لو قال بعضهم : تعمدت ، يقتل
، ويرد الباقون من
شهود الزنا ثلاثة أرباع الدية إلى المقتص به ، واستدل له
بصحيح الازدي المتقدم وهو
مختص بخصوص الزنا ككلام الشيخ - ره - وسنده صحيح ولا
مانع من تخصيص الادلة
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 14 من كتاب الشهادات حديث 2 . ( * )
] ولو شهدا بسرقة فقطعت يد المشهود عليه ثم قالا اوهمنا
والسارق غيره غرما
دية اليد ولا يقبل قولهما على الثاني [
الاخر به ، ولكن لاعراض الاصحاب عنه وعدم افتائهم به إذ لم
ينقل العمل به عن غيره
في النهاية والاسكافي والقاضي ، وهو أيضا رجع عنه في
كتبه المتأخرة عن النهاية ، لا بد
من طرحه أو حمله ككلام العاملين به على ما ذكره المصنف -
ره - في محكى المختلف على
ما إذا رجعوا جميعا وقال أحدهم : تعمدت ، وقال الباقون :
أخطأنا .
( ولو شهدا ) على رجل ( بسرقة فقطعت يد المشهود عليه ثم )
رجعا و ( قالا اوهمنا
والسارق غيره ) بأن أتيا بآخر قائلين : إن السارق هذا (
غرما دية اليد ولا يقبل قولهما على
الثاني ) كما هنا وفي النافع وعن القواعد والتحرير .
ويشهد به : صحيح محمد بن قيس عن الامام الباقر - عليه
السلام - : " قضى أمير
المؤمنين - عليه السلام - في رجل شهد عليه رجلان بأنه
سرق فقطع يده حتى إذا كان بعد
ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا : هذا السارق وليس الذي
قطعت يده ، انما شبهنا
ذلك بهذا ، فقضى عليهما أن غرمهما نصف الدية " ( 1
) ، ( أي الكاملة وهو تمام دية اليد ) ،
ولم يجز شهادتهما على الآخر ، وقريب منه غيره .
رجوع الشهود قبل الاستيفاء وبعد القضاء
هذا كله فيما إذا كان الرجوع بعد الاستيفاء ، ولو كان
قبله وبعد الحكم ، فالمشهور
بين الاصحاب أنه ينقض الحكم وتبطل الشهادة سواء كان
المشهود به حقا لله تعالى
كحد الزنا واللواط ، أو لآدمي كقطع يد السارق وحد القاذف
، أو مشتركا بينه وبين الله
تعالى كحد السرقة ، وفي الجواهر بل لا أجد في شئ من ذلك
خلافا محققا .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 14 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
نعم في القواعد عبر بلفظ الاقرب مشعرا باحتمال العدم ،
بل قال متصلا بذلك
والاشكال في حدود الآدمي أقوى ، وما هو المشهور أظهر من
جهة أن الحدود تدرأ
بالشبهات ، وكون ما حكم به شرعيا صادرا من أهله واقعا في
محله لم يعلم له ناقض لا
يصلح لرفع الشبهة ، وبعبارة اخرى ان ما دل ( 1 ) على درء
الحدود بالشبهة يدل على
سقوطه في المقام ، وما دل ( 2 ) على عدم نقض الحكم يدل
على بقائه ، فيتعارضان بالعموم
من وجه ، والترجيح للاول .
وبذلك يظهر تمامية ما ذكروه من بقاء حكم التوابع التي لم
يثبت بالشرع سقوطها
بالشبهة فيحرم اخت الغلام الموطوء وامه وبنته ، وأكل
البهيمة الموطوءة المأكولة وما
شاكل .
ولو شهد الشهود بالارتداد وحكم القاضي بالردة ثم رجع
الشهود قبل القتل
يسقط قتله لدرء الحد بالشبه ، ولكن يقسم أمواله وتعتد
زوجته ، وفي محكى القواعد لو
رجعا قبل استيفاء القصاص لم يستوف ، وهل ينتقل إلى الدية
اشكال فإن أوجبناها رجع
بها عليهما .
