ادب الطف

 
 

الهم صل على محمد و آله وحلني بحلية الصالحين، وألبسني زينة المتقين، في بسط العدل و كظم الغيظ، وإطفاء النائرة، و ضم أهل الفرقة و أصلاح ذات البين، و لين العريكة، و خفض الجناح و حسن السيرة و السبق الى الفضيلة، والقول بالحق و ان عز، واستقلال الخير و ان كثر من قولي و فعلي، واستكثار الشر و ان قل من قولي و فعلي و لا ترفعني في الناس درجة الا حططتني عند نفس مثلها، ولا تحدث لي عزا ظاهرا إلا احدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها.

الهم ان رفعتني فمن ذا الذي يضعني، و ان وضعتني فمن ذا الذي يرفعني، وان اكرمتني فمن ذا الذي يهينني، و ان اهتني فمن ذا الذي يكرمني و ان عذبتني فمن ذا الذي يرحمني.

الهم ألبس قلبي الوحشةمن شرار خلقك، و هب لي الانس بك و باوليائك و أهل طاعتك.

وهكذا ناجى الامام زين العابدين ربه بأدعية جمعت في كتاب اسمه (الصحيفة السجادية) واسلوبها اشبه باسلوب نهج البلاغة لجده أمير المؤمنين وتسمى أيضا بزبور آل محمد و انجيل اهل البيت وقد اشتملت على

ادب الطف ـ الجزء الاول 267

أفانين من التضرع والابتهال. و تبدو هذه الادعية لأول وهلة، انها روحية محضة لاتمت الى المادة بسبب و لكن بالتأمل تظهر صلتها الوثيقة بالعيش والاسرة وبالمجتمع وتراها دروسا قيمة منتزعة من صميم المجتمع. ان ظروف الإمام السجاد عليه السلام - وهو في عهد المروانيين - لم تسمح له أن يرتقى منبر الارشاد بأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر، لكنه مع حراجة موقفه استطاع أن يداوي المجتمع ويهديه الى سبيل الخير عن طريق الدعاء، فقد ضمن هذه الصحيفة السجادية دعوته الأصلاحية، وأهدافه العالية و آرائه الصائبة التي تهدف إلى المثل العليا.

ان الصحيفة تحتوي على 54 دعاء وهي: التحميد لله عز وجل، والصلاة على محمد و آله ، الصلاة على حملة العرش، الصلاة على مصدقي الرسل، دعاؤه لنفسه وخاصته، دعاؤه عند الصباح و المساء،دعاؤه في المهمات،دعاؤه في الاستعاذة، دعاؤه في الاشتياق، دعاؤه في اللجاء الى الله، دعاؤه بخواتم الخير، دعاؤه في الاعتراف، دعاؤه في طلب الحوائج، دعاؤه في الظلامات، دعاؤه عند المرض، دعاؤه في الاستقالة، دعاؤه على الشيطان، دعاؤه في المحذورات، دعاؤه في الاستسقاء، دعاؤه في مكارم الأخلاق، دعاؤه اذا احزنه امر، دعاؤه عند الشدة، دعاؤه بالعافية، دعاؤه لأبويه، دعاؤه لولده، دعاؤه لجيرانه، دعاؤه لأهل الثغور، دعاؤه في التفرغ، دعاؤه اذا قتر عليه، دعاؤه في المعونة على قضاء الدين، دعاؤه بالتوبة، دعاؤه في صلاة الليل، دعاؤه في الاستخارة، دعاؤه اذا ابتلى ورأى مبتلى بفضيحة بذنب، دعاؤه في الرضا بقضاء الله، دعاؤه في عند سماع الرعد، دعاؤه في الشكر، دعاؤه في الاعتذار، دعاؤه في طلب العفو، دعاؤه في عند ذكر الموت، دعاؤه في طلب الستر والوقاية، دعاؤه عند ختمه القرآن، دعاؤه اذا نظر الى الهلال، دعاؤه لدخول شهر رمضان، دعاؤه لوداع شهر

ادب الطف ـ الجزء الاول 268

رمضان، دعاؤه للعيدين والجمعة، دعاؤه لعرفة، دعاؤه للأضحى والجمعة، دعاؤه في دفع كيد الأعداء، دعاؤه في الرهبة، دعاؤه في التضرع والاستكانة، دعاؤه في الالحاح، دعاؤه في التذلل، دعاؤه في استكشاف الهموم.

وهي في الغاية من الاعجاز قد تكفلت ببيان كل ما يعترض المسلم المؤمن من مشاكل في الدين والعلم والاجتماع، بل و هي الطب النفسي والعلاج الروحي.

ان للانسان حالات كثيرة من حزن و فرح، ورخاء و شدة، وسعة وتقتير، و صحة و مرض،ومودة و عداوة، وطاعة و معصية، الى غير ذلك من الامور. وانك لترى في الصحيفة استقصاء لهذه الحالات وعلاجا لادوائها وحلا لمشكلاتها. وإنما سميت بالصحيفة الكاملة لكمالها فيما أُلفت له أو لكمال مؤلفها، فمن بين ملايين اكتب في المكتبة البشرية الواسعة ليست اعظم من الكتب الثلاث:

1- القرآن الكريم. وهو اولها وسيدها.

2- نهج البلاغة. للامام أمير المؤمنين علي عليه السلام.

3- الصحيفة السجادية،وهما مستمدان من القرآن داعيان له.

إن أدعية الصحيفة يحسن بلاغتها وكمال فصاحتها احتوت على لباب العلوم الالهية والمعارف اليقينية حتى قال بعض العرفاء: أنها تجري مجرى التنزيلات السماوية و تسير مسير الصحف اللوحية.

قال ابن الجوزي في خصائص الأئمة: لو لا امير المؤمنين على عليه السلام لما كمل توحيد المسلمين وعقائدهم إذ أن النبي(ص) وضع اصولا

ادب الطف ـ الجزء الاول 269

لهذه العقائد اما الدقائق من كون الصفات ذاتيه و فعليه وان ايها عين ذاته تعالى و ايها ليست بعينه - الى ان قال في حق الامام زين العابدين عليه السلام: ان له حق الأملاء و التعليم والإنشاء و كيفية المكالمة والمخاطبة و عرض الحوائج الى الله تعالى، فانه لولاه لم يعرف المسلمون كيف يتكلمون و يتفوهون مع الله سبحنه في حوائجهم، فان هذا الإمام علّمهم بانه متى ما استغفرت فقل كذا، ومتى ما خفت فقل هكذا واذا كنت في شدة فقل كذا، وان عجزت عن تدبير أمر فقل كذا ، و ان كنت مظلوما فاقرأ دعاء كذا.

يقول الاستاذ عبد الهادي المختار في شرحه لرسالة(الحقوق): كنت قبل اطلاعي على رسالة الحقوق للامام زين العابدين - اعتقد ان الامام زين العابدين رجل محراب ولا هم له إلا الصلاة والعبادة والزهد والبكاء و الانصراف الى الله، و لكني علمت بعد ذلك انه رجل دولة وواضع شريعة، و منشيء قانون، وعلمت لماذا حارب علي معاوية، ولماذا صالح الحسن معاوية، او لماذا أضحى الحسين بنفسه وولده، وعلمت ان التشريح و التقنين ليس بجديد و انما أخذه غيرنا عنا، فصرنا نقلدهم في ما استفادوه منها و نستفاد ما فقدناه.

أقول وفي العهد الصفوي ذلك العهد الذي كان ازهى عصوره للعلم لا تكاد تبجد بايران - سيما اصفهان - دارا فيها القرآن الكريم إلا وجدت معه الصحيفة الكاملة و ذلك حسب ما ادبهم أئمتهم عليهم السلام و عنايتهم بهذه الثروة العلمية التي هي أثمن تراث إسلامي، و كان أهل البيت لا يفارقونها سفرا و حضرا كما ورد ان يحي بن زيد بن علي بن الحسين كان وهو في طريقه الى خراسان يخرجها و يقرأ فيها.

يقول العلامة محمد جواد مغنية: وما قرأها إنسان من اي لون كان إلا

ادب الطف ـ الجزء الاول 270

تقلبه الى اجواء يشعر معها بنشوة لا عهد لاهل الارض بمثلها، و منذ اطلعت عليها احسست بدافع قهري يسوقني الي التفكير في كلماتها والكتابة عنها، و الدعوة اليها، ونشرها بين جميع الطوائف ، فكتبت عنها فصلا في كتاب : (مع الشيعة الامامية) بعنوان: مناجاة. و آخر في كتاب (أهل البيت) بعنوان: من تسبيحات الامام زين العابدين. وثالثاً في كتاب ( الإسلام مع الحياة) بعنوان: العز الظاهر والذل الباطن. ورابعاً في كتاب( الآخرة والعقل) بعنوان الله كريم.

وأهديتها الى عدد كبير من شيخ مصر و فلسطين و لبنان، والى غبطة البطريرك الماروني بولس المعوشي، ورأيته بعد الإهداء بأيام، فشكرني على الهدية فقلت له: ما الذي استوقف نظركم فيها؟ فقال: قرأت دعاءا لإمام لابويه فترك في نفسي أثرت بالغا.

ومن الذي يقرأ قول الامام : اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف و أبرهما بر الام الرؤف، و اجعل طاعتي لوالدي وبري بهما اقر لعيني من رقدة الوسنان، و اثلج لصدري من شربة الظمآن حتى أوثر على هواي هواهما، واقدم على رضاي رضاهما، واستكثر برهما بي وان قل واستقل بري بهما وان كثر.

من الذي يقرأ هذا القول ولا يترك في نفسه أعمق الآثار، يهابهما هيبة السلطان العسوف مع مخالطته لهما ودنوه منهما و علمه برأفتهما، انها هيبة التعظيم و التوقير لاهيبة الخوف من الحساب و العقاب، هيبة الابوة التي لا يقدرها الا العارفون.

ثم اقرأ معي هذه الكلمات للإمام:

اللهم وما تعديا علي فيه من قول، أو أسرفا علي فيه من فعل،

ادب الطف ـ الجزء الاول 271

أو ضيعاه من حق، أو قصر أبي عنه من واجب فقد وهبته لهما، وجدت به عليهما ورغبت اليك في وضع تبعته عنهما فاني لا اتهمهما على نفسي، ولا استبطأهما في بر، ولا اكره ما تولياه من أمري يارب.

أقول ومن ابلغ الدروس في مراعاة حقوق الآخرين و معاونتهم وتحقيق معنى الاخوة الإسلامية قوله عليه السلام في دعائه:

اللهم اني اعتذر اليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره، ومن معروف أسدي الي فلم اشكره، و من مسيء اعتذر الي فلم اعذره، و من ذي فاقة سألني فلم أوثره، ومن حق ذي حق لزمي لمؤمن فلم أوفره، ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره.

إن هذا الاعتذار من أبدع ما ينبه النفس الى ما ينبغي عمله من هذه الاخلاق الالهية العالية و المثالية التي لم يحلم بها أرقى عصره في المدنية.

حكى ابن شهر آشوب المتوفي سنة588 في كتابه مناقب آل أبي طالب: ان بعض البلغاء بالبصرة ذكرت عنده الصحيفة الكاملة فقال: خذوا عنى حتى أملي عليكم مثلها, فاخذ القلم و القرطاس وأطرق رأسه فما رفعه حتى مات.

كتب عنه كثير من العلماء والمفكرين و شروحها تزيد على الخمسين شرحا وقد كتب الدكتور حسين محفوظ مقالا عنها وقال: انها ترجمت الى الانكليزية و الارودية والفارسية وان شراحها عددهم 58 شارحا أقول ولعل اجود هذه الشروح و اغزرها ما كتبه السيد عليخان المسمى بـ( رياض السالكين) كتاب ضخم ممتع قد طبع طباعة حجرية قديمة بالقطع الكبير.

ادب الطف ـ الجزء الاول 272

وفاته :

روى ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: ان الامام علي بن الحسين مات مسموما، سمه الوليد بن عبد الملك. وقال الصدوق وابن طاووس في الاقبال: سمه الوليد بن عبد الملك. فلما توفي غسله ولده محمد الباقر و حنطه وكفنه وصلى عليه و دفنه.

قال سعيد بن المسيب: وشهد جنازته البر و الفاجر، وأثني عليه الصالح و الطالح، وانهال الناس يتبعونه حتى لم يبق احد، و دفن بالبقيع مع عمه الحسن في القبة التي فيها العباس.

توفي عليه السلام بالمدينة سنة خمس وتسعين من الهجرة في شهر المحرم الخامس والعشرون منه وله سبع وخمسون سنة من العمر، والعقب من الحسين منحصر فيه، و منه تناسل ولد الحسين عليه السلام.

ادب الطف ـ الجزء الاول 273

شاعر يرثي علي الاكبر(ع):

قال ابو الفرج في المقاتل: حدثني احمد بن سعيد عن يحيى عن عبيد الله بن حمزة عن الحجاج بن المعتمر الهلالي عن أبي عبيد ة و خلف الاحمر ان هذه الابيات قيلت في علي الاكبر:

لــم  تـر عـين نـظرت iiمـثله      مـن  مـحتف يـمشي و من iiناعل
يـغلي نـهيء 
(1) الـلحم حتى iiإذا      أنـضج  لـم يـغل عـلى iiالآكـل
كــان  إذا شـبّـت لــه iiنـاره      يـوقـدهـا بـالـشرف الـكـامل
كـيـما  يـراهـا بـائس iiمـرمل      أو فــرد حــي لـيس iiبـالآهل
أعني ابن ليلى ذا السدى والندى
 (2)      أعـني  ابـن بنت الحسب iiالفاضل
لا  يـؤثـر الـدنـيا عـلى iiديـنه      ولا يـبـيـع الـحـق بـالـباطل

(1) النهي، بوزن امير: اللحم الذي لم ينضج و (نيء) مهموزاً ، هو كل شيء شانه ان يعالج بطبخ او شيء لم ينضج فيقال: لحم نيء. قال في المصباح: و الابدال والادغام عامي. ورواها السيد الامين: يغلى بنيء اللحم، وقال: و تعدية يغلي بالباء مع انها متعدية بالهمزة لانه اراد يغلي الماء والقدر بنيء اللحم، ورواها في ابصار العين(نهيء) بوزن امير و لكنها مخالف لما جاء في (المقاتل) و(السرائر) مع عدم الوثوق بصحتهما. وقوله يغلى الاولى من الغليان، والثانية من الغلاء مقابل الرخص. و جاء في ابصار العين للشيخ السماوي( يوقدها بالشرف القابل) وقال: القابل: المقبل عليك و منه عام قابل. وفي بعض النسخ: يوقدها بالشرف الطائل.
(2) (السدى) ندى اول الليل ففي مصباح المنير مادة(ندى) ان ما يسقط اول الليل من البلل يقال له:سدى. و ما يسقط اخره يقال له: ندى، ويكنى بكل منها و بهما عن الكرم.

ادب الطف ـ الجزء الاول 274

علي بن الحسين الاكبر بن علي بن أبي طالب:

ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان، و روى الحديث عن جده علي ابن أبي طالب ثم كما حققه ابن ادريس في السرائر ونقله عن علماء التاريخ و النسب. او بعد جده عليه السلام بسنتين كما ذكره الشيخ المفيد قدس سره في الارشاد، وامه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي. عظيم القريتين والذي قالت قريش فيه«وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» وعنوا بالقريتين: مكة والطائف. فكان جد ليلى عظيم القريتين، وهو الذي ارسلته قريش للنبي يوم الحديبية فعقد معه الصلح ثم اسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع النبي(ص) من الطائف، و استأذن النبي في الرجوع لأهله، فرجع ودعا قومه إلى الإسلام فرماه واحد منهم بسهم وهو يؤذن للصلاة فمات فقال رسول الله لما بلغه موته: مثل عروة مثل صاحب (يس) دعا قومه الى الله فقتلوه.

وامها ميمونه بنت أبي سفيان بن حرب بن امية، و لهذا نادى رجل من أهل الكوفة حين برز علي الأكبر للقتال: إن لك رحما بأمير المؤمنين يزيد فان شئت آمنّأك، فقال له: ويلك لقرابة رسول الله أحق أن ترعى.

وروى ابو الفرج ان معاوية قال: من أحق الناس بهذا الامر، قالوا انت قال: لا، اولى الناس بهذا الامر علي بن الحسين بن علي: جده رسول الله ، وفيه شجاعة بني هاشم، وسخاء بني امية، وزهو ثقيف.

وكان يشبه بجده رسول الله(ص) في الخَلق والخُلق (1) و المنطق،

(1) الخلق بضم الخاء الطبع، و بفتحها الصورة.

ادب الطف ـ الجزء الاول 275

ويكنى ابا الحسن. ويلقب بالاكبر لأنه الأكبر من اخيه علي الأصغر.

قال السيد هبة الدين الشهرستاني: وكما شابه النبي في الجسم فقد شابه جده عليا في الاسم كما شابهه في الشجاعة وفي تعصبه للحق حتى انه يوم قال الحسين أثناء مسيره: كأني بفارس قد عن لي على فرس يقول القوم يسيرون والمنايا تسرى اليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت الينا، فقال له: يا أبت لا اراك الله سوء السنا على الحق، قال: بلى والذي اليه مرجع العباد: قال يا أبت اذا لا نبالي بالموت، فقال له: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.

قال ابو الفرج وغيره: وكان اول من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسين علي بن الحسين عليه السلام، فانه لما نظر الى وحدة أبيه تقدم اليه، و هو على فرس له يدعى ذا الجناح - فاستأذنه في البراز- وكان من أصبح الناس وجها و احسنهم خلقا، فأرخى عينيه بالدموع وأطرق، ثم قال: - وقد رفع شيبته الى السماء - اللهم اشهد على هؤلاء فانه قد برز اليهم غلام اشبه الناس خَلقا وخُلقا و منطقا برسولك وكنا اذا اشتقنا الى نبيك نظرنا اليه؛ ثم صاح: يابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول الله، فلما فهم علي الإذن من أبيه شد على القوم وهو يقول:

أنا علي بن الحسين بن علي      نحن و بيت الله أولى بالنبي

والله لايحكم فينا ابن الدعي

فقاتل قتالا شديدا، ثم عاد الى ابيه و هو يقول: يا أبت العطش قد قتلني وثقل الحديد قد اجهدني. فبكى الحسين عليه السلام وقال: واغوثاه أنىّ لي بالماء فقاتل يابني قليلا واصبر فما اسرع الملتقى بجدك محمد فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا.

ادب الطف ـ الجزء الاول 276

فكر عليهم يفعل فعل أبيه وجده، فرماه مرة بن منقذ العبدي بسهم في حلقه.

وقال أبو الفرج: قال حميد بن مسلم الأزدي: كنت واقفا و بجنبي مرة بن منقذ وعلي بن الحسين يشد على القوم يمنة و يسرة فيهزمهم، فقال مرة: عليّ اثام العرب ان مر بي هذا الغلام لاثكلن به اباه ، فقلت: لا تقل. يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه، فقال: لأفعلن، و مر بنا علي وهو يطرد كتيبة فطعنه برمحه فانقلب على قربوس فرسه فاعتنق فرسه فكر به على الأعداء فاحتوشوه بسيوفهم فقطعوه، فصاح قبل ان يفارق الدنيا: السلام عليك يا أبة هذا جدي المصطفى قد سقاني بكأسه الأوفى وهو ينتظرك الليلة، فشد الحسين عليه السلام حتى وقف عليه - وهو مقطع - فقال: قتل الله قوما قتلوك، يا بني فما أجرأهم على الله و على انتهاك حرمة الرسول، ثم استهلت عيناه بالدموع وقال: على الدنيا بعدك العفا.

وروى أبو الفرج و أبو مخنف عن حميد بن مسلم الأزدي أنه قال: وكأني أنظر الى امرأة قد خرجت من الفسطاط وهو تنادي: يا حبيباه، يابن اخياه. فسألت عنها. فقالوا هذه زينب بنت علي بن ابي طالب. فجاءت حتى انكبت عليه، فجاء الحسين اليها وأخذ بيدها الى الفسطاط ورجعت فقال لفتيانه: احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه ثم جاؤا به فوضعه بين يدي فسطاطه.

وقال السيد ابن طاوس في اللهوف: ثم شهق علي الأكبر شهقة ومات فجاء الحسين حتى وقف عليه ووضع خده على خده وقال: قتل الله قوما قتلوك الى آخر كلامه.

ادب الطف ـ الجزء الاول 277

قال الشيخ التستري في الخصائص الحسينية : السلام إما السلام تحية أو سلام توديع، ففي سلام التوديع يقدمون الخبر ويقولون: عليك مني السلام، يعني يا ابه اودعك و الملتقى يوم القيامة.

وفي نفس المهموم عن روضة الصفا: رفع الحسين صوته بالبكاء ، ولم يسمع احد الى ذلك الزمان صوته بالبكاء.

وفي ناسخ التواريخ ان الحسين لما جاء الى ولده رآه وبه رمق وفتح علي عينيه في وجه ابيه وقال: يا أبتاه أرى أبواب السماء قد انفتحت والحور العين بيدها كؤؤس الماء قد نزلن من السماء وهن يدعونني الى الجنة، فأوصيك بهذه النسوة بأن لا يخمشن علي وجها، ثم سكن وانقطع أنينه.

ادب الطف ـ الجزء الاول 278

استدراك :

احببنا ان لا يخلو الكتاب من هذه القصيدة، وقد فاتنا ذكرها في ترجمة الكميت.

قال الجاحظ في (البيان والتبيين) : قيل للفرزدق: أحسن الكميت في مدح هؤلاء الهاشميين قال: وجد آجرا وجصافبنى، فقد كان الهاشميون كذلك، كانوا أقرب الناس الى لطف الشمائل وجميل الخصال:

إن نـزلـوا فـالـغيوث iiبـاكرة      والاسد - اسد العرين - إن ركبوا
لاهــم مـفاريح عـند تـوبتهم      ولا  مـجـازيع إن هـم iiنـكبوا
هـيـنون لـينون فـي iiبـيوتهم      سـنخ  الـتقى والفضائل iiالنجب
والـطيبون  الـمبرأون من iiالآفة      والـمـنـجـبون iiوالـنـجـب
والـسالمون المطهرون من العيب      ورأس الــرؤوس لا iiالـذنـب

وهذه الاخرى من هاشمياته:

طربت  وهل بك من iiمطرب      ولـم تـتصاب، ولـم iiتلعب
صـبابة  شـوق تهيج iiالحليم      ولا  عـار فيها على iiالأشيب
ومـا  أنـت إلا رسوم الديار      ولـو كـن كـالخلل iiالمذهب
ولا ظـعن الـحي إذ iiأدْلجت      بـواكر كـالأجل والـربرب
ولـست تصب الى iiالظاعنين      إذا  مـا خـليلك لـم يصبب
* * ii*
فـدع ذكر من لست من iiشأنه      ولا  هـو من شأنك iiالمنصب

ادب الطف ـ الجزء الاول 279

 

وهـات  الـثناء لأهل iiالثناء      بـأصواب قـولك iiفالأصوب
بـني  هـاشم فهم iiالأكرمون      بـنو الباذخ الأفضل iiالأطيب
وإيـاهـم فـاتـخذ iiأولـياء      مـن دون ذي النسب iiالأقرب
وفـي حـبهم فـاتهم عـاذلا      نـهاك، وفـي حبلهم فاحطب
أرى لهم الفضل في iiالسابقات      ولـم أتـمن، ولـم iiأحـسب
مـساميح بيض، كرام iiالجدود      مراجيع  في الرهج iiالأصهب
مـواهيب لـلمنفس iiالمستراد      لأمـثاله، حين لا موهب
(1)
اكـارم  غـرّ حسان iiالوجوه      مـطاعيم  لـلطارق iiالأجنب
* * ii*
وردت مـيـاههم iiصـاديـا      بـحـائمة،  ورد iiمـستعذب
فـما  حـلأتى عبصى السقاة      ولاقيل: يا أبعد و لا يا أغرب
ولـكن  بـجأجاة iiالأكـرمين      بـحظي فـي الأكرم الأطيب
لـئن طـال شربي iiبالآجنات      لـقد  طـاب عندهم iiمشربي
* * ii*
أنــاس إذا وردت iiبـحرهم      صـوادي  الغرائب لم iiتغرب
ولـيس  الـتفحش من iiشأنهم      ولا طـيرة الغضب المغضب
ولا  الطعن في أعين iiالمقبلين      ولا فـي قـفا المدبر iiالمذنب
نـجوم  الامـور إذا iiإدلمست      بـظلماء  ديـجورها iiالغيهب
واهـل القديم، واهل iiالحديث      إذا  عـقدت حـبوة iiالمجتبى
* * ii*
وشـجو لـنفسي لـم iiانـسه      بـمعترك  الـطف iiفالمجنبي
(1) المنفس: ما يتنافس فيه، والمستراد: المطلوب، ولا موهوب: لاواهب.

ادب الطف ـ الجزء الاول 280

كـأن  خـدودهم iiالواضحات      بـين  الـمجر إلى iiالمسحب
صـفائح  بيض جلتها iiالقيون      مـما.  تـخيرن مـن iiيثرب
* * ii*
او قـل عـدلا عسى أن أنال      مـا  بـين شرق إلى iiمغرب
رفـعت  لـهم ناظري خائف      عـلى  الحق يقدع iiمسترهب

عن كتاب (ادب الشيعة )ص258

 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث