ادب الطف

 
  ادب الطف ـ الجزء الاول 210

فـما بـخلت أكـفهم iiبـضرب      كـأمثال  الـمصاعبة iiالـنزول
ولا وجدت على الأصلاب iiمنهم      ولا الاكـتاف آثـار iiالـنصول
ولـكـن الـوجوه بـها iiكـلوم      وفـوق نحورهم مجرى iiالسيول
أيـخلو قـلب ذي ورع iiوديـن      مـن الأحـزان والـهم iiالطويل
وقـد  شـرقت رماح بني iiزياد      بـريّ  مـن دماء بني iiالرسول
ألـم  يـحزنك سرب من iiنساء      لآل مـحـمد خـمش iiالـذيول
يـشققن  الـجيوب على iiحسين      أيـامى قـد خـلون من iiالبعول
فـقدن مـحمداً فـلقين iiضـيماً      وكـن  بـه مصونات iiالحجول
ألـم  يـبلغك و الأنـبياء iiتنمى      مـصال الـدهر في ولد iiالبتول
بـتـربة كـربلاء لـهم ديـار      نـيام  الأهـل دارسـة الطلول
تـحـيـات ومـغـفرة iiوروح      عـلى  تـلك الـمحلة iiوالحلول
ولا زالـت مـعأدن كـل iiغيث      مـن الـوسمي مرتجس iiهطول

ادب الطف ـ الجزء الاول 211

بـرئنا يـا رسـول الله iiمـمن      أصـابـك بـلأذاة iiوبـالذحول
ألا  يـاليتني وصـلت iiيـميني      هـناك بـقائم الـسيف الصقيل
فجدت على السيوف بحر وجهي      ولـم  أخـذل بنيك مع iiالخذول

وقال ايضاً كما روى ابن قتيبة في الشعر والشعراء عن طبقات ابن معتز.

آل الـنـبي ومـن يـحبهم      يـتطامنون مـخافة iiالـقتل
امنوا النصارى واليهود iiوهم      من امة التوحيد في ازل
 (1)

قال : و أنشد الرشيد هذا بعد موته فقال: لقد هممت أن أنبشه ثم أحرقه.

(1) الازل: الضيق.

ادب الطف ـ الجزء الاول 212

الشاعر :

هو منصور بن سلمة بن الزبرقان بن شريك بن مطعم الكبش الرخم ابن مالك النمري (1)من النمر بن قاسط من نزار، وفاته سنة 190 هجري كما ذكر الزركلي في الاعلام، وذكر غيره سنة 193 هجري .

كنيته ابو الفضل الشاعر الجزري البغدادي كان من خاصة هارون الرشيد وهو في الباطن من محيي اهل البيت عليه السلام، و لما سمع الرشيد قصيدته اللامية غضب غضباً شديداً وأمر أبا عصمة - احد قواده - أن يذهب من فوره الى الرقة ويأخذ منصور النمري ويقطع لسانه و يقتله و يبعث اليه برأسه، فلما وصل ابو عصمة الى باب الرقة رأى جنازة النمري خارجة منه فعاد الى الرشيد وأخبره برفاة النمري فقال الرشيد فألا إذ صادفته ميتاً أحرقته بالنار كذا قال ابن المتعز في ( الطبقات ) . و نجى الله النمري من عذاب الرشيد.

وروى ابن شهر آشوب: أنهم نبشوا قبره, وروى السيد المرتضى في أماليه المعروف بالغرر و الدرر بسنده عن الحافظ أنه قال: كان منصور النمري يأتي باسم هارون الرشيد في شعره و مراده به صاحب منزلة هارون عليه السلام - يعني امير المؤمنين (ع).

وقال السيد حسن الصدر في (تأسيس الشيعة) ذكره ضياء الدين في نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر وحكى عن جماعة من علماء السيدية أنه كان من الشيعة، وكان يورى في مدح هارون الرشيد العباسي بعلي(ع) تلميحاً منه الى الحديث المشهور: أنت مني بمنزلة هارون من موسى كقوله:

(1) النمري بفتح النون و الميم.

ادب الطف ـ الجزء الاول 213

آل الرسول خيار الناس كلهم      وخير آل رسول الله هارون

وحكي في الأغاني عنه حكايات موضوعة وضعها اعداؤه كمروان بن أبي حفصة و امثاله، وان صحت فهي من باب التقية، ضرورة ان الامامة بالنص لا بالإرث باجماع الشيعة.