وفيه : أولا : ان كون القصاص من الحدود محل تأمل بل منع
، وعلى فرض كونه منها
فلا وجه للانتقال إلى الدية ، فالاظهر بقاء القصاص .
وبما ذكرناه يظهر أن الاظهر عدم نقض الحكم فيما عدا
الحدود .
ويشهد به فيما يرجع إلى المال : إطلاق صحيح جميل عن من
أخبره عن أحدهما
- عليهما السلام - في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم وقد قضى
على الرجل ، ضمنوا ما شهدوا
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 24 من أبواب مقدمات الحدود .
( 2 ) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي . ( * )
[ . . . ]
به وغرموا ، الحديث ( 1 ) فان إطلاقه يشمل ما لو كان
الرجوع قبل الاستيفاء ، فما في الشرائع
بعد الحكم بانتقاض الحكم في الحدود ، وفي نقض الحكم فيما
عدا ذلك من الحقوق
تردد ، في غير محله .
وأما ما احتمله الشهيد الثاني - ره - من إلحاق القتل والجروح التي لا تدخل في
الحدود عرفا ، والفروج بالحدود لعظم خطرها وعدم استدراك
فائت البضع منها ، فيندفع
بالدليل .
رجوع الشهود عن الشهادة بالطلاق
وفي خصوص الشهادة بالطلاق روايتان توهم المحقق الاردبيلي
جواز نقض
الحكم في مسألة الرجوع في الطلاق مطلقا لاجلهما كما أن
لجماعة من القدماء والمتأخرين
كلاما على طبق الخبرين توهم منه التزامهم بذلك ، فلا بأس
بالتعرض لهما وبيان ما
يستفاد منهما .
لاحظ صحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر - عليه السلام
- : في رجلين شهدا على
رجل غائب عن امرأته أنه طلقها فاعتدت المرأة وتزوجت ثم
إن الزوج الغائب قدم
فزعم أنه لم يطلقها واكذب نفسه أحد الشاهدين ، فقال :
" لا سبيل للاخير عليها
ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع فيرد على الاخير ويفرق
بينهما وتعتد من الاخير
ولا يقربها الاول حتى تنقضي عدتها " ( 2 ) ونحوه
موثق إبراهيم بن عبد الحميد ( 3 ) .
وأما الاصحاب كالشيخ والصدوق والكليني والقاضي والحلبي
والمصنف في
محكى المختلف ، فقالوا : إنه لو شهدا بطلاق امرأة فتزوجت
ثم رجعا ردت الزوجة إلى
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 10 من كتاب الشهادات حديث 1 .
( 2 - 3 ) الوسائل باب 13 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
الزوج الاول بعد الاعتداد من الثاني ، وغرم الشاهدان
المهر كلا أو بعضا للثاني .
وأورد المتأخرون على الشيخ وموافقيه بأن ما ذكروه مخالف
للقاعدة القطعية
المجمع عليها من عدم جواز نقض الحكم المبرم الثابت
بالدليل ورفع اليد عنه بمجرد
الاحتمال من غير استناد إلى دليل شرعي آخر ، ولاجل ذلك
بنوا على طرح الخبرين .
أقول : أما الخبران فالظاهر كونهما أجنبيين عما هو محل
الكلام والبحث وهو رجوع
الشاهدين عما شهدا به بعد حكم الحاكم فإنهما في رجوع
الشهود الذين شهدوا عند المرأة
نفسها ، إذ المفروض فيهما ليس هو الدعوى والمخاصمة بل
شهادة العدلين بالطلاق ،
وحيث إن البينة حجة شرعية عمل بها المرأة وتزوجت ثم رجع
أحد الشاهدين فلا
اشكال ولا كلام في ارتفاع الحجية بتكذيب الشاهد نفسه
ورجوعه عما يشهد به ، بل
عرفت أنه كذلك إن كان ذلك بعد الرفع إلى الحاكم وعدم
حكمه ، وكذا كلام الاعلام
فإنه أيضا في المسألة المشار إليها .
ثم مع الاغماض عن ذلك وتسليم كون الخبرين في الرجوع بعد
حكم الحاكم لا
وجه لما ذكروه من الايراد إذ القاعدة المشار إليها ليست
قاعدة لا تقبل التخصيص ولذا
خصصوا عمومها بما دل على درء الحدود بالشبهات المتقدم ،
فما المانع من تخصيصه
بالخبرين المعتبرين وأي دليل شرعي أقوى من الخبر الصحيح
الذي عمل به جمع من
الفحول .
وبما ذكرناه ظهر ضعف ما أفاده الاردبيلي - ره - .
والمتحصل مما ذكرناه أنه إن كان رجوع الشهود في غير مورد
الرجوع إلى الحاكم ترد
الزوجة إلى الزوج الاول بعد الاعتداد من الثاني وغرم
الشاهدان المهر كلا أو بعضها ، كما
مر في كتاب النكاح .
] الخامسة [
وإن كان بعد حكم الحاكم فلا ينقض الحكم بل يحكم بالطلاق
وصحة التزويج
الثاني إن لم يثبت كونهما شاهدي زور لانه ثبت بالبينة
وحكم به الحاكم بالقضاء المبرم
فلا يبطل بمجرد رجوع الشهود المحتمل للصحة والفساد ، لما
مر من أن الثابت بدليل
شرعي لا ينقض إلا بدليل شرعي آخر .
وحينئذ يغرمان الصداق للاول ، قال الشيخ والحلي والمصنف
في أكثر كتبه وأكثر
من تأخر عنه بأنه إن كان ذلك قبل دخول الزوج الاول غرما
نصف المهر المسمى له ،
وإن كان بعده لم يغرما شيئا ، واستدلوا لغرامة النصف بأنهما
أتلفا عليه نصف المهر
المسمى اللازم بالطلاق فيضمناه ، ولعدم الغرامة في
الثاني بأصالة البراءة وعدم تحقق
اتلاف لاستقرار المهر بالدخول والبضع لا يضمن بالتفويت
كما حقق في محله .
ويرد على ما ذكروه في وجه الضمان : ما تقدم في كتاب
النكاح من أن نصف المهر
يستقر بالعقد فلم يتلفه عليه الشاهدان فلا وجه للضمان ،
ولو قالوا بأنهما يغرمان نصف
المهر للزوجة بناء على أنها تملك تمام المهر بالعقد
وبالطلاق قبل الدخول يعود نصفه إلى
الزوج كان أولى ، فانه يصدق أنهما بشهادتهما بالطلاق
أتلفا عليها نصف المهر فيضمنان
لها ، وقد مر الكلام في المبنى .
( الخامسة ) : لا اشكال ولا خلاف في أنه يحرم شهادة الزور .
ويشهد به مضافا إلى الاجماع المحقق ، وما دل على حرمة
تفويت الحق ، وما دل
على حرمة الكذب جملة من النصوص الخاصة كصحيح هشام عن
الامام الصادق - عليه
السلام - : " شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له
النار " ( 1 ) .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 9 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
] يجب شهرة شاهد الزور وتعزيره بما يراه الامام رادعا [
وخبر صالح بن ميثم عن الامام الباقر - عليه السلام - :
" ما من رجل يشهد بشهادة
زور على مال رجل مسلم ليقطعه إلا كتب الله له مكانه صكا
إلى النار " ( 1 ) .
وقوي السكونى : عن أبي عبد الله - عليه السلام - في حديث
: " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قال : يا
علي إن ملك الموت إذا نزل فقبض روح الكافر نزل معه بسفود
من نار فينزع روحه
فتصيح جهنم ، فقال علي - عليه السلام - : هل يصيب ذلك
أحدا من امتك ؟
قال صلى
الله عليه وآله وسلم : نعم
حاكم جائر ، وآكل مال اليتيم ظلما ، وشاهد زور " (
2 ) .
وخبر ابن سنان عنه - عليه السلام - : " لا ينقضي
كلام شاهد الزور من بين يدي الحاكم
حتى يتبوأ مقعده في النار ، وكذلك من كتم الشهادة "
( 3 ) إلى غير ذلك من النصوص
الكثيرة .
و ( يجب شهرة شاهد الزور ) في بلدهم وما حولها لتجنب
شهادتهم ويرتدع غيرهم
( وتعزيره بما يراه الامام ) والحاكم ( رادعا ) وحاسما
للجرأة بلا خلاف فيه .
ويشهد به : نصوص كثيرة كموثق سماعة عن الامام الصادق -
عليه السلام - : " شهود
الزور يجلدون حدا وليس له وقت ذلك إلى الامام ويطاف بهم
حتى يعرفوا ولا يعودوا "
قال : قلت : فان تابوا وأصلحوا تقبل شهادتهم بعد ؟ قال -
عليه السلام - : " إذا تابوا تاب الله
عليهم وقبل شهادتهم بعد " ( 4 ) .
وموثق غياث بن إبراهيم عنه - عليه السلام - : " إن
عليا - عليه السلام - كان إذا أخذ شاهد
زور فإن كان غريبا بعث إلى حيه وإن كان سوقيا بعث إلى
سوقه فطيف به ثم يحبسه
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 9 من كتاب الشهادات حديث 2 .
( 2 ) الوسائل باب 9 من كتاب الشهادات حديث 3 .
( 3 ) الوسائل باب 9 من كتاب الشهادات حديث 4 .
( 4 ) الوسائل باب 15 من كتاب الشهادات حديث 1 . ( * )
[ . . . ]
أياما ثم يخلي سبيله " ( 1 ) ونحوهما غيرهما .
والمراد بالاشتهار على ما ذكره الحلي هو أن ينادى في
محلتهم ومجتمعهم وسوقهم
فلا وفلان شهدا زورا ، قال : ولا يجوز أن يركبا حمارا
ويحلق رؤوسهما ولا أن يناديا هما
على نفسهما ولا يمثل بهما .
وما ذكرناه يختص بشاهد الزور ، ولا يثبت هذا الحكم فيمن
ثبت غلطه أو ردت
شهادته لمعارضة بينة اخرى أو ظهور فسق بغير زور أو ما
شاكل ذلك كما هو واضح .
ولو ثبت كون الشاهد شهد زور افإن كان قبل الحكم فلا
اشكال وإن كان بعده
نقض الحكم وبطل واستعيدت العين إن كانت قائمة وإلا يضمن
الشهود بغير خلاف
في شئ من ذلك كما تقدم ، ومر ما يدل عليه .
تم مسائل القضاء والشهادات في عشية الجمعة 22 من شهر
محرم الحرام
سنة 1389 . . . . .
. . . . . والحمد لله أولا وآخرا .
جمع حد وتعزير ، وهما لغة كما في المسالك : المنع ،
والتأديب ،
والحد شرعا عقوبة
خاصة تتعلق بايلام البدن بواسطة تلبس المكلف بمعصية خاصة
عين الشارع كميتها
في جميع افراده ، والتعزير عقوبة أو اهانة لا تقدير لها
بأصل الشرع غالبا ، وقيد الغالب
انما هو لاجل ما أفاده في المسالك من أنه قد وردت
الروايات بتقدير بعض أفراده وذلك
في خمسة مواضع :
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 15 من كتاب الشهادات حديث 3 . ( * )
[ . . . ]
الاول : تعزير المجامع زوجته في نهار رمضان مقدر خمسة
وعشرين سوطا ( 1 ) .
الثاني : من تزوج أمة على حرة ودخل بها قبل الاذن ضرب
اثنى عشر سوطا ونصفا
ثمن حد الزاني ( 2 ) .
الثالث : المجتمعان تحت ازار واحد مجردين مقدر بثلاثين
إلى تسعة وتسعين على
قول ( 3 ) .
الرابع : من افتض بكرا باصبعه ، قالوا : يجلد من ثلاثين
إلى سبعة وسبعين أو إلى
ثمانين ( 4 ) .
الخامس : الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد أو ازار
مجردين يعزران من عشرة
إلى تسعة وتسعين ( 5 ) ، قاله المفيد .
ولكنه كما اعترف به في المسالك أنه لا تقدير في غير
الاولين إذ الباقي يرجع فيما
بين الطرفين إلى رأي الحاكم كما يرجع إليه في تقدير غيره
، ثم إن عد الاولين من التعزير
لا الحد إنما هو من جهة ما في دليليهما من إطلاقه عليه وكون المراد به ما يقابل
الحد غير
معلوم ، ولذا عده بعضهم في الحدود ، والامر سهل .
والاصل في مشروعية الحد والتعزير ولزومهما ، الكتاب
والسنة ( 6 ) والاجماع
وتفاصيلهما في الآيات والاخبار كثيرة لكثرة أفرادهما .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 12 من أبواب بقية الحدود .
( 2 ) الوسائل باب 49 من أبواب حد الزنا .
( 3 ) الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا .
( 4 ) راجع الوسائل باب 39 من أبواب حد الزنا وباب 4 من أبواب
حد السحق .
( 5 ) الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا .
( 6 ) ستأتي الاشارة إليها في ضمن المسائل الآتية . ( * )
[ . . . ]
لا إشكال ولا كلام في أن اجراء الحدود والتعزيرات إنما
هو وظيفة الحاكم بمعنى
أنه ليس لكل أحد اقامتها ، وهل للحاكم الشرعي في زمان
الغيبة أن يقيمها أم يختص
اقامتها بالامام ؟ المشهور بين الاصحاب هو الاول ، وقد
استشكل المحقق القمي في
جامع الشتات في ذلك والتزم بأنها وظيفة الامام - عليه
السلام - .
يشهد للاول : موثق حفص بن غياث أو صحيحه ، قال : سألت
أبا عبد الله - عليه
السلام - : من يقيم الحدود السلطان أو القاضي ؟ فقال -
عليه السلام - : " إقامة الحدود إلى من
إليه الحكم " ( 1 ) ، وقد مر في كتاب القضاء ان من
إليه الحكم في زمان الغيبة هو المجتهد
الجامع للشرائط وقد دلت النصوص ( 2 ) على أنه المنصوب من
قبله - عليه السلام - حاكما
وقاضيا .
وعليه : فيمكن الاستدلال بنفس تلك النصوص أيضا فإنها تدل
على أن جميع ما
هو من شؤون ووظائف قضاة الجور إنما هي للحاكم الشرعي ولا
شك في أن من
وظائفهم اقامة الحدود فهي للحاكم .
قال المفيد في المقنعة : فأما اقامة الحدود فهي إلى
سلطان الاسلام المنصوب من
قبل الله وهم أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله
وسلم ومن نصبوه لذلك من الامراء والحاكم وقد
فوضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الامكان ( 3 ) فلا
اشكال في الحكم .
وتمام الكلام في هذا الكتاب في ضمن فصول تعرض لها المصنف
في هذا الكتاب
- أي كتاب القضاء والشهادات والحدود - .
...............................................................................
( 1 ) الوسائل باب 28 من أبواب مقدمات الحدود حديث 1 .
( 2 ) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي حديث 6 .
( 3 ) الوسائل باب 28 من أبواب مقدمات
الحدود وأحكامها العامة حديث 2 . ( * )