أدب الطف ـ الجزء الثالث 286
جـمعن الـحسنين فمن iiرياح مـعـنبرة وأروح iiخـفـاف وما عدمت مغيراً منك iiيرمي رقـيق طباعها بطباع iiجافي مـعان تـستعار من الدياجي وألـفاظ تـقد من iiالأثافي(1) كـأنك قـاطف مـنها iiثماراً سـبقت الـيه إبـان iiالقطاف وشـر الـشعر مـا أداه iiفكر تـعثر بـين كـد iiواعتساف سأشفي الشعر منك بنظم iiشعر تبيت له على مثل الاشافي(2) وأبـعد بـالمودة عنك iiجهدي فـقف لي بالمودة خلف iiقاف قال الثعالبي: وما أراني أروى أحسن ولا اشرف ولا أعذب ولا ألطف من
قوله:
قـسمت قـلبي بـين الـهم iiوالكمد ومـقلتي بـين فيض الدمع iiوالسهد ورحـت في الحسن أشكالا iiمقسمة بـين الـهلال وبين الغصن والعقد أريـتـني مـطراً يـنهل iiسـاكبه مـن الـجفون وبـرقاً لأح من برد ووجـنة لا يـروي مـاؤها iiظميء بـخلأ وقـد لـذعت نيرانها iiكبدي فـكيف أبقي على ماء الشئون iiوما أبقى الغرام على صبري ولا جلدي؟ وقال ولا توجد في الديوان المطبوع
لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج لأرتـك سـالفتي غـزال iiأدعج أرعـى الـنجوم كأنها في افقها زهر الاقاحي في رياض iiبنفسج والـمشتري وسط السماء iiتخاله وسـناء مثل الزيبق iiالمترجرج مـسمار تـبر أصـفر iiركـبته فـي فـص خاتم فضة iiفيروزج
(1) الاثافي: حجارة توضع عليها القدور، واحدها أثغية بضم الهمزة وياؤها
مشددة،
(2) الاشافي: جمع إشفي، وهو المثقب يخرز به النعال.
أدب الطف ـ الجزء الثالث 287
وتمايل الجوزاء يحكي في الدجى مـيلان شـارب قهوة لم iiتمزج وتـنقبت بـخفيف غـيم iiأبيض هـي فـيه بـين تخفر iiوتبرج كـتنفس الـحسناء في المرآة iiاذ كـملت مـحاسنها ولـم iiتتزوج ومما يأخذ بمجامع القلوب قوله:
بـلاني الحب منك بما iiبلاني فشأني أن تفيض غروب شأني أبـيت الـليل مـرتفقاً iiأناجي بـصدق الوجه كاذبة iiالأماني فـتشهد لي على الأرق الثريا ويـعلم مـا أجـن iiالـفرقدان إذا دنـت الـخيام بـه iiفأهلا بـذاك الـخيم والخيم iiالدواني فـبين سـجوفها أقـمار iiتـم وبـين عـمادها أغصان iiبان ومـذهـبة الـخدود iiبـجلنار مـفضضة الـثغور iiبأقحوان سـقانا الله مـن ريـاك ريـاً وحـيانا بـأوجهك iiالـحسان سـتصرف طاعي عمن نهاني دمـوع فيك تلحى من iiلحاني ولـم أجـهل نصيحته، ولكن جنون الحب أحلى في iiجناني فـيا ولـع العواذل خل iiعني ويـا كف الغرام خذي iiعناني وقال:
قـامت وخوط iiالبانة الـمياس في iiأثوابها ويهزها سكران: iiسك ر شـرابها iiوشبابها تسعى بصهباوين من الـحاظها iiوشـرابها فـكأن كأس iiمدامها لـما ارتدت iiبحبابها تـوريد وجـنتها إذا مـا لاح تحت iiنقابها أدب الطف ـ الجزء الثالث 288
وقوله في العتاب:
لـسانك الـسيف لا يـخفى له أثر وأنـت كـالصل لا تـبقي ولا iiتذر سـري لـديك كأسرار الزجاجة iiلا يخفى على العين منها الصفو والكدر فاحذر من الشعر كسراً لا انجبار iiله فـللزجاجة كـسر لـيس iiيـنجبر وقال في مثل ذلك:
أروم مـنك ثـماراً لـست اجنيها وأرتـجي الـحال قد حلت أواخيها اسـتودع الله خـلا مـنك iiأوسعه وداً ويـوسـعني غـشاً iiوتـمويها كـأن سـري فـي أحـشائه iiلهب فـما تـطيق لـه طـياً iiحواشيها قـد كـان صدرك للأسرار iiجندلة ضـنينة بـالذي تـخفي iiنواحيها فصار من بعد ما استودعت جوهرة رقـيقة تـستشف الـعين ما iiفيها وقال من قصيدة:
لا تأنفن من العتاب وقرصه فالمسك يسحق كي يزيد فضائلا
ما أحرق العود الذي أشممته خطأ ولا غـم البنفسج بـاطلاً
وقال يذكر ليلة بقطربل ويصف الشمع:
كـستك الـشبيبة iiريعانها وأهدت لك الراح iiريحانها فـدم لـلنديم عـلى iiعهده وغـاد الـمدام iiونـدمانها فقد خلع الأفق ثوب الدجى كما نضت البيض أجفانها وسـاق يـواجهني iiوجهه فـتجعله الـعين iiبستانها يـتوج بالكأس كف iiالنديم إذا نـظتم الـماء iiتيجانها فـطوراً يـوشح iiياقوتها وطـوراً يـرصع عقيانها
أدب الطف ـ الجزء الثالث 289
رمـيت بـأفراسها iiحـلبة مـن اللهو تـرهج iiميدانها وديـراً شـغفت iiبـغزلانه فـكـدت أقـبل iiصـلبانها فـلما دجـى الـليل iiفرجته بـروح تـحيف iiجـثمانها بـشمع أعـير قدود iiالرماح وسـرج ذراهـا وألـوانها غصون من التبر قد أزهرت لـهـيباً يـزيـن iiأفـنانها فيا حسن أرواحها في iiالدجى وقـد أكـلت فـيه iiأبـدانها سـكـرت بـقطربل iiلـيلة لـهوت فـغازلت iiغزلانها وأي لـيالي الهوى iiأحسنت إلــي فـأنكرت iiإحـسانها
وقال يصف طبيباً بارعاً:
بـرز ابـراهيم فـي iiعلمه فـراح يـدعى وارث iiالعلم أوضح نهج الطب في iiمعشر مـا زال فـيهم دارس iiالرسم كـأنه مـن لـطف iiأفـكاره يـجول بـين الـدم iiواللحم إن غضبت روح على جسمها أصـلح بـين الروح والجسم وقال:
هل للعليل سوى ابن قرة iiشافي بـعد الإله؟ وهل له من iiكافي؟ أحـيا لـنا رسم الفلاسفة iiالذي أودى وأوضح رسم طب عافي فـكأنه عـيسى بن مريم iiناطقا يـهب الحياة بأيسر iiالأوصاف مـثلت لـه قارورتي فرأى بها مـا اكتن بين جوانحي وشغافي يـبدو لـه الداء الخفي كما iiبدا للعين رضراض الغدير الصافي قال السيد الامين في الاعيان ج 34 ص 35.
العلم والادب يرفعان الوضيع في نفسه وصنعته ومكسبه ونسبه وفقره
أدب الطف ـ الجزء الثالث 290
وخصاصته والجهل يضع الرفيع في نسبه وعشيرته ومنصبه وغناه وثروته عند
أهل العقل وان رفعه ذلك عند اهل الجهل مثله، فأبو تمام الذي كان اول
أمره غلام حائك بدمشق ويسقي الماء من الجرة في جامع مصر رقى به علمه
وأدبه الى معاشرة الملوك والامراء ومدحهم وأخذ جوائزهم الوفيرة حتى صار
يستقل الف دينار يجيزه بها عبدالله بن طاهر فيفرقها على من ببابه
ويحتمل له ابن طاهر ذلك ويجيزه بضعفها ويؤلف ديوان الحماسة فيعطي من
الحظ ما لم يعطه كتاب، والسري الرفا ينتقل من صنعة الرفو والتطريز عند
أحد الرفائين باجر زهيدة وعيش ضنك الى مدح الملوك والوزراء والامراء
فيأخذ جوائزهم النفيسة ويؤلف في الأدب كتاب المحب والمحبوب والمشموم
والمشروب ولا شك ان للزمان والبيئة التأثير العظيم في ذلك فأبو تمام
وجد في عصر راجت فيه بضاعة الشعر والادب أعظم رواج وكثر رائده وانتشر
طالبوه وزهت رياضة وتفتحت اكمام زهره بما أغدقه عليها الملوك والأمراء
من عطاياهم الفياضة، والسري الرفا وجد في دولة بني حمدان وعلى رأسهم
سيف الدولة الذي اجتمع ببابه من الشعراء والادباء ما لم يتفق لغيره
ويتلوه امراء بني حمدان الكثيري العدد الذين مدحهم السري وأخذ جوائزهم
النفيسة وفيهم يقول من قصيدة:
والـحمد حـلي بني حمدان iiنعرفه والـحق أبـلج لا يـلقى iiبـانكار قـوم اذا نـزل الـزوار iiسـاحتهم تـفـيؤا ظــل جـنات iiوأنـهار مـؤمـرون اذا ثـارت iiقـدومهم أفضت الى الغاية القصوى من الثار فـكل أيـامهم يـوم الـكلاب iiاذا عـدت وقـائعهم أو يـوم ذي قار
وقال في اعيان الشيعة ج 34 ص 98 عن ملحق فهرست ابن النديم ص 6 كان
السري الرفاء جاراً لابي الحسن علي بن عيسي الرماني بسوق العطش وكان
كثيراً ما يجتاز بالرماني وهو جالس على باب داره فيستجلسه ويحادثه
يستدعيه الى أن يقول بالاعتزال وكان السري يتشيع فلما طال ذلك عليه
أنشد (وليست في الديوان المطبوع) .