ادب الطف ـ الجزء الاول 214

9- الامام الشافعي

تــأوه  قـلبي والـفؤاد كـئيب      وأرق نـومي فـالسهاد iiعـجيب
فـمن  مبلغ، عني الحسين iiرسالةً      وإن كـرهـتها أنـفس iiوقـلوب
ذبـيح ، بـلا جـرم كأن iiقميصه      صـبيغ بـماء الارجوان خضيب
فـللسيف إعـوال ولـلرمح iiرنة      ولـلخيل  من بعد الصهيل iiنحيب
تـزلـزلت الـدنـيا لآل مـحمد      وكـادت لـهم صم الجبال iiتذوب
وغـارت نجوم واقشعرت كواكب      وهـتك اسـتار وشـق iiجـيوب
يصلى على المبعوث من آل هاشم      ويـغـزى بـنوه إن ذا iiلـعجيب
لـئن  كـان ذنبي حب آل iiمحمد      فـذلك  ذنـب لـست عنه iiأتوب
هم  شفعائي يوم حشري و iiموقفي      إذ  ما بدت للناظرين خطوب
(1)

(1) كذا في المناقب و في ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي القندوزي قال: و قال الحافظ جمال الدين المدني في كتابه(معراج الوصول) ان الامام الشافعي انشد:

ومما نفى نومي و شيب لمتي      تصاريف أيام لهن خطوب

الابيات.

ادب الطف ـ الجزء الاول 215

الشاعر :

هو محمد بن ادريس الشافعي المولود سنة 150 والمتوفي سنة 240 بمصر يوم الجمعة سلخ رجب.

نسبه : محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف فالشافعي قرشي النسب.

نشأ يتيما في حجر امه وتولت تربيته عندما خشيت عليه الضيعة فأرسلته الى مكة المكرمة وهو ابن عشر سنين، اما ولادته فكانت بغزة وقيل بعسقلان وقيل باليمن في السنة التي توفي فيها أبو حنيفة سنة 150 ولقد زاد بعضهم فقال انه ولد في الليلة التي توفي فيها ابو حنيفة وجعلوا ذلك من البشائر فيه والاشارة لعظمته.

قدم الشافعي مكة المكرمة وهو يومئذ ابن عشر سنين فحفظ القرآن الكريم وتعلم الكتابة وكان حريصاً على استماع الحديث، و كان يكتب على الخزف مرة و على الجلود اخرى، واتجه لطلب الفقه وحضر على بعض علماء مكة، ثم توجه الى المدينة وحضر على مالك بن انس واتصل به ،ثم بعد ذلك قدم بغداد ثلاث مرات، وقدم الشافعي الى مصرسة 198 ونزل بالفسطاط ضيفاً كريماً على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فأكرم مثواه ووازره ، وكانت لمحمد بن عبد الله مكانة في مصر ورياسة علمية، وكان أهل مصر لا يعدلون به احداً، وتأكدت بينه وبين الشافعي مودة وإخاء وقام في معونة الشافعي و مؤازرته ونشر علمة و للشافعي شعر كثير في الحكم والنصائح.

ادب الطف ـ الجزء الاول 216

قال ابن خلكان : و من الشعر المنسوب الى الشافعي:

كلما ادبـنى الدهـر     اراني نقص عقلي

واذا ما ازددت علماً      زادني علماً بجهلي

وقال الشافعي: تزوجت امرأة من قريش بمكة، وكنت امازحها فأقول:

ومن البلية أن تحبّ      فلا يحبّك من تحبه

فتقول هي:

وتصد عنك بوجهه     وتلح أنت فلا تغبه

وقال ابن خلكان: ومن شعله ما نقله من خط الحافظ ابي طاهر السلفي:

إن الـذي رزق اليسار و لم يصب      حـمداً و لا أجـراً لـغير مـوفق
الـجد يـدني كـل أمـر iiشـاسع      والـجد  يـفتح كـل بـاب iiمغلق
واذا  سـمعت بـأن مجدوداً iiحوى      عـودا  فـاثمر فـي يديه iiفصدق
واذا سـمعت بـأن مـحروماً iiأتى      مــاء لـيشربه فـغاض iiفـحقق
لـو كـان بالحيل الغنى لو iiجدتني      بـنـجوم أقـطار الـسما تـعلقي
لـكن  من رزق الحجا حرم iiالغنى      ضــد  ان مـفترقان أي iiتـفرق
ومـن الدليل على القضاء و iiكونه      بؤس اللبيب و طيب عيش الاحمق

و من قوله:

امطرى لؤلؤاً جبال سرنديب      وفيضي آبار تكريت تبرا

همتي همة المـلوك ونفـسي     نفس حر ترى المذلة كفرا

ادب الطف ـ الجزء الاول 217

أنا إن عشت لست اعدم قوتا     وإذا مت لست أعدم قبرا

وهو القائل:

