ادب الطف ـ الجزء الثاني 65
تالله مــا جـهل الأقـوام مـوضعها لـكنّهم سـتروا وجـه الـذي iiعلموا
ثـم ادّعـاها بـنو الـعباس iiمـلكهم ولا لـهـم قــدم فـيـها ولا iiقـدم
لا يـذكرون إذا مـا مـعشر iiذكـروا ولا يـحـكّم فـي أمـر لـهم iiحـكم
ولا رآهــم أبـو بـكر iiوصـاحبه أهـلا لـما طـلبوا مـنها وما زعموا
فـهل هـم مـدّعوها غـير واجبة ii؟ أم هـل أئـمتهم فـي أخذها ظلموا ii؟
أمّــا عـليّ فـأدنى مـن iiقـرابتكم عـند الـولاية إن لـم تـكفر iiالـنعم
أيـنـكر الـحبر عـبد الله نـعمته ii؟ أبـوكـم أم عـبـيد الله أم قـثـم ؟
بـئس الـجزاء جزيتم في بني iiحسن أبـاهـم الـعـلم الـهـادي iiوأمـهم
لا بـيـعة ردّعـتـكم عـن iiدمـائهم ولا يـمـين ولا قـربـى ولا iiذمـم
هـلا صـفحتم عن الأسرى بلا iiسبب لـلصافحين بـبدر عـن أسـيركم ؟!
هـلا كـففتم عن الديباج(1) iiسوطكم وعـن بـنات رسـول الله شـتمكم ؟
مــا نـزّهت لـرسول الله iiمـهجته عـن الـسياط فـهلاّ نـزّه الحرم ii؟
مـا نـال منهم بنوحرب وإن iiعظمت تـلـك الـجـرائر إلا دون iiنـيـلكم
كـم غـدرة لـكم فـي الدين iiواضحة وكــم دم لـرسـول الله iiعـنـدكم
أنـتم لـه شـيعة فـيما تـرون iiوفي أظـفاركم مـن بـنيه الـطاهرين iiدم
هـيهات لا قـرّبت قـربى ولا iiرحم يـوما إذا أقـصت الأخـلاق iiوالشيم
كـانـت مـودّة سـلمان لـه iiرحـما ولـم يـكن بـين نـوح وابـنه iiرحم
يـا جـاهدا فـي مـساويهم iiيُـكتّمها غـدر الـرشيد بـيحيى كيف ينكتم ii؟
لـيس الرشيد كموسى في القياس iiولا مـأمونكم كـالرضى لو أنصف iiالحكم
ذاق الزبيري(2) غب الحنث وانكشفت عـن ابـن فـاطمة الأقـوال iiوالتهم
بـاؤوا بـقتل الـرضا من بعد iiبيعته وأبـصروا بعض يوم رشدهم iiوعموا
(1) الديباج هو محمد بن عبد الله اخو بني الحسن لامهم فاطمة بنت الحسين السبط ،
ضربه المنصورمايتين
وخمسين سوطا .
(2) الزبيري هو عبد الله بن مصعب ، باهله يحيى بن عبد الله بن حسن فتفرقا فما وصل
الزبيري الى داره حتى
جعل يصيح : بطني بطني ومات .
ادب الطف ـ الجزء الثاني 66
يـا عـصبة شقيت من بعدما iiسعدت ومـعشرا هـلكوا مـن بعد ما iiسلموا
لـبـئسما لـقيت مـنهم وإن iiبـليت بـجانب الطف تلك الأعظم iiالرمم(1)
لا عـن أبي مسلم في نصحه iiصفحوا ولا الـهبيري نـجا الحلف iiوالقسم(2)
ولا الأمـان لأهـل الموصل اعتمدوا فـيه الـوفاء ولا عن غيّهم iiحلموا(3)
أبـلغ لـديك بـني الـعباس iiمـالكة لا يـدّعـوا مـلكها مـلاكها الـعجم
أي الـمفاخر أرسـت فـي iiمـنازلكم وغـيـركم آمـر فـيها ومـحتكم ii؟
أنـى يـزيدكم فـي مـفخر عـلم ii؟ وفـي الـخلاف عـليكم يـخفق iiالعَلم
يـا بـاعة الـخمر كفّوا عن iiمفاخركم لـمـعشر بـيـعهم يـوم الـهياج دم
خـلّوا الـفخار لـعلامين ان سـئلوا يـوم الـسؤال وعـمّالين إن iiعـملوا
لا يـغضبون لـغير الله إن iiغـضبوا ولا يـضيعون حـكم الله إن iiحـكموا
تـنشى الـتلاوة فـي أبـياتهم iiسحرا وفــي بـيـوتكم الأوتـار iiوالـنغم
مـنكم عُـليّة أم مـنهم ؟ وكـان لكم شـيخ الـمغنّين إبـراهيم أم لـهم ii؟
إذا تـلـوا ســورة غـنّى iiإمـامكم قـف بـالطلول الـتي لم يعفها iiالقدم
مـا فـي بـيوتهم لـلخمر iiمـعتصر ولا بـيـوتكم لـلـسوء iiمـعـتصم
ولا تـبـيت لـهم خـنثى iiتـنادمهم ولا يُــرى لـهـم قـرد ولا iiحـشم
(1) اشار إلى فعل المتوكل بقبر الامام السبط الشهيد .
(2) ابو مسلم الخراساني مؤسس الدولة العباسية ، قتله المنصور والهبيري هو يزيد بن
عمرو بن هبيرة احد
ولاة بني امية حاربه بنو العباس ايام السفاح ثم امنوه فخرج الى المنصور بعد
المواثيق والايمان فغدروا به وقتلوه سنة 132 .
(3) استعمل السفاح اخاه يحيى بن محمد على الموصل فأمنهم ونادى من دخل الجامع فهو
آمن ، وأقام الرجال
على ابواب الجامع فقتلوا الناس قتلا ذريعا قيل انه قتل فيه احد عشر الفا ممن له
خاتم وخلقا كثيرا ممن ليس له خاتم ، وأمر بقتل النساء والصبيان ثلاثة ايام وذلك في
سنة 132 .
ادب الطف ـ الجزء الثاني 67
الركن والبيت والأستار منزلهم
وزمزم والصفى والحجر والحرم
وليس من قَسَم في الذكر نعرفه إلا
وهم غيــر شك ذلك القسم
اقول وقد شرح بعض الفضلاء هذه القصيدة شرحا جيدا . يحكى انه دخل بغداد وأمر أن يشهر
خمسمائة سيف خلفه وقيل اكثر ووقف في المعسكر وانشد القصيدة وخرج من باب آخر .
قال الشيخ القمي في الكنى الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون فارس ميدان العقل
والفراسة والشجاعة والرياسة ، كان ابن عم السلطان ناصر الدولة وسيف الدولة ابني عبد
الله بن حمدان وقلادة وشاح محامد آل حمدان ، وكان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا
وكرما ونبلا ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وشعره مشهور ، قال الصاحب بن عباد
: بدء الشعر بملك وختم بملك . يعنى أمرء القيس وابي فراس .وكان المتنبي يشهد له
بالتقدم ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يتجرّى على مجاراته وإنما لم يمدحه
ومدح مَن دونه من آل حمدان تهيباً له واجلالا ، لا اغفالا وإخلالا ، وكان سيف
الدولة يعجب جدا بمحاسن ابي فراس ويميزه بالأكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته
ويستخلفه في أعماله .
وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ثم
نقلوه إلى القسطنطينية وذلك سنة ثمان واربعين وثلثماءة وفداه سيف الدولة في سنة خمس
وخمسين وله في الاسر اشعار كثيرة متينة يجمعها ديوانه .
قال أبو هلال العسكري في ديوان المعاني : ومن جيد ما قيل في اظهار الرغبة في
الاخوان قول ابي فراس بن حمدان :
قـل لاخـواننا الجفاة iiرويدا اذرجـونا إلى احتمال iiالملال
إن ذاك الصدود من غير جُرم لـم يدع فيّ موضعا iiللوصال
أحسنوا في وصالكم أو فسيئوا لاعـدمناكم عـلى كـل حال
ادب الطف ـ الجزء الثاني 68
وقال :
انظر إلى الزهـر الـبديع والماء في برك الربـيع
وإذا الرياح جــرت عليه في الذهاب وفي الرجوع
نثرت على بيض الصفائح بينـها حَلَــق الدروع
أقول ومن روائعه قوله :
قد كنتَ عدتي التي اسطو بها ويدي إذا اشتد الزمان
وساعدي
فرميت منك بضدّ ما أمّــلته والمرء يشرق بالزلال الـبارد
وقوله :
أساء فزادته الاساءة حظوة حبيب على ما كان منه حبيب
يعدّ عليَّ الواشيان ذنوبـه ومن اين للوجه الجميل ذنوب
وقوله في الفخر :
أقـلـى فـأيـام الـمحب قـلائل وفـي قلبه شغل عن القلب iiشاغل
ووالله مـا قصّرت في طلب iiالعلى ولـكن كـان الـدهر عني iiغافل
مـواعـيد ايـام تـطاولني iiبـها مـروات أزمـان ودهـر iiمخاتل
تـدافـعني الايـام عـما iiارومـه كـما دفـع الدين الغريم iiالمماطل
خـليلي شـدا لـي عـلى ناقتيكما اذا مـا بدا شيب من الفجر iiناصل
ومـا كـل طلاب من الناس iiبالغ ولا كـل سـيار إلى المجد iiواصل
ومـا الـمرء الا حيث يجعل iiنفسه وانـي لـها فوق السماكين iiجاعل
اصـاغرنا فـي الـمكرمات iiأكابر اواخـرنا فـي الـمأثرات اوائـل
اذا صلت صولا لم أجد لي مصاولا وإن قـلت قـولا لم أجد مَن iiيقاول
ادب الطف ـ الجزء الثاني 69
وقوله في الاخوانيات :
لم اواخذك بالحفاء لاني واثق منك بالوداد الصريح
فجميل العدو غير جميل وقبيح الصديق غيـر قبيح
وقوله :
خفض عليك ولا تكن قلق الحشا مما يكـون وعلـّه وعـساه
فالـدهر اقصر مـدة مـما ترى وعساك ان تكفى الذي تخشاه
وقال ابو فراس في ذم اخوان الرخاء :
تـناساني الاصـحاب إلا iiعُصيبة سـتلحقُ بـالأخرى غدا iiوتحول
فمن قيل كان العذر في الناس iiسُبّة وذم زمــان واسـتـلام iiخـليل
وفارق عمرو بن الزبير iiشقيقه(1) وخـلّى أمـير المؤمنين عقيل(2)
ومَن ذا الذي يبقى على الدهر إنهم وإن كـثـرت دعـواهم iiلـقليل
وصـرنا نَرى أن المتارك iiمحسن وان خـليلا لا يـضر iiوصـول
أقلّب طرفي لا ارى غير صاحب يـميل مـع الـنعماء حيث iiتميل
(1) في ديوان ابي فراس (خليله) .
(2) عجيب من الأمير ابي فراس أن يغض من كرامة عقيل بن أبي طالب بقوله :
وخلّى أمير المؤمنين عقيل .
وهو محبوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي قال له : اني أحبك حبين : حُبّا لك
وحبّا لحب أبي
طالب إياك * .
ان الروايات في سفر عقيل الى الشام هل كان على عهد أخيه الإمام أمير المؤمنين أو
بعده متضاربة واستظهر ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3 ص 82 انه بعد شهادة أمير
المؤمنين
* انظر نكت الهميان ص 200 والسيرة الحلبية ج 1 ص 304 وتذكرة الخواص ص 7 والخصال
للصدوق ج 1 ص 38 .
ادب الطف ـ الجزء الثاني 70
ومن روائعه قوله في الشكوى والعتاب :
وإنـي وقـومي فـرّقتنا iiمذاهب وإن جمعتنا في الاصول iiالمناسب
فـاقصاهم أقـصاهم من iiمَساءتي وأقـربهم مـما كـرهت الاقارب
غريب وأهلي حيث ما كرّ ناظري وحيد وحولي من رجالي iiعصائب
نـسيبك مـن نـاسبت بالودّ iiقلبه وجـارك من صافيته لا المصاقب
وأعـظم أعـداء الـرجال iiثِقاتها وأهـون مَـن عاديته مَن iiتحارب
وما الذنب إلا العجز يركُبه iiالفتى ومـا ذنـبه إن حاربته iiالمطالب
ومن كان غير السيف كافل iiرزقه فـفللذل مـنه لا مـحالة iiجـانب
وقال في الصبر على الاصدقاء :
مـا كنت مذ كنت إلا طوع iiخلاني لـيست مواخذة الخلان من iiشاني
يـجني الـخليل فاستحلي iiجنايته حـتى يدل على عفوي iiوإحساني
يـجني عـليّ فاحنو صافحا iiأبدا لا شيء أحسن من حان على جاني
ويـتبع الـذنب ذنبا حين iiيعرفني عـمدا فـأتبع غـفرانا iiبـغفران
وجزم به العلامة الجليل السيد علي خان في (الدرجات الرفيعة) وهو الأصوب بعد
ملاحظة مجموع ما يؤثر في هذا الباب . وعليه تكون وفادته كوفود غيره من الرجال
المرضيين عند أهل البيت عليهم السلام الى
معاوية في تلك الظروف القاسية . ألم يقد عبد الله بن عباس على معاوية وكذلك الامام
الحسن عليه السلام ،
على أن عقيلا لم يؤثر عنه يوم وفادته على معاوية انه خضع أو استكان أو جامله ووافقه
على باطل أو أنه اعترف له بخلافة وزعامة ، بل أوثر عنه الطعن في نسب معاوية وحسبه
وأشفع ذلك بتعظيم سيد الوصيين . من ذلك ما ذكره صاحب الدرجات الرفيعة أن معاوية قال
له : يا أبا يزيد اخبرني عن عسكري وعسكر
أخيك . فقال عقليل : لقد مررت بعسكر أخي فاذا ليل كليل رسول الله ونهار كنهاره إلا
أن رسول الله ليس
فيهم ، وما رأيت فيهم الا مصليا ، ولا سمعت الا قارثا ، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم
من المنافقين ممن
نفّر برسول الله ليلة العقبة .
أقول وقد أفردنا لعقيل ترجمة وافية في مخطوطنا (الضرائح والمزارات) وأثبتنا ان قبره
في البقيع ، وان معه في القبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار ، لا ما يقوله
الشيخ الطريحي في مادة (عقل) من ان عقيل بن أبي طالب مات بالشام .
ادب الطف ـ الجزء الثاني 71
وقال وهي من حكمياته :
كيف أبغي الصلاح من سعي قوم ضيعوا الحزم فيه اي ضياع
فمطــاع المقال غيـر سديـد وسديـد الـمقال غير مطاع
وقال :
عرفت الشر لا للشر لكـن لتوقّـــيه
فمن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه
ومن غرر شعره قوله :
اراك عـصى الدمع شيمتك iiالصبر أمـا لـلهوى نـهي عليك ولا iiامر
بـلى أنـا مـشتاق وعـندي لوعة ولـكن مـثلي لا يـذاع لـه iiسـر
اذا الـليل أضواني بسطت يد iiالهوى وأذلـلت دمـعا مـن خلائقه iiالكبر
تـكاد تـضيء الـنار بين iiجوانحي إذا هـي أذكـتها الـصبابة iiوالفكر
مـعللتي بـالوصل والـموت iiدونه إذا مـت ظـمئانا فـلا نزل iiالقطر
بـدوت وأهـلي حـاضرون iiلأنني أرى ان دارا لـست مـن أهلها iiقفر
وحـاربت قـومي في هواك iiوإنهم وإيـاي لـولا حـبك الماء iiوالخمر
وان كـان مـا قال الوشاة ولم iiيكن فـقد يـهدم الايـمان ما شيّد iiالكفر
وفـيت وفـي بـعض الـوفاء مذلة لآنـسة فـي الـحي شـيمتها iiالغدر
وقـور وريـعان الـصبا iiيستفزها فـتأرن احـيانا كـما يـأرن iiالمهر
تـسألني مـن أنـت وهـي عليمة وهـل بـفتى مـثلي على حاله iiنكر
فـقلت كـما شاءت وشاء لها iiالهوى قـتـيلك قـالت ايّـهم فـهم iiكُـثر
فـقلت لـها لـو شـئت لم iiتتعنتي ولـم تـسألي عني وعندك بي خبر
ولا كـان لـلأحزان لـولاك مسلك الـى الـقلب لكن الهوى للبلى iiجسر
فـأيقنت أن لا عـزّ بـعدي iiلعاشق وأن يـدي مـما عـلقت بـه iiصفر
فـقالت لـقد أزرى بك الدهر iiبعدنا فـقلت مـعاذ الله بل أنتِ لا iiالدهر
|