أدب الطف ـ الجزء الثالث 291
أقــارع أعـداء الـنبي iiوآلـه قـراعاً يـفل البيض عند iiقراعه وأعـلـم كـل الـعلم أن iiولـيهم سيجزى غداة البعث صاعاً بصاعه فـلا زال مـن والاهـم في iiعلوه ولا زال مـن عاداهم في iiاتضاعه ومـعـتزلي رام عـزل iiولايـتي عـن الشرف العالي بهم iiوارتفاعه فما طاوعتني النفس في أن iiأطيعه ولا أذن الـقرآن لـي في iiاتباعه طبعت على حب الوصي ولم يكن لـينقل مطبوع الهوى عن iiطباعه
وقال من قصيدة في الغزل:
أجـانبها حـذاراً لا iiاجـتنابا واعـتب كي تنازعني iiالعتابا وأبـعد خـيفة الواشين iiعنها لـكي ازداد في الحب iiاقترابا وتـأبى عـبرتي الا iiانسكابا وتـأبى لـوعتي إلا iiالـتهابا مـررنا بـالعقيق فكم iiعقيق تـرقرق فـي محاجرنا iiفذابا ومـن مغنى جهنا الشوق iiفيه سـؤالا والـدموع لـه جوابا وفي الكلل التي غابت شموس إذا شـهدت ظلام الليل iiغابا حـملت لهن أعباء iiالتصابي ولـم أحمل من السلوان عابا ولـو بعدت قبابك قاب iiقوس مـن الـواشين حيينا iiالقبابا نـصد عن العذيب وقد رأينا عـلى ظـمأ ثـناياك العذابا تـثني الـبرق يذكرني الثنايا عـلى أثـناء دجلة iiوالشعابا وأيـاما عهدت بها iiالتصابي وأوطـانا صحبت بها iiالشبابا قال السيد المدني في انوار الربيع، ومن طريف ما قاله السري الرفاء
أسلاسل البرق الذي لحظ الثرى وهـنا فـوشح روضه بسلاسل أذكرتنا النشوات في ظل iiالصبا والعيش في سنة الزمان iiالغافل أيـام استر صبوتي من iiكاشح عـمداً وأسرق لذتي من iiعاذل أدب الطف ـ الجزء الثالث 292
وقوله:
وصـاحب يقدح iiلي نـار السرور iiبالقدح في روضة قد iiلبست مـن لؤلؤ الطل iiسبح يـألـفني iiحـمامها مـغتبقا ومـصطبح أوقـظه بالعزف iiأو يـوقظني اذا iiصدح والـجو فـي iiممسك طـرازه قوس iiقزح يـبكي بلا حزن iiكما يضحك من غير فرح وقوله:
يـوم خـلعت بـه iiعذاري فـعريت مـن حلل iiالوقار وضـحكت فيه الى iiالصبا والشيب يضحك في عذاري مـتـلون يـبـدي iiلـنـا طـرفاً بـاطراف iiالـنهار فـهواؤه سـكب iiالـرداء وغـيـمه جـافي iiالازار يـبـكي فـيـجمد iiدمـعه والـبـرق يـكحله iiبـنار أدب الطف ـ الجزء الثالث 293
كانت ترجمة الخالديين في الجزء السابق غير وافية بحقهما، ونستدرك هنا
ما فات:
سعيد بن هاشم هو وأخوه شاعران لهما شهرتهما في عالم الادب، كانا ينظمان
الشعر مشتركين ومنفردين، ومدحا الملوك والامراء والكبراء، غير أن السري
الرفاء الموصلي هجاهما بأهاج كثيرة وزعم انهما سرقا شعره. ويقول
الثعالبي في اليتيمة ان السري كان يدعي عليهما سرقة شعره وشعر غيره
ويدس من شعرهما في ديوان كشاجم ليثبت مدعاه. وقال صاحب اليتيمة: كانا
يشتركان في قرض الشعر وينفردان ولا يكادان في الحضر والسفر يفترقان،
وكانا في التساوي والتشابك والتشاكل والتشارك كما قال البحتري:
كالفرقدين اذا تأمل ناظر لم يعل موضع فرقد عن فرقد
بل كما قال ابو اسحاق الصابي فيهما:
أرى الـشاعرين الـخالدين iiسيراً قـصائد يـفنى الـدهر وهي تخلد جـواهر مـن أبـكار لفظ iiوعونه يـقصر عـنها راجـز ومـقصد تـنازع قـوم فـيهما وتـناقضوا ومــر جــدال بـينهم iiيـتردد فـطـائفة قـالت: سـعيد iiمـقدم وطـائفة قـالت لـهم: بـل محمد وصـاروا الى حكمي فأصلح iiبينهم ومـا قـلت إلا بـالتي هي iiأرشد هما في اجتماع الفضل زوج مؤلف ومـعناهما مـن حيث يثبت مفرد أدب الطف ـ الجزء الثالث 294
كـذا فـرقدا الظلماء لما iiتشاكلا علا أشكلا، هل ذاك أم ذاك أمجد فـزوجهما مـا مـثله في iiاتفاقه وفـردهما بـين الـكواكب iiأوحد فـقاموا على صلح وقال جميعهم رضينا وساوى فرقد الارض فرقد وقال يصف غلامه (رشا) :
مـا هـو عـبد لـكنه ولـد خـولـنيه الـمهيمن الـصمد وشـد أزري بـحسن iiخدمته فـهو يـدي والذراع iiوالعضد صـغير سـن كـبير مـنفعة نـماذج الـضعف فيه والجلد فـي سن بدر الدجى وصورته فـمـثله يـصطفى ويـعتمد مـعشق الـطرف كـله iiكحل مـغزل الـجيد حـليه iiالجيد وورد خـديـه iiوالـشـقائق والـتفاح والـجلنار iiمـنتضد ريـاض حـسن زواهر iiأبداً فـيهن مـاء الـنعيم يـطرد وغـصن بـان اذا بـدا واذا شـدا فـقمري بـانة iiغـرد أنـسي ولـهوي وكل مأدبتي مـجتمع فـيه وهـو iiمـنفرد ظـريف مـزح مـليح iiنادرة جـوهر حـسن شـرارة iiتقد ومـنـفق اذا أنــا iiأسـرف ت وبـذرت فـهو iiمـقتصد مـبارك الـوجه مذحظيت iiبه حـالي رخـي وعيشتي iiرغد مـسامري ان دجا الظلام iiفلي مـنه حـديث كـأنه الـشهد خـازن مـا في يدي iiوحافظه فـليس شـيء لـدي iiيـفتقد يـصون كـتبي فـكلها iiحسن يـطوي ثـيابي فـكلها iiجدد وأبصر الناس بالطبيخ فكالمس ك الـقـلايا والـعنبر الـثرد وهـو يـدير المدام ان iiجليت عـروس دنـي نـقابها iiالزبد أدب الطف ـ الجزء الثالث 295
تـمنح كـأسي يـد iiأنـاملها تـنحل مـن لـينها وتـنعقد مـثقف كـيس فـلا iiعـوج فـي بـعض أخلاقه ولا iiأود وصير في القريض وزان iiدينا ر الـمـعاني الـجياد iiمـنتقد ويـعرف الشعر مثل معرفتي وهـو عـلى أن يزيد iiمجتهد وكـاتب تـوجد الـبلاغة iiفي ألـفاظه والـصواب iiوالرشد وواجـد بي من المحبة iiوالرأ فـة أضـعاف مـا بـه iiأجد اذا تـبـسمت فـهو iiمـبتهج وإن تـنمرت فـهو iiمـرتعد ذا بـعض أوصافه وقد iiبقيت لـه صـفات لـم يحوها iiأحد وقال، وهو مما ينسب الى الوزير المهلبي ـ كما روى الثعالبي
فديتك مـا شبت مـن كبرة
وهذي سني وهذا الحسـاب
ولكـن هجرت فحل المشيب
ولو قد وصلت لعاد الشباب
وقوله:
ظالم لي وليته الدهر يبقى ويظلم وصله جنة ولكن جفاه جهنم
ومن شعره ـ كما في اليتيمة:
أما ترى الطل كيف يلمع iiفي عيون نور تدعو الى الطرب فـي كـل عين للطل iiلؤلؤة كـدمعة فـي جفون iiمنتحب والصبح قد جردت iiصوارمه والـليل قد هم منه iiبالهرب والـجو فـي حـلة ممسكة قـد كـتبتها البروق بالذهب |