جواد شبر
ادب الطف
او
شـعراء الحسيـــن ( عليه السلام)
من القرن الاول الهجري حتى القرن الرابع عشر
وما فاتني نصركم باللسان
اذا فاتني نصركم باليـد
الجزء الاول
مؤسـسة التـاريخ
بيروت ـ لبنان
ادب الطف ـ الجزء الاول 4
1422 هـ ـ2001 م
الطبعة الاولى
ادب الطف ـ الجزء الاول 5
الإهداء
ياسيد الشهداء وشهيد الاباء، اقدم لاعتابك هذه المجموعة الفواحة رمزا
للوفاء، فما اتمتع به من عزة وكرامة وعافية وسلامة كانت من اشعاعاتك
التي تضيفها علي بجاهك العظيم عند الله تعالى.
فتقبل ياسيدي بعض ما يجب من ولدك.
المؤلف
ادب الطف ـ الجزء الاول 6
ادب الطف ـ الجزء الاول 7
تصدير :
بقلم العلامة: الشيخ محمد جواد مغنية
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد:
فان كلمتي هذه ليست مقدمة بمعناها الصحيح، ولا تقريظاً لهذه المجموعة،
او تعرفاً لها، او ثناء على من جمعها، وان استوجب الشكر على ما بذل من
جهد، و انما تبحث هذه الكلمة:
اولا: هل يقدس الشيعة شخص الحسين بالذات، او ان اسم الحسين عندهم رمز
لشيء عميق الدلالة، تماماً كما يرمز العاشق بالغزال الى محبوبته؟.
ثانياً: هل انعكس شيء من اشراقات الحسين(ع) وروحه في نفوس الذين يهتفون
باسمه ليل نهار-في هذا العصر- و يحتفلون بذكراه، و ينصبون لها
السرادقات، ويقيمون لها الحفلات، و ينفقون عليها الالوف؟.
ادب الطف ـ الجزء الاول 8
ثالثا: هل خطباء المنبر الحسيني يؤدون مهمتهم كما ينبغي؟.
الحسين رمز:
قد يبدون للنظرة الاولى ان كلمة الحسين تعني عند الشيعة المعنى الظاهر
منها، وان دلالتها تقف عند ذات الحسين بن علي وشخصه، وان الشيعة
ينفعلون بهذه الشخصية الى حد الجنون.. ولكن سرعان ما تتحول هذه النظرة
الى معنى اشمل و اكمل من الذات والشخصيات لدى الناقد البصير، ويؤمن
ايماناً لا يشوبه ريب بان كلمة الحسين تعني عند الشيعة مبدأ الفداء و
نكران الذات، وان الحسين ماهو الا مظهر ومثال لهذا المبدأ في اكمل
معانيه.. ودليل الادلة على هذه الحقيقة هوادب الشعية انفسهم.. فلقد كان
الادب، و ما زال الصورة الحية التي تنعكس عليها عقيلة الامة و عقيدتها،
و عاداتها و بيئتها. واذا رجعنا الى التراث الادبي لشيعة اهل البيت وجدناه يعكس الاحتجاج
الصارخ على الظلم و الظالمين في كل زمان و مكان، والثورة العنيفة في
شرق الارض وغربها، وان ادباء الشيعة، و بخاصة شعراءهم يرمزون باسم
الحسين الى هذه الثورة، وذاك الاحتجاج، لان الحسين اعلى مثال و اصدقه
على ذلك، كما يرمزون الى الفساد و الطغيان بيزيد وبني حرب و زياد و
امية و آل ابي سفيان، لانهم يمثلون الشر بشتى جهاته، والفساد بجيع
خصائصه على النقيض من الحسين .. واليك هذه
ادب الطف ـ الجزء الاول 9
الابيات كشاهد و مثال:
فمن قصيدة لاديب شيعي:
سهم رمى احشاك يابن المصطفى سـهم بـه قلب الهداية قد iiرمي
ومن قصيدة لآخر:
بـنفسي رأس الدين ترفع iiراسه رفـيع الـعوالي الـسمهرية ميد
ولثالث:
اليوم قد قتلوا النبي و غادروا iiالا سـلام يـبكي ثـاكلا iiمـفجوعا
فهذه الابيات والالوف من امثالها تنظر الى الانسان نظرة شاملة واعية، و
تزخر بالثورة على كل من ينتهك حقا من حقوق الناس، و ترمز الى هذه
الحقوق بكلمة الحسين، و تعبر بقلبه عن قلب الهداية، وبراسه عن رأس
الدين، و بقتله عن قتل رسول الله و دين الله.. واستمع الى هذه الصرخة
الغاضبة يطلبها الشيخ احمد النحوي في وجوه حكام الجور الذين اتخذوا مال
الله دولا، وعباده خولا:
عجبا لمال الله اصبح مكسب فـي رائـح للظالمين iiوغاد
عجبا لآل الله صاروا iiمغنما لـبني يـزيد هدية و iiزياد
فيزيد و زياد رمز لكل من يسعى في الارض فسادا، واوضح الدلالات كلها هذا
البيت:
ادب الطف ـ الجزء الاول 10
ويقدم الأموي وهو مؤخر
ويؤخر العلوي وهو مقدم
فانه ينطبق على كل من يتولى منصبا، وهو ليس له باهل.. و بهذا نجد تفسير
الابيات التي يستنهض بها الشعراء صاحب الامر ليثأر من قاتلي الحسين،
ويفعل بهم مثل ما فعلوا، وهم يقصدون بالحسين كل مظلوم و محروم، و
بقاتليه كل ظالم و فاسد، وبصاحب الامر الدولة الكريمة العادلة التي
تملأ الارض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا واليها يرمز السيد
الحلي بقوله:
لاتطهر الارض من رجس العدى ابدا
ما لم يسل فوقها سيل الدم
العرم
هذا ، الى ان الحسين(ع) قد مضى على استشهاده ألف و ثلاثمئة سنة او
تزيد، و من يومه الى يومنا هذا، والاجيال من قوميات شتى ينظمون فيه
الاشعار بالفصحى و غير الفصحى، وقد تغيرت الحياة ومرت بالعديد من
الاطوار، وقضت على الكثير من العادات الاالاحتفال بذكرى الحسين،
والهتاف باسم الحسين نثرا و شعرا، فانه ينمو من عصر الى عصر، تماماً
كماتنمو الحياة، و سيستمر هذا النمو - والسين في يستمر للتأكير لا
للتقريب- قياسا للغائب على الشاهد.. وما عرفت البشرية جمعاء عظيما من
ابناءها قيل فيه من الشعر ما قيل في الحسين بن علي(ع) .. ولو تصدى
متتبع للمقارنة بين ما نظم فيه، و ما نظم في
ادب الطف ـ الجزء الاول 11
عظماء الدنيا مجتمعين لتعادلت الكفتان، او رجحت كفة الحسين، وما هذه
المجموعة(الشبرية) الا نقطة من بحر، وحبة من رمل، والسر الاول والاخير
يكمن في المبدأ الذي مضى عليه الحسين، واشار اليه بقوله؛ وهو في طريقه
الى ربه:(امضى على دين النبي) : اذن، تعظيم الحسين تعظيم لدين النبي.
وقد يقال: ان مسألة النظم في الحسين(ع) مسألة طائفية ، لا مسألة اسلام
وانسانية؟.
ونقول في الجواب: ان تمجيد الثورة ضد الظلم والطغيان هو تمجيد
للانسانية نفسها، حتى ولو كان الدافع الطائفية او الحزبية او القومية،
فان الثورة الفرنسية والجزائرية والفيتنامية ثورات قومية، ومع ذلك فهي
انسانية، و مصدر الإلهام لكثير من الثورات.
وبهذه المناسبة انقل هذا المقطع من كتابي(الاثنا عشرية):
ان التطور لم يقف عند حدود المادة، بل تعداها الى الافكار واللغة ،
لانهاجميعا متلازمة متشابكة لا ينفك بعضها عن بعض، و كلمة الحسين كانت
في البداية اسما لذات الحسين بن علي(ع) ثم تطورت مع الزمن، واصبحت عند
شيعه وشيعة ابيه رمزا للبطولة و الجهاد من اجل تحرير الانسانية من
الظلم و لااضطهاد، وعنوانا للفداء والتضحية
ادب الطف ـ الجزء الاول 12
بالرجال و النساء والاطفال لإحياء دين محمد بن عبد الله، (ص) ولا شيء
اصدق في الدلالة على هذه الحقيقة من قول الحسين: امضي على دين النبي.
اما كلمة يزيد فقد كانت من قبل اسما لابن معاوية، وهي الآن عند الشيعة
رمز الفساد والاستبداد، والتهتك والخلاعة، وعنوان للزندقة والالحاد،
فحيثما يكون الشر والفساد فثم اسم يزيد، وحيثما يكون الحق فثم اسم
الحسين.. فكربلاء اليوم عند الشيعة هي فلسطين المحتلة و سيناء والضفة
الغربية من الاردن، والمرتفعات السورية، اما اطفال الحسين وسبايا
الحسين فهم النساء والاطفال المشردون من ديارهم.. و شهداء كربلاء هم
الذين قتلوا دفاعا عن الحق والوطن في 5 حزيران. وهذا ما عاناه الشاعر
بقوله:
كأن كل مكان كربلاء لدى
عيني وكل زمان يوم عاشورا
اين روح الحسين؟
ونخلص من هذا الى نتيجة لا مفر منها، وهي ان اية ثورة على الظلم
والطغيان تقوم في شرق الارض و غربها فهي ثورة حسينية من هذه الجهة، حتى
ولو كان اصحابها لايؤمنون بالله وا ليوم الآخر.. فان الظلم كريه و بغيض
بحكم العقل والشرع، سواء أوقع علي المؤمن ام الكافر، وان اي انسان ضحى
بنفسه في سبيل الخير والانسانية فهو حسيني في
ادب الطف ـ الجزء الاول 13
عمله هذا،وان لم يسمع باسم الحسين، لان الانسانية ليست وقفا على دين من
الاديان، او قومية من القوميات.
وعلى ها فالفيتناميون الذين يموتون من اجل التحرر والتقدم، وصد الغزاة
الغاصبين يلتقون مع الحسين في مبدأه، وان لم يسمعوا باسمه، و من لا
يهتم الا بنفسه وذويه، و يساند اهل البغي والفساد حرصا على منفعته فهو
على دين يزيد وابن زياد، وان لطم و بكى على الحسين ان الحسيني حقا من
يؤثر الدين على نفسه واهله، ويضحي بالجميع من اجله، تماما كما فعل
الحسين، اما من يكيف الدين والمذهب على اهوائه تماما كما يقطع الثوب
على مقدار طوله و عرضه،اما هذا فما هو من الحسين ودين الحسين في شيء.
وتقول: كيف؟ وهذه الحرقة واللوعة، وهذا الدمع و العويل على الحسين، هل
هو رياء و نفاق.؟
واقول: كلا،هو صدق واعتقاد، ولكن الشيطان يوهمه ان الدين هو مجرد
البكاء على الحسين وزيارة قبر الحسين(ع) .. وفيما عداه فالدين هو
منفعته و منفعة اولاده وذويه.. ودليل الادلة على ذلك انه حينما تصدم
هذه المنفعة مع مبدأ الحسين يؤثرها على الحسين و جد الحسين.. ان حب
الذات يفصل الانسان عن نفسه، و يبعده عن واقعه، وينتقل به الى عالم لا
وجود له الا في مخيلته و عقيدته، و يوهمه انه
ادب الطف ـ الجزء الاول 17
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
هذه الموسوعة تعطيك أوضح الصور عن أدب الشيعة وعن عقائدهم و اتجاهاتهم
وتمثل اصدق العواطف عن احاسيسهم ومشاعرهم فليس في الدنيا وقعة كوقعة
الحسين هزت العالم هزا عنيفا و أثرت أثرها الكبير في النفوس واهاجت
اللوعة واستدرت الدمعة بل هي التي كونت فيهم هذا الادب الثر والشعور
الفياض و خلقت منهم اكبر عدد من الشعراء حتى قيل ان الادب شيعي وقيل:
وهل وجدت اديبا غير شيعي. ذلك لأن الكبت والالم يدفعان الانسان للنظم و
تصوير الحال بلسان المقال و ما دام المرء يشعر بالثأر و حرارة الثكل لا
ينام عن ثأره فيندفع يصور حاله معددا آلامه مسامرا احزانه في لياليه و
أيامه وفي خلواته و مجتمعاته.
ولا اريد ان أجمع كل ما جاء من شعر الشعراء في الامام الحسين ويوم
الحسين ولا اقدر ان اقوم بذلك بل غايتي ان اعرض نماذج من شعرهم واعدد
أسماءهم
ادب الطف ـ الجزء الاول 18
وادوارهم وعصورهم فكثيرا ما أسمع عن أدباء هذا العصر ان فلانا يكتب عن
أدب الطف ولكن لا ارى لذلك اثرا لذا بادرت لسد هذا الفراغ مستعينا
بالله سيما وان بعض هذا المجموع كنت قد حفظته عن ظهر غيب و رويته في
الأندية الحسينية فان الخطيب الحسيني عندما يريد مزاولة الخطابة تكون
نواة عمله واساس خطابته هو الالمام بمعرفة الشعر الحسيني وحفظه عن ظهر
غيب وإنشاده في المحافل الحسينية باللون الذي امرنا الأئمة بانشاده
وعلى الطريقة المشجية.
نعم ان الشعر الذي قيل في يوم الحسين عليه السلام يحتاج الى مئات
المجلدات إذا أردنا استقصاءه وجمعه، وإن شاعرا واحدا وهو الشيخ أحمد
البلادي من شعراء القرن الثاني عشر الهجري نظم الف قصيدة في رثاء
الإمام الحسين عليه السلام ودونها في مجلدين ضخمين كما روى ذلك الشيخ
الاميني في موسوعته، وأن الشيخ الخليعي جمال الدين بن عبد العزيز وهو
من شعراء القرن التاسع له ديوان شعر في الامام الحسين(ع)، واني وقفت
على ديوان للشيخ حسن الدمستاني من شعراء القرن الثالث عشركله في يوم
كربلاء. وللشيخ محمد الشويكي من شعراء القرن الثاني عشر ديوان في مدائح
النبي وآله، وآخر في مراثيهم اسماه(مسيل العبرات) يحتوى على خمسين
قصيدة في اوزان مختلفة و بين ايدينا كتاب(المنتخب) للشيخ محي الدين
الطريحي المتوفي في القرن الثاني عشر وفيه عشرات القصائد ولا يعلم
قائلها ومثله مئات المقاتل التي تروي قصة الحسين عليه السلام وتثبت
شواهد من الشعر الذي قيل في رثائه و بين ايدينا مجاميع خطية في
المكتبات العامة والخاصة وفيها المئات من القصائد الحسينية ولم يذكر
اسم ناظمها وقائلها.
وهكذا كانت ثورة الحسين غطت بسناها المشارق و المغارب واستخدمت العقول
والأفكار فهي نور يتوهج في قلوب المسلمين فيندفع الى افواههم مدحا
ورثاء، وهي انشودة العز في فم الاجيال تهز القلوب وتطربها و تحيي
النفوس بالعزائم الحية، ذلك لأن هدف الحسين ما كان هدفا خاصا حتى تختص
به فئة
ادب الطف ـ الجزء الاول 19
دون فئة او يقتصر على طائفة دون طائفة ، بل كان هدفا عالميا فعلى كل ذي
شعور حي ان يحتفل بذكراه، قال الفيلسوف جبران خليل جبران: لم أجد
انسانا كالحسين سجل مجد البشرية بدمائه، وقال الزعيم الهندي غاندي.
تعلمت من الحسين ان أكون مظلوما حتى انتصر.
قال عبد الحسيب طه في(ادب الشيعة) والواقع أن قتل الحسين على هذه
الصورة الغادرة - والحسين هو من هو دينا و مكانة بين المسلمين - لابد
ان يلهب المشاعر، ويرهف الأحاسيس ويطلق الألسن، ويترك في النفس
الإنسانية اثرا حزينا داميا، ويجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب.
وهال الناس هذا الحادث الجلل- حتى الأمويين انفسهم - فأقض المضاجع و
اذهل العقول وارتسم في الأذهان ، و صار شغل الجماهير وحديث النوادي.
تجاوبت الدنيا عليك مآتما
نواعيك فيها للقيامة تهتف
فما تجد مسلما الا وتجيش نفسه لذلك الدم المهدور و كأنه هو الموتور أجل
فلا تختص بذلك فئة دون فئة ولا طائفة دون طائفة وكأن الشاعر الذي يقول:
حب آل النبي خالط قلبي
كاختلاط الضيا بماء العيون
إنما يترجم عن عاطفة كل مسلم، وهل التشيع إلا حب آل محمد، و من هذا
الذي لايحب آل بيت رسول الله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا.
ملامك في آل النبي فانهم
أحباي ما داموا وأهل تقاة
قال النبهاني في(الشرف المؤبد لآل محمد) ص99 روى السبكي في طبقاته
بسنده المتصل الى الربيع بن سليمان المرادي - صاحب الامام الشافعي -
قال خرجنا مع الشافعي من مكة نريد منى فلم ينزل واديا ولم يصعد شعبا
إلا وهو يقول:
ادب الطف ـ الجزء الاول 20
ياراكبا عج بالمحصب من iiمنى واهتف بساكن خيفها iiوالناهض
سحرا اذا فاض الحجيج الى منى فـيضا كملتطم الفرات iiالفائض
إن كـان رفـضا حب آل محمد فـليشهد الـثقلان أني iiرافضي
بل صرح بشعره ان محبة أهل البيت من فرائض الدين فقال:
يـا اهـل بـيت رسول الله iiحبكم فـرض مـن الله في القرآن انزله
كـفاكم مـن عـظيم الـفخر انكم مـن لـم يصل عليكم لا صلاة iiله
وقال ابن حجر في (الصواعق المحرقة) ص 101 وللشيخ شمس الدين ابن العربي
قوله:
رأيـت ولائـي آل طـه iiفريضة على رغم أهل البعد يورثني القربى
فما طلب المبعوث أجرا على iiالهدى بـتبليغه إلا الـمودة فـي iiالقربى
هذا الحب الذي هو شعبة من شعب الاسلام، ظاهره عواطف اسى عميقة على ما
أصاب اهل هذا البيت من كوارث وما اعتورهم من نكبات في مختلف الأوطان و
العصور الاسلامية مما جعل حديثه شجى كل نفس ولوعة كل قلب.
ان المبالغة في التنكيل بهم أظهرتهم مظهر المظلومين المعتدى عليهم،
فكان العطف عليهم أعم والتأثر لمصابهم اوجع، هذه العواطف غير المشوبة
ولا المصطنعة اضفت على الشعر الشيعي كله لونا حزينا باكيا، تحته جيشان:
نفسي ثائر ذلك لدمهم المطلول، وهذا لحقهم الممطول، و بين هذا و ذاك فخر
يفرع السماء بروقيه، و مجد يطاول الاجيال، يقول محمد بن هاني الأندلسي
في قصيدة له:
غدوا ناكسي ابصارهم عن خليفة عـليم بـسر الله غـير iiمـعلم
وروح هـدى في جسم نور iiيمده شعاع من الأعلى الذي لم iiيحسم
عـلى كل خط من أسرة iiوجهه دلـيل لـعين الـناظر iiالمتوسم
امـام هـدى ما التف ثوب iiنبوة عـلى ابـن نبي منه بالله iiأعلم
ادب الطف ـ الجزء الاول 21
ولا بـسطت ادي الـعفاة iiبـنانها الـى أريـحي منه أندى و iiاكرم
ولا الـتمع الـتاج المفصّل iiنظمه عـلى مـلك مـنه أجـلّ وأعظم
فـفيه لـنفس مـا استدلّت iiدلالة وعـلم لاخـرى لـم تـدّر iiفتعلم
***
بـكم عـز ما بين البقيع و يثرب ونـسك مـا بين الحطيم iiوزمزم
فلا برحت تترى عليكم من الورى صـلاة مـصل أو سـلام iiمسلم |
ماعرف التاريخ من أول الناس حتى يومهم هذا أن شخصاً قيل فيه من الشعر و
النثر كالحسين بن علي بن ابي طالب فقد رثاه كل عصر و كل جيل بكل لسان
في جميع الازمان ووجد الشيعة مجالا لبث احزانهم و متنفساُ لآلامهم من
طريق رثاء الحسين سيما وهذه الفرقة محاربة في كل الحكومات وفي جميع
الادوار ومما ساعد على ذلك أن فاجعة الطف هي الفاجعة الوحيدة في
التاريخ بفواجعها وفوادحها فتميزوا بالرثاء وابدعوا فيه دون باقي ضروب
الشعر فاجادوا تصويره و تنميقه.
وكان السبب الكبير الذي دفع بالشيعة لهذا الاكثار من الشعر هو حث
ائمتهم لهم على ذلك و ما اعد الله لهم من الثواب تجاه هذه النصرة قال
الامام الصادق عليه السلام: (1) من قال فينا بيتاً من الشعر بنى الله
له بيتاً في الجنة.
وقال عليه السلام: من قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى ، غفر الله له،
ووجبت له الجنة.
ثم احتفاء اهل البيت بمكانة الشاعر وتقديم الشكر على نصرته لهم
(1) عيون اخبار الرضا للصدوق.
ادب الطف ـ الجزء الاول 22
والدعاء له بأجمل الدعاء وألطفه كما جاء من دعائهم للكميت، ودعبل، و
الحميري و اضرابهم في تلك العصور التي كمت الافواه وغلت الايدي عن نصرة
اهل البيت ولم يعد يجسر احد من الشعراء على المجاهرة بثراء الحسين عليه
السلام لشدة الضغط الاموي الا الشاذ الذي ينظم البيت و البيتين ينطلق
بهما لسانه، و تندفع بهما عاطفته وكذا الحال في الدور العباسي.
مضى على الذكريات الحسينية ردح من الزمن وهي لاتقام الا تحت ستار
الخفاء في زوايا البيوت و بتمام التحفظ والاتقاء حذار ان تشعر بهم
السلطة الزمنية.
قال ابو الفرج الاصبهاني قي مقاتل الطالبيين : كانت الشعراء لاتقدم على
رثاء الحسين عليه السلام مخافة من بني امية وخشية منهم.
وفي تاريخ ابن الاثير عندما اورد قصيدة اعشى همدان التي رثى بها
التوابين الذين طلبوا بثار الحسين التي منها:
فساروا وهم مابين ملتمس
التقى وآخر مما جرَّ بالأمس تائب
قال: وهي مما يكتم في ذلك الزمان. (1)
وقال ابو الفرج في مقاتل الطالبيين: قد رثى الحسين بن علي(ع) جماعة من
(1) اقول والقصيدة مطلعها كما في الاعيان ج35 ـ ص 328.
الـم خـيال مـنك يـا ام iiغـالب فـحييت عـنا مـن حبيب iiمجانب
فما انس لا انس انتقالك في الضحى الـينا مع البيض الحسان iiالخراعب
تـراءت لنا هيفاء مهضومة الحشى لـطيفة طـي الكشح ريّا iiالحقائب
فتلك النوى وهي الجوى لى iiوالمنى فـاحبب بـها من خلة لم iiتصاقب
ولا يـبـعد الله الـشباب وذكـره وحب تصافي المعصرات iiالكواعب
فـانـي وان لـم انـسهن iiلـذاكر رويّـة مـخبات كـريم iiالـمناسب
ادب الطف ـ الجزء الاول 23
متأخري الشعراء استغنى عن ذكرهم في هذا الموضع كراهية الاطالة واما
ماتقدم فما وقع الينا شيء رثى به، وكانت الشعراء لاتقدم على ذلك مخافة
من بني امية وخشية منهم انتهى.
وقال الشيخ عباس القمي في (الكنى والالقاب) راويا عن معجم الشعراء
للمرزباني ان عوف بن عبد الله الازدي ـ كان ممن شهد مع علي بن ابي طالب
في صفين ـ له قصيدة طويلة رثى بها الحسين، و كانت هذه المرثية تخبأ
أيام بني امية وانما خرجت بعد كذا ، قال ابن الكلبيي منها:
ونحن سمونا
لابن هند بجحـفلٍ كرجل الدبا يزجي اليه الدواهيا
|