ولو الشعر بالعلماء يزري      لكنت اليوم أشعر من لبيد

كان الامام الشافعي يتظاهر بمدح أهل البيت صلوات الله عليهم ويميل اليهم فيقول:

آل النبـي ذريعـتي      وهموا اليه وسـيلتي

ارجو بأن اعطي غدا      بيدي اليمين صحيفتي

واشتهر عند قوله:

يـا آل بـيت رسـول الله حبكموا      فرض من الله في القرآن انزله (1)
يـكفيكم  مـن عظيم الذكر iiانكموا      مـن لـم يصل عليكم لا صلاة iiله

ويوضح في الابيات الآتية عن سبب اتهامه بالرفض أو التشيع:

قالوا ترفـضت قلت كـلا      ما الرفض ديني واعتقادي

لكن تولــيت دون شـك      خير إمام و خير هـادي

إن كان حب الوصي رفضا      فإنـني أرفـض العـباد

وروى شيخ الاسلام الحموي في فوائده في الباب الثاني و العشرين من طريق ابي الحسن الواحدي باسناده عن الربيع بن سلمان، قال: قال النبهاني في الشرف المؤبد لآل محمد ص99 روى السبكي في

(1) اشارة الى الآية الشريفة:«قل لا أسئلكم عليه أجراً الا المودة في القربى»

ادب الطف ـ الجزء الاول 218

طبقاته بسنده المتصل الى الربيع بن سليمان المرادي - صاحب الامام الشافعي - قال خرجنا مع الشافعي من مكة نريد منى، فلم ينزل واديا ولم يصعد شعبا إلا وهو يقول:

ياراكبا قـف بالمحصب من منى      واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرا اذا فاض الحجيج الى منى      فيضا كملـتطم الفرات الفائض

إن كان رفضـا حب آل محـمد      فليشهد الثقلان اني رافضــي

ورواها الفخر الرازي في مناقب الشافعي ص15.

وسئل الشافعي يوما عن علي عليه السلام فقال: ما اقول في رجل اخفت أولياءه فضائله خوفا، و أخفت اعداؤه فضائله حسدا وقد شاع من بين ذين ما ملأ الخافقين. و اخذ هذا المعنى السيد تاج الدين فقال:

لقد كتمت آثـار آل مـحمد      محبوهم خوفا و أعداؤهم بغضا

فشاع لهم بين الفريقين نبذة       بها ملأ الله السماوات والارضا

وقال محمد بن ادريس الشافعي ايضا:

ولـما  رأيـت الناس قد ذهبت iiبهم      مـذاهبهم  فـي أبحر الغي iiوالجهل
ركـبت على اسم الله في سفن iiالنجا      وهم آل بيت المصطفى خاتم iiالرسل
وأمـسكت  حـبل الله وهو iiولاؤهم      كـما قـد أمـرنا بـالتمسك بالحبل
اذا افـترقت في الدين سبعون iiفرقة      ونـيفا  كما قد صح في محكم iiالنقل

ادب الطف ـ الجزء الاول 219

ولـم  يـك نـاج مـنهم غير iiفرقة      فـقل  لي بها يا ذا الرجاحة iiوالعقل
أفــي فـرق الـهلاك آل iiمـحمد      أم الـفرقة اللاتي نجت منهم قل iiلي
فـإن  قلت في الناجين فالقول iiواحد      وإن قلت في الهلاك حفت عن العدل
اذا كـان مـولى الـقوم منهم iiفانني      رضـيت بهم ما زال في طلهم طلي
فـخل  عـليا لـي امـاما iiونـسله      وانـت مـن الباقين في سائر iiالحل

اقول: وتعجبني كلمة للدكتور يعقوب صروف صاحب مجلة (المقتطف) -وهو من اكبر الشخصيات العلمية - قال: وليس ما يفتخر به محصورا في الفوز السياسي و فتح البلدان، بل ان للاخلاق والفضائل مقاما أرفع في حياة الامم، وكل ما قرأناه في الكتب العريبة والافرنجية التي تذكر تاريخ الممالك الاسلامية رأينا ينوه بفضائل اهل البيت ولو خفف من شأنهم في السياسة.

قيل للشافعي ان قوما لا يصبرون على سماع فضيلة لاهل البيت فاذا ارادوا احد يذكرها يقولون هذا رافضي قال فأنشأ الشافعي يقول:

اذا فـي مـجلس ذكروا iiعليا      وسـبطيه  و فـاطمة iiالزكية
فاجرى بعضهم ذكر ى سواهم      فـأيـقن انــه iiلـسـلقلقيه
اذا  ذكـروا عـليا أو iiبـنيه      تـشاغل بـالروايات iiالـدنية
وقـال  تـجاوزوا ياقوم iiعنه      فـهذا  مـن حديث الرافضيه
برأت  الى المهمين من iiاناس      يـرون الرفض حب الفاطميه
على  آل الرسول صلاة iiربي      ولـعـنته  لـتلك iiالـجاهلية

وقال- كما روى الفخر الرازي في المناقب ص51 _ ونحن اخذناه عن كتاب ( الامام الصادق والمذاهب الاربعة) ج3 ص321

ادب الطف ـ الجزء الاول 220

أنا الشيعي في ديني، و اصلي     بمـكة ثم دارى عـسقلـيه

باطـيب مولد وأعز فـخرا       وأحسن مذهب سموا البرية

روى الشيخ القمي في الكنى و الالقاب عن فهرست ابن النديم قال: كان الشافعي شديداً في التشيع، وذكر له رجل يوما مسألة فأجاب فيها، فقال له:خالفت على بن أبي طالب، فقال له : ثبت لي هذا عن علي بن أبي طالب حتى أضع خدي على التراب ، و اقول: قد اخطأت و أرجع عن قولي الى قوله. وحضر ذات يوما مجلسا فيه بعض الطالبيين، فقال: لا أتكلم في مجلس يحضره احدهم هو أحق بالكلام ولهم الرياسة والفضل انتهى. ومن روائع اقواله:

واذا عجزت عن العدو فداره     وامـزح له إن المـزاح وفـاق

فالماء بالنار التي هي ضده       يعطي النضاج وطبعها الاحراق

وله كما في خريدة القصر:

وما خر نصل السيف إغلاق غمده      إذا كان عضبا حيث انفذته برى

وله:

يقولون اسباب الفراغ ثـلاثة      واربعة خلوه وهو خيارها

وقد ذكروا مالا وأمنا وصحة      ولم يعلموا ان الشباب مدار

وذكر ابن خلكان في ترجمة ابي عمرو أشهب بن عبد العزيز الفقيه المالكي المصري المتوفي سنة 204 قال ابن عبد الحكم سمعت اشهب يدعو على الشافعي بالموت، فذكرت ذلك للشافعي فقال متمثلا

تمنى رجال أن اموت فـان أمت      فتلك سبيل لست فيا بـأوحد

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى      تزود لأخرى غيرها فكأن قد

ادب الطف ـ الجزء الاول 221

قال فمات الشافعي فاشترى اشهب من تركته عبداً ،ثم مات اشهب فاشتريت انا ذلك العبد من تركته . قال المسعودي حدثني فقير ابن مسكين عن المزني _ وكان سماعنا من فقير بمدينة اسوان بصعيد مصر _ قال :قال المزني دخلت على الشافعي غداة وفاته فقلت له : كيف اصبحت يا ابا عبدالله ،قال : اصبحت من الدنيا راحلا ، ولاخواني مفارقاً وبكاس المنية شاربا ولاادري الى الجنه تصير روحي فاهنيها ام الى النار فاعزيها ،وانشا يقول :

ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي      جعلت الرجا مني لعفوك سلماً

تعاظـمني ذنـبي فلـما قرنته      بعفوك ربي كان عفوك اعظما

وللشافعي في مدح السفر :

مـا  في المقام لذي عقل وذي iiادب      مـن  راحة فدع الاوطان iiواغترب
سـافر تـجد عـوضا عمن iiتفارقه      وانصب فان لذيذ العيش في النصب
انـي  رايـت وقـوف الماء يفسده      إن سال طاب و إن لم يجر لم iiيطب
الاسد  لولا فراق الغاب ما iiافترست      والسهم  لولا فراق القوس لم iiيصب
والـشمس لو وقفت في الفلك iiدائمة      لـملها  الناس من عجم ومن iiعرب
والـتبر  كـالترب ملقى في iiاماكنه      و العود في ارضه نوع من iiالحطب
فـان تـغرب هـذا عـز iiمـطلبه      وان  تـغرب ذاك عـز iiكـالذهب

وله في المؤاخاة:

إذا الـمـرء لايـرعاك إلا iiتـكلفا      فـدعه ولا تـكثر عـليه iiالـتأسفا
ففي  الناس أبدال وفي الترك iiراحة      وفـي القلب صبر للحبيب ولو iiجفا
فـما  كـل مـن تهواه يهواك iiقلبه      ولا  خـير فـي ود يـجي iiتـكلفا
اذا لـم يـكن صـفو الوداد iiطبيعة      ولا كـل مـن صافيته لك قد iiصفا
ولاخـير  فـي خـل يخون iiخليله      ويـلقاه  مـن بـصر المودة بالجفا

 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث