ادب الطف

 
 

أدب الطف ـ الجزء الثالث 296

وقال:

يـا حـسن ديـر سعيد إذ حللت iiبه      والارض والروض في وشي وديباج
فـمـا تـرى غـصنا إلا زهـرته      تـجـلوه فـي جـبة مـنها ودواج
ولـلـحـمائم ألـحـان iiتـذكـرنا      أحـبـابنا بـين أرمـال وأهـزاج
ولـلنسيم عـلى الـغدران iiرفـرفة      يــزورهـا  فـتـلقاه iiبـامـواج
وكـلنا مـن أكـاليل الـبهار iiعلى      رؤوسـنـا كـأنـو فــي الـتاج
ونـحن  فـي فـلك الـمحيط بـنا      كـأنـنا فـي سـماء ذات iiأبـراج
ولـست  أنـسى ندامى وسط هيكله      حـتى  الصباح غزالا طرفه iiساجي
أهـز  عـطفي قضيب البان iiمعتنقاً      مـنه والـثم عـيني لـعبة الـعاج
وقـولتي  والـتفاتي عند iiمنصرفي      والـشوق  يـزعج قلبي أي iiإزعاج
يـا ديـر ياليت داري في فنائك iiأو      يــا لـيت لـي فـي درب iiدراج

وقال:

بنفسي حبيب بان صبري لبينه     وأودعني الاشجان ساعة ودعا

وانحلني بالهجـر حتى لو أنني     قذى بين جفني أرمد ما توجعا

وقال:

ولـيلة لـيلاء iiفي      اللون كلون المفرق
كـأنـما iiنـجومها      في مغرب iiومشرق
دراهـم  iiمـنثورة      على  بساط iiأزرق

أدب الطف ـ الجزء الثالث 297

وقال:

صـغير صرفت اليه الهوى     وهل خاتم في سوى خنصر

فإن شئت فاعذر ولا تلحني      وإن شئـت فالـح ولا تعذر

وقال:

ريـقته  خـمر iiوأنفاسه      مسك  وذاك الثغر iiكافور
أخرجه رضوان من داره      مـخافة تـفتتن الـحور
يـلومه الناس على iiتيهه      والـبدر  إن تاه iiفمعذور

وقال:

قل لمن يشتهي المديح ولـكن      دون مـعروفــه مــطال ولي

سوف اهجـرك بعـد مـد ح    وتحـريك وعتب وآخر الداء كي

وقال:

شعر عبـدالسلام فيـه ردي    ومحـال وساقط وبديع

فهو مثل الزمان فيه مصيف     وخريف وشتوة وربيع

وقال كما في أعيان الشيعة:

قمر  بدير الموصل iiالأعلى      أنـا  عبده وهواه لي iiمولى
لثم الصليب فقلت من iiحسد      قبل  الحبيب فمي بها iiاولى
جـد لي باحداهن تحيي بها      قـلبي فـحبته على iiالمقلى
فاحمر من خجل وكم قطفت      عـيني شقائق وجنة iiخجلي
وثـكلت صبري عند فرقته      فعرفت كيف مصيبة iiالثكلى

أدب الطف ـ الجزء الثالث 298

قال السيد الامين وفي معجم البلدان: دير الاعلى بالموصل يضرب به المثل في رقة الهواء وحسن المستشرف، والى جانبه مشهد عمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي، أنتهى. اقول والحمق بالحاء المهملة المفتوحة والميم المكسورة والقاف: كان خفيف اللحية، وبه سمي الرجل. وهو من حواري أميرالمؤمنين علي وأصفيائه. ذكر المجلسي في البحار باسناده قال: قال عمرو بن الحمق لأمير المؤمنين : والله ما جئتك لمال من الدنيا تعطنيها، ولا لالتماس سلطان يرفع به ذكري إلا لأنك ابن عم رسول الله وأولى الناس بالناس وزوج فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين، وابوالذرية التي هي بقية رسول الله، وأعظم سهماً للاسلام من المهاجرين والانصار، والله لو كلفتني نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي (1) أبداً حتى يأتي علي يومي وفي يدي سيفي أهر به عدوك وأقوي به وليك، ويعلي به الله كعبك، ما ظننت اني أديت من حقك كل الحق الذي يجب لك علي. فقال اميرالمؤمنين عليه السلام: اللهم نور قلبه واهده الصراط المستقيم. ليت أن في شيعتي مائة مثلك.

وجاء في اسد الغابة ان عمرو بن الحمق الخزاعي سقى النبي (ع) فقال صلى الله عليه وآله: اللهم أمتعه بشبابه: فمرت عليه ثمانون سنة لا ترى في لحيته شعرة بيضاء.

وقال عمرو بن الحمق يوم صفين:

تقول  عرسي لما أن رأت أرقى      ماذا  يهيجك من اصحاب صفينا
ألست في عصبة يهدي الآله بهم      أهـل  الكتاب ولا بغياً iiيريدونا
فقلت  إني على ما كان من رشد      أخشى  عواقب أمر سوف iiيأتينا
إدالـة  الـقوم في أمر يراد iiبنا      فـاقني حـياء وكفي ما iiيقولونا

(1) هي الممتلئة، يقال طمى البحر اذا امتلأ ماء.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 299

ولما رفعت المصاحف يوم صفين قال عمرو بن الحمق: يا اميرالمؤمنين انا والله ما اخترناك ولا نصرناك عصبية على الباطل ولا أحببنا إلا الله عزوجل ولا طلبنا إلا الحق ولو دعانا غيرك الى ما دعوت إليه لكان فيه اللجاج وطالت فيه النجوى وقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي (اهـ) ولما قتل علي بن ابي طالب بعث معاوية في طلب أنصاره فكان فيمن طلب عمرو بن الحمق الخزاعي فراغ منه فارسل الى امرأته آمنة بنت الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ثم أن عبدالرحمن بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله وبعث برأسه الى معاوية، فكان اول رأس حمل في الاسلام واهدي من بلد الى بلد، فلما أتى معاوية الرسول بالرأس بعث به الى آمنة في السجن وقال للحرسي إحفظ ما تتكلم به حتى تؤديه الي واطرح الرأس في حجرها، ففعل فارتاعت له ساعة ثم وضعت يدها على رأسها وقالت: نفيتموه عني طويلاً وأهديتموه الي قتيلا فاهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية وانا له اليوم غير ناسية. الى آخر القصة التي ذكرت مفصلا في ترجمة آمنة. وبعد قتل عمرو كتب الحسين بن علي الى معاوية: اولست القاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله العبد الصالح بعد ما أمنته واعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو اعطيته طائراً نزل اليك من رأس جبل ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافاً بذلك العهد.

قال ابن الاثير في اسد الغابة قبر عمرو بن الحمق الخزاعي مشهور بظاهر الموصل يزار وعليه مشهد كبير، ابتدأ بعمارته أبوعبدالله سعيد بن حمدان وهو ابن عم سيف الدولة وناصر الدولة ابن حمدان في شعبان سنة ست وثلاثين وثملثمائة

أدب الطف ـ الجزء الثالث 300

وجاء في اليتيمة من شعر ابي بكر محمد بن هاشم الخالدي، قال: وهو في نهاية الحسن.

لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج     لأرتك سالفتي غزال أدعج

اقول وقد مرت عليك هذه القطعة في ترجمة السري الرفاء وعلمت ما كان بينهما من المنافسة والله اعلم انها لهذا او لذاك.

وقال:

قـلت لمـا بدا الهـلال لعين     منعتها مـن الكـرى عينا كا

يا هلال السماء لولا هلال الا      رض ما بت ساهراً أرعا كا

وقال وقد أمر الامير بجمع المتكلمين ليتناظروا بحضرته في يوم دجن:

هـو يـوم كـما ترا      ه مـلـيح iiالـشمائل
هـاج  نـوح iiالحمام      فـيه  غـناء iiالبلابل
ولركب  السحاب iiفي      الـجو  حـق كباطل
مـثلما فـاه فـي iiال      هـند بعض iiالصياقل
جـليت  شـمسه iiلر      قـته  فـي iiغـلائل
وعـمـود  iiالـزمان      مـعتدل غـير iiمائل
حين ساوى حر iiالهوا      جـر بـرد iiالأصائل
وغدا الروض في ملا      ئــده  iiوالـخلاخل

أدب الطف ـ الجزء الثالث 301

فـمن  العجز ان iiترى      فـيه طـوع الـعواذل
يـا  لـهذا ابي iiالهذيل      وتـوصـيل iiواصـل
ومـلاحـاة  iiعـاقـل      ومـقـاساة  iiجـاهـل
وخـصـوم  iiيـكابرو      ن  وضـوح iiالـدلائل
انـف كيد الجدال iiعنك      بـصيد  iiالأجـادل
(1)
كـل صـلب iiالـعظام      واللحم رطب iiالمفاصل
وهو  أهدى من iiالردى      فـي  طـريق iiالمقاتل
كــم  غـدونـا iiبـه      لـطير التلاع iiالسوابل
فـانبرى  أخرس iiالجنا      ح صـخوب iiالجلاجل
وتـعامى عـن iiالشوى      واهـتـدى iiلـلشواكل
بـسـكاكينه  iiالـتـي      ثـبتت فـي iiالانـامل
عـقفت ثـم iiأرهـفت      فـهي مثل iiالمناجل
(2)
صـاعد خـلف صاعد      نـازل خـلف iiنـازل
فـتـردى  رداء لـهو      إلــى الـليل شـامل
ثــم انـثنى جـذلان      بـين الـقنا iiوالـقنابل
نـحو  ربـع من المكا      رم  والـمـجد iiآهـل
فـنرى  الأنـس iiفـي      عـبيدك عذب iiالمناهل
مــن عـقـول iiقـد      بـلبلتهن  صفراء iiبابل
فـإذا  الـليل كف iiكل      رقــيـب وعــاذل
صرت الفرش تحت قو      م  صـرير iiالـمحامل

(1) الاجادل جمع اجدل وهو الصقر
(2) عقف السكين، لواها.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 302

وقال:

راح  كضوء iiالشهاب      سـلافـة iiالاعـناب
والـمزج  ماء iiغدير      صاف  كماء iiالشباب
لـو لم يكن ماء مزن      لـكان  لـمع iiسراب
كـأنـه جـسـم iiدر      عـليه درع iiحـباب
يجري  خلال iiحصى      أبيض كقطر السحاب
كـأنه  الريق iiيجري      عـلى  الثنايا العذاب

وقال:

وكـم من عدو صار بعد عداوة      صديـقاً مجـلا في المجالس معظما

ولا غرو فالعنقود في عود كرمه     يـرى عنبا من بعد ما كان حصر ما

وقال في هجاء شاعر:

لو أن في فمه جمراً وانشدنا      شعراً لما ضره من برد إنشاده

أدب الطف ـ الجزء الثالث 303

استدراك واعتذار

جاء في الجزء الثاني من أدب الطف ص 319 ذكر القصيدة الرائية المعروفة بالبسامة وأولها:

الدهر يفجع بعد العين بالاثر     فما البكاء على الاشباح والصور

ونسبناها الى ابن زيدون، والحقيقة أنها لابن عبدون، وأوقعنا بهذا الخطأ زميلنا المعاصر الخطيب السيد علي الهاشمي إذ نسبها لابن زيدون كما جاء في كتابه (المطالب المهمة) ص 344 والمطبوع في النجف الاشرف 1388 هـ.

وزيادة في الايضاح تذكر ترجمة للشاعرين: اما ابن زيدون فهو: ذو الوزارتين احمد بن عبدالله بن احمد بن غالب بن زيدون المخزومي الاندلسي. ولد بقرطبة سنة 394، شاعر مقدم وكاتب بليغ، علق بحب ولادة بنت المستكفي بالله، فألهمه حبها أروع ما صاغه في حياته من نظم ونثر، حتى كتب على لسانها رسالة شرحها ابن نباتة المصري وسماها (سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون) . قال السيد صدر الدين المعدني في (أنوار الربيع في انواع البديع): وما أحسن قول ابو زيدون يحكي اول اجتماعه بمعشوقته ولادة، قال:

كنت في ايام الشباب هائماً بغادة أرى الحياة متعلقة بقربها، ولا يزيدني

أدب الطف ـ الجزء الثالث 304

امتناعها إلا اغتباطاً، فلما ساعد القضاء وآن اللقاء كتبت إلي:

تـرقـب اذا جـن الظـلام زيارتي     فانـي رأيـت الليل أكتم للسر

وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح      وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر

ثم لما طوى النهار كافوره، ونشر الليل عبيره، أقبلت بقد كالقضيب في ردف كالكثيب، وقد أطبقت نرجس المقل على ورد الخجل، فملنا الى روض مدبج، وظل سجسج، قد قامت رايات أشجاره، وامتدت سلاسل أنهاره، ودر الطل منثور، وجيب الراح مزرور، فلما شببنا نارها، وأدركت منا ثارها، باح كل منا بحبه، وشكا ما بقلبه، وبتنا بليلة نجتني أقحوان الثغور، ونقطف رمان الصدور فلما نثر الصباح لواءه، وطوى الليل ظلماءه، وادعتها وأنشأت:

وادع  الصبر محب iiودعك      ذائـع  من سره ما iiأودعك
يقرع السن على ان لم iiيكن      زاد في تلك الخطا اذ شيعك
يـا أخـا البدر سناء iiوسناً      حـفظ  الله زمـاناً iiأطلعك
ان  يـطل بعدك ليلي iiفلكم      بت  أشكو قصر الليل iiمعك

ومن بديع النثر في هذا النوع قول أبي القاسم عبدالصمد بن علي الطبري يصف متنزهاً: لله متنزهنا والسماء زرقاء اللباس، والشمال ندية الانفاس، والروض مخضل الازار، والغيم منحل الازرار.

وكأن السماء تجلو عروساً     وكأنا من قطره في نثار

والربى رابية الارجاء، شاكرة صنيع الانواء

ذهب حيثما ذهبنا ودر     حيث درنا وفضة بالفضاء

أدب الطف ـ الجزء الثالث 305

والجبال قد تركت نواصيها الثلوج شيباً، والصحارى قد لبست من نسج الربيع برداً قشيبا. ولا ربع إلا وفيه للانس مربع، ولا جزع إلا وفيه للعاشق مجزع. والكؤوس تدور بيننا بالرحيق، والاباريق تنهل مثل ذوب العقيق وتفتر عن فار المسك وخد الشقيق. والجيوب تستغيث من أكف العشاق وسقيط الطل يعبث بالاغصان عبث الدل بالغصون الرشاق، والدن يجرح بالمبزال فتل الصائغ طرف الخلخال.

اذا فض عنه الختم فاح بنفسجا     وأشرق مصباحاً ونور عصفرا

ومن شعره ما قاله من قصيدة يخاطب بها ابن جهور أيام سجنه:

مـا  جـاك بعدك لحظي في سنا القمر      إلا  ذكـرتـك ذكـر الـعين iiبـالاثر
ولا اسـتطلت زمـام الـليل من أسف      إلا  عـلى لـيلة مـرت مـع iiالقصر
يـا لـيت ذاك الـسواد الجون iiمتصل      قـد اسـتعار سـواد الـقلب iiوالبصر
جمعت معنى الهوى في لحظ طرفك لي      ان الـحـوار لـمفهوم مـن iiالـحور
لأيـهـنأ الـشامت الـمرتاح iiنـاظره      أنـي  مـعنى الامـاني ضائع iiالخطر
هـل الـرياح بـتخم الارض iiعاصفة      أم  الـكسوف لـغير الـشمس iiوالقمر
ان طـال في السجن ايداعي فلا عجب      قـد يـودع الـجفن حد الصارم iiالذكر
وان يـثبط أبـا الـحزم الـرضا iiقدر      عن  كشف ضري فلا عتب على iiالقدر
مـن  لـم أزل مـن تـدانيه على ثقة      ولـم أبـت مـن تجنيه على iiحذر
(1)

اما ابن عبدون صاحب القصيدة فهو الوزير ابو محمد عبدالمجيد بن عبدون والقصيدة هي المعروفة بالبسامة، جاء في فوات الوفيات: عبدالمجيد بن عبدون بن محمد الفهري توفي سنة خمسمائة وعشرين، كان أديباً شاعراً له مصنف

(1) عن رسالة ابن زيدون.

أدب الطف ـ الجزء الثالث 306

في الانتصار لابي عبيد علي بن قتيبة، ومن شعره قصيدته الرائية التي رثى فيها ملوك بني الافطس وذكر فيها من أباده الحدثان من ملوك كل زمان وهي:

الدهر يفجع بعد العين بالاثر     فما البكاء على الاشباح والصور

وقد شرحها جماعة من ارباب الذوق والكمال ومنهم العلامة ابو القاسم عبدالملك بن عبدالله بن بدرون الحضرمي البستي، . وفي آخر الشرح روى عن ابن الأثير انه قال: وقد اشتملت هذه القصيدة على نيف وخمسين بيتا.

وقال الشيخ القمي في الكنى. ابن عبدون من علماء العامة. ابو محمد عبد المجيد بن عبدون الفهري، وزير بني الافطس، كان أديباً شاعراً فاضلاً، أخذ الناس عنه، واستوزره المتوكل ابو محمد عمر بن الافطس وشهد ابن عبدون نكبته سنة 478 فرثاه بقصيدته الرائية وهي من أمهات القصائد وأولها:

الدهر يفجع بعد العين بالاثر     فما البكاء على الاشباح والصور

هذ آخر ما توصلنا اليه من الالمام بشعراء القرن السادس الهجري الذين نظموا في الامام أبي عبدالله الحسين بن علي سيد الشهداء عليه السلام، والى شعراء القرن السابع في الجزء الرابع ان شاء الله.

 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث