ادب الطف

 
 

اقول وأول القصيدة:

تـوسل  بـالتقوى الـى الله صـادقا      وتـقوى الآلـه خـير تكساب iiكاسب
وخـلى  عـن الـدنيا فلم يلتبس iiبها      وتـاب الـى الله الـرفيع iiالـمراتب
تـخلى عـن الـدنيا وقـال iiطرحتها      فـلست  الـيها مـا حـييت iiبـآيب
ومـا انـا فـيما يـكره الـناس iiفقده      ويـسعى  لـه الساعون فيها iiبراغب
تـوجه مـن نـحو الـثوية iiسـائرا      الـى  ابـن زياد في الجموع الكتائب
بـقوم  هـم اهـل الـتقية iiوالـنهى      مـصاليت  انـجاد سـراة iiمـناجب
مـضوا تاركي رأي ابن طلحة iiحسبة      ولـم  يـستجيبوا لـلأمير iiالمخاطب
فـساروا وهـم مـابين ملتمس iiالتقى      وآخـر مـما جـر بـالامس iiتـائب
فـلاقوا بـعين الوردة الجيش iiفاصلاً      الـيهم فـحسوهم بـبيض iiقـواضب
يـمـانية تــذري الاكـف iiوتـارة      بـخيل  عـتاق مـقربات iiسـلاهب
فـجاءهم جـمع مـن الـشام iiبـعده      جـموع كـموج البحر من كل iiجانب
فـما  بـرحوا حـتى أُبيدت iiسراتهم      فـلم يـنج مـنهم ثـم غير iiعصائب
وغودر اهل الصبر صرعى فاصبحوا      تـعاورهم  ريـح الـصبا iiوالجنائب
فـأضحى  الـخزاعي الرئيس iiمجدلا      كـأن  لـم يـقاتل مـرة iiويـحارب

ادب الطف ـ الجزء الاول 24

صحوت وودعت الصبا iiوالغوانيا      وقـلت لاصحابي اجيبوا iiالمناديا
وقولوا  له اذ قام يدعو الى الهدى      وقـبل الـدعا لـبيك لبيك iiداعيا
سقى الله قبرأً ضمن المجد والتقى      بـغربية  الـطف الغمام iiالغواديا
فـيا امـة تاهت و ضلت iiسفاهة      أنـيبوا  فارضوا الواحد iiالمتعاليا

و ستذكر في ترجمته.

من اجل ذلك كان للمجاهر بفضل اهل البيت قسط كبير عندهم، قال الامام الباقر عليه السلام للكميت لما انشده قصيدته من لقلب متيم مستهام. لا تزال مؤيداً بروح القدس (1) واستأذن الكميت على الصادق عليه السلام في أيام التشريق ينشده قصيدته، فكبر على الامام ان يتذاكروا الشعر في الايام العظام، ولما قال له الكميت انها فيكم، أنس ابو عبد الله عليه السلام - لان نصرتهم تصرة الله - ثم دعا بعض اهله فقرب، ثم انشده الكميت فكثر البكاء ولما اتى على قوله:  

يصيب به الرامون عن قوس غيرهم       فيا آخراً اسدى له الغي أول

رفع الصادق يديه وقال: اللهم اغفر للكميت ما قدم وأخر وما اسر و أعلن واعطه حتى يرضى. (2)

وهكذا فقد صبغت حادثة الامام الحسين عليه السلام، ولا تزال تصبغ ادب الشيعة بالحزن العميق والرثاء المؤلم موشحاً بالدموع واستدرار البكاء حتى ظهر ذلك على غنائهم وشكواهم من احبابهم وعتابهم لأصدقائهم .

وبالوقت الذي نقرأ في شعرهم اللوعة والمضاضة نحس بالأستنهاض والثورة فهي نفوس شاعرة متوثبة صارخة بوجه الظلم و الطغيان والفساد والاستبداد منددة بالولاة الجائرين والظلمة المستهترين، واليك نموذجاً من ذلك:

(1) رجال الكشى، ص181.
(2) الاغاني، ج15، ص 118. ومعاهد التنصيص ج2، ص27.

ادب الطف ـ الجزء الاول 25

ان لم اقف حيث جيش الموت iiيزدحم      فـلا  مـشت بي في طرق العلا قدم
لابــد ان أتــداوى بـالقنا iiفـلقد      صـبرت  حـتى فـؤادي كـله iiألم
عـندي  مـن العزم سر لا أبوح iiبه      حـتى تـبوح بـه الـهندية الـخذم
لا ارضعت لي العلى ابنا صفو درتها      ان  هـكذا ظـل رمحي وهو iiمنفطم
إلـية بـضبا قـومي الـتي iiحمدت      قـدما مـواقعها الـهيجاء لا iiالـقمم
لاحـلبن ثـدي الـحرب وهـي iiقنا      لـبانها مـن صدور الشوس وهو iiدم
مـالي أسـالم قـوما عـندهم iiترتى      لا  سـالمتني يـد الايـام ان iiسلموا

هذه أبيات من مطلع قصيدة للسيد حيدر الحلي لا تقل ابياتها عن السبعين بيتا وهي على هذا اللون من الاستنهاض للهاشميين و شيعتهم و حتى يقول فيها و الخطاب للحجة المهدي من آل محمد صلوات الله عليهم:

مـا خـلت تقعد حتى تستثار iiلهم      وانـت انـت وهم فيما جنوه iiهم
لم تبق اسيافهم منكم على ابن تقى      فـكيف تـبقى عـليهم لا ابا iiلهم
فلا  وصفحك ان القوم ما iiصفحوا      ولا وحـلمك ان الـقوم ما iiحلموا

و يلتفت الى بني هاشم فيقول: يـا غاديا بمـطايـا الـعزم حمّلـهـا هما تضيـق به الأضلاع و الحزم

يـا  غـاديا بـمطايا الـعزم iiحـمّلها      هـما تـضيق بـه الأضلاع و iiالحزم
عرج على الحي من عمرو العلى فأرح      مـنهم  بـحيث اطمان الباس و iiالكرم
وحـي  مـنهم حـماة لـيس iiبـابنهم      مـن  لا يـرف عليه في الوغي iiالعلم
قـف مـنهم مـوقفا تـغلى القلوب به      مـن فـورة العتب واسأل ما الذي iiبهم
جـفت عـزائم فـهر أم تردى iiبردت      مـنها الـحمية ام قـد مـاتت الـشيم
ام لـم تـجد لـذع عتبي في حشاشتها      فـقد  تـساقط جـمراً مـن فمي الكلم
ايـن  الـشهامة ام ايـن الـحفاظ iiاما      يـأبي لـها شـرف الاحساب و الكرم

ادب الطف ـ الجزء الاول 26

تسبى حرائرها بالطف حاسرة      ولم تكن بغبار الموت تلتثم

وقصائد السيد حيدر المعروفة بالحوليات تزيد على العشرين كلها على هذا اللون وهذا النسق والاتجاه و لهذا الشاعر نظائر تضيق بتعدادهم بظون الدفاتر لازالت ترددها المحافل و تسير بذكرها القوافل ، و حسبك ان تجد حتى الطبقة الاميّة من ابناء الشيعة يحفظ هذه الاشعار الحسينية ويستشهد بها ويستعذب انشادها وترديدها ، والحق ان المآتم الحسينية من اكبر وسائل التهذيب عند الشيعة وهي التي جندت اكبر عدد من أنصار اهل البيت و الدعوة الى مبدأهم ونصرتهم ولفتت انظار الناس الى مظلوميتهم و حقهم المغتصب فلا تعجب اذا حاربها المعاند والجامد وراح يهزأ بها، و المتجاهل المكابر، حتى قال:

هـتكوا  الـحسين بكل عام iiمرة      و تـمثلوا بـعداوة و iiتـصوروا
ويـلاه  مـن تلك الفضيحة iiانها      تطوى وفي ايدي الروافض تنشر

وقال بعضهم:

لا  عــذب الله يـزيداً iiولا      مـدت يـد السوء الى iiرحله
لأنـه  قـد كـان ذا iiقـدرة      على اجتثاث الفرع من اصله
لـكـنه ابـقى لـنا iiمـثلكم      عـمد لـكي يـعذر في فعله

فيجيبه الشاعر الخفاجي (1) بقوله:

يـا قـاتل الله يـزيداً و iiمن      يـعذره الـكافر فـي iiفـعله
اطـفأ  نـوراً بعضه iiمشرق      يـدل  بـالفضل عـلى iiكله
والله ابـقى الفرع حرباً iiعلى      من رام قطع الفرع من اصله
لـيظهر الـدين به و iiالهدى      ويـجعل الـسادة مـن iiنسله

(1) هو عبد الله بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي ، صاحب قلعة عزاز ، له شعر في امير المؤمنين (ع) توفي سنة 466 هـ .

ادب الطف ـ الجزء الاول 27

اما البيتين المتقدمين فقد ذكرهما السيد محمود شكري الآلوسي في ( مختصر التحفة الاثنى عشرية) ص 383 و المطبوعة بالمطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1373 هـ وعليها تعليق محب الدين الخطيب و بعد أن عاب المظاهر الحسينية التي تقوم بها الشيعة قال: و الله در من قال : هتكوا الحسين بكل عام مرة.. البيتين.

اقول وتقدم من شعراء الشيعة مدافعين عن عقائدهم بالرد على هذ1الشاعر، منهم العلامة الجليل الشيخ محمد رضا المظفر حيث يقول مشطراً:

(هـتكوا  الـحسين بكل عام iiمرة)      قـوم عـلى تـلك الـمآتم iiانكروا
قـد حـرموا فيه المواكب iiوالبكاء      (وتـمثلوا  بـعداوة و iiتـصوروا)
(ويـلاه  مـن تلك الفضيحة iiإنها)      أبـدا عـلى مـر الـليالي تـذكر
احـسبتم  آثـار هـذا الـدين iiان      (تطوى وفي ايدي الروافض تنشر)

وقلت مشطراً:

(هـتكوا  الـحسين بكل عام iiمرة)      اذ تـبعث الـذكرى فـظائع iiتذكر
قـد حـاربوه و هـو بضعة iiاحمد      (  وتـمثلوا بـعداوة iiوتـصوروا)
(ويـلاه  مـن تلك الفضيحة iiانها)      عــار بـوجته امـية لا iiيـتنكر
يـا سـاترا وجـه الحقيقة لا تخل      (تطوى وفي ايدي الروافض تنشر)

أقول وقد جمع العلامة البحاثة السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم هذه الردود في كتابه (عاشوراء في الاسلام).

بوركت يا سيد الشهداء وبوركت نهضتك الجبارة فيما عرف التاريخ أيمن منها واكثر بركة، انها علمتنا معنى العزة و الكرامةوالرجولة والشهامة، وكيف يكون المؤمن بربه حقا، واذا عددنا امجاد العرب ففي مقدمة ذلك جهاد الحسين و ثورة الحسين وإباء الحسين منذ الف وثلثمائة عام تمر بالعصور.

ادب الطف ـ الجزء الاول 28

فتستخدمها ويمر كل يوم ذكراه فيقيم الدنيا ويقعدها بالرغم من تقلب الزمان وتطور الاحداث يقول الكاتب المصري ابراهيم عبد القادر المازني:

لا يزال مصرع الحسين بعد اربعة عشر قرنا يهز العالم الاسلامي هزا عنيفا، ولست اعرف في تاريخ الامم قاطبة حادثة مفردة كان لها هذا الاثر العميق على الزمن في مصائر دول عظيمة وشعوب شتى.

ولقد بلغت من الذيوع والشهرة، ان اصبح يرويها الكبير والصغير والمسلم وغير المسلم.

وبعد فهي موضع الشاهد و مضرب المثل في كل ما يمر في هذه الحياةوسلوة المصاب وعزاؤه اذا انها تصغر عندها المصائب على حد قول الشاعر:

أنـست  رزيتكم رزايانا iiالتي      سـلفت وهوّنت الرزايا iiالاتية
وفـجائع  الأيـام تـبقى iiمدة      وتزول، وهي الى القيامة باقية

يقول الشاعر العلوي السيد محمد سعيد الحبوبي مؤبنا السيد ميرزا جعفر القزويني - قائد الحركة الأدبية في عصره في الحلة الفيحاء موطن الادب والشعر - وكان الفقيد قد لبّى نداء ربه في اول محرم الحرام وبه تعود ذكرى الحسين فقال من قصيدة له:

كـان الـمحرم مـخبرا iiفأريتنا      يـا جـعفر فـيه الحسين iiقتيلا
فـكأن جـسمك جـسمه iiلـكنه      كـان العفير وكنت انت iiغسيلا
وكـأن  رأسك رأسه لو لم iiيكن      عـن مـنكبيه مـميزا iiمفصولا
وجـبينك الـوضاح مثل iiجبينه      بـلـجاًوليس  كـمثله تـجديلاً
وحملت أنت مشرّفاً ايدي الورى      وثـوى بـنعش لم يكن iiمحمولا
إن  تـنأ عـنا راحـلاً كرحيله      فـلرب  سـجاد تـركت iiعليلا

ادب الطف ـ الجزء الاول 29

ويدخل القاضي الرشيد ابو الحسين احمد بن القاضي الرشيد علي المصري الاسواني الى مصر بعد مقتل الظافر بالله العباسي وجلوس الفائز بالله ويحضر المأتم وقد حصر شعراء الدولة فأنشدوا مراثيهم على مراتبهم فقام هذا الشاعر في آخرهم وأنشد قصيدته التي أولها:

 ما للرياض تميل سكراً     هل سقيت بالمزن خمراً

إلى ان وصل الى قوله:

أفـكربلاء  iiبـالعراق      وكربلاء بمصر أخرى

فتذرف العيون و يعج القصر بالبكاء والعويل وتنثال العطايا من كل جانب على الناظم لاهتدائه لحسن المناسبة.

ويتكرر اسم الحسين عليه السلام على لسان امير الشعراء احمد شوقي فيقول في رثائه للزعيم مصطفى كامل باشا - مؤسس الحزب الوطني - في قصيدته التي أولها:

 المشرقان عليك ينتحبان      قاصيهما في مأتم والداني

و منها:

يزجون نعشك في السناء وفي السنا      فـكـأنما فـي نـعشك iiالـقمران
وكـأنه نـعش الـحسين iiبـكربلا      يـختال بـين بـكى وبـين iiحنان

ويقول شوقي بك في قصيدته الحرية الحمراء:

 في مهرجان الحق أو يوم الدم      مـهج مـن الشهداء لم iiتتكلم
يـبدو  عليها نورَ نورُ دمائها      كدم الحسين على هلال محرم

 